البناية شرح الهداية

باب مجاوزة الوقت بغير إحرام وإذا أتى الكوفي بستان بني عامر فأحرم بعمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب مجاوزة الميقات بغير إحرام]
م: (باب مجاوزة الوقت بغير إحرام) ش: أي: هذا باب في بيان حكم من جاوز الميقات بغير إحرام، ولما فرغ من بيان حكم الجناية الواقعة بعد الإحرام شرع في باب الجناية الواقعية قبل الإحرام، فاشتركا في معنى الجناية، لكن لما كانت الجناية بعد الإحرام على الكمال قدم بيانها على هذا الباب، والمجاوزة من باب المفاعلة التي تكون بين الاثنين، ولكنها بمعنى الجواز كما في قوله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) بمعنى أسرعوا الوقت، قال في " الجمهرة ": الوقت معروف اسم واقع على الساعة في الزمان والحين، فعلى هذا يكون استعمال الوقت في معنى المكان مجازًا كما استعمل المكان في معنى الزمان مجازًا في قَوْله تَعَالَى: {هُنَالِكَ دَعَا} [آل عمران: 38] (آل عمران: الآية 38) .
وقال الجوهري: الوقت معروف، والميقات الوقت المضروب للفعل والموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه فعلى هذا يكون إطلاق الميقات على مكان الإحرام حقيقة لاستعمال أهل اللغة الميقات في معنى المكان. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يخلو من تأمل، وقال الأكمل ناقلًا عن غيره:
فإن قيل: كان الواجب أن لا يجب على من جاوز الميقات بغير إحرام شيء؛ لأن المحرم للأشياء الموجبة للكفارة هو الإحرام، والإحرام غير موجود في ذلك الوقت.
فالجواب: أن من جاوز الميقات بغير إحرام ارتكب المنهي عنه، وتمكن به في حجه نقصان، ونقصانه يجبر بالدم إلا إذا تدارك ذلك في أوانه بالرجوع إلى الميقات ملبيًا قبل أن يطوف، انتهى.
قلت: مذهب الحسن البصري، والنخعي، أن الإحرام من الميقات غير واجب، فلا يجب عليه شيء إذا جاوز الميقات بغير إحرام.
وفي " المبسوط ": ولو جاوزه وأحرم انعقد إحرامه إلا عند سعيد بن جبير فإنه قال: لا ينعقد إحرامه، فإن رجع إلى الميقات قبل التلبس بأفعال الحج بالإحرام سقط عنه الدم عند أكثر العلماء.

[الحكم لو جاوز الكوفي ذات عرق بلا إحرام]
م: (وإذا أتى الكوفي) ش: أي الرجل من أهل الكوفة. م: (بستان بني عامر) ش: هو موضع قريب من مكة داخل الميقات خارج الحرم. م: (فأحرم بعمرة) ش: يعني المسألة ما إذا جاوز ذات عرق بلا إحرام، ودخل البستان، وكان من نيته الحج أو العمرة؛ لأنه لو لم يكن من ذلك، ولم يرد دخول مكة في أوان الميقات ثم أنشأ الإحرام لم يجب عليه شيء لحرمة الوقت، وذات عرق

(4/420)


فإن رجع إلى ذات عرق ولبى بطل عنه دم الوقت، وإن رجع إليه ولم يلب حتى دخل مكة وطاف لعمرته فعليه دم، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن رجع إليه محرما فليس عليه شيء لبى أو لم يلب. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يسقط لبى أو لم يلب؛ لأن جنايته لم ترتفع بالعود، وصار حكمه كما إذا أفاض من عرفات ثم عاد إليه بعد الغروب. ولنا أنه تدارك المتروك في أوانه، وذلك قبل الشروع في الأفعال فيسقط الدم، بخلاف الإفاضة؛ لأنه لم يتدارك المتروك على ما مر. غير أن التدارك عندهما بعوده محرما؛ لأنه أظهر حق الميقات كما إذا مر به محرما ساكنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ميقات أهل العراق، وقال القرطبي: ذات عرق عليه، أو عصية بينهما وبين مكة يومان، وبعض يوم.
م: (فإن رجع) ش: أي محرمًا قيدنا به؛ لأنه إذا رجع قبل الإحرام، وأحرم من الميقات لا شيء عليه عندنا، وعند الشافعي. م: (إلى ذات عرق) ش: التخصيص بذات عرق لظاهر حال الكوفي، وإلا فالرجوع إليه وإلى غيره من المواقيت سواء في ظاهر الرواية في سقوط الدم. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: ينظر أنه إن عاد إلى ميقات آخر، وذلك الميقات يحاذي الميقات الأول سقط الدم، وإلا فلا. م: (ولبى بطل عنه دم الوقت) ش: أي دم الميقات.
م: (وإن رجع إليه ولم يلب حتى دخل مكة، وطاف لعمرته فعليه دم، وهذا) ش: أي هذا المذكور بالتفصيل. م: (قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقالا: إن رجع إليه) ش: أي إلى الميقات حال كونه. م: (محرما فليس عليه شيء لبى أو لم يلب) ش: وبه قال الشافعي في قول. م: (وقال زفر: لا يسقط لبى أو لم يلب) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، والشافعي في قول. م: (لأن جنايته لم ترتفع بالعود) ش: جنايته هو ترك الإحرام من الميقات فلا يرجع بعوده إلى الميقات؛ لأن بالعود الواجب عليه إنشاء تلبية واجبة عند الميقات، ووجوب التلبية عند الإحرام لا بعده.
م: (وصار حكمه كما إذا أفاض من عرفات ثم عاد إليه بعد الغروب. ولنا أنه تدارك المتروك في أوانه) ش: أي في أوان المتروك، والمتروك قضاء حق الفائت. م: (وذلك) ش: أي أوان المتروك. م: (قبل الشروع في الأفعال) ش: أي في أفعال الحج. م: (فيسقط الدم، بخلاف الإفاضة) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا أفاض، أراد أن قياسه عليه غير صحيح. م: (لأنه لم يتدارك المتروك) ش: لأن المتروك هنا استدامة الوقوف إلى غروب الشمس، وبالعدة لم يحصل ذلك. م: (على ما مر) ش: أي في الجنايات. م: (غير أن التدارك عندهما) ش: أشار به إلى أن التدارك هل يحصل بمجرد العود، أو مع التلبية، فقال: إن التدارك عندهما أي عند أبي يوسف، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (بعوده) ش: خلاف كونه محرمًا؛ لأنه أظهر حق الميقات وهو مجاوزته. م: (محرما؛ لأنه أظهر حق الميقات كما إذا مر به) ش: أي بالميقات حال كونه. م: (محرما ساكنا) ش: فلا يلزمه

(4/421)


وعنده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بعوده محرما ملبيا؛ لأن العزيمة في حق الإحرام من دويرة أهله، فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية وكان التلافي بعوده ملبيا، وعلى هذا الخلاف إذا أحرم بحجة بعد المجاوزة مكان العمرة في جميع ما ذكرناه. ولو عاد بعدما ابتدأ بالطواف، واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق، ولو عاد إليه قبل الإحرام يسقط عنه بالاتفاق. وهذا الذي ذكرناه إذا كان يريد الحج أو العمرة، فإن دخل البستان لحاجته فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ووقته البستان، وهو وصاحب المنزل سواء؛ لأن البستان غير واجب التعظيم فلا يلزمه الإحرام بقصده، وإذا دخله التحق بأهله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيء، وكلاهما حالان مترادفان، أو متداخلان.
م: (وعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (بعوده) ش: أي التدارك بعوده حال كونه. م: (ملبيا) ش: كلاهما أيضًا حالان مثل ذاك. م: (لأن العزيمة) ش: أي الميقات. م: (في حق الإحرام من دويرة أهله) ش: أي لأن الأخذ بما أوجب الله عليه في الإحرام أن يكون من دويرة أهله في حق الآفاقي، قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) على ما مر فيما مضى.
م: (فإذا ترخص بالتأخير) ش: أي بتأخير الإحرام. م: (إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية) ش: أي قضاء حق الميقات بالإتيان بالتلبية. م: (وكان التلافي بعوده ملبيا) ش: أي بالتدارك في عوده إلى الميقات حال كونه ملبيًا فإذا عاد ملبيًا فقد أتى بجميع المستحق عليه. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور. م: (إذا أحرم بحجة بعد المجاوزة) ش: عن الميقات. م: (مكان العمرة في جميع ما ذكرناه) ش: من الأشياء.
م: (ولو عاد) ش: على الميقات. م: (بعدما ابتدأ بالطواف، واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق) ش: أي باتفاق علمائنا، والشافعي في قول، ومالك، وأحمد، والفاء في فاستلم تفسيرًا للشروع في الطواف لبيان المعتبر في ذلك الشرط، وإن عاد قبله فعلى الخلاف المذكور. م: (ولو عاد إليه) ش: أي إلى الميقات. م: (قبل الإحرام يسقط عنه بالاتفاق) ش: وذلك لأنه استثناء التلبية الواجبة عند ابتداء الإحرام. م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: من الأحكام. م: (إذا كان يريد الحج أو العمرة، فإن دخل البستان لحاجته فله أن يدخل مكة بغير إحرام) ش: كما يجوز للبستاني. م: (ووقته) ش: أي ميقاته. م: (البستان، وهو وصاحب المنزل سواء؛ لأن البستان غير واجب التعظيم) ش: إذ ليس فيه ما يوجب التعظيم. م: (فلا يلزمه الإحرام بقصده) ش: أي البستان.
م: (وإذا دخله) ش: أي البستان. م: (التحق بأهله) ش: أي بأهل البستان سواء نوى الإقامة خمسة عشر يومًا، أو لم ينو، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو نوى الإقامة خمسة عشر يومًا فالجواب على ما ذكر، يعني إن نوى أن يقيم به خمسة عشر يومًا جاز له أن يدخله مكة بغير

(4/422)


وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له ذلك. والمراد بقوله: ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم وقد مر من قبل، فكذا وقت الداخل الملتحق به، فإن أحرما من الحل ووقفا بعرفة لم يكن عليهما شيء يريد به البستاني والداخل فيه؛ لأنهما أحرما من ميقاتهما.
ومن دخل مكة بغير إحرام، ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت، وأحرم بحجة عليه أجزأه ذلك من دخوله مكة بغير إحرام وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز، وهو القياس اعتبارا بما لزمه بسبب النذر، وصار كما إذا تحولت السنة. ولنا أنه تلافى المتروك في وقته؛ لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة بالإحرام، كما إذا أتاه محرما بحجة الإسلام في الابتداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إحرام؛ لأنه صار وطنًا له، وإن لم ينو الإقامة فلا يجوز له دخول مكة بغير إحرام؛ لأنه ليس من أهله فلا يعتبر.

[دخول البستاني مكة بغير إحرام]
م: (وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له ذلك) ش: أي الذي دخل البستان لحاجته أن يدخل مكة بغير إحرام، كما يجوز للبستاني؛ لأنه التحق بأهل البستان. م: (والمراد بقوله) ش: أي بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". م: (ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم وقد مر من قبل) ش: أراد به ما ذكره في فصل المواقيت بقوله: ومن كان داخل الميقات فوقته الحل، معناه: الحل الذي بين المواقيت وبين الحرم. م: (فكذا) ش: أي فكذا يكون. م: (وقت الداخل) ش: أي ميقاته. م: (الملتحق به) ش: أي بالبستاني. م: (فإن أحرما) ش: أي البستاني والملتحق به. م: (من الحل ووقفا بعرفة لم يكن عليهما شيء) ش: لأنهما بالميقات على ما يجيء الآن. م: (يريد به البستاني والداخل فيه) ش: أي في البستان. م: (لأنهما أحرما من ميقاتهما) ش: وهو الحل.

[دخل مكة بغير إحرام ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت وأحرم بحجة]
م: (ومن دخل مكة بغير إحرام، ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت) ش: أي إلى الميقات. م: (وأحرم بحجة عليه) ش: يعني حجة الإسلام، أو حجة منذورة، أو عمرة منذورة. م: (أجزأه ذلك) ش: عما لزمه. م: (من دخوله مكة بغير إحرام) ش: يعني يسقط عنه ما وجب عليه من العمرة أو الحجة بسبب دخول مكة بغير إحرام، وذكر في " الإيضاح "، و" شرح الأقطع "، و" شرح مختصر الكرخي " غيرها. م: (وقال زفر: لا تجوز، وهو القياس اعتبارا بما لزمه بسبب النذر) ش: فإنه إذا كان عليه حجة، وجبت بالنذر، وحج حجة الإسلام فإنه لا يسقط بها المنذورة فكذلك هاهنا، والجامع أن كل واحدة منهما واجبة بسبب غير سبب الأخرى. م: (وصار ذلك كما إذا تحولت السنة) ش: التي دخل فيها مكة ثم حج فإنه لا يقوم مقام ما لزمه بدخول مكة بلا خلاف.
م: (ولنا أنه تلافى) ش: أي تدارك. م: (المتروك في وقته) ش: وهو السنة التي دخل فيها مكة. م: (لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة) ش: أي الكعبة. م: (بالإحرام) ش: يعني لما انتهى إلى الميقات كان حقه أن يجاوزه بإحرام يؤدي أفعاله في تلك السنة لا في سنة أخرى. م: (كما إذا أتاه) ش: أي البقعة التي هي مكة حال كونه. م: (محرما بحجة الإسلام في الابتداء) ش: يعني من أول الأمر، فإنه يجزئه

(4/423)


بخلاف ما إذا تحولت السنة؛ لأنه صار دينا في ذمته، فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور، فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني.
ومن جاوز الوقت فأحرم بعمرة، وأفسدها مضى فيها وقضاها؛ لأن الإحرام يقع لازما فصار كما إذا أفسد الحج، وليس عليه دم لترك الوقت، وعلى قياس قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط عنه، وهو نظير الاختلاف في فائت الحج إذا جاوز الوقت بغير إحرام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن حجة الإسلام التي نوى، وعما لزمه بدخول مكة. م: (بخلاف ما إذا تحولت السنة؛ لأنه صار دينا في ذمته) ش: بمضي وقت الحج. م: (فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود) ش: أي قصدي. م: (كما في الاعتكاف المنذور) ش: أي كما إذا نذر أن يعتكف شهر رمضان هذا. م: (فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني) ش: يعني إذا لم يعتكف شهر رمضان الذي نذر فيه الاعتكاف حتى جاز رمضان العام الثاني فصامه فاعتكف فيه قضاء عما عليه لم يعتكف؛ لأنه لما لم يعتكف في الرمضان الأول، صار الصوم مقصودًا، فلم يتأد إلا بصوم مقصود، كذا هذا.
فإن قيل: سلمنا أن الحج يتحول إلى السنة، ويصير دينًا، ولكن لا نسلم أن العمرة تصير دينًا؛ لأنها موقتة فينبغي أن تسقط العمرة الواجبة بدخول مكة بغير إحرام بالعمرة المنذورة في السنة الثانية، كما تسقط هي بها في السنة الأولى.
أجيب بأنه لا شك أن العمرة يكره تأخيرها إلى أيام النحر والتشريق، فإذا أخرها إلى وقت يكره صار كالمعقول لها، فصارت دينًا.

[جاوز الوقت فأحرم بعمرة وأفدسدها]
م: (ومن جاوز الوقت) ش: أي الميقات. م: (فأحرم بعمرة، وأفسدها) ش: أي العمرة أفسدها بجماع. م: (مضى فيها وقضاها) ش: أي العمرة ثم يقضيها. م: (لأن الإحرام يقع لازما) ش: أي لأنه عقد لازم لا يخرج الرغبة بعد الشروع فيهما إلا بأداء الأفعال، وأما القضاء فلأنه التزم الأداء على وجه الصحة، ولم يفعل. م: (فصار) ش: أي حكم هذا. م: (كما إذا أفسد الحج) ش: فإنه يقضيه فكذلك هذا. م: (وليس عليه دم لترك الوقت) ش: لأنه إذا فصلها بإحرام الميقات ينجبر به ما نقص من حق الوقت بالمجاوزة بغير إحرام، فيسقط عنه الدم كمن سها في الصلاة، ثم أفسدها ثم قضاها سقط عنه سجود السهو. م: (وعلى قياس قول زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يسقط عنه) ش: الدم لبى أو لم يلب؛ لأن جنايته لا ترتفع بالعود، وكذا إذا جاوز الميقات ثم أحرم بعمرة، ثم وجب عليه القضاء بالإفساد، ولا يسقط عنه الدم بالقضاء لعدم ارتفاع الجناية بالقضاء قياسًا على تلك المسألة.
م: (وهو نظير الاختلاف) ش: أي هذا الاختلاف بيننا وبين زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدم الواجب بالمجاوزة عن الميقات يسقط بالقضاء عندنا ولا يسقط عنده نظير الاختلاف الواقع. م: (في فائت الحج إذا جاوز الميقات بغير إحرام) ش: ثم أحرم بالحج وفاته الحج بفوات الوقوف بعرفات،

(4/424)


وفيمن جاوز الوقت بغير إحرام وأحرم بالحج ثم أفسد حجه. وهو يعتبر المجاوزة هذه بغيرها من المحظورات. ولنا أنه يصير قاضيا حق الميقات بالإحرام منه في القضاء، وهو يحكي الفائت ولا ينعدم به غيره من المحظورات فوضح الفرق.
وإذا خرج المكي يريد الحج، فأحرم ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة فعليه شاة؛ لأن وقته الحرم، وقد جاوزه بغير إحرام، فإن عاد إلى الحرم ولبى أو لم يلب فهو على الاختلاف الذي ذكرناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتحلل بأفعال العمرة، ووجب عليه القضاء من قابل يسقط الدم الواجب بالمجاوزة بغير إحرام لوجوب القضاء عندنا خلافًا له. م: (وفيمن جاوز الوقت) ش: عطفًا على قوله في فائت الحج، أي ونظير الاختلاف أيضًا بيننا وبينه فيمن جاوز الوقت، أي الميقات. م: (بغير إحرام وأحرم بالحج ثم أفسد حجه) ش: بالجماع قبل الوقوف بعرفات فوجب عليه المضي والقضاء، ويسقط عنه دم المجاوزة عندنا خلافًا له.
م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (يعتبر المجاوزة هذه) ش: أي يقيس المجاوزة هذه. م: (بغيرها) ش: أي بغير المجاوزة. م: (من المحظورات) ش: كالتطيب واللبس والحلق، فإن الدم الواجب فيها لا يسقط بقضاء الحج أو العمرة، فكذا هذا.
م: (ولنا أنه يصير قاضيا حق الميقات بالإحرام منه) ش: أي من الميقات في. م: (في القضاء، وهو) ش: أي القضاء. م: (يحكي الفائت) ش: فينعدم المعنى الذي لأجله وجب الدم، وهو أداء الواجب الحج بإحرام بعد مجاوزة الميقات. م: (ولا ينعدم به) ش: أي بالقضاء. م: (غيره) ش: أي غير هذا المحظور. م: (من المحظورات) ش: لأن الواجب بها النقصان يمكن في الإحرام الأول، والجبر لا يقع بأصل العبادة كسجدة في الصلاة يقع بها الجبر، وبأصل الصلاة لا يقع، أما هاهنا الدم وجب بترك أصل الإحرام من الوقت، وقد أتى بأصل الإحرام في الوقت في القضاء، فينوب عما ترك؛ لأن أصل الصلاة عن الأصل، أما الأصل فلا ينوب عن التبع، كذا في " المبسوط "، وهو معنى قوله. م: (فوضح الفرق) ش: أي بين ما نحن فيه، وبين ما قاس عليه زفر.

[خرج المكي يريد الحج فأحرم ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة]
م: وإذا خرج المكي) ش: يعني من الحرم حال كونه. م: يريد الحج، فأحرم) ش: يعني للحج. م: ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة فعليه شاة) ش: لأنه لما خرج عن الحرم ثم أحرم بالحج فصار كالآفاقي إذا جاوز الميقات ثم أحرم فوجب عليه شاة لزكى حرمة الميقات كما وجب على الآفاقي. م: (لأن وقته) ش: أي لأن ميقاته. م: (الحرم، وقد جاوزه بغير إحرام) ش: إذا قيد بقوله يريد الحج؛ لأنه لو خرج من الحرم لأجل حاجته ثم أحرم بحج لا شيء عليه عاد، أو لم يعد؛ لأنه لما خرج إلى ذلك الموضع لحاجة صار من أهله، ووقت أهله كذا في " جامع الأسبيجابي ".
م: (فإن عاد إلى الحرم ولبى أو لم يلب فهو على الاختلاف الذي ذكرناه) ش: يعني عند أبي حنيفة يسقط عنه الدم بالعود والتلبية عند الحرم، وعندهما يسقط بمجرد العود، وعند زفر لا

(4/425)


في الآفاقي.
والمتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم، فأحرم ووقف بعرفة فعليه دم؛ لأنه لما دخل مكة وأتى بأفعال العمرة صار بمنزلة المكي، وإحرام المكي من الحرم لما ذكرنا فيلزمه الدم بتأخيره عنه، فإن رجع إلى الحرم، فأهل فيه قبل أن يقف بعرفة فلا شيء عليه، وهو على الخلاف الذي تقدم في الآفاقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يسقط، وإن لبى. م: (في الآفاقي) ش: ذكره قبل هذا في إتيان الكوفي في بستان بني عامر، قيل: الصواب الأفقي؛ لأن الآفاق جمع أفق، فالنسبة تكون للمفرد دون الجمع، ولم يسمع في كتب اللغة الآفاقي، وعن الأصمعي وابن السكيت الأفقي بفتحتين.

[المتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم فأحرم ووقف بعرفة]
م: (والمتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم، فأحرم) ش: بالحج. م: (ووقف بعرفة فعليه دم) ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، وقيد فيه بالتمتع لأن إحرام القارن بحجة وعمرة ميقاتي فلا يرد هذا الحكم فيه. م: (لأنه لما دخل مكة، وأتى بأفعال العمرة صار بمنزلة المكي، وإحرام المكي من الحرم لما ذكرنا فيلزمه الدم بتأخيره عنه) ش: أي بتأخير الإحرام عن الوقت. م: (فإن رجع إلى الحرم، وأهل فيه) ش: أي أحرم، ولبى في الحرم. م: (قبل أن يقف بعرفة فلا شيء عليه، وهو على الخلاف الذي تقدم) ش: فيما مضى أن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسقط عنه الدم إذا لبى، وعندهما: لا تشترط التلبية. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط الدم في الحالين في الآفاقي إنما قال تقدم. م: (في الآفاقي) ش: فإن كان المتمتع أيضًا آفاقيًا؛ لأن المتمتع في آخر إحرام الحج كالمكي فافهم، والله أعلم، وبه التوفيق.

(4/426)


باب إضافة الإحرام إلى الإحرام قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف لها شوطا ثم أحرم بالحج فإنه يرفض الحج، وعليه لرفضه دم، وعليه حجة وعمرة. وقال أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله -: رفض العمرة أحب إلينا، وقضاها، وعليه دم لرفضها؛ لأنه لا بد من رفض أحدهما؛ لأن الجمع بينهما في حق المكي غير مشروع، والعمرة أولى بالرفض؛ لأنها أدنى حالا وأقل أعمالا وأيسر قضاء لكونها غير موقتة، وكذا إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج ولم يأت بشيء من أفعال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]
م: (باب إضافة الإحرام إلى الإحرام)
ش: أي هذا باب في بيان حكم إضافة الإحرام إلى الإحرام، ولما كانت هذه من أهل مكة، وممن منزله داخل الميقات جناية، وكذا إضافة إحرام العمرة إلى الحجة في الآفاقي عقب باب الجنايات بهذا الباب لكونه نوعًا من الجنايات.
م: (قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف لها شوطا ثم أحرم بالحج فإنه يرفض الحج، وعليه لرفضه دم، وعليه حجة وعمرة) ش: إنما قيد المكي لأن الآفاقي لو أحرم بعمرة فطاف له شوطًا ثم أحرم بحجة يمضي في الحج فيها، ولا يرفض الحج؛ لأن بناء أفعال الحج على أعمال العمرة صحيح في حقه عندنا، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومالك: يصح في حق المكي أيضًا لمشروعية القران، والتمتع عندهما، وإنما قيد بقوله: وطاف لها شوطًا؛ لأنه إذا لم يطف للعمرة أصلًا يرفض العمرة بالاتفاق، وقيد بقوله: شوطًا، وأراد به أقل الأشواط، حتى إذا طاف شوطين، أو ثلاثة أشواط كان الخلاف فيه كما ذكره، أما إذا طاف للعمرة أكثر الأشواط يرفض الحج بالاتفاق.
م: (وقال أبو يوسف، ومحمد: رفض العمرة أحب إلينا) ش: لأنها أيسر قضاء، وأداء، وأخف مؤنة، فصارت أولى بالرفض على ما يجيء. م: (وقضاها) ش: أي العمرة. م: (وعليه دم لرفضها؛ لأنه لا بد من رفض أحدهما) ش: أي الحجة أو العمرة. م: (لأن الجمع بينهما) ش: أي الحجة والعمرة. م: (في حق المكي غير مشروع) ش: أي عندنا، خلافًا للشافعي، ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) . م: (والعمرة أولى بالرفض) ش: من الحج. م: (لأنها أدنى حالا وأقل أعمالا وأيسر قضاء لكونها غير موقتة) ش: لأن العمرة سنة، والحج فريضة؛ لأن أداءها يمكن في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فيها.
م: (وكذا إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج ولم يأت بشيء من أفعال العمرة لما قلنا) ش: برفض العمرة أيضًا بالاتفاق، وفي عبارته تسامح؛ لأنه عطف بقوله: وكذا المتفق عليه على المختلف فيه، وفيه تلبيس إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج، ومات بشيء من أفعال العمرة كما قلنا هو قوله: لأنها

(4/427)


العمرة لما قلنا. فإن طاف للعمرة أربعة أشواط، ثم أحرم بالحج رفض الحج بلا خلاف؛ لأن للأكثر حكم الكل فتعذر رفضها كما إذا فرغ منها، ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإحرام الحج لم يتأكد، ورفض غير المتأكد أيسر؛ ولأن في رفض العمرة، والحالة هذه إبطال العمل، وفي رفض الحج امتناعا عنه، وعليه دم بالرفض أيهما رفضه؛ لأنه تحلل قبل أوانه؛ لتعذر المضي فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أدنى حالًا، وأقل أعمالًا وأيسر قضاء. م: (فإن طاف للعمرة أربعة أشواط، ثم أحرم بالحج رفض الحج بلا خلاف؛ لأن للأكثر حكم الكل فيتعذر رفضها كما إذا فرغ منها) ش: أي من العمرة لعدم إمكان الرفض. م: (ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وفي بعضها: وكذلك بحذف كلمة " لا " من قوله: ولا كذلك، وقال السغناقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال الإمام حسام الدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الصواب، وكذلك قال الكاكي أيضًا هو المثبت في نسخة المصنف، قال: وكذلك وجدت بخط شيخي.
وقال الأترازي في نسخته: ولا كذلك، هذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما قال المصنف: فإن طاف للعمرة أربعة أشواط رفض الحج؛ لأن للأكثر حكم الكل، ورد عليه السؤال بأن يقال: كيف يرفض الحج على مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا طاف الأقل للعمرة، ولم يوجد الأكثر الذي له حكم الكل؟
فأجاب عنه وقال: ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك، إلا أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يعلل لرفض العملة فيما إذا طاف الأقل للعمرة لوجود الأكثر لم يعلل بعلة أخرى، وهي ما ذكره بقوله:
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإحرام الحج لم يتأكد، ورفض غير المتأكد أيسر) ش: من رفض المتأكد وهذا لأن الحكم جاز أن يكون معلولًا بعلل شتى، وعدم الكل لعلة لا يوجب للكل عدم الحكم. م: (ولأن في رفض العمرة) ش: هذا وجه آخر لقوله: ولا كذلك، أي: والجواب أن في رفض العمرة وجود بعض أفعال العمرة، وأشار إليه بقوله. م: (والحالة هذه) ش: يعني، والحال أنه أتى بشيء من أفعال العمرة. م: (إبطال العمل) ش: بالنصب لأنه اسم إن، يعني أن إبطال العمل في الطواف الذي أتى به.
م: (وفي رفض الحج امتناع عنه) ش: أي ولأن في رفض الحج امتناعًا عن الإبطال، والامتناع أهون في الإبطال؛ لأن ما وقع معتد به، ولا كذلك إذا لم يفعل شيئًا. م: (وعليه دم بالرفض أيهما رفضه) ش: يعني الحج عنده والعمرة عندهما. م: (لأنه تحلل قبل أوانه) ش: بعد أداء الأفعال. م: (لتعذر المضي فيه) ش: لكون الجمع بينهما غير مشروع.

(4/428)


فكان في معنى المحصر، إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة؛ لأنه في معنى فائت الحج. وإن مضى عليهما أجزأه لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما، غير أنه منهي عنهما، والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا. وعليه دم؛ لجمعه بينهما؛ لأنه تمكن النقصان في عمله لارتكابه المنهي عنه، وهذا في حق المكي دم جبر، وفي حق الآفاقي دم شكر.
ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فكان في معنى المحصر) ش: من حيث إنه تعذر المضي بعد الشروع، وعلى المحصر دم للتحلل، ويكون الدم دم جبر لا دم نسك على ما يأتي إن شاء الله تعالى. م: (إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير) ش: أي غير أن في رفض العمرة قضاء العمرة لا غير؛ لأنه خرج عنها بعد الشروع.
م: (وفي رفض الحج) ش: أي ولأن في رفض الحج. م: (قضاؤه) ش: أي قضاء الحج الذي رفضه في سنة أخرى. م: (وعمرة) ش: بالرفض، أي مع قضاء عمرة أخرى غير العمرة التي شرع فيها. م: (لأنه في معنى فائت الحج) ش: وفائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، لكن يؤدي أولًا العمرة التي شرع فيها، ويفرغ منها، ثم يأتي بعمرة أخرى. م: (وإن مضى عليهما) ش: أي على العمرة والحج، يعني لم يرفض المكي ومن في معناه العمرة والحج، بل مضى عليهما وأداهما. م: (أجزأه لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما، غير أنه منهي عنهما) ش: أي عن إحرام الحج، والعمرة، وقال صاحب " النهاية ": وفي نسخة شيخ بخطه عنها أي عن العمرة إذ هي المستتبعة للرفض إجماعًا فيما إذا لم يشتغل بطواف الحج والكلام فيه؛ لأنها هي الداخلة في وقت الحج، وبسببها وقع العصيان.
م: (والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا) ش: لأن النهي إذا كان المعنى في غيره لا يعدم المشروعية على أصل الحقيقة على ما عرف في موضعه. وفي " الكافي ": فإن قيل: قد ذكر الشيخ في أول المسألة أن الجمع بينهما في حق المكي غير مشروع، وهاهنا قال: النهي تحقيق المشروعية، وهذا يصير تناقضًا، قلنا: أراد بقوله: غير مشروع كاملًا كما في حق الآفاقي، فيندفع التناقض في حق المكي. م: (وعليه دم) ش: أي دم جبر. م: (لجمعه بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (لأنه تمكن النقصان في عمله لارتكابه المنهي عنه) ش: وهو الجمع بينهما فارتكب محظور فعليه دم جبر لا يحل له، ولا لسائر الأغنياء، فيتصدق به على المساكين كسائر دماء الكفارة. م: (وهذا) ش: أي هذا الدم الواجب. م: (في حق المكي دم جبر) ش: للنقصان لارتكابه المنهي عنه. م: (وفي حق الآفاقي دم شكر) ش: لما أنعم الله به عليه من الجمع بين العبادتين.

[أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى]
م: (ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى) ش: اعلم أن الجمع بين الإحرامين لحجتين أو لعمرتين حرام؛ لأنه بدعة، ويأتي هذا على أربعة أقسام بالقسمة العقلية إدخال إحرام

(4/429)


فإن حلق في الأولى لزمته الأخرى، ولا شيء عليه، وإن لم يحلق في الأولى لزمته الأخرى، وعليه دم قصر، أو لم يقصر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن لم يقصر فلا شيء عليه؛ لأن الجمع بين إحرامي الحج، أو إحرامي العمرة بدعة،
فإذا حلق فهو وإن كان نسكا في الإحرام الأول فهو جناية على الثاني؛ لأنه في غير أوانه فلزمه الدم بالإجماع، وإن لم يحلق حتى حج في العام القابل فقد أخر الحلق عن وقته في الإحرام الأول وذلك يوجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما لا يلزمه شيء على ما ذكرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحج على إحرام الحج، وإدخال إحرام الحج على إحرام العمرة، وإدخال إحرام العمرة على إحرام الحج، وإدخال إحرام العمرة على إحرام العمرة. وأشار إلى بعضها، وسيأتي كل ذلك. وأشار إلى ذلك: الأول بقوله: ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى ففيه تفصيل، أشار إليه بقوله. م: (فإن حلق في الأولى) ش: أي في الحجة الأولى. م: (لزمته الأخرى) ش: أي الحجة الأخرى؛ لأنه لم يجمع بين الإحرامين؛ لأنه تحلل من الأولى بالحلق، ويؤدي الحجة الأخرى في العام القابل. م: (ولا شيء عليه) ش: أي ولا دم عليه؛ لأنه لم يجمع بين الإحرامين.
م: (وإن لم يحلق في الأولى) ش: أي في الحجة الأولى. م: (لزمته الأخرى) ش: أي الحجة الأخرى. م: (وعليه دم قصر، أو لم يقصر) ش: قال الكاكي: قوله: قصر أي حلق بعد إحرام، أو لم يحلق، وعبر بالقصر عن الحلق؛ لأنه وضع المسألة بلفظ من يقول: ومن أحرم، وهو يتناول الذكر والأنثى، فذكر أولًا لفظ الحلق، ولا ينافي لفظ التقصير ليشملهما أن الحلق مختص بالرجال. وفي بعض الروايات حلق مكان قصر. م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يلزمه دم على كلا التقديرين، أما إذا حلق فلأنه جناية في حق إحرام الحجة الثانية، وإنما كان نسكًا في حق إحرام الأولى، وأما إذا لم يحلق للأولى يلزمه الدم أيضًا؛ لأن تأخير النسك عن وقته يوجب الدم عنده.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (إن لم يقصر) ش: يعني أن يفرغ من الحجة. م: (فلا شيء عليه؛ لأن الجمع بين إحرامي الحج، أو إحرامي العمرة بدعة) ش: هذا دليل لقوله وعليه دم؛ قصر أو لم يقصر، وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": وذكر بعض مشايخنا في ذلك روايتين يعني في وجوب الدم لأجل الجمع بين الإحرامين في رواية: يجب، وفي رواية: لا يجب.

م: (فإذا حلق فهو وإن كان نسكا في الإحرام الأول فهو جناية على الثاني) ش: أي على الإحرام الثاني. م: (لأنه في غير أوانه) ش: لأنه حلق قبل أداء الأعمال في الإحرام. م: (فلزمه الدم بالإجماع) ش: جواب إذا. م: (وإن لم يحلق حتى حج في العام القابل فقد أخر الحلق عن وقته في الإحرام الأول وذلك يوجب الدم عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعندهما لا يلزمه شيء على ما ذكرنا) ش: وهو

(4/430)


فلهذا سوى بين التقصير وعدمه عنده، وشرط التقصير عندهما.
ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى فعليه دم لإحرامه قبل الوقت؛ لأنه جمع بين إحرامي العمرة، وهذا مكروه فيلزمه الدم وهو دم جبر وكفارة.
ومن أهل بحج ثم أحرم بعمرة لزماه؛ لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي، والمسألة فيه فيصير بذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن التأخير لا يوجب شيئًا عندهما. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أن التأخير جناية عنده. م: (سوى بين التقصير وعدمه عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وشرط التقصير عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - يعني إن قصر في هذه السنة فعليه دم بجنايته على الإحرام الثاني؛ لأن التأخير غير مضمن عندهما، كذا في " الجنازية "، و" الإيضاح "، ولكن ينبغي أن لا يجب دم عند محمد لعدم لزوم الآخر. قيل في جواب المسألة مصورة فيما إذا وقف في الحجة الأولى، فلا يكون جمعًا بين الإحرامين فيلزمه الإحرام الثاني، لكن بعد الأداء لكن لا يستقيم هذا مع قوله؛ لأن الجمع بين الإحرامين بدعة.

[فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى]
م: (ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى) ش: أي بعمرة أخرى. م: (فعليه دم لإحرامه قبل الوقت) ش: أي قبل وقت الإحرام، يعني إن وقت الإحرام للعمرة الثانية بعد الحلق أو التقصير للأولى، فلما أحرم للثانية قبل ذلك يكون محرمًا قبل الوقت، فيصير جامعًا بين إحرامي العمرتين، وهذا معنى قوله. م: (لأنه جمع بين إحرامي العمرة، وهذا) ش: أي الجمع بين إحرامي العمرة. م: (مكروه فيلزمه الدم وهو دم جبر وكفارة) ش.
فإن قلت: يجب الدم رواية واحدة في الجمع بين إحرامي العمرة، والجمع بين إحرامي الحج روايتان، فما الفرق على إحداهما.
قلت: الجمع في هذا الإحرام إنما كره لأجل الجمع في الأفعال. وفي الحجتين لا يتحقق الجمع فعلًا؛ لأن أفعال الحج الثاني لا يؤدى في هذه السنة، فإنما يؤدى في السنة الثانية، والجمع بين إحرامي العمرة بسبب الجمع فعلًا لجواز العمرة في كل السنة.

[أهل بحج ثم أحرم بعمرة]
م: (ومن أهل بحج ثم أحرم بعمرة لزماه) ش: هذا هو القسم الثاني من الأقسام الأربعة المذكورة، وهو إدخال إحرام الحج على إحرام العمرة، فإذا جمع بينهما لزماه. م: (لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي) ش: قوله: أهل، أي رفع صوته بالتلبية، وإنما اختار الفقهاء لفظ أهل على التلبية في كثير من المواضع إشارة إلى السنة في التلبية وهي رفع الصوت.
م: (والمسألة فيه) ش: أي في الآفاقي، ومعنى المسألة أن الآفاقي إذا أحرم بحجة ثم بعمرة قبل أداء شيء من أفعال الحج لزماه لصدوره من أهله؛ لأنه أمكن إتيان أفعال العمرة قبل أفعال الحج، وإنما الترتيب فيما هو وسيلة، والعبرة للمقصود. م: (فيصير بذلك) ش: أي الجمع بين الحج والعمرة

(4/431)


قارنا لكنه أخطأ السنة فيصير مسيئا. فلو وقف بعرفات ولم يأت بأفعال العمرة فهو رافض لعمرته؛ لأنه تعذر عليه أداؤها، إذ هي مبنية على الحج غير مشروعة، فإن توجه إليها لم يكن رافضا حتى يقف، وقد ذكرناه من قبل فإن طاف للحج ثم أحرم بعمرة فمضى عليهما لزماه، وعليه دم لجمعه بينهما؛ لأن الجمع بينهما مشروع على ما مر فصح الإحرام بينهما، والمراد بهذا الطواف طواف التحية، وأنه سنة وليس بركن حتى لا يلزمه بتركه شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قارنا) ش: لأنه جمع بين النسكين. م: (لكنه أخطأ السنة) ش: لأن القارن من يحرم بالحج والعمرة معًا، أو يقدم إحرام العمرة لا عكس. م: (فيصير مسيئا) ش: لأن الله تعالى جعل الحج أحد الفائتين في قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) فكان ينبغي أن يدخل الحج على العمرة لا العكس، لكنه لما لم يؤد الحج صح؛ لأن الترتيب وجد في الأداء وإن فات في الإحرام.
م: (فلو وقف بعرفات، ولم يأت بأفعال العمرة فهو رافض لعمرته؛ لأنه تعذر عليه أداؤها) ش: أي أداء العمرة. م: (إذ هي) ش: أي العمرة فقوله هي مبتدأ. م: (مبنية) ش: نصب على الحال من هي، والعامل فيها معنى الإشارة في هي، كذا قال في " النهاية "، هكذا كانت مقيدة بخط شيخي، وفيه نظر. م: (على الحج) ش: متعلق بقوله: مبنية. م: (غير مشروعة) ش: خبر المبتدأ في " جامع قاضي خان " لما وقف بعرفة بعذر عليه، إذ أعمال العمرة بعد الوقوع؛ لأنه لو فعل لكان بانيًا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك غير مشروع.
م: (فإن توجه إليها) ش: أي إلى عرفات. م: (لم يكن رافضا) ش: لعمرته. م: (حتى يقف) ش: بعرفات حتى لو بدا له فرجع من الطريق إلى مكة فطاف لعمرته وسعى، ثم وقف بعرفات كان قارنًا. م: (وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في آخر باب القران، فقال: ولا يصير رافضًا بمجرد التوجه وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة.... إلى آخره.
م: (فإن طاف للحج) ش: أي فإن طاف طواف القدوم للحج. م: (ثم أحرم بعمرة فمضى عليهما لزماه) ش: حتى يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج. م: (وعليه دم) ش: يعني دم الكفارة حتى لا يأكل منه؛ لأنه خالف السنة في هذا الجمع. م: (لجمعه بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (لأن الجمع بينهما مشروع على ما مر) ش: أراد به قوله: لأن الجمع بينهما في حق الآفاقي مشروع. م: (فصح الإحرام بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (والمراد بهذا الطواف) ش: أشار به إلى الطواف الذي في قوله: فإن طاف للحج ثم أحرم بعمرة. م: (طواف التحية) ش: وهو طواف القدوم. م: (وأنه) ش: أي وإن طواف القدوم. م: (سنة وليس بركن حتى لا يلزمه بتركه شيء) ش: لأنه إذ ترك السنة أصلًا لا يلزمه شيء.

(4/432)


وإذا لم يأت بما هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، فلهذا لو مضى عليهما جاز، وعليه دم لجمعه بينهما، وهو دم كفارة وجبر هو الصحيح؛ لأنه بان بأفعال العمرة على أفعال الحج من وجه. ويستحب أن يرفض عمرته؛ لأن إحرام الحج قد تأكد بشيء من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج،
وإذا رفض عمرته يقضيها لصحة الشروع فيها، وعليه دم لرفضها ومن أهل بعمرة في يوم النحر، أو في أيام التشريق لزمته لما قلنا، ويرفضها، أي يلزمه الرفض؛ لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج من كل وجه، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا على ما نذكره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا لم يأت بما هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، فلهذا لو مضى عليهما جاز، وعليه دم لجمعه بينهما، وهو دم كفارة وجبر وهو الصحيح) ش: احترز به عما اختاره شمس الأئمة، وقاضي خان، والمحبوبي، أنه دم شكر لا دم القران لتحقق القران لوجوب الترتيب المشروع في الأركان، وإنما فات الترتيب في طواف التحية، وهو من التوابع فصار كترك التركيب في الإحرام.
كذا في " المبسوط "، ولكن اختار المصنف أنه دم جبر لما اختاره فخر الإسلام لأنه خالف السنة، فكان كقران المكي فلا يأكل هو منه ولا الغني.
م: (لأنه بان بأفعال العمرة على أفعال الحج من وجه) ش: وذاك لأن طواف التحية، وإن كان سنة لكنه من جملة أفعال الحج من هذا الوجه، وذلك مكروه. م: (ويستحب أن يرفض عمرته؛ لأن إحرام الحج قد تأكد بشيء من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج) ش: لأنه لا يرفض العمرة؛ لأنه لا يكون بانيًا أفعال العمرة على أفعال الحج.

[رفض العمرة]
م: (وإذا رفض عمرته يقضيها لصحة الشروع فيها، وعليه دم لرفضها) ش: أي لرفض العمرة؛ لأنه بالرفض يصير جانيًا فيلزمه الدم. م: (ومن أهل بعمرة في أيام النحر) ش: قال السغناقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أي المحرم بالحج إذا وقف بعرفات يوم عرفة، ثم أحرم بالعمرة يوم النحر قبل الحلق أو قبل طواف الزيارة؛ لأن حكم من أهل بها من بعد ما أحل مرة من الحج بالحلق يأتي ذكره.
وقال الأكمل: والظاهر الإطلاق على ما ذكره. م: (أو في أيام التشريق لزمته) ش: أي العمرة. م: (لما قلنا) ش: يريد به قوله: لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي. م: (ويرفضها) ش: أي ويرفض العمرة. م: (أي يلزمه الرفض) ش: قال محمد في " الجامع الصغير ": يرفضها، وقالوا في " شرح الجامع الصغير ": معناه أن يلزمه الرفض والمصنف أيضًا قال كذلك. م: (لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج من كل وجه، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضًا على ما نذكره) ش: في باب القران.
م: (فلهذا) ش: أي ولأجل كونها مكروهة في هذه الأيام. م: (يلزمه رفضها، فإن رفضها فعليه دم

(4/433)


فلهذا يلزمه رفضها، فإن رفضها فعليه دم، لرفضها، وعمرة مكانها، لما بينا، فإن مضى عليها أجزأه؛ لأن الكراهة لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أعمال الحج فيجب تخليص الوقت له تعظيما وعليه دم لجمعه بينهما، إما في الإحرام أو في الأعمال الباقية، قالوا: وهذا دم كفارة أيضا. وقيل إذا حلق للحج ثم أحرم لا يرفضها على ظاهر ما ذكر في الأصل، وقيل يرفضها احترازا عن النهي. قال الفقيه أبو جعفر: ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على هذا، فإن فاته الحج ثم أحرم بعمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لرفضها وعمرة مكانها) ش: أي وعليه عمرة مكان العمرة المرفوضة. م: (لما بينا) ش: أشار إلى قوله: لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي. م: (فإن مضى عليها) ش: أي على العمرة التي أحرم بها يوم النحر. م: (أجزأه) ش: وفي بعض النسخ عليها: أو على الحج والعمرة لما قيل: كيف أجزأه أجاب بقوله. م: (لأن الكراهة لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أفعال الحج فيجب تخليص الوقت له) ش: أي للحج. م: (تعظيما) ش: أي لأجل التعظيم له والتعظيم له إنما يكون بجعل الوقت خالصًا له بلا مزاحمة عنده. م: (وعليه دم لجمعه بينهما) ش: أي للجمع بين الإحرامين. م: (إما في الإحرام) ش: أي باعتبار أنه أحرم بالعمرة قبل الحلق. م: (أو في الأفعال الباقية) ش: أي أو الجمع في الأفعال الباقية من رمي الجمار وغيره على تقدير الإحرام بعد الحلق قبل الطواف للزيارة أو بعده.
فإن قيل: بعد طواف الزيارة كيف يكون جامعًا؛ لأنه تحلل عن الإحرام أصلا بطواف الزيارة.
قلنا: يكفي، لكن بقي عليه بعض واجبات الحج، وهو رمي الجمار في أيام التشريق.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ. م: (وهذا دم كفارة أيضا) ش: لا دم شكر. م: (وقيل إذا أحرم للحج ثم حلق لا يرفضها) ش: أي العمرة. م: (على ظاهر ما ذكر في الأصل) ش: أي " المبسوط " قال فيها: لا يرفض مطلقًا. م: (وقيل يرفضها احترازا عن النهي) ش: وهو العمرة في أيام النحر، والتشريق.
م: (قال الفقيه أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو محمد بن عبد الله الهندواني من كبار العلماء، مات ببخارى، وحمل إلى بلخ، ودفن يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة، وهو ابن اثنين وستين سنة. م: (ومشايخنا على هذا) ش: أي على هذا القول، وهو رفض العمرة. م: (فإن فاته الحج ثم أحرم بعمرة أو بحجة فإنه يرفضها) ش: أي يرفض الثانية حتى لا يلزم الجمع بين الحجتين أو العمرتين، بيانه أن فائت الحج جاز إحرامًا؛ لأن إحرام الحج باق ومعتمرًا. م: (لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة) ش: وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينقلب إحرامه إحرام العمرة، وفائدة الخلاف تظهر في حق لزوم الرفض إذا أحرم بحجة أخرى، وعندهما يرفضها لئلا يصير جامعًا بين إحرامي الحج، وعنده لا يرفضها بل يمضي فيها، كذا.

(4/434)


أو بحجة فإنه يرفضها؛ لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة على ما يأتيك في باب الفوات إن شاء الله، فيصير جامعا بين العمرتين من حيث الأفعال، فعليه أن يرفضها كما لو أحرم بعمرتين، وإن أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما فعليه أن يرفضها، كما لو أحرم بحجتين، وعليه قضاؤها لصحة الشروع فيها ودم لرفضها بالتحلل قبل أدائه، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكره فخر الإسلام، وظهير الدين مرغيناني وكذا في " المبسوط ". م: (على ما يأتي في باب الفوات إن شاء الله تعالى، فيصير) ش: أي فائت الحج الذي أحرم بعمرة. م: (جامعا بين العمرتين) ش: أحدهما العمرة الملتزمة، والأخرى لكونه فات الحج. م: (من حيث الأفعال، فعليه أن يرفضها) ش: العمرة التي أحرم بها.
م: (كما لو أحرم بعمرتين، وإن أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما) ش: أي من حيث الإحرام. م: (فعليه أن يرفضها) ش: أي الحجة. م: (كما لو أحرم بحجتين وعليه قضاؤها) ش: أي قضاء تلك الحجة. م: (لصحة الشروع فيها ودم) ش: أي وعليه دم. م: (لرفضها بالتحلل قبل أدائه) ش: لأنه تحلل قبل أداء تلك الحجة.

[باب الإحصار]
[ما يتحقق به الإحصار]
م: (باب الإحصار)

(4/435)


باب الإحصار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي هذا باب في بيان حكم الإحصار أعقب باب الجنايات بباب الإحصار؛ لأن فيه ما هو جناية في الحرم. الإحصار في اللغة: المنع من حصره إذا منعه، والمحصر هو الممنوع، تقول العرب: أحصر فلان إذا منعه خوف أو مرض من الوصول إلى أيام حجته أو عمرته، وإذا حبسه سلطان قاهر تقول: حصر. وفي " المحلى ": الإحصار من عذر أو مرض أو كسر أو قطع طريق أو ذهاب نفقته أو رواحله، وعندنا هو فائت الحج والإحصار بكل حابس، وقال ابن المنذر في " الأشراف ": وهو مذهب ابن مسعود، وعطاء، والنخعي، والثوري، وأبي ثور. وقال الأترازي: هو قول ابن مسعود، وابن عباس، وعروة، ومجاهد، وعلقمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والحسن، وسالم، والقاسم، وابن سيرين، والزهري، وأبي عبيد، وأبي عبيدة، وداود، وأصحابه، وهو قول عبادة، والكلبي أيضًا.
وقال الفضل بن سلمة: وقال بعض الفقهاء: لا يكون إلا من عدو دون المرض، وهو قول مخالف لقول مجتهدي الفقهاء، ومذاهب العرب. قلت: هذا قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وأحمد في رواية على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وفي " الأسبيجابي " و" الوتري " و" مناسك الكرماني ": اختلف العلماء في الإحصار في اثنين وستين موضعًا بعون الله تعالى، ونحن نذكره مختصرًا.
الأول: أن الإحصار متحقق بكل مانع يمنع المحرم من الوصول إلى البيت لإتمام حجته، أو عمرته من خوف، أو مرض، ومنع سلطان، أو قاهر في حبس، أو مدينة حديثة.
الثاني: أن المحصر لا يتحلل إلا بالذبح عندنا، وبه قال الشافعي، وأحمد، وجمهور أهل العلم. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا هدي عليه إلا أن يكون معه هدي ساقه.
الثالث: يتحقق الإحصار في العمرة عند عامة أهل العلم، وهو مذهبنا، ذكره في " المبسوط "، وغيره، وذكر محب الدين الطبري عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا يتحقق لعدم التأقيت، وخوف الفوات، وذكر ابن قدامة الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قول مالك.
الرابع: لا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم عندنا في الحج، والعمرة. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن ": هو قول ابن مسعود، وابن عباس إن قدر عليه، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العمرة يذبح هديه حيث أحصر، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحج روايتان، أحدهما: أنه يختص بيوم النحر.

(4/436)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخامس: أنه يجوز ذبحه قبل يوم النحر في العمرة اتفاقًا، وكذا في الحج عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في العمرة، وكذا في الحج رواية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد، والثوري، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية أنه لا يجوز قبل يوم النحر، فإذا لم يجز نحره قبل يوم النحر لم يجز له التحلل قبله.
السادس: لا يحتاج إلى الحلق بل يتحلل بالذبح، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلق، فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وفي " الكرماني ": في حلق المحصر روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يجب، وفي رواية: لا يجب. وفي رواية " النوادر " عنه يجب الدم بتركه، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجب، وعند الشافعي، وأحمد - رحمهما الله - كذلك إذا جعلاه نسكًا.
السابع: إذا لم يجد هديًا يبقى محرمًا، ولا بدل له عندنا، وبه قال الشافعي، ومالك - رحمهما الله - في أحد قوليه. وفي قول آخر: يصوم عشرة أيام، وهو قول أحمد وأشهب - رحمهما الله -. وفي " المرغيناني "، و" التحفة ": هو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرًا. وكان عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إذا عجز عن الهدي نظر إلى قيمته فيطعم بذلك كل مسكين نصف صاع من بر أو يصوم، وقال أبو يوسف في " الأمالي ": وهذا أحب إلي.
الثامن: المحصر بالحج النفل يجب عليه قضاء حجة، وعمرة، وإن كان محصرًا بعمرة يجب عليه قضاء عمرة لا غير، وهو قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقال أبو بكر الرازي: وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وعلقمة، والحسن، والنخعي، وسالم، والقاسم، وابن سيرين، وعكرمة، والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ورواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك، وأحمد، والشافعي في رواية: لا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الإسلام.
التاسع: في الاشتراك، والاعتبار به عندنا، ولا يحل إلا بالهدي، وبه قال مالك، والشافعي في الجديد، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يعتبر شرطه، وهو قول أحمد، وداود - رحمهما الله - وجماعة من أهل الحديث، والشافعي في القديم.
العاشر: يبعث القارن بهديين عندنا، وبه قال إبراهيم، وسعيد بن جبير، وعند الأئمة الثلاثة يحل بهدي واحد.
الحادي عشر: سئل عبد الملك بن الماجشون - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مالك، قال: إن أحصر بعد إحرامه سقط عنه حجة الإسلام، وخالف الجماعة فيه.

(4/437)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثاني عشر: إذا أحاط به العدو من كل جانب، يتحلل عند الجمهور، وفي أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو الوجهين لا يتحلل.
الثالث عشر: المحصر إذا فاته الحج، وقدر أن يتحلل بأفعال العمرة يتحل بها، ولو لم يتحلل لا يحج من العام القابل بذلك الإحرام عندنا، وهو قول الجمهور، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج به إذا لم يتحلل منه.
الرابع عشر: قال الزهري، وعروة بن الزبير: لا إحصار على أهل مكة. وفي " المبسوط ": ولو أحصر بمكة بعد قدومه فليس بمحصر. وقال السرخسي: الأصح أنه إن منع من الوقوف والطواف فهو محصر.
الخامس عشر: لا يتحقق الإحصار بعد الوقوف بعرفة عندنا، وبه قال مالك، لكن يكون حولهما حتى يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة والصدر، ثم يحلق وقد فاته الوقوف بمزدلفة ورمي الجمار فعليه دم للوقوف ودم لرمي الجمار بالإجماع، ودمان بتأخير طواف الزيارة والحلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحقق.
السادس عشر: إن امتنع عليه الطواف، والوقوف بعرفة فهو محصر، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر.
السابع عشر: ذهب بعض الناس إلى أنه لا إحصار اليوم لزوال الشرك عن جزيرة العرب، وهو شذوذ، فإن العرب وقطاع الطريق لا تخلو الأرض منهم، وقد كانت القرامطة بعد زوال الشرك أشد على الحج من المشركين، وكذا بنو خفاجة، وبلي وبنو سالم، وغيرهم، لا كثرهم الله.
الثامن عشر: المحرم بالحج إذا أحصر وفاته الحج، فإنه يتحلل بأفعال العمرة إذا قدر عليها، ولا يحتاج إلى إحرام جديد للعمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد، بل يؤديها بإحرام الحج الذي هو فيه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتاج إلى إحرام جديد للعمرة.
التاسع عشر: إذا حبسه السلطان إذا حبس في مدينة يتحلل عند الجماعة خلافًا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لا يحلله إلا البيت.
العشرون: المحصر في الحج إذا تحلل بأفعال العمرة ليس عليه الوقوف بالمزدلفة، ولا رمي الجمار. وقال المرغيناني: يأتي بكل ما قدر عليه من مناسك الحج مع أعمال العمرة.
الحادي والعشرون: الذبح عندنا يختص بالحرم سواء أمكن ذبحه بالحرم أو لم يكن، وقالت الشافعية في أحد الوجهين: يجوز ذبحه بالحل مع القدرة على ذبحه في الحرم، وأجمعوا على أنه

(4/438)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لو أحصر في الحرم لا يجوز ذبح هديه في الحل، وكذا لو أحصر في الحل لا يجوز ذبحه في الحل في غير مكان الإحصار عندهم.
الثاني والعشرون: لو أحاط العدو به لا يتحلل في الوجهين أو القولين للشافعي، وعند الجماعة يتحلل.
الثالث والعشرون: يتحقق الإحصار كيفما كان العدو في المنع عامًا أو خاصا، وعند الشافعي: لا يتحلل بشرذمة في قوله.
الرابع والعشرون: قال في " الذخيرة للمالكية " للمحصر خمس حالات يجوز له التحلل في ثلاثة منها، ويمتنع في وجه، ويصح في وجه، وإن شرط الإحلال فأحد الثلاثة أن يكون العدو طارئًا بعد إحرامه، أو متقدما، أو لم يعلم به، أو علم وكان يروي أنه لا يقيده فقيده، وإن علم أنه يقيده، أو شك لا يحل أن يشترطه في صورة الشك، وعندنا لا تفصيل في ذلك، ويتحقق في الكل، ويتحلل منه.
الخامس والعشرون: القارن إذا أحصر يتحلل منهما، وتلزمه عمرتان وحجة عندنا، سواء كان في الفرض، أو النفل، وعند الثلاثة لا يلزمه شيء في النفل.
السادس العشرون: في الأصل أن المحصر إذا قضى حجته من عامه فلا عمرة، روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه حجة، وعمرة، كما لو أخرها إلى العام القابل.
السابع والعشرون: الحج عن الغير إذا أحصر يجب دم الإحصار على الآمر عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحاج.
الثامن والعشرون: إذا أحرمت المرأة بحج التطوع فللزوج أن يحللها بالتقبيل، والمعانقة، والمس، والتطيب، وقص ظفر، ونحوها في الحال من غير ذبح، وعليها أن تبعث هديًا فيذبح في الحرم، وكذا العبد والأمة، وعليهما الهدي بعد عتقهما وقضاء الحج والعمرة، وكذا بعد إذن المولى لهما في ذلك لم يكره له تحليلهما، وروي عن أبي يوسف وزفر ومالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه ليس له تحليلها لإسقاط حقه بالإذن كالزوجة. والصحيح ظاهر الرواية أنه لا يتحلل بالنهي، ولا بقوله: حللتك.
التاسع والعشرون: لا يلزم المولى به الهدي، وإن كان بإذنه، وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه " لمختصر الكرخي " أن المولى إذا أعتقه يجب على المولى أن يبعث الهدي عنه، وقبل إعتاقه لا يجب عليه.
الثلاثون: في " الينابيع ": لو أحرمت المرأة بإذن زوجها لا تتحلل إلا بالذبح، وروى زفر

(4/439)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن تم إحصارها إلى يوم النحر صح إحلالها، فإن زال في مدة تقدر أن تدرك الحج بعده لا تحل بذبح ذلك الهدي، ويجب عليها المضي في الحج، فإن لم تفعله حتى فاتها الحج تتحلل بالعمرة.
الحادي والثلاثون: إذا زال الإحصار وقدر على الحج بعد الذبح جاز له التحلل استحسانًا. وفي رواية زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يتحلل.
الثاني والثلاثون: الهدي بسبع بدنة، أو بقرة، أو شاة بكمالها، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال الجمهور. وعن عائشة، وابن عمر: لا تجزئه الشاة.
الثالث والثلاثون: في السنن يجزئه ما يجزئ في الأضحية عند الجمهور، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز من الكل إلا الشيء فصاعدًا، وقال الأوزاعي: يجزئ الجذع من الكل عن سبعة إلا الشاة.
الرابع والثلاثون: المخطئ في رواية الهلال، وعدد الشهر ليس بمحصر بل هو فائت الحج، وقال داود وأصحابه: هو محصر وإن وجده، ويمكنه أن يذهب معه، ويأتي بأفعال العمرة فلا إحصار، هكذا قالوا. وإن كان لا يمكنه الرواح معه نصف راحلته أو غير ذلك فهو محصر. وفي " التحفة ": إن خاف أن لا يمكنه المشي مع القافلة إذا هلكت راحلته فهو محصر.
الخامس والثلاثون: قال عبد الله وعروة ابنا الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: إن العدو والمرض سواء لا يحل المحصر فيهما. وقال أبو بكر الرازي: لا نعلم أيهما موافقًا من فقهاء الأمصار.
السادس والثلاثون: يتحقق الإحصار عندنا بعد الإحرام. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يكون محصرًا حتى يفوته الحج، إلا أن يدرك فيما بقي فيتحلل في مكان.
السابع والثلاثون: ذهب الجمهور إلى جواز قتال الحاصر عند القدرة. وقال مالك: لا يجوز سواء كان الحاصر مسلمًا، أو كافرًا.
الثامن والثلاثون: إذا لبسوا الدروع والمغفر للقتال فعليهم الفدية، وقال قوم: لا شيء عليهم.
التاسع والثلاثون: لو أحصر في فاسد الحج فله أن يتحلل عند الأئمة وأصحابهم، وقال داود وأصحابه: لا يبقى إحرامه بالإفساد، وقال مالك والحسن: ينقلب عمرة.
الأربعون: قالت الثلاثة: الهدي واجب وهو شرط التحلل. وقال أشهب: هو ليس بشرط للتحلل.

(4/440)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحادي والأربعون: قال في " المحلى ": قد روينا عن عطاء، وإبراهيم، والحسن: إن حل المحصر دون البيت فعليه هدي آخر دون سوى الذي لزمه، وعندنا لا شيء عليه.
الثاني والأربعون: قال الحكم بن عيينة: على القارن إذا حل عليه حجة وثلاث عمرات، وعندنا حجة، وعمرتان.
الثالث والأربعون: لو أحرم بحجتين أو عمرتين ثم أحصر يتحلل بدمين عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومحمد، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بهدي واحد.
الرابع والأربعون: لو أحرمت المرأة بغير محرم بغير إذن الزوج بحجة الإسلام فهي محصرة، وله أن يحللها بغير هدي، ذكره في الأصل، وذكر الكرخي أنه لا يحللها إلا بالهدي، ولو جامعها قيل يكره، وقيل: لا يكره لحصول التحلل قبل الجماع بالمس بشهوة، ذكره في " المحيط ".
الخامس والأربعون: في " البدائع ": المفرد بالحج إذا تحلل ثم زال الإحصار عنه فأحرم وحج من عامه فليس عليه نية القضاء، ولا عمرة عليه، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه قضاء حجة، وعمرة، ولا بد من نية القضاء، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما لو تحولت السنة.
السادس والأربعون: في " المحلى ": عن الشعبي إن دخل المحصر قبل هديه فعليه الفدية يخير في إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو شاة، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - غير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه شاة.
السابع والأربعون: المحصر إن رجع إلى أهله قال عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يحل فيه إلا رأسه، وخالفه الجماعة.
الثامن والأربعون: قال أبو مصعب، وأبو بكر البقالي: إن الحج يسقط عن الحاج إذا أراد الحاج وصد عنه، وإن لم يحرم، وأبو بكر البقالي تلميذ ابن شعبان وفقيه مصر في وقته، وهو مذهب ابن شعبان.
التاسع والأربعون: لو باع العبد والأمة المحرمين جاز البيع. وقال سحنون - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيعهما، ويملكهما المشتري عندنا، وقال مالك، والشافعي، وزفر، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: ليس له تحليلهما.

(4/441)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخمسون: روى محمد بن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأمة المزوجة إذا أذن لها مولاها في الحج فأحرمت فليس لزوجها أن يحللها، ذكره في " البدائع ".
الحادي والخمسون: ينعقد إحرام العبد، والأمة بغير إذن المولى عند الفقهاء كافة، ويثبت فيهما حكم الإحصار، وقال أهل الظاهر: لا ينعقد.
الثاني والخمسون: في " البدائع ": لو أحرم بشيء ولم ينو حجة، ولا عمرة ثم أحصر يجعله عمرة، ويحل بهدي واحد، وعليه عمرة في الاستحسان، وفي القياس: لا تعين حجته، ولا عمرته إلا بالشروع في عمل أحدهما، وهو قياس قاعدة زفر.
الثالث والخمسون: المذهب عندنا أن الهدي ليس له بدل، والأصح عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن له بدلًا، وفيه ثلاثة أقوال: الأول: إطعام فدية الأذى، وفي الصيام ثلاثة أقوال: أحدها: صوم التمتع، والثاني: صوم الحلق، والثالث: صوم التعديل، ذكره محب الدين الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه ".
الرابع والخمسون: في " قاضي خان ": إذا أحصر بعد الوقوف بعرفة لا يحل بالهدي، وهو محرم عن النساء حتى يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة في يوم النحر، وطواف الصدر، ويحلق، هكذا ذكره في الأصل.
الخامس والخمسون: رجل أحرم بحجة أو عمرة ثم أحصر يبعث بهدي الإحصار، فزال الإحصار ثم حدث إحصار آخر، فإن علم أنه يدرك هديه، ونوى أن يكون لإحصاره الثاني جاز وحل به، وإن لم ينو حتى ذبح لم يجزئه.
السادس والخمسون: في " البدائع " وغيره: تحليل الزوجة بتطيبها، وبساطها بإذن الزوج والمولى، ولا يفتقر تحليلهما إلى الهدي.
السابع والخمسون: [.....] في الحج يلزمه المعنى فيه، والقضاء لو أفسده فلو أحصر في قضائه، وتحلل لا يلزمه القضاء، والأصح أنه يلزمه.
الثامن والخمسون: ذكر السغناقي، والطبري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ليس على المحصر بدل، وإنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ، فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل بغير هدي، ولا يرجع إن كان معه هدي وهو محصر نحوه، وإن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن قدر أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله، رواه عنه البخاري، ومسلم - رحمهما الله - قال: فمن أصابه الله تعالى بمرض، أو بكسر، أو بحبس فليس عليه شيء، رواه سعيد بن منصور وأراد به بالتلذذ النساء، قاله الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(4/442)


وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي جاز له التحلل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون الإحصار إلا بالعدو؛ ولأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر؛ لتحصيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التاسع والخمسون: في الحصر إن كان العدو يرجى زواله، وعلم أنه قد بقي من الوقت ما لا يملكه إدراكه، فإنه يتحلل عند الجماعة، وبه قال ابن القاسم، وعبد الملك، وقال أشهب: لا يحل حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة.
الستون: المكي إذا تلبس بالحج ثم أحصر بمكة فإنه يطوف، ويسعى، ويحل، وكذا الغريب بمكة إذا أحرم بالحج، وبه قال الشافعي، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بقي محصورًا حتى فرغ الناس من الحج خرج إلى الحل، ويحرم بعمرة ويفعل ما يفعله المعتمر، ويحل، وعليه الحج من قابل، والهدي مع الحج، وكذا الغريب إذا أحصر بها، حكاه عنه ابن المنذر في " الأشراف "، وقال الزهري: لا بد للمحصر المكي أن يقف وإن نفس نفسًا.
الحادي والستون: قال القرطبي في " شرح الموطأ ": من أحصر بمرض، أو كسر، أو عرج فقد حل في موضعه، ولا هدي، وعليه القضاء، وخالف فيه جماعة.
الثاني والستون: على المحصر هدي واحد، وقال مالك: لا شيء عليه، وقال مالك والزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: عليه هديان، الأول: يتحلل به في حلاق الشعر، وإزالة التفث في الحال، ويبقى محرمًا في حق النساء حتى يصل إلى البيت، ويطوف، ويسعى، ويحل، وعليه الحج قابلًا، وهدي ثان.

[أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي]
م: (وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي جاز له التحلل) ش: قوله المحرم يتناول المحرم بالحج، والمحرم بالعمرة، قوله. م: (من المضي) ش: أي من الوصول إلى البيت، والتحلل: الخروج من الإحرام، ثم العدو: يشمل المسلمين والكافرين.
فإن كانوا المسلمين واحتاج المحرمون على القتال فلا يلزمهم القتال، ولهم التحلل، وإن كانوا كفارًا يجب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف بشرط وجدان المسلمين أهبة للقتال، وقال الآخرون: لا يجب القتال، وإن كان العدو كفارًا وكان في مقاتلة كل مسلم أقل من مشرك.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون الإحصار إلا بالعدو) ش: معناه: ليس للمحرم التحلل بعذر المرض، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، بل يصير حتى يصح، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها، وإن كان محرمًا بحج فإنه يتحلل بعد العمرة، هذا إذا لم يشترط، أما إذا اشترط التحلل عند المرض وقت الإحرام بأن قال: إذا مرضت يعقبني تحلل، فقد نص في القديم على صحة هذا، وبه قال أحمد، ومحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي رواية جماعة من أهل الحديث لحديث بنت الزبير، ضباعة عمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: «تريدي الحج؟ " فقالت:

(4/443)


النجاة، وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض. ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إن شاء الله تعالى، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " حجي، واشترطي أن تحلي حيث حبست» .
وقال النووي: الصحيح بنت الزبير بن عبد المطلب هاشمية، وضباعة الأسلمية كما ذكره الغزالي غلط. قلنا: الاشتراط لا يمنع أن يجب بدونه كاشتراط التأخر، أما التحلل إلى حين بلوغ الهدي محله، وقال الزهري وهو الراوي للحديث: لم يقل أحد بالشرط إذ لو تحلل بالشرط من غير هدي لما شرع الهدي؛ لأن كل من أحرم كان يشترط، وقال إمام الحرمين: تأويل الحديث أي حبسني الموت، أي حين أدركني الموت انقطع إحرامي، قال النووي: هذا التأويل باطل.
م: (ولأن التحلل بالهدي مشروع في حق المحصر لتحصيل النجاة) ش: من الصيد. م: (وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ، والآية في الإحصار بالعدو، بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، والأمان من العدو لا المرض، وإنما يكون من المرض الشفاء؛ ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان محصرًا بالعدو، وفيما لم يرد به النص يتمسك بالأصل، وهو لزوم الإحرام إلى مراد الأفعال، إلا أن يشترط ذلك عند الإحرام لما مر من الحديث، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: لا حصر إلا من العدو دون المرض، واستدل عليه بهذه الآية ذكر ذلك عنه ابن زيد في " القواعد ".
م: (ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة) ش: منهم ابن السكيت، وهو من كبار أهل اللغة، قال في كتاب " الإصلاح ": يقال: قد أحصره المرض إذا منعه من السفر، أو من حاجة يريدها وقد حصره العدو يحصره حصرًا إذا منعوا عليه فعلم أن الإحصار بالمرض والحصر بالسكون بالعدو، ومنهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في كتاب " الجمهرة ": أحصر الرجل إذا منع من النقرة لمرض أو عائق في التنزيل، فإن أحصر ... ثم الإحصار وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر، أو عدو، يقال: أحصر الرجل إحصارًا فهو محصر، وإن حبس في سجن أو دار فهو محصور، وقال أبو جعفر النحاس: جميع أهل اللغة على أن الإحصار إنما هو من المرض ومن العدو، ولا يقال إلا حصر.
وقال الأخفش والكسائي، والفراء، وأبو عبيدة: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته، وأحصرني بولي. وقالوا: وما كان من ذهب نفقة، أو مرض [....] أحصر، وما كان من عدو، وأحصروا قبل منه حصر. وقال ثعلب في الفصيح: أحصر بالمرض، وحصر بالعدو، وقال النووي: قال أهل اللغة: أحصره، وحصر بالعدو، وقيل: أحصر وحصر بمعنى واحد قاله أبو عمرو الكسائي، وحكى ابن فارس أن ناسًا يقولون: حصره المرض، وأحصره العدو.

(4/444)


فإنهم قالوا: الإحصار بالمرض، والحصر بالعدو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإنهم) ش: أي فإن أهل اللغة. م: (قالوا: الإحصار) ش: يعني من باب الأفعال. م: (بالمرض، والحصر) ش: بسكون الصاد. م: (بالعدو) ش: كما ذكرناه مستقصى قبل في كلام المصنف بحث من وجهين: الأول: كان من حق الكلام أن يقال بإجماع أهل التفسير؛ لأن أهل اللغة لا تعلق لهم بورود الآية، وسبب نزولها. الثاني: إنما نزلت في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وكان الإحصار بالعدو.
وأجيب عن الأول: أن معناه بدلالة إجماع أهل اللغة أجمعوا على معنى ذلك المعنى أن تكون الآية واردة في الإحصار بالمرض.
وعن الثاني: بما قيل: النصوص الواردة مطلقة يعمل بها على إطلاقها من غير حمل على الأسباق الواردة، وهي الاجتهاد، ونقول أيضًا: إن العلة المبيحة للتحلل من الإحرام من الإحصار قدر مشترك، وهو المنع، وهو موجود في العدو والمرض فيعم بعموم العلة، ويوضحه ما رواه الترمذي: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا الصواف، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال: حدثني الحجاج بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى " فذكرت ذلك لأبي هريرة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقالا: صدق» .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود، وابن ماجه من طريق عبد الرزاق.
قلت: الحجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري المازني الذي له صحبة ورواية، وكان آخر من قاتل مع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وليس له عند الترمذي، ولا في بقية السنن إلا هذا الحديث الواحد.
فإن قلت: قال القرافي في " الذخيرة ": وهو حديث ضعيف.

(4/445)


والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه مع المرض أعظم. وإذا جاز له التحلل يقال له: ابعث شاة تذبح في الحرم وواعد من تبعثه بيوم بعينه تذبح فيه ثم يتحلل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا خطأ منه، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المهذب " روي بأسانيد صحيحة ولو كان فيه ضعف لما حكم بصحته، ونبه على ضعفه مع مخالفة مذهبه، وفي رواية لأبي داود من عرج أو كسر أو مرض، وفي رواية عن أحمد: في حبس بكسر، أو مرض، وقال ابن حزم في " المحلى ": صح عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أفتى في محرم بعمرة لذع فلم يقدر على النفوذ أن يبعث بهدي ويواعد أصحابه، فإذا بلغ الهدي المحل، وصح عنه أيضًا أنه أفتى في مريض محرم لا يقدر على النفوذ بأنه لا ينحر عنه بدنة ثم ليهل عامًا قابلًا مثل إهلاله الذي أهل به.
والجواب عن استدلال الشافعي بالآية المذكورة: قد علم مما ذكرناه عن ابن عباس مضطربة، وتصديقه للحجاج بن عمرو - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودليل على اضطراب قوله، ويحمل قوله على نفي الكمال، مثل لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، والتحلل قبل أوانه هذا استدلال مفعول فيه ثانية الترك، كأنه قال: سلمنا أن آية الإحصار وردت في الحصر بالعدو ولا فرق بين الإحصار والحصر، لكن المرض ملحق به بالدلالة.
م: (لأن التحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه) ش: أي على الإحرام. م: (مع المرض أعظم) ش: لا محالة لكثرة احتياجه إلى المداواة، ويمتد ذلك. م: (وإذا جاز له التحلل) ش: بسبب العدو جاز بسبب المرض بالطريق الأولى؛ لأن الاصطبار على الإحرام مع المرض أشق من الاصطبار عليه بلا مرض، وإذا حد له التحلل. م: (يقال له: ابعث شاة) ش: يعني إذا ثبت له التحلل بالحصر بما ذكرنا من الدليل يقال له: ابعث شاة؛ ابعث: أمر، وشاة: منصوب. م: (تذبح) ش: على صيغة المجهول صفة شاة. م: (في الحرم) ش: في محل النصب على الحال.
م: (وواعد) ش: أمر من المواعدة إنما يحتاج به إلى المواعدة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن دم الإحصار عنده غير موقت بزمان، أما عندهما موقت بيوم النحر، فلا يحتاج إلى المواعدة كذا في " المحيط " و" المبسوط ". وأما في العمرة فمستقيم على قولهم جميعًا. م: (من تبعثه) ش: فيقول: واعد، والخطاب فيه للمحصر. (بيوم بعينه) ش: اللام فيه متعلق بقوله: واعد.
م: (تذبح فيه) ش: أي في ذلك اليوم بعينه، وتذبح على صيغة المجهول أيضًا. قال الأترازي: يذبح مجزوم على أنه جواب الأمر.
قلت: يجوز أن يكون مرفوعًا على تقدير: هو يذبح فيه. م: (ثم تحلل) ش: أي بعد الذبح،

(4/446)


وإنما ينبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص على ما مر، فلا يقع قربة دونه، فلا يقع به التحلل، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتوقت به؛ لأنه شرع رخصة، والتوقيت يبطل التخفيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبعد التحليل هو مخير إن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه صار ممنوعًا من الذهاب إلى مكة يخير بين المقام، والانصراف كذا في " المبسوط "، وفي " جامع قاضي خان ": ويبقى محرمًا ما لم يذبح حتى لو فعل مثل الذبح ما يفعله الحلال فقد ارتكب محظور إحرامه.
م: (وإنما يبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص) ش: والإراقة لم تعرف قربة قام مقام الحلق في أوانه، وهو في أوانه نسك، فكذا ما قام مقامه، وأوانه بعد ركن الحج، وهو الوقوف بعرفات، لكنه لما وقع قبل الأداء، والأوان اعتبر جناية، فقيل: إنه دم كفارة. م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: في فصل الصيد: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. م: (فلا يقع قربة دونه) ش: أي فلا يقع دم الإحصار قربة دون الحرم. م: (فلا يقع به التحلل) ش: أي فلا يقع بدونه التحلل يعني إذا ذبح دم الإحصار في غير الحرم لا يحصل التحلل.
م: (وإليه) ش: أي وإلى كون دم الإحصار قربة. م: (الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) بالكسر عبارة عن المكان كالمسجد والمجلس، نهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي محله، موضع حله؛ فسر المحل بقوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وليس المراد عين البيت؛ لأنه لا يراق فيه الدماء فكان المراد به الحرم. م: (فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم) ش: أي ينعقد إلى الحرم مأخوذ من الإهداء والهدية، ولهذا لو جعل ثوبه هديًا لزمه تبليغه إلى الحرم، كذا في " الأسرار ". وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للمحصر التحلل بلا هدي إلا أن يكون معه هدي ساقه، وهو خلاف القرآن، والحديث.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتوقت بالحرم) ش: ويجوز أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه. م: (لأنه) ش: أي لأن الهدي. م: (شرع رخصة) ش: أي لأجل الرخصة. م: (فالتوقيت) ش: بالحرم. م: (يبطل التخفيف) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر مع أصحابه في الحديبية نحروا بها وهي خارج الحرم. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، المراد بالمحل الحرم كما ذكرنا، وأما ما يستدل به فقد اختلفت الروايات في نحره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين أحصر. «روي أنه أرسلها على يد ناجية الأسلمي لينحرها في الحرم حتى قال ناجية: ما لنا أصنع بما تبعث

(4/447)


قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته، وتجوز الشاة؛ لأن المنصوص عليه الهدي والشاة أدناه، وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا، وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك قد يتعذر، بل له أن يبعث بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك وتذبح عنه. وقوله: ثم تحلل إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير، وهو قول أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال: " انحرها، واصبغ نعلها بدمها، واضرب صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس، ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئًا.» وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية، وهو قَوْله تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] (الفتح: الآية 25) .
وأما الرواية الثانية فإن صحت فنقول: الحديبية من الحرم؛ لأن نصفها من الحل، ونصفها من الحرم، وكان يضارب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحد، ومصلاه في الحرم، وإنما تبعث الهدايا إلى جانب الحرم، ونحرت فيه، ولا يكون للخصم حجة.
وقيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مخصوصا بذلك؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان يجد في ذلك الوقت من يبعث الهدايا مع يده إلى الحرم، كذا في " المبسوط "، وقال الواقدي: الحديبية: هي طوف الحرم على سبعة أميال، وقال أبو القاسم بن عبيد الله بن خردويه في كتابه " حدود الحرم ": من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن على سبعة أميال، ومن طريق الطائف على أحد عشر ميلًا، ومن طريق جدة على أحد عشر ميلًا، ومن طريق العراق على تسعة أميال.
م: (قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته) ش: أي الذي يراعى هنا أصل التخفيف لا نهاية التخفيف، ولهذا لم يستحق التخفيف من لم يجد الهدي، بل يبقى محرمًا حتى يطوف ويسعى كما يفعل فائت الحج. م: (وتجوز الشاة) ش: يعني في الهدي، وذكر في " المحيط ": إذا كان معسرًا لا يجد قيمة الشاة أقام حرامًا حتى يطوف ويسعى كما يفعله فائت الحج. م: (لأن المنصوص عليه الهدي) ش: أي في قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) . م: (والشاة أدناه) ش: أي أدنى الهدي؛ لأن الهدي من الإبل، والبقر، والغنم. م: (وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا) ش: أي يجزئه سبع البقرة أو سبع البدنة كما في الأضحية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن عطاء قال: للمحصر إذا لم يجد الهدي، قوم الهدي طعامًا يتصدق به على المساكين، فإن لم يكن عنده طعام صام لكل نصف صاع يومًا، وقال أبو يوسف: قول عطاء أحب إلي.
م: (وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك) ش: أي بعث الشاة بعينها. م: (قد يتعذر، بل له أن يبعث) ش: شاة. م: (بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك) ش: أي في الحرم. م: (وتذبح عنه. وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم تحلل؛ إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير) ش: وذلك لأنه لم يشترط الحلق للتحلل. م: (وهو) ش: أي عدم اشتراط الحلق للمحصر. م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه ذلك) ش: أي على المحصر

(4/448)


حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه ذلك، ولو لم يفعل لا شيء عليه؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حلق عام الحديبية، وكان محصرا بها وأمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بذلك. ولهما أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها، وفعل النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف.
قال: وإن كان قارنا بعث بدمين لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحلق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي " الكافي ": المراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذلك، أي الحلق استحبابًا لا وجوبًا، بدليل قوله. م: (ولو لم يفعل) ش: أي الحلق. م: (لا شيء عليه) ش:
فإن قلت: لا مطابقة بين الدليل والمدلول؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أمره فيما قربه دليل الوجوب، فكيف يصح دليلًا على قول: ولو لم يفعل لا شيء عليه.
قلت: عن أبي يوسف روايتان في المسألة، في رواية: يجب الحلق، وفي رواية: لا يجب، ذكره المحبوبي، والمصنف ذكر دليل رواية الوجوب فقط، وقيل: لا؛ لأن ترك الواجب يوجب الدم، وترك السنة يوجب الإساءة، ولم يذكر واحدًا من الأمرين. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: لا يتحقق الخلاف، وإنما يتحقق على ما روي في " النوادر " أن عليه الحلق، وإن لم يحلق فعليه دم.
م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (حلق عام الحديبية، وكان محصرا بها وأمر أصحابه بذلك) ش: أي بالحلق، والحديث صحيح، رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ ولأن الإحصار يمنع من الطواف والسعي، ولم يمنع من الحلق فما منع سقط للضرورة، وما لم يمنع لم يسقط لعدم الضرورة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها) ش: أي قبل أفعال الحج، ولم توجد أفعال الحج، فلا تكون قربة؛ ولأن الحلق من توابع الإحرام قد يؤمر به المحصر كالرمي. م: (وفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه) ش: هذا جواب عما تمسك به أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيانه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر بالحديبية صالح مع كفار قريش أن يعتمر في العام القابل، وكان رأي أصحابه أن يحاربوهم ويعتمروا من عامهم ذلك، فحلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر أصحابه بذلك. م: (ليعرف استحكام عزمهم على الانصراف) ش: أي على الرجوع؛ لأن حكم الله كان في الرجوع لا لأجل أن الحلق واجب.

[ما يفعل المحصر لو كان قارنا]
م: (قال: وإن كان) ش: أي المحصر. م: (قارنا بعث بدمين لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين) ش: وعند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يكفيه دم. م: (فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن

(4/449)


فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما؛ لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة. ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء، اعتبارا بهدي المتعة والقران، وربما يعتبر أنه بالحلق إذ كل واحد منهما محلل. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه دم كفارة حتى لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان كسائر دماء الكفارات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحج، ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما؛ لأن التحلل منهما) ش: أي من الإحرامين. م: (شرع في حالة واحدة) ش: فلم يصح تقديم التحلل عن أحدهما كما في " المدرك ".
فإن قلت: وجب أن يكتفى بهدي واحد؛ لأن الهدي شرع في التحلل، والتحلل عن الإحرامين يقع بتحلل واحد، كما لو حلق قبل الذبح بعد أداء الأفعال.
قلت: ليس هذا كالحلق؛ لأن الحلق في الأصل محظور الإحرام، وإنما صار قربة بسبب التحلل، فكان قربة لمعنى في غيره لا في نفسه، فينوب الواحد عن اثنين كالطهارة الواحدة تكفي للصلاة الكثيرة، وكالسلام الواحد في باب الصلاة، فإنه يكفي للتحلل عن صلوات كثيرة، فأما الهدي شرع للتحلل؛ إلا أنها قربة مقصودة بنفسها بدون التحلل كما في الأضحية، وما شرع قربة مقصودة بنفسها، فلا ينوب الواحد عن الاثنين كأفعال الصلاة.

[مكان ووقت ذبح دم الإحصار]
م: (ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم) ش: إنما أعاد هذه المسألة مع أنه ذكرها عن قريب في هذا الباب توطئة لقوله. م: (ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: زيادة في بيان أن دم الإحصار أعرف في الاختصاصية بالمكان، حيث لم يختلف فيه أصحابنا من اختصاصه بالزمان؛ لأنه مختلف فيه، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز ذبحه قبل يوم النحر.
م: (وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة) ش: أن يذبح. م: (متى شاء) ش: أي بالإجماع. م: (اعتبارا بهدي المتعة والقران) ش: فإنهما موقتان بالزمان، والمكان بلا خلاف، وهذا متصل بقوله: إلا في يوم النحر بالعمرة متى شاء، ففرقنا بينهما احترازًا. م: (وربما يعتبر أنه) ش: أي ربما يعتبر أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله - الذبح. م: (بالحلق؛ إذ كل واحد منهما محلل) ش: هذا بيان وجه الاعتبار بالحلق، أي القياس عليه بيانه أن كل واحد منهما دم يتحلل به عن إحرام الحج، فلا يجوز قبل أوان التحلل كالحلق.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن الذبح. م: (دم كفارة حتى لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان كسائر دماء الكفارات) ش: لأن هذا دم واجب لأجل الخروج عن الإحرام قبل أداء الأفعال، والخروج عن الإحرام قبل أداء الأفعال جناية، فيكون ما وجب لأجله

(4/450)


بخلاف دم المتعة والقران؛ لأنه دم نسك، وبخلاف الحلق؛ لأنه في أوانه؛ لأن معظم أفعال الحج وهو الوقوف ينتهي به. قال: والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة، هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كفارة كما في سائر الجنايات، ولهذا لا يباح له التناول بالاتفاق. والكفارات تختص بالمكان دون الزمان بالاتفاق. م: (بخلاف دم المتعة والقران) ش: هذا جواب عن اعتبارهما، والذي بالحلق بيانه أن هذا الاعتبار غير صحيح. م: (لأنه) ش: أي لأن دم المتعة والقران. م: (دم نسك) ش: وما هو دم نسك يختص بالزمان، فكذا هذا.
م: (وبخلاف الحلق) ش: هذا جواب عن اعتبارهما الآخر، بيانه أن اعتبارهما الذبح بالحلق لا يصح. م: (لأنه) ش: أي لأن الحلق. م: (في أوانه؛ لأن معظم أفعال الحج وهو الوقوف) ش: بعرفة. م: (ينتهي به) ش: أي بوقت الحلق، ووقت الحلق مبدؤه طلوع الفجر من يوم النحر، فلا بد أن يقع الحلق في يوم النحر. وقال صاحب " الأسرار ": قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، من غير اشتراط زمان، فالاشتراط بالناس نسخ. م: (والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة) ش: وفي غالب النسخ قال: والمحصر بالحج، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المحصر بالحج ... إلخ.
م: (هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: قال الأكمل: وابن عباس، وعمر قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من فاته عرفة بليل، فقد فاته الحج فيتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل» قال: والحديث عام في الذي فاته الحج لفوات وقت الوقوف، وبفواته في الإحصار لأن كلًا منهما قد فاته عرفة، وقلنا بوجوب العمرة، وأما الحجة فإنها تجب قضاء لصحة الشروع فيها، انتهى.
قلت: المصنف لم يبين من أخرج الذي ذكره، ولو كان له أصل لبينه مخرج الأحاديث، وإنما قال بعد قوله: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ... إلى آخره، ذكره أبو بكر الرازي عن ابن عباس، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا غير، وقد ذكرنا فيما مضى ناقلًا عن السروجي أنه قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذكرنا هناك أيضًا أنه قول مالك، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: لا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الإسلام.

(4/451)


ولأن الحجة تجب قضاء لصحة الشروع فيها والعمرة لما أنه في معنى فائت الحج،
وعلى المحصر بالعمرة القضاء، والإحصار عنها يتحقق عندنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتحقق؛ لأنها لا تتوقت. ولنا أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا؛ ولأن شرع التحلل لدفع الحرج، وهذا المعنى موجود في إحرام العمرة، وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج. وعلى القارن حج وعمرتان، أما الحج وإحداهما فلما بينا، وأما الثانية لأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الحجة) ش: دليل آخر. م: (تجب قضاء لصحة الشروع فيها) ش: والشروع الصحيح ملزم. م: (والعمرة) ش: أي وقت العمرة. م: (لما أنه) ش: أي أن المحصر. م: (في معنى فائت الحج) ش: لأن في كل واحد منهما خروجًا عن الإحرام بعد الشروع قبل أداء الأفعال ثم فائت الحج يتحلل بأداء العمرة ويقضي الحج، فكذا هذا.
فإن قيل: العمرة في فائت الحج للتحلل، وهاهنا يحل بالهدي، فلا حاجة إلى إيجاب العمرة.
قلنا: والهدي لأجل لا يسقط العمرة الواجبة بعد تحقق الإحصار، لما أن المحصر في معنى فائت الحج، والعمرة واجبة، كذا ذكره العلامة حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وفي " المستصفى ": الهدي شرع لتعجيل التحلل عن الإحرام لا للتحلل عن الإحرام؛ لأنا لو شرطنا توقف تحلله بالعمرة يؤدي إلى إلحاق الضرر به لعجزه عنها بواسطة الإحصار.

[ما يلزم المحصر بالعمرة]
م: (وعلى المحصر بالعمرة القضاء؛ لأن الإحصار عنها يتحقق عندنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتحقق) ش: أي الإحصار عن العمرة. م: (لأنها لا تتوقت) ش: لعدم تحقق الفوات. م: (ولنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا) ش: هذا الحديث قد صح من وجوه كثيرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالعمرة بالحديبية فقضوها من القابل، وكانت تسمى عمرة القضاء، على أن مالكًا قد أورد في " الموطأ «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أهل بعمرة عام الحديبية» .
م: (ولأن شرع التحلل) ش: أي لأن مشروعية التحلل الكائن الناشئ من امتداد الإحرام. م: (لدفع الحرج، وهذا المعنى موجود في إحرام العمرة) ش: بالشروع، فيشرع التحلل. م: (وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج) ش: أي كما في المحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة. م: (وعلى القارن) ش: أي وعلى المحصر القارن. م: (حجة وعمرتان، أما الحج وإحداهما) ش: أي وأحد العمرتين. م: (فلما بينا) ش: يعني في المفرد من كونه يعني فائت الحج.
م: (وأما الثانية) ش: أي وأما العمرة الثانية. م: (فلأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها) ش: فوجب قضاؤها، فإن بعث القارن هديًا، قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر القارن هنا وقع غلط ظاهر من النساخ، فالصواب أن يقال: فإن بعث المحصر، بيان الغلط من وجهين،

(4/452)


فإن بعث القارن هديا وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما: أنه ذكر وإن بعث القارن هديا، ويجب على القارن بعث الهدي فلأنه يتحلل بالواحد؛ لأنه ذكر قبل هذا في الباب، فإن كان قارنًا بعث بدمين. والثاني: أن المصنف جمع بين روايتي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، و" الجامع الصغير "، وهذه المسألة مذكورة في هذين الكتابين في حق المحصر بالهدي بالحج، ودفع الكاكي هذا عن المصنف فقال: يمكن أن يكون، وهذا المراد من قوله: هدي، أي لكل واحد من الحج والعمرة، أو يكون أراد بالهدي الجنس كما في قول الراوي: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاهد ويمين» أن بجنس الشاهد عند إقامة البينة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دفع هذا: لما كان كلام المصنف قبل هذا في القارن لم يرد ذلك النظر.

وقال: م: (فإن بعث القارن هديًا) ش: والهدي إلى الحرم سواء كان ذلك دمين، أو دمًا واحدا وثوبا، وكان ذكر الواجب عليه دمان، وهما هدي القارن، فكأنه قال: فإن بعث القارن دمين فلا منافاة بين هذا وبين ما تقدم، ولا هو غالط في الكلام ولا من فسخه، بل ربما لو قال: فإن بعث المحصر كما بينا في حق القارن، ولو قال: هديين كان غير فصيح؛ لأنه اسم لجنس ما يهدى، ولا شيء إلا إذا قصد الأنواع، وليس بمقصود، انتهى.
قلت: كلامه لا يخلو عن النظر؛ لأن قوله: لأنه اسم جنس، وهذا غير صحيح، وكذلك في كلام الكاكي نظر من هذا الوجه، ووجه آخر أن الأصل عدم التقدير، وقال الأترازي: قيد بالقارن في " الهداية " وليس فيه كثير فائدة؛ لأن الحكم في المفرد بالحج كذلك، ولهذا وضع القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في مطلق المحصر، ولم يقيد بالقارن فقال: وإذا بعث المحصر هديا، ولم يقيد في " الجامع الصغير " أيضًا بالقارن وضع المسألة في المحصر بالحج، على أنه كان ينبغي أن يقول صاحب " الهداية " هديين؛ لأن القارن المحصر يبعث الهديين، انتهى.
قلت: لا يصح نفيه على الإطلاق، وأما نفي الأكمل العدد؛ لأنه قال: لم يرد به هاهنا، ونحن لا نسلم من أن يكون المراد العدد؛ لأن ذكر القارن قبله وبأن عليه دمين قرينة على صحة الإرادة من قوله: هديا هديين، وقول الأكمل، ولو كان غير فصيح لا يقبل هنا؛ لأن هذا في كلام الفصحاء، وكلام الفقهاء في متون الكتب مشحونة بالتسامح، والتساهل في الكلام.
م: (وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار) ش: هنا أربعة أوجه: القسمة العقلية؛ لأنه إما أن لا يدرك الهدي، أو يدركهما، أو يدرك الهدي دون الحج أو بالعكس، فذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع ذلك، فالأول هو قوله: م: (فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه) ش: لعدم الفائدة.

(4/453)


فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه بل يصبر حتى يتحلل بنحر الهدي لفوات المقصود من التوجه، وهو أداء الأفعال. وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة له ذلك؛ لأنه فائت الحج. فإن كان يدرك الحج والهدي لزمه التوجه لزوال العجز قبل حصول المقصود بالخلف. فإذا أدرك هديه صنع به ما شاء؛ لأنه ملكه وقد كان عينه لمقصود استغنى عنه.
وإن كان يدرك الهدي دون الحج؛ يتحلل لعجزه عن الأصل. وإن كان يدرك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا، وهذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج؛ لأن دم الإحصار عندهما يتوقت بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدي، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق؛ لعدم توقت الدم بيوم النحر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: ينبغي أن يلزم المتوجه ليتحلل بأفعال العمرة، وأنه واجب وله القدرة على ذلك.
قلت: لأنه قد فاته المقصود الأعظم، وهو الحج، وقد رخص له التحلل ببعث الهدي، فجاز له أن يتحلل.
م: (بل يصبر حتى يتحلل بنحر الهدي) ش: المبعوث. م: (لفوات المقصود من التوجه) ش: وهو الإدراك للحج، والهدي معًا، وهو معنى قوله: م: (وهو أداء الأفعال) ش: أي أفعال الحج. م: (وإن توجه) ش: الثاني. م: (ليتحلل بأفعال العمرة له ذلك؛ لأنه فائت الحج. فإن كان يدرك الحج والهدي لزمه التوجه لزوال العجز) ش: وهو عدم الإدراك. م: (قبل حصول المقصود بالحلق) ش: كالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة به. م: (فإذا أدرك هديه صنع به ما شاء؛ لأنه ملكه وقد كان عينه لمقصود استغنى عنه) ش: بإدراك الأصل.

[مكان ذبح الهدي للمحصر]
م: (وإن كان يدرك الهدي دون الحج) ش: وهو الوجه الثالث. م: (يتحلل لعجزه عن الأصل) ش: وفي بعض النسخ بعجزه عن الأصل بالباء الموحدة، أي بسبب عجزه، والتقدير في الكلام، أي لأجل عجزه. م: (وإن كان يدرك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا، وهذا التقسيم) ش: أراد به إدراك الحج دون إدراك الهدي هو الوجه الواقع. م: (لا يستقيم على قولهما) ش: أي على قول أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -. م: (في المحصر بالحج؛ لأن دم الإحصار عندهما يتوقت بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدي، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي المحصر بالعمرة يستقيم) ش: هذا الوجه الرابع. م: (بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصاحبيه. م: (لعدم توقت الدم بيوم النحر) ش: فلا يلزم إدراك الحج إدراك الهدي، ويجوز أن يكون بنفاذ الذبح أول يوم من عشر ذي الحجة مثلًا على قولهما، فلا يتأتى لأن الهدي موقت بيوم النحر في الحصر بالحج، فمن أدرك الحج أدرك الهدي لا محالة، وفي المحصر بالعمرة اتفاق.
م: (وجه القياس وهو قول زفر) ش: ورواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أنه) ش: أي المحصر. م: (قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل، وهو الهدي) ش: كالمقيم

(4/454)


وجه القياس - وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل، وهو الهدي. وجه الاستحسان أنا لو ألزمناه التوجه لضاع ماله؛ لأن المبعوث على يديه الهدي ليذبحه ولا يحصل مقصوده، وحرمة المال كحرمة النفس، وله الخيار إن شاء صبر في ذلك المكان أو في غيره؛ ليذبح عنه فيتحلل، وإن شاء توجه ليؤدي النسك الذي التزمه بالإحرام وهو أفضل؛ لأنه أقرب إلى الوفاء بما وعد.
ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا؛ لوقوع الأمن عن الفوات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا وجد الماء في خلال الصلاة، وكالمريض إذا قدر على الوطء في مدة الإيلاء يبطل الفيء باللسان، وكالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة.
م: (وجه الاستحسان أنا لو ألزمناه التوجه لضاع ماله؛ لأن المبعوث على يديه الهدي ليذبحه) ش: أي لأجل أن يذبحه، وهو جواب أن، وفي غالب النسخ: يذبحه بدون اللام. م: (ولا يحصل مقصوده) ش: أي مقصود المحصر. م: (وحرمة المال كحرمة النفس) ش: يعني كما أن خوف النفس عذر في التحلل، فكذلك الخوف على المال.
فإن قلت: هذا الذي ذكره المصنف أن حرمة المال كحرمة النفس مخالف لما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأصوليون أن حرمة المال فجاز أن يكون وقاية النفس، فإذا أكره بالقتل على إتلاف مال غيره جاز الإقدام عليه.
أجيب: بأن حرمة النفس فوق حرمة المال حقيقة؛ لأنه مملوك ليستدل، فإنه يماثل المالك المستقل، ولكن حرمة المال تشبه حرمة النفس من حيث كون إتلافه ظلمًا لقيام عصمة صاحبه فيه، وإلى هذا أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بكاف التشبيه، فإن المشابهة بهذين الشيئين لا يقتضي اتحادهما من جميع الجهات، وإلا لارتفع التشبيه، ولو خاف على نفسه لا يلزمه التوجه، فكذا إذا خاف على ماله؛ لأنه ينبغي أن يضمن المبعوث على يده بالذبح لفوات مقصود المحصر، ولا وجه لإيجاب الضمان عليه لوجود الإذن.
م: (وله الخيار إن شاء صبر) ش: هذا على وجه الاستحسان، يعني لما جاز له التحلل استحسانًا كان له الخيار إن شاء صبر. م: (في ذلك المكان أو في غيره؛ ليذبح عنه) ش: بهديه الذي بعثه. م: (فيتحلل، وإن شاء توجه ليؤدي النسك الذي التزمه بالإحرام وهو الأفضل) ش: أي التوجه أفضل. م: (لأنه أقرب إلى الوفاء بما وعد) ش: وهو الحج؛ لأنه شرع فيه ووعد أداءه بقوله: اللهم إني أريد الحج، وأيضًا التوجه عمل بالعزيمة والتحلل رخصة.

[حكم من وقف بعرفة ثم أحصر]
م: (ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا؛ لوقوع الأمن عن الفوات) ش: أي لا يتحلل بالهدي عندنا، وبه قال مالك، وعند الشافعي، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لو أحصر عن طواف الزيارة، ولقاء البيت يكون محصرًا لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية ومن أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام؛ فصار كما إذا أحصر في الحل. وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر، أما على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به، والدم بدل عنه في التحلل، وأما على الوقوف فلما بينا

(4/455)


ومن أحصر مكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام؛ فصار كما إذا أحصر في الحل. وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر، أما على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به، والدم بدل عنه في التحلل، وأما على الوقوف فلما بينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
196 -) .
قلنا: حكم الإحصار يثبت عند خوف الفوت، وبعد الوقوف بعرفة لا يخاف الفوت؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» وكان المنع بعد التمام، فلا يكون محصرًا، ومعنى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أي: فإن منعتم عن إتمام الحج والعمرة، ولكنه يبقى محرمًا إلى أن يطوف للزيارة والصدر ويحلق أو يقصر، وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار دم، ولتأخير الطواف دم، ولتأخير الحلق دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان عليه أربعة دماء، وعندهما ليس لتأخير الطواف شيء.
فإن قيل: أليس أنكم قلتم: إذا ازدادت عليه مدة الإحرام يثبت حكم الإحصار في حقه، وقد ثبتت زيادة مدة الإحرام هاهنا فلما لم يثبت حكم الإحصار في حقه.
قلنا: ليس كذلك، فإنه يتمكن من التحلل بالحلق إلا في حق النساء، وإن كان يلزمه بعض الدماء فلا يتحقق العذر الواجب للتحلل، كذا في " المبسوط ".

[أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف]
م: (ومن أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام، فصار كما إذا أحصر في الحل) ش: حاصله أن الإحصار لا يتحقق عندنا، إلا إذا منع عن الوقوف والطواف جميعًا، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتحقق الإحصار بمكة مطلقًا، سواء قدر على الطواف أو لا، لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، قلنا: مورد النص فيمن أحصر، خارج الحرم بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) والنهي عن الحلق مقيدًا ببلوغ الهدي إلى الحرم دليل إلى أنه خارج الحرم.
م: (وإن قدر على أحدهما) ش: أي أحد الاثنين وهما الطواف والوقوف. م: (فليس بمحصر) ش: يعني لا يكون محصرًا يعني لا يتحلل بالدم؛ لأنه بأيهما أحصر، فله أن يأتي بالآخر.
م: (أما على الطواف) ش: أي أما لو قدر على الطواف. م: (فلأن فائت الحج يتحلل به) ش: أي بالهدي. م: (والدم بدل عنه) ش: أي عن الطواف. م: (في التحلل) ش: في حق المحصر بعمرة عن الطواف، فلما قدر على الطواف، وهو الأصل؛ لم يثبت البدل، وهو التحلل بالهدي.
م: (وأما على الوقوف) ش: أي أما لو قدر على الوقوف. م: (فلما بينا) ش: وهو قوله: ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرًا. م: (وقد قيل في هذه المسألة) ش: يعني قوله: ومن أحصر بمكة. م: (خلاف بين أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وهو ما ذكر علي بن جعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: سألت أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن المحرم

(4/456)


وقد قيل في هذه المسألة خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - والصحيح ما أعلمتك من التفصيل، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحصر في الحرم فقال: لا يكون محصرا. فقلت: أليس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحصر بالحديبية وهي من الحرم، فقال: إن مكة يومئذ كانت دار الحرب، فأما اليوم، فهي دار الإسلام، فلا يتحقق الإحصار فيها، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما أنا فأقول: إذا غلب العدو على مكة حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر.
م: (والصحيح ما أعلمتك من التفصيل) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصحيح من الرواية الممنوع من الوقوف والطواف يكون محصرًا باتفاق أصحابنا، وإذا قدر على أحدهما لا يكون محصرًا وهو معنى قوله: ما أعلمتك من التفصيل فافهم، والله ولي العصمة.

(4/457)


باب الفوات ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر، فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه، وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة» . وعليه الحج من قابل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الفوات] [حكم من أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة]
م: (باب الفوات) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام الفوات في الحج وآخره عن الإحصار؛ لأن الفوات إحرام وأداء، والإحرام والإحصار إحرام بلا أداء، فكان الإحصار قابلًا في العارضية، فقدم على الطواف وأيضًا معنى الإحصار من الفوات نازل منزلة المفرد من المركب، والمفرد قبل المركب.
م: (ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه) ش: أي إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وأراد بقوله: لما ذكرنا ذكره في الفصل المتقدم على باب القران.
م: (وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل) ش: أي بالحلق، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى محرمًا حتى يقف بعرفة في العام القابل، واختلف أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أن التحلل بماذا، قال بعضهم: يتحلل ويسعى، ويحلق قولا واحدًا.
وقال بعضهم في المسألة قولان: أحدهما: وهو الصحيح أن عليه طوافًا وسعيا وحلقًا، والثاني: أنه ليس عليه شيء، وقال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويقضي الحج من قابل) ش: أي من عام قابل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الحج فرضا يبقى في ذمته، ويحج من قابل، وإن كان تطوعًا يلزمه القضاء، وعن أحمد: لا قضاء في رواية. م: (ولا دم عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة. وعليه الحج من قابل) ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه عنه رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» ، ورحمة بن مصعب - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف. قال الدارقطني: رحمة ضعيف، وقد تفرد به. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وضعفه عن جماعة.

(4/458)


والعمرة ليست إلا الطواف والسعي، ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم. وهاهنا عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة، ولا دم عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه عن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي، عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه، ومن فاته عرفات، فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» . ويحيى بن عيسى النهشلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه: ليس بالقوي، وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": كان ممن ساء حفظه، وكثر وهمه حتى خالف الأثبات، فبطل الاحتجاج به، ثم أسند عن ابن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: كان ضعيفًا ليس بشيء، وقال في " التنقيح ": روى له مسلم، والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث، ولم يذكر أحد منهم ما حاله.

م: (والعمرة ليست إلا الطواف والسعي) ش: بين الصفا والمروة. م: (ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين) ش: وهما الحج والعمرة، قوله: صحيحًا، أي نافذًا لازمًا، لا يرتفع برافع احترز به عن إحرام الرقيق بغير إذن المولى. وإحرام المرأة في التطوع بغير إذن زوجها، فإن للمولى والزوج أن يحللاهما وليس باحتراز عن الإحرام الفاسد كما إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة، أو أحرم مجامعًا، فإن حكمه حكم الصحيح، قيل: قوله: لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين منقوض بالمحصر، فإن الهدي طريق له للخروج عنه، وأجيب بأنه بنى الكلام على ما هو الوضع، ومسألة الإحصار في العوارض تثبت بالنص، وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجواب: أجرى الكلام على ما هو الأصل فلا ترد العوارض نقضًا.
م: (كما في الإحرام المبهم) ش: أي لا، كما لا يخرج في الإحرام المبهم إلا بأحد النسكين، والإحرام المبهم بأن يقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يقول: بحج وعمرة. م: (وهاهنا) ش: يعني في مسألة الفوات عن الوقوف. م: (عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة) ش: لأن الحكم إذا دار بين الشيئين وانتفى أحدهما، تعين الآخر، وقد انتفى الحج منها لفائتة فتعين العمرة. م: (ولا دم عليه) ش: وقال الشافعي، ومالك، والحسن بن زياد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: عليه دم لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لأبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فاته الحج: فإذا أدركت الحج من قابل، فحج واهدي ما استيسر من الهدي، وهكذا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ ولأنه صار كالمحصر، فيجب عليه دم قياسًا عليه.

(4/459)


لأن التحلل وقع بأفعال العمرة، فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما. والعمرة لا تفوت وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها،
وهي يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولنا الحديث الذي رواه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور آنفًا وهذا دليل على أن الدم غير واجب؛ لأنه موضع الحاجة إلى البيان، واللائق بمنصبه البيان في موضع الحاجة، فإذا لم يبين، علم أنه ليس بواجب. روي عن الأسود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من فاته الحج يحل بعمرة، ولا دم عليه، وعليه الحج من قابل. ثم لقيت زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد ذلك بثلاثين سنة، فقال مثل ذلك، وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.
م: (لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما) ش: ولا يقاس أحدهما على الآخر؛ لأن كل واحد منهما قادر، وعاجز على ما يعجز عنه الآخر وعما يقدر عليه. م: (والعمرة لا تفوت) ش: لأنها غير مؤقتة. م: (وهي جائزة في جميع السنة) ش: حتى لو أهل بعمرة في أشهر الحج فقدم مكة يوم النحر يقضي عمرته، ولا دم عليه، والحاصل أن جميع السنة وقتها. م: (إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها) ش: أي فعل العمرة في هذه الخمسة أيام.
وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يكره في وقت من السنة، وقال مالك: تكره في أشهر الحج تعظيمًا لأمر الحج. وقد اختلف السلف في العمرة في أشهر الحج، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينهى عنها، ويقول: الحج في الأشهر، والعمرة في غيرها أكمل لحجكم وعمرتكم.
والصحيح أن العمرة جائزة فيها بلا كراهة بدليل ما روى البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الصحيح " بإسناده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر أربع عمر في ذي القعدة» .

م: (وهي يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة) ش: أخرج البيهقي عن شعبة عن يزيد عن معاذ، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعد ذلك. وقال الشيخ في " الإمام ": وروى إسماعيل بن عباس عن نافع عن طاوس - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال البحر يعني ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: خمسة أيام: عرفة، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، اعتمر قبلها وبعدها ما شئت.
وقال مخرج الأحاديث: ولم يعزه. قلت: روى سعيد بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لا يوافق كلام المصنف، ولا يوافقه إلا حديث ابن عباس -

(4/460)


ولأن هذه أيام الحج فكانت متعينة له. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه، ولكن مع هذا لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها؛ لأن الكراهة لغيرها وهو تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له فيصح الشروع، والعمرة سنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فريضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على ما لا يخفى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: تمت العمرة في السنة كلها إلا: يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التشريق، انتهى. قلت: هذا ليس فيه الكفاية للدليل، وإقامة الحجج.
م: (ولأن هذه) ش: أي هذه الأيام الخمسة. م: (أيام الحج فكانت متعينة له) ش: أي للحج: وروي. م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه) ش: وهو كون هذه العمرة يوم عرفة قبل الزوال وبعده. م: (ولكن مع هذا) ش: أي مع كونها مكروهة في الأيام الخمسة. م: (لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها) ش: أي بالعمرة إن لم يؤدها في هذه الأيام كبناء الصلاة بعد دخول الوقت المكروه. م: (لأن الكراهة لغيرها) ش: أي لغير عين العمرة، أراد أن الكراهة لمعنى في غيرها لا في نفسها. م: (وهو) ش: أي الكراهة لغيرها. م: (تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له) ش: أي للحج، ومن تعظيم أمره أن يجعل له الوقت خاصة لا يكون فيه غيره، فإذا كان الكراهة لمعنى في غيرها. م: (فيصح الشروع فيها، والعمرة سنة) ش: وفي " الينابيع ": أي سنة مؤكدة، وفي " البدائع ": اختلف أصحابنا فيها.
فمنهم من قال: إنها واجبة كصدقة الفطر، والأضحية، والوتر، ومنهم من أطلق عليها اسم السنة، وهي لا تنافي الوجوب، وفي " التحفة "، و" القنية ": اختلف المشايخ فيها، قيل: هي سنة مؤكدة، وقيل: واجبة، وقيل في " التحفة ": وهما متقاربان، وفي " الذخيرة ": لا يوجد في كتب أصحابنا أن العمرة تطوع، إلا في كتاب " الحجر ". وقال بعض المشايخ - ومنهم محمد بن الفضل -: فرض كفاية ذكره في " المنافع "، وبالأول قال الشعبي، والنخعي، ومالك، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو مذهب ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومنهم من قال: العمرة تطوع، وبه كان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ببغداد ثم قال بمصر: هي فريضة كالحج، وهو الجديد، وإليه أشار بقوله المصنف.
م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فريضة) ش: وبه قال أحمد، وابن حبيب، وأبو بكر بن الجهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من المالكية، ويروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكر ذلك ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأشراف "، قال: وهو قول عطاء،

(4/461)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العمرة فريضة كفريضة الحج»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومسروق، وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «العمرة فريضة كفريضة الحج» ش: هذا غريب.
وروى الحاكم في " مستدركه "، والدارقطني في " سننه " من حديث محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت» ، وقيل أحاديث أخر منها: ما رواه أبو داود والدارقطني رحمهما الله في سننهما " عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلًا قال: يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وأن تحج وتعتمر» .
ومنها ما رواه أبو رزين العقيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا ظعن، قال: " احجج عن أبيك، واعتمر.» ومنها ما رواه ابن ماجه في " سننه "، وأحمد في مسنده " عن محمد بن الفضيل عن حبيب عن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلى النساء جهاد؟ قال: " عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة» .
ومنها ما رواه الدارقطني من حديث الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتابًا وبعث به مع عمرو بن حزم وفيه أن العمرة الحج الأصغر» ومنها ما رواه البيهقي في " سننه " عن طريق ابن لهيعة عن

(4/462)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» .
والجواب عن هذه الأحاديث أما حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال الحاكم بعد أن أخرجه الصحيح عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله: وفي إسناده إسماعيل بن مسلم ضعفوه، ومحمد بن معبد قال البخاري فيه: منكر الحديث، ولم يرض به أحد. وقال حرفنا حديثه ما روى زيد بن ثابت مرفوعًا، وكذا أخرجه البيهقي موقوفا قال: وهو الصحيح.
وأما حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو مخرج في " الصحيحين " وليس فيه: وتعتمر وهذه الزيادة فيها شذوذ، قال صاحب " التنقيح " وأما حديث أبي ذر بن العقيلي فقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أصح من هذا، ولكن لا يدل على وجوب العمرة إذ الأمر فيه ليس للوجوب، فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه، وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة فيه لكونه غير متطبع، وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال صاحب " التنقيح "، قد أخرجه البخاري في صحيحه " من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة.
وأما حديث عمرو بن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي إسناده سليمان بن داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال غير واحد من الأئمة: إنه سليمان بن أرقم - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو متروك، وأما حديث جابر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ففي البيهقي، قال: ابن لهيعة غير محتج به، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله به واستدل من قال بفرضية العمرة بالآية الكريمة وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ؛ لأن الله تعالى عطف العمرة على الحج وأمر بهما، والأمر للوجوب، والواجب من هذا أن عمر وعليًا وابن مسعود وسعيد بن جبير وطاوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: إتمامها أن يحرم بها من دويرة أهله، فجعل الإتمام تقديم الإحرام بها على المواقيت المعروفة لا فرض العبادة.
وقال ابن القصار: استدلالهم بهذه الآية غلط؛ لأن من أراد أن يأتي بالسنة فواجب عليه أن يأتي بها تامة كمن أراد أن يصلي تطوعًا عليه يجب عليه أن يكون على طهارة ويأتي بها تامة الأركان والشروط، وما قالوه يبطل بعمرة ثانية وثالثة فإنه يجب إتمامها والمضي فيها وفي فسادها وإن لم تكن واجبة في الأصل. وقال أبو عمر حافظ المغرب: إن الله سبحانه وتعالى لم يوجب

(4/463)


ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ؛ ولأنها غير مؤقتة بوقت وتتأدى بنية غيرها كما في فائت الحج، وهذه أمارة النفلية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العمرة، ولا أوجبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في باب النفل ولا أجمع المسلمون على فرضيتها، والمفروض لا يثبت إلا من هذه الوجوه، فقد ثبت في " الصحيح " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بني الإسلام على خمس» ، وذكر منها «حج البيت» ولم يذكر العمرة. فلو كانت فريضة كالحج كما زعموا لذكرها، فسقط قول من ادعى أنها فريضة.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ش: هذا الحديث غريب مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه "، موقوفًا على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: حدثنا ابن إدريس وأبو ساحة عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الحج فريضة والعمرة تطوع» .
وروى ابن ماجه في " سننه ": حدثنا هشام بن عمار عن الحسن بن الحسن بن يحيى الحسني عن عمر بن قيس عن طلحة بن يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سمع رسول الله يقول: «الحج جهاد، والعمرة تطوع» . وعمر بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تكلم فيه.
وأخرج الترمذي عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن العمرة أواجبة؟ قال: " لا، وأن تعتمروا هو أفضل» ، وقال: حديث حسن صحيح، وهو قول بعض أهل العلم، قالوا: العمرة ليست بواجبة. وكان يقال: هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة.
م: (ولأنها غير موقتة) ش: أي ولأن العمرة غير موقتة. م: (بوقت) ش: إذ لو كانت فرضًا لتعلقت بوقت كالصلاة والصوم.. م: (وتتأدى بنية غيرها) ش: يعني تؤدى بإحرام غيرها بأن نواها بنية الحج. م: (كما في فائت الحج) ش: فإنه يتأدى بنية الحج الذي فاته. م: (وهذه أمارة النفلية) ش: يعني كونها غير موقتة وكونها تؤدى بنية غيرها، علامة النفلية، أي علامة كونها نفلًا، والفرض وبيان النفل، فإن النفل يتأدى بنية الفرض. والفرض الذي هو غير معين، لا يتأدى بنية النفل.
فإن قلت: هذا يشكل بالأيمان، وصلاة الجنازة، فإنهما فرضان وليسا بموقتين. وبالصوم

(4/464)


وتأويل ما رواه، أنها مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار. قال: وهي الطواف والسعي. وقد ذكرناه في باب التمتع، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإنه يتأدى بنية غيره وهو فرض.
قلت: عدم التوقيت في الأيمان نشأ من فرضية مبتدأة من غير انقطاع، فكان جميع العمر من غير انقطاع وقته، ولا كذلك العمرة فإنها غير الخصم، يتأدى بأكثره كما في سائر الفرائض. وأما صلاة الجنازة فوقتها حضورها، فكانت موقتة وتتأدى بنية غيرها. وأما صوم رمضان فإنها فرض يتأدى بنية النفل لكونه معينًا في وقت له معتاد، ولم يشرع في غيره. فكذلك لم يصح بنية النفل.
م: (وتأويل ما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي. م: (أنها) ش: أي العمرة. م: (مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار، قال: وهي الطواف والسعي، وقد ذكرناه في باب التمتع) ش: هذا التعليل كأنه جواب عما يقال: ما وجه هذا التأويل الذي أولتم وقلتم: إن الفرض هنا بمعنى التقدير؟
فأجاب بما حاصله: أن الآثار أي الأحاديث والأخبار، إذا تعارضت لا تثبت الفرضية؛ لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل مقطوع به.
فإن قيل: هو ثابت بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، عطف العمرة على الحج، والحج فريضة، والأمر بالإتمام، والأمر للوجوب؟
قلت: قد مر الجواب عن هذا عن قريب.
ونقول أيضًا، القران في النظم لا يؤوب القران في الحكم. والأمر إنما هو بالإتمام. والإتمام إنما يكون بالشروع. ونحن نقول به، وإن كانت في الابتداء سنة. والله أعلم بالتوفيق.

(4/465)