البناية شرح الهداية

باب الجنايات وإذا تطيب المحرم فعليه الكفارة، فإن طيب عضوا كاملا فما زاد فعليه دم، وذلك مثل الرأس والساق والفخذ وما أشبه ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الجنايات في الحج]
م: (باب الجنايات) ش: أي هذا باب في أحكام الجنايات التي تعتري المحرمين،، وهي جمع جناية، والجناية اسم لفعل محرم شرعاً سواء حل بمال أو نفس، ولكن الفقهاء خصصوها بالفعل في النفس والأطراف. وأما الفعل في المال فسموه غصباً، والمراد هنا فعل ليس للمحرم أن يفعله، وإنما جمع لبيان أنها هاهنا أنواع. وفي " المغرب " الجناية ما يجنيه من شيء، أي تحدثه لتسميته بالمصدر من جنى عليه شيء، وهو عام إلا أنه خص ما يحرم من الفعل، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجرة.

[استعمال المحرم الطيب أو الخضاب] 1
م: (وإذا تطيب المحرم فعليه الكفارة) ش: أجمل ذكر الطيب وذكر الكفارة، ثم شرع في تفصيل ذلك بقوله م: (فإن طيب عضوا كاملا فما زاد) ش: أي على العضو م: (فعليه دم) ش: أما نفس الطيب فإنه ممنوع منه بإجماع أهل العلم، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وقصته راحلته: «لا تحنطوه» ، متفق عليه، وأما مقداره فهو ما ذكره من أنه إذا طيب عضواً أو أكثر منه، فإنه يجب عليه دم وهو شاة، ووجوب الشاة في جميع الوقوف على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
م: (وذلك) ش: أي العضو الكامل م: (مثل الرأس والساق والفخذ وما أشبه ذلك) ش: مثل الوجه والعضد، وفي " المحيط " يحتاج إلى معرفة الطيب وإلى معرفة ما يلزمه بالطيب بها فكل ما له رائحة طيبة مستلذة كالزعفران، والبنفسج والياسمين بكسر السين في " البدائع " كالبنفسج والورد والزنبق والبان والخيري وسائر الأدهان. وفي " المرغيناني " كالمسك والغالية والعنبر والبرد والورس والصندل والكلادي.
وأما معرفة ما يلزمه بالتطيب فالتطيب على عضو كامل، وذكر الفقيه أبو جعفر أن الكثرة تعتبر في نفس الطيب لا في العضو، فإن كان كثيرا ًقدر كفين من ماء الورود وكف من الغالية والمسك بقدر ما يستكثره الناس، وإن كان في نفسه كثيراً أو كف من ماء الورد ويكون قليلاً، فالعبرة للعضو لا للطيب حتى لو طيب بالقليل عضواً كاملاً يجب به دم، وفيما دونه صدقة، وإن كان الطيب كثيراً فالعبرة للطيب لا للعضو، حتى لو طيب به ربع عضو يلزمه الدم، وفي " الذخيرة " إن كان الطيب كثيراً. وقال الإمام خواهر زادة إن كان الطيب في نفسه قليلاً، إلا أنه طيب به عضوا ًكاملاً، فهو كثير وإن كان كثيراً لا يعتبر فيه العضو نأخذ بالاحتياط، وإن مسه ولم يلتزق بيده شيء فلا شيء عليه، وإن التزق ففي الكثير دم وفي القليل صدقة.
وفي " مناسك الكرماني " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو طيب جميع أعضائه فعليه دم واحد لاتحاد

(4/325)


لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق، وذلك في العضو الكامل، فيترتب عليه كمال الموجب. وإن طيب أقل من عضو فعليه الصدقة لقصور الجناية. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل. وفي " المنتقى " أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم اعتبارا بالحلق، ونحن نذكر الفرق بينهما من بعد إن شاء الله تعالى. ثم واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع إلا في موضعين نذكرهما في باب الهدي إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجنس. ولو كان الطيب في أعضائه المتفرقة بجميع ذلك كله، فإن بلغ عضوا ًكاملاً فعليه دم وإلا صدقة وفي " النوادر " إن مس طيباً بأصبعه فأصبها كلها فعليه دم ولا يعتبر قصده ذكره في " الذخيرة " فجعل الأصبع الواحدة عضواً كبيراً.
بخلاف ما ذكره في العين والأنف، وفي " النوادر " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - طيب شاربه كله أو بقدره من لحيته أو رأسه فعليه دم فجعل الشارب عضواً، وإن طيب بعض الشارب أو بقدره من اللحية فصدقة، ذكره في " المحيط "، وإن دخل بيتاً قد أجمر فعلق بثوبه رائحة فلا شيء عليه لعدم عينه، بخلاف ما لو أجمر ثوبه فإنه يجب في الكثير دم وفي القليل صدقة.

م: (لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق) ش: أي الانتفاع م: (وذلك) ش: أي تكامل الارتفاق كائن م: (في العضو الكامل، فيترتب عليه كمال الموجب) ش: بفتح الجيم وهو الدم م: (وإن طيب أقل من عضو فعليه الصدقة لقصور الجناية. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب بقدره من الدم) ش: يعني ينظر كم قدره من قدر ما يوجب الدم فيكون عليه بحساب ذلك، وإن كان نصف العضو يجب عليه نصف الدم، وإن كان ربع العضو يجب عليه ربع الدم م: (اعتبارا للجزء بالكل) ش: كما في الحساب إذا اشترى شيئا ًبدينار يجب أن يكون نصفه بنصف دينار بالضرورة.
م: (وفي " المنتقى " أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم اعتبارا بالحلق) ش: أي قياساً على حلق ربع الرأس، فإن فيه دما ًفكذلك في تطييب ربع العضو، لأن الربع يحكي حكاية الكل. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الدم في قليله وكثيره م: (ونحن نذكر الفرق بينهما) ش: أي بين تطييب ربع العضو حيث لا يجب به الدم وبين حلق ربع الرأس واللحية حيث يجب به الدم م: (من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي من بعد ذلك وأشار به إلى قوله - ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل ... إلى آخره.
م: (ثم واجب الدم) ش: أي ثم واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع يعني في كل موضع يقال يجب الدم م: (يتأدى بالشاة في جميع المواضع) ش: أو تجب به صدقة م: (إلا في موضعين) ش: أحدهما إذا طاف طواف الزيارة جنبا ًوالآخر إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا تجوز فيهما إلا البدنة م: (نذكرهما) ش: أي نذكر الموضعين م: (في باب الهدي إن شاء الله تعالى) ش: وهو آخر أبواب الجنايات.

(4/326)


وكل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع من بر، إلا ما يجب بقتل القملة أو الجرادة، هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: فإن خضب رأسه بحناء فعليه دم؛ لأنه طيب، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحناء طيب»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكل صدقة في الإحرام) ش: أي كل لفظ صدقة يذكر في باب الإحرام مثل قوله فعليه صدقة أو تجب به صدقة أو نحوها م: (غير مقدرة) ش: يجوز أن يكون مجروراً على أنها صفة صدقة، ويجوز أن يكون منصوباً على الحال أي كل صدقة نذكر حال كونها غير مقدرة شيء في النصف أو الثلث أو الربع، قوله غير مقدرة احترازاً عن المقدرة، وهي في حلق الرأس بسبب الهوام، فإن الصدقة مقدرة بثلاثة آصع من طعام م: (فهي نصف صاع من بر) ش: أي الواجب فيها نصف صاع، وهذه جملة وقعت خبراً للمبتدأ، أعني وكل صدقة. م: (إلا ما يجب بقتل القملة أو الجرادة) ش: فإن في قتلهما يتصدق بما شاء، قال في " التحفة " فهو كف من طعام، وذكر الحاكم في " الكافي " ويكره له قتل القملة وما تصدق به فهو حرمتها. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال تمرة خير من جرادة وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى م: (هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني يتصف بما شاء في قتل القملة والجرادة، هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال: فإن خضب رأسه بحناء فعليه دم) ش: وفي أكثر النسخ قال: فإن خضب قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن خضب رأسه ولحيته بالحناء فعليه دم م: (لأنه طيب) ش: أي لأن الحناء طيب. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بطيب ولا يلزمه شيء، وتعلقوا بما روي أن أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كن يتخضبن بالحناء وهن محرمات. قال النووي: وهو غريب رواه ابن المنذر بغير إسناد فلا يكون حجة، وذلك على أنه كان قبل إحرامهن أوضح.
قلنا م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحناء طيب» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في كتاب " المعرفة " في الحج عن ابن لهيعة عن بكر بن عبد الله بن الأشج عن خولة بنت حكيم عن أمها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء فإنه طيب» ، قال البيهقي إسناده ضعيف، فإن ابن لهيعة لا يحتج به.
قلت: قال أبو داود سمعت أحمد يقول ما كان يحدث بمصر إلا ابن لهيعة، وقال أحمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم من سفيان، وكان عند عبد الله بن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع، وقال مخرج الأحاديث وعزاه السروجي في " الغاية " إلى النسائي يعني عزا تخريج قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النسائي. وروى أحمد في " مسنده " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجبه الفاغية» قال الأصمعي هو نور الحناء عن أبي حنيفة الدينوري

(4/327)


وإن صار ملبدا فعليه دمان دم للتطيب ودم للتغطية.
ولو خضب رأسه بالوسمة لا شيء عليه؛ لأنها ليست بطيب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا خضب رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه، وهذا هو الصحيح. ثم ذكر محمد في الأصل رأسه ولحيته، واقتصر على ذكر الرأس في " الجامع الصغير " دل أن كل واحد منهما مضمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في البستان الحناء من أنواع الطيب.
م: (وإن صار ملبداً) ش: أي فإن صار رأس المحرم ملبدا يقال لبد المحرم رأسه إذا جعل في رأسه من الصمغ أو نحوه لئلا يتشعث في الإحرام م: (فعليه دمان دم للتطيب ودم للتغطية) ش: أي لتغطية الرأس، لأنه جنايتان فيجب دمان، وعلم من هذا أن في المسألة السابقة لم يكن رأسه ملبداً فلهذا يجب دم واحد وقال الحاكم في كافيته وإن خضبت المحرمة بدنها بالحناء فعليها دم إذا كان كثيرا فاحشاً، وإن كان قليلاً فعليها صدقة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقوم ما يجب فيه الدم فينظر هذا القدر منه فيجعل عليه الصدقة بحساب ذلك.

م: (ولو خضب رأسه بالوسمة فلا شيء عليه) ش: قال الأترازي: الوسمة بكسر السين وسكونها اسم شجرة ورقه خضاب والكسر أفصح، وكذا قال الأكمل أخذاً عن " المغرب " ولكن قال فيه ورقها خضاب يخضب يحذو حذو الحناء م: (لأنها ليست بطيب) ش: لأنها ليس لها رائحة مسلوة، وإنما تغير الشعر، وذلك ليس باستمتاع، وإنما هو زينة، وإذا خاف أن يقتل الدواب فعليه صدقة، لأنه يزيل التفث.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا خضب رأسه بالوسمة؛ لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه) ش: أي يغطي من التغطية م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي تأويل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتعليق، لأن تغطية الرأس توجب الجزاء. وفي " المنتقى " إن خضب رأسه بالوسمة فعليه دم في قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صدقة وفيه عن الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خضب رأسه بالوسمة يطعم مسكيناً نصف صاع، وفي " الينابيع " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صدقة في الوسمة.
م: (ثم ذكر محمد في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (رأسه ولحيته) ش: يعني ذكر في " المبسوط " في مسألة الحناء رأسه ولحيته كلاهما بواو العطف م: (واقتصر على ذكر الرأس) ش: بدون ذكر اللحية م: (في " الجامع الصغير " دل) ش: يعني ما ذكره في " الجامع الصغير " م: (أن كل واحد منهما) ش: أي من الرأس واللحية م: (مضمون) ش: بالدم، يعني يلزم لكل واحد منهما دم، ولا يشترط الجمع، لأنه مرتبة الجزاء في " الجامع الصغير " على الرأس، وما اشترط معه خضاب اللحية.

(4/328)


فإن ادهن بزيت فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: عليه الصدقة وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا استعمله في الشعر فعليه دم لإزالة الشعث، وإن استعمله في غيره فلا شيء عليه لانعدامه. ولهما أنه من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا بمعنى قتل الهوام وإزالة الشعث فكانت جناية قاصرة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أصل الطيب، ولا يخلو عن نوع طيب ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث فتتكامل الجناية بهذه الجملة فيوجب الدم، وكونه مطعوما لا ينافيه كالزعفران، وهذا الخلاف في الزيت البحت والخل البحت. أما المطيب منه كالبنفسج والزنبق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن ادهن بزيت فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما خص الذكر بالزيت لأنه لو ادهن بشحم أو سمن لا شيء فيه، كذا في " التجريد " و " الإيضاح "، وإليه أشير في " المبسوط " م: (وقالا: عليه الصدقة) ش: ولا فرق بين الرأس وسائر البدن م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا استعمله في الشعر فعليه دم لإزالة الشعث) ش: أي الوسخ. م: (وإن استعمله في غيره) ش: أي في غير الشعر م: (فلا شيء عليه لانعدامه) ش: وبه قال مالك وأبو ثور، وفي أصح الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يوجب الفدية استعمال الدهن، وإن كان في شعر الرأس واللحية، لأنه ليس بطيب، وفي " المحلى " كره ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن يدهن المحرم رأسه بالسمن لصداع أصابه ولم يوجب فيه شيئاً. وعن مجاهد إذا تداوى المحرم بالزيت أو السمن أو البنفسج فعليه الكفارة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن الزيت م: (من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا بمعنى قتل الهوام) ش: وهي جمع هامة، وهي في الأصل في الدواب ما يقتل من ذوات السموم كالعقارب والحيات، ولكن المراد بها هاهنا القمل على سبيل الاستعارة م: (وإزالة الشعث فكانت جناية قاصرة) ش: فتجب الصدقة لا الدم.
م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن الزيت م: (أصل الطيب) ش: على معنى أن الروائح تلقى فيه، فتصير غالية، والحكم يتعلق بالمعنى لا الرائحة، ولهذا لو شم المحرم الطيب أو الريحان لا شيء عليه، وإن كان يكره م: (ولا يخلو عن نوع طيب) ش: لأن فيه قليل رائحة م: (ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث فتتكامل الجناية بهذه الجملة فيوجب الدم) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وكونه مطعوما لا ينافيه) ش: أي كون الزيت مما يؤكل لا ينافي الطيب، وهذا جواب عن قولهما: إن الزيت من الأطعمة، قياسهما على اللحم والشحم غير مستقيم لما ذكر أنه مثل الطيب، فيكون طيباً من وجه، بخلاف الشحم واللحم م: (كالزعفران) ش: وجه التشبيه أنه مما يؤكل وهو الطيب بلا خلاف. م: (وهذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين العلماء م: (في الزيت البحت) ش: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق أي الزيت المطيب، وهو الذي ألقي فيه الطيب م: (والخل البحت، أما المطيب منه كالبنفسج والزنبق) ش: بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء الموحدة، وقال الشراح كلهم هو دهن الياسمين.

(4/329)


وما أشبههما يجب باستعماله الدم بالاتفاق لأنه طيب، وهذا إذا استعمله على وجه التطيب، ولو داوى به جرحه أو شقوق رجله فلا كفارة عليه؛ لأنه ليس بطيب في نفسه إنما هو أصل الطيب أو هو طيب من وجه فيشترط استعماله على وجه التطيب، بخلاف ما إذا تداوى بالمسك وما أشبهه،
وإن لبس ثوبا مخيطا أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم فعليه دم، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: في بلاد الشام وحلب لا يقال زنبق إلا القضبان طوال عليها شماريخ صفر، ولها رائحة طيبة، ولها منظر حسن كل قضيب قدر ذراع أو أكثر م: (وما أشبههما) ش: كدهن البان والورد م: (يجب باستعماله الدم بالاتفاق؛ لأنه طيب) ش: وعن الشافعي: البنفسج ليس بطيب وقال بعض أصحابه: إنه طيب قولا واحدا وبعضهم ليس بطيب قولا واحدا. وقال بعضهم فيه قولان.
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر من الخلاف في ادهان الزيت من وجوب الدم أو الصدقة م: (إذا استعمله) ش: أي الدهن م: (على وجه التطيب) ش: على ما يعتاد الناس فيه م: (ولو داوى به جرحه أو شقوق رجله فلا كفارة عليه) ش: أي لا شيء عليه، وبه صرح في " المبسوط " وإنما ذكر بنفي الكفارة دون الدم لتناول الدم والصدقة م: (لأنه ليس بطيب في نفسه إنما هو أصل الطيب أو هو طيب من وجه) ش: ومطعوم من وجه م: (فيشترط استعماله على وجه التطيب) ش: يعني يشترط قصد التطيب به. م: (بخلاف ما إذا تداوى بالمسك) ش: لأنه طيب بنفسه، فلا يشترط فيه قصد التطيب به م: (وما أشبهه) ش: كالعنبر والكافور والزعفران لأنها بنفسها فيجب الدم وإن استعملت على وجه التداوي.

[تغطية الرأس ولبس المخيط للمحرم]
م: (وإن لبس ثوبا مخيطا) ش: أصله مخيوط، كمبيع أصله مبيوع، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان، فحذفت الواو وكسرت الخاء لأجل الياء م: (أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم) ش: وفي " الأسرار " و " مبسوط شيخ الإسلام " أو ليلة كاملة أو لبس اللباس كله من القميص والسراويل والعباء والخفين يوماً كاملاً فعليه دم واحد، وكذا لو دام أياما أو كان نزعه من الليل ما لم يعزم على تركه، لأن اللبس قد اتحد، كذا ذكره التمرتاشي والولوالجي م: (وإن كان أقل من ذلك) ش: أي من يوم كامل م: (فعليه صدقة) ش: لنقصان الاستعمال.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم فعليه دم) ش: وهذا رواه الحسن بن زياد عن أبي يوسف، وهو غير مشهور م: (وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لولا أي المروي عن أبي يوسف، وهو قول أبي حنيفة أولا) ش: أي كان يقوله أولاً ًثم رجع عنه، فقال: لا يلزمه الدم حتى يكون يوماً كاملاً.

(4/330)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بنفس اللبس؛ لأن الارتفاق يتكامل بالاشتمال على بدنه. ولنا أن معنى الترفق مقصود من اللبس، فلا يحصل إلا بلبس ممتد فلا بد من اعتبار المدة ليتحصل على الكمال ويجب الدم، فقدر باليوم لأنه يلبس فيه ثم ينزع عادة ويتقاصر فيما دونه الجناية فتجب الصدقة، غير أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقام الأكثر مقام الكل. ولو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو اتزر بالسراويل فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط. وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن لبس القباء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بنفس اللبس) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن الارتفاق) ش: أي الانتفاع م: (يتكامل بالاشتمال على بدنه) ش: أي باشتمال اللبس على بدن اللابس.
م: (ولنا أن معنى الترفق مقصود من اللبس) ش: وهو رفع الحر والبرد، لأن اللبس أعد لهذا، قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] (النحل: الآية 81) ، م: (فلا يحصل) ش: أي اللبس بهذا المعنى م: (إلا بلبس ممتد) ش: لا يلبس ساعة م: (فلا بد من اعتبار المدة ليتحصل) ش: أي اللبس م: (على الكمال، ويجب الدم) ش: بالنصب، لأنه معطوف على قوله ليتحصل م: (فقدر) ش: أي اعتبار المدة م: (باليوم؛ لأنه يلبس فيه) ش: أي في اليوم م: (ثم ينزع) ش: في الليل م: (عادة) ش: فإن من لبس ثوباً يليق بالنهار ينزعه في الليل، وإذا لبس ثوباً يليق بالليل ينزعه بالنهار فقد حصل عند ذلك رفق كامل، فيجب دم م: (ويتقاصر فيما دونه الجناية) ش: أي دون اليوم م: (فتجب الصدقة) ش: لأن الجناية يسيرة في هذا الباب توجب الصدقة، كذا في " المبسوط ".
فإن قلت: لم لا يقاس على اليمين؟ قلت: ليس الرفق مقصوداً في اليمين، لأن الحالف منع نفسه عن اللبس مطلقاً بمجرد اللبس وإن قل. م: (غير أن أبا يوسف أقام الأكثر) ش: أي أكثر النهار م: (مقام الكل) ش: لأن المرتدي يرجع إلى بيته قبل الليل، فينزع ثيابه التي يلبسها للناس، فكان اللبس أكثر اليوم ارتفاق مقصود، لكن هذا لا ينضبط، فإن أحوال رجوع الناس قبل الليل إلى بيوتهم مختلفة بعضهم يرجع في وقت الضحى وبعضهم قبله وبعضهم بعده، فكان الظاهر هو الأول. م: (ولو ارتدى بالقميص) ش: أي جعله رداء م: (أو اتشح به) ش: أي بالقميص من الاتشاح، وهو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر م: (أو اتزر بالسراويل) ش: أي اشتمل به مثل ما يشتمل بالفوطة م: (فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط) ش: أي كلبس المخيط، فيكون غير معتاد، فلا يتحقق الارتفاق م: (وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين) ش: أي لا بأس به.
م: (خلافا لزفر) ش: والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن لبس القباء) ش: هكذا معتاد، وفي " حاويهم " إن كان من أقبية خراسان قصير الذيل ضيق الكمين، فعليه الفدية، وإن كان من أقبية

(4/331)


لأنه ما لبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه. والتقدير في تغطية الرأس من حيث الوقت ما بيناه،
ولا خلاف أنه إذا غطى جميع رأسه يوما كاملا يجب عليه الدم؛ لأنه ممنوع منه، ولو غطى بعض رأسه فالمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر الربع اعتبارا بالحلق والعورة، وهذا لأن ستر البعض استمتاع مقصود يعتاده بعض الناس، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الرأس اعتبارا للحقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العراق طويل الذيل واسع الكمين فلا فدية عليه حين يدخل يديه في كميه، والصحيح هو الأول.
م: (لأنه ما لبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه) ش: حتى لو زر عليه بلا إدخال يديه كان لابساً تجب الفدية.
وقال الأترازي: بخلاف ما إذا زره يوماً كاملاً حيث يجب عليه الدم، لوجود الارتفاق الكامل م: (والتقدير في تغطية الرأس من حيث الوقت ما بيناه) ش: إنما أعاد هذا الكلام ليبني عليه الفروع قوله ما بيناه، وهو قوله أو غطى رأسه يوماً كاملاً.

م: (ولا خلاف أنه إذا غطى جميع رأسه يوما كاملا يجب عليه الدم؛ لأنه ممنوع منه، ولو غطى بعض رأسه فالمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر الربع) ش: أي ربع الرأس فإنه قال: ما يتعلق بالرأس من الجناية، فالرفع فيه حكم الكل م: (اعتبارا بالحلق) ش: أي بحلق ربع الرأس يجب دم، وكذا في حلق ربع اللحية، وإن كان أقل من ربع الرأس تجب صدقة، وفي " المبسوط " إن أخذ ثلث رأسه أو ثلث لحيته، فعليه دم. عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الدم في حلق عشر رأسه احتياطا.
وفي " المبسوط " لو حلق العضو المقصود قبل أوانه يوجب الدم كالرأس والأذنين والرقبة ويجب الدم بحلق أحدهما وصبغه بالنورة، وفي " البدائع " يجب الدم في حلق الساعد والساق والفصد صدقة، وفي " المحلى " إن حلق بعض رأسه من غير ضرورة عامداً عالماً بتحريمه بطل إحرامه عند الظاهرية م: (والعورة) ش: أي واعتباراً بكشف العورة، فإن الربع فيه يقوم مقام الكل.
م: (وهذا) ش: تنبيه لما أتى بعده م: (لأن ستر البعض استمتاع مقصود يعتاده بعض الناس) ش: فإن الأتراك والأكراد والعراقيين يغطون رؤوسهم بالقلانس الصغار ويقدرون ذلك ارتفاقاً كاملاً، فيجب فيه الدم.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الرأس اعتبارا للحقيقة) ش: أي لحقيقة الكثرة، إذ حقيقتها إنما تثبت إذا قابلها أقل منها، والربع والثلث كثير حكما لا حقيقة.

(4/332)


وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب إلا بحلق الكل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب بحلق القليل اعتبارا بنبات الحرم.
ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد فتتكامل به الجناية وتتقاصر فيما دونه بخلاف تطيب ربع العضو؛ لأنه غير مقصود، وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[حلق المحرم شعر رأسه أو لحيته ونحوها]
م: (وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة) ش: هذا مخالف لما ذكره السرخسي وقاضي خان وشرح الطحاوي حيث ذكر فيها على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن حلق جميع الرأس واللحية، فعليه دم، وإن حلق أقل من ذلك فعليه إطعام. وذكر في " جامع المحبوبي " الصحيح ما ذكره عامة المشايخ، وهو المذكور في " الهداية ".
م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إلا بحلق الكل) ش: عملاً بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ، وأن الرأس للكل م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب بحلق القليل) ش: وهو ثلاث شعرات، وفي " شرح الوجيز " في شعرة واحدة مد من طعام وفي قول درهم، وفي قول ثلث درهم، وفي قول دم كامل م: (اعتبارا بنبات الحرم) ش: يستوي فيه قليله وكثيره، كذا في " جامع البزدوي ".

م: (ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد) ش: فإن الأتراك يحلقون أوساط رءوسهم، وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لانتفاء الراحة والزينة وعامة العرب يمسكون رءوسهم بشعورهم، وإنما يحلقون النواصي والأقفية م: (فتتكامل به الجناية) ش: أشار إلى نفي مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتتقاصر فيما دونه) ش: أشار إلى نفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي تتقاصر الجناية فيما دون الربع.
م: (بخلاف تطيب ربع العضو) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين حلق الربع وبين تطيب الربع، يعني إذا حلق ربع الرأس أو ربع اللحية يجب الدم، وإذا طيب ربع الرأس أو ربع اللحية لا يجب الدم، بل تجب الصدقة على ظاهر الرواية، وإنما قلنا على ظاهر الرواية، لأنه ذكر في المنتقى أنه يجب فيه الدم.
م: (لأنه) ش: أي لأن تطيب ربع العضو م: (غير مقصود) ش: لأن العادة في التطيب لسبب الاقتصار على الربع فصار العضو الكامل في الطيب كالربع في حلق الكفارة. م: (وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق) ش: أي يتعارف فإن الأكاسرة كانوا يحلقون بعض لحى شجعانهم، ومنهم من كان يحلقها كلها م: (وأرض العرب) ش: أي وكذا معتاد بأرض العرب، وإن عامة العرب يحلقون من النواصي والأقفية مقدار الربع، وكذا الأتراك يحلقون من وسط الرأس قدر

(4/333)


وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما عضو مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة، فأشبه العانة. ذكر في الإبطين الحلق هاهنا وفي الأصل النتف وهو السنة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل فطعام أراد به الصدر أو الساق وما أشبه ذلك؛ لأنه مقصود بطريق التنور فتتكامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الربع به يقع ترفقهم عادة، فلحق الربع بالكل احتياطاً لإيجاب الكفارة في المناسك، فإنها مبنية على الاحتياط.

م: (وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة)
ش: فإن قلت: كان ينبغي في حلق الإبطين أن يجب دمان، إذ كل إبط عضو مقصود بالحلق.
قلت: الأصل في جنايات المحرم إذا كانت من جنس واحد أن يجب ضمان واحد، ألا ترى أنه إذا تنور جميع بدنه يلزمه دم واحد م: (فأشبه العانة) ش: في وجوب الدم، وفي " جامع قاضي خان " إذا كان شعر العانة كثيراً، ففي حلق ربعها دم م: (ذكر في الإبطين) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإبطين م: (الحلق هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ".
م: (وفي الأصل) ش: أي وذكر في " المبسوط " م: (النتف) ش: أي نتف الإبطين م: (وهو السنة) ش: أي نتف الإبطين هو السنة، وفي العامل بالسنة أولى، وفي الأصل أنه لا حظر في الحلق وإن كانت السنة هو النتف وفي " شرح الطحاوي " ولو حلق من أحد الإبطين أكثر وجب الصدقة، لأنه ليس له نظير في البدن، وليس لأحدهما حكم الكل.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: قيل قولهما بيان قول أبي حنيفة، لا أنه خالفهما في ذلك، وإنما خصا بالذكر، لأن الرواية محفوظة عنهما، كذا في " الكافي " م: (لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل) ش: أي من العضو م: (فطعام) ش: أي الواجب طعام م: (أراد به) ش: أي أراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " بالعضو الكامل م: (الصدر أو الساق وما أشبه ذلك) .
ش: نحو الساعد والعانة والإبط. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا مخالف لما ذكر في " المبسوط " حيث ذكر فيه الأصل من حلق عضو مقصود بالحلق، فعليه دم. وإن حلق عضواً غير مقصود فعليه صدقة فيهما ليس بمقصود حلق شعر الصدر والساق، ولم يذكر الخلاف فيه م: (لأنه مقصود بطريق التنور) ش: أي باستعمال النورة، يقال تنور إذا طلى بالنورة م: (فتتكامل) ش: أي الجناية م: (بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه) ش: ولهذا قالوا عبد المحرم خبز فاحترق بعض يديه في

(4/334)


بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه، وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل، ومعناه أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان مثلا مثل ربع الربع يلزمه قيمة ربع الشاة، ولفظة الأخذ من الشارب تدل على أنه هو السنة فيه دون الحلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التنور فعليه صدقة إذا عتق، لأنه جناية يسيرة، وإن طلى من غير أذى فعليه دم إذا عتق؛ لأن جنايته غليظة ولا فرق بين الحلق والنتف والتنور في وجوب الفدية عند الأئمة الأربعة.
م: (وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل) ش: هذا من مسائل " الجامع الصغير ". وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو حلق شاربه فعليه صدقة، لأنه تبع اللحية، وهو قليل وقليل الشارب عضو مقصود بالحلق، فإن من عادة بعض الناس حلق الشارب دون اللحية فكان الواجب تكامل الجناية لحلقه، وأجيب بأنه مع اللحية في الحقيقة عضواً واحداً، لاتصال البعض بالبعض، فلا يجعل في حكم أعضاء متفرقة كالرأس، فإن من العلوية من عادته حلق مقدم الرأس، وذلك لا يدل على أن كله ليس بعضو واحد.
م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكر من حكومة العدل م: (أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان) ش: أي المأخوذ م: (مثلا مثل ربع الربع) ش: أي ربع ربع اللحية م: (يلزمه قيمة ربع الشاة) ش: فيتصدق به، وعلى هذا القياس سائر الأجزاء، وإنما قال مثلاً لأنه يجوز أن يكون ثلث الربع أو نصف الربع أو غير ذلك، ففي الأول ثلث الشاة، وفي الثالث نصف الشاة.
م: (ولفظة الأخذ من الشارب) ش: يعني ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " لفظة الأخذ من الشارب م: (تدل على أنه) ش: أي أن الأخذ م: (هو السنة فيه) ش: أي في الشارب م: (دون الحلق) ش: في شرح الآثار أن الحلق سنة، وهو أحسن من القص، والقص حسن جائز، وقد بوب الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الكراهية باب حلق الشارب، ثم ذكر أحاديث فيها لفظ قص الشارب عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفطرة عشرة "، فذكر قص الشارب» وأخرجه أبو داود بأتم منه، ومنها عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مثله وأخرجه الجماعة ما خلا البخاري.
فلفظ مسلم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشرة من الفطرة قص الشارب ... " الحديث.» ومنها عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الفطرة خمس» ، ثم ذكر مثله وأخرجه مسلم. ومنها عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً طويل الشارب فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم دعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عود السواك» وأخرجه أبو داود وأحمد ثم قال فذهب قوم من أهل المدينة إلى هذه الآثار واختياره لقص الشارب على إحفائه،

(4/335)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
انتهى.
قلت في شرحي الذي شرحته لكتاب الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المسمى بشرح " معاني الآثار " أراد بالقوم هؤلاء سالماً وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
فإنهم قالوا المستحب هو القص لا الإحفاء، وإليه ذهب حميد بن هلال والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وبكر بن عبد الله ونافع بن جبير وعراك بن مالك والإمام مالك، وقال عياض: ذهب كثير من السلف إلى منع الحلق والاستئصال في الشارب، وكان مالك يرى حلقه مثلة، ويأمر بتأديب فاعله، ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا بل يستحب إحفاء الشارب ويراه أفضل من قصه، انتهى.
قلت: أراد بهم جمهور السلف منهم أهل الكوفة ومكحول ومحمد بن عجلان ونافع مولى ابن عمر وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا المستحب إحفاء الشارب وهو أفضل من قصه، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وأبي أسيد وعبد الله بن عمر.
واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي من حديث ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أحفوا الشوارب وأعفوا عن اللحى» ، وأخرجه مسلم والترمذي، وبما رواه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله، وزاد: «ولا تشبهوا باليهود» ، وأخرجه البزار في " مسنده " ولفظه: «خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأوفوا اللحى» ، وبما رواه عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جزوا الشوارب أرخوا اللحى» ، وأخرجه مسلم.
والإحفاء الاستئصال، قال الخطابي: يقال أعفى شاربه ورأسه، وقال ابن دريد حفى شاربه حفياً إذا استأصل أخذ شعره، ومنه قوله أحفوا الشوارب، وقال الجوهري الإحفاء مصدر من قولهم أحفى شاربه إذا استقصى في أخذه.
قلت: أراد الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بتبويب باب الحلق الإحفاء، لأن لفظ الحلق لم يرد. والحاصل أن الإحفاء للاستئصال حتى يرى جلده، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يحفي حتى يرى جلده ويعلم من هذا كله أن الإحفاء أفضل من القص، وهو خلاف ما ذهب إليه المصنف من أن لفظ الأخذ هو السنة، لأن الإحفاء أوفى من الأخذ.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حلقه سنة ونسب ذلك إلى العلماء الثلاثة، انتهى.

(4/336)


والسنة أن يقص حتى يوازي الإطار. قال وإن حلق موضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات. فكذا ما يكون وسيلة إليها، إلا أن فيه إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حلقه مقصود لأنه لا يتوصل إلى المقصود إلا به، وقد وجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لم يذكر الطحاوي كذلك وإنما قال بعد روايته الأحاديث المذكورة والتوفيق بينها أن الإخفاء أفضل من القص، ثم قال نعم باب حلق الشارب. وإنما أراد بذلك الإحفاء حتى يصير كالحلق. وفي " المختار " حلقه سنة وقصه حسن. وفي " المحيط " الحلق أحسن من القص، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهما الله -.

م: (والسنة أن يقص شاربه حتى يوازي الإطار) ش: هذا تفسير القص وهو أن يأخذ من الشارب حتى يوازي بالزاي المعجمة من الموازاة، وهي المقابلة والمواجهة والأصل فيه العمرة يقال فيه وازيته إذا حازيته. وقال الجوهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا يقف وازيته وغيره أجازه على تخفيف الهمزة وثقلها، والإطار بكسر الهمزة الطرف الأعلى من الشفة العليا وفي " المغرب " إطار الشفة منتهى جلدها ولحمه استقبال من إطار المنجل والدف، وإن حلق موضع المحاجم.
وفي أكثر النسخ م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن حلق المحرم موضع المحاجم) ش: وفي بعض النسخ مواضع المحاجم وفي بعضها موضع المحجم وهي جمع محجمة بكسر الميم وهي قارورة الحجامة، ويقال لها المحجم أيضاً بكسر الميم والمحجم بفتح الميم والجيم اسم مكان الحجم ويجمع على محاجم أيضا، والمراد هو الأول.
وإنما ذكرها بالجمع لاختلاف عادات الناس في مواضع الحجامة، فإن العرب يحتجمون على الرأس والفرس بين الكتفين وأهل الهدر على البطن م: (فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد. وقال ابن حزم وهو قول إبراهيم النخعي وعطاء وقال الحسن البصري من احتجم وهو محرم فعليه دم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فعل شيئاً من ذلك، فأما دفع عن نفسه أذى فعليه الفدية.
م: (وقالا: عليه صدقة لأنه) ش: أي لأن موضع الحجامة م: (إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات) ش: أي من محظورات الإحرام، أي ممنوعاته م: (فكذا) ش: لا يكون من المحظورات م: (ما يكون وسيلة إليها) ش: أي إلى الحجامة، لأنه وسيلة إلى الأمر المباح م: (إلا أن فيه) ش: أي غير أن في الحلق م: (إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة) ش: لأن ليس في كل منهما ترفق ولا نيل راحة.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حلقه) ش: أي حلق موضع المحاجم م: (مقصود لأنه لا يتوصل) ش: يسار م: (إلى المقصود) ش: وهو الحجامة م: (إلا به) ش: أي بالحلق م: (وقد وجد

(4/337)


إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم
وإن حلق رأس محرم بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه، وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم، وقد تقرر سببه، وهو ما نال من الراحة والزينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم) ش: قيل لا شك أن حلق موضع المحاجم وسيلة إلى الحجامة، وما كان وسيلة إلى الشيء كيف يصح أن يكون مقصوداً، وأجيب بأنه لا ينافي كونه وسيلة أن يكون مقصوداً، ألا ترى الإيمان وسيلة لصحة جميع العبادات وهو مع هذا من أعظم المقاصد.

م: (وإن حلق رأس محرم) ش: أي وإن حلق المحرم رأس محرم آخر م: (بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم) ش: وفي " البدائع " حلق رأس محرم أو حلال أو قلم أظافيره، وهو محرم فعليه صدقة، سواء كان نائماً، وفي " شرح الوجيز " إذا حلق حلال أو حرام المحرم بغير أمره ينظر إن كان المحرم نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه، ففيه قولان أصحهما أن الفدية على الحالق، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، لأنه هو المقصود لا تقصير من جهة المحلوق، والثاني: أنها على المحلوق، وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، واختاره المزني لأنه هو المرتفق به. وقد ذكر المزني أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد حط على هذا القول لكن الأصحاب نقلوه عن البويطي ووجدوه غير محطوط عليه، ولو حلقه بأمره فالفدية على المحلوق ولا شيء على الحالق قولاً واحداً، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن فعل الحالق يضاف إليه سواء كان الحالق محرماً أو حلالاً.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله) ش: أي من أصل الشافعي م: (أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه) ش: أي من الإكراه، لأن الإكراه لا بعد قصده وإلا أخذ بالفعل بالنوم بعدما نام م: (وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم) ش: يعني ينتفي الإثم الذي هو حكم الآخرة دون الحكم الذي يتعلق بالدماء م: (وقد تقرر سببه) ش: أي سبب وجوب الفدية والواو فيه للحال م: (وهو) ش: أي السبب م: (ما نال من الراحة والزينة) ش: أي ما نال المحلوق من الزينة والراحة بزوال الشعث ومن الزينة بزوال انتشار الشعر.
فإن قلت: ذكر في الديات أن في شعر الرأس دية، لأنه فوق أنه كمال، لأن وجود الشعر جمال وزينة، وجعل هاهنا فوات الزينة.
قلت: شعر الرأس زينة من حيث أصل الخلقة، فكذلك تجب الدية بزواله، والمراد هاهنا من

(4/338)


فيلزمه الدم حتما، بخلاف المضطر حيث يتخير؛ لأن الآفة هناك سماوية، وهاهنا من العباد، ثم لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة فصار كالمغرور في حق العقر، وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه، وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا في الوجهين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس الحلال له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزينة زوال الشعث، وهو أمر عارض يزيد صفرة الوجه، فكان هذا غير زوال، فأطلق هاهنا جمالا ًوهناك زينة للفرق بينهما.
م: (فيلزمه الدم حتما) ش: أي وجوباً، لأن النذر من قبل من ليس له الحق فيغلظ الحكم م: (بخلاف المضطر حيث يتخير) ش: أي بخلاف المحرم المضطر إلى حلق رأسه، فإنه إذا حلق يتخير بين الأشياء الثلاثة إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق بها على ستة مساكين، وإن شاء صام ثلاثة أيام، وفيه نفي لقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يقول إذا حلق المحرم غير مضطر فهو مخير بين الأشياء الثلاثة كما في حال الضرورة م: (لأن الآفة هناك) ش: أي في الاضطرار م: (سماوية) ش: أي من قبل الله عز وجل م: (وهاهنا) ش: أي في الإكراه م: (من العباد) ش: أي من قبلهم م: (ثم لا يرجع المحلوق رأسه) ش: مما وجب عليه من الدم م: (على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة) ش: وهو الانتفاع م: (فصار) ش: أي المحلوق م: (كالمغرور في حق العقر) ش: حيث لا يرجع بالعقر على مائعه. صورته اشترى جارية فاستولدها، ثم استحقت يغرم قيمة الولد والعقر، ويرجع بقيمة الولد على البائع ولا يرجع بالعقر، لأن العقر بسبب ما كان من الراحة بالوطء، ولهذا قال المصنف على من رفع الساق، وكذا إذا تزوج امرأة فاستحقت لا يرجع على الذي تزوجها لأنها حرة، لأن المغرور هو الذي استوفى منافع البضع، وقال في " شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان أبو حازم يقول يرجع، وعليه الكفارة، لأن الحالق ألجأه إلى التكفير فصار كأنه أخذ من ماله ذلك القدر فأتلفه.
م: (وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه) ش: يعني إذا حلق حلال رأس محرم يجب على المحلوق الدم عندنا لحصول الارتفاق الكامل، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا لم يكن بأمره فلا شيء عليه، وفي السكون وجهان م: (وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا) ش: يعني فيما إذا كان المحرم حلق المحرم م: (في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحالق بأمر المحلوق أو بغير أمره.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه) ش: أي الحالق، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا حلق المحرم رأس حلال) ش: فعندنا تجب الصدقة على الحالق، وعند الشافعي لا شيء عليه م: (له) ش: أي

(4/339)


أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب.
ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام؛ لاستحقاقه الأمان بمنزلة نبات الحرم، فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره إلا أن كمال الجناية في شعره. فإن أخذ من شارب حلال أو قلم أظافيره أطعم ما شاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب) ش: بكسر الجيم، أي الموجب للدم هو الارتفاق، ولا يحصل الارتفاق للشخص بحلق شعر غيره.

م: (ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام لاستحقاقه الأمان) ش: أي لاستحقاق ما ينمو من الأمان بمنزلة بيان الحرم. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا يقتضي أن الحلال إذا حلق رأس حلال في الحرم أن يجب على الحالق الجزاء كما في قطع نبات الحرم ولكن ما وجدت رواية له بل وجدت رواية أنه لا يجب شيء، قيل لا يقتضي لأن شعر الحلال في الحرم لا يصير م: (بمنزلة نبات الحرم) ش: وإنما يصير بالإحرام فلا يلزمه هذا م: (فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره) ش: أي بين حلق شعر نفسه وبين حلق شعر غيره، لأن الأمان يزول في الصورتين. م: (إلا أن كمال الجناية في شعره) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال لم يفترق الحال بين الصورتين ينبغي أن يجب عليه الدم في حلق شعر غيره، فأجاب بأن كمال الجناية في حلق شعر نفسه لوجود العين إزالة الأمن والارتفاق الكامل ولهذا يجب الدم بخلاف شعر غيره، قلت: فإن حلقه هو الارتفاق الكامل من الراحة والزينة للحالق بل له نوع ارتفاق بأن بدر مع الداري ينفقه، ولهذا وجبت الصدقة لقصور الجناية.
م: (فإن أخذ من شارب حلال) ش: وفي بعض النسخ فإن حلق من شارب حلال، وكذا في نسخة الأترازي وقال وهذه من مسائل " الجامع الصغير " وقد نص في " شرحه " فخر الإسلام البزدوي عن محمد عن يعقوب عن محمد عن أبي حنيفة في المحرم يأخذ من شارب الحلال أو يقص من أظفاره قال يطعم شيئاً.. إلى آخره. وقد قال المصنف بلفظ أحمد تبعاً للفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو قلم) ش: بالتشديد. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن التفضيل للتكثير ما في الفعل كما في حول وطوف، وإما في الفاعل كما في موت الإبل، وإما في المفعول كما في غلقت الأبواب وما نحن فيه من قبيل الثالث انتهى.
قلت: ليس التعليل هاهنا بمعنى ما ذكره ولا معنى من معاني هذه الثلاثة، وإنما فعل بالتشديد هاهنا للتعدية كما في قولك فرحته ولقن ابن الحاجب إن فعل بالتشديد يجيء للتعدية، ثم ذكر المقال المذكور م: (أظافيره) ش: جمع أظفار وهو جمع ظفر، وهو من جموع القلة م: (أطعم ما شاء) ش: في لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " يطعم شيئاً، وفي لفظ النسفي في " الكنز " وفي أخذ شارب حلال وقلم أظفاره طعام.

(4/340)


والوجه فيه ما بينا ولا يعرى عن نوع ارتفاق؛ لأن يتأذى بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دم؛ لأنه من المحظورات لما فيه من قضاء التفث وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم، ولا يزاد على دم إن حصل في مجلس واحد؛ لأن الجناية من نوع واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الشارح أي صدقة بطعام كالفطرة. وقال الأترازي عبارته مشككة جداً، ثم قال ملخصه إنه إن أراد بقوله أطعم ما شاء العموم، يعني قليلاً أو كثيراً كيفما شاء، فلا يجوز لأنه صرح في " شرح الكرخي " بإيجاب الصدقة نصاً عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قلم المحرم أظافير الحلال، وإن أراد الخصوص بإرادة التصديق فنصف صاع من حنطة فلا يجوز أيضاً، لأن إزالة تفث غيره أدنى من إزالة تفث نفسه، انتهى.
قلت: لا اعتراض على محمد أيضاً، لأن معنى قوله يطعم شيئاً من الصدقة، وكذا قول المصنف أطعم ما شاء وهو في معنى ما ذكره محمد ولا اعتراض على محمد أيضاً ولا معنى لقوله يطعم شيئا من الصدقة لأن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نص في إيجاب الصدقة كما ذكرنا، وبين شارح " الكنز " الصدقة بقوله أي صدقة بطعام كالفطرة كما ذكرنا.
م: (والوجه فيه ما بينا) ش: يعني قوله - إن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام - إلى أن قال - فلا يفترق بين شعره وشعر غيره - م: (ولا يعرى عن نوع ارتفاق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله لا يجب شيء على المحرم إذا حلق رأس الحلال، لأنه قاسه على ما إذا لبس غيره مخيطاً في عدم ارتفاقه، فكما لا يجب في إلباس غيره شيء، فكذلك هاهنا ورد عليه المصنف بقوله ولا يعرى أي المحرم عن نوع ارتفاق وبين ذلك بقوله م: (لأن يتأذى) ش: أي لأن المحرم الذي حلق للحلال أو أخذ من شاربه أو أظافير يتأذى م: (بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام) ش: أي بأن الصدقة بالطعام كالفطرة كما ذكرنا.
م: (وإن قص) ش: أي المحرم م: (أظافير يديه ورجليه فعليه) ش: أي وأظافر رجليه أراد به قص أظافيره كلها من اليدين والرجلين م: (فعليه دم لأنه) ش: أي لأن قصه هذا م: (من المحظورات) ش: أي من ممنوعات المحرم م: (لما فيه) ش: أي لما في القص المذكور م: (من قضاء التفث) ش: أي من إزالة الوسخ م: (وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها) ش: أي كل الأظافير من اليدين والرجلين م: (فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم) ش: لأن قص الأظفار لا يجوز للمحرم، وقال عطاء يجوز ولا خلاف فيه عند الأئمة الأربعة م: (ولا يزاد على دم) ش: أي على دم واحد م: (إن حصل في مجلس واحد لأن الجناية من نوع واحد) ش: أي قص الأظافير الارتفاق من حيث القص، وهو شيء واحد، وبه قال حماد ومالك والشافعي وأحمد.

(4/341)


فإن كان في مجالس فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن مبناها على التداخل فأشبه كفارة الفطر إلا إذا تخللت الكفارة لارتفاع الأولى بالتكفير. وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه معنى العبادة فيتقيد التداخل باتحاد المجلس كما في آي السجدة. وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق، وإن كان قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول استحسانا؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة أكثرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن كان) ش: أي قص الأظافير كلها م: (في مجالس فكذلك) ش: أي يجب دم واحد م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن مبناها) ش: أي مبنى هذه الكفارة م: (على التداخل) ش: إذا اتحد الجنس م: (فأشبه كفارة الفطر) ش: إذا أفطر في أيام رمضان، فإنه تكفيه كفارة واحدة، وكما تتداخل الكفارة أيضاً إذا ترك الجماع في أيام النحر كلها، وخرج عن هذا سجدة التلاوة، لأنها ليست بكفارة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا وجدت أفعال متفرقة من جنس واحد في مجلس واحد أو مجلس من غير تكفير، ففي تداخل الكفارة قولان في مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكي عن مالك كذلك وفي قول مثل قولهما.
م: (إلا إذا تخللت الكفارة) ش: يعني إن كفر للأولى تجب كفارة أخرى للثانية م: (لارتفاع الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (بالتكفير) ش: فتصير الثانية جناية مبتدأة م: (وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه) ش: أي في هذا التكفير م: (معنى العبادة) ش: بدليل أن كفارات الإحرام تجب على المعذورات كالمكره والجاهل والناسي تجب عليه ولا تجب العقوبات، بخلاف كفارات الفطر، فإنها لا تجب على المعذور م: (فيتقيد التداخل باتحاد المجلس) ش: يعني لا يكون التداخل إلا إذا اتحد المجلس لأن لاتحاد المجلس تأثيرا ًفي عدم المتفرقات، وإذا اختلفت المجالس يترجح جانب اختلاف المجالس م: (كما في آي السجدة) ش: إذا تكررت في مجلس واحد تجب سجدة واحدة، فإن كانت في مجالس مختلفة فعليه لكل واحدة سجدة.
م: (وإن قص يدا أو رجلا) ش: أي وإن قص المحرم أظافير رجل واحدة م: (فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق) ش: أي كما إذا حلق ربع رأسه فإنه يجب عليه دم، لأن الربع يحكي حكاية الكل م: (وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه) ش: أي معنى قول القدوري في قص الأقل من الخمسة بقوله فعليه صدقة هو أنه م: (تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول استحساناً؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة) ش: أي الأظافير الثلاثة م: (أكثرها) ش: أي أكثر الأظافير من اليد والرجل، لأن حكم الأكثر حكم الكل.

(4/342)


وجه المذكور في الكتاب أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه، وقد أقمناها مقام الكل، فلا يقام أكثرها مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى.
وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه دم اعتبارا بما لو قصها من كف واحد، وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة. ولهما أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه يتأذى ويشينه ذلك، بخلاف الحلق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه المذكور في الكتاب) ش: أي القدوري وأراد بالذكر وجوب الصدقة لكل ظفر م: (أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه) ش: باتفاق م: (وقد أقمناها مقام الكل) ش: الواو فيه للحال أي والحال إزالة قد أقمنا أقل ما يجب الدم بقلمه مقام الكل م: (فلا يقام أكثرها) ش: أي أكثر اليد الواحدة م: (مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى) ش: أي إلى ما لا يتعسر اعتباره. وفي " الكافي " المراد من عدم التناهي العسر لا المذكور في أصول الدين في وجود ما لا يتحرى، لأنه لو كان وجوب الدم باعتبار الأكثر لكان يجب دم أو الصدقة في عشر الأصبع، لأن العشر أكثر بالنسبة إلى نصف العشر، وفي العشر لا يجب بالإجماع.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيانه أن بيان المؤدي ما لا يتناهى إن أوجبنا الدم في خمسة أصابع اليد الواحدة أو الرجل الواحدة لحصول الارتفاق الكامل بقص الربع، لأن مجموع الأصابع عشرون والخمسة ربع ذلك، ثم إذا أوجبنا الدم في ثلاثة أصابع إقامة للأكثر مقام الكل يلزمه اعتبار ذلك فيما دون الثلاثة، لأن الأصبعين أكثر الثلاثة فيلزم أن يجب فيهما دم أيضاً، لأنها نصف الأصبعين وما يقابله، فليس بكثير، ويكون كثيراً فيلزم حينئذ بالأكثر في كل أصبع بلا نهاية، فلا يجوز للزوم خرق الإجماع من ذلك فافهم.

م: (وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه دم) ش: هذه من مسائل القدوري. قوله - متفرقة - بالجر صفة المعدود كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] [يوسف: الآية 43] ، م: (اعتبارا بما لو قصها من كف واحد) ش: لأن الخمسة ربع الأصابع فصار قصها متفرقة كقصها من يد واحدة أو من رجل واحدة م: (وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة) ش: أي واعتباراً أيضاً بما إذا حلق ربع رأسه من جوانب مختلفة فإنه يضم بعضه إلى بعض كما في النجاسة في مواضع متفرقة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه) ش: أي على وجه التفرق م: (يتأذى به) ش: لاختلاف ما ينتفع به م: (ويشينه) ش: أي يريد في المنظر مكروهاً وهو من الشنو، وهو العين، يقال شانه يشينه شيناً، والشين هاهنا من حيث إن البخل لا يكون نقص البغض. وفي " المبسوط " أنه لا يحسن في النظر، فيزداد له شغل القلب م: (ذلك، بخلاف الحلق) ش: كأنه جواب عما يقال من جهة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(4/343)


لأنه معتاد على ما مر. وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين، وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص عنه أو عن الطعام ما شاء. قال: وإن انكسر ظفر المحرم فتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم. وإن تطيب أو لبس مخيطا أو حلق من عذر فهو مخير إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام، وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينبغي أن يكون كذلك في الحلق من جوانب الرأس، فأجاب بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن الحلق على هذا الوجه م: (معتاد على ما مر) ش: في أن الأتراك والعرب يفعلون ذلك، لأنه معتاد عندهم، وقص البعض دون البعض ليس بمعتاد فافترقا. م: (وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة) ش: بمقدارها م: (فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظفرين فدية، وقال ابن القاسم في الواحد، وفي الموازية لا شيء في الواحد، إلا أن يميط به أذى، وقال أشهب: يطعم مسكيناً، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب الفدية في الثلاثة، وفيما دونها مداً لكل ظفر. م: (وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا) ش: يعني، وكذا الحكم لكل ظفر طعام مسكين عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - دم إذا قص أكثر من خمسة أصابع متفرقاً وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قلماً متفرقاً يعني من الأطراف، وليس من عضو واحد م: (إلا أن يبلغ ذلك) ش: أي الطعام م: (دما) ش: أي تبلغ قيمة الطعام الذي وجب لأجل قص الأصابع المتفرقة دماً م: (فحينئذ ينقص عنه) ش: أي عن الدم م: (أو عن الطعام ما شاء) ش: حتى لو قص ستة عشر ظفراً من كل عضو أربعة فعليه لكل ظفر طعام مسكين، إلا أن يبلغ ذلك طعاماً فينقص منه ما شاء. وفي " شرح المجمع " واختلفوا في كيفية النقصان عن الدم كيلا يبلغ الواجب، وما قيل ينقص من صاع أو نصفه شيء حتى ينقص منه الواجب عن الدم، والأصح أن ينظرا على أصوع من الشعير أو التمر، فإن لم يبلغ ذلك وما إذا أخرج فيكون الواجب أنقص من الدم، وتكون الصدقة بمقدار مقدر شرعاً، وكذا في نصف صاع من بر. م: (قال: وإن انكسر ظفر المحرم وتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم) ش: حيث يجب عليه إذا قلعه، وكذلك الشعر المقطوع. وقال ابن المنذر في " الإشراق " أجمع أهل العلم أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسراً منه كابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومالك والحميدي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. م: وإن تطيب) ش: أي المحرم م: أو لبس مخيطا أو حلق من عذر) ش: أي من أجل عذر.
م: (فهو مخير إن شاء ذبح وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش: أول الآية

(4/344)


وكلمة "أو" للتخيير، وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور
ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، وكذلك الصدقة عندنا لما بينا. وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] وهو القمل أو الجراحة، فعليه إذا حلق فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو نسك، وهو شاة، والنسك مصدر، وقيل جمع منسكة.
م: (وكلمة "أو" للتخيير) ش: فيدل على أن الذي يحلق بعذر بين هذه الأشياء الثلاثة م: (وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي الآية قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، أطلق على بعض الآية أنه من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل م: (بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور) ش: وهو كعب بن عجرة بضم العين المهملة، وسكون الجيم ابن أمية بن عدي يكنى أبا محمد؛ شهد بيعة الرضوان مات سنة ثلاثة وخمسين بالمدينة وله خمس وسبعون سنة. وأخرج الأئمة الستة حديثه عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم يوقد تحت قدرة ناراً والقمل يتهافت على وجهه، فقال: " أيؤذيك هوامك هذه؟ " قال: " نعم، قال: " فاحلق رأسك وأطعم فرقاً بين ستة مساكين "، والفرق ثلاثة أصوع " أو صم ثلاثة أيام أو نسك شاة» .
وأخرج البخاري ومسلم أيضاً «عن عبيد الله بن مغفل حدثنا، قال حدثني كعب بن عجرة أنه خرج مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرماً فقمل رأسه ولحيته فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إليه فدعى الحلاق فحلق رأسه، ثم قال: " هل عندك نسك "، قال ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع، فأنزل الله فيه خاصة {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ثم كانت للمسلمين عامة» وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقدره بالصوم ستة أيام إلا لما يقدر الطعام ستة مساكين كان القياس أن يكون الصوم ستة أيام.

م: (ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء) ش: هذا بالاتفاق بين الأئمة الأربعة م: (لأنه) ش: أي لأن الصوم م: (عبادة في كل مكان) ش: فلا يتقيد بمكان معين م: (وكذلك الصدقة عندنا) ش: خلافاً للشافعي فإنه يقول الطعام لا يجزئه إلا في الحرم، وبه قال أحمد م: (لما بينا) ش: هو أنه عبادة في كل مكان م: (وأما النسك) ش: وهو ذبح الشاة م: (فيختص بالحرم بالاتفاق) ش: أي بيننا وبين الشافعي.
م: (لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان) ش: كالأضحية م: (أو مكان) ش: كجميع

(4/345)


وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان. ولو اختار الطعام أجزأه، فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بكفارة اليمين، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك وهو المذكور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الهدايا م: (وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان) ش: وهو الحرم. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا ذبحها في الحرم وفرق لحمها في الحل جاز كقولنا. وقال الحسن البصري كل دم واجب فليس له أن يذبحه إلا بمكة، وعند الظاهرية تجوز الثلاثة في أي موضع شاء، ومثله عن مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن هلك المذبوح أو سرق سقط لتعيينه كالزكاة، وفيه خلاف الشافعي.
م: (ولو اختار) ش: الحالق المعذور م: (الطعام أجزأه فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف اعتبارا بكفارة اليمين) ش: ذكر في القرآن بلفظ الإطعام وهو يفيد الإباحة، واعتبر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الطعام في الحديث حيث قال أطعم مساكين.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك) ش: أي الصدقة المذكورة في قَوْله تَعَالَى {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] تنبئ عن التمليك م: (وهو المذكور) ش: في الآية المذكورة، وإنما ذكر الضمير بالنظر إلى الخبر كما في قَوْله تَعَالَى الإطعام لا الصدقة، قال عز وجل {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] قيل لا تدل الصدقة على التمليك، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نفقة الرجل على أهله صدقة» ، ولا تمليك هاهنا، فإنما هو الإباحة.

(4/346)


فصل وإن نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى لا شيء عليه؛ لأن المحرم هو الجماع ولم يوجد، فصار كما لو تفكر فأمنى.
. وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم، وفي " الجامع الصغير "، يقول: إذا مس بشهوة فأمنى، ولا فرق بينهما إذا أنزل أو لم ينزل ذكره، في الأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في النظر والمباشرة للمحرم]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل مهماً فصل ينون، ومهماً وصل لا ينون، لأن الإعراب لا يكون إلا بالتركيب.
1 -
م: (وإن نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى لا شيء عليه) ش: يعني سوى الغسل، وإنما قال امرأته وإن كان الحكم في غير امرأته كذلك إلا أن النظر إلى فرج الأجنبية حرام، ولا يظن بالمسلم ارتكاب الحرام، فراعى الأدب وقال امرأته. وأراد بالفرج موضع البكارة، ولا يمكن النظر إليها إلا إذا كان سكينة، أما النظر إلى ظاهر الفرج فليس بشيء كذا في " الكافي " م: (لأن المحرم عليه هو الجماع ولم يوجد) ش: لأن الجماع هو قضاء الشهوة على سبيل الاجتماع صورة ومعنى. أما الصورة فهو الإيلاج، أما معنى فهو الإنزال ولم يوجد ذلك م: (فصار كما لو تفكر فأمنى) ش: فإنه لا يجب عليه شيء، وكذا لو أطال النظر أو تكرر منه، وعن عطاء لو أطال النظر فأمنى يفسد حجه، ولو دفع فعليه بدنة عند الحسن البصري والحج من قابل، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " المغني " لو نظر فصرف بصره فعليه شاة عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كرر فعليه بدنة وحجة تامة عند الأئمة الثلاثة. وقال الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإنزال فيما دون الفرج يفسد الحج، وقال عبد الله بن الحسن: إذا لمس فأنزل بطل حجه.

م: (وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم) ش: سواء أنزل أو لم ينزل على رواية الأصل كما يذكر م: (وفي " الجامع الصغير "، يقول: إذا مس بشهوة فأمنى) ش: إنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " لأنه شرط الإنزال حيث قال فأمنى أي أنزل ولم يشترط القدوري ذلك، كما اشترط في الأصل حيث قال والمس والتقبيل من شهوة والجماع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل لم يفسد الإحرام، ولكنه يوجب الدم م: (ولا فرق بين ما إذا أنزل أو لم ينزل ذكره، في الأصل) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفرق بين الإنزال وعدم الإنزال في المس والتقبيل من شهوة في الأصل، وهو في " المبسوط ". وذكر في " شرح الطحاوي " والكرخي كما في الأصل، وفي " شرح المهذب " للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم اللمس بشهوة والقبلة والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة، ولا يفسد بذلك حجة أنزل أو لم ينزل، ولا تجب بدونه فدية الحلق، وأما اللمس والقبلة بغير شهوة فلا يحرم، ولا شيء عليه بلا خلاف، وغلطوا إمام الحرمين والعراقي فيه حيث اعتبراه ينقض الوضوء في الحرمة.

(4/347)


وكذا الجواب في الجماع فيما دون الفرج. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك إذا أنزل واعتبره بالصوم.
ولنا أن فساد الحج يتعلق بالجماع، ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات، وهذا ليس بجماع مقصود فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع إلا أن فيه معنى الاستمتاع والارتفاق بالمرأة وذلك محظور الإحرام فيلزمه الدم بخلاف الصوم؛ لأن المحرم فيه قضاء الشهوة، ولا يحصل بدون الإنزال فيما دون الفرج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا الجواب في الجماع فيما دون الفرج) ش: أي تجب الشاة، ولا يفسد به الإحرام أنزل أو لم ينزل، والجماع فيما دون الفرج هو الإدخال بين الفخذ والسرة، فإن الفرج يراد به القبل والدبر م: (وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك) ش: ذلك إشارة إلى اللمس بشهوة والتقبيل بشهوة والجماع فيما دون الفرج، يعني يفسد إحرامه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الصور الثلاث إذا وجد الإنزال، وهو معنى قوله م: (إذا أنزل واعتبره بالصوم) ش: فإن الصوم إنما يفسد بهذه الأشياء إذا أنزل، لأنه مواقعة معنى، وقال السروجي: ولا أصل له، يعني نسبة هذه الرواية إلى الشافعي غير صحيحة، لأن إحرامه لا يفسد في شيء من ذلك من الذي تقدم، إنما قال ذلك عقيب نقله ما ذكرناه الآن من " شرح المهذب " وفي متن " المغني " لأصحابنا لمس امرأته بشهوة قبل الوقوف فأمنى فسد حجه، وكذا إذا لم يمن في رواية وهو شاذ ضعيف، وفي " المنافع " يعني بالفساد النقصان الفاحش لا البطلان، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الحج لا يفسد إلا بالجماع.

م: (ولنا أن فساد الحج يتعلق بالجماع) ش: أي على وجه التغليظ م: (ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات) ش: أي لتعلق فساد الحج بالجماع لا يفسد الحج بسائر ممنوعات الإحرام من قبيل التقبيل ولبس المخيط واستعمال الطيب ونحوها م: (وهذا) ش: أي اللمس والتقبيل بلا إنزال م: (ليس بجماع مقصود) ش: لأن الجماع المقصود هو الإيلاج م: (فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع) ش: المقصود من الفساد م: (إلا أن فيه) ش: أي في المس والتقبيل م: (معنى الاستمتاع والارتفاق بالمرأة) ش: أي الانتفاع بها م: (وذلك محظور الإحرام فيلزمه الدم) ش: لما تقدم أن دواعي الجماع ملحقة به فيلزمه الدم، أي ذبح الشاة.
م: (بخلاف الصوم) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالصوم تقديره هو قوله م: (لأن المحرم فيه) ش: أي في الصوم م: (قضاء الشهوة، ولا يحصل بدون الإنزال فيما دون الفرج) ش: أي الاستعمال بين الفخذين لا اليدين، لأنه يحصل فيه قضاء الشهوة بدون الإنزال وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " الوطء في الموضع المكروه لا يفسد الحج في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه وطء في موضع لا يتعلق وجوب المهر بحال، فلا يتعلق به فساد الحج، كالوطء فيما دون الفرج، ويفسد الحج في الرواية الأخرى، لأنه وطء

(4/348)


وإن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، وعليه شاة، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسده، وعليه القضاء والأصل فيه ما روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج، قال: يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل» وهكذا نقل عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوجب الاغتسال من غير إنزال، فصار كالوطء في الفرج وهي قولهما.

[بطلان الحج بالجماع قبل الوقوف بعرفة]
[كفارة من أفسد حجه بالجماع]
م: (وإن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه) ش: وفسد حج المرأة أيضاً سواء كانت مطاوعة أو مكرهة م: (وعليه شاة، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد حجه) ش: وكذا عليها، ويجزئ شرك بقرة أو جزور، وقال الشافعي ومالك وأحمد عليه بدنة على ما يجيء الآن في " الجامع الصغير " يعتبر غيبوبة الحشفة، وكذلك لو استدخلت ذكر حمار أو ذكراً مقطوعاً فسد حجها بالإجماع، ولو لف ذكره بخرقة ثم أدخله إن وجد حرارة الفرج واللذة يفسد، وإلا فلا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي أصح قوليه يفسد به مطلقاً سواء وجد حرارة الفرج واللذة أو لا.
م: (والأصل فيه ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج، قال: يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل» ش: هذا رواه أبو داود في المراسيل، حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير أنبأنا يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم شك أبو توبة «أن رجلاً من خذام جامع امرأته وهما محرمان فسأل الرجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " اقضيا نسككما واهديا هدياً» ، رواه البيهقي، وقال: إنه منقطع، وهو يزيد بن نعيم بلا شك، وقال صاحب " الجوهر النقي " في الرد على البيهقي: إنه يزيد بلا شك.
وروى أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا إسماعيل بن أيوب عن غيلان بن جرير أنه سمع علياً الأزدي قال سألت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رجل وامرأة من عمان أقبلا حاجين فقضيا المناسك حتى لم يبق عليهما إلا الإفاضة وقع عليها، فسألت ابن عمر فقال ليحجا عاماً قابلاً، قوله - وهما محرمان - الواو فيه للحال قوله - يريقان دماً - أي يريق كل واحد منهما دماً.
م: (وهكذا نقل عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: يعني هكذا نقل الحكم المذكور قبله فيمن جامع قبل الوقوف عن جماعة من الصحابة، روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سألوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج، فقالوا ينفذان بوجوههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما حج في قابل والهدي وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا أهلا بالحج من عام قابل قعدوا حتى يقضيا حجهما.

(4/349)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب بدنة اعتبارا بما لو جامع بعد الوقوف، والحجة عليه إطلاق ما روينا، ولأن القضاء لما وجب عليه ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة معنى الجناية، فيكتفي بالشاة، بخلاف ما بعد الوقوف لأنه لا قضاء عليه. ثم سوى بين السبيلين. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في غير القبل منهما، لا يفسد لتقاصر معنى الوطء، وكان عنه روايتان. وليس عليه أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه عندنا، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خرجا من بيتهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي: تجب بدنة اعتبارا بالجماع بعد الوقوف) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يريقان دماً» ، وذكر الدم مطلقاً، ولم يقيده بشيء، فتناول الشاة، لأنه متيقن.
فإن قلت: المطلق ينصرف إلى الكامل وهو البدنة.
قلت: ينصرف إلى الكامل في الماهية مع حصول التيقن به، والشاة كامل فتجزئه، وعن عطاء يفسد حجه ويستغفر الله تعالى. وعن سعيد بن جبير أربع روايات الأولى شاة، والثانية بقرة، والثالثة يفسد حجه، والرابعة لا شيء عليه فيستغفر الله تعالى.
م: (ولأن القضاء لما وجب عليه) ش: أي على هذا المجامع، وهذه الجملة معترضة بين لما وجوابه، وهو قوله - حقاً - م: (ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة حين معنى الجناية) ش: الفائتة بالقضاء لكون الجماع قبل الوقوف للقضاء م: (فيكتفي بالشاة، بخلاف ما بعد الوقوف) ش: أي بخلاف الجماع بعد الوقوف بعرفات م: (لأنه لا قضاء عليه) ش: فتجب البدنة، فتغلظ الجناية وعدم حقها لعدم القضاء م: (ثم سوى بين السبيلين) ش: أي سوى القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين السبيلين القبل والدبر في فساد الحج بالجماع.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في غير القبل منهما) ش: أي من السبيلين م: (وقيل) ش: أي من الرجل والمرأة م: (لا يفسد) ش: أي الحج م: (لتقاصر معنى الوطء) ش: حتى لا يجب الحد عنده، وقد مر الكلام فيه عن قريب م: (وكان عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (روايتان) ش: الأولى أنه لا يفسد حجه قال في " شرح الطحاوي ": لو جامعها في الدبر فعلى قياس قول أبي حنيفة لا يفسد حجه وعمرته، كما قال في " الخزانة " لا يجب، الثانية: أنه يفسد، روى الكرخي عنه أنه تجب الكفارة في رمضان وجعلها كالجماع في الفرج م: (وليس عليه) ش: أي على هذا الرجل الذي جامع م: (أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه) ش: أي الزوجين ما أفسداه بالجماع.
م: (عندنا، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خرجا من بيتهما) ش: يعني إذا أراد قضاء الحج الفساد بالجماع من عام قابل يفرقان عند مالك من حين خروجهما من بيتهما، قال هاهنا وفي " شرح

(4/350)


ولزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أحرما، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعها فيه. لهم أنهما يتذاكران ذلك فيقعان في المواقعة فيفترقان. ولنا أن الجامع وهو النكاح بينهما قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام لإباحة الوقاع، ولا بعده؛ لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة بسبب لذة يسيرة فيزدادان ندما وتحرزا فلا معنى للافتراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوجيز " وتتمتهم أن قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفترقان إذا أحرما كما هو مذهب زفر، ويحتمل أن يكون عنه روايتان. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما ذكر عن مالك لا أصل له.
قلت: فيه ما فيه، لأنه لم يطلع على كتب المالكية كلها، وذكر في " المبسوط " وغيره أن مالكاً في هذا موضع زفر.
م: (ولزفر: إذا أحرما) ش: أي وخلافاً لزفر، فإن عنده يفترقان، إذا أحرما م: (وللشافعي) ش: أي وخلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعها فيه) ش: فعنده يفترقان إذا أتيا المكان الذي جامعا فيه، وبه قال أحمد وذكر ابن المنذر قول أحمد مع زفر، وبقول الشافعي قال إسحاق.
وفي " المحيط " و " المبسوط " و " الأسبيجابي " يستحب الافتراق عند خوف المعاودة، وقال سند: والافتراق مستحب كقول الشافعي خلافاً للحنابلة، قال ولو كان واجباً لوجب به دم كسائر واجبات الحج. وقال النووي: يستحب وفي القديم يجب.
فإن قلت: روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا يفترقان وقولهم حجة.
قلت: إنما يكون حجة إذا نفر من العصر ولم يوجد الخلاف، وقد روي عن الحسن وعطاء مثل قولنا، وهما قد أدركا عصر الصحابة فيكون خلافاً معتبراً فلا ينعقد الإجماع.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل لمالك والأول أولى لأنه أقرب، وفي بعض النسخ لهم، أي لزفر ومالك والشافعي، وهو الأصح؛ لأنه ذكره دليلاً هو أوقع لأقوالهم م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين م: (يتذاكران ذلك) ش: أي الجماع الذي وقع في المكان الذي أتياه م: (فيقعان في المواقعة) ش: أي في المجامعة م: (فيفترقان) ش: حتى لا يقعا فيما وقعا أولا ً.
م: (ولنا أن الجامع وهو النكاح بينهما قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام) ش: لقيام النكاح، والافتراق ليس بنسك في الأداء، فلا يكون نسكاً في القضاء م: (لإباحة الوقاع) ش: أي الجماع وهو متعلق بقوله قبل الإحرام م: (ولا بعده) ش: أي ولا بعد الإحرام م: (لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة) ش: وهي السفرة الثانية للقضاء م: (بسبب لذة يسيرة) ش: وهو الجماع الذي يقتضي في ساعة م: (فيزدادان ندما وتحرزا فلا معنى للافتراق) ش: فلا يقبل الأمر به.

(4/351)


ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنة. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا جامع قبل الرمي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من وقف بعرفة فقد تم حجه» وإنما تجب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أو لأنه أعلى أنواع الارتفاق فيتغلظ موجبه.
وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة لبقاء إحرامه في حق النساء دون لبس المخيط، وما أشبهه فخفت الجناية فاكتفى بالشاة. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[حكم من جامع بعد الوقوف بعرفة]
م: (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنة. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا جامع قبل الرمي) ش: فإن عنده إذا جامع قبل الرمي يفسد حجه، والمراد بالرمي رمي جمرة العقبة وبعد الرمي لا يفسد، لأنه عنده محلل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» ش: هذا دليل لنا، وليس للشافعي، وأخرج أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من «حديث عبد الرحمن بن معمر شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو واقف بعرفات وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج، قال: عرفة من جاء قبل الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه» لفظ أحمد. وفي رواية لأبي داود: «من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج» . وفي رواية للدارقطني والبيهقي: «الحج عرفة» .
م: (وإنما تجب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا جواب عما يقال إذا لم يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف لكونه أثر الغفران، فكان ينبغي أن لا يجب شيء بعد تمامه لا يقبل الجناية فلا يقتضي جزاء، وتقدير الجواب أن وجوب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو ما رواه مالك في " الموطأ " عن ابن الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه سئل عن رجل واقع وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الجماع م: (أعلى أنواع الارتفاق فيتغلظ موجبه) ش: بفتح الجيم لوجوب التطابق بين الموجب بمقتضى الحكم.
وقال الأكمل قيل إنما ذكر بكلمة أو ليكون أثر ابن عباس هذا غير مشهور، فأتى بها ليكون متمسكاً بأحدهما، قال وفيه نظر؛ لأن المطلوب إثبات الوجوب وهو ثبت بخبر الواحد، ولا يتوقف على الاشتهار، انتهى.
قلت: إن لم يتوقف على الاشتهار يتوقف على صحة طريقه فإذا اشتهر ثبت صحة الفرض فضلاً عن ثبوت الواجب.

م: (وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة لبقاء إحرامه في حق النساء دون لبس المخيط، وما أشبهه فخفت الجناية فاكتفى بالشاة) ش: وفي " المنافع " وإن جامع بعد الحلق هكذا وقع في عامة النسخ، وفي بعض النسخ قبل الحلق فإن كانت الرواية قبل الحلق فلأنه محرم بعد الوقوف، وإن كانت

(4/352)


ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط فسدت عمرته فيمضي فيها ويقضيها وعليه شاة. ومن جامع بعدما طاف أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة ولا تفسد عمرته وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسد في الوجهين وعليه بدنة اعتبارا بالحج، إذ هي فرض عنده كالحج. ولنا أنها سنة فكانت أحط رتبة عنه فتجب الشاة فيها والبدنة في الحج إظهارا للتفاوت.

ومن جامع ناسيا كان كمن جامع متعمدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماع الناسي غير مفسد للحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرواية بعد الحلق فلأنه محرم في حق النساء، وفي المسعودي إن جامع قبل الحلق بعد الوقوف قبل الطواف لم يفسد حجه، وعليه بدنة، وإن جامع بعده فعليه شاة مع البدنة.

[حكم من جامع في العمرة قبل تمامها]
م: (ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط فسدت عمرته فيمضي فيها) ش: يعني لكمالها م: (ويقضيها وعليه شاة. وإذا جامع بعدما طاف. أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة ولا تفسد عمرته) ش: وكذا بعد السعي قبل الحلق لبقاء إحرام العمرة، ذكره في " المحيط " ووجوب الشاة بالوطء في العمرة قول عطاء والثوري وإسحاق وابن المنذر وأجمعوا على أنه لو وطأ قبل الطواف فسدت عمرته، فإن وطأ قبل الحلق فعليه دم، وهو قول ابن عباس والثوري، واختاره ابن المنذر، وقال أحمد وأبو ثور وعليه هدي، وقال مالك والشافعي عليه بدنة.
م: (وقال الشافعي: تفسد في الوجهين) ش: أي تفسد عمرته سواء كان الجماع قبل أربعة أشواط أو لا م: (وعليه بدنة اعتبارا بالحج) ش: أي قياساً على الحج م: (إذ هي) ش: أي العمرة م: (فرض عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كالحج) ش: أي كفرضية الحج.
م: (ولنا أنها) ش: أي أن العمرة م: (سنة فكانت أحط البدنة عنه) ش: أي عن الحج م: (فتجب الشاة فيها) ش: أي في العمرة م: (والبدنة) ش: أي تجب البدنة م: (في الحج إظهارا للتفاوت) ش: بينهما، والدليل على سنية العمرة ما رواه جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن العمرة أهي واجبة قال: " لا وأن تعتمر خير لك» .

[حكم من جامع ناسيا في الحج]
م: (ومن جامع ناسيا كان كمن جامع متعمدا) ش: أي في حق إفساد الحج والإحرام لا في حق الإثم، وبه قال مالك والشافعي في القديم، واختاره المزني، وفي الجديد لا يفسد بالنسيان إلا أن يعلم، وفيه دم عليه، وذكر المصنف خلافه بقوله م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماع الناسي غير

(4/353)


وكذا الخلاف في جماع النائمة والمكرهة. هو يقول: الحظر ينعدم بهذه العوارض فلم يقع الفعل جناية.
ولنا أن الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقا مخصوصا، وهذا لا ينعدم بهذه العوارض، والحج ليس في معنى الصوم؛ لأن حالات الإحرام مذكرة بمنزلة حالات الصلاة بخلاف الصوم، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مفسد للحج) ش: ولم يبين أنه قوله الجديد ولا ذكر إلا أن يعلم فيه دم عليه م: (وكذا الخلاف في جماع النائمة والمكرهة) ش: يعني أن جماعها قبل الوقوف بعرفات يفسد الحج عندنا، خلافاً للشافعي، وكذا الخلاف في غير النائمة بالتحريم. وقال ابن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي: ولا خلاف بالفساد في المكرهة، لأن إكراه الرجل على الوطء ممتنع.
م: (هو يقول) ش: أي الشافعي يقول م: (الحظر ينعدم بهذه العوارض) ش: أي بالنسيان والنوم والإكراه م: (فلم يقع الفعل جناية) ش: فلا يفسد.

م: (ولنا أن الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقا مخصوصا) ش: هو الارتفاق بالجماع والفساد متعلق به بعين الجماع م: (وهذا) ش: أي هذا الارتفاق المخصوص م: (لا ينعدم بهذه العوارض) ش: لإرادة أن أثر هذه العوارض في انعدام المأثم لا في انعدام أصل الفعل، ولهذا يلزم الاغتسال مع وجود هذه العوارض، وتثبت به حرمة المصاهرة ويستوي فيه الصغير والكبير والعاقل والمجنون، كذا في " المبسوط "، والنوم لا ينافي الجماع، ألا ترى أن النائم يحتلم، ويمكن أن تصل اللذة إليه ولم يعلم.
م: (والحج ليس في معنى الصوم) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالصوم وتقديره أن يقال قياس الحج على الصوم غير صحيح م: (لأن حالات الإحرام) ش: أي هيئاته م: (مذكرة بمنزلة حالات الصلاة) ش: وهي الانتقال من القيام إلى الركوع ومن الركوع إلى السجود، ومن السجود إلى القعود، وعلى غير ذلك من الهيئات م: (بخلاف الصوم) ش: لأنه أمر مبطن لا يطلع عليه أحد وليس عند الصائم أيضاً ما يذكره في غالب الأوقات.

(4/354)


فصل ومن طاف طواف القدوم محدثا فعليه صدقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتد به لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق» ، فتكون الطهارة من شرطه. ولنا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ، من غير قيد الطهارة فلم تكن فرضا ثم قيل: هي سنة، والأصح أنها واجبة لأنه يجب بتركها الجابر؛ ولأن الخبر يوجب العمل فيثبت به الوجوب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل فيمن طاف طواف القدوم محدثا]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في مسائل فصله عن المسائل التي قبله فلأجل المغايرة بينهما ذكر لفظ فصل.
م: (ومن طاف طواف القدوم محدثا) ش: أي حال كونه محدثاً م: (فعليه صدقة) ش: كل موضع وجبت فيه صدقة فهي نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر إلا ما يجب بقتل جرادة أو قمل، أو بإزالة شعرات قليلة من رأسه أو عضو من أعضائه، فإن فيه يتصدق بما شاء م: (وقال الشافعي: لا يعتد به) ش: أي لا يعتد بطواف المحدث ولا ينجبر بالدم ونحوه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق» ش: هذا الحديث تقدم في باب الإحرام، والمصنف استدل به هاهنا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وبقوله قال مالك وأحمد قوله أباح فيه النطق بالإجماع، أي الكلام م: (فتكون الطهارة من شرطه) ش: أي من شرط الطواف، فلا يصح بدونها كالصلاة.
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ، من غير قيد الطهارة فلم تكن فرضا) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى أمر بالطواف وهو الدوران حول الكعبة من غير الطهارة، فلم يكن فرضاً وجه التشبيه في أنه صلاة كمالاً لا حقيقة فهو اقتضاء، ولا عموم للمقتضى عندنا، فثبت كونه صلاة في حق تعلق الجواز والبيت، كما في الصلاة وأما الاستثناء فدل كلام مبتدأ، كأنه، قال ولكن أبيح فيه الكلام لإزالة إشكال الحرمة ألا ترى أنه أبيح فيه المشي والانحراف عن البيت، بخلاف الصلاة، مع أن يحيى بن معين ضعف الحديث، وقال: إنه منقطع.
م: (ثم قيل: هي سنة) ش: القائل بأن الطهارة في الطواف سنة ابن شجاع م: (والأصح أنها واجبة) ش: وهو قول أبي بكر الرازي م: (لأنه يجب بتركها الجابر) ش: فلو لم تكن الطهارة واجبة لما وجب الجابر بتركها م: (ولأن الخبر يوجب العمل فيثبت به الوجوب) ش: أي وجوب الطهارة م:

(4/355)


فإذا شرع في هذا الطواف وهو سنة، يصير واجبا بالشروع ويدخله نقص بترك الطهارة فيجبر بالصدقة إظهارا لدنو رتبته عن الواجب بإيجاب الله وهو طواف الزيارة، وكذا الحكم في كل طواف هو تطوع. ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة لأنه أدخل النقص في الركن فكان أفحش من الأول فينجبر بالدم، وإن كان جنبا فعليه بدنة، كذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ ولأن الجنابة أغلظ من الحدث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فإذا شرع في هذا الطواف) ش: أي طواف القدوم، هذا جواب عن سؤال مقدر، بأن يقال لما كان أصل هذا الطواف سنة وتركه لا يوجب دماً على ما ذكر في " شرح الطحاوي " ويوجب صدقة على ما ذكر في " الإيضاح " ينبغي أن لا يجب في الحدث شيء لأنه يؤدي للتسوية بين تركه وبين الإتيان به محدثاً.
فأجاب بقوله " فإذا شرع في هذا الطواف " م: (وهو سنة) ش: أي والحال أنه سنة م: (يصير واجبا بالشروع) ش: فإذا وجب بالشروع الملزم فيلزمه م: (ويدخله نقص بترك الطهارة فيجبر بالصدقة إظهارا) ش: أي لأجل الإظهار م: (لدنو رتبته) ش: أي لقرب رتبة طواف القدوم م: (عن الواجب بإيجاب الله، وهو طواف الزيارة) ش: وهاهنا سؤالان.
الأول: أن دخول النقص بترك الطهارة على تقدير كونها سنة في جبر النزاع فلا يوجد في الدليل؟ والجواب أن ترك السنة يوجب نقصاً أو ينجبر بالكفارة، إلا ترى أن من أفاض من عرفات قبل الإمام وجب عليه دم، وقال: لأنه ترك سنة الدفع.
الثاني: أنه منقوض بالصلاة النافلة، فإنها إذا دخلها نقص ينجبر بسجدتي السهو ولم يظهر دنو رتبة النفل عن رتبة الفرض فيها فليكن هاهنا أيضاً كذلك، والجواب أن الشارع جعل الجابر في الصلاة نوعاً واحداً فلا يصار إلى غيره، وفي الحج جعله متنوعاً قد يكون بالدم وقد يكون بالفدية وقد يكون بالصدقة ما أمكن المصير إلى ما تبين منه رتبة النفل عن الفرض، وهذا كله على رواية القدوري التي اختارها المصنف، وأما على ما ذكره الطحاوي وشيخ الإسلام أنه إذا طاف طواف التحية محدثاً فلا شيء عليه، لأنه لو تركه أصلاً لم يجب عليه شيء، فكذا إذا أتى به محدثاً فلا يحتاج إلى شيء من هذه الكلمات.
م: (وكذا الحكم في كل طواف هو تطوع) ش: أي المذكور في طواف القدوم، روي الحكم في كل طواف هو تطوع، وعن بعض مشايخ العراق يلزمه الدم م: (ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة لأنه أدخل النقص في الركن) ش: لأن طواف الزيارة ركن م: (فكان) ش: أي النقص م: (أفحش من الأول) ش: أي من النقص الذي يدخل في الواجب م: (فينجبر بالدم) ش: لأن الدم على حسب الموجب م: (وإن كان) ش: حال كونه م: (جنبا فعليه بدنة، كذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا غريب عن ابن عباس م: (ولأن الجنابة أغلظ من الحدث) ش: وهو

(4/356)


فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت، وكذا إذا طاف أكثره جنبا أو محدثا، لأن أكثر الشيء له حكم كله. والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه، وفي بعض النسخ: وعليه أن يعيده،
والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا، وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. ثم إذا أعاده وقد طافه محدثا لا ذبح عليه وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجنابة م: (فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت) ش: بين الجنابتين.
م: (وكذا إذا طاف أكثره) ش: أي أكثر طواف الزيارة م: (جنبا أو محدثا، لأن أكثر الشيء له حكم كله) ش: أي تركاً وتحصيلاً. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إذا كان للأكثر حكم الكل في الحج، لأن الشرع أقامه مقام الكل في وقوع الأمن عن الغفران احتياطاً أو صيانة أو تخفيفاً ببيانه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: " من «وقف بعرفة فقد تم حجه» وكذا لا يفسد بالجماع بعد الرمي بالإجماع، ولو حلق أكثر الرأس كان محللاً، ولما كان هذا الأمر على هذا الوجه اليسير جرينا على هذا الأصل فأقمنا الأكثر مقام الكل في باب التحلل وما يجري مجراه صيانة للحج عن الفوات كما أن الطواف أحد سببي التحلل كالحلق.
م: (والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة) ش: وجه ذلك أن فيه تحصيل الخير بما هو من جنسه وكان أفضل م: (ولا ذبح عليه) ش: بناء على أن الطواف الأول وإن كان بغير طهارة يعتد به، وإلا لزم الدم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتأخير، فإذا كان معتداً به بنقصان، وقد أعاده ولم تبق إلا شبهة النقصان، وهي نقصان الطواف بالحدث وهي لا يوجب شيئاً م: (وفي بعض النسخ) ش: أي وفي بعض نسخ القدوري. وقال الكاكي: أي نسخ " المبسوط "، وما ذكرناه هو الصحيح م: (وعليه أن يعيده) ش: أي الطواف وهو يدل على وجوب الإعادة والنسخة التي فيها الأفضل أن يعيد الطواف بمكة يدل على الاستحباب لا الوجوب، فهذه على ما إذا كان الطواف مع الحدث وتلك تحمل على ما إذا كان مع الجنابة، لأن النقص في الحدث [....] وفي الجنابة.

م: (والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا، وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. ثم إذا أعاده وقد طاف) ش: أي والحال أنه قد طاف م: (محدثا لا ذبح عليه) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا سهو من صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تأخير النسك عن وقته يوجب الدم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكيف لا يكون عليه الذبح إذا أعاد طواف الزيارة بعد أيام النحر قد حصل تأخير النسك عن وقته على أن الرواية في كتب من فقه منه بخلاف ذلك، وبهذا صرح في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أعاد طواف الزيارة بعد أيام النحر يجب عليه الدم لتأخيره سواء كان إعادته بسبب الحدث أو بسبب الجنابة، انتهى.
قلت: يحتمل أنه مشى هنا على مذهب الصاحبين فلا وجه لنسبة صاحب " الهداية " إلى السهو م: (وإن أعاده بعد أيام النحر) ش: واصل بما قبله فلا يحتاج إلى جواب.

(4/357)


أعاده بعد أيام النحر؛ لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان، وإن أعاده وقد طاف جنبا في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه أعاده في وقته، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتأخير على ما عرف من مذهبه.

ولو رجع إلى أهله وقد طافه جنبا عليه أن يعود؛ لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له ويعود بإحرام جديد. وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له، إلا أن الأفضل هو العود. ولو رجع إلى أهله وقد طافه محدثا إن عاد وطاف جاز، وإن بعث بالشاة فهو أفضل لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف. ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة لأنه دون طواف الزيارة، وإن كان واجبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان) ، ش: أي بسبب التأخير لا حقيقة التأخير، لأنه أداه لكن بالحدث، فيكون تأخيراً بطريق التهمة، لأن النقصان عدم من وجه أو بعض العدم، كذا في " الكافي ".
م: (وإن أعاده وقد طاف جنبا) ش: أي والحال أنه قد طاف حال كونه جنباً م: (في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه أعاده في وقته، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة بالتأخير على ما عرف من مذهبه) ش: أي بتأخيره النسك عن أيامه يجب الدم عنده.
واختلف المشايخ في أن المعتبر طوافه الأول أم الثاني. قال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعتبر هو الأول، والثاني جبر له. وقال أبو بكر الرازي: المعتبر هو الثاني وهو الأصح، ورجح في " الإيضاح " قول الكرخي، وهو أقرب إلى الفقه.

م: (ولو رجع إلى أهله وقد طاف جنبا) ش: أي والحال أنه قد طاف جنباً م: (عليه أن يعود؛ لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له) ش: أي تداركاً لما فاته من المصلحة م: (ويعود بإحرام جديد) ش: لكن هذا إذا جاوز الميقات، أما إذا لم يجاوزه فلا حاجة إلى إحرام جديد م: (وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له) ش: ولأن فيه حق معنى النقصان، وفيه نفع للفقراء أيضاً م: (إلا أن الأفضل هو العود) ش: استثناء من قوله وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه يعني لكن الأفضل أن يعود، لأن استدراك الشيء بجنسه، وهو الطواف أولى من استدراكه بغير جنسه، وهو الفدية.
م: (ولو رجع إلى أهله وقد طاف محدثا إن عاد وطاف جاز، وإن بعث بالشاة فهو أفضل لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف. ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة لأنه دون طواف الزيارة، وإن كان واجباً) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، أي وإن كان طواف الصدر واجباً.

(4/358)


فلا بد من إظهار التفاوت. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تجب شاة، إلا أن الأول أصح. ولو طاف جنبا فعليه شاة، لأنه نقص كثير، ثم هو دون طواف الزيارة فيكتفي بالشاة.
ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، فعليه شاة لأن النقصان بترك الأقل يسير فأشبه النقصان بسبب الحدث، فتلزمه شاة فلو رجع إلى أهله أجزأه أن لا يعود ويبعث شاة لما بينا. ومن ترك أربعة أشواط بقي محرما أبدا حتى يطوفها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا بد من إظهار التفاوت) ش: بين الفرض والواجب يعني إذا طاف طواف الزيارة أو أكثره محدثاً تجب الشاة فينبغي أن تلزم الصدقة إذا طاف طواف الصدر أو أكثره محدثاً إظهاراً للتفاوت، وإلا تلزم التسوية بين الفرض والواجب فلا يجوز.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تجب شاة) ش: أي فيما إذا طاف طواف الصدر محدثاً، وهو رواية الكرخي م: (إلا أن الأول أصح) ش: أي وجوب الصدقة أصح، وهو رواية القدوري م: (ولو طاف) ش: أي طواف الصدر م: (جنبا فعليه شاة، لأنه نقص كثير، ثم هو) ش: أي طواف الصدر م: (دون طواف الزيارة فيكتفي بالشاة) ش: أي إذا أدى من طواف الزيارة فيجب في طواف الزيارة جنباً بدنة بعيراً أو بقرة فيجزئه الشاة في طواف الصدر جنباً لأنه لا يلزم التسوية بين الفرض والواجب.

م: (ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها) ش: أي شوطاً أو شوطين م: (فعليه شاة) ش: وقال الشافعي: يلزمه فعل ما ترك ولا يتحلل حتى يفعله، كذا في " شرح الأقطع " ومذهب الشافعي وأحمد ومالك عدد السبع شوط حتى لو ترك طوفة واحدة أو خطوة لم يجزئه ولا يتحلل من إحرامه، لأن تقدير الطواف بالعدد السبع ثابت بالنصوص المتواترة فكان كالمنصوص في القرآن وما يقدر شرعاً بقدر لا يكون لما دون ذلك القدر، وحكم ذلك القدر كما في الحدود وأعداد الركعات، فإنه لا يقوم الأكثر فيها مقام الكل، وكذا في الطواف.
وأشار إلى دليلنا بقوله م: (لأن النقصان بترك الأقل يسيرا فأشبه النقصان بسبب الحدث، فتلزمه شاة) ش: إنما كان كذلك لجانب الوجود راجح وأفعال الحج متجانسة يقبل بعضها الفضل عن بعض، ولهذا إذا أتى ببعض الأشواط ثم اشتغل بعمل آخر ثم أتى بالباقي جاز، بخلاف الصلاة، فإن أفعالها ليست بمتجانسة، وليس بعضها يقبل الفضل عن بعض، لأنه إذا أفسد جزءاً فيها يفسد الجميع، فلم يجز إقامة الأكثر مقام الكل، ولما ثبت التجانس وقبول الفضل في الطواف بحيث لم يتعلق صحة المؤدى بصحة الباقي أقيم الأكثر مقام الكل.
م: (فلو رجع إلى أهله أجزأه أن لا يعود ويبعث شاة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله، لأن النقصان بترك الأقل يسير، وقيل: يرجع إلى قوله، لأنه حق معنى النقصان، وفيه نفع للفقراء.
م: (ومن ترك أربعة أشواط) ش: أي من طواف الزيارة م: (بقي محرما أبدا حتى يطوفها) ش: أي

(4/359)


لأن المتروك أكثر فصار كأنه لم يطف أصلا. ومن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه، وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته. ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه الصدقة، ومن طاف طواف الواجب في جوف الحجر، فإن كان بمكة أعاده لأن الطواف وراء الحطيم واجب على ما قدمناه. والطواف في جوف الحجر أن يدور حول الكعبة ويدخل الفرجتين اللتين بينهما وبين الحطيم، فإذا فعل ذلك فقد أدخل نقصا في طوافه، فما دام بمكة أعاده كله ليكون مؤديا للطواف على الوجه المشروع. وإن أعاده على الحجر خاصة أجزأه لأنه تلافى ما هو المتروك، وهو أن يأخذ عن يمينه خارج الحجر حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر هكذا يفعله سبع مرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في حق النساء، لأنه حل له كل شيء سوى النساء بالحلق، وإنما ما بقي في حق النساء م: (لأن المتروك أكثر فصار كأنه لم يطف أصلا) ش: فلا يجزئه الدم م: (ومن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه) ش: أو ترك أربعة أشواط من طواف الصدر م: (فعليه شاة لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه) ش: أي أو ترك الأكثر من الواجب م: (وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته) ش: أي في مطلق الزمان، وهو طواف الصدر، لأنه ليس بموقت بأيام، ولهذا لا يجب شيء بالتأخير عنهما بالاتفاق ولا ذبح عليه، لأنه تلافى الفائت.
م: (ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه الصدقة) ش: لأن الأصل إنما يجب في ترك كله دم يجب في أقله صدقة كما في الرمي، والمراد بالصدقة أن يجب لكل شوط نصف صاع من بر م: (ومن طاف طواف الواجب) ش: وفي بعض النسخ ومن طاف الطواف الواجب م: (في جوف الحجر) ش: أي الحطيم م: (فإن كان بمكة أعاده) ش: أي أعاد الطواف م: (لأن الطواف وراء الحطيم واجب على ما قدمناه) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحطيم من البيت» ، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الطواف من جوف الحجر لا يعتد به. م: (والطواف في جوف الحجر أن يدور حول الكعبة ويدخل الفرجتين اللتين بينهما وبين الحطيم، فإذا فعل ذلك فقد أدخل نقصا في طوافه فما دام بمكة أعاده كله ليكون مؤديا للطواف على الوجه المشروع وإن أعاده على الحجر خاصة أجزأه لأنه تلافى) ش: بالفاء أي تدارك م: (ما هو المتروك) ش: وهو الطواف بالحطيم م: (وهو أن يأخذ) ش: إنما ذكر الضمير الراجع إلى الإعادة بالنظر إلى الخبر م: (عن يمينه خارج الحجر حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر هكذا يفعله سبع مرات) ش: وعند الأئمة الثلاثة: تفسيره أن سور الحائط فيطوف حول الحطيم خاصة؛ لأن الحائط ليس من الحطيم هكذا ذكره القدوري، والنووي، وغيره من الشافعية، وفي " المغني ": لا يجزئ الطواف عند الحنابلة، إلا خارج الحائط؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هكذا فعله، قلنا: فعله لا يدل على الركنية.

(4/360)


فإن رجع إلى أهله ولم يعده فعليه دم؛ لأنه تمكن نقصان في طوافه بترك ما هو قريب من الربع ولا تجزئه الصدقة. ومن طاف طواف الزيارة على غير وضوء وطواف الصدر في آخر أيام التشريق طاهرا فعليه دم، فإن كان طاف طواف الزيارة جنبا فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا عليه دم واحد لأن في الوجه الأول لم ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه واجب، وإعادة طواف الزيارة بسبب الحدث غير واجب، وإنما هو مستحب فلا ينقل إليه. وفي الوجه الثاني ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه مستحق الإعادة فيصير تاركا لطواف الصدر مؤخرا لطواف الزيارة عن أيام النحر فيجب الدم بترك الصدر بالاتفاق وبتأخير الآخر على الخلاف، إلا أنه يؤمر بإعادة طواف الصدر ما دام بمكة ولا يؤمر بعد الرجوع على ما بينا.
ومن طاف لعمرته وسعى على غير وضوء حل فما دام مكة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن رجع إلى أهله ولم يعده فعليه دم؛ لأنه تمكن نقصان في طوافه بترك ما هو قريب من الربع ولا تجزئه الصدقة. ومن طاف طواف الزيارة على غير وضوء) ش: قال الكاكي: يحتمل الجنابة.
قلت: لا يعمل لهذا الاحتمال لأن المراد به الحدث الأصغر جزماً م: (وطواف الصدر في آخر أيام التشريق) ش: حال كونه م: (طاهرا فعليه دم) ش: أي دم واحد، وتجزئه شاة لنقصان الحدث م: (فإن كان طاف طواف الزيارة جنبا فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن الطواف مع الجنابة في حكم العدل، وهذا يؤمر بالإعادة ما دام بمكة وجوباً لا استحبابا، ولما كان في حكم العدل وجب نقل طواف الصدر إليه؛ لأن العزيمة في ابتداء الإحرام حصلت للأفعال على الترتيب التي شرعت فبطلت نيته على خلاف ذلك الترتيب، فانتقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة، فيصير كأنه طاف طواف الزيارة في آخر أيام التشريق، ولم يطف للصدر.
م: (وقالا عليه دم واحد لأن في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا طاف طواف الزيارة على غير وضوء م: (لم ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه واجب، وإعادة طواف الزيارة بسبب الحدث غير واجب وإنما هو مستحب فلا ينقل إليه. وفي الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا طاف طواف الزيارة جنباً م: (ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه مستحق الإعادة فيصير تاركا لطواف الصدر مؤخرا لطواف الزيارة عن أيام النحر فيجب الدم بترك الصدر بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (وبتأخير الآخر) ش: وهو طواف الزيارة م: (على الخلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه، فإنه يجب دمان عنده، ودم واحد عندهما م: (إلا أنه يؤمر بإعادة طواف الصدر ما دام بمكة ولا يؤمر بعد الرجوع على ما بينا) ش: أي عند قوله: ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط فعليه شاة - إلى قوله -: وما دام بمكة يؤمر بالإعادة.

م: (ومن طاف لعمرته وسعى على غير وضوء وحل) ش: أي حلق أو قصر م: (فما دام بمكة

(4/361)


يعيدهما، ولا شيء عليه أما إعادة الطواف فلتمكن النقص فيه بسبب الحدث. وأما السعي فلأنه تبع للطواف، وإذا أعادهما لا شيء عليه لارتفاع النقصان وإن رجع إلى أهله قبل أن يعيد فعليه دم لترك الطهارة فيه، ولا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن إذ النقصان يسير، وليس عليه في السعي شيء؛ لأنه أتى به على أثر طواف معتد به، وكذا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي في الصحيح.
ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وحجه تام؛ لأن السعي من الواجبات عندنا فيلزم بتركه دم دون الفساد. ومن أفاض قبل الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعيدهما) ش: أي يعيد الطواف والسعي جميعاً م: (ولا شيء عليه) ش: بعد الإعادة م: (أما إعادة الطواف فلتمكن النقصان فيه بسبب الحدث. وأما السعي) ش: أي وأما إعادة السعي بين الصفا والمروة م: (فلأنه) ش: أي فلأن السعي م: (تبع للطواف، وإذا أعادهما لا شيء عليه لارتفاع النقصان وإن رجع إلى أهله قبل أن يعيد فعليه دم لترك الطهارة فيه، ولا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن) ش: وهو الطواف والسعي م: (إذ النقصان يسير، وليس عليه في السعي شيء) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: ليس عليه معطوف على قوله: فعليه دم لترك الطهارة، وهذا جواب سؤال، وهو أن يقال: لما قام الدم مقام الطواف عند الرجوع إلى أصله صار كأنه أعاد الطواف، ولو أعاده لا يجب عليه إعادة السعي، ولما لم يعد السعي وجب الدم، كما إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي على رواية التمرتاشي وقاضي خان وغيرهما؟ فأجاب عن السؤال في " الفوائد الظهيرية " فقال: إنما لزمه دم لعدم إعادة السعي؛ لأن بالإعادة ارتفع المؤدى فبقي السعي قبل الطواف فلا يقع الاعتداد فيلزم الدم، بخلاف ما إذا لم يعد الطواف وأراق الدم حيث لا يرتفع المؤدي.
م: (لأنه أتى به على أثر طواف معتد به، وكذا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي) ش: أي لا شيء عليه م: (في الصحيح) ش: من الرواية، واحترز به عما ذكره في " جامع التمرتاشي "، وقاضي خان وغيرهما أنه لو أعاد الطواف، ولم يعد السعي كان عليه دم، واختار المصنف، وشمس الأئمة السرخسي، والمحبوبي أن لا شيء عليه؛ لأن الطهارة ليست بشرط للسعي، وإن كانت شرطا ًللطواف لاختصاصه بالبيت، واعتباره بالصلاة من وجه لما جاء في الحديث، وإنما الشرط في السعي أن يأتي به على أثر طواف معتد به وطواف المحدث معتد به، ألا ترى أنه تحلل به.

م: (ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وحجه تام لأن السعي من الواجبات عندنا) ش: وعند الشافعي ركن، وعندنا واجب م: (فيلزم بتركه الدم دون الفساد) ش: لأن كل نسك ليس بركن فالدم يقوم مقامه كالرمي، قوله: دون الفساد احترازاً عن قول مالك، وأحمد فإن السعي ركن عندهما فيلزم الفساد بتركه. م: (ومن أفاض قبل الإمام) ش: أي قبل غروب الشمس، قال الأترازي: وإنما قدر بقبل غروب الشمس؛ لأنه إذا غربت الشمس وأبطأ الإمام بالدفع يجوز للناس الدفع قبل الإمام، لأن وقت الدفاع قد دخل، وإذا تأخر الإمام فقد ترك السنة فلا يجوز للناس تركها، وبه صرح في " شرح مختصر الكرخي " ودفع قبل الإمام.

(4/362)


من عرفات فعليه دم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه؛ لأن الركن أصل الوقوف فلا يلزمه بترك الإطالة شيء. ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فادفعوا بعد غروب الشمس» فيجب بتركه الدم، بخلاف ما إذا وقف ليلا لأن استدامة الوقوف على من وقف نهارا لا ليلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (من عرفات فعليه دم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه؛ لأن الركن أصل الوقوف فلا يلزمه بترك الإطالة شيء) ش: أي الإطالة إلى جزء من الليل، وهذا المذكور هو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قوله الآخر: يجب الدم كقولنا، وبه قال أحمد ومالك، إن لم يجمع بين الليل والنهار في الوقوف لا يكون مدركاً له إذا أدرك النهار، كذا ذكره الكاكي عنه، والجمع بين الليل والنهار ليس بشرط عنده، بل يكفي جزء من الليل لا النهار، وقال السروجي: لم يقل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - باشتراط الوقوف في شيء من النهار، وإنما ركن الوقوف عنده وقوف لحظة من الليل دون النهار، وعند غيره من الفقهاء الركن منه في جزء من ليل أو نهار.
م: (ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «فادفعوا بعد غروب الشمس» ش: هذا حديث غريب، وذكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الحديث، ولم يذكر من حاله شيئاً، وأمر بالدفع في الإفاضة من عرفات، وكان ينبغي أن يستدل في هذا بما في حديث جابر الطويل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، «فلم يزل - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واقفاً حتى غربت الشمس» وروى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أفاض منها حين غربت الشمس» ورواة نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجمعوا على أنه أفاض من عرفات بعد غروب الشمس، فعلم أن الاستدامة في الوقوف إلى جزء من الليل واجبة، فلزمه بتركه دم، وهو معنى قوله:
م: (فيجب بتركه الدم) ش: قيل: إذا وقف ليلاً، ولم يقف بالنهار لا يلزمه شيء بالاتفاق، فأولى أن لا يلزمه شيء إذا وقف نهاراً، ولم يقف ليلاً؛ لأن الوقوف بالنهار أصل، وبالليل تبع.
وأجيب: بأن الوقوف المعتد به ركناً بأن الوقوف بالنهار، أو بالليل، إلا أن الواجب هو الوقوف بجزء من الليل لا محالة، ثم إذا وقف بالنهار دون جزء من الليل أتى بالركن دون الواجب، فلزمه دم، وإذا وقف بالليل دون النهار لم يجب عليه شيء؛ لأن الجزء الأول من وقوفه اعتبر ركناً، والجزء الثاني اعتبر واجباً، فلما أتى بالركن والواجب لم يلزمه شيء.
م: (بخلاف ما إذا وقف ليلا؛ لأن استدامة الوقوف على من وقف نهاراً لا ليلاً) ش: أي بالإجماع، وهذا متصل بقوله: ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة، قيل: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد أدرك الحج» ، يقتضي أن لا تكون الاستدامة

(4/363)


فإن عاد إلى عرفة بعد غروب الشمس لا يسقط عنه الدم في ظاهر الرواية؛ لأن المتروك لا يصير مستدركا. واختلفوا فيما إذا عاد قبل الغروب. ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم لأنه من الواجبات،
ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم لتحقق ترك الواجب، ويكفيه دم واحد؛ لأن الجنس متحد كما في الحلق، والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي؛ لأنه لم يعرف قربة إلا فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرطاً لا في الليل، ولا في النهار، فكيف جعلتم شرطاً في النهار دون الليل.
وأجيب: بترك ظاهر الحديث في حق النهار بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فادفعوا بعد غروب الشمس» فبقي الليل على ظاهره، هذا أورده الأكمل في " شرحه "، وأعجبني منه كيف يجب بهذا الجواب، إلا أن الحديث الصحيح كيف يترك ظاهره بحديث لا يعرف دلالة أصله عند المحدثين.

م: (فإن عاد إلى عرفة بعد غروب الشمس لا يسقط عنه الدم في ظاهر الرواية؛ لأن المتروك لا يصير مستدركا) ش: احترازاً بظاهر الرواية عما روى ابن شجاع عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن ما ذكر الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه " أنه يسقط؛ لأنه استدرك ما فاته، فإن الواجب عليه الإفاضة بعد غروب الشمس، وقد أتى به فيسقط عنه الدم، وبه قال الشافعي، وأحمد - رحمهما الله -، وفي " شرح القدوري " وهو الصحيح.
م: (واختلفوا) ش: أي العلماء الثلاثة وزفر م: (فيما إذا عاد قبل الغروب) ش: فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط، وعند الثلاثة: يسقط، وبه قال الشافعي، وأحمد م: (ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم؛ لأنه) ش: أي لأن الوقوف بمزدلفة م: (من الواجبات) ش: عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفس الوقوف سنة، والمبيت بمزدلفة واجب، واستثني من هذا من جاوزها ليلاً عن علة، أو ضعف، أو خاف الزحام فلا شيء عليه، وقد مرت المسألة.

م: (ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها) ش: وهي الأيام الأربعة آخرها آخر أيام التشريق م: (فعليه دم لتحقق ترك الواجب، ويكفيه دم واحد) ش: يعني في ترك السبعين حصاة كلها م: (لأن الجنس متحد) ش: أي جنس المتروك واحد، وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليه دمان لما أن رمي يوم النحر منفرد بنفسه، ورمي أيام التشريق شيء واحد، والأصح أنه يجب أربعة، وما ذكره في " شرح الوجيز " م: (كما في الحلق) ش: أي في حلق الرأس، فإن حلق ربعه في غير أوانه يوجب الدم، ثم حلق جميعه لا يوجب إلا دماً واحداً، كذا في " المبسوط " م: (والترك) ش: أي ترك الرمي م: (إنما يتحقق بغروب الشمس) ش: من أيام التشريق م: (من آخر أيام الرمي) ش: وهو اليوم الرابع م: (لأنه) ش: أي لأن الرمي م: (لم يعرف قربة إلا فيها) ش: أي في هذه الأيام، يعني معنى القربة غير معقول فيه، وإنما عرفناه قربة لا يفعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في هذه الأيام، فلا يكون قربة في رميها كما لا يكون قربة في إراقة الدم في غير أيام النحر.

(4/364)


وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف، ثم بتأخيرها عنه يجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما.
وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم؛ لأنه نسك تام.
ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه الصدقة؛ لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد فكان المتروك أقل، إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف، فحينئذ يلزمه الدم لوجود ترك الأكثر.
وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم؛ لأنه ترك كل وظيفة هذا اليوم رميا، وكذا إذا ترك الأكثر منها. وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا تصدق لكل حصاة نصف صاع إلا أن يبلغ دما فينقص ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف) ش: يعني على الترتيب، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي قول: يسقط رمي كل يوم يمضي؛ لأنه فات عن وقته م: (ثم بتأخيرها) ش: أي بتأخير الجمرات م: (عنه) ش: أي عن أيامها م: (يجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - فإن عندهما لا دم عليه.

م: (وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم؛ لأنه نسك تام) ش: قيل: إنه مخير في اليوم الثالث بين النفر، وبين الإقامة تمضي، أي كونه متطوعاً، فكيف يجب بتركه الدم، وأجيب بأن التخيير قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع، فأما بعد طلوعه وجب عليه الإقامة، ويجب بتركه الدم كالتطوع إذا تركه بعد الشروع.

م: (ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث من يوم واحد فعليه الصدقة) ش: يعني إذا ترك من يوم واحد؛ لأن الجمار الثلاث من يوم واحد نسك واحد، وهو معنى قوله م: (لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد، فكان المتروك أقل) ش: وهو سبع حصيات، فتجب صدقة لكل حصاة نصف صاع من بر م: (إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف) ش: هذا استثناء من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " فعليه الصدقة "، يعني إذا ترك أكثر من الجمار الثلاث، فإن رمى ثمان حصيات، وترك ثلاث عشرة حصاة م: (فحينئذ يلزمه الدم لوجود ترك الأكثر) ش: منها.

م: (وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم؛ لأنه ترك كل وظيفة) ش: يوم النحر من حيث الرمي، وإنما قيد بقوله: رمياً، احترازاً عن الوارد عليه إذا لم يقل كذلك بأن يقال: كيف قلت إن رمي جمرة العقبة كل وظيفة م: (هذا اليوم) ش: والذبح والحلق والطواف أيضاً من وظائف هذا اليوم، فلما قال: م: (رميا) ش: خرجت الأشياء المذكورة، م: (وكذا إذا ترك الأكثر منها) ش: أي يجب عليه الدم أيضاً إذا ترك الأكثر من جمرة العقبة م: (وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا) ش: أي ثلاث حصيات م: (تصدق لكل حصاة نصف صاع، إلا أن يبلغ دما) ش: استثناء من قوله: تصدق لكل حصاة نصف صاع، يعني إذا بلغ قيمة ما تصدق لكل حصاة قيمة الدم م: (فينقض ما شاء) ش: يعني ينقض من الدم ما شاء حتى لا تلزمه التسوية بين الأقل والأكثر.

(4/365)


شاء
لأن المتروك هو الأقل فتكفيه الصدقة. ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق فعليه دم عنده وقالا: لا شيء عليه في الوجهين وكذا الخلاف في تأخير الرمي وفي تقديم نسك على نسك كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح، لهما أن ما فات مستدرك بالقضاء ولا يجب مع القضاء شيء آخر. وله حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال «من قدم نسكا على نسك فعليه دم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن المتروك هو الأقل فتكفيه الصدقة. ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا أخر طواف الزيارة. وقالا: لا شيء عليه في الوجهين) ش: أي في تأخير الحلق، وتأخير طواف الزيارة، والأصل في هذا أن تأخير النسك هل يوجب الدم أم لا؟ فعند أبي حنيفة يوجب، وعندهما لا.
م: (وكذا الخلاف) ش: أي بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في تأخير الرمي) ش: بأن أخر رمي جمرة العقبة في اليوم الأول إلى الثاني، وكذا إذا أخر رمي الجمار من اليوم الثاني أو الثالث إلى الرابع م: (وفي تقديم نسك على نسك) ش: أي وكذا الخلاف بينهم في تقديم نسك على نسك م: (كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح) ش: بيانه حلق المفرد بالحج أو القارن أو المتمتع قبل الرمي، وذبح القارن أو المتمتع قبل الرمي والذبح، بخلاف ما إذا ذبح المفرد قبل الرمي، أو حلق قبل الذبح حيث لا يجب عله شيء؛ لأن النسك لا يتحقق في حقه؛ لأن المفرد يذبح إن أحب، ولا يجب عليه.
واعلم أنه يفعل في يوم النحر أربعة أشياء، الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، وهذا الترتيب واجب أم لا؟ اختلف العلماء فيه، فقال أبو حنيفة، والشافعي - رحمهما الله - في وجه ومالك وأحمد - رحمهما الله -: واجب، وعلى قول آخر للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مستحب، أما لو قدم الحلق على النحر جاز، ولا يجب شيء عنده قولاً واحداً، وكذا عندهما، ولو قدمه على الرمي لزمه دم عند الشافعي وعند مالك. وقال أحمد: لو قدم كل واحد على الآخر ساهياً أو جاهلاً لا شيء عليه، وإن كان عامداً ففي وجوب الدم روايتان، وعند أبي حنيفة التقديم، والتأخير يوجب الدم ساهياً أو جاهلاً، وبه قال زفر، ومالك، وعند أبي يوسف، ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء في التقديم، والتأخير، وإنما يجب في حق قول القارن قبل الذبح دم باعتبار الحلق في أوانه جناية على إحرامه، لا باعتبار التقديم والتأخير، وقولهما أصح قولي الشافعي. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ما فات مستدرك بالقضاء) ش: أي بالاتفاق م: (ولا يجب مع القضاء شيء آخر. وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال "من قدم نسكا على نسك فعليه دم) ش: هكذا هو الغالب في النسخ ابن مسعود، وفي بعضها: ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح، رواه

(4/366)


ولأن التأخير عن المكان يوجب الدم فيما هو موقت بالمكان كالإحرام، فكذا التأخير على الزمان فيما هو موقت بالزمان،
وإن حلق في أيام النحر في غير الحرم فعليه دم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا سلام بن مطيع أبو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس، قال: من قدم نسكاً في حجه، أو أخره فليهد لذلك دماً، وقال الشيخ في " الإمام "، وإبراهيم بن مهاجر ضعيف، وأخرج عن سعيد ابن جبير، وإبراهيم النخعي، وجابر بن زيد أبي الشعثاء نحو ذلك.
م: (ولأن التأخير عن المكان) ش: كالتجاوز عن المقيات بغير إحرام م: (يوجب الدم فيما هو موقت بالمكان كالإحرام) ش: فإنه موقت بميقات م: (فكذا التأخير عن الزمان فيما هو موقت بالزمان) ش: قوله: لأن التأخير جواب عن قولهما، يعني القياس كما قالا إنه لا يجب شيء مع القضاء إلا أنا تركناه استدلالاً بتأخير الإحرام عن الميقات، والقياس: ترك بدلالة النص، كذا في " المبسوط ".
فإن قلت: معهما أيضاً قياس على سائر ما يستدرك من العبادات بالنص، فكان قياساً في خبر التعارض.
قلت: إن قياساً يرجح بالاحتياط، فإن فيه الخروج عن العهدة بيقين.
فإن قلت: ثبت في " الصحيحين " عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف للناس بمنى يسألونه، فجاء رجل، وقال: نحرت قبل الرمي، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " افعل ولا حرج " فما سئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمن قدم، أو أخر؛ إلا قال: " افعل ولا حرج» وهذا دليل واضح على أن لا شيء في التقديم والتأخير.
قلت: إنه متروك الظاهر؛ لأنه لا يدل على القضاء أيضاً، ويجوز أن تكون المسائل مفرداً، وتقديم الذبح على الرمي لا يوجب عليه شيئاً. وفي " المستصفى ": كان هذا في ابتداء الإسلام حين لم تستقر أفعال المناسك دل عليه «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل في ذلك الوقت: سعيت قبل أن أطوف، فقال: " افعل ولا حرج» وذلك لا يجوز بالإجماع، واليوم لا يفتى بمثله؛ ولأن نفي الحرج لا يقتضي انتفاء الكفارة، كما لو تطيب، أو حال من عدد.

م: (وإن حلق في أيام النحر في غير الحرم فعليه دم) ش: يعني إن حلق الحاج، لا للحل في أيام النحر خارج الحرم يجب عليه دم، ولم يذكر له في هذه المسألة خلاف أبي يوسف في " الجامع الصغير "، فلأجل هذا قال بعض المشايخ: يجب عليه الدم في هذه المسألة باتفاق، وقال الصدر الشهيد في " شرح الجامع الصغير ": الأصح أنه على الاختلاف، يعني لا شيء عليه عند أبي يوسف، كما لا شيء عليه عنده إذا حلق المعتمر خارج الحرم، خلافاً لهما، وأثبت الخلاف في

(4/367)


من اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر في " الجامع الصغير " قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المعتمر ولم يذكره في الحاج. وقيل هو بالاتفاق؛ لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنى وهو من الحرم. والأصح أنه على الخلاف، هو يقول: الحلق غير مختص بالحرم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير الحرم. ولهما أن الحلق لما جعل محللا صار كالسلام في آخر الصلاة فإنه من واجباتها، وإن كان محللا، فإذا صار نسكا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" المنظومة "، والمختلف في الحج والعمرة جميعاً، وهذا الخلاف مبنى على أصل، وهو أن الحلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوقت بالزمان دون المكان، حتى إذا حلق بعد أيام النحر في الحرم يجب عليه الدم عند أبي حنيفة، ومحمد، وزفر، خلافاً لأبي يوسف ومحمد، وإذا حلق خارج الحرم في أيام النحر يجب عليه الدم عند أبي حنيفة، ومحمد، وزفر خلافاً لأبي يوسف، ولكن يتحلل في هذه الصورة بالاتفاق.

م: (ومن اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: لتأخيره عن مكانه، كما يلزمه الدم بتأخيره عن وقته م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه قال: ذكر في " الجامع الصغير ") ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر - أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (في المعتمر أنه لا شيء عليه، وفي " الجامع ") ش: إذا حلق خارج الحرم م: (وقيل هو بالاتفاق) ش: أي قبل وجوب الدم في الحج بالاتفاق إذا حلق خارج الحرم، ولا خلاف فيه لأبي يوسف م: (لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنى، وهو من الحرم) ش: فبتركه يلزمه الجبر.
م: (والأصح أنه على الخلاف) ش: عندهما يجب الدم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب، م: (هو يقول) ش: أي أبو يوسف يقول: م: (الحلق غير مختص بالحرم «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير الحرم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية في بعض عشر مائة من الصحابة.. الحديث، وفيه: فأمرهم بالحلق فحلقوا في الحديبية، وهي خارج الحرم» والحديبية تصغير حدبا اسم موضع قريب من مكة.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الحلق لما جعل محللا) ش: بكسر اللام م: (صار كالسلام في آخر الصلاة فإنه) ش: محلل، ومع هذا هو واجب، ولهذا لو تركه ساهياً يجب سجود السهو وأنه م: (من واجباتها) ش: أي فإن السلام من واجبات الصلاة م: (وإن كان محللا) ش: واصل بما قبله.
م: (وإذا صار نسكا اختص بالحرم) ش: أي عبادة اختص بالحرم؛ لأنه غير معقول المعنى

(4/368)


اختص بالحرم كالذبح، وبعض الحديبية من الحرم فلعلهم حلقوا فيه، فالحاصل أن الحلق يتوقت بالزمان والمكان، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف: لا يتوقت بهما، وعند محمد: يتوقت بالمكان دون الزمان، وعند زفر: يتوقت بالزمان دون المكان. وهذا الخلاف في التوقيت في حق التضمين بالدم، وأما في حق التحلل فلا يتوقت بالاتفاق. والتقصير، والحلق في العمرة غير موقت بالزمان بالإجماع؛ لأن أصل العمرة لا يتوقت به، بخلاف المكان؛ لأنه موقت به. قال: فإن لم يقصر حتى رجع وقصر فلا شيء عليه في قولهم جميعا، معناه: إذا خرج المعتمر ثم عاد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيختص بالحرم، وبه قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - في رواية م: (كالذبح) ش: حيث يختص بالحرم م: (وبعض الحديبية من الحرم) ش: هذا جواب عن تمسك أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالحديبية المذكور، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر م: (فلعلهم حلقوا فيه) ش: أي في الحرم الذي هو من الحديبية م: (فالحاصل أن الحلق موقت بالزمان والمكان عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يتوقت بهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتوقت بالمكان دون الزمان، وعند زفر: يتوقت بالزمان دون المكان) ش: قد مر الكلام فيه آنفاً.
م: (وهذا الخلاف في التوقيت في حق التضمين بالدم، وأما في حق التحلل فلا يتوقت) ش: بالزمان والمكان، وإن الكلام في وجوب الدم عند من يقول بالتوقيت يجب الدم بتركه م: (بالاتفاق) ش: لكونه معتداً به بالاتفاق م: (والتقصير والحلق في العمرة غير موقت بالزمان بالإجماع) ش: لنفس العمرة حيث لا يتوقت بالزمان. فإن قلت: في أيام النحر مكروهة فكانت موقتة.
قلت: كراهيتها فيها ليست من حيث إنها موقتة به، بل باعتبار أنه مشغول بأفعال الحج فيها، فلو اعتمر فيها ربما أخل بشيء من أفعال الحج، فكرهت لذلك.
م: (لأن أصل العمرة لا يتوقت به) ش: أي بالزمان، وأصل العمرة الطواف والسعي، فلا يتوقت بالزمان بالإجماع م: (بخلاف المكان؛ لأنه موقت به) ش: أي بخلاف مكان العمرة، فإن أصلها موقت به، وهو الحرم، فكذا يتوقت ما يترتب عليه وهو الحلق، والتقصير، حتى لو حلق خارج الحرم للعمرة فعليه دم عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله -، كما في الحج. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، كذا في " المبسوط ".
م: (فإن لم يقصر حتى رجع وقصر لا شيء عليه في قولهم جميعاً) ش: وفي أكثر النسخ قال: فإن لم يقصر، أي قال محمد في " الجامع الصغير ": فإن لم يحلق المعتمر حتى عاد إلى الحرم، فلا شيء عليه في قول أبي حنيفة وصاحبيه جميعاً؛ لأنه بدل المتروك في مكان م: (معناه) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": معنى حكم المسألة م: (إذا خرج المعتمر ثم عاد) ش: ذكر العود إلى الحرم من خواص " الجامع الصغير " م: (لأنه) ش: أي لأن المعتمر م: (أتى به) ش:

(4/369)


لأنه أتى به في مكانه فلا يلزمه ضمانه. وإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دم بالحلق في غير أوانه؛ لأن أوانه بعد الذبح , ودم بتأخير الذبح عن الحلق. وعندهما يجب عليه دم واحد، وهو الأول، ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي بالتقصير أو الحلق م: (في مكان فلا يلزمه ضمانه. وإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان - عند أبي حنيفة - دم بالحلق) ش: أي بسبب الحلق م: (في غير أوانه؛ لأن أوانه بعد الذبح، ودم بتأخير الذبح) ش: أي بسبب تأخير الذبح م: (عن الحلق , وعندهما) ش: أي، وعند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (يجب عليه دم واحد، وهو الأول) ش: وهو دم القران؛ لأنه الواجب أولاً بحكم القران، لكن لفظه يوهم أنه أراد به الدم الواجب بالحلق في غير أوانه.
م: (ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما بينا) ش: وفي بعض النسخ: على ما قلنا، وأشار به إلى ما قال، قيل: هذا إنما فات مستدرك بالقضاء ولا يجب مع القضاء شيء آخر، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على هذا تقرير المسألة على ما عليه أصل رواية " الجامع الصغير "، فإن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - , قال فيه في القارن حلق قبل أن يذبح فعليه دمان، دم القران، ودم آخر؛ لأنه حلق قبل أن يذحب، يعني على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى هذا ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مطابق له؛ لأنه قال: دم الحلق في غير أوانه؛ لأنه بعد الذبح، ودم بتأخير الذبح عن الحلق، وهذا كما ترى يشير إلى أنهما دما جناية، ولم يذكر دم القران، وقال: وعندهما عليه دم واحد وهو الأول، يعني الذي يجب بالحلق من غير رواية؛ لأنه لم يذكر أولاً إلا سواه، ولم يذكر أيضاً دم القران، ومع عدم مطابقته فهو متقاصر لقوله قبل هذا. وقالا: لا شيء عليه في الوجهين جميعاً، إلى أن قال: والحلق قبل الذبح على هذا كان الحق أن يقول: فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - دم بالقران، ودم بتأخير الذبح، فكأنه سهو وقع منه أو من الكاتب، ولا يجب في السهو على الإنسان. انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره أوجه من قول الأترازي، وقد حط صاحب " الهداية " لأنه جعل الدمين هاهنا جميعاً للجناية، وجعل في باب القران أحدهما للنسك، والآخر للجناية، انتهى.
قلت: يحتمل أن يكون المصنف ذكر هاهنا عادة بعض المشايخ، وهو أن دم القران واجب إجماعاً، ودم آخر بسبب الجناية على الإحرام؛ لأن الحلق لا يجوز إلا بعد الذبح، وهذا واجب أيضاً إجماعاً، ودم آخر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسبب تأخير الذبح عن الحلق.
فإن قيل: على ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه يجب عليه ثلاثة دماء، إلا أن جناية القارن مضمونة بالدمين.
قيل له: إنما يجب على المفرد فيه دم، فعلى القارن دمان، ولو قادم المفرد الحلق على الذبح لم يجب عليه شي، فلا يضاعف على القارن.

(4/370)


فصل اعلم أن صيد البر محرم على المحرم، وصيد البحر حلال لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] الآية (96: المائدة) وصيد البر ما يكون توالده، ومثواه في البر، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل صيد البر محرم على المحرم] [المقصود بصيد البر والبحر وحكم قتل الفواسق]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل، فلا يعرب إلا بهذا التقدير، وهذا الفصل في بيان الجناية على الصيد، ولما كان هذا نوعاً خاصاً من أنواع الجنايات ذكره في فصل على حدة.
م: (اعلم أن صيد البر محرم على المحرم، وصيد البحر حلال لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] (المائدة: الآية: 96)) ش: صيد البر كله حرام على المحرم، سواء كان مملوكاً أو مباحاً، وسواء كان مأكول اللحم أو غيره لعموم اسم الصيد إلا ما أباح الشرع قتله من الفواسق الخمس وما في معناها، فلا شيء بقتلها، وكذا إذا قتل الصيد ذاباً عن نفسه إذا صال عليه لا يجب عليه شيء، بخلاف الجمل إذا صال فقتله حيث تجب عليه قيمته، وعن أبي يوسف، والشافعي: لا يضمن، وإذا قتل إنساناً حمل عليه بسلاح ذاباً عن نفسه فلا شيء عليه بالإجماع، قوله: وطعامه أي ما يطعم منه كالسمك، قوله: متاعاً لكم، نصب على أنه مفعول له، أي تمتعاً لكم، لكونه طرياً وللسيارة بين ودونه قديداً، قوله: ما دمتم حرماً: أي محرمين.
م: (وصيد البر ما يكون توالده ومثواه في البر) ش: أي مقامه، وهو اسم مكان من ثوى يثوي ثواً وثوياً إذا قام، والمعتبر المتوالد؛ لأنه الأصل، وفي " البدائع ": الطيور كلها من صيد البر، وما توالده في البر، وما يأوي في البحر من صيد البر، وما يتوالد في البحر، ويأوي في البر كالضفدع من صيد البر.
م: (وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء) ش: ولا فرق بين حيوان البحر الملح، وبين الأنهار والعيون، ثم الحيوان الذي يعيش في الماء على ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يعيش إلا في الماء وهو السمك، وهذا لا جزاء فيه بلا خلاف، وقال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه ": الذي يرخص للمحرم من صيد البحر السمك خاصة؛ لأنه هو الصيد الحلال عندنا، ولا نأخذ ما سواه، وكذا في " خزانة الأكمل ".
والثاني: ما يعيش في الماء وغيره، إلا أنه أكثر مأواه كالسرطان والسلحفاة البحرية، والضفدع لا شيء فيها، وعن عطاء فيها الجزاء، والثالث: ما تكون إقامته في البر، ومعاشه، وكسبه في الماء كالطيور ففيها الجزاء، وقال الشافعي على ما ذكره النووي: صيد البحر ما لا يعيش إلا في البحر، وما يعيش فيهما حرام كالمتولد من مأكول وغيره الطيور المائية التي تعرض في الماء، وتخرج منه محرمة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قتل طير الماء الجزاء.

(4/371)


والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة، واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[جزاء الصيد ومقداره]
م: (والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة) ش: قيد بالممتنع احترازاً عن الدجاج، والبط الأهلي، وقيد بالمتوحش في أصل الخلقة ليدخل الحمام المسرول، ويخرج البعير المتوحش؛ فإنه لا يدخل في حكم الصيد، ولا يثبت له؛ لأنه عارض إلا في حق الزكاة للضرورة، وأما البط الذي يطير في الهواء جنس آخر، وهو من جملة الطيور، كذا في " الإيضاح ": وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا جزاء في المستأنس كالحمام المسرول، والطيب لخروجه من الامتناع.
م: (واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب) ش: روى البخاري، ومسلم عن مالك، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة» وليس في هذه الرواية من الذئب ولا الحية.
وفي رواية لمسلم ذكر الخمسة، وأما الذئب، ففي رواية الدارقطني في " سننه ": عن حجاج ابن أرطاة، عن وبرة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن عمر يقول: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الذئب، والفأرة، والحدأة، والغراب» والحجاج لا يحتج به.
قوله: واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليس فيه حقيقة الاستثناء لأنه لا يتصور، وإنما معناه بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدم دخول الخمس الفواسق في الآية الكريمة المذكورة، وما جاز قتل هذه الخمسة بالحديث خرجت عن حكم حرمة قتل الصيد، استعار لفظ الاستثناء لوجود معناه، وإن لم توجد صورته، والخمس منصوب بلفظ استثنى، والفواسق بالنصب أيضاً صفة، وهو جمع فاسقة، وسميت فواسق بطريق الاستعارة لخبثهن.
وقيل: لخروجهن عن الحرمة، والفسق الخروج من الاستقامة، ومنه قيل للعاصي فاسق لخروجه عما أمر به، وقيل: سميت فواسق لإرادة تحريم أكلها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] بعدما ذكر ما حرم من الميتة والدم، وقيل: لخروجهن عن السلامة منهن إلى الأذى، وقيل: لخروجهن عن الانتفاع بهن، ثم تنصيص الخمس بالذكر لا ينافي ما عداه مما هو في معناهن، ألا ترى إلى ما روى الحسن عن مسلم عن سعيد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الوزغ، وسماه فويسقاً» .
وعم أم شريك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بقتل الأوزاغ» رواه البخاري، ومسلم، وروى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقتل المحرم السبع العادي، والكلب العقور، والفأرة، والعقرب نوالحدأة، والغراب» رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن ورواه أبو داود.

(4/372)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأيضاً فهذا فيه ستة، والمذكور في الصحاح خمسة، والذي ذكره المصنف ستة، الأول: الكلب العقور، ذكر أبو عمر أن ابن عيينة قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به، وعن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكلب العقور الأسود، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو كل ما عقر الناس، وعدا عليهم مثل الأسد، والنمر، والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع، والثعلب، وشبههما فلم يقتله المحرم، وإن قتله فداه.
وزعم النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العلماء اتفقوا على جواز قتل الكلب العقور للمحرم، والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به فقيل: هو الكلب المعروف، حكاه عياض عن أبي حنيفة، والأوزاعي، والحسن بن جني، وألحقوا به الذئب، وحمل زفر الكلب على الذئب وحده، وفي " المبسوط ": المراد من الكلب العقور الذئب، وقيل: الكلب والذئب واحد، لأن الكلب المعروف أهلي، وليس بصيد، ولا يدخل الأسد وإن صح انه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سماه كلباً لتضمنه إبطال العذر.
قلت: هذا قول ابن ندمي الحصر والصحيح ما ذكرنا أن التنصيص على عدد لا ينافي ما زاد عليه، وقد ذكرت في " شرح الكنز " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكلب العقور وغيره، والمستأنس، والمتوحش منه سواء.
وقال أبو المعالي: جمع الكلب أكلب، وكلاب، وكليب، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا قليلاً نحو عبد وعبيد وجمع الأكلب أكالب، وفي " المحكم ": ويقال في جمع كلاب: كلابات، وأكالب، كالحامل جماعة الكلاب، والكلبة الأنثى، وجمعها كلبات جمع مكسر، وفي " المحيط "، و " البدائع ": الكلب العقور شأنه الوثوب على الناس، وغيرهم ابتداء، وهذا المعنى موجود في الأسد، والنمر، والفهد، بل أشد، فكان ورود النص في الكلب العقور قد ورد فيما ذكرناه، ويدل عليه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السبع العادي» في حديث الترمذي الذي ذكرناه.
الثاني من الستة: الذئب، وقد ذكرنا فيه من الكلام، ولكن الظاهر أنه هو الذئب غير الكلب، وهو الذئب المعهود.
الثالث: الحداء بكسر الحاء، وبعد الدال ألف ممدودة بعدها همزة مفتوحة، وجمعها حدد مثل عنب وحداي، كذا في " الدستور "، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدأة، وفي " المطالع ": الحدأة لا يقال فيها إلا بكسر الحاء، وقد جاء الحداء يعني بالفتح، وهو جمع حدأة، وجاء الحديا على وزن الثريا، ويجوز قتل الحدأة سواء كان للمحرم أو للحلال؛ لأنها تبتدئ بالأذى، وتخطف اللحم من أيدي الناس، وروي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحدأة والغراب أنه لا

(4/373)


فإنها مبتدئات بالأذى. والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: وإذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقتلهما المحرم، إلا أن يبتدئا بالأذى، والمشهور من مذهبه خلافه.
الرابع: الغراب، وقد ذكره المصنف على ما يجيء، وقال غيره: الغراب الأبقع الذي في ظهره، وبطنه البياض، والغراب الأورع، والدرعي الأسود والأعصم الأبيض الرجلين، وروي المنع عن ذلك.
وقال مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرمي التراب، ولا يقتله، وقال به قوم، واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عما يقتل المحرم، قال: " الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله.» الحديث رواه ابن ماجه، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس هذا مما يحتج به على حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي مر ذكره.
الخامس: الحية.
السادس: العقرب، وذكر أبو عمر عن حماد بن أبي سليمان، والحكم أن المحرم لا يقتل الحية والعقرب، رواه عنهما شعبة قال: وحجتهما أنهما من هوام الأرض، وقال القاضي: لم يختلف في قتل الحية والعقرب، وقال أبو عمر: لا خلاف عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وجمهور العلماء في قتل الحية، والعقرب في الحل، والحرم، وكذلك الأفاعي، ولا شيء في قتل الرتيلا، وأم الأربعة والأربعين.
م: (فإنها مبتدئات بالأذى) ش: أي فإن الستة التي استثناها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنها مبتدئات بالأذى، يعني أن يؤذين ابتداء من غير تعرض أحد إليهن، والمؤذي يقتل م: (والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني دون الغراب غراب الزرع والقعقع. وفي " السروجي ": «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الحية في الحل والحرم» أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأدخلت إبليس الحية بين أيديها، ولو كانت يروه لم يتركها رضوان خازن الجنة أن تدخله، والفأرة أبدت جوهرها بأن عمدت إلى حبال سفينة نوح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقطعتها، والغراب أبدى جوهره حيث بعثه نوح نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره، وأقبل على جيفة. والوزعة نفخت إلى نار إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بين سائر الدواب فعلنت.
م: (قال: وإذا قتل المحرم) ش: وفي غالب النسخ قال: وإذا قتل، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل المحرم م: (صيدا أو دل عليه) ش: أي على الصيد م: (من قتله) ش: بأن قال في

(4/374)


فعليه الجزاء أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (96 المائدة) نص على إيجاب الجزاء. وأما الدلالة ففيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبه دلالة الحلال حلالا. ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مكان، كذا صيد فقتله المدلول عليه م: (فعليه الجزاء) ش: أي فعلى الدال المحرم الجزاء، سواء كان المدلول محرماً، أو حلالاً، وسيجيء تفسير الجزاء إن شاء الله تعالى.
م: (أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (المائدة: 96) ش: أي أما حكم القتل وهو وجوب الجزاء م: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 96)) ش: استدل على حرمة قتل المحرم الصيد بهاتين الآيتين الكريمتين إحداهما قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقد نهى الله تعالى عن قتل الصيد في حالة الإحرام والواو في قوله: وأنتم للحال أي: وأنتم محرمون، والحرم جمع حرام يعني محرم، وقال النووي، والعراقي: جمع محرم، وليس بصحيح، من جهة الصناعة، ووقع الإجماع على تحريم قتل صيد البر على المحرم، وتحريم اصطياده، وكذا نقل النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإجماع عليه، ويدل عليه الآية المذكورة، والآية الثانية قوله عز وجل {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية: 96) ، أي فعلية جزاء يماثل المقتول من النعم الوحشي، ومثل الحيوان قيمة؛ لأن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، فإذا تعذر ذلك حمل على المثل المعنوي، وهو القيمة.
م: (نص على إيجاب الجزاء) ش: أي نص - عز وجل - على القاتل م: (وأما الدلالة) ش: أي وأما حكم دلالة المحرم غيره على قتل الصيد م: (ففيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والقسمة العقلية فيها أربعة أقسام، إما أن يكون الدال والمدلول حلالين أو محرمين، أو الدال حلالاً، والمدلول محرماً، أو بالعكس من ذلك. الأول: ليس مما نحن فيه، والثاني على كل واحد منهما جزاء عندنا، والثالث: على المدلول الجزاء دون الدال، وفي الرابع: عكسه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء على الدال أصلاً.
م: (هو يقول) ش: أي الشافعي م: (الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبهت دلالة الحلال حلالا) ش: على صيد الحرام، حيث لا يجب على الدال شيء؛ لأنه لا إيصال للدلالة بالمحل، وهذا بخلاف المودع إذا دل سارقاً على الوديعة التي تحت يده يجب عليه ضمانها؛ لأنه التزم حفظها بإثبات يده عليها.
م: (ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حديث أبي قتادة هذا تقدم في أول باب الإحرام عند قوله: ولا يقتل صيداً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (المائدة:

(4/375)


وقال عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء؛ ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن على الصيد، إذ هو آمن بتوحشه وتواريه، فصار كالإتلاف؛ ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه كالمودع، بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته، على أن فيه الجزاء على ما روي عن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة، حتى لو كذبه وصدق غيره لا ضمان على المكذب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآية 95) ، ولا يشير إليه ولا يدل عليه.. الحديث عن أبي قتادة، ومر الكلام فيه هناك م: (وقال عطاء: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال مخرج الأحاديث: هذا غريب، وكأنه ابن أبي رباح صرح به في " المبسوط "، وغيره، وذكره ابن قدامة في " المغني " عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو مروي عن عدة من الصحابة، ولم يرو عنهم خلافه، فكان إجماعاً.
م: (ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن عن الصيد، إذ هو) ش: كلمة إذ للتعليل والضمير يرجع إلى الصيد م: (آمن) ش: من التعرض إليه م: (بتوحشه) ش: أي بسبب توشحه وأصل الوحشة خلاف الأمن، وقال ابن الأثير: والوحشة الخلوة، ومنه يقال: مكان وحش إذا كان خالياً لا ساكن فيه م: (وتواريه) ش: أي عن أعين الناس، وبالدلالة يزول ذلك م: (فصار كالإتلاف) ش: أي صار إزالة أمنه كإتلافه م: (ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه) ش: أي بسبب ترك ما التزمه بعدم التعرض إليه م: (كالمودع) ش: إذا دل سارقاً على الوديعة م: (بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته) ش: فلا يلزمه شيء.
فإن قلت: كان ينبغي الجزاء على الحلال أيضاً إذا دل؛ لأنه ملتزم أيضاً بترك التعرض لصيد الحرم بالإسلام.
قلت: الإسلام ليس بكاف في إيجاب الضمان؛ بل التزم الأمان بعقد خاص هو المعتبر، ولهذا إذا دل الأجنبي بسرقة الوديعة إنساناً لا يجب على الأجنبي ضمان، وإن كان الإسلام موجوداً.
م: (على أن فيه الجزاء) ش: أي فيما إذا دل الحلال على صيد الحرم الجزاء م: (على ما روي عن أبي يوسف وزفر) ش: ذكره في " مختصر الكرخي " م: (والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة) ش: أي وأن يصدق المدلول الدال ليكون في معنى الإتلاف م: (حتى لو كذبه) ش: أي حتى لو كذب المدلول الدال م: (وصدق غيره) ش: أي غير الدال م: (لا ضمان على المكذب) ش: بفتح الذال، وفيه إشارة إلى أن الضمان على ذلك الغير إن كان

(4/376)


ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا، وسواء في ذلك العامد والناسي؛ لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال. والمبتدئ والعائد سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محرماً، وهاهنا شروط أخر لم يذكرها أن يتصل القتل بهذه الدلالة؛ لأن مجرد الدلالة لا يوجب شيئاً، والثاني: أن يبقى الدال محرماً عند أخذه المدلول؛ لأن فعله إنما [....] جناية إذا بقي محرماً إلى وقت الفعل.
والثالث: أن يأخذه المدلول قبل أن ينقلب فلو صدقه ولم يقتله حتى انقلبت ثم أخذه بعد ذلك، فقتله لم يكن على الدال شيء؛ لأن ذلك بمنزلة جرح الأول.
م: (ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا) ش: أشار إلى قوله: لأنه لا التزام من جهته م: (وسواء في ذلك) ش: أي سواء في الضمان م: (العامد والناسي) ش: سواء كانا قاتلين أو دالين، ولا خلاف للأئمة الأربعة إلا ما روي عن بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن في وجوب الضمان على الناسي قولين، وكذلك في المخطئ، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا شيء على المخطئ، وبه أخذ داود الأصبهاني وسالم، والقاسم لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 95) ، وروي عن سعيد بن جبير، وأحمد كذلك، وفي الخطأ روايتان.
م: (لأنه) ش: أي لأن الجزاء م: (ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال) ش: فإن في غرامات الأموال يستوي العامد، والناسي، كالكفارة بقتل المسلم؛ لأنه تعالى حرم قتل الصيد تعمداً بقوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، وتقييده في الآية بالعمد ليس لأخذ الجزاء بل للوعيد المذكور في آخر الآية بقوله: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وليس قتل العمد يدل على نفي الحكم عما عداه، فجاز أن يثبت حكم النسيان بدليل آخر، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الضبع صيد، وفيه شاة» من غير فصل بين عمد ونسيان، وعن الزهري - رحمه: نزل الكتاب بالعمد، ووردت السنة بالخطأ، وهو مذهب عمر، وعبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وسعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (والمبتدئ) ش: هو الجاني أول مرة م: (والعائد) ش: هو الجاني ثانياً، إلا أن يكون المراد به العود بالقتل م: (سواء) ش: أي مستويات في وجوب الضمان، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا جزاء على العائد، وبه قال داود وشريح، ولكن يقال: اذهب فينتقم الله منك، فظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) .
قلنا: إن ضمان إيجابه لا يختلف بالابتداء والعود بل جناية العائد أشد، والمراد من الآية: ومن عاد بعد العلم بالحرمة كما في آية الربا {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، أي: ومن عاد إلى المباشرة بعد العلم بالحرمة، كذا في " مبسوط الأسبيجابي،

(4/377)


لأن الموجب لا يختلف. والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه، أو في أقرب المواضع منه إذا كان في برية، فيقومه ذوا عدل، ثم هو مخير في الفداء إن شاء ابتاع بها هديا، وذبحه إن بلغت هديا، وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير، وإن شاء صام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والكاكي ".
م: (لأن الموجب لا يختلف) ش: أي لأن الموجب للضمان وهو الإتلاف لا يختلف بالابتداء والعود، فيجب الجزاء في الحالين كالصيد المملوك م: (والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: هذا شروع في تفسير الجزاء، وهو عند أبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أن يقوم الصيد) ش: أي يقوم من حيث نفس الصيد لا من حيث الصفة، حتى لو قتل البازي المعلم فعليه قيمة غير معلم؛ لأن كونه معلماً عارض لا مدخل فيه في الصيدية م: (في المكان الذي قتل فيه) ش: أي قتل فيه إن كانت للصيد قيمة في ذلك المكان، وإلا فيقوم في أقرب الأماكن الذي له قيمة فيه، وهو معنى قوله: م: (أو في أقرب المواضع منه) ش: أي من المواضع الذي قتل فيه م: (إذا كان في برية) ش: أي إذا كان القتل في برية، ثم قتل الصيد على ضربين محرم ومباح، فالمحرم قتله بغير سبب يبيحه ففيه الجزاء بالنص، والمباح أنواع، أحدها في حالة الاضطرار، فيباح بلا خلاف، ويضمن قيمته وجد غيره أو لم يجده، كما إذا كان بمال الغير في المخمصة.
وقال الأوزاعي: لا ضمان في حالة الضرورة، والثاني: إذا صار عليه ولم يمكنه دفعه فلا شيء عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه الجزاء كالجمل الصائل، ونقل أبو بكر من الحنابلة وجوب الجزاء عن أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وأخطأ في نقل الثالث إذا خلص صيداً من سبع أو شبكة، فتلف بذلك، فلا شيء عليه، وبه قال عطاء. وهو رواية عن أحمد، وعنه أنه يضمن، وهو قول قتادة.
الرابع: لو حفر بئر الماء، أو تنور الطبخ، فوقع في ذلك صيد، فلا جزاء عليه، ولو كان للاصطياد إلا إذا حفر للذئب، أو للاصطياد الذي شرع بإباحة قتله، فوقع فيه غيره، فمات فلا جزاء عليه لعدم التعدي، وكذا رو أرسلر كلبه على [.....] فأخذ غيره لا يضمن ذكر ذلك الأسبيجابي.
م: (فيقومه ذوا عدل) ش: أي يقوم الصيد رجلان عدلان ممن لهم معرفة في قيمة الصيد م: (ثم هو مخير) ش: أي ثم القاتل مخير م: (في الفداء) ش: وفي بعض النسخ في الفدية م: (إن شاء ابتاع بها هديا وذبحه) ش: أي اشترى بها، أي بالقيمة هدياً وذبحه م: (إن بلغت هديا) ش: أي قيمته قيمة ما يهدى به م: (وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: فإن فعل هذا فهو بالخيار م: (وإن شاء صام) ش: مكانه يوماً كاملاً، وإن شاء

(4/378)


على ما نذكر، وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجب في الصيد النظير فيما له نظير، ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة،
وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة؛ لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تصدق به؛ لأن صوم نصف النهار لا يجوز م: (على ما نذكر) ش: فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
م: (وقال محمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يجب في الصيد النظير فيما له نظير) ش: أي يجب في قتل الصيد مثله فيما له مثل من حيث القيمة، وبه قال مالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم، ثم فسر النظير بقوله: م: (ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق) ش: وهو الأنثى من أولاد المعز، وفي " خزانة الأكمل " عناق، أو جدي، وهو الذكر من أولاد المعز، وهو دون الجذع م: (وفي اليربوع جفرة) ش: وقال الرافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب أن يكون المراد هاهنا بالجفرة ما دون العناق؛ لأن الأرنب خير من اليربوع، فكيف يستوي في موجبها؟!
قلت: ذكرتم في موجب الطير، والحمام بإيجاب الشاة فيهما، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اليربوع اسم حيوان من الحشرات فوق الجرد، والذكر، والأنثى فيه سواء، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الياء فيه زائدة؛ لأنه ليس في كلامهم بعلول، وأرض مربعة ذات يرابيع، والجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء الأنثى من أولاد المعز.

م: (وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة) ش: وكذا في بقر الوحش بقرة، وفي الثعلب الجزاء، روي ذلك عن عطاء، وقتادة ومالك، والشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في رواية الجزاء هو الشاة، ولا شيء فيه عند الزهري، وعمرو بن دينار، وابن أبي نجيح، وابن المنذر، وروى ابن القاسم عن مالك في الضب قيمته طعاماً، أو صياماً، وفي رواية ابن وهب شاة، وأوجب ابن حبيب في الدب الجزاء، وأوجب الرافعي الجزاء في أم حبين بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة وروى الشافعي والبيهقي بإسناد عن عثمان بحلاب من المغنم بضم الحاء المهملة وتشديد اللام، وهو الحمل أي الحرون، وفي إسناده مطرف بن مازن وهو ضعيف جداً، وقال يحيى بن معين: هو كذاب.
واختلف الشافعية في حل أكل أم حبين، وقال النووي: الأصح حل أكلها، ووجوب الجزاء فيها، وأم حبين دابة على صورة الحرباء، وعن عطاء في القنفذ شاة رواه عنه سعيد بن منصور، وهو شذوذ؛ لأن القنفذ لا يشبه الشاة لا في الصورة ولا في المعنى، ولا في القيمة.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 95) ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة) ش: لأن من النعم بيان المثل م: (لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا النظير من حيث الخلقة والمنظر في النعامة والظبي وحمار الوحش والأرنب على ما

(4/379)


النظير من حيث الخلقة، والمنظر في النعامة، والظبي، وحمار الوحش، والأرنب على ما بينا.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضبع صيد وفيه شاة» ، وما ليس له نظير عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما، وإذا وجبت القيمة كان قوله كقولهما، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوجب في الحمامة شاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيناه) ش: أراد به ما ذكره من قوله: ففي الظبي شاة ... إلى آخره، والمراد من الصحابة جماعة منهم على ما رواه الشافعي، ومن جهة ما رواه البيهقي في " سننه " عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر، وعثمان، وعلياً، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل، انتهى.
وقال الشافعي: إنما القول في النعامة بدنة بالقياس لا بهذا الأثر فإن هذا الأثر غير ثابت عند أهل العلم بالحديث، قال البيهقي: وسبب عدم ثبوته أن فيه ضعفاً وانقطاعاً، وذلك لأن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين، قال ابن معين وغيره: فلم يدرك عمر، ولا عثمان، ولا علياً , ولا زيد بن ثابت، وكان في زمن معاوية صبياً , ولم يثبت له سماع من ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع احتمال أن ابن عباس توفي سنة ثمان وتسعين، وعطاء الخراساني مع انقطاع حديثه هذا متكلم فيه، وروى مالك في " الموطأ " أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الأربعة أصحاب السنن من «حديث جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضبع أصيد هو، قال: " نعم، ويجعل فيه كبش» ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح م: (وما ليس له نظير) ش: أي من حيث الخلقة م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما) ش: مثل الحمام، والقمري، والفاختة.
م: (وإذا وجبت القيمة كان قوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كقولهما) ش: أي كقول أبي يوسف، وأبي حنيفة في تغريم الصيد، والشراء، بقيمة الهدي، وإن بلغت هدياً , أو اشترى بها طعاماً للمتصدق كما مر عن قريب، وحاصل الخلاف في موضعين، أحدهما أن الخيار إلى القاتل عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - معهما في هذا، والله أعلم.
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوجب في الحمامة) ش: وليس للحكم إلا تعيين القيمة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخيار للحكمين، والثاني: تجب القيمة فيما له نظير، أو لم يكن له نظير

(4/380)


ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، ولا يمكن الحمل عليه فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع كما في حقوق العباد، أو لكونه مرادا بالإجماع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - معهما في هذا، والله أعلم. الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوجب في الحمامة شاة م: (ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب) ش: من العب وهو شرب الماء بلا مص، وهو جرعه جرعاً شديداً، كما تجرع الدواب، ويقال: العب أن يشرب الماء مرة من غير أن يقطع الجرع من باب طلب، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والحمام يشرب هكذا، بخلاف سائر الطيور، فإنها تشرب شيئاً فشيئاً.
م: (ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف) ش: من هدر البعير والحمام إذا صوت من باب ضرب يضرب، والشاة ليست نظيرة للحمامة، لا في الصورة، ولا في المعنى، ولا في القيمة فإن الحمامة تساوي نصف درهم، والشاة تساوي عشرين درهماً , بل وثلاثين وأكثر، والشاة من ذوات الظلف تمشي على أربع، والحمامة من الطيور ولها جناحان، وتمشي على رجلين، ولا اعتبار للعب إذا لم يرد اعتبار أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى) ش: أراد أن الله - عز وجل - أطلق المثل في قوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] والمطلق ينصرف إلى الكامل، وهو المثل من حيث الصورة، ومن حيث المعنى م: (ولا يمكن الحمل عليه) ش: أي على مثل صورة، ومعنى الخروج ما ليس له مثل صوري من تأويل النص، وفي ذلك إهمال عن حكم الشرع.
م: (فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع) ش: أي لكون المثل معهوداً في الشرع، كما إذا أتلف إنسان ثوب غيره مثلاً تجب عليه قيمته، أما اعتبار الصورة فلا معنى فليس بمعهود في الشرع، ولو كان من الواجب من حيث الخلقة لم يحتج فيه إلى حكم عدلين لحصول العلم بالحس والمشاهدة.
م: (كما في حقوق العباد) ش: فإن الحكم فيها بالمثل المعنوي، قال الله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية 194) ، وثمة لما تعذر الحمل على المثل صورة ومعنى حمل على المثل معنى، فكذلك هاهنا م: (أو لكونه) ش: أي أو لكون المثل المعنوي م: (مرادا بالإجماع) ش: فيما لا مثل له صورة كالعصفور، فلا يكون غيره مراداً، وإلا لزم عموم المشترك المعنوي، ولا عموم له في موضع الإثبات، ولما فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكلاهما غير جائز.
فإن قلت: المثل ليس بمشترك بين المثل صورة، وبين المثل معنى، ولا هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، حتى يلزم ما ذكرتم، بل هو مطلق يتناول الصورة والمعنى، كما أنه يتناول المؤمنة

(4/381)


أو لما فيه من التعميم، وفي ضده التخصيص، والمراد بالنص - والله أعلم - فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي،
واسم النعم يطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة والأصمعي - رحمهما الله عنه - والمراد بما روي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والكافرة، فيدخل تحت المثل المطلق والمعنوي، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] دخل ما له مثل صورة ومعنى، كما في المثليات، وما ليس له مثل لا معنى كالقيمات.
قلت: أجيب بأن المطلق ما يتعرض للذات دون الصفات، لا بالنفي، ولا بالإثبات، فهو الدال على الماهية فقط، وذلك يتحقق تحته كل فرد من أفراده المحتملة، فلو كان دالاً على ذلك لوجبت النعامة على النعامة، وليس كذلك بل حقيقة فيه في المطلق، ومجاز في غيره، والمجاز هنا مراد بالإجماع، فلا يكون غيره مراداً، ومثل ذلك قوله في الآية الأخرى.
أما على قول من يقول: يوجب الغصب القيمة، ورد مخلص فظاهر؛ لأن الموجب الأصلي أولى بالإرادة ورد العين ثبتت بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترده» ، وأما على قول من يقول بموجب الغصب رد العين وأداء القيمة يخلص فكذلك القيمة ثابتة بالكتاب ورد العين بالسنة وهذا الكلام مبحث من كلام السغناقي، وغيره.
م: (أو لما فيه من التعميم) ش: دليل آخر، أي لما في دليل المثل معنى من التعميم؛ لأنه يتناول ما له نظير، وما ليس كذلك م: (وفي ضده التخصيص) ش: وفي اعتبار المثل صورة التخصيص لتناوله ما له نظير فقط، والعمل بالتعميم أولى؛ لأن النص حينئذ أعم فائدة م: (والمراد بالنص - والله أعلم -) ش: هذا جواب عن قوله: لأن القيمة لا تكون نعماً، تقديره، والمراد بالآية م: (فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي) ش: ولما اعترض المعترض بقوله: كيف يقول من النعم الوحشي، والنعم يراد به الأهلي، ولا يجب بقتل الأهلي، فأجاب دفعاً لسؤاله بقوله:

م: (واسم النعم ينطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة) ش: واسمه معمر بن المثنى التميمي من تيم قريش مولاهم، وفي بعض النسخ: أبو عبيد بدون التاء في آخره، واسمه القاسم بن سلام البغدادي صاحب كتاب " الحديث "، والأول أصح م: (والأصمعي) ش: واسمه عبد الملك بن قريب، وهما الإمامان في اللغة ثقتان في نقلهما، فقال: النعم كما يطلق على الأهلي يطلق على الوحشي أيضاً.
فإن قلت: ما تصنع بقوله: هدياً، وهو حال من جزاء، فإن كان الجزاء القيمة كيف يمكن أن يكون هدياً بالغ الكعبة، بأن معناه إذا قوم فبلغت قيمته هدياً بالغ الكعبة.
م: (والمراد مما روي) ش: هذا الجواب عما روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الضبع صيد، وفيه الشاة» لأنه لا مماثلة بين الضبع والشاة من حيث الخلقة، وإنما

(4/382)


التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار إلى القاتل في أن يجعله هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: الخيار إلى الحكمين في ذلك، فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف. لهما أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين. ولمحمد والشافعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المماثلة بينهما قد تكون من حيث القيمة، وهذا نظير ما قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ولد المعز والغلام بالغلام، والجارية بالجارية، والمراد القيمة، والدليل عليه أنهم أوجبوا في الحمامة شاة، ولا تشابه بينهما في النظر، فدل أنهم أوجبوها بالقيمة م: (التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار) ش: يعني بعد حكم الحاكمين يكون الخيار م: (إلى القاتل في أن يجعله) ش: أي في أن يجعل النسك م: (هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كما في كفارة اليمين، حيث يكون بالخيار إلى الحالف، يختار أحد الأشياء الثلاثة من الإطعام، والكسوة، والتحرير؛ لأن الخيار للوقت بالحالف فكذا هنا.
م: (وعند محمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الخيار) ش: أحدثه م: (إلى الحكمين في ذلك) ش: أي في تعيين النوع م: (فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف) ش: يعني من اعتبار القيمة من حيث المعنى م: (لهما) ش: أي لأبي حنفية، وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين) ش: حيث يكون الخيار إلى الحالف، وقد ذكرناه الآن.
م: (ولمحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كون الخيار إلى الحكمين المذكور في كتب أصحابه أن الخيار إلى القاتل كما في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم يذكر في " المبسوط " , و " الأسرار " و " شرح التأويلات " قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل اقتصر فيها على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال الكاكي: ولم يلزم من عدم ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الكتب عدم كونه مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في " الحلية " وما حكمت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيه بالمثل لا يحتاج فيه إلى اجتهاده، وما لم يحكم فيه فلا بد من حكمين، ثم قيل: يجوز أن يكون القاتل أحدهما، وفيه وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو المذهب، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من الحكمين في الجميع، وفي " تتمتهم ": لا يتعين على قاتل الصيد إخراج المثل من النعم، ولكنه يخير إن شاء ذبح بالمثل، وإن شاء قومه وصرف قيمته إلى الطعام وتصدق به على كل مسكين مداً , وإن شاء صام بدل كل مد يوماً، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يخرج الطعام، وإنما التقويم بالطعام لمعرفة

(4/383)


قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الآية (95 المائدة) ذكر الهدي منصوبا لأنه تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر الطعام، والصيام بكلمة " أو "، فيكون الخيار إليهما. قلنا: الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي بدليل أنه مرفوع، وكذا قَوْله تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع، فلم يكن فيها دلالة اختيار الحكمين، وإنما يرجع إليهما في تقويم المتلف , ثم الاختيار بعد ذلك إلى من عليه، ويقومان في المكان الذي أصابه لاختلاف القيم باختلاف الأماكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قدر الصيام م: (قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95)) ش: ووجه ذلك أنه م: (ذكر الهدي منصوبا لأنه) ش: أي لأن قوله هدياً م: (تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] ش: فإن ضمير به مبهم يفسره بقوله: هدياً، فكان نصا على التفسير، قيل: بل التمييز فثبت أن المثل إنما يصير مثلياً باختيارهما وحكمهما م: (أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر) ش: على أن يكون بدلاً عن الضمير محمولاً على محله، كما في قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام: 161] (الأنعام: الآية 161) ، وفي ذلك تنصيص إلى أن التعيين إلى الحكمين ثم لما ثبت ذلك في الهدي ثبت في الطعام والصيام لعدم القائل بالفعل.
م: (الطعام، والصيام بكلمة " أو ") ش: التي للتنويع والتخيير عطفاً على هدياً بدليل قراءة عن ابن عمر أو كفارة بالنصب م: (فيكون الخيار إليهما) ش: ويقال: إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى الاستدلال بالقراءة الشاذة وقراءة عيسى شاذة م: (قلنا) ش: جواب عن استدلال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي) ش: أراد أن ما قالا إنما يصح إذا كانت كفارة معطوفة على الهدايا، وليست معطوفة على هدياً، لاختلاف إعرابها؛ لأن قوله: كفارة معطوفة على الجزاء م: (بدليل أنه) ش: أي أن الجزاء م: (مرفوع به) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: بدليل أنه مرفوع، أي بدليل أن الكفارة مرفوع، وإنما ذكر ضمير الكفارة على تأويل المعطوف، انتهى. وفيه تأمل لا يخفى. م: (وكذا قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع) ش: والعدل ما يعادل الشيء من غير جنسه كالصوم والطعام، وذلك إشارة إلى الطعام، وصياماً تمييز للعدل، كقوله: لي مثله رجلاً، فإذا كان الإعراب كذلك م: (فلم يكن فيهما) ش: أي في الآية م: (دلالة اختيار الحكمين) ش: في الطعام والصيام، وإذا لم يثبت الخيار فيها للحكمين لم يثبت للهدي، لعدم القائل بالفضل م: (وإنما يرجع إليهما) ش: أي إلى الحكمين م: (في تقويم المتلف) ش: يعني الحاجة في الرجوع إليهما في تقويم الذي أتلفه القاتل؛ لأن القيمة أمر يقع فيها الاختلاف. م: (ثم الاختيار بعد ذلك) ش: أي بعد التقويم م: (إلى من عليه) ش: الجزاء لا إلى الحكمين م: (ويقومان) ش: يعني الحكمين المتلف م: (في المكان الذي أصابه) ش: أي المحرم م: (لاختلاف القيم) ش: أي قيم الأشياء م: (باختلاف الأماكن) ش: وقال الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقوم بمكة أو بمنى، ومذهب الثلاثة أنه يقوم في موضع الإتلاف؛ لأن الضمان يجب به

(4/384)


فإن كان الموضع برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه مما يباع فيه ويشترى. قالوا: والواحد يكفي، والمثنى أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط كما في حقوق العباد. وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كما في سائر الأموال، وفي " المبسوط " لشيخ الإسلام، وكذلك الزمان الذي فيه أصابه؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الزمان أيضًا.
م: (فإن كان الموضع) ش: الذي قتل فيه الصيد. م: (برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه) ش: أي إلى الموضع الذي قتل الصيد فيه. م: (مما يباع فيه ويشترى) ش: أي مما يباع في أقرب المواضع ويشترى منه. م: (قالوا) ش: أي المشايخ. م: (والواحد يكفي) ش: لأن قوله: ملزم، ولأنه من باب الخبر لا الشهادة فيقبل قول الواحد العدل. م: (والمثنى) ش: أي الاثنان. م: (أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط) ش: كما قالوا في شهادة النساء، فيما لا يطلع عليه الرجال، فيقبل فيه قول الواحدة، والمثنى أحوط. م: (كما في حقوق العباد) ، م: (وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص) ش: أو يعتبر أن يكون الحكم بفتح الكاف اثنين في جزاء الصيد؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] قوله: هنا، وفي بعض النسخ: هاهنا، أي في قيمة الصيد، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، قيل: يشترط عند مالك أن يكونا فقيهين، والفقيه ليس بشرط عند الجماعة بالنص، وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي ": وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم، وكان المثنى أحوط، ولكن يعتبر حكومة بالنص، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الكشاف ": وعن قبيصة أنه أصاب ظبيًا وهو محرم فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فشاور عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم أمره بذبح شاة، فقال قبيصة: والله ما علم أمير المؤمنين، حتى سأل غيره، فأقبل عليه [ ... ] بالدرة، فقال: أبيض القفاء تقتل الصيد وأنت محرم، وقال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فأنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف، وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال في " الكشاف ": عن قبيصة
إلى آخره.
قلت: روى مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " موطئه " عن عبد الملك بن يزيد البصري عن محمد بن سيرين أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال له: إني أصبت ظبيًا، وأنا محرم، فما ترى في ذلك؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه يقال: حتى أحكم أنا، وأنت، قال: فحكما عليه بغير قول الرجل.
وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا فحكم معه، فلما سمعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعاه، فقال له: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك بالضرب، إن الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]

(4/385)


والهدي لا يذبح إلا مكة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ويجوز الإطعام في غيرها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالهدي والجامع التوسعة على سكان الحرم ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان. والصوم يجوز في غير مكة لأنه قربة في كل مكان، فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام، معناه إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام؛ لأن الإراقة لا تنوب عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف، انتهى، وقال أبو عبيد: يعني قوله: [....] ، وتصغى فيها بالغين المعجمة والصاد المهملة.

م: (والهدي لا يذبح إلا بمكة؛ لقوله عز وجل: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ش: م: (المائدة: الآية 95)) ش: أراد بمكة الحرم؛ لأنه تابع مكة، وبه قال الشافعي، وفي الأصح، وفي قول: لا يختص بالحرم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام، وقال في القديم: ما أساسه في الحل يجوز ذبحه في الحل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام بمكان، ولنا قَوْله تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وصفه بكونه بالغ الكعبة، والمراد من الكعبة الحرام؛ لأن عين الكعبة غير مراد بالإجماع؛ لأنها تصان عن إراقة الدماء، فأريد بها ما حولها، وهو الحرم الذي له جزء منها.
م: (ويجوز الإطعام في غيرها) ش: أي في غير مكة. م: (خلافا للشافعي) ش: أي فإن عنده لا يجوز الإطعام على غير فقراء مكة، وبه قال أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هو يعتبره بالهدي) ش: أي الشافعي يعتبر الإطعام بالهدي قياسًا عليه. م: (والجامع) ش: أي بين الإطعام والهدي. م: (التوسعة على سكان الحرم) ش: يعني على فقراء مكة. م: (ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان) ش: فلا يختص بواحدة منها، وقياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف؛ لأن ما ثبت بخلاف القياس، فغيره لا يقاس عليه.
م: (والصوم يجوز في غير مكة؛ لأنه قربة في كل مكان) ش: فيجوز في مكة وغيرها. م: (فإن ذبح بالكوفة) ش: وفي بعض النسخ: فإن ذبحه، أي فإن ذبح الهدي بغير مكة، وقوله: بالكوفة تمثيل لا تقييد لا يجزئه عن الهدي، ولكنه. م: (أجزأه عن الطعام) ش: يعني جاز بدلًا من الطعام، وبين ذلك بقوله. م: (معناه) ش: أي معنى جوازه عن الطعام. م: (إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام) ش: يعني إنما يخرج عن العهدة بالتصدق في هذه إذا أصاب كل مسكين من اللحم ما يبلغ قيمته نصف صاع من البر على قياس كفارة اليمين، أو كسي عشرة مساكين ثوبًا واحدًا أجزأه عن الطعام إذا أصاب كل مسكين منه ما قيمته نصف صاع من البر. م: (لأن الإراقة) ش: أي الإراقة الحاصلة بالمكان غير المحرم. م: (لا تنوب عنه) ش: أي لا تجزئ عن الهدي حتى لو سرف المذبوح أو

(4/386)


وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية؛ لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجزي صغار النعم فيها؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا عناقا وجفرة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق، وإذا وقع الاختيار على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضاع قبل التصدق لا يخرج عن العهدة؛ لأن الإراقة قربة مخصوصة بمكان وزمان.

م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية) ش: وهو الجذع الكبير من الضأن والثني من غيره. م: (لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه) ش: أي إلى ما يجزئ من الأضحية، وذلك في هدي القربان؛ لأن الهدي الصدقة، فإن هدي الصدقة قد يقع على الثوب، كما في قوله: إن فعلت كذا فثوبي هدي، ولكن لا يقع في هدي الصدقة على الثوب، إلا إذا كان أشار بأن قال: ثوبي أو هذا الثوب، فلو قال: إن فعلت كذا فعلي هدي بلا إشارة يقع على شاة؛ لأن الهدي يقع على الإبل، والبقر، والغنم، والشاة أدناه، كذا في " المبسوط "، و" الأسرار ".
م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله: يجزي صغار النعم فيها) . ش: أي في أضحية الهدي. م: (لأن الصحابة أوجبوا عناقا وجفرة) ش: يعني حكموا في الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة، وكلام صاحب " الهداية "، هذا يدل على أن الخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر في " المبسوط "، و" الأسرار "، و" شرح الجامع الصغير " لفخر الإسلام قاضي خان، وغيرهما قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي لعموم قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} [الأنعام: 146] ؛ فإنه تصدق على الصغير والكبير، والعناق فيهدي ويضحي تبعًا لأمه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن إراقة الدم ليست بقربة إلا في زمن مخصوص، ومكان مخصوص، وإن لم يوجد شروط كونها قربة لا يكون قربة فلم يكن نسكًا في مقابلة الجناية على الإحرام أو الحرم.
م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق) ش: يعني إذا تصدق به دون إراقة الدم. م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا) ش: قال الكاكي: المراد به بقوله: عندنا أبو حنيفة، وأبو يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو قول مالك، فإن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعتبر فيه النظير بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير، وقال الأترازي: المراد بقوله: عندنا احترازًا عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لا عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى إلى ما قال في " شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: قال أصحابنا: إن الإطعام بدل عن

(4/387)


لأنه هو المضمون، فيعتبر قيمته. وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع.
وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصيد.
وقال الشافعي: يدل على النظير، وقال في " الإيضاح ": والإطعام بدل عن الصيد بقول الصيد بالطعام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بدل عن النظير، تجب شاة، وتقوم الشاة بالطعام، وقال في " شرح الأقطع ": قال أصحابنا: إذا اختار الإطعام أخرج بقيمة المقتول، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بقيمة النظير، وهنا المضمون هو الصيد المقتول، فيعتبر بقيمته لا قيمة نظيره، انتهى.
قلت: اعتمد الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا على قول الشيخ الإمام حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه " المراد من قوله: عندنا، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -، بناء على أن الجزاء يجب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - باعتبار الصورة، وعندهما باعتبار المعنى.
م: (لأنه) ش: أي لأن الصيد. م: (هو المضمون، فيعتبر قيمته) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقوم النظير؛ لأنه حوله إلى الطعام باختياره، فيعتبر قيمة الواجب وهو النظير، وعند الواجب الأصلي قيمة الصيد، فلا يعتبر بتحويله إلى الطعام، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن لم يخرج المثل إلى المثل قوم الصيد إلى المثل؛ لأنه هو الأصل، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يخرج الطعام وإنما التقويم بالطعام بمعرفة قدره فصيام. م: (وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع) ش: أي من بر أو صاع من شعير. م: (لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع) ش: وهو نصف صاع من بر، أو صاع من شعير كما في صدقة الفطر، وكفارة اليمين، والظهار، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتصدق على كل مسكين مدًا منه، وتقدير الطعام عنده بالمد، وعندنا بالصاع، ومذهبهم مروي عن ابن عباس، ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ومذهبنا مروي عن ابن عباس، ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضًا، وإبراهيم، وعطاء، ومقسم، وقتادة.

م: (وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع) ش: أي تقدير صيام يوم بنصف صاع من بر معهود في الشرع. م: (كما في

(4/388)


باب الفدية فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا. ولو جرح صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه اعتبارا للبعض بالكل، كما في حقوق العباد. ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باب الفدية) ش: فإن الشيخ الفاني يفدي عن صوم كل يوم بنصف صاع من بر.

م: (فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع) ش: وهذا عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين) ش: يعني إن كان الواجب في الأصل دون طعام مسكين، بأن كانت قيمة المقتول أقل منه بأن كان قتل يربوعًا أو عصفورًا، ولم تبلغ قيمة إلا مدًا من الحنطة. م: (يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الصوم أقل من نصف يوم غير مشروع. م: (ولو جرح) ش: أي المحرم. م: (صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه) ش: يقال بعض الشيء نقصان، ونقصه غيره نقصًا. م: (اعتبارا للبعض بالكل) ش: أي قياسًا لضمان البعض على ضمان الكل، ألا ترى أن من أتلف عضوًا من دابة إنسان يضمن كما إذا أتلف كلها، وفي " المبسوط ": جرح صيدًا، أو نتف شعره، أو ريشه، أو قلع سنه فنبت كما كان، ونبت سنه مكانها، فلا شيء عليه عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه صدقة الإثم، وإن غاب الصيد ولم يعلم هل مات أو برئ يضمن النقصان، وعند الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه جميع القيمة احتياطًا كمن أخذ صيدًا من الحرم ثم أرسله، ولم يعلم دخوله في الحرم، وفي " الخزانة ": لو قطع المحرم يد الصيد، ثم قطع الآخر رجله فعلى الأول ما نقصه جرحه من قيمته، وبه جرح الأول. وقالت المالكية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: جرح صيدًا أو اندمل لا شيء عليه.
وقال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن النقص وهو قول الشافعي، وأحمد - رحمهما الله: ولو خلص حمامة من سنور، أو سبع، أو شبكة، أو أخذ الصيد فتخلص خيط من رجله فقطعت فلا شيء عليه عند الجمهور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال قتادة: يضمن، وفي " المبسوط ": نفر الصيد منه بغير صنعه، فانكسر رجله فلا شيء عليه، ولو نفر تنفيره فوقع في بئر أو صدم على شيء فعليه الجزاء، وكذا لو كان راكبًا أو سائقا أو قائدًا فأتلفت الدابة بيدها أو رجلها أو فيها صيدًا فعليه الجزاء، وكذا لو نفذ السهم منه فقتله آخر يجب عليه جزاؤها، ولو تعلق بطنب فسطاط المحرم، أو حفر بئرًا للماء، أو تنورًا للخبز فعقب فيهما فلا شيء عليه.
م: (كما في حقوق العباد) ش: حيث يعتبر ضمان البعض بضمان الكل. م: (ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع) ش: فقد يكون بالطيران، وقد يكون بالعدو وقد يكون

(4/389)


فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه.
ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته، وهذا مروي عن علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأنه أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا، فنزل منزلة الصيد احتياطا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بدخوله في حجره والحيز أصله الحيوز، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار حيزًا، والحيز الجانب، ومنه حيز الدراهم، وهو ما انضم إليها من جوانبها. م: (فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه) ش: كما إذا قطع قوائم فرس لآدمي؛ لأن الصيد هو الممتنع المتوحش بأصل الخلقة، ولم يبق بعد نتف ريشه، وقطع قوائمه، كونه ممتنعًا إذا كان بحيث لا يقدر أحد على التصرف، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح قوليه معنًا، وعن ابن شريح من أصحابه أنه يجب عليه قدر النقصان؛ لأنه لم يهلكه بالكلية.

م: (ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته) ش: أي قيمة البيض، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وداود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب فيه شيء لأنه لم يكن صيدًا حقيقة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تضمينه بعشر قيمة الطير الناقص تشبيهًا بجنين الأمة، كذا في " تتمتهم "، وفي " مبسوط " شيخ الإسلام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت البيضة صحيحة غير مذرة يضمن عشر قيمة ما يخرج منه، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في جنين الميت يلزمه عشر قيمة الأم. وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه درهم. م: (وهذا مروي) ش: أي هذا الذي ذكرنا مروي. م: (عن علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) .
ش: أما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فغريب يعني لا أصل له، وأما حديث عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبد الكريم الحروي، عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: في كل بيضتين درهم، وفي كل بيضة نصف درهم، قال: وحدثنا وكيع، وابن نمير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في بيض النعامة قيمته، وهذا منقطع؛ لأن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيض النعامة. م: (أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا) ش: قوله: وله أي للبيض على أن يصير صيدًا، فصار كالصيد. م: (فنزل منزلة الصيد احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لئلا يأثم على تقدير كونه صيدًا، والاحتياط في اللغة الحفظ، وفي الاصطلاح: حفظ النفس عن الوقوع في المأثم، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الموطأ ": أرى في بيض النعامة عشر البدنة، وفي " النعمانية ": وجوب القيمة في بيض النعامة قول عمر بن الخطاب، وعبد الله

(4/390)


ما لم يفسد.
فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا، وهذا استحسان، والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه احتياطا، وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما. وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن مسعود، وابن عباس، والشعبي، والنخعي، والزهري، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، قال أبو عبيدة، وأبو موسى الأشعري: يجب صوم يوم، أو طعام مسكين. وقال الحسن البصري: فيه جنين من الإبل، وقال مالك: فيه عشر البدنة، وقال السروجي: وتجب القيمة في بيض جميع الطيور. م: (ما لم يفسد) ش: أي بيض النعامة، إنما يجب ما لم يكن مذرًا؛ لأن المذرة لا شيء فيها.

م: (فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا) ش: أي قيمة الفرخ، ولو كان حيًا، وبه صرح في " المبسوط "، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء فيه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا لم يعلم أن موته بالكسر أم لا، ولو علم أنه كان ميتًا بغير الكسر لا شيء عليه. م: (وهذا استحسان) ش: أي وجوب القيمة استحسان، ووجهه يأتي الآن. م: (والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه) ش: أي يضاف بالموت على الكسر، والباء صلة واصلة بحال الموت على الكسر. م: (احتياطا) ش: فعليه قيمته.
م: (وعلى هذا) ش: أي على القياس، والاستحسان. م: (إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما) ش: أي قيمة الظبية وجنينها، ففي القياس: لا يغرم، وفي الاستحسان: يغرم، وعند الشافعي في الأم: المثل، وفي الجنين: ما ينقض من قيمتها بالوضع، وينبغي أن لا يجب قيمة الجنين كما لو ضرب بطن جارية فأسقطت جنينًا ميتًا، ثم ماتت هي كان عليه قيمة الجارية أو دية الحرة لا ضمان الجنين، فكيف وجبت هنا قيمة الجنين.
أجيب: بأن الجنين في حكم الجزء من وجه، وفي حكم النفس من وجه فالضمان الواجب في حق العباد غير مبني على الاحتياط، فلا يجب في موضع النسك، وأما جزاء الصيد فمبني على الاحتياط فيرجع فيه شبهة النفس في الجنين ووجوب الجزاء.
م: (وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء) ش: ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أول هذا الفصل حيث قال: فاستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وعدها ستًا، وأعادها هاهنا مع زيادة الفأرة، فصارت سبعة، وذكرنا الكلام في المستقصى، قلت: الذئب هناك وهاهنا. وقال الأترازي: أما الذئب فلم يذكر في الروايات

(4/391)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» وقد ذكر الذئب في بعض الروايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصحيحة في كتب الأحاديث، ولهذا لم يبح قتله ابتداء على رواية الطحاوي، وعلى رواية الكرخي يباح قتله، ثم قال: محصله أن الذئب لا يباح قتله؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الخمس ما هن، فذكر الخمس يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمها، وإلا لم يكن لذكر الخمس معنى، انتهى.
قلت: ذكر العدد المعين لا ينافي ما زاد عليه، وكل واحد من المزيد والمزيد عليه، معنى باعتبار حال يقتضي ذلك، وقد ذكرنا هناك من روى الذئب من أهل الحديث، وذكرنا ما قالوا فيه، وقال: ذكر المصنف في أول هذا الفصل الستة على رواية أو الدلالة.
قلت: كان هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: لم يذكر الذئب في الأحاديث التي أخرجها الشيخان وغيرهما، وليس فيها ذكر الذئب، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره زيادة عليهما، فأجاب إنما ذكره من حيث رواية جاءت فيه أو من حيث دلالة النص، فإن في الذئب ما في الكلب مع الزيادة.
وجاء في بعض الروايات أن الكلب العقور هو الذئب، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره. وأما الفأرة ففيما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم؛ الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وفي لفظ لمسلم: «الحية عوض عن العقرب» وفي لفظ لهما: «خمس من الدواب كلهن فواسق» . وفي لفظ لمسلم: «أربع كلهن فواسق يقتلن في الحل، والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور» انتهى، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها لأذى الناس، وإفساد أموالهم.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ش: هذا الحديث روي بوجوه في " الصحاح " كما ذكرنا، والأقرب لما ذكر المصنف حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وليس فيه الحية وفيه العقرب. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» ش: هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم، عن إحدى نسوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقتل المحرم: الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحية، والغراب» وهذا كما ترى فيه تقديم وتأخير بين رواية المصنف، وبين رواية البخاري ومسلم.
م: (وقد ذكر الذئب في بعض الروايات) ش: قد ذكرنا في أول الفصل من رواه وما حاله

(4/392)


وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب، أو يقال إن الذئب في معناه، والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف ويخلط؛ لأنه يبتدئ بالأذى، أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش، منهما سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء. والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فليراجع هناك، وفي قوله: ذكر يجوز أن يكون على صيغة المعلوم، وأن يكون على صيغة المجهول، والثاني أقرب.

م: (وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب) ش: قد مر الآن أثر روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الكلب العقور الذئب. م: (أو يقال: إن الذئب في معناه) ش: أي في معنى الكلب العقور، وأشار بالقول الأول إلى أن ذكر الذئب يثبت بالرواية وبالقول الكافي إلى أنه بدلالة النص.
م: (والمراد بالغراب) ش: أي المذكور في الحديث. م: (الذي يأكل الجيف) ش: جمع جيفة. م: (ويخلط) ش: أي يخلط الحب بالنجس يعني يأكل الحب تارة، ويأكل النجس أخرى، وقد ذكره المصنف في أول هذا الفصل، والمراد بالغراب: هو الذي يأكل الجيف هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأعاده هنا، وزاد فيه لفظ: ويخلط، وقوله م: (لأنه يبتدئ بالأذى) ش: ويراد بهذا ما قاله الأكمل بأن هذا وقع تكرارًا، وكان هذا مستغنى عن ذكره، والمؤذي يقتل.
م: (أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى) ش: أما عدم تسميته غرابًا فمسلم، وأما عدم ابتدائه بالأذى ففيه نظر؛ لأنه دائمًا يقع على دبر الدابة، فينبغي أن لا يجب فيه الجزاء، انتهى. قلت: هذا عجيب منه؛ لأنه قال: أولًا لا يبتدئ بالأذى نظر. وقال الجوهري: العقعق طائر معروف وصوته العقعقة، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل في صوت العقعق سرور.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش منهما) ش: أي من الكلب العقور وغير العقور. م: (سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس) ش: يعني الحقيقة التي تسمى كلبًا الأفراد دون فرد، وجنسه ليس بصيد، ولهذا يجوز قتل جنسه فيستوي فيه الأهلي، والوحشي، والعقور، وغيره، قيل: فيه نظر لأنه نقص لإبطال الوصف المخصوص عليه وهو كونه عقورًا، وأجيب بأنه ليس للقيد بل لإظهار نوع إذائه، فإن ذلك طبع فيه.
م: (وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء) ش: لإطلاق الحديث. م: (والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى) ش: يعني يجب في قتل كل منهما الجزاء لأنهما من الصيود؛ لأنهما يمتنعان وحشيان بأصل الخلقة، ولا يبتدئان بالأذى، بخلاف الفأرة فإنها مستثناة؛ ولأنه ينقب الغرائر ويسرق أموال الناس ويضرم عليهم بيوتهم، ويدخل المضائق،

(4/393)


وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود، وليست بمتولدة من البدن، ثم هي مؤذية بطباعها، والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي، وما لا يؤذي لا يحل قتلها، ولكن لا يجب الجزاء للعلة الأولى.
ومن قتل قملة تصدق بما شاء مثل كف من طعام؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويفسد فسادًا كبيرًا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السمود، والدلف الجزاء؛ لأنهما من الجنس الممتنع المتوحش الذي لا يبتدئ بالأذى.

[قتل المحرم للبعوض والنمل]
م: (وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود) ش: لأنها ليست بمتوحشة عن الأذى، بل هي طالبة للأذى وليست هذه الأشياء من قضاء التفث، م: (وليست بمتولدة من البدن) ش: واحترز به عن القملة على ما يجيء، وذكر علتين، وإن كانا علتين؛ لأنه ذكر في موضع السلب، وفي موضع السلب يكون بعلل كثيرة بمعنى علة واحدة في أن الحكم ينتفي بالجميع كما ينتفي بانتفاء الواحدة. وفي " المحيط ": ليس في قتل القنافذ، والخنافس، والسلاحف، والوزغ، والذباب، والزنبور، والدلمة، وصياح الليل والصرصر وأم جنين، وابن عرس شيء لأنهما من هوام الأرض وحشراتها وليست بصيود، ولا متولدة من البدن، بخلاف القمل، ولم يوجب عمر، وعطاء، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيها شيئًا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الجزاء بقتل القنفذ.
م: (ثم هي) ش: أي البعوض وما ذكر معه. م: (مؤذية بطباعها) ش: فلا يجب الجزاء بقتلها. م: (والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: وليس في قتل البعوض والنمل إلى آخر ما ذكره في " الجامع الصغير "، ولفظه محرم قتل برغوثة أو بقة أو نملة فلا شيء عليه، ولم يذكر في الأصل البرغوث والبق. م: (وما لا يؤذي لا يحل قتلها) ش: أي النمل التي لا تؤذي لا يحل قلتها، يعني النملة، ولكن لا يحل قتلها، ومع هذا إذا قتلها المحرم. م: (ولكن لا يجب عليه الجزاء للعلة الأولى) ش: وهي أنها ليست بمتولدة من البدن، والعلة الثانية كونها مؤذية بطباعها.

م: (ومن قتل قملة تصدق بما شاء) ش: ذكر في " الجامع الصغير "، وإن قتل قملة أطعم شيئًا، وقال في الأصل: تصدق بشيء، ولفظ شيء يشمل القليل والكثير، وأوضحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله. م: (مثل كف من طعام) ش: وكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه "، حيث قال: يتصدق بما شاء بكف من طعام، وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة ثم قال: وذكر الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا قتل المحرم قملة، أو ألقاها أطعم كسرة، وإن كانت اثنتين، أو ثلاثة أطعم قبضة من الطعام، وإن كان أكثر أطعم نصف الصاع، ولو ألقاها على

(4/394)


لأنها متولدة من التفث الذي على البدن، وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا، وهذا يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا.
ومن قتل جرادة تصدق بما شاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأرض تصدق بما شاء، ولو كانت ساقطة على الأرض فقتلها، فلا شيء عليه، كما في البرغوث.
وفي " الفتاوى ": محرم وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل فعليه الجزاء، ولو وضع في الشمس، ولم يقصد قتل القمل لا شيء عليه، كما لو فتل الثوب فمات القمل، انتهى. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو كثر القمل على بدنه، أو ثيابه لم يكره تنحيته، ولو قتله لم يلزمه شيء، ويكره أن يفلي رأسه ولحيته، فإن فعل وأخرج منها قملة وقتلها يتصدق ولو بلقمة، لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس، وكذا في " شرح الوجيز ".
وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أطعم شيئًا كثيرًا في قملة قتلها. وفي اثنتين وثلاث كف من طعام، وعن أبي يوسف في القملة كف من دقيق، كذا في " المحيط "، و" قاضي خان "، وفي " عيون المسائل ": ألقى قملة من رأسه أطعم كسرة خبز، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يتصدق بكسرة، أو قطعة، أو قبضة من طعام، وعن مالك لا يقتله، ولا يطرحه من رأسه، فإن قتله فعليه حفنة من طعام، وقال أحمد: يطعم شيئا كما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - تمرة فما فوقها، وقال النووي: يكفر إذا كثر، وعن عطاء، وقتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قبضة من طعام، وقال سعيد بن المسيب، وابن جبير، وطاوس، وأبو ثور: لا شيء فيها، وقال ابن المنذر: ليس لمن أوجب فيها شيئًا حجة، وللمحرم أن يعود لغيره، وهو قول عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجابر بن زيد، وعطاء، والشافعي، وابن حنبل، وأكثر أهل العلم، وكرهه ابن عمر، ومالك. وفي " المنتقى ": قال الحلال: [من قال] : ارفع هذا القمل عني فعليه الكفارة، وفي " العيون ": ولو أشار المحرم إلى قملة فقتله المشار إليه يجب على المشير الجزاء، قال السروجي: في هذا بعد؛ لأن القمل ليس بمصيد حتى يجعل بالإشارة مزيلًا للأمن. م: (لأنها) ش: أي لأن القملة. م: (متولدة من التفث الذي على البدن) ش: أي من الوسخ والدرن أي على البدن من قلة الإزالة وعدم التنظيف. م: (وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": إذا قتل قملة أطعم شيئًا من غير تعيين، وقال المنصف: م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره في " الجامع الصغير ". م: (يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا) ش: ككسر خبز ونحوها.

م: (ومن قتل جرادة تصدق بما شاء) ش: قوله: بما يشمل القليل والكثير، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

(4/395)


لأن الجراد من صيد البر، فإن صيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ. وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تمرة خير من جرادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي الجرادة: تمرة أيضًا أنه أمر في جرادات بقبضة من طعام، وعنه التمرة خير من جرادة، وعنه التمرتان أحب إلي من جرادتين، أخرجه سعيد بن منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الجراد من صيد البر، فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ) ش: اختلف العلماء في الجراد، فروي أنه من صيد البحر.
وكذا ذكره الترمذي من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة، أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضربه بأسيافنا أو عصينا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كلوه فإنه من صيد البحر» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا حديث غريب، وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان، وقد تكلم فيه شعبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ورواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - من رواية حبيب المعلم عن أبي الهرم، وقال: المهزم ضعيف، والحديث وهم. قلت: وجه الوهم أن حماد بن سلمة رواه عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب قوله: غير مرفوع، والرجل بكسر الراء، وسكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد، ولا يقال ذلك إلا للجراد خاصة، وفي رواية الترمذي: وقع أسياطنا جمع سوط، والمشهور أسواط، والصحيح أنه من صيد البر، كما قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيجب الجزاء بقتله، قال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء بن أبي رباح، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في قوله الصحيح المشهور، كما حكاه ابن العربي عن أكثر أهل العلم، وقال شيخنا: وفيه قول ثالث، وهو أنه من صيد البر والبحر، ورواه سعيد بن منصور في " سننه " عن هشيم عن منصور.
وعن الحسن قوله: م: (وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تمرة خير من جرادة) ش: وقصة أن أهل حمص أصابوا جرادًا كثيرًا في إحرامهم، وجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن دراهمكم كثيرة يا أهل حمص، تمرة خير من جرادة، وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الموطأ " أخبرنا يحيى بن سعيد أن رجلًا سأل عمر - رضي الله

(4/396)


ولا شيء عليه في قتل السلحفاة؛ لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس والوزغات، ويمكن أخذها من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا،
ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد، فأشبه كله. ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: يقال: حتى يحكم كعب بدرهم، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكعب: إنك لتجد الدراهم، تمرة خير من جرادة.
م: (ولا شيء عليه) ش: أي على المحرم. م: (في قتل السلحفاة) ش: بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء نوع من حيوان الماء معروف، وقد يكون في البر وجمعها سحالف، وسلاحف، قال الفراء: الذكر من السلاحف العلم والأنثى في لغة بني أسد السلحفاة، وحكى أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن بعضهم سلحفة، مثل بالهبة لكنها أي جمع حرة، قال صاحب " الديوان ": هي صغار دواب الأرض. م: (لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس) ش: وهو جمع خنفساء بضم الفاء، وفي كتاب " الجمهور ": وصححها بالضم والفتح جميعًا، وهو دويبة سوداء منتنة الريح، وجاء في معناها الخنفس والخنفسة بفتح الفاء. م: (والوزغات) ش: جمع وزغة وهي المسماة أم أبرص. م: (ويمكن أخذها) ش: أي أخذ السلحفاة. م: (من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا) ش: فلا يجب بقتلها الجزاء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

م: (ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] (المؤمنون: الآية 21) ، وكلمة من للتبعيض، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال الروياني - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الشافعية والقاضي من الحنابلة: لا يضمنه، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص الصيد ضمنه وإلا فلا. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونقله عنه غلط. وقال الكرماني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو حلب الصيد فعليه ما نقص بحلبه يرويه قوم به نقص الصيد عن ضمان اللبن. م: (فأشبه كله) ش: أي فأشبه لبنه كله؛ لأنه يتولد من عينه، وتناول الصيد حرام على المحرم، فكذا ما كان منه اعتبارًا للبعض بالكل.
م: (ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع) ش: هذا لفظ القدوري بعينه، وقال الإمام حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد بالسباع النمر والأسد والفهد. م: (ونحوها) ش: أراد به القرد والفيل، كذا قاله حميد الدين.
وقال الأترازي فيه؛ لأن السبع اسم لكل مختطف ينتهب قاتل عادي عادة، انتهى.
قلت: في نظره نظر؛ لأن الوصف الذي وصف به السبع، وقال عادة لا يوجد في القرد والفيل عادة، ثم قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز أن يريد بقوله ونحوها أي ونحو السباع ما

(4/397)


ونحوها، فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب الجزاء؛ لأنها جبلت على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة، وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها لغة. ولنا أن السبع صيد لتوحشه، وكونه مقصودا بالأخذ إما لجلده، أو ليصطاد به، أو لدفع أذاه، والقياس على الفواسق ممتنع لما فيه من إبطال العدد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يؤكل لحمه من السباع: كالطربان والسمور والدلف والفيل والثعلب، انتهى.
قلت: فيه تأمل لا يخفى، وقال الأكمل ونحوها، أي سباع الطير، وكذلك قاله الكاكي، وهو الأوجه، وقال السروجي: ولا فرق في ذلك بين سباع البهائم وسباع الطير.
م: (فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه) ش: يعني فيما مضى من الخمس الفواسق. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب الجزاء) ش: أي في السباع أصلًا، وبه قال أحمد، وقال مالك: السباع المبتدئة بالضرر من الطير والوحش كالفهد والذئب والغراب لا جزاء فيه وفي غيرها يجب.
وفي السروجي قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء فيما لا يؤكل لحمه، ولا في المتولد مما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه كالسمع بكسر السين وسكون الميم، وهو المتولد بين الذئب والضبع. م: (لأنها) ش: أي لأن السباع. م: (جبلت) ش: أي خلقت. م: (على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة) ش: لأنها خلقت مؤذية بطبعها، فكل ما كان في طبعها الإيذاء صار كالخمس الفواسق.
م: (وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها) ش: أي بجميعها. م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دعا على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك؛ فافترسه الأسد بدعائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
م: (ولنا أن السبع صيد لتوحشه) ش: وبعده عن أعين الناس. م: (وكونه) ش: أي ولكونه. م: (مقصودا بالأخذ إما لجلده) ش: كما في الأسد والنمر. م: (أو ليصطاد به) ش: أي أو لأجل الاصطياد به كالفهد. م: (أو لدفع أذاه) ش: كما في الخنزير فيجب بقتله الجزاء. م: (والقياس على الفواسق ممتنع) .
ش: هذا جواب عن قياس الشافعي على الفواسق، تقديره أن يقال هذا القياس ممتنع ضعيف لوجود الفارق. م: (لما فيه) ش: أي في قياسه. م: (من إبطال العدد) ش: الذي نص عليه الشارع، ولا يجوز.
فإن قيل: أنتم أبطلتم عدد الخمس حيث ألحقتم بها غيرها.
قيل له: نحن ألحقنا بها ما هو في معناها، أما إلحاق السباع المضرة بقلة الإيذاء غير مستقيم،

(4/398)


واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك. ولا يجاوز بقيمته شاة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضبع صيد وفيه الشاة؛» ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده، لا لأنه محارب مؤذ، ومن هذا الوجه لا يزداد على قيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن إيذاء الفواسق يتعدى إلينا؛ لأنها تسكن بيوتنا، أما السباع فإيذاؤها لا يتعدى إلينا ولا يستكن في بيوتنا ولا في القرب منا، فلم يكن في معنى المنصوص، فلا يلحق بها.

م: (واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذا اسم الكلب يتناول السباع لغة.
فأجاب عنه: بأنه لا يقع في عرف الناس بخلاف ما قال؛ لأنهم لا يفهمون من إطلاق اسم الكلب المعروف عندهم، والعرف أرجح وأقوى من الحقيقة اللغوية، ولهذا إذا حلف لا يأكل رأسًا فأكل رأس العصفور لا يحنث لعدم العرف فيه وإن كان رأسًا في الحقيقة. م: (ولا يجاوز بقيمته شاة) ش: أي لا يجاوز بقيمة السبع أو بقيمة ما لا يؤكل لحمه من السباع، ولا يجاوز على صيغة المجهول، وشاة بالرفع؛ لأنه أسنده إلى قوله " لا يجاوز " ويجوز النصب على أنه مفعول ثان، وأسند الفعل إلى الجار والمجرور، والمعنى لا يبلغ دمًا.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب) ش: أي قيمته. م: (بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه) ش: أي من الصيد، يعني كما إذا كان الصيد مأكول اللحم، وكما إذا كان السبع ملكًا لآدمي. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا غريب جدًا، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضبع صيد، وفيه الشاة» .
قلت: هذا أغرب من الأول، ووجه الاستدلال به أنه لما ورد الشرع بتقدير الشاة، لا يزاد عليها؛ لأن المقادير لا اهتداء للرأي فيها.
م: (ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده) ش: إذ اللحم غير مأكول. م: (لا لأنه محارب مؤذ) ش: يعني اعتبار القيمة لا لأجل الجلد، معنى المحاربة كما في بعض السباع كالفيل يعلمه أهل الهند المحاربة بحيث يهزم العسكر، وهو معنى مطلوب للملوك والسلاطين، وذلك أمر خارج عن الصيدية، فلا يعتبر، ولا لمعنى الإيذاء، يعني لا يقوم له شرعًا، فينتفي اعتبار الجلد باعتبار اللحم على تقدير كونه مأكول اللحم، ولذلك لا يزيد على قيمة الشاة غالبًا؛ لأن لحم الشاة خير من لحم السبع والضبع. م: (ومن هذا الوجه) ش: أي الوجه الذي ذكره دليلًا عقليًا. م: (لا يزداد على قيمة الشاة ظاهرا) ش: أي بحيث ظاهر الحال.

(4/399)


الشاة ظاهرا،
وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب اعتبارا بالجمل الصائل. ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه؛ ولأن المحرم ممنوع عن التعرض لا عن دفع الأذى، ولهذا كان مأذونا في دفع المتوهم من الأذى كما في الفواسق فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه أولى، ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا صال) ش: أي وقت. م: السبع على المحرم فقتله فلا شيء عليه) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم، وكذا الخلاف في غير السباع، إلا أنه ذكر السبع لما أنه الصياد فيه غالبًا، كذا في " المبسوط ". م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب قيمته اعتبارا بالجمل الصائل) ش: وفي " شرح الأقطع " قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الضمان إلا في الذئب، وقاسه على الجلد إذا صال على إنسان فقتله إنسان لا تسقط قيمته وإن كان قتله دفعًا للأذى، فكذا هنا.
م: (ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه) ش: هذا غريب جدًا، وذكره في " المبسوط "، وجه الاستدلال به أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علل لإهدائه بأصل نفسه، فعلم به أن المحرم إذا لم يبتدئ بقتله، بل قتله دفعًا لصولته لم يجب عليه شيء، وإلا لم يبق للتعليل فائدة، واعترض أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم على ما عداه فلا يصح الاستدلال.
وأجيب بأن ذلك في خطابات الشرع، وأما في الروايات.
قيل: فيه نظر؛ لأن قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذا المحل بمنزلة خطاب الشرع؛ لأنه في حيز الاستدلال به، فلا يفسده.
والجواب: أن الاستدلال إنما هو بفعل، وقوله رواية مسندة.
م: (ولأن المحرم ممنوع عن التعرض) ش: هذا الاستدلال بدليل حديث الفواسق، ووجهه أن المحرم ممنوع من جهة الشرع عن التعرض إلى الصيد. م: (لا عن دفع الأذى) ش: أي ليس ممنوعًا عن التعرض لأجل دفع أذاه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون امتناعه عن التعرض لأجل أذاه. م: (كان مأذونا) ش: من الشرع. م: (في دفع المتوهم) ش: أي الأذى المتوهم. م: (من الأذى كما في الفواسق) ش: الخمس؛ لأنه لما جاز قتلهن لتوهم الأذى منهن. م: (فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه) ش: أي الأذى المتحقق، وهو الصيال. م: (أولى) ش: وأبلغ منه، ولهذا لو أمكنه دفعه بغير سلاح فقتله فعليه الجزاء، ذكره الطحاوي [....] ، فلما صار قتله مأذونًا بدلالة النص لا يكون قتله موجبًا للضمان. م: (ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له) ش: أي للشارع.

(4/400)


بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له من صاحب الحق، وهو العبد.
وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص على ما تلوناه من قبل
ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي؛ لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش، والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف بأصل الخلقة. ولو ذبح حماما مسرولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له) ش: موجود. م: (من صاحب الحق، وهو العبد) ش: على أنه روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب فيه الضمان أيضًا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يلزم العبد إذا صال بالصيف فقتله المصول عليه، حيث لا يضمن مع أنه لم يوجد الإذن من مالكه كان العبد مضمونًا في الأصل؛ لأنه آدمي مكلف كالحر حقًا له لا حقًا للمولى، لكونه مكلف كمولاه، فإذا جاء المبيح من قبله وهو المحاربة سقط حقه، كما إذا ارتد، وسقوط البتة التي هي ملك المولى إنما كان في ضمن سقوط الأصل، وهو نفسه، فلا يعتبر به، كما إذا ارتد.

م: (وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد) ش: أي إن اضطر إلى أكل لحم الصيد، وبه صرح في بعض نسخ " مختصر القدوري ". م: (فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن) ش: من الشارع. م: (مقيد بالكفارة بالنص) ش: كما في الحلق، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) .
وجه الاستدلال بها أن الحلق محظور الإحرام، وقد أذن له الشارع فيه حال الضرورة مقيدًا بالكفارة، وكذا قتل الصيد محظور الإحرام، فيباح لأجل الضرورة مقيدًا بالكفارة، ولا يسقط عنه ما يتعلق به من الكفارة. م: (على ما تلوناه من قبل) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ولو وجد المحرم صيدًا وميتة يأكل الميتة، وبه قال مالك وأحمد والثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف والشعبي - رحمهما الله - يأكل الصيد ويؤدي الجزاء. وفي " الذخيرة " جعل الأقوى رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي " الخزانة " عن ابن سماعة الغصب أولى من الميتة، واختاره الطحاوي. وعند الكرخي يخير.

م: (ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي) ش: وفي بعض نسخ القدوري البط الكسكري، وهو المنسوب إلى كسكر، ناحية من نواحي بغداد، والمراد الأهلي. م: (لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش) ش: لأنها مختلطة بالناس بمرأى أعينهم. م: (والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف) ش: مستأنس. م: (بأصل الخلقة) ش: وأما البط الذي يطير فإنه جنس آخر لا يجوز للمحرم ذبحه؛ لأنه من جملة الصيود.
م: (ولو ذبح حماما مسرولا) ش: بفتح الواو، وهو ما في رجله ريش، من سرولته إذا ألبسته

(4/401)


فعليه الجزاء، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه، ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر، وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا؛ لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس كالبعير إذا ند لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم.
وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له فانتقل فعله إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سرويل فتسرول. م: (فعليه الجزاء) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. م: (خلافا لمالك له) ش: أي لمالك. م: (أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه) ش: فخرج عن حد الصيد.
م: (ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر) ش: كالظبي وحمار الوحش.
فإن قلت: البراءة لا يحل بذكاة الاضطرار حتى لو رمى سهما إلى برج حمام لا يحل، ولو كان صيدًا حل بذكاة الاضطرار.
قلت: من الأصحاب من قال: يحل بذكاة الاضطرار، ذكره في " المحيط " فذكاة الاضطرار متعلقة بالعجز لا بكونه صيدًا، ألا ترى أن الثوري لو ند فلم يقدر عليه ذكي بذكاة، إلا وهو ليس بصيد.
م: (وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا) ش: أي وكذا يجب الجزاء إذا قتل ظبيًا مستأنسًا في البيوت. م: (لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس) ش: لأنه عارض. م: (كالبعير إذا ند) ش: أي إذا نفر، ند يند ندودًا، من باب ضرب يضرب. م: (لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم) ش: لأنه بالندود لا يخرج عن حكمه أهليًا.

م: (وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له) ش: أي لأن المحرم عامل لغيره. م: (فانتقل فعله إليه) ش: وهذا التعليل يشير إلى أن اللام في " لغيره " تتعلق بقوله " ذبحه " وهكذا ذكره أيضًا في " الإيضاح " لا لقوله " يحل " ولكن ما ذكره في " المبسوط " يدل على أنه حلال لغيره، وسواء ذبحه لأجل غيره أو لأجل نفسه، وفي تتمتهم ما يدل على هذا، قال: ما ذبحه المحرم ميتة فأكله حرام عليه، وهل هو ميتة في حق غيره، فعنه قولان في الجديد يكون ميتة، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأن ذبحه لا يفيد الحل كذبح المرتد، وفي القديم: يحل لغيره، وفي " السروجي " في " شرح المذهب " للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذبيحة المحرم عليه بلا خلاف، وفي تحريمه على غيره قولان الجديد تحريمه وهو الأصح عند أكثرهم، وفي القديم حله وصححه كثير منهم.

(4/402)


ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي؛ وهذا لأن المشروع هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا، فينعدم بانعدامه. فإن أكل المحرم الذابح من ذلك شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل، وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا. لهما أن هذه ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار، وصار كما إذا أكله محرم غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي) ش: فإن قلت: يشكل على هذا ذبح الغير بغير أمره، فإنه حرام، ومع ذلك يحل تناولها.
قلت: النهي في معنى عين الذبح ولم يصر المذبوح حرامًا لعينه، بل لصيانة حق الغير، ولهذا يحل ذبحه بإذن المالك، فكان الذبح مشروعًا في نفسه، أما هاهنا نفس الفعل حرام لعينه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فقد وصف الصيد بالحرمة فدل على خروج المحل عن قبول الفعل الحلال.
م: (وهذا) ش: أي كون ذبح المحرم حرامًا. م: (لأن المشروع) ش: أي الذبح المشروع. م: (هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا) ش: لأن الذبح لا يتبين بخروج كل الدم النجس لغير الخبيث من الطيب؛ لأن الميتة حرام باعتبار الدم المسفوح باللحم؛ لأن الشرع أقام الذبح مقامه تيسيرًا، ولهذا لو ذبح ولم يسل الدم يحل أكله، ولو ذبح المجوسي وسال الدم لم يحل أكله، فينتفي ما لم يكن مشروعًا على أصل القياس. م: (فينعدم) ش: أي الميزان والحل. م: (بانعدامه) ش: أي بانعدام الفعل المشروع، وهو الذكاة؛ لأن الانعدام لعدم المحلية كالانعدام بعدم الأهلية كما في المجوسي. م: (فإن أكل المحرم الذابح من ذلك) ش: أي من الذي ذبحه. م: (شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: هذا الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا أكل من الصيد بعدما أدى جزاءه، فعنده يجب ما أكل، وعندهما لا يجب عليه إلا الاستغفار، أما إذا أكل قبل أداء الجزاء دخل ما إذا أكل في ضمان الجزاء بالإجماع، وبه صرح في " المختلف "، وقول الشافعي مثل قولهما، كذا في " الإيضاح "، وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما إذا أكل من المذبوح قبل أداء الجزاء فلا رواية في هذه المسألة، ويجوز أن يقال: يجب فيه الجزاء مضافًا إلى القتل، ويجوز أنهما متداخلان.
م: (وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل) ش: وبه قال الشافعي عنه، ومالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم. م: (وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي لا شيء عليه من قيمة ما أكل بلا خلاف كالحلال إذا قتل صيد الحرم فأكل منه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن هذه) ش: أي ذبيحة المحرم. م: (ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار) ش: والتوبة لأنه معصية. م: (وصار كما إذا أكله محرم غيره) ش: أي غير الذابح أو أكله حلال.

(4/403)


ولأبي حنيفة أن حرمته باعتبار كونه ميتة كما ذكرنا، وباعتبار أنه محظور إحرامه؛ لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية في حق الذكاة، فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط مضافة إلى إحرامه بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه.
ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه، ولا أمره بصيده، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم. له قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بأس بأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده، أو يصاد له» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة أن حرمته) ش: أي حرمة التناول للآكل المحرم الذابح. م: (باعتبار كونه) ش: أي باعتبار كون المذبوح. م: (ميتة كما ذكرنا) ش: من أن المذبوح ميتة. م: (وباعتبار أنه محظور إحرامه) ش: أي أن المذبوح إحرامه. م: (لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية) ش: أي كونه ممنوعًا اصطياده. م: (والذابح) ش: أي وإخراج الذابح. م: (عن الأهلية في حق الذكاة فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط) ش: وهي كونه ميتة، والأصل والأكل من محظورات إحرامه وخروج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية. م: (مضافة إلى إحرامه) ش: أي إلى إحرام الذابح، فوجب بتناوله الجزاء. م: (بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه) ش: لأنه لم يضف إلى إحرامه.

م: (ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه) ش: أي على اصطياده. م: (ولا أمره بصيده، خلافا لمالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم) ش: فإن عنده لا يجوز له أكل ما اصطاده الحلال لأجل المحرم، وإن لم يكن بإذن المحرم، وقال في " الموطأ ": إذا أكل المحرم من ذلك الصيد الذي صيد لأجله يجب عليه جزاء الصيد كله، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور.
م: (له) ش: أي لمالك. م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «لا بأس بأن يأكل المحرم لحم الصيد ما لم يصده أو يصاد له» ش: هذا الحديث رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولكن لفظه عندهم «صيد البر لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه، أو يصاد لكم» أخرجوه عن يعقوب بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: صيد البر ... » الحديث، قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المطلب بن عبد الله بن حنطب لا نعرف له سماعًا من جابر، وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك.

(4/404)


ولنا ما روي أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا بأس به "، واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم، أو معناه أن يصاد بأمره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال صاحب " التنقيح ": عمرو بن أبي عمرو تكلم فيه بعض الأئمة، لكن روى عنه مالك، وأخرج له البخاري ومسلم في " صحيحهما ": والمطلب بن عبد الله ثقة، إلا أنه لم يسمع من جابر فيما قيل، والعجب من الأترازي أنه ذكر هذا الحديث في معرض الاستدلال لمالك، ولم يذكر أن لفظه ما ذكره المصنف يخالف ما ذكره أصحاب السنن في صدر الحديث. وأعجب منه أنه قال له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «صيد البر لكم حلال ... » الحديث، ثم قال: رواه الترمذي، وصاحب السنن، ولم ينبه على صاحب السنن من هو، والترمذي أيضًا صاحب السنن.
م: (ولنا ما روي أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا بأس به» ش: هذا رواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن المنكدر، عن عثمان بن محمد، عن طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: تذاكرنا لحم الصيد بأكلها لمحرم، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نائم فارتفعت أصواتنا فاستيقظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: " فيما تتنازعوا؟ " فقلنا: في لحم الصيد يأكلها المحرم، فأمرنا بأكله ... » انتهى. وهو يخالف لفظ ما ذكره المصنف، فإن قوله: لا بأس به، يخالف قوله فأمرنا من حيث اللفظ، وإن كانا في الحقيقة بمعنى واحد، على أن الفرق بين اللفظين ظاهر من حيث الظاهر على ما لا يخفى.
م: (واللام فيما روي لام تمليك) ش: هذا جواب عن الحديث الذي رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأراد باللام في قوله: أو يصيد له، فزعم المصنف أنه لام تمليك. م: (فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم) ش: لأن تمليك الصيد إنما يتحقق فيما أهداه إلى المحرم لا فيما أهدي إليه اللحم؛ لأن اللحم يسمى صيدًا حقيقة، فاقتضى الحديث حرمة تناول الصيد على المحرم، وبه نقول لإحرامه أكل لحمه إذا لم يكن بإذنه. م: (أو معناه أن يصاد بأمره) ش: أي أو أن يكون بمعنى أو يصيد له بأمره، فحينئذ يحرم.
واعلم أن هذا الحديث روي بالرفع أيضًا، أو يصاد له كما رواه أصحاب " السنن " على ما ذكرناه الآن فحينئذ لا تمسك لمالك بهذه الرواية لا يقتضي الحل إذا صاده غيره لأجله؛ لأنه صار معطوفًا على المعنى لا على الغاية، ومع هذا فهذا الحديث ضعيف ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والترمذي.

(4/405)


ثم شرط عدم الدلالة، وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة، قالوا: فيه روايتان. ووجه الحرمة حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكرناه. وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء؛ لأن الصيد استحق الأمن بسبب الحرم. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث فيه طول: «ولا ينفر صيدها» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الترمذي: منقطع، وقد ذكرناه الآن. وقال الشيخ حميد الدين الضرير: والصحيح عندي بالنصب، وأو هاهنا بمعنى إلى أن لا يأتي إلى أن يصاد له، وحكم ما بعد الغاية تخالف حكم ما قبلها، فيستقيم السند به حينئذ؛ لأنه صار تقديره يحل للمحرم أكل لحم الصيد بنفسه حلًا محدودًا إلى غاية اصطياد الغير لأجله، كذا في الخيار.
م: (ثم شرط عدم الدلالة) ش: أي شرط القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إذا لم يذكر المحرم. م: (وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة) ش: أي شرط عدم الدلالة عن القدوري نص في رواية على أن المحرم إذا دل حلالًا على صيد الحل، فذبحه الحلال يكون اللحم حرامًا لا يحل له أكله. قوله: محرمة - بكسر الراء وتشديدها. م: (قالوا: فيه روايتان) ش: أي قال المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في تحريم اصطياده حلال بدلالة المحرم روايتان في رواية: يحرم، وفي رواية: لا يحرم، قلت: رواية الحرمة رواية الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواية عدم الحرمة رواية أبي عبيد الله الجرجاني.
م: (ووجه الحرمة حديث أبي قتادة، وقد ذكرناه) ش: أي في باب الإحرام بقوله: هل أعنتم، هل أشرتم، هل دللتم، وقد مر الكلام فيه، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري. م: (وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء) ش: وفي بعض النسخ: عليه قيمته، وقيد بقوله: الحلال؛ لأن المحرم لو قتله تلزمه كفارة واحدة لأجل الإحرام. وفي " المبسوط ": ذبح الحلال صيد الحرم فعليه قيمته عند العلماء إلا على قول أصحاب الظاهر فإنه لا شيء عليه عندهم. م: (لأن الصيد يستحق الأمن بسبب الحرم) ش: فإن قلت: الصيد كما استحق الأمن بسبب الحرم فكذلك بسبب الإحرام، وإذا قتل المحرم صيد الحرم ينبغي أن يجب عليه كفارتان وليس كذلك.
قلت: وجوب الكفارتين وجه القياس، صرح بذلك في " الإيضاح ". ووجه الاستحسان ما ذكره في " شرح الطحاوي " أن حرمة الإحرام أقوى؛ لأن المحرم حرم عليه الصيد في الحل، والحرم جميعًا، فامتنع الأقوى الأضعف.
م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث طويل: «ولا ينفر صيدها» ش: وفي بعض النسخ في حديث فيه طول، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما فتح الله - عز وجل - مكة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " إن الله

(4/406)


ولا يجزيه الصوم؛ لأنها غرامة، وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال. وهذا لأنه يجب بتفويت وصف في المحل، وهو الأمن، والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها أحلت لي ساعة من النهار ثم بقي حرام إلى يوم القيامة، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يخلى خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلا الإذخر» .
وأخرج البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم فتح مكة ... الحديث، وفيه: «لا ينفر صيدها» وذكر المصنف هذا لأنه هو الأصل، وفي حرمة صيد الحرم على الحلال إذا أحرم يتغير صيد الحرم، فالقتل أولى وإنها خلا، والخلا والخلاء بفتح الخاء المعجمة، وبالقصر الرطب من المرعى، وبالمد المكان الخالي، والحشيش هو اليابس من الكلأ، والعضد القطع من باب ضرب، وعضده ضرب عضده من باب دخل.

م: (ولا يجزئه الصوم) ش: أي ولا يجزئ ذابح صيد الحرم الصوم. م: (لأنها) ش: أي لأن قيمة الصيد. م: (غرامة وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال) ش: وليس فيه إلا الغرامة.
فإن قلت: لو كان غرامة ينبغي أن يجب على الصبي، والمجنون، والكافر، كما في أموال الناس، وقد نص في " الإيضاح " أنه لا يجب عليهم.
قلت: وإن كان ضمان المحل، لكن فيه معنى الحل أيضًا، حتى لو أخذ حلال صيد الحرم فقتله في يده حلال آخر فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد متلف، فأحدهما بالأخذ والآخر بالقتل والأخذ المفوت للأمن كالاستهلاك ثم يرجع الأخذ على القاتل عما ضمن بالاتفاق.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يؤدى في ضمن جزاء الإحرام فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم، كما لا يؤدى ضمان حق العبد في ضمن الجزاء فيمن قتل صيدًا مملوكًا في الحرم.
قلت: حرمة الحرم حصلت في حرمة الإحرام فيما نحن فيه؛ لأن حرمة الحرم لإثبات الأمن للصيد، وكذا حرمة الإحرام، فكان الضمان لله تعالى في الحرمتين، فجعل أحدهما تبعًا للأخرى، بخلاف الصيد المملوك بأن مما يجب بأن القتل حق الله تعالى، فلا يمكن أن يقضي به حق العبد، فصار في حق العبد كأن الضمان لم يستوف، كذا في " الأسرار ".
م: (وهذا) ش: يشير به بين قتل المحرم الصيد، وقتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني بقوله. م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب الضمان. م: (يجب بتفويت وصف في المحل) ش: أراد بالوصف الأمن، وبالمحل الصيد. م: (وهو الأمن) ش: أي الوصف هو الأمن. م: (والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛ لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه) ش: ولهذا لو

(4/407)


لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه،
والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم، والفرق قد ذكرناه،
وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان. ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه إذا كان في يده، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد. ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم، أو صار هو من صيد الحرم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اشترك حلالان في قتله يجب عليهما ضمان واحد، بخلاف المحرمين؛ فإنه يجب على كل واحد منهما قيمة كاملة لا جزاء القتل.

م: (والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال) ش: أما صلاحية الصوم جزاء الأفعال فلقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، وأما عدم صلاحيته لضمان المحل فلأنه لا مماثلة بين الصوم، وهو العرض، وبين المحل وهو العين. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد؛ لأن الواجب هنا كفارة كالواجب على المحرم، فيتأدى بالصوم. م: (والفرق) ش: أي الفرق بين قتل المحرم الصيد وبين قتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني. م: (قد ذكرناه) ش: هو الذي ذكره بقوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحل.

م: (وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان) ش: في رواية يجزئه، وبه قال الشافعي وزفر ومالك وأحمد، حتى لو سرق المذبوح بعد الذبح لا شيء عليه، ويشترط أن تكون قيمته عندنا مثل قيمة الصيد؛ لأن الهدي مال يجعل لله تعالى والإراقة طريق صالح لجعل المال له تعالى خالصًا بمنزلة التصدق، وفي رواية لا يجوز حتى لو سرق المذبوح لا يتأدى الواجب ويشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد.
م: (ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه) ش: أي في الحرم. م: (إذا كان في يده) ش: قال في " النهاية " يعني وهو حلال حتى يظهر خلاف الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإن المحرم لا يتوقف وجوب الإرسال على أدنى بعضه لا يجب عليه الإرسال على دخول الحرم، فإنه يجب عليه الإرسال بالاتفاق. م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد) ش: لأن الله تعالى غني والعبد محتاج فلا يجب الإرسال.
م: (ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم) ش: أي ترك التعرض للصيد لأجل حرمة الحرم. م: (أو صار هو من صيد الحرم) ش: تعليل ثان لوجوب الإرسال، وفي نسخة الأترازي بخطة إذ هو من صيد الحرم بكلمة إذ التي هي للتعليل، وقال قوله - إذا صارت من صيد الحرم - تعليل لوجوب ترك التعرض، وكلمة هو راجع إلى الصيد. وقال الأكمل أيضًا ما يقوي كلامه حيث قال: إنه لما صار في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وبين الملازمة بقوله

(4/408)


فاستحق الأمن لما روينا. فإن باعه رد البيع فيه إن كان قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء؛ لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا. ومن أحرم وفي بيته أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه أن يرسله؛ لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده. ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا صار يعني الصيد من صيد الحرم بالدخول فيه وصيد الحرم مستحق للأمن. م: (فاستحق الأمن لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ولا ينفر صيدها» .
م: (فإن باعه رد البيع فيه) ش: أي فإن باع الحلال الصيد الذي أدخله من الحل إلى الحرم رد البيع فيه، أي في الصيد. م: (إن كان) ش: أي الصيد. م: (قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد، وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء) ش: يتصدق بقيمته. م: (لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله - لأن البيع في الصيد لم يجز لما فيه من التعرض للصيد - وفي " مناسك الحسن " نقل صاحب " الأجناس " أن أحد متعاقدي البيع في الصيد إذا كان محرمًا لا يجوز البيع سواء كان بيعًا أو هبة أو صدقة، وإن كان المتعاقدان حلالين ينظر إلى موضع الصيد إن كان في الحلال جاز البيع سواء كان المتبايعان في الحل أو الحرم أو أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، وإن كان الصيد في الحرم لم يجز البيع، فإن سلمه للمشتري فذبحه كان على المحرم الذي باعه جزاؤه، وعلى المشتري قيمته للبائع إذا كان قد اصطاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه، وللبائع أن يتعين بهذه القيمة في الجزاء الذي عليه، وكذا بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال، يعني يرد البيع إن كان الصيد قائمًا، وإن كان فائتًا فعليه الجزاء.
م: (ومن أحرم وفي بيته) ش: أي والحال أن في بيته. م: (أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله) ش: ولا يزول ملكه عنه، وهو مذهب الأوزاعي ومجاهد وعبد الله بن الحارث ومالك وأحمد وأبي ثور، لكن يجب إزالة يده عنه إن كان في يده أو رجليه أو جبهته أو في قفص معه، أو كان مربوطًا بحبل معه، وقال أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تلزمه إزالته، وصححه ابن المنذر، وإن كان في بيته أو في قفصه لا يلزمه إرساله.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه أن يرسله) ش: وبه قال مالك: وأحمد في رواية عن كل منهما. وقال الأزهري: لا يزول ملكه. م: (لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده) ش: وهذا بناء على أن بالإحرام هل يزول الملك عن الصيد المملوك أم لا، فعندنا لا يزول، وعنده يزول.
م: (ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يحرمون وفي بيوتهم صيود ودواجن) ش: رواه

(4/409)


يحرمون، وفي بيوتهم صيود، ودواجن، ولم ينقل عنهم إرسالها، وبذلك جرت العادة الفاشية، وهي من إحدى الحجج. ولأن الواجب ترك التعرض، وهو ليس بمتعرض من جهته؛ لأنه محفوظ بالبيت والقفص لا به، غير أنه في ملكه، ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك، وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع.
قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث كنا نحج وننزل عند أهلنا [....] من الصيد ما نرسلها. حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى مع جماعة داجنا من الصيد وهم محرمون فلم يأمرهم بإرساله والدواجن جمع داجن، وهو الذي تعود المكان وألفه من قولهم بعير داجن، وشاة داجن، إذا كان مقيمًا بالبيت لا يرعى، وأراد بالصيود نحو الصقر والشاهين، وبالدواجن نحو الغزال.
م: (ولم ينقل عنهم إرسالها) ش: أي لم ينقل عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إرسال الدواجن بعد الإحرام. م: (وبذلك جرت العادة الفاشية) ش: أي بكون الدواجن في البيوت وهم محرمون أي جرت العادة المستمرة المشهورة من العشر وهو الظهور. وقال قاضي خان: ألا ترى أن الرجل يحرم وله بيت حمام لا يجب عليه إرسالها. م: (وهي من إحدى الحجج) ش: أي العادة الفاشية من إحدى الحجج التي يحكم بها، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» . وقال الكاكي: العادة الفاشية مثل الإجماع القولي.
م: (ولأن الواجب) ش: على المحرم، هذا دليل آخر يتضمن الجواب عن دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ترك التعرض) ش: للصيد. م: (وهو) ش: أي المحرم الذي في بيته قفص صيد. م: (ليس بمتعرض) ش: للصيد. م: (من جهته لأنه) ش: أي أن الصيد. م: (محفوظ بالبيت والقفص لا به) ش: أي لا بالمحرم. م: (غير أنه في ملكه) ش: لم يزل عنه.
م: (ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك) ش: لأنه ليس يتعرض للصيد فإن وجوب الجزاء لو كان باعتبار الملك ينبغي أن يجب الجزاء أرسل أو لم يرسل ولا يقول به أحد، فإن أرسله لا ينعدم ملكه. م: (وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع) ش: أي لا يضيع الملك؛ لأن إضافة المال حرام فيرسله في بيت أو يودعه عنه إنسان.

م: (قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد:. م: (وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف) ش: لأن الإرسال واجب عليه. م: (ناه عن المنكر) ش: لأن الإرسال حرام عليه، فكان مقيمًا للحسنة فلا

(4/410)


{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (91 التوبة) . وله أنه ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما، فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه، بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام؛ لأنه لم يملكه. والواجب عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا، ونظيره الاختلاف في كسر المعازف.
وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق؛ لأنه لم يملكه بالأخذ، فإن الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (96 المائدة) ، فصار كما إذا اشترى الخمر، فإن قتله محرم آخر في يده فعلى كل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون ضامنًا، قال تعالى. م: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (التوبة: الآية 91) ش: لأنه فعل ما فعله طلبًا لرضا الله تعالى، وما لأحد سبيل إلى منع المحسن من إحسانه.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أنه) ش: أي المحرم. م: (ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما) ش: أي معصومًا. م: (فلا يبطل احترامه بإحرامه) ش: كما في سائر أمواله. م: (وقد أتلفه المرسل فيضمنه) ش: بالإتلاف. م: (بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام) ش: لأن محرم العين على المحرم فلا يضمن المرسل. م: (لأنه) ش: أي لأن الآخذ. م: (لم يملكه) ش: أي لم يملك الصيد. م: (والواجب عليه) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال سلمنا أنه ملكه ملكًا محترمًا، ولكن وجب إخراجه من الملك تركًا للتعرض الواجب الترك فأجب بقوله الواجب عليه. م: (ترك التعرض) ش: لا الإخراج عن ملكه. م: (ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا) ش: فيضمنه. م: (ونظيره الاختلاف في كسر المعازف) ش: لأنه آمر بالمعروف ناه عن المنكر، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الضمان؛ لأنه مملوك لصاحبه كما إذا قتل الجارية المغنية خطأ تجب قيمتها غير مغنية والمعازف الملاهي، قال ابن دريد: قال قوم من أهل اللغة: هو اسم يجمع العود والطنبور وأشباههما. وقال آخرون: بل المعازف التي استخرجها أهل اليمن في ديوان الأدب المعزف ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن.

م: (وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه. م: (لأنه) ش: أي لأن المحرم. م: (لم يملكه) ش: أي الصيد. م: (بالأخذ) ش: ملكًا محترمًا. م: (فإن الصيد لم يبق محلا للتمليك) ش: لأن الحرمة أضيفت إلى العين. م: (في حق المحرم؛ لقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ش: (المائدة: الآية 96) أي محرمين. م: (فصار كما إذا اشترى الخمر) ش: يعني إذا اشترى المسلم الخمر لا يملكها، فإذا أتلفها آخر لا ضمان عليه؛ لأنها حرام لعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حرمت الخمرة لعينها» فكذا إذا أرسل صيد المحرم؛ لأن الصيد حرام عليه لعينه، فلا يجب الضمان.
م: (فإن قتله محرم آخر في يده) ش: أي في يد المحرم. م: (فعلى كل واحد منهما) ش: أي من

(4/411)


جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك، والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا، ويرجع الآخذ على القاتل، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه فلا يرجع على غيره. ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به، فهو بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان عليه كالغاصب.
فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآخذ والقاتل. م: (جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك) ش: أي التعرض الموجب لتفويت الأمن. م: (والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا) ش: لأنهم يضمنون بما قرروا بشهادتهم ما كان على شرف السقوط بتمكين الزوج على ما عرف. م: (ويرجع الآخذ على القاتل) .
ش: فإن قلت: ليس للآخذ في الصيد ملك ولا يد محترمة، فكيف يرجع على القاتل، فالضمان يجب بأحد هذين الأمرين.
قلت: يده على الصيد معتبرة بحق الآخذ؛ لأنه يتمكن من إرساله وإسقاط الجناية عن نفسه فالقاتل صار مفوتًا هذه اليد، فيضمن إن لم يملكه الآخذ كغاصب المدبر إذا قتله إنسان في يده فأدى الغاصب ضمانه، فإنه يرجع على القاتل بقيمته كما لو ملكه وإن كان المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى ملك.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه) ش: وهو تعرضه للصيد الآمن فلا يرجع على غيره؛ لأنه يستلزم تنزيل الراجع منزلة المالك بواسطة الضمان والصيد غير قابل للملك في حق المحرم. م: (فلا يرجع على غيره) ش: كمسلم غصب خنزير ذمي فأتلفه من يده آخر فأخذ الذمي من الغاصب لم يرجع الغاصب على المتلف بشيء، فكذا هذا.
م: (ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به) ش: أي بالأخذ. م: (فهو) ش: أي القاتل. م: (بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون) ش: أي قتله. م: (في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان) ش: أي يضاف الضمان. م: (عليه) ش: أي إلى القاتل. م: (كالغاصب) ش: أي إذا أتلف المغصوب وضمنه الغاصب، فإن حصل الضمان يستقر عليه، والجواب عما استشهد به زفر أن غاصب الخنزير أثبت له يد محترمة؛ لأن خروجه عن محل التمليك لإهانته، بخلاف الصيد؛ لأن ذلك فيه زيادة احترام في حق المحرم بإحرامه لحرمة الأذى، فبقيت له يد محترمة، وإن لم يثبت له ملك.

[قطع حشيش الحرم وشجره]
م: (فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته) ش: الواو فيه للحال. اعلم أن ما زرعه الإنسان وشجر الحرم أنواع أربعة؛ إما أن يكون من جنس ما

(4/412)


إلا فيما جف منه؛ لأن حرمتهما تثبت بسبب الحرم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ، ولا يكون للصوم في هذه القيمة مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال على ما بينا،
ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينبته الناس كالجوز واللوز والتفاح والكمثرى ونحوها، أو من جنس ما لا ينبتونه كشجر أم غيلان والأثل وكل واحد منهما إما أن ينبت بنفسه أو ينبته الناس فينبت، ولا يجب الجزاء إلا في نوع واحد وهو الذي ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس، ولا شيء في الأنواع الثلاثة؛ لأنها لا تنبت للحرم بل إلى المنبت؛ لهذا تملك بالإنبات فكانت أهلية ولم تكن حرمية.
وفي " المبسوط " حرمة شجر الحرم كحرمة صيده فإن صيده يأكل منها ويأوي إليها ويستظل بظلها ويتخذ الوكر على أغصانها، ويسكن إليها في الحر والمطر كالكهوف، وما ينبته الناس عادة فهو لهم، والناس يزرعون في الحرم ويحصدونه من عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير نكير.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بما أنبته الناس في الحرم من النخل والشجر كما في البقول والزروع، وهو قول أبي الخطاب وابن عقيل من الحنابلة. وقال القاضي منهم: يجب الجزاء، وهو قول الشافعي في الجزاء في الشجر بكل حال، وهو المذهب عنده فأوجب في الدوحة وهي الشجرة العظيمة بقرة، ورووه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وليس له صحة، وضعفه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي أصغر من ذلك شاة والكبيرة بالبقرة والصغيرة بالشاة عند الشافعي وابن حنبل، ولا أصل له إلا ما روي عن عطاء والشافعي لا نقله الصحابة، وقلد الشافعي فيه مع مخالفة الأصول. وعن بعض السلف أنه أوجب في الدوحة بدنة، وعن عبد الله وابن المنذر وابن أبي نجيح في الدوحة سبعة دنانير أو ستة دنانير، وقال مالك وأبو ثور وداود الظاهري وابن المنذر: لا ضمان في شجر الحرم ولا في حشيشه كقطع المحرم في الدليل، وهو قول الشافعي في القديم. وقال في الجديد: يلزمه الجزاء، وبه قال أحمد، لكن الجزاء عند الشافعي في الدوحة بقرة كما قلنا عن قريب، وفيما دونها شاة وفي الصغيرة القيمة والمعتبر فيها أن تكون سبعة للعظيمة. وقال ابن المنذر: لا أجد دليلًا فيه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
م: (إلا فيما جف منه) ش: استثناء من قوله: فعليه قيمته، يعني لا يجب عليه شيء في قطع ما جف منه، أي يبس. م: (لأن حرمتهما) ش: أي حرمة حشيش الحرم وحرمة شجره. م: (تثبت بسبب الحرم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ش: هذا الحديث قد مر. م: (ولا يكون للصوم في هذه القيمة) ش: أي قيمة شجر الحرم وحشيشه. م: (مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال) ش: لا ضمان الفعل كما في صيد الحرم. م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان من ضمان المحال.

م: (ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها) ش: أي إذا أدى القاطع قيمة قيمة الشجر إلى الفقراء. م:

(4/413)


ملكه كما في حقوق العباد.
ويكره بيعه بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله، إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة، بخلاف الصيد، والفرق ما نذكره. والذي ينبته الناس عادة عرفناه غير مستحق للأمن بالإجماع؛ ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات. وما لا ينبت عادة إذا أنبته إنسان التحق بما ينبت عادة. ولو نبت بنفسه في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى ضمانا لمالكه كالصيد المملوك في الحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ملكه) ش: أي ملك الشجر. م: (كما في حقوق العباد) ش: كالغاصب إذا أدى قيمة المغصوب إلى مالك ملك المغصوب.
فإن قلت: في المقيس عليه تحصل المعاوضة، وفي المقيس لا تحصل.
قلت: تحصل المعاوضة في المقيس أيضًا؛ لأن الفقير نائب عن الله تعالى، وقد ملك العوض، فيملك القاطع المعوض وهو الشجر.

م: (ويكره بيعه) ش: أي بيع الحشيش والشجر. م: (بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله) ش: ولا يبقى أشجار الحرم، وفي ذلك إلحاق صيد الحرم. م: (إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة) ش: لأنه ملكه بالضمان. م: (بخلاف الصيد) ش: يعني لا يجوز بيع الصيد بعد أداء القيمة أصلًا. م: (والفرق ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وهو قوله لأن بيعه جائز تعرض للصيد إلا من يقف عليه بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر شطرًا.
م: (والذي ينبته الناس عادة) ش: متصل بقوله وهو ما ينبته الناس. م: (عرفناه غير مستحق الأمن بالإجماع) ش: لأن الناس يزرعون في الحرم ويحصدون فيه من عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد. م: (ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم) ش: أي الذي يحرم قطعه هو الشجر الذي ينبت إلى الحرم. م: (والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات) ش: أي بإنبات أحد. م: (وما لا ينبت) ش: على صيغة المجهول. م: (عادة) ش: أي من حيث العادة. م: (إذا أنبته إنسان التحق بما ينبته عادة) ش: أراد بالالتحاق أن لا يجب بقطعه شيء بحرمة الحرم.
م: (ولو نبت بنفسه) ش: أي لو نبت ما لا ينبت عادة كأم غيلان بلا إنبات أحد. م: (في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى) ش: أي تجب قيمة أخرى. م: (ضمانا) ش: أي للضمان. م: (لمالكه كالصيد المملوك في الحرم) ش: حيث يجب فيه قيمتان: إحداهما لحرمة الحرم والأخرى لصاحب الصيد.
فإن قيل: النبات يملك بالأخذ، فكيف تجب القيمة بعد ذلك. وأجيب بأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار» ، محمول على خارج الحرم، وأما حكم الحرم فبخلافه؛ لأنه حرام التعرض بالنص كصيده.

(4/414)


وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام. ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالرعي؛ لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا، والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل، وحمل الحشيش من الحل ممكن فلا ضرورة فيه، بخلاف الإذخر؛ لأنه استثناه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: الحرم غير مملوك لأحد، فكيف يتصور قوله - وقيمة أخرى ضمانًا لمالكه - وأجيب بأنه على قول من يرى بملك أرض الحرم، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -.

م: (وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام) ش: لأنه لو وجب الضمان فيه لتضرر أهل الحرم في إيقاد النار؛ لأن ما جف بمنزلة الميت من الصيد. م: (ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر) ش: وهو نبت بمكة معروف، وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وفي " المحلى " لا يحل لأجل قطع شيء من شجر الحرم ولا شوكه ولا من حشيش حاشًا الإذخر، واستثنى مالك والشافعي - رحمهما الله - السنا أيضًا. قال: وهو خلاف أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجب الضمان بإتلاف الشجر، وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء، وبه قال مالك، والشافعي، وابن حنبل، ويحرم قطع الشجر والعوسج وبه قال مالك، وابن حنبل، وعطاء. وعن مجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي: لا يحرم، وهو مردود بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «لا يعضد شوكها» في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في " الصحيحين ".
وقال الشافعي: لا قطع في الشجرة المؤذية كقتل الصيد المؤذي وهو قياس بعيد في مقابلة النص فهو فاسد الوضع، كاستدلال الشافعية بخبر الواحد فيما تعم به البلوى، واختار المتولي منهم أنه مضمون، وقطع إمام الحرمين، والغزالي، إلى أن تحريم الشجرة مما لا ينبته الناس.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالرعي) ش: وبه قال الشافعي، ومالك. م: (لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يختلى خلالها» . م: (والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل) ش: هذا جواب عما يقال النص في القطع لا في الرعي، والمشافر جمع مشفرة، ومشفر البعير كالجحفلة من الفرس، والشفر من الإنسان، والمناجل جمع منجل بكسر الميم، وهو الحديد الذي يحصد به الزرع. م: (وحمل الحشيش من الحل ممكن) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فيه ضرورة تقريره سلمنا أن النص في القطع لا في الرعي، لكن لا نسلم الضرورة؛ لأن حمل الحشيش من الحل إلى خارج الحرم ممكن. م: (فلا ضرورة، بخلاف الإذخر) ش: هذا جواب أيضًا عما يقال: ما بال الإذخر لم يحرم رعيه، ولا ضرورة فيه، فأجاب بقوله: بخلاف الإذخر.
م: (لأنه) ش: أي لأن الإذخر. م: (استثناه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وهو في حديث طويل أخرجه الأئمة

(4/415)


فيجوز قطعه ورعيه، وبخلاف الكمأة؛ وذلك لأنها ليست من جملة النبات،
وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دم واحد بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده، وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل. قال: إلا أن يتجاوز الميقات غير محرم بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الستة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما فتح الله على رسوله مكة..» الحديث، وقد ذكرناه عن قريب. وفي آخره: الإذخر. م: (فيجوز قطعه ورعيه) ش: لاستثناء الشارع في أمره. م: (وبخلاف الكمأة) ش: معطوف على قوله بخلاف الإذخر. م: (وذلك لأنها ليست من جملة النبات) ش: إنما هو شيء مزروع في الأرض ينبت من ماء السماء لا من الأرض في النبات ينبت من الأرض ومائها، كذا قال في " الكافي "، والكمأة بفتح الكاف، وسكون الميم، وفتح الهمزة جمع كم على عكس ثمرة.
فإن قيل: النص عام، وقد خص منه الإذخر بالنص أو الإجماع، فلم لا يجوز تخصيصه بغير الرعي والضرورة.
قلنا: الإذخر خص بالاستثناء المتصل، والكمأة تداخله، فلا يجوز تخصيصه المتراخي يجوز عند بعض أصحابنا، كذا قيل. وفي " المبسوط "، و" البدائع ": تأويل الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من قصد فيه الاستثناء، فسبقه العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو كان أوحي إليه أنه يرخص فيما سبقه العباس، أو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عممه، فجاء جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرخصة، فقال: «إلا الإذخر» .

م: وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا) ش: يعني من الجنايات. م: أن فيه على المفرد دما فعليه) ش: أي على القارن. م: (دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دم واحد) ش: أي عليه دم واحد، وبه قال مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه. م: (بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده) ش: لأن إحرام العمرة داخل في إحرام الحجة عنده، حتى إن القارن يطوف طوافًا واحدًا ويسعى سعيين.
م: (وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل) ش: أراد به ما ذكره بقوله: في باب القران الاختلاف بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين ويسعى سعيين، وعنده طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا.
م: (إلا أن يتجاوز) ش: وفي بعض النسخ، قال: أي القدوري. م: (إلا أن يتجاوز القارن) ش: وفي بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يجاوز من باب المفاعلة، والأول من باب التفاعل وهذا استثناء من قوله: فعليه دمان، إلا في هذه المسألة، وفيه نظر؛ لأن للقارن دمان، أي على القارن دمان في كل موضع يجب فيه على المفرد دم إلا في صورة واحدة، وهي أن يجاوز. م: (الميقات غير محرم) ش: أي حال كونه غير محرم. م: (بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد) ش: وفي

(4/416)


خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد، وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد.
وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية. وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد باتحاد المحل، كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعض النسخ يلزمه لذلك الدم دم واحد. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وليس في الأصول معنى يجب على المفرد دم، وعلى القارن دم، إلا في هذه المسألة ففيه نظر؛ لأن القارن إذا أفاض قبل الإمام عليه دم واحد، وكذا إذا أدى طواف الزيارة جنبًا، أو محدثًا، وقد رجع إلى أهله يجب عليه دم واحد، وكذلك إذا وقف القارن بعرفة ثم قتل صيدًا. م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب عليه دمان.
م: (لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد) ش: هذا تعليل لنا لا لزفر، أي الواجب عليه عند عبور الميقات أحد الإحرامين هو إحرام واحد للعمرة. م: (وبتأخير واجب واحد، لا يجب إلا جزاء واحد) ش: ألا ترى أنه لو أحرم بالعمرة عند الميقات، ثم جاوز، ثم أحرم بالحج لا شيء عليه مع أنه قارن، بخلاف سائر المحظورات، فإنه صار بجنايته مرتكبًا به محظورة إحرامين، فيدخل النقص فيهما، وهاهنا ليس كذلك، وكذا لو أهل بعمرته بعدما جاوز ثم أهل بحجته بمكة فعليه دم واحد بتأخيره إحرام العمرة.

م: (وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل) ش: وهو قول الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري، وبه قال مالك، والمتولي من الشافعية، وهو رواية عن أحمد، واختيار أبي بكر من الحنابلة. وعن ابن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وطاووس، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، أن عليهما جزاء واحد. م: (لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية) ش: الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: هو ضمان المحل، والمحل واحد، ونحن نقول: هو ضمان الفعل، والفعل متعدد.
م: (وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد) ش: أي الجزاء. م: (باتحاد المحل) ش: والمحل واحد، والجزاء واحد على كل واحد منهما نصف قيمة الصيد، وإن كانوا أكثر من ذلك ضم الضمان على عددهم. م: (كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة) ش: لأنه لا ضمان المحل. م: (وعلى كل واحد منهما كفارة) ش: لأنها ضمان الفعل.

(4/417)


وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة. ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي. وأولادها فعليه جزاؤهن؛ لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا، ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الأولاد. فإن أدى جزاءها ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه) ش: أي اشتراه. م: (فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا) ش: أي لأن بيع المحرم الصيد حال كونه حيًا. م: (تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة) ش: وكلاهما باطل فيكون البيع باطلًا. وقال الناطقي: لو اشترى، أو باع حال إحرامه الصيد، نقض الحاكم البيع، وإن قبضه المشتري فاستهلكه، والبائع محرم، والمشتري حلال، فعلى البائع قيمة الصيد للكفارة، ولا ضمان عليه للبائع إن كان صاده حال إحرامه، وإن صاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه حال إحرامه فعلى المشتري قيمته للبائع. م: (ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي وأولادها فعليه جزاؤهن) ش: أي جزاء الأم والأولاد. م: (لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا) ش: يعني بعد إخراجه من الحرم متصف بوصف شرعي وهو الأمن. وإذا كان كذلك بقي مستحقًا بأن يكون آمنًا من جهة الشرع، ولقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] (آل عمران: الآية 97) ، فبقي معه هذا الوصف.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه الأمن شرعًا. م: (وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية) ش: أي كون الصيد واجب الرد إلى المأمن، أي إلى موضع أمانه، وهو الحرم صفة شرعية. م: (فتسري إلى الأولاد) ش: يعني يثبت وجوب الرد إلى الحرم في الأولاد أيضًا؛ لأن الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد، كالحرية، والكتابة، والتدبير.
فإن قلت: ينتقض هذا بولد المغصوبة، فإنها واجب الرد، ولم يسر إلى والدها.
قلت: صفة المغصوبية ليست بصفة شرعية فلا يتعدى إلى الولد.
فإن قلت: المضمونية صفة شرعية، فينبغي أن تتعدى.
قلت: هي صفة غير لازمة، فلا تسري، بخلاف التدبير وغيره، فإنه صفة لازمة، وفي " جامع قاضي خان ": إن سبب وجوب الضمان في المغصوب تفويت اليد، ولم يوجد ذلك في الأولاد لا حقيقة، ولا حكمًا؛ لأن المالك لم يطالب الأولاد حتى إذا طالبه وامتنع كان ضامنًا، أما حق الرد لله تعالى في كل ساعة، فإذا لم يرد ومنع كان ضامنًا من وقت المنع.
م: (فإن أدى جزاءها) ش: أي جزاء الظبية. م: (ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة) ش: أي مستحقة الأمن، فحينئذ لم تبق الأولاد مستحقة للأمن

(4/418)


لأن وصول الخلف كوصول الأصل، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضًا لحدوثها على ملكه خارج الحرم، وهو معنى قوله. م: (لأن وصول الخلف) ش: وهو القيمة إلى الفقراء. م: (كوصول الأصل) ش: وهو الصيد إلى الحرم، ألا ترى أنه لو غصب جارية فأدى قيمتها ثم ولدت أولادًا فاستهلكها وأولادها لا يجب عليه شيء فكذا هاهنا، كذا في " الجامع المحبوبي " وكذا فسر الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: لأن وصول الخلف كوصول الأصل، وقيد بقوله: لأن وصول قيمة الصيد إلى فقراء مكة، بمنزلة وصول الصيد إلى الحرم.
وقال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه يجوز أن يصرف القيمة إلى فقراء مكة وغيرهم عندنا، فإذا أدى الجزاء إلى غيرهم يسقط أيضًا مع أنه لم يصل الخلف إلى فقرائها، فلا يستقيم التعليل بأن وصول الخلف إلى فقراء مكة كوصول الأصل إلى الحرم، انتهى.
قلت: فنظيره غير موجه، فلا يرد شيء على المصنف، ولا على الشيخ حميد الدين الضرير، أما المصنف فإنه أطلق هو، ويشمل الوصول إلى فقراء مكة، والى غير فقرائها، وقال الشيخ حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإنه قيده باعتبار الغالب، والله أعلم الصواب.

(4/419)