البناية
شرح الهداية باب التمتع التمتع أفضل من الإفراد، وعن
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإفراد أفضل؛ لأن المتمتع سفره واقع
لعمرته، والمفرد سفره واقع لحجته. وجه ظاهر الرواية أن في التمتع جمعا بين
العبادتين فأشبه القران، ثم فيه زيادة نسك، وهي إراقة الدم، وسفره واقع
لحجته، وإن تخللت العمرة؛ لأنها تبع الحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعي
إليها. والمتمتع على وجهين متمتع يسوق الهدي ومتمتع لا يسوق الهدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب التمتع]
[تعريف التمتع]
م: (باب التمتع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التمتع، وإنما أخره عن
القران، لأنه أفضل من التمتع عندنا، والتمتع من المتاع والمتعة، وهو ما
ينتفع به كيف كان، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المتاع السلعة
والمتاع أيضاً لمنفعته، وما تمتعت به، وقد متع به يتمتع تمتعاً، والاسم
المتعة ومنه متعة النكاح ومتعة الطلاق ومتعة الحج لأنه الانتفاع. وفي "
المشارق " متعة الحج جمع غير المكي بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سفر
واحد.
وفي المتعة بضم الميم، وعن الخليل كسر ميم متعة الحج دون متعة النكاح، وقال
ابن الأثير قد تمتع بالعمرة في أيام الحج، أي يتمتع، لأنهم كانوا لا يرون
العمرة في أشهر الحج، فأجازها الإسلام. وفي " مجمع الغرائب " أمتع الله بك،
أي أطال الله عمرك حتى يتمتع بك، فالكل يرجع إلى المتعة، وقيل سمى المتمتع
متمتعاً لأنهم يتمتعون بالنساء والطيب بين التمتع والعمرة والحج.
[المفاضلة بين التمتع والإفراد] 1
م: (التمتع أفضل من الإفراد) ش: هذا ظاهر الرواية عن أصحابنا، لأن فيه
جمعاً بين العبادتين، فكان أفضل كالقران م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أن الإفراد أفضل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
اصح قوليه ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن المتمتع سفره واقع لعمرته،
والمفرد سفره واقع لحجته) ش: لأن المتمتع محرم من الميقات للعمرة، ثم يدخل
مكة ويبدأ بأفعالها ثم يحرم بالحج، فيكون سفره واقعاً للعمرة، فإن بعد
الفراغ من أفعالها يعتبر مقيما ًحكماً كالمكي، ولهذا لا يطوف للتحية
كالمكي. م: (وجه ظاهر الرواية أن في التمتع جمعا بين العبادتين فأشبه
القران، ثم فيه زيادة نسك، وهي إراقة الدم، وسفره واقع لحجته، وإن تخللت
العمرة؛ لأنها تبع للحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعي إليها) ش: يعني أن
السنة تخللت بين صلاة الجمعة، وبين السعي إلى صلاة الجمعة، ومع هذا لم يكن
السعي إلى السنة بل إلى فرض الجمعة م: (والمتمتع على وجهين متمتع) ش: أي
أحدهما متمتع م: (بسوق الهدي) ش: وهو ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر
والغنم م: (ومتمتع) ش: أي والآخر متمتع م: (لا يسوق الهدي) ش: وربما يكون
بغير
(4/300)
ومعنى التمتع الترفق بأداء النسكين في سفر
واحد من غير أن يلم بأهله بينهما إلماما صحيحا، ويدخله اختلافات نبينها إن
شاء الله تعالى، وصفته أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج، فيحرم بالعمرة
ويدخل مكة فيطوف لها، ويسعى لها، ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته،
وهذا هو تفسير العمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سوق الهدي، وذلك أن التمتع هو الترفق بأداء النسكين، وربما يكون ذلك بسوق
الهدي، وربما يكون بغير سوق الهدي.
[معنى التمتع وصفته]
م: (ومعنى التمتع الترفق) ش: من الرفق، وأراد به الانتفاع م: (بأداء
النسكين) ش: وهما العمرة والحج م: (في سفر واحد من غير أن يلم) ش: بضم
الياء مصدره الإلمام يقال: ألم م: (بأهله) ش: إذا نزل م: (بينهما إلماما
صحيحا) ش: احترز به عن الإلمام الفاسد، فإنه لا يمنع صحة التمتع عند أبي
حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
والإلمام الصحيح النزول في وطنه من غير بقاء صفة الإحرام، وعند مالك -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: البلد المساوي لبلده، مثل بلده في ذلك. وعند
الشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الاعتبار بمسافة القصر.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين: عرف المصنف التمتع
بقوله: ومعنى التمتع الترفق ... إلى آخره، واعترض عليه بأنه غير مانع لدخول
من يترفق بهما إذا كان أحدهما في غير أشهر الحج والآخر في أشهر الحج، وكذا
إذا وجد النسكان في كل أشهر الحج، لكل أحد فيما حصل في أشهر الحج من هذه
السنة في السنة الأخرى، فإنهما ليسا بمتمتعين، وكان الواجب أن يقول التملك
التمتع، وهو الجمع بين النسكين في أشهر الحج في سنة واحدة من غير إلمام
بأهله إلماماً صحيحاً انتهى.
قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه اعترض
هكذا في " شرحه " ثم أجاب الأكمل بقوله: والجواب أن ما ذكره المصنف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - هو تفسير، وأما كون الترفق في أشهر الحج في عام واحد
فهو شرطه.
م: (ويدخله) ش: أي يدخل الإلمام الصحيح م: (اختلافات نبينها إن شاء الله
تعالى) ش: يعني في هذا الباب م: (وصفته) ش: أي صفة المتمتع م: (أن يبتدئ من
الميقات في أشهر الحج، فيحرم بالعمرة ويدخل مكة فيطوف لها، ويسعى لها) ش:
يعني بين الصفا والمروة سبعة أشواط م: (ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته) ش:
هكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صفة عمرة المتمتع، أشار إليه
المصنف بقوله:
م: (وهذا هو تفسير العمرة) ش: وهي الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق،
والتقصير، ثم يحرم بالحج من الحرم ويفعل مثلما يفعل المحرم بالحج فإذا حلق
يوم النحر فقد حل من إحرامي العمرة والحج جميعاً.
(4/301)
وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما
ذكرنا، هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة
القضاء. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حلق عليه، إنما العمرة والطواف
والسعي، وحجتنا عليه ما روينا. وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] (27 الفتح) الآية، نزلت في عمرة القضاء؛ ولأنها
لما كان لها تحرم بالتلبية كان لها تحلل بالحلق كالحج.
ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، وقال مالك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: يحلق أو يقصر، هذا التخيير فيمن لم يكن بشعره علة أو مقصوصاً أو
مضفوراً، وإنما لم يذكر طواف القدوم؛ لأنه ليس للعمرة طواف الصدر، وعن
الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لها طواف الصدر م: (وكذلك إذا أراد) ش: أي
المتمتع م: (أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا) ش: يعني الإحرام، والطواف،
والسعي، والحلق، والتقصير. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد قوله: أو
يقصر ظاهر كلام المصنف وغيره أن التحلل حتم لمن لم يسق الهدي، وذكره
الأسبيجابي، والوبري هو بالخيار إن شاء أحرم بالحج بعدما حل من عمرته
بالحلق، أو التقصير، وإن شاء أحرم قبل أن يحل من عمرته، ولو ساق الهدي لا
يحلق، وبقولنا قال أحمد، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومالك
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: المتمتع يحلق، أو يقصر ساق الهدي أو لا.
م: (هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة
القضاء) ش: وقصته «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من
المدينة عام الحديبية للعمرة، فلما وصل الحديبية منعه أهل مكة من الدخول
فيها وصالح معهم، وحلق ثم جاء السنة الأخرى فأتى بالطواف والسعي ثم حلق
قضاء لتلك العمرة» وعام الحديبية كان في سنة ست. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا حلق عليه) ش: أي على المعتمر م: (وإنما العمرة الطواف
والسعي) ش: وقد وجدا، وبه قال إسحاق بن راهويه، وعن ابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - الطواف. وقال ابن بطال في " شرح البخاري ": اتفقت أئمة
الفتوى على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى وإن لم يكن حلق ولا قصر.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماعه قبل الحلق مفسد لعمرته، وقال ابن
المنذر: لا أعلم أحداً قاله غيره. قال: وقال مالك، والثوري - رحمهما الله -
والكوفيون: عليه الهدي.
م: (وحجتنا عليه) ش: أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما روينا) ش:
وهو قوله: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
عمرة القضاء م: (وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] (الفتح: الآية 27) نزلت في عمرة القضاء؛
ولأنها) ش: أي ولأن العمرة م: (لما كان لها تحرم بالتلبية كان لها تحلل
بالحلق) ش: والآية المذكورة تدل على ذلك. وفي " الذخيرة " للمالكية: التحلل
في العمرة بالحلق؛ لأن السعي ركن فيها كالوقوف في الحج، ويقع التحلل منه
برمي الجمرة م: (كالحج) ش: أي كما يقع التحلل في الحج بالحلق، وعند
المالكية برمي الجمرة.
م: (ويقطع) ش: أي المعتمر م: (التلبية إذا ابتدأ بالطواف) ش: أي بطواف
عمرته، وهذا قول الجمهور م: (وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لما
يقع بصره أو يقطعها.
(4/302)
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: كما وقع بصره على
البيت؛ لأن العمرة زيارة البيت وتتم به. ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر؛» ؛ ولأن
المقصود هو الطواف فيقطعه عند افتتاحه، ولهذا يقطعها الحاج عند افتتاح
الرمي.
قال: ويقيم بمكة حلالا؛ لأنه حل من العمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كما وقع بصره على البيت؛ لأن العمرة زيارة البيت وتتم به) ش: أي وتتم
الزيارة بوقوع البصر على البيت.
م: (ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء
قطع التلبية حين استلم الحجر» ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن ابن أبي ليلى
عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم
الحجر» وقال: حديث صحيح، ورواه أبو داود، ولفظه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» .
م: (ولأن المقصود) ش: أي من العمرة م: (هو الطواف فيقطعه) ش: أي فيقطع
التلبية، وكان ينبغي أن يقول: فيقطعها، ولكنه ذكره على تأويل الإهلال، قال
الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصواب أن يقال: إنما ذكره باعتبار أن
التلبية إن كان مصدراً فيجوز فيه التذكير والتأنيث وإن كان اسماً فباعتبار
المذكور م: (عند افتتاحه) ش: أي عند افتتاح الطواف، أي ابتدائه بالاستلام.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قطع التلبية عند نسك من المناسك م: (يقطعها الحاج
عند افتتاح الرمي) ش: يعني عند أول حصاة من حجرة العقبة يوم النحر؛ لأنه
نسك، والحاصل أن قطع التلبية إنما يكون عند نسك من المناسك، وافتتاح الطواف
باستلام الحجر نسك فيقطعها عنده، وكذلك يقطع المفرد بالحج عند أول حصاة من
جمرة العقبة.
فإن قلت: ينبغي أن يقطع المفرد بالحج التلبية إذا ابتدأ بطواف القدوم لأنه
نسك أيضاً.
قلت: التعليل في تعارض النص لا يجوز، وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أردف الفضل من مزدلفة إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة
العقبة» .
م: (قال) ش: أي القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ويقيم بمكة حلالاً؛
لأنه حل من العمرة) وقال في " شرح الأقطع ": هذا الذي ذكره القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس على وجه الشرط، وإنما معناه إن أراد أن يقيم ليحج
من عامه فليقم حلالاً إلى وقت إحرام الحج، وإن لم يرد أن يحج من عامه فلا
يقيم.
(4/303)
قال: فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من
المسجد،
والشرط أن يحرم من الحرم أما المسجد فليس بلازم؛ وهذا لأنه في معنى المكي،
وميقات المكي في الحج الحرم على ما بينا وفعل ما يفعله الحاج المفرد؛ لأنه
مؤد للحج، إلا أنه يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده؛ لأن هذا أول طواف له
في الحج، بخلاف المفرد؛ لأنه قد سعى مرة، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم
بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ولا سعى بعده؛
لأنه قد أتى بذلك مرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد) ش: أي المسجد الحرام
والإحرام يوم التروية ليس بشرط لازم؛ بل تقديمه على يوم التروية أفضل، وفي
" المبسوط " و " المحيط ": ولو قدم الإحرام على يوم التروية جاز، بل هو
الأفضل لما أنه أشق، وفيه المسارعة إلى العبادة، وهذه الأفضلية ليست بمختصة
لسائق الهدي، بل هي تقديم إحرام الحج للمتمتع أفضل مطلقاً، وبه قال مالك،
وقال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لغير واحد: الهدي يستحب أن يحرم
به قبل اليوم السادس.
م: (والشرط أن يحرم من الحرم أما المسجد فليس بلازم؛ وهذا) ش: أي عدم لزوم
الإحرام من المسجد م: (لأنه في معنى المكي، وميقات المكي في الحج الحرم على
ما بينا) ش: أي في آخر فصل المواقيت، وهو قوله: ومن كان بمكة فوقته في الحج
الحرم، وفي الحل، وقال الكاكي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يمكن أن يؤول
المسجد بالحرم لما أن المراد منه المسجد الحرام، والمسجد الحرام عبارة عن
جميع الحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ} [التوبة: 28] ... [التوبة: الآية 28] ، وقيل: المراد الحرم،
لكن ذكر المسجد لما أن الإحرام منه أفضل م: (وفعل) ش: أي هذا الذي فرع من
العمرة وحل ثم أحرم بالحج يفعل م: (ما يفعله الحاج المفرد؛ لأنه مؤد للحج)
ش: أي لأنه في صدد أداء الحج وتعلق به أفعال المفرد.
م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: وفعل ما يفعله الحاج المفرد، يعني إلا أن
هذا المؤدي م: (يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده) ش: أي يسعى بين الصفا
والمروة بعد طواف الزيارة م: (لأن هذا أول طواف له في الحج، بخلاف المفرد؛
لأنه قد سعى مرة) ش: لأن السعي لا يتكرر ولا يرسل في طواف الزيارة لعدم
السعي بعده.
م: (ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم
يرمل في طواف الزيارة ولا يسعى بعده؛ لأنه قد أتى بذلك مرة) ش: فلا يأتي به
مرة أخرى، والمصنف لم يذكر في الاستثناء إلا صورة واحدة وشيئان آخران
استثنى أحدهما أن لا يطوف طواف القدوم؛ لأنه في معنى المكي، ولا يسن في حق
المكي طواف القدوم بخلاف المفرد بالحج والقارن.
فإن طواف القدوم يسن في حقهما، والآخر أنه يجب عليه الهدي، فيكره الجمع بين
النسكين، بخلاف المفرد، فإنه لا يجب في حقه الهدي بل يستحب.
(4/304)
وعليه دم المتمتع، للنص الذي تلوناه. فإن
لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع على الوجه الذي بيناه في
القران. فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر لم يجزه عن الثلاثة؛ لأن سبب
وجوب هذا الصوم التمتع؛ لأنه بدل عن الدم وهو في هذه الحالة غير متمتع فلا
يجوز أداؤه قبل وجود سببه. وإن صامها بمكة (بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف
جاز عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له قَوْله تَعَالَى
{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (196 البقرة)
ولنا أنه أداه بعد انعقاد سببه، والمراد بالحج المذكور في النص وقته على ما
بينا، والأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها وهو يوم عرفة لما بينا في القران.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعليه دم المتمتع، للنص الذي تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
[البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) أي فعليه ما استيسر من الهدي الذي هو من
الإبل والبقر والغنم.
م: (فإن لم يجد) ش: أي الهدي م: (صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة) ش: أي صام
سبعة أيام م: (إذا رجع إلى أهله على الوجه الذي بيناه في القران) ش: عند
قوله: وإذا لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة وقد
مضى الكلام فيه هناك مستقصى م: (فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر) ش:
أي أحرم للعمرة م: (لم يجزه عن الثلاثة؛ لأن سبب وجوب هذا الصوم التمتع؛
لأنه بدل عن الهدي وهو في هذه الحالة غير متمتع) ش: لا حقيقة ولا حكماً أما
حقيقة فظاهر، وأما حكماً فكأنه لم يحرم بها م: (فلا يجوز أداؤه قبل وجود
سببه) .
م: (وإن صامها بمكة (بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف جاز عندنا) ش: وبه قال
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنه يجوز بعد التحلل من العشرة م:
(خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فإن عنده لا يجوز م: (له) ش:
أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) وجه الاستدلال
به أنه تعالى أخبر أن صيامه يجب أن يكون في الحج وما لم يحرم بالحج لا
يجوز.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المتمتع م: (أداه) ش: أي أدى الصوم م: (بعد انعقاد
سببه) ش: لأن السبب ما ذكره الله تعالى وهو التمتع بالعمرة إلى الحج؛ لأنه
طريق يتوصل به إلى التمتع وأداء المسبب بعد تحقق السبب جائز م: (والمراد
بالحج المذكور في النص وقته على ما بينا) ش: يعني في القران، إذ نفس الحج
لا يصلح أن يكون ظرفاً، والمراد وقت الحج م: (والأفضل تأخيرها) ش: أي تأخير
صيام ثلاثة أيام م: (إلى آخر وقتها وهو يوم عرفة لما بينا في القران) ش:
وقد مر في القران أن الأفضل أن يصوم قبل يوم التروية، ويوم عرفة؛ لأن الصوم
بدل عن الهدي، فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل، وإن صام
سبعة أيام بعد فراغه من الحج قبل الرجوع إلى أهله جاز عندنا، وإذا فات صوم
ثلاثة أيام حتى أتى يوم النحر لم يجزئه إلا الدم، وفيه
(4/305)
وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم، وساق
هديه، وهذا أفضل؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ساق
الهدايا مع نفسه؛ ولأن فيه استعدادا أو مسارعة. فإن كانت بدنة قلدها بمزادة
أو نعل لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على ما رويناه، والتقليد
أولى من التحليل؛ لأن له ذكرا في القرآن؛ ولأنه للإعلام، والتجليل للزينة،
ويلبي، ثم يقلد؛ لأنه يصير محرما بتقليد الهدي والتوجه معه على ما سبق،
والأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية ويسوق الهدي، وهو أفضل من أن يقودها؛
لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أحرم بذي الحليفة وهداياه تساق
بين يديه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خلاف مالك، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقد مر في القران.
[سوق الهدي وإشعاره وتقليده]
م: (وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم) ش: أي أحرم بالعمرة لا يحرم
بالحج ما لم يفرغ من العمرة م: (وساق هديه، وهذا أفضل) ش: أي هذا الذي يسوق
الهدي أفضل من الذي لا يسوق م: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ساق الهدايا مع نفسه» ش: هذا رواه البخاري، ومسلم «عن ابن عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه
الهدي ... الحديث» م: (ولأن فيه) ش: أي في سوق الهدي م: (استعدادا) ش: أي
تهنئة للخير م: (أو مسارعة، فإن كانت بدنة) ش: هديه بدنة باعتبار الخبر م:
(قلدها بمزادة) ش: وهي سفرة السفر م: (أو نعل لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -) ش: «فقالت: أنا فتلت قلائد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» ، رواه الأئمة الستة م: (على ما رويناه) ش: أراد به ما ذكر
قبل باب القران.
م: (والتقليد أولى من التحليل؛ لأن له) ش: أي التقليد م: (ذكرا في القرآن)
ش: وهو قوله: {وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97] [المائدة: الآية
97] ، وفي بعض النسخ: ذكر في الكتاب أي في كتاب الله تعالى م: (ولأنه) ش:
أي ولأن التقليد م: (للإعلام) ش: أي أنه هدي م: (والتجليل للزينة) ش: ولدفع
الحر، والبرد، ودفع الذباب م: (ويلبي ثم يقلد؛ لأنه يصير محرما بتقليد
الهدي والتوجه معه على ما سبق) ش: أي ذكر قبل باب القران، فقوله: ومن قلد
بدنة تطوعاً.
م: (والأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية) ش: قال الأترازي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: الواو في: والأولى للحال.
قلت: فيه ما فيه، بل المعنى أنه إن قلد البدنة وساقها بنية الإحرام يصير
محرماً، سواء لبى بعد ذلك أو لم يلب، ولكن الأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية
ثم قلد البدنة وساقها م: (ويسوق الهدي وهو) ش: أي السوق دل عليه قوله:
ويسوق.
م: (أفضل من أن يقودها؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أحرم من ذي الحليفة وهداياه تساق بين يديه» ش: لما روى البخاري، ومسلم «عن
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.. الحديث وقد مضى الآن.
(4/306)
ولأنه أبلغ في التشهير إلا إذا كانت لا
تنقاد فحينئذ يقودها. قال: وأشعر البدنة عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله
-، ولا يشعر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكره. والإشعار هو
الإدماء بالجرح لغة،
وصفته أن يشق سنامها بأن يطعن في أسفل السنام من الجانب الأيمن أو الأيسر
قالوا: والأشبه هو الأيسر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
طعن في جانب اليسار مقصودا وفي جانب اليمين اتفاقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه) ش: أي لأن السوق م: (أبلغ في التشهير) ش: بأنه هدي م: (إلا إذا
كانت لا تنقاد) ش: هذا استثناء من قوله: وهو أفضل ممن يقودها، وهو ظاهر م:
(فحينئذ يقودها) ش: أي حين كونها لا تنقاد، ويقودها م: (وأشعر البدنة) ش:
وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وأشعر البدنة
م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد) ش: وبه قال مالك، والشافعي،
وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإن الإشعار عندهم يستحب، لكن عند
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو من قبل
اليمين، وعند غيرهما من قبل اليسار م: (ولا يشعر عند أبي حنيفة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وفي بعض النسخ: ولا يشعرها أي البدنة م: (ويكره) ش:
أي الإشعار.
ثم أشار إلى تفسير الإشعار بقوله: م: (والإشعار هو الإدماء بالجرح) ش: أي
إخراج الدم من البدنة بجرحها، وفي " المبسوط " الإشعار الإعلام، سمى هذا
الفعل بذلك لأنه إعلام لها م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة، يعني الإشعار في
اللغة إشعار الدماء بالذبح ونحوه، ومنه حديث مكحول - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- لمن أشعر علجاء وقتله، أي طعنه بالرمح حتى دخل السنان جوفه، وأما معناه
شرعاً فهو ما أشار إليه بقوله.
م: (وصفته) ش: أي صفة الإشعار م: (أن يشق سنامها) ش: أي سنام البدنة م:
(بأن يطعن في أسفل السنام من الجانب الأيمن أو الأيسر) ش: وفي النهاية وصفة
الإشعار، وهو أن يضرب بالمنصع في أحد جانبي سنام البدنة حتى يخرج الدم
منها، ثم يلطخ بذلك الدم سنامها.
م: (قالوا) ش: أي علماؤنا المتأخرون مثل فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وغيره م: (والأشبه) ش: أي الصواب في البدنة م: (هو الأيسر) ش: يعني هو
الطعن بالرمح في أسفل السنام من الجانب الأيسر وقد مر بيانه فيما مضى م:
(لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعن في جانب اليسار
مقصودا) ش: أي من حيث القصد إليه.
م: (أو في جانب اليمين اتفاقا) ش: أي وقع من حيث الاتفاق لا من حيث المقصد،
والمقصود أن ذلك كله روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-. أما رواية الطعن في اليمين فأخرجها مسلم عن أبي حسان عن ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن.»
وأما رواية الطعن في الأيسر فرواها أبو يعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "
مسنده " حدثنا زهير حدثنا
(4/307)
ويلطخ سنامها بالدم إعلاما، وهذا الصنع
مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما حسن، وعند الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة؛ لأنه مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -، وعن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يزيد بن هارون حدثنا شعبة عن الحجاج عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لما أتى ذا الحليفة اشعر بدنته في شقها الأيسر ثم سلت الدم
بأصبعه، فلما علت به راحلته البيداء لبى» انتهى.
وقال ابن عبد البر في كتاب " التمهيد " هذا عندي منكر، والمعروف حديث ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي أخرجه مسلم وغيره من الجانب الأيمن
لا يصلح فيه غير ذلك، إلا أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان
يشعر بدنته من الجانب الأيسر.
قلت: هذا رواه مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في موطئه عن نافع عن ابن عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وكذلك قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن
الإشعار من قبل اليمين ووجه القول بالأشبه إلى الصواب هو أن الهدايا كانت
مقبلة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يدخل من
كل بعير من قبل الرأس، وكان الرمح بيمنه لا محالة، فكان طعنه يقع عادة
أولاً على يسار البعير، ثم كان يطعن عن يمينه ويشعر الآخر من قبل يمين
البعير اتفاقاً للأول لا قصداً إليه، فصار الأمر الأصلي أحق باعتبار إذا
كان واحدا.
م: (ويلطخ سنامها بالدم إعلاما) ش: أي للإعلام بأنها هدي م: (وهذا الصنع)
ش: أي الإشعار م: (مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال
الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أعلم أحداً أنكر الإشعار إلا أبا حنيفة،
وقال السروجي: مما ليس بحجة وما لا يعلمه كثير، وبه قال إبراهيم النخعي،
ومذهبه قبل مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وعندهما) ش: أي
عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (حسن) ش: وهو أدنى من السنة، وقيل
إن معناه إن تركه لا يضره، وفي " جامع الأسبيجابي " الإشعار عندهما وعند
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة، لكن ذكر في " الجامع الصغير " أنه حسن،
ولم يذكر أنه سنة.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة؛ لأنه) ش: أي لأن الإشعار م:
(مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وقد مر الآن م:
(وعن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقد روى مسلم في صحيحه والأربعة
حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلد نعلين وأشعر الهدي» .
(4/308)
ولهما أن المقصود من التقليد أن لا يهاج
إذا ورد ماء، أو كلأ أو يرد إذا ضل وأنه في الإشعار أتم؛ لأنه ألزم فمن هذا
الوجه يكون سنة، إلا أنه عارضه جهة كونه مثلة بحسنه، فقلنا نحن نحسنه ولأبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مثلة، فإنه منهي عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم يرون إشعاراً لهم، ويدخل في قوله من
أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخلفاء الراشدون
وغيرهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد ذكرنا غيره مرة أن
الهدي من الإبل والبقر والغنم، وأن الإشعار في الإبل.
وقال شيخنا اختلفوا في إشعار البقر، فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والجمهور إلى إشعارها واتفقوا على أن الغنم لا تشعر، واختلفوا في تقليد
الغنم، فذهب الشافعي وأحمد - رحمهما الله - والجمهور أنها تقلد ذات القرن،
وذهب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن
الغنم لا تقلد.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله م: (أن المقصود من التقليد
أن لا يهاج) ش: يعني أن لا تطرد عن الماء والكلأ، وفي " المغرب " هاجه
فهاج، أي هيجه فبعثه يتعدى ولا يتعدى م: (إن ورد ماء، أو كلأ أو يرد إذا
ضل) ش: أي إذا أتاه م: (وإنه) ش: أي وإن الإشعار م: (أتم) ش: أي من التقليد
م: (لأنه ألزم) ش: أي لأن القلادة ربما تنقطع من عنق البعير وتسقط،
والإشعار لا يفارقه م: (فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه أن الإشعار أتم وألزم
من التقليد م: (يكون سنة، إلا أنه عارضه جهة كونه مثلة) ش: يقال مثلت
بالحيوان أمثل به مثلاً إذا قطعت أطرافه وشوهت، وهو من باب نصر ينصر نصراً،
والمثلة الاسم م: (فقلنا نحن نحسنه) ش: أي نحسن الإشعار، وفيه تأمل لا
يخفى.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن الإشعار م: (مثلة
فإنه) ش: أي فإن فعل المثلة م: (منهي عنه) ش: وجاءت به في النهي عن المثلة
أحاديث منها ما رواه البخاري عن عبد الله ابن يزيد الأنصاري - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عن النهبة والمثلة» هكذا عزاه عبد الحق للبخاري، ومنها ما رواه أبو داود
عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحث على الصدقة وينهى عن المثلة» .
ومنها ما رواه أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه عن ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن
من مثل بالحيوان» ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " «عن عمران بن
الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة» ومنها ما رواه أيضاً
عن المغيرة بن شعبة قال نهى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن المثلة» ومنها ما رواه الطبراني عن أبي
(4/309)
ولو وقع التعارض فالترجيح للمحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النهبة والمثلة» ومنها ما رواه أيضاً عن الحكم بن
عمير وعامر بن قرط قالا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لا تمثلوا بشيء من خلق الله - عز وجل - فيه روح» .
م: (ولو وقع التعارض فالترجيح للمحرم) ش: وفي بعض النسخ ومتى وقع التعارض
وأراد أن القاعدة إذا وقع التعارض بين الحديثين الذي أحدهما يقتضي الإباحة
والآخر يقتضي التحريم، فالذي يقتضي التحريم يرجح على الذي يقتضي الإباحة،
وهاهنا وقع انتقاض بين كون أن الإشعار سنة، وبين كونه مثلة، وفي كونه
حراماً، فالرجحان للمحرم والمعنى الفقهي أن المبيح يوجب جواز الامتناع،
والمحرم واجب الامتناع، والواجب أقوى من الجائز، وكان جماعة من العلماء
فهموا عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النسخ في ذلك، حتى قال
السهيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الروض الأنف "، فكان النهي عن
المثلة بأثر غزوة أحد، وحديث الإشعار في حجة الوداع، فكيف يكون الناسخ
متقدما ًعلى المنسوخ انتهى.
قلت: ليس في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل على أن الإشعار منسوخ
بحديث النهي عن المثلة في أول مقدمه للمدينة، وأشعر - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدايا في آخر أيام حياته عام حجة الوداع، فلو كان
الإشعار من باب المثلة لما أشعر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لأنه نهى عنها قبل ذلك، انتهى.
قلت: كلامه مع المصنف حيث قال ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن
الإشعار مثلة، ولا إشكال هنا، لأن مراد أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس
مطلق المثلة، وإنما مراده المثلة التي لا يباح فعلها كقطع عضو من الأعضاء،
وفي معناه الإشعار بالرمح والشفرة، وأما الإشعار الذي وصفوه بالمنصع أو
بالشيء الذي يقطع الجلد دون اللحم، فلا يكره. وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - ما كره أصل الإشعار، وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الآثار.
وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإنما كره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
- إشعار أهل زمانه، لأنه رآهم يفضون في ذلك على وجه يخاف منه هلاك البدنة
لسرايته، خصوصاً في حر الحجاز فرأى الصواب في سد هذا الباب على العامة،
لأنهم لا يقفون على الحد.
وفي " المبسوط " وأما من وقف على ذلك بأن قطع الجلد فقط دون اللحم فلا بأس
بذلك، والحاصل أن الذي قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يدخل في باب
المثلة الحقيقية حتى يرد عليه شيء، والذي ذهب إليه كالمثلة التي أبيح فعلها
كالختان وشق أذن الحيوان للعلامة ولا شك أن الختان هو قطع عضو، مع أنه فرض
عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وسنة مؤكدة عندنا فارقة
(4/310)
وإشعار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كان لصيانة الهدي؛ لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا
به. وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كره إشعار أهل زمانه
لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية، وقيل: إنما كره إيثاره على
التقليد.
قال: فإذا دخل مكة طاف، وسعى، وهذا للعمرة، على ما بينا في متمتع لا يسوق
الهدي إلا أنه لا يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين الإسلام والكفر، حتى لو اجتمع قوم على تركه قوتلوا عليه ولا كذلك
الإشعار، فإن الناس تركوه عن آخرهم ولم ينكر على ذلك أحد.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أنهما رخصا في تركه، ولا يظن بهما الترخص في تركهما سنة النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فعله مرة، وفي " جامع الأسبيجابي " معنى قول الراوي أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشعر بدنته أعلمها بعلامة، ويمكن أن
يكون ذلك سوى الجرح؛ لأن الإشعار هو الإعلام، كذا ذكره الإمام المحبوبي.
م: (وإشعار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لصيانة الهدي)
ش: هذا جواب عما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مروي عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقرير الجواب أن يقال سلمنا أنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشعر، ولكن لاحتياجه إلى ذلك وهو
صيانة الهدي، أي حفظها م: (لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا به) ش: أي
لأن المشركين ما كانوا يمتنعون عن تعريض الهدي إلا بالإشعار.
م: (وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كره إشعار أهل زمانه
لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية) ش: أي من الإشعار والمراد إلى
هلاك الهدي، وقد ذكرناه الآن م: (وقيل: إنما كره إيثاره على التقليد) ش: أي
اختياره وتخصيصه على التقليد، لأنه يحصل من التقليد ما هو الغرض من
الإشعار.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإذا دخل) ش: أي المتمتع
م: (مكة طاف) ش: بالبيت سبعة أشواط م: (وسعى) ش: يبن الصفا والمروة سبعة
أشواط م: (وهذا) ش: أي هذا الفعل، وهو الطواف والسعي م: (للعمرة) ش: لا
للحج م: (على ما بينا في متمتع لا يسوق الهدي) ش: أراد به ما ذكر في أول
الباب عند قوله وصفته، أي يبتدئ من الميقات فيبتدئ بالعمرة م: (إلا أنه) ش:
أي غير أنه م: (لا يتحلل) ش: بعد فراغه من العمرة، لأنه ساق الهدي بين
متمتع يسوق الهدي، ومتمتع لا يسوق، لأنهما يتساويان في نفس الطواف والسعي،
ولكن الذي يسوق الهدي لا يتحلل بعد فراغه من العمرة م: (حتى يحرم بالحج) ش:
يحرم هنا برفع الميم، لأن حتى هنا ليست للغاية لفساد المعنى، لأن معناه لا
يتحلل إلا بعد الإحرام بالحج، وليس كذلك، لأنه لا يتحلل إلا إذا حلق يوم
النحر، فحينئذ تكون حتى هنا للحال كما في قولهم مرض حتى لا يرجونه م: (يوم
التروية) ش: وفي الجارية هذا ليس بلازم حتى لو أحرم يوم عرفة أو قبل يوم
التروية يجوز، ولكن إحرام أهل مكة يوم التروية فلعله خصه بهذا المعنى.
(4/311)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة وتحللت
منها»
وهذا ينفي التحلل عند سوق الهدي. ويحرم بالحج يوم التروية كما يحرم أهل مكة
على ما بينا. وإن قدم الإحرام قبله جاز، وما عجل المتمتع من الإحرام بالحج
فهو أفضل لما فيه من المسارعة، وزيادة المشقة، وهذه الأفضلية في حق من ساق
الهدي، وفي حق من لم يسق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت
لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة وتحللت منها» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري
ومسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا
مكة أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نجعلها
عمرة، وقال: " لو استقبلت....» الحديث، ومعناه لو علمت أولاً ما علمت آخراً
من أن سوق الهدي مانع من التحلل لما سقت الهدي ولجعلت الحجة عمرة بأن
اكتفيت بالعمرة بنسخ الحجة بها، ولكني سقت الهدي، فلأجل هذا ما أقدر أن
أجعلها عمرة فعلم بهذا أن سوق الهدي مانع من التحلل، وقال الكاكي: قوله من
أمري يشعر على أن المراد منه سوق الهدي والتحلل شيء آخر، وكلمة ما في
استدبرت بمعنى الذي.
قوله - لجعلتها - أي السفرة أو الحجة أو الحج باعتبار الخبر. قوله - وتحللت
منها - أي من العمرة، وإنما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أصحابه أن يفسخوا إحرام الحج ويجعلوه عمرة لما بلغوا مكة تحقيقاً لمخالفة
المشركين، وكانوا لا يفسخون ولا يحلقون وينتظرون رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل يحلق أو لا، فاعتذر النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: «لو استقبلت» ... إلى آخره وبقولنا قال
أحمد، وقال مالك والشافعي - رحمهما الله: المتمتع الذي ساق الهدي إذا فرغ
من أفعال العمرة يتحلل كمن لم يسق الهدي إلا أن عند مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لا ينحر هديه إلا يوم النحر وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ينحر عند المروة.
[ما يلزم المتمتع من الدم والصيام]
م: (وهذا) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ينفي
التحلل عند سوق الهدي) ش: أي عند سوق المتمتع الهدي م: (ويحرم بالحج يوم
التروية كما يحرم أهل مكة) ش: لأن إحرامه مكي م: (على ما بينا) ش: إشارة
إلى ما قال، وعليه دم التمتع للنص الذي تلونا، يعني قَوْله تَعَالَى:
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة:
الآية 196) ، م: (وإن قدم الإحرام قبله) ش: أي قبل يوم التروية م: (جاز) ش:
بل هو أفضل، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأفضل للمتمتع الذي
ساق الهدي أن يحرم بالحج يوم التروية قبل الزوال متوجهاً إلى منى، وعن مالك
- رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب أن يحرم به من أول ذي الحجة عند رؤية الهلال.
م: (وما عجل المتمتع من الإحرام بالحج فهو أفضل لما فيه) ش: أي في التقديم
أو في التعجيل م: (من المسارعة) ش: إلى الخير م: (وزيادة المشقة) ش: بزيادة
مدة إحرامه، وما كان أشق على البدن كان أفضل م: (وهذه الأفضلية في حق من
ساق الهدي، وفي حق من لم يسق) ش: يعني كلاهما
(4/312)
وعليه دم وهو دم المتمتع على ما بينا وإذا
حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين؛ لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في
الصلاة فيتحلل به عنهما.
وليس لأهل مكة تمتع، ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - والحجة عليه قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ
يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (196
البقرة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سواء في هذه الأفضلية م: (وعليه دم وهو دم المتمتع على ما بينا) ش: أراد به
ما ذكره في أول هذا الباب بقوله زيادة نسك، وهو إراقة الدم.
فإن قلت: معنى قوله - وهو دم التمتع - بعد قوله وعليه دم.
قلت: قوله وعليه دم قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفسره بقوله - وهو
دم التمتع - لأنه في صدر شرحه، وقال الأترازي: إنما فسره نفياً لوهم بعض
الفقهاء، ألا ترى أن صاحب زاد الفقهاء وهم، وقال عليه دم لارتكابه ما هو
محظور إحرامه، فظن أن تقديم الإحرام من المتمتع على يوم التروية محظور وهو
سهو منه.
م: (وإذا حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين) ش: أي من إحرام الحج والعمرة
جميعا م: (لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل) ش: أي بالحلق
م: (عنهما) ش: أي عن الإحرامين، ويخرج عنه كما أن المصلي يخرج من الصلاة
بالسلام، وكان المانع من تحلل إحرام العمرة سوق الهدي، فلما ذبحه زال
المانع فتحلل من الإحرامين جميعاً، إلا في حق النساء إلى طواف الزيارة،
وهذا لأن إحرام العمرة في حق النساء كإحرام الحج، ولهذا لو جامع القارن من
بعد الحلق قبل الطواف يجب عليه دمان، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
[ليس لأهل مكة تمتع ولا قران]
م: (وليس لأهل مكة تمتع، ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة) ش: وإذا تمتع
واحد منهم أو قرن كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، بخلاف المتمتع
والقارن من أهل الآفاق، فإن الدم الواجب عليهما دم نسك فيأكلان منه م:
(خلافا للشافعي) ش: فإن عنده لا يكره للمكي ومن كان من جاري المسجد الحرام
القران والتمتع، ولكن لا يجب عليه دم، وبه قال مالك وأحمد في القران.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قَوْله
تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش: اختلف في حاضري المسجد
الحرام، فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - المكي، ومن كان جاء من مسافة القصر من مكة، وعند مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ - هم سكان مكة وذي طوى.
وعندنا من كان داخل الميقات وأهل الحرم بدليل أنهم يدخلون مكة بغير إحرام
قوله - ذلك - إشارة إلى التمتع ودلت الآية أن التمتع مشروع لمن كان من أهل
الآفاق. وإنما قلنا إن ذلك إشارة إلى التمتع، لأن موضوعه في كلام العرب
للبعيد، والقرآن نزل على لسانهم، والذي ذكره
(4/313)
ولأن شرعيتهما للترفه بإسقاط إحدى السفرتين
وهذا في حق الآفاقي، ومن كان داخل المواقيت فهو بمنزلة المكي، حتى لا يكون
له متعة ولا قران، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وقرن إذا خرج إلى الكوفة
وقرن حيث يصح؛ لأن عمرته وحجته ميقاتان، فصار بمنزلة الآفاقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخصم أنه إشارة إلى الهدي حتى يصح تمتع المكي ومن بمعناه غير موجه؛ لأنه
خالف ما استعمله العرب، والذي ذكره قريباً لا يصلح حقيقة له، والتمتع
المفهوم من قوله فمن تمتع يصلح لذلك فصار إليه لأن العمل إذا أمكن بالحقيقة
لا يصار إلى المجاز بالاتفاق، فتكون الآية حجة عليه.
فإن قلت: سلمنا ما قلتم، ولكن لا يدل ذلك على أن التمتع لا يصح من المكي
ومن بمعناه، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.
قلت: سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم أن يلزم من ذلك ثبوت الحكم في الغير؛ لأن
الأصل عدم الحكم في الغير إلى أن يدل الدليل على خلافه.
م: (ولأن شرعيتهما للترفه بإسقاط أحد السفرتين) ش: هذا دليل معقول بيانه أن
شرعيتهما أي شرع القران والتمتع الترفه، أي للاستراحة من قوله رجل رافه
ومترفه مستريح والترفه بذلك في حق الآفاقي لأن غيره لا يشق عليه هذا السفر
لقربه حتى يترفه أن الله شرع القران والمتعة ونسخ ما كان عليه أهل الجاهلية
في تحريمهم العمرة في أشهر الحج، والنسخ ثبت في حق الناس كافة، ورجوع الناس
إلى ما ذكرتم ينافي ذلك.
قلت النسخ ثابت عندنا في حق المكي أيضاً، حتى لو اعتمر في أشهر الحج جاز
بلا كراهة، ولكن لا يدرك فضيلة التمتع، لأن الإمام قطع تمتعه كما قطع تمتعه
الآفاقي إذا رجع بين النسكين إلى أهله، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
فيه نظر، لأنه يستدل به على بطلان المتعة لا على إدراك عدم الفضيلة.
والصواب أن يقال إن متعته تقتصر عن متعة الآفاقي بصيرورته دم جبر م: (وهذا
في حق الآفاقي) ش: أي الترفه بإسقاط أحد السفرين كائن في حق الآفاقي.
م: (ومن كان داخل المواقيت) ش: أي ومن كان مسكنه داخل المواقيت م: (فهو
بمنزلة المكي، حتى لا يكون له متعة ولا قران) ش: ومع هذا لو تمتعوا جاز
وأساءوا، ويجب عليهم دم الجبر كما ذكرناه م: (بخلاف المكي) ش: متصل بقوله -
وليس لأهل مكة تمتع ولا قران - م: (إذا خرج إلى الكوفة، وقرن حيث يصح؛ لأن
عمرته وحجته ميقاتان، فصار بمنزلة الآفاقي) ش: أي فصار المكي الخارج إلى
الكوفة بمنزلة الآفاقي من حيث صحة القران، وقال المحبوبي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - هذا إذا خرج إلى الكوفة قبل أشهر الحج، وأما إذا خرج بعدها فقد
منع من القران فلا يتغير بخروجه من الميقات، وإنما خص القران حيث قال وقرن،
لأنه إذا خرج المكي إلى الكوفة، وقرن لا يكون تمتعاً.
(4/314)
وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من
العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين
إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع، كذا روي عن عدة من التابعين، وإذا ساق
الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف -
رحمهما الله -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل تمتعه؛ لأنه أداهما
بسفرتين. ولهما أن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع؛ لأن السوق
يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم
بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه فصح
إلمامه بأهله. ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط
ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الحكم لو لم يسق المتمتع الهدي حتى عاد لبلده]
م: (وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل
تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع)
ش: أي بالإلمام الصحيح يبطل التمتع باتفاق أصحابنا، قاله الأكمل. وقال
الأترازي: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الكاكي: بطل تمتعه
بالإجماع، أما عند الشافعي ومالك - رحمهما الله - بمجرد العود إلى الميقات
لإحرام الحج ساق الهدي أو لا يبطل تمتعه ولا دم عليه. وقد قيل إن في أحد
قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون متمتعاً، ويقول لا أعرف الإلمام م:
(كذا روي عن عدة من التابعين) ش: وكذا روى الطحاوي في كتاب " أحكام القرآن
" عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وإبراهيم النخعي أن المتمتع
إذا رجع إلى أهله بعد فراغه من العمرة بطل تمتعه، انتهى. وقال الحسن هو
متمتع وإن رجع إلى أهله، واختاره ابن المنذر.
م: (وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا فلا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة
وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل تمتعه
لأنه أداهما بسفرتين) ش: فإنه لو بدأ له أن لا يتمتع كان له أن يمكث م:
(ولهما) ش: لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن العود مستحق عليه)
ش: أي واجب م: (ما دام على نية التمتع؛ لأن سوق الهدي) ش: أي سوق الهدي م:
(يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه) ش: ولا يدخل تمتعه.
م: (بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن
متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه) ش: أي لأن عود المكي من أهله إلى
مكة غير مستحق عليه، لأنه في مكة وتحصيل الحاصل محال م: (فصح إلمامه بأهله)
ش: فلا يصح تمتعه م: (ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة
أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا) ش: وبه قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم، وقال في الجديد في الأم لا دم
عليه، وبه قال أحمد وفي تتمتهم في ظاهر المذهب لا فرق بين أن يكون عبوره
على ميقات قبل أشهر الحج أو بعد دخولها. قال ابن شريك: إن عبر على الميقات
قبلها لا يكون متمتعاً، ولو عبر في أشهر الحج يكون متمتعاً، وقال مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا تحلل إلى العمرة حتى دخلت أشهر الحج صار
(4/315)
لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على
أشهر الحج. وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم
الكل،
وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا ثم حج من عامه ذلك لم يكن
متمتعا؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج، وهذا لأنه صار بحال لا يفسد نسكه
بالجماع فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج. ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يعتبر الإتمام في أشهر الحج، والحجة عليه ما ذكرناه؛ ولأن الترفق بأداء
الأفعال، والمتمتع مترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج.
قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
متمتعاً، أي يتمم العمرة بأن يأتي سائر الأشواط، وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لا يكون متمتعاً كذا في " شرح الأقطع "، سواء طاف الأقل أو
الأكثر.
م: (لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج) ش: وبه قال مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك كالطهارة لما كانت شرطاً للصلاة جاز تقديمه على
وقت الصلاة م: (وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها) ش: أي في أشهر الحج م: (وقد
وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل) ش: إذا لم يعارضه نص، ولهذا لا يقام ثلاث
ركعات من الظهر مقام أربع ركعات إقامة للأكثر مقام الكل لأن النص ناطق بأن
فرض المقيم أربع ركعات.
م: (وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا) ش: أي أكثر من أربعة
أشواط، وانتصابه على الحال م: (ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا؛ لأنه أدى
الأكثر قبل أشهر الحج وهذا) ش: أي يكون الأكثر في حكم الكل م: (لأنه صار
بحال لا يفسد نسكه) ش: أي عمرته م: (بالجماع) ش: لأن ركن العمرة هو الطواف
فيتأكد إحرامه بأداء الأكثر كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف، ولكن عليه دم
عندنا، كذا في " المبسوط " ولكن هذا رد المختلف على المختلف، لأن عدم
الفساد بالجماع بعد طواف الأكثر، وعند الشافعي ومالك - رحمهما الله - يفسد
بالجماع قبل التحليل.
م: (فصار كما إذا تحلل منها) ش: أي من العمرة م: (قبل أشهر الحج) ش: يعني
لا يكون متمتعاً م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر الإتمام) ش: أي
إتمام العمرة م: (في أشهر الحج) ش: يعني لو طاف ستة أشواط قبل أشهر الحج
وطاف شوطاً واحداً في الأشهر يكون متمتعاً إن حج من عامه ذلك، وقال في "
شرح مختصر الكرخي " قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أتى بالأفعال قبل
الأشهر نفى إحرام العمرة حتى دخلت الأشهر، ثم أحرم بالحج فهو متمتع م:
(والحجة عليه) ش: أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما ذكرنا) ش: وهو
أن للأكثر حكم الكل م: (ولأن الترفق بأداء الأفعال) ش: يعني أن الترفق
بالنسكين يكون بأداء الأفعال العمرة والحج م: (والمتمتع مترفق بأداء
النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج) ش: فلا بد من أن توجد الأفعال كلها أو
أكثرها في أشهر الحج، يكون متمتعاً.
م: (قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) ش: وفي أكثر النسخ
قال وأشهر
(4/316)
كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن
الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحج.. إلخ أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولما ذكر قبله أشهر الحج
احتاج إلى بيانها، فقال: وقال وأشهر الحج، وكذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في " مختصره " إلا أنه قال والعشر الأولى من ذي الحجة، وهذا هو
الميقات الزماني، واتفق أهل العلم على أن أوله مستهل شوال واختلفوا في
آخره، المذهب أن آخره غروب الشمس من اليوم العاشر من ذي الحجة وبه قال أحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن الزبير
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: العبادلة عند الفقهاء ثلاثة عبد
الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
وفي اصطلاح المحدثين أربعة فأخرجوا عبد الله بن مسعود وأدخلوا عبد الله بن
عمرو بن العاص وزادوا عبد الله بن الزبير، قاله أحمد وغيره وغلطه الجوهري
إذ أدخل ابن مسعود وأخرج ابن العاص.
وقال البيهقي: لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى
عملهم، ويلتحق بابن مسعود كل من سمي بعبد الله من الصحابة، نحو من مائتين
وعشرين رجلاً، قاله النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
أما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن
عبد الله بن مسعود، قال أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر من ذي الحجة.
وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه الحاكم في " مستدركه " في تفسير سورة
البقرة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في قوله عز وجل {الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ، قال شوال وذو
القعدة وعشر من ذي الحجة، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن
الضحاك عن ابن عباس قال أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وأما حديث عبد الله بن الزبير فرواه الدارقطني عن محمد بن عبيد الله الثقفي
عن عبد الله ابن الزبير نحوه، وهكذا روي عن عطاء ومجاهد والشعبي والثوري
وقتادة وسعيد بن أبي عروة وابن حبيب المالكي عن مالك.
وقال مالك في المشهور عنه ذو الحجة بتمامها، ويروي ذلك ابن عمر أيضاً وفي
رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تسعة أيام من ذي الحجة وعشر ليال،
ذكره في " جوامع أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه أخذ الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكى الخراسانيون وجهاً أنه لا يصح الإحرام ليلة العيد
بل آخرها يوم عرفة. وعنه في الإملاء والقديم آخرها آخر ذي الحجة، ذكر ذلك
النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(4/317)
ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع
بقاء الوقت لا يتحقق الفوات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات) ش:
هذا دليل عقلي، تقديره أن الحج يفوت بفوات العشر الأول من ذي الحجة، فلو
كان الوقت باقياً إلى آخر ذي الحجة، لما فات لأن العبادة لا تفوت ما دام
وقتها باقياً إلى آخر ذي الحجة فعلم أن المراد من الأشهر الثلاثة.
وهاهنا أسئلة، الأول: أن قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ، والشهر يقع على الكامل
حقيقة لا على الناقص، كما في العدة؟ والجواب أن الأشهر اسم عام، ويجوز أن
يراد من العام الخاص إذا دل الدليل، وقد دل نقلاً، ولهذا أريدت التثنية من
الجمع في قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]
(التحريم: الآية 4) ، لدلالة الدليل عليه، لأن الكل واحد، وينزل بعض الشهر
منزلة كله، كما في قولهم رأيتك سنة كذا، وإنما الرؤية حصلت في بعض زمان
السنة لا كلها.
السؤال الثاني: إذا كان الحج لا يصح في شوال ولا في ذي القعدة، فكيف سميت
أشهر الحج؟
قلت: يجوز فيها بعض أفعال الحج، ألا ترى أن الآفاقي إذا قدم مكة في شوال
وطاف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج فإنه يجب
مرة واحدة في طواف الحج كلها، فإذا لقي به طواف القدوم لا يجب في طواف
الزيارة ولا في طواف الصدر، ولو قدم في رمضان وفعل ذلك لم ينب عن السعي،
فظهر أن محل البعض أفعال الحج، إلا أنه لا يجوز الوقوف ولا طواف الزيارة
وغيرهما من الأفعال في شوال، لا باعتبار أنه ليس بوقت، بل باعتبار أنه مختص
بأزمنة مخصوصة، فيجب الإتيان بها على الوجه المشروع كالركوع والسجود، فلا
يجوز تقديم السجود عليه، لا باعتبار أنه أتى به في غير وقته، بل باعتبار
أنه قدمه على غير الوجه المشروع.
السؤال الثالث: إذا كان موقتاً بالأشهر، كيف جاز تقديم الإحرام عليها؟
قلت: الإحرام شرط وليس من أفعال الحج، ويجوز تقديم الشرط على وقت المشروط،
كتقديم الوضوء على الصلاة، وأما كراهية التقديم فلئلا يقع في المحظور بطول
الزمان، لا لأنه قدم على وقت الحج.
السؤال الرابع: ما فائدة الخلاف الذي بيننا وبين مالك؟
قلت: قال في " المحيط "، وفائدة هذا الخلاف تظهر في حق أفعال الحج، فإنها
لا تصلح إلا فيها وفي حق المتمتع حتى لو طاف أربعة أشواط الحج والباقي فيها
لا يكون متمتعاً، وفائدة
(4/318)
وهذا يدل على أن المراد من قَوْله تَعَالَى
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شهران وبعض الثالث لا كله.
فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجا، خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يصير محرما بالعمرة؛ لأنه الإحرام ركن عنده،
وهو شرط عندنا، فأشبه الطهارة في جواز التقديم على الوقت، ولأن الإحرام
تحريم أشياء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تظهر أيضاً في تأخر طواف الحج والزيارة إلى
آخر ذي الحجة.
السؤال الخامس: هل للمتمتع اختصاص بقوله أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من
ذي الحجة، والقارن أيضاً له أن يجمع بين النسكين في أشهر الحج.
قلت: قال صاحب النهاية: وجدت رواية في " المحيط " أنه لا يشترط لصحة
الفرائض ذلك، قال في البيهقي دخل جمع بين حج وعمرة، أي أحرم ثم قدم مكة
وطاف لعمرته في شهر رمضان كان قارناً، ولكن لا هدي عليه.
السؤال السادس: أن قوله الحج أشهر معلومات مبتدأ وخبر، فكيف يصح حمل الخبر
على المبتدأ، إلا أن الحج عبارة عن الأفعال المعلومة من الوقوف والطواف
وغير ذلك، والأشهر زمان فلا يجوز الوقوف والطواف والسعي ونحوها أشهر؟
قلت: قال الفراء معناه الحج في أشهر معلومات، يعني أن إحرام الحج فيها وقال
أبو علي الفارسي معناه الحج حج أشهر معلومات يعني أن أفعال الحج ما وقع في
أشهر الحج. وقال الزمخشري أي وقت الحج أشهر، كقولك البرد شهران.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من فوات الحج بمضي عشر ذي الحجة م: (يدل على
أن المراد من قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:
197] شهران وبعض الثالث لا كله) ش: لأنه لو كان وقت الحج باقياً بعد مضي
العشر لم يفت الحج لأن العبادة لا تفوت مع بقاء وقته.
م: (فإن قدم الإحرام بالحج عليها) ش: أي على أشهر الحج م: (جاز إحرامه
وانعقد حجا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يصير محرما
بالعمرة) ش: هذا قوله الجديد، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد، وبقولنا قال في
القديم، وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن شبرمة والحكم، وبه قال
مالك وأحمد - رحمهما الله -. وقال داود الظاهري لا ينعقد، وهو قول جابر
وعكرمة.
م: (لأنه الإحرام ركن عنده) ش: فلا يجوز تقديمه على الأشهر كسائر الأركان
م: (وهو شرط عندنا) ش: فيجوز تقديمه على الوقت م: (فأشبه الطهارة في جواز
التقديم على الوقت) ش: فإن الوضوء للصلاة يجوز تقديمه عليها م: (ولأن
الإحرام تحريم أشياء) ش: أي يستلزم تحريم أشياء
(4/319)
وإيجاب أشياء، وذلك يصح في كل زمان فصار
كالتقديم على المكان.
قال: وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج، وفرغ منها وحلق أو قصر ثم اتخذ
مكة أو البصرة دارا وقد حج من عامه ذلك فهو متمتع أما الأول فلأنه ترفق
بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج من غير إلمام. وأما الثاني فقيل هو
بالاتفاق. وقيل هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما لا يكون
متمتعا؛ لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية وحجته مكية، ونسكاه هذان
ميقاتيتان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كقتل الصيد ولبس المخيط وحلق الرأس ونحو ذلك م: (وإيجاب أشياء) ش: كالرمي
والسعي ونحوها م: (وذلك يصح في كل زمان) ش: ذلك إشارة إلى أن المذكور من
تحريم أشياء وإيجاب أشياء م: (وصار كالتقديم على المكان) ش: أي الميقات.
فإن قلت: هذا تعليل في مقابلة النص، وهو ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المهل بالحج في غير أشهر الحج مهل بالعمرة» ،
وفي ذلك دلالة على أنه ليس بشرط، بحيث لم يصح تقديمه.
قلت: هذا الحديث شاذ جداً، فلا يعتمد عليه.
[الحكم لو قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج وفرغ
منها ثم أقام بمكة أو البصرة]
م: (قال: وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج) ش: وفي أكثر النسخ قال وإذا
قدم، أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " وإذا قدم لأجل
عمرة في أشهر الحج م: (وفرغ منها) ش: أي من العمرة م: (أو قصر أو وحلق) ش:
وحكمهما واحد، لكن اختصر التفسير، لأنه يعلم منه حكم الحلق بالطريق الأولى
دون العكس.
م: (ثم اتخذ مكة أو البصرة) ش: أي إذا اتخذ البصرة م: (دارا) ش: يعني أقام
بها بعدما فرغ من العمرة وحلق، فاتخاذ الدار من خواص " الجامع الصغير "
ولهذا سوى بن اتخاذ الدار وعدمه في " شرح الطحاوي " م: (وقد حج من عامه ذلك
فهو متمتع) ش: في الوجهين المذكورين، ولم يذكر في " الجامع الصغير " فيهما
خلافاً، فأشار إلى الوجه الأول بقوله:
م: (وأما الأول) ش: أي الوجه الأول، وهو ما إذا حج بعدما اتخذ مكة داراً م:
(فلأنه ترفق بنسكين) ش: أي بالعمرة والحج م: (في سفر واحد في أشهر الحج من
غير إلمام) ش: بأهله إلماماً صحيحاً م: (وأما الثاني) ش: أي الوجه الثاني،
وهو ما إذا حج بعدما اتخذ البصرة داراً م: (فقيل هو بالاتفاق) ش: لم يعلم
منه أنه بالاتفاق في كونه متمتعاً أو في كونه غير متمتع، وذكر الجصاص أنه
لا يكون متمتعاً على قول الكل، ذكره في " المحيط ".
م: (وقيل هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكره الحاكم الشهيد عن
أبي عصمة سعد ابن معاذ م: (وعندهما لا يكون متمتعا) ش: هذا ذكره الطحاوي م:
(لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية) ش: يعني تكون من الميقات م: (وحجته
مكية) ش: وهذا ليس كذلك أشار إليه بقوله م: (ونسكاه هذان ميقاتيتان) ش:
لأنه بعدما جاوز الميقات حلالاً وعاد يلزمه الإحرام من الميقات فكان الملم
(4/320)
وله أن السفرة الأولى قائمة ما لم يعد إلى
وطنه، وقد اجتمع له نسكان فيها، فوجب دم التمتع.
فإن قدم بعمرة فأفسدها. وفرغ منها وقصر أو حلق ثم اتخذ البصرة دارا ثم
اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وقالا: هو متمتع لأنه إنشاء سفر وقد ترفق فيه بنسكين، وله أنه
باق على سفره ما لم يرجع إلى وطنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بأهله.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السفرة الأولى
قائمة ما لم يعد إلى وطنه) ش: ويروى إلى أهله الذي ابتدأ السفر منه، ألا
ترى أن الرجل ينتقل من بلد على بلد، ويعد ذلك سفراً واحداً م: (وقد اجتمع
له نسكان فيه) ش: أي في هذا السفر م: (فوجب دم التمتع) ش: احتياطاً، لأمر
العبادة، وإنما قال فوجب دم التمتع ولم يقل فهو متمتع، لأن فائدة الخلاف
تظهر في حق وجود الدم.
فقال وجب دم التمتع وهو دم قربة لكونه دم شكر، ولهذا حل له التناول منه
فيصار إلى إيجابه باعتبار هذه الشبهة احتياطاً، وبقي هاهنا وجهان أحدهما،
هو أن يخرج من مكة ولا يتجاوز الميقات حتى يحج من عامه ذلك فهو متمتع بلا
خلاف ولم يذكره المصنف، لأن حكمه يعلم من الوجه الأول، والآخر هو أن يتجاوز
يخرج من مكة، ويتجاوز الميقات وعاد إلى أهله ثم حج من عامه ذلك، فهو غير
متمتع، لأنه ألم بأهله إلماماً صحيحاً، ومثله لا يكون متمتعاً ولم يذكر
المصنف أيضاً لكونه معلوماً مما تقدم.
م: (فإن قدم بعمرة) ش: أي فإن قدم الكوفي مكة مهلاً بعمرة م: فأفسدها) ش:
أي فأفسد العمرة يعني بالجماع م: (وفرغ منها) ش: يعني أتمها على فسادها م:
(وقصر أو حلق) ش: فحل م: (ثم اتخذ البصرة دارا) ش: يعني خرج إليها وجعلها
داراً م: (ثم اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: هو متمتع لأنه) ش: أي لأن خروجه من البصرة م:
(إنشاء سفر وقد ترفق فيه بنسكين) ش: فصار كما لو رجع إلى أهله وعاد فقضاها
ذبح، فإنه يكون متمتعاً بالاتفاق، فكذا هذا.
والأصل أن خروجه إلى البصرة كخروجه إلى أهله عندهما، وعند خروجه إلى البصرة
بمنزلة المقام بمكة، ولو كان بمكة لا يكون متمتعاً، وليس للمكي تمتع ولا
قران، لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية ومكية، كذا في " المبسوط ".
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه باق على سفره) ش:
أي على سفره الأول م: (ما لم يرجع إلى وطنه) ش: ولم يحصل له نسكان صحيحان
في سفرة واحدة لفساد العمرة، فلم يكن متمتعاً، ولهذا لو لم يخرج من مكة أو
في الميقات حتى قضاها أو حج من عامه لا تكون متمتعاً بالإجماع.
(4/321)
فإن كان رجع إلى أهله ثم اعتمر في أشهر
الحج، وحج من عامه يكون متمتعا في قولهم جميعا؛ لأن هذا إنشاء سفر لانتهاء
السفر الأول، وقد اجتمع له نسكان صحيحان فيه. ولو بقي بمكة ولم يخرج إلى
البصرة حتى اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا بالاتفاق؛
لأن عمرته مكية والسفر الأول انتهى بالعمرة الفاسدة، ولا تمتع لأهل مكة.
ومن اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه فأيهما أفسد مضى فيه؛ لأنه لا يمكنه
الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال وسقط دم المتعة؛ لأنه لم يترفق بأداء
نسكين صحيحين في سفرة واحدة.
وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم تجزها عن المتعة؛ لأنها أتت بغير الواجب،
وكذا الجواب في الرجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن كان رجع إلى أهله ثم اعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه يكون متمتعا
في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي يوسف وأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - م: (لأن هذا إنشاء سفر لانتهاء السفر الأول) ش: أي برجوعه إلى
أهله م: (وقد اجتمع له نسكان صحيحان فيه) ش: أي في هذا السفر الذي أنشأه
بعدما رجع إلى أهله.
م: (ولو بقي بمكة ولم يخرج إلى البصرة، حتى اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه
لا يكون متمتعا بالاتفاق؛ لأن عمرته مكية) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:
196] [البقرة: الآية 196] ، فكذا هذا السفر.
م: (والسفر الأول انتهى بالعمرة الفاسدة، ولا تمتع لأهل مكة) ش: للآية
المذكورة.
م: (ومن اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه فأيهما أفسد) ش: أي النسكين فاسد
بالجماع م: (مضى فيه؛ لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال)
ش: ولا بعدما انعقد صحيحاً لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما
في الإحرام المبهم م: (وسقط دم المتعة؛ لأنه لم يترفق بأداء نسكين صحيحين
في سفرة واحدة) ش: لأن دم المتعة وجب شكراً، فإذا حصل العناد، صار عاصياً،
فبطل ما وجب شكراً.
م: (وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم تجزها عن المتعة؛ لأنها أتت بغير
الواجب) ش: لأن دم المتعة واجب، والأضحية غير واجبة عليها، لأنها مسافرة،
ولا أضحية على المسافر، وإنما خصت المرأة وإن كان حكم الرجل كذلك لأنها
واقعة امرأة سألت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأجابها فحفظها أبو يوسف
فأوردها أبو يوسف كذلك، كذا في " الكافي "، وقال الإمام الزاهدي العتابي
إنما ذكر المرأة، لأن مثل هذا إنما نسبه على النساء، لأن الجهل فيهن غالب
ولم يجزئها عن دم المتعة فإن عليها دمان سوى ما ذبحت دم المتعة الذي كان
واجباً عليها، ودم آخر، لأنها قد حلت قبل الذبح م: (وكذا الجواب في الرجل)
ش: يعني عن الرجل إذا تمتع فضحى شاة لم يجزئه عن دم المتعة.
(4/322)
وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت
وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر لحديث
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين حاضت بسرف ولأن الطواف في المسجد
والوقوف في المفازة، وهذا الاغتسال للإحرام لا للصلاة فيكون مفيدا للنظافة.
فإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف
الصدر لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للنساء الحيض في ترك
طواف الصدر. ومن اتخذ مكة دارا فليس عليه طواف الصدر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الحكم لو حاضت المرأة عند الإحرام]
م: (وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج،
غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
حين حاضت بسرف) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت خرجنا إلى الحج، فلما
كنا بسرف حضت فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وأنا أبكي فقال " ما لك أنفست "؟ قلت: نعم، قال: " إن هذا أمر كتبه الله
على بنات آدم، اقضي ما يقضي الحاج، غير أنك لا تطوفين بالبيت حتى تطهري» .
وفي لفظ مسلم «حتى تغتسلي» ، والاستدلال إنما هو بقوله: «فاقضي ما يقضي
الحاج» ، وليس فيه ما يدل على الاغتسال، ولكن روى أبو داود - رَحِمَهُ
اللَّهُ - «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت نفست أسماء بنت عميس
بمحمد بن أبي بكر بالشجرة، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أبا بكر بأن تغتسل وتهل» .
وسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء، قال الأترازي: سرف اسم موضع
بالمدينة.
قلت: ليس كذلك، قال في " المغرب " سرف جبل في طريق المدينة، وقال ابن
الأسير سرف بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل أقل وأكثر.
م: (ولأن الطواف في المسجد) ش: والمرأة الحائض منهية عن دخوله م: (والوقوف
في المفازة) ش: يعني الوقوف بعرفة في الصحراء وهي غير منهية عنه م: (وهذا
الاغتسال للإحرام) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال لا فائدة في هذا
الاغتسال، لأنها لا تطهر به مع قيام الحيض، فأجاب بقوله وهذا الاغتسال
للإحرام، أي لأجل الإحرام م: (لا للصلاة) ش: أي لا لأجل الصلاة.
م: (فيكون مفيدا. فإن حاضت بعد الوقوف) ش: بعرفة م: (وطواف الزيارة) ش: أي
وبعد طواف الزيارة م: (انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر لأنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «رخص للنساء الحيض في ترك طواف الصدر» ش: هذا رواه
البخاري ومسلم عن طاوس «عن ابن عباس - رحمهما الله - قال أمرنا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون آخر عهدنا بالبيت، إلا أنه
خفف عن المرأة الحائض» وروى الترمذي والنسائي عن عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «من حج البيت فليكن آخر عهده إلا
الحيض، ورخص لهن رسول الله
(4/323)
لأنه على من يصدر إلا إذا اتخذها دارا
بعدما حل النفر الأول فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويرويه
البعض عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجب عليه بدخول وقته فلا يسقط عنه
بنية إلا بنية الإقامة بعد ذلك، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وقال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا
إجماع، والنفساء كالحائض.
[من اتخذ مكة دارا هل يلزمه طواف الصدر]
م: (ومن اتخذ مكة دارا فليس عليه طواف الصدر، لأنه) ش: أي لأن طواف الصدر
م: (على من يصدر) ش: أي على من يرجع إلى وطنه م: (إلا إذا اتخذها دارا
بعدما حل النفر الأول) ش: يعني اليوم الثالث من أيام النحر، لأنه وجب بدخول
وقته فلا يسقط عنه بنية الإقامة بعد ذلك كمن أصبح وهو مقيم في رمضان ثم
سافر لا يحل له الفطر، وأما إذا اتخذها داراً قبل أن يحل النفر الأول، فلا
يجب عليه طواف الصدر، لأنه كمقيم سافر قبل أن يصبح، فإنه يباح له الإفطار
م: (فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويرويه البعض عن محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجب عليه بدخول وقته فلا يسقط بنية إلا بنية
الإقامة بعد ذلك) ش: أي بعد دخول الوقت، وإنما قال فيما روي عن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يرويه البعض عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أتي بهذه
العبارة لأجل الاشتباه والاختلاف في الرواية، فإن الكرخي والقدوري وصاحب "
الإيضاح "، قالوا لا يسقط عنه طواف الصدر في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسقط إلا إذا شرع في الطواف، ولم
يذكروا لمحمد قولاً. وقال الأسبيجابي وصاحب " المنظومة " وصاحب " المختلف "
الخلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فقالوا: يسقط عنه طواف الصدر
عند أبي يوسف وعن محمد رحمهما الله - أنه لا يسقط ولم يذكر لأبي حنيفة
قولاً.
وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " معناه إذا اتخذها داراً
قبل النفر الأول، فأما إذا وجد النفر فقد لزمه الطواف، فلا يبطل باختياره
السكنى ولم يذكر خلافاً واحداً من أصحابنا، بل ذكر المسألة على الاتفاق.
وذكر الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " أما إذا
دخل النفر الأول فقد لزمه طواف الصدر فلا يبطل باختياره السكنى، وهذا قول
أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل عنه، وذكر
الخلاف بين أبي يوسف وصاحبيه كما ترى، وذكر الإمام العتابي في المسألة،
وقال لا يسقط باختياره هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما
يسقط ولا يلزمه ما لم يشرع فيه.
(4/324)
|