البناية شرح الهداية

كتاب النكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب النكاح] [ما ينعقد به النكاح]
م: (كتاب: النكاح) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام النكاح. وقال الكاكي: النكاح لغة الجمع والضم، ومن أمثال العرب: أنكحنا الفرى فسنرى، أي جمعنا بين حمار الوحشي الذكور والإناث فننظر ما يتولد منها فضرب مثلا لقوم يجتمعون على الأمر لا يدرون ما يصدر عنه. وحكى المبرد من البصريين عن الكوفيين أنه عبارة عن الجمع والضم، ويستعمل في الوطء لوجود الضم ويستعمل في العقد مجازا. قال الله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) . وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] (النور: الآية 32) ، والعقد موقوف على الإذن، ووطء الأيامى من بناتهن وأخواتهن حرام عليهم. وفي " شرح قاضي خان ": النكاح في اللغة والشرع حقيقة في الوطء مجاز في العقد. وقال الشافعي: إنه في الشرع عبارة عن العقد، لأنه تعالى حيثما ذكره في القرآن أراد به العقد، وهذا لا يصح، لأنه تعالى قال: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] (النور: الآية 3) . وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] (النساء: الآية 6) أراد به الوطء بالإجماع، وفي " شرح الأسبيجابي " النكاح لغة: الجمع المطلق، وشرعا: العقد بشرائطه. وقال فخر الإسلام: النكاح العقد الشرعي، ويذكر ويراد به الوطء، ثم قيل: إنه حقيقة فيهما لوجود معنى الضم فيهما. وقال فخر الإسلام: النكاح العقد الشرعي، والأصح أنه حقيقة في الوطء خاصة، لوجود معنى الضم فيه حقيقة، ولا يجوز أن يكون حقيقة في العقد؛ لأنه يؤدي إلى الاشتراك، وهو خلاف الأصل، وعليه فحول أهل اللغة. وفي " المبسوط ": النكاح لغة الوطء، ومنه قول الفرزدق:
التاركين على طهر نساءهم ... والناكحين بشط دجلة البقرا
يهجو بذلك قوما، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ناكح البهيمة ملعون» قال المطرزي: ثم قيل للتزويج نكاح لأنه سبب، ولما فرغ من بيان العبادات شرع في المعاملات؛ لأنها تالية لها إذ بها بقاء العابد ووجود العبادة، والبقاء بالكسب الحلال، والكسب الحلال يتوقف على معرفة المعاملات، ثم قدم النكاح وما يتبعه على سائر المعاملات، لأن فيه معنى العبادة فإن النكاح سنة الأنبياء والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار والآثار في توعد من رغب عنه وتحريض من رغب فيه، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس منى» ... " الحديث.

(5/3)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وزاد ابن ماجه من رواية بن ميمون عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعكاف بن وداعة: " لك أربع سنن من المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح» . رواه الترمذي من حديث أبي أيوب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال الترمذي: حسن غريب.
«وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعكاف بن وداعة: " هل لك زوجة؟ " قال: لا قال: " ولا جارية " قال: لا قال: " وأنت موسر " قال: وأنا موسر، قال: " أنت إذا من إخوان الشياطين إن سنتنا النكاح، شراركم عزابكم» .
هكذا نقله السروجي، ثم قال: رواه أحمد بن حنبل وابن عبد البر، وذكره جار الله في " الفائق " وزاد: «فإن كنت من رهبان النصارى، فالحق بهم، وإن كنت منا فسنتنا النكاح» ، انتهى.
قلت: نقله شيخنا زين الدين العراقي في شرحه للترمذي، وقال: وحديث عكاف، رواه أبو جعفر العقيلي في كتابه " الضعفاء " بإسناده إلى عطية بن بشر الهلالي «عن عكاف بن وداعة الهلالي أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " يا عكاف لك امرأة؟ " قال: لا، قال: " فجارية؟ "، قال لا، قال: " وأنت صحيح موسر؟ "، قال: نعم، قال: " فأنت إذا من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فسنتنا النكاح " [ ... ] والذي نفسي بيده ما للشياطين سلاح أبلغ. وقال بعضهم: أنفذ في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح، وابن وداعة أنهم صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف، قال: بأبي يا رسول الله وما كرسف؟، فقال: " رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام "

(5/4)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال بعضهم: ثلاثمائة عام يقوم الليل ويصوم النهار، فمرت به امرأة فأعجبته فتبعها وترك عبادة ربه وكفر بالله فتداركه الله عز وجل لما سلف فتاب عليه، فقال: بأبي أنت وأمي زوجني يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قل زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية» .
وقال القاضي: عكاف بن وداعة الهلالي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزواج، والحديث قوي، ثم قال شيخنا زين الدين: رواه أحمد في " مسنده "، قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا محمد بن راشد، عن مكحول، عن رجل عن أبي ذر قال: «دخل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل اسمه عكاف بن بشر التميمي فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل لك من زوجة؟» " وساق الحديث بكماله، وروى البيهقي في حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى» .
وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لو لم يبق من أجلي إلا يوما واحد لقيت الله تعالى بزوجة فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول «شراركم عزابكم» ، وروى البغوي في " معجم الصحابة " من حديث أبي نجيح، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قدر على أن ينكح فلم ينكح فليس منا» .
وابن نجيح هذا ذكره البغوي وابن عبد البر في الصحابة، وروى الطبراني من حديث ابن موسى: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا فإن التزوج خير من عبادة ألف سنة» .
قلت: ذكره صاحب " الفردوس ".
بهذه الأحاديث أخذت الظاهرية، حيث قالوا: النكاح فرض عين حتى إن من قدر على الوطء، والإنفاق يأثم بتركه، واختلف أصحابهم فقيل: فرض كفاية وبه قال بعض أصحاب الشافعي.
وقيل: مستحب وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقيل: سنة مؤكدة، وقال بعضهم: واجب على الكفاية. وفي " المبسوط ": النكاح سنة مستحب في قول جمهور العلماء. وفي " المحيط " سنة مؤكدة. وفي " المنافع " قوله: من قال إنه فرض كفاية عند المتأخرين من مشايخنا، وقيل: وهو قول الكرخي. وفي " البدائع ": النكاح فرض حالة التوقان وخوف

(5/5)


قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن الماضي؛ لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا فقد جعلت للإنشاء شرعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوقوع في الزنا بلا خلاف.
وفي " المبسوط ": لا يسعه تركه حينئذ. وقال النسفي: النكاح سنة، يعني في حال الاعتدال، وعند التوقان يجب، وهو غلبة الشهوة، وقالوا: حالة الجور مكروه، لأنه لا يظهر المصالح المطلوبة من النكاح في حالة الجور.
فإن قلت: روي عن حذيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ قال: إذا كان سنة خمس ومائة فلأن يربي أحدكم جروا كلبا خير له من أن يربي ولد المرء، وروي أيضا: خيركم الذي لا أهل له ولا ولد.
قلت: قال ابن حزم: وهما موضوعان؛ لأنهما من رواية أبي عاصم، رواه الجراح العسقلاني، لا يحتج به، وبيان وضعهما أنه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الإسلام والجهاد والدين، وغلب أهل الكفر، فيظهر رده بلا شك، انتهى كلامه.

م: (قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: أراد به أن النكاح ينعقد بالعقد الشرعي الذي يوجب حل المرأة بنفسه، وإنما قيد بنفسه احترازا عن البيع، فإنه يوجب حلها بواسطة ملك الرقبة والعقد والربط، يقال: عقد الحبل إذا ضم أحد طرفيه بالآخر وهي العقدة، ومنها عقدة النكاح والربط. والانعقاد مطاوعة ليصير كلام أحد العاقدين منضما إلى الآخر حكما، ويحصل تركيب شرعي له آثار مخصوصة عند وجود الشرائط، وأراد بالإيجاب إخراج الممكن من الإمكان إلى الوجود على ما هو المعروف عند المتكلمين، لا الإيجاب الذي يعاقب بتركه.
وقلنا: زوجت وتزوجت آلة انعقاده، وقوله: ينعقد بالإيجاب إشارة إلى هذا لأن الباء تدخل على الآلة كما يقال: قطعت بالسكين وكتبت بالقلم، وكذا قولهم: البيع ينعقد بكذا، يعنون به العقد الشرعي الذي يوجب الملك في المحل.
م: (بلفظين) ش: قيد باللفظين ليخرج الكتابة، فإنه لو كتب رجل على شيء لامرأة زوجيني نفسك، فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقيبه زوجت نفسي منك، لا ينعقد النكاح وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
م: (يعبر بهما) ش: أي يبين بهما لأن التعبير والعبارة البيان م: (عن الماضي) ش: أي عن صيغة الفعل الماضي بأن تقول المرأة: زوجت نفسي منك، ويقول الرجل: قبلت م: (لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا) ش: أي للإخبار في أصل الوضع، لأن الإخبار إظهار ما كان أو سيكون لا لإثبات ما لم يكن. لأن قولك أقمت لا يوجب القيام. وكذلك قولك: تزوجت لا يثبت التزويج وضعا ولغة م: (فقد جعلت) ش: أي الصيغة. م: (للإنشاء شرعا) ش: أي من حيث الشرع: لأن الإنشاء إثبات أمر لم يكن.

(5/6)


دفعا للحاجة.

وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل مثل أن يقول: زوجني فتقول: زوجتك، لأن هذا توكيل بالنكاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإنما جعلت م: (دفعا للحاجة) ش: لأن الحاجة كانت متحققة في الجاهلية، وكانت لهم أنكحة مقدرة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» ، فقدرها الشارع، وإنما اختير لفظ الماضي للإنشاء؛ لأنه يقتضي سبق الوجود، فيكون أدل على الوجود فصار الوجود حقا له، والفرق بين الإنشاء والإخبار أن الإنشاء سبب لمدلوله وليس الإخبار سببا لمدلوله، ولأن الإنشاء يتبعه مدلوله، والإخبار يتبع المدلول، ولأن الإنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، والإخبار يحتملها.

م: (وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل) ش: قال الإمام حميد الدين: ينظر الانعقاد بالماضي والمستقبل؛ مثل أن يقول الرجل: إني تزوجت وقالت المرأة زوجت نفسي منك، قد صح النكاح، ويكون بلفظ المستقبل تبعا للماضي، وما ورد في الكتاب مثل قوله: م: (مثل أن يقول) ش: أي الرجل م: (زوجني فتقول) ش: أي المرأة م: (زوجتك) ش: قال حميد الدين: قيل: إنه غير صحيح؛ لأن قوله: زوجني توكيل، فلا يكون معطى العقد، قال والنظير الواضح ما قلنا.
ويجاب: بأن الواحد يتولى طرفي العقد في النكاح دون البيع وهو معنى قوله: م: (لأن هذا) ش: أي قوله زوجني م: (توكيل بالنكاح) ش: والولي الواحد يتولى طرفي النكاح على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والحاصل أن قوله زوجتك بمنزلة الإيجاب والقبول، والتوكيل بمنزلة التحصين، والواحد يتولى طرفي العقد، لكن قوله زوجتك لا يكون بمنزلة شطري العقد، إلا بقوله: زوجني؛ لأن به يصير وكيلا، فصار كأنه شطر العقد استحسانا.
والفرق بين النكاح والبيع أن الحقوق في البيع تتعلق بالوكيل، والوكيل بالنكاح ليس كذلك لأنه لا يطالب بتسليم المهر ولا غيره، وفي " شرح الأسبيجابي ": قدرة الزوج على الرد يفضي إلى الإضرار بها وإلحاق العار والشنار، بقبيلتها؛ لأنهم إذا أوجبوا العقد عند قوله: _ زوجني _ بأن قال الولي: زوجتك مثلا لو لم يتم العقد بهذا جاز للزوج أن يرجع ويلحق بالولي عار وشنار وهذا لا يجوز، لأنه يقال: زوجها ابنه فلم يقبله بخلاف البيع حيث لا عار في رده، وكذا لو قال الزوج: جئتك لتزوجني ابنتك، فقالت ابنة الرجل قد زوجتك صح النكاح ولزم، وكذا لو قال لامرأة: أتزوجك على ألف درهم، فقالت: قد تزوجتك على ذلك صح، لأن النكاح لا يحصره اليوم. وفي " خزانة الأكمل ": أتزوجك بكذا، أو أخطبك على كذا، فقالت: قد زوجتك نفسي صح، وهو استحسان، بخلاف البيع والخلع، ذكره السرخسي.

(5/7)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المرغيناني ": ينعقد بقوله: زوجتك ويقول الآخر قبلت، أو قال: أتزوجك فقالت قد قبلت، ولو قال: خطبتك بألف فقالت زوجت نفسي منك كان نكاحا. وفي الخبر المروي عن أبي حنيفة قال زوجني ابنتك، فقالت: قد تزوجتك صح، قال: قد زوجتك بنتي بألف، فقال: قبلت، وسكت عن المهر صح، وإن قال قبلت ولا أقبل المهر لا يصح، لأنه رد، وعن أبي حفص الكبير يصح، لأن المال في النكاح تبع. وقال المرغيناني: قال: زوجني ابنتك فقال: ارفعها وانصبها حيث شئت بحضرة الشهود لا ينعقد.
وقال الإمام محمد بن الفضل: ينعقد قال: زوجت ابنتي ولم يزد على هذا أبو الصغير فقبلت يقع للأب، إلا أن يقول: قبلت لابني وهذا يدل على أن من قال: بعت هذا فقال الآخر: قبلت أو اشتريت صح، وإن لم يقل: إن منك إذا كان منهما مقدمات البيع، قالت: تزوجتك على كذا إن أجاز أبي أو رضي فقال: قبلت لا يصح، ولو كان أبوها حاضرا يسمع فقال: أجزت أو رضيت جاز، ولو قالت: زوجت نفسي منك فقال: قبلت جاز.
وفي " الذخيرة ": صرت امرأة لي، فقالت: نعم، أو صرت، اختار المشايخ أنه ينعقد، وفي " جوامع الفقه ": لو قال: هذه زوجتي بحضرة الشهود لا يصح على المختار قضاء ويصح بينه وبين الله. ولو قال: تزوجتك إن رضيت أو رضي فلان وهو في المجلس فقالت: رضيت أو قال: رضيت جاز.
وفي " القنية ": [لو] قام أحد الزوجين قبل القبول بطل، وفي بطلان البيع روايتان، وفي " البدائع ": والقول في القبول ليس بشرط عندنا خلافا للشافعي. له بنت واحدة وقال زوجتك بنتي صح، وإن كان له بنتان لم يصح تزوج حاضرة منتقبة لم يعرفها الشهود ولم يذكروا اسمها ونسبها يجوز إلا عند البصري، له بنت واحدة اسمها فاطمة فقال: زوجتك بنتي عائشة لم يصح إلا أن يقول: عائشة هذه، لأن الاسم لغو في المشار إليها. تزوج وامرأة في بيت فقبلت، وليس معها غيرها فسمعوا كلامها صح، وإن كان معها غيرها لم يصح إلا إذا عرفوا كلامها، سميت في الصغر، وفي الكبر باسم زوجت بالأشرف.
قالت: زوجت نفسي بعد انقضاء عدتي لا يصح، وكما لا يصح تعليق النكاح بالشرط لا يجوز إضافته إلى وقت مستقبل. له بنتان أيم وذات زوج، فقال: زوجتك بنتي ولم يسمها صح زوجت نفسها منه فلم يقبل شيئا بل دفع إليه المهر في المجلس فهو قبول. قال برهان الدين السمرقندي، وبرهان الدين صاحب " المحيط ". وقال القاضي بديع الدين: لا ينعقد. قال لامرأة: السلام عليك يا زوجتي، فقالت: السلام عليك يا زوجي، لا ينعقد.
ذكر علي السعدي: ويصح نكاح الهازل والملاعب وبه قال ابن حنبل وهو المشهور من

(5/8)


وينعقد بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مذهب مالك ذكره في " الذخيرة "، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث هزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» رواه الترمذي، وهو حجة على الشافعي في النكاح.
قلت: رواه أبو داود أيضا وفيه أن طلاق الهازل ونكاحه ورجعته مؤاخذ به، ولا يلتفت إلى قوله كنت هازلا ولا يدين أيضا فيما بينه وبين الله عز وجل. وقد ذهب بعض المالكية إلى أن نكاح الهازل غير صحيح، فقال علي بن زياد منهم: لا يجوز نكاح هزل ولا لعب، ويفسخ قبل البناء وبعده، وعن ابن القاسم نجيزه، وقال أبو بكر ابن اللباد منهم: إنه صحيح لازم.
قال شيخنا زين الدين: وهو قول عامة العلماء، وروي ذلك عن ابن مسعود، وعطاء، وهو قول أبي جعفر، والشافعي.

[انعقاد النكاح بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة]
م: (وينعقد) ش: أي النكاح م: (بلفظ النكاح) ش: بأن يقول أنكحني، فيقول: نكحتك، وفي بعض النسخ بلفظ الإنكاح بأن يقول: أنكحني ابنتك فيقول: أنكحتك م: (والتزويج) ش: أي وبلفظ التزويج عن تزوجني فيقول: تزوجتك.
م: (والهبة) ش: أي وبلفظ الهبة، بأن يقول: هبي لي نفسك، فتقول: وهبت، أو يقول لأبيها: هب لي ابنتك، فيقول: وهبت م: (والتمليك) ش: أي وبلفظ التملك بأن يقول: ملكني بنتك، فيقول: ملكت.
م: (والصدقة) ش: أي وبلفظ الصدقة بأن يقول: تصدقي لي بنفسك، فتقول: تصدقت، وبهذا كله قال مجاهد والثوري والحسن بن صالح ومالك وأبو ثور وأبو عبيد وداود.
وفي " المبسوط " و " المحيط ": الألفاظ التي ينعقد بها النكاح نوعان: صريح وكناية، فالصريح: لفظ النكاح والتزويج عرفا وشرعا وكناية ثلاثة أنواع: ما ينعقد به، وما لا ينعقد به وما اختلف فيه.
وأما الأول: فالتمليك والهبة والصدقة وغيرها.
والثاني: وهو ما لا ينعقد به الإحلال والإباحة والتمتع والخلع والإقالة والإجازة بالرأي والرضا والشركة والإعارة والكتابة والولاء والإيداع.
والثالث: ما اختلفوا فيه البيع والشراء ولو قالت: بعتك نفسي أو قال الأب: بعتك ابنتي بكذا، أو قال الرجل: اشتريتك بكذا، فأجابت بنعم، فقد اختلف فيه المشايخ، وكان أبو القاسم

(5/9)


وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج؛ لأن التمليك ليس حقيقة فيه، ولا مجازا عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البلخي يقول بجوازه، وإليه أشار محمد في كتابه " الحدود " وقال: إذا زنى بامرأة ثم قال: تزوجتها واشتريتها فسوى بينهما، وقال: يسقط عنه الحد فيهما فجعله دعوى النكاح، وهو رواية عن أبي جعفر وهو الصحيح ذكره في " الذخيرة " وغيره.
وقال أبو بكر الأعمش: لا ينعقد بلفظ البيع، وفي " جوامع الفقه ": وينعقد النكاح بكل لفظ شرع لتمليك العين بغير نية إذا ذكر معه المهر كالبيع والهبة والصدقة، وإن لم يذكر المهر ينعقد بالنية. وفي " البدائع " و " التحفة ": ينعقد عند الكرخي بلفظ الإجارة والإعارة، وعند عامة الأصحاب لا ينعقد بهما، وفي القرض قيل: لا ينعقد، وقيل ينعقد به لأنه يفيد ملك الرقبة للمستقرض.
وفي " المرغيناني ": ينعقد على قياس قول أبي جعفر ومحمد، لأنه يفيد الملك عندهما بالقرص، وبلفظ السلم قيل: لا ينعقد، وقيل: ينعقد به، لأنه يفيد ملك الرقبة، وينعقد السلم في الحيوان حتى لو قبضه ملكه ملكا فاسدا. واختلفوا في الصرف، قيل لا ينعقد به وقيل ينعقد ولا ينعقد بالوصية، وعن الطحاوي ينعقد وفي الرهن اختلاف المشايخ وقال الجرجاني: لا ينعقد بالإقالة، لأنها موضوعة للفسخ، وكذا الصلح لكونه لإسقاط الحق لا لابتداء العقد.
وقال السرخسي: ينعقد بلفظ الصلح والعطية، وروى بشر عن أبي يوسف أنه ينعقد بلفظ الرد، صورته: طلق امرأة بائنا، فقالت: رددت نفسي عليك بكذا كان نكاحا إذا قبل، وفي " الذخيرة " قال: أتزوجك متعة لا ينعقد.
وفي " الهارونيات " عنه ينعقد ويلغو لفظ المتعة، وفي " المنتقى ": أتزوجك أمتعة فهو باطل وفي " المرغيناني " أتمتع بك مدة كذا لا ينعقد إلا إذا كانا لا يعيشان إلى تلك المدة غالبا كمائتي سنة وثلاثمائة سنة لأنه مؤبد حكما، وقال المرغيناني: النكاح لا ينعقد بالجعل.
قال في " الذخيرة ": هذا ليس بصحيح، وفي " نوادر ابن رستم ": عن أبي يوسف إذا قالت امرأة لرجل: جعلت نفسي لك بألف بحضرة الشهود فقال: قبلت يكون نكاحا، ولو عقداه بلفظ يفهمان بكونه نكاحا ولا يعلمان به اختلف المشايخ فيه.
م: (وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج) ش: وبه قال أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والزهري م: (لأن التمليك ليس حقيقة فيه) ش: أي في النكاح أو في التزويج، لأنه لو كان حقيقة فيهما يلزم الترادف وهو خلاف الأصل.
م: (ولا مجاز عنه) ش: أي عن النكاح أو التزويج. لأن المجاز يقتضي المشاكلة في المعاني

(5/10)


لأن التزويج للتلفيق، والنكاح للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة أصلا.
ولنا: أن التمليك سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة وهو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز وينعقد بلفظ البيع هو الصحيح لوجود طريق المجاز، ولا ينعقد بلفظة الإجارة في الصحيح؛ لأنه ليس بسبب لملك المتعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يوجد م: (لأن التزويج للتلفيق) ش: يقال لفقت الثوبين ولفقت أحدهما بالآخر إذا لازمت بينهما بالخياطة. ويقال: أحاديث ملفقة أي ضم بعضها إلى بعض. م: (والنكاح للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة أصلا) ش: ولهذا لو اشترى منكوحة يفسد النكاح، ولو كان بينهما ملاءمة لما فسد.

م: (ولنا أن التمليك سبب لملك المتعة) ش: يعني تمليك الرقبة سبب لملك المتعة إذا صارت فعل المتعة لإفضائه إليه، وملك المتعة وهو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز، وقيد بقوله م: (في محلها) ش: أي في محل المتعة احترازا عن تمليك الغلمان والبهائم والأخت من الرضاعة والأمة المجوسية؛ فإنها ليست محلا لملك المتعة.
م: (بواسطة ملك الرقبة) ش: يتعلق بقوله: التمليك سبب لملك المتعة م: (وهو الثابت) ش: أي ملك الرقبة وهو الثابت م: (بالنكاح) ش: فكان بينهما اتصال باعتبار السبب م: (والسببية طريق المجاز) ش: وإن لم يكن اتصالا من جهة المعنى. فصحت الاستعارة فيكون من باب إطلاق السبب على المسبب، قال الأكمل: واعترض بأن ملك الرقبة إذا ورد على ملك النكاح أفسده، فكيف يثبت النكاح به. وأجيب: بأن إفساد النكاح ليس من حيث تحريم الوطء لا محالة، بل من حيث ضرب الملكية لها في موجب النكاح من طلب القسم وتقرير النفقة والسكنى والمنع من العزل، وحينئذ لا منافاة بين ما يثبته وينفيه فجازت الاستعارة.
م: (وينعقد) ش: أي النكاح م: (بلفظ البيع) ش: بأن قالت المرأة: بعتك نفسي، أو قال الأب: بعت بنتي منك، وكذا بلفظ الشراء قال: اشتريتك بكذا، فأجاب بنعم م: (هو الصحيح) ش: يعني انعقاد النكاح بلفظ البيع هو الصحيح. واحترز به عن قول أبي بكر الأعمش، فإنه قال: لا ينعقد بلفظ البيع، وقد ذكرناه عن قريب م: (لوجود طريق المجاز) ش: لأن الملك بسبب ملك المتعة في محل فيجوز استعارته.
م: (ولا ينعقد بلفظ الإجارة) ش: بأن تقول امرأة: أجرت نفسي منك بكذا، أو يقول الأب أجرت ابنتي بكذا ونوى به النكاح، واعلم أن الشهود الذين حضروا ذلك فإنه لا يجوز م: (في الصحيح) ش: احترازا عن قول الكرخي، فإنه قال: ينعقد بها.
م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ الإجارة م: (ليس سببا لملك المتعة) ش: لأن الإجارة لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح لا ينعقد إلا مؤبدا، وبينهما تغاير على سبيل المنافاة، فأنى تصح الاستعارة.

(5/11)


ولا بلفظ الإباحة والإحلال والإعارة لما قلنا، ولا بلفظ الوصية لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت. قال: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين عاقلين بالغين مسلمين رجلين، أو رجل وامرأتين عدولا كانوا أو غير عدول أو محدودين في القذف. قال _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _: اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الشهادة في النكاح]
م: (ولا بلفظ الإباحة) ش: أي ولا ينعقد النكاح أيضا بلفظ الإباحة م: (والإحلال والإعارة لما قلنا) ش: أنه ليس سببا للملك، أما الإباحة، والإحلال، فإن من أحل، أو أباح طعاما لغيره لا يملكه، وإنما يتلفه على ملك المبيح.
وأما الإعارة إنها تملك المنفعة بغير عوض، فلا توجب ملكا يستفاد به ملك المتعة م: (ولا بلفظ الوصية) ش: أي ولا ينعقد أيضا بلفظ الوصية بأن يقول الأب أوصيت لك بابنتي م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت) ش: فلا مناسبة بينهما، فلا تصح الاستعارة.
وعن الكرخي لو قال: أوصيت لك بابنتي الآن، فإنه ينعقد أو قال أوصيت لك بضع جاريتي في الحال بكذا لو قبل الآخر ينعقد النكاح. واعلم أن الاعتبار لهذه الألفاظ ينعقد بشبهة فيسقط به الحد، ويجب به أقل من المسمى ومن مهر المثل عند الدخول، كذا في " المبسوط ".
م: (قال: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين) ش: الشهادة في النكاح شرط عندنا، وهو مذهب سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وقتادة والشافعي وأحمد، حكاه ابن المنذر في " الأشراف ".
وقال عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون وعبد الله بن الحسن وأبو ثور يجوز من غير شهادة [ ... ] ، وكذا فعل الحسن بن علي وابن زيد _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _.
وبه قال ابن أبي ليلى وعثمان البتي ذكره السرخسي، وقالت طائفة: يجوز بغير شهود إذا أعلنوه وهو قول الزهري ومالك وأهل المدينة، ثم إنه قيد شهادة الشاهدين بتوصيفهما بقوله: م: (حرين عاقلين بالغين مسلمين رجلين، أو رجل وامرأتين، سواء كانوا عدولا أو غير عدول أو محدودين) ش: أي وكان الشاهدان محدودين م: (في القذف) ش: ثم يذكر ما في هذه الأوصاف للشهود بما فيه الخلاف والتعليل.
م: (قال) ش: أي في المصنف: م: (_ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا نكاح إلا بشهود» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وينبغي أن يستدل بما رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث الزهري عن عروة عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من

(5/12)


وهو حجة على مالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في اشتراط الإعلان دون الشهادة. ولا بد من اعتبار الحرية فيهما؛ لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأنه لا ولاية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» .
قال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر، وقال الأكمل: واعترض بأنه خبر واحد فلا يجوز تخصيص قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، وغيره من الآيات وأجاب الإمام فخر الإسلام بأن هذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيجوز الزيادة على كتاب الله.
قلت: هذا فيه نظر لا يخفى م: (وهو) ش: أي الحديث المشهور م: (حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الإشهاد) ش: هذا الحديث لم يثبت بهذا اللفظ، فكيف يكون حجة على مالك. نعم حديث عائشة المذكور حجة عليه.
واحتج مالك بما رواه الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال» وقال: حسن غريب وعيسى بن ميمون ضعيف في الحديث، وإن سلمنا صحة هذا الحديث فنقول: الإعلان يحصل بحضور الشاهدين، ولو شرط كتمان العقد مع حضور شاهدين صح العقد عندنا، وبه قال الشافعي، والخطابي وابن المنذر والظاهرية. وقال مالك: يفرق بينهما.
م: (ولا بد من اعتبار الحرية فيهما) ش: أي في الشاهدين م: (لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية) ش: والشهادة من باب الولاية.
واعترض بأن الولاية عبارة عن نفاذ القول على الغير شرعا لو أبى، وذلك إنما يحتاج عند الأداء، وكلامنا في حالة الانعقاد، فكما ينعقد بشهادة المحدودين في القذف ينعقد بشهادة العبدين؛ إذ الولاية لا مدخل في هذا الحال.
وأجيب: بأن الأداء يحتاج إلى ولاية متعدية وليست بمراد هنا، وإنما المراد بها الولاية القاصرة تعظيما لأمر النكاح، كاشتراط أصل الشهادة.

(5/13)


بدونهما، ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين؛ لأن لا شهادة للكافر على المسلم.
ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين، وفيه خلاف الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وستعرف في الشهادات إن شاء الله تعالى. ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا، خلافا للشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأنه لا ولاية بدونهما) ش: أي بدون العقل والبلوغ، ولا خلاف في اشتراطهما في الشهادة، وإنما الخلاف في وصف الذكورة والعدالة على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.
م: (ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين؛ لأنه لا شهادة للكافر على المسلم) ش: يعني من باب الولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم، وفيه النظر الذي مر أنه ليس المراد به الأداء حتى تكون الولاية شرطا.
والجواب: إنا قد ذكرنا أن الشهادة وظيفة، إنما كانت تعظيما، ولا تعظيم لشيء بسبب حضور الكفار.

[شروط شهود النكاح]
م: (ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضرة رجل وامرأتين) ش: وقال الشافعي وداود وأصحابه واختاره ابن حزم وجوزه بشهادة أربع من النساء م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يجوز فيه شهادة النساء لدلالة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
فإن لفظ شاهدين يقع على ذكرين أو ذكر وأنثى، والثاني غير مراد بالإجماع فيتعين الأول.
قلنا: شهادة النساء حجة أصلية بالنص، لكن فيه نوع شبهة باعتبار صورة البدلية والنكاح إنما يثبت بالشبهة.
م: (وستعرف) ش: أي خلاف الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ م: (في الشهادات إن شاء الله تعالى) ش: فإنه وعد خلاف الشافعي في كتاب الشهادة، وسيجيء إن شاء الله عز وجل.
م: (ولا تشترط العدالة) ش: أي في شهود النكاح م: (حتى ينعقد) ش: أي النكاح م: (بحضرة الفاسقين عندنا، خلافا للشافعي) ش: فإنه يقول: لا ينعقد بحضرة الفاسقين، وبه قال أحمد، وقال إمام الحرمين في " النهاية ": لا ينعقد بحضور الفاسقين، لأن الشهادة فيه مقبولة معنى، وهو صون العقد عن الجحود لأن العقد لا يثبت بشهادتهما، انتهى.
هذا باطل فالمستورين، فإنه لا يثبت بشهادتهما عند الحجة، ويصح العقد بحضورهما

(5/14)


له أن الشهادة من باب الكرامة، والفاسق من أهل الإهانة. ولنا أنه من أهل الولاية، فيكون من أهل الشهادة، وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه لا يحرم على غيره، لأنه من جنسه، ولأنه صلح مقلدا فيصلح مقلدا وكذا شاهدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبابني الزوجين أو ابني أحدهما على الأصح ولا يثبت بهما.
م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن الشهادة من باب الكرامة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكرموا الشهود، فإن الله يحيي بهم الحقوق» م: (والفاسق من أهل الإهانة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا لقيت الفاسق فألقه بوجه مقهور» ، ولأن كلامه محتمل الصدق والكذب، ولا يترجح صدقه لعدم عدالته، إذ العدالة هي المرجح على ما عرف، فإذا فات المرجح بقي محتملا فلا يصح حجة.
م: (ولنا أنه) ش: أي الفاسق م: (من أهل الولاية) ش: لإسلامه في نفسه م: (فيكون من أهل الشهادة) ش: لأنه إذا كان من أهل الولاية على نفسه يكون من أهل الولاية على غيره، وهي الشهادة.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى جواب عما يقال: الولاية على نفسه ولاية قاصرة، فلا نسلم أن من كان من أهل الولاية على نفسه كان من أهل الشهادة، لأنها متعدية إلى غيره.
وتقرير الجواب أن يقال: هذا الذي قلنا إن الفاسق من أهل الشهادة، لأنه من أهل الولاية م: (لأنه) ش: أي لأن الفاسق م: (لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه) ش: أي لكونه مسلما م: (لا يحرم) ش: أي الولاية م: (على غيره، لأنه) ش: أي لأن كونه أهلا للولاية على غيره.
م: (من جنسه) ش: أي من جنس كونه أهلا للولاية على نفسه. وقيل: الضمير في لأنه للمشهود.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الفاسق وهو الشاهد م: (صلح مقلدا) ش: بكسر اللام، أي سلطانا وخليفة، فإن جمهور الأئمة بعد الخلفاء الأربعة لم [ ... ] من فسق، أي المشهود عليه من جنس الفاسق من حيث إن كل واحد منهما مسلم.
لأنه أي لأن الولاية على تأويل الحكم المذكور ونحوه فالقول بالخروج عن الإمامة بالفسق يفضي إلى فساد عظيم. فإذا كان كذلك م: (فيصلح مقلدا) ش: بفتح اللام، أي قاضيا، أو حاكما.
م: (وكذا شاهدا) ش: أي فكذا شاهدا، لأن الشهادة والقضاء من باب واحد. قال الأكمل: في عبارته تسامح، لأنه يهم منه أن تكون أهلية الشهادة مرتبة على أهلية القضاء.
وقد ذكر في كتاب " أدب القاضي " أن أهلية القضاء مستفادة من أهلية الشهادة، ولو قال بالواو كان أحسن لا يقال: يجوز أن يكون مرتبا على مقلد بكسر اللام، لأن أهلية السلطنة

(5/15)


والمحدود في القذف من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة تحملا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليست مستفادة من أهلية الشهادة، لأن عليه كذلك.
والجواب: أن كلامه إذا كان الفسق لا يمنع عن ولاية هي أعم ضررا فلأن لا يمنع عن ولاية عامة الضرر وخاصة أولى، والترتيب على هذا الوجه غير خلاف الصحة. ولو قال: الفاسق من أهل الولاية القاصرة بلا خلاف فيصلح شاهدا على الانعقاد لأنه لا إلزام فيه فكانت الولاية قاصرة لكان أسهل فهما.

[شهادة المحدود في القذف على عقد النكاح]
م: (والمحدود في القذف من أهل الولاية) ش: نظرا إلى الإسلام م: (فيكون من أهل الشهادة تحملا) ش: يعني من حيث تحمل الشهادة: لا من حيث الأداء.
وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، نهي عن القبول، وهو يعدم وصف الأداء لا أصل الشهادة؛ إذ النفي عن قبول الشيء يقتضي تحقيق ذلك الشيء وفوت الثمرة لا يدل على فوت الأصل، كشهادة العميان على ما يجيء.
وقال ابن المنذر: اختار أبو جعفر وأصحابه بأعميين أو محدودين في القذف أو فاسقين الجمع على رد شهادتهما، وأبطلوه بشهادة العبدين، وقد اختلفوا في شهادتهما.
وأجاب عنه السروجي وقال: ما أجهله، وأكثر الخليفة ما لا يعرفه والمراد بالمحدودين التائبان وإلا فلا فائدة في ذكرهما مع ذكر الفاسقين وشهادتهما مقبولة عن جماعة من العلماء بعد التوبة، منهم الشافعي.
والفاسق له شهادة حتى لو حكم به حاكم نفذ حكمه، قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، (الحجرات: الآية 6) ، فأمرنا بالتثبيت والتبين ولم يأمرنا بالدفع والرد، بخلاف العبدين، فإن الشهادة من باب الولاية إذ فيهما إلزام على الغير. والعبد ليست له ولاية على نفسه، فكيف تثبت له ولاية على غيره، وقد جازف في نقل الإجماع في رد شهادة المذكورين، قال: ولم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اشتراط الشاهدين في النكاح خبر.
قال: وكان يزيد بن هارون يعيب على أصحاب الرأي ويقول: أمر الله بالإشهاد في البيع ولم يأمر بالإشهاد في النكاح، فكيف زعم أصحاب الرأي أن البيع بدونه جائز، والنكاح بدونه فاسد؟
وقال السروجي: جهله أعظم من جهل ابن المنذر، لأن الأئمة قائلة على أن الأمر في الإشهاد على التبايع أمر استحباب، ويزيد ليس له من الفهم إلا المتعلق باللغة دون المعاني.
وجمهور العلماء وأهل الفتوى على اشتراط الإشهاد في النكاح، وطعنه هذا طعن على الذين ذكرناهم مما مضى عن ترتيب ولا يخص أبو حنيفة وأصحابه، انتهى.

(5/16)


وإنما الفائت ثمرة الأداء بالنهي لجريمته فلا يبالى بفواته كما في شهادة العميان وابني العاقدين.
قال: وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _. وقال محمد، وزفر _ رحمهما الله _: لا يجوز، لأن السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قوله: _ لم يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اشتراط الشاهدين في النكاح خبر يرده ما رواه ابن حبان من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ وقد مر عن قريب.
م: (وإنما الفائت ثمرة الأداء) ش: جواب عما يقال: إن المحدود في القذف إذا كان من أهل الولاية ينبغي أن تكون شهادته متعدية وليست كذلك، فأجاب بقوله: _ وإنما الفائت من شهادة المحدود في القذف ثمرة الأداء.
أي أداء شهادتهم م: (بالنهي لجريمته) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، م: (فلا يبالى) ش: بصيغة المجهول م: (بفواته) ش: أي بفوات ثمرة الأداء، وإنما ذكر الضمير لهما باعتبار المذكور. وأما بالنظر إلى لفظ الأداء م: (كما في شهادة العميان) ش: فإن النكاح ينعقد بشهادتهم بالإجماع، ولا تقبل عند الأداء بالإجماع.
م: (وابني العاقدين) ش: أي وكذا في شهادة ابني العاقدين فإن النكاح ينعقد بشهادتهما بالإجماع ولا يقبل عند الأداء بالإجماع.

[شهادة الأخرس والمفلس وابني الزوج وابني الزوجة وابنيهما في النكاح]
فروع في المشكلات: وينعقد بشهادة الأخرس، والمفلس، وابني الزوج وابني الزوجة وابنيهما. وفي " المغني ": وفي شهادة محدودين وابني الزوجين وابني الزوجة وجهان، واختار الانعقاد أبو عبد الله بن بطال وينعقد عند الجماعة بالعبدين والمكاتبين والمدبرين والصبيين والأصمين.
وفي " المغني ": ولا ينعقد بشهادة أصمين ولا شهادة أخرسين وفي شهادة المراهقين احتمال، وفي " النهاية " وأجمعوا على أنه لا ينعقد بشهادة الأصمين، وفي " الذخيرة ": ولا ينعقد بشهادة النائمين لا يسمعان كلام العاقدين. وفي " قنية المنية ": ينعقد بهما وهو الأصح. م: (قال: وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: سواء كانا موافقين في دينهما أو مخالفين م: (وعند محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وزفر: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وفي بعض النسخ، وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، وزفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز.
وقال المالكية: أنكحة الكفار فاسدة مع أنه لا ولاية للكافر على الكافر صحيحة عندهم والشهادة ليست بشرط عندهم والإسلام يصححها عندهم م: (لأن السماع) ش: أي سماع العاقدين من الإيجاب والقبول م: (في النكاح شهادة، ولا شهادة للكافر على المسلم) ش: بالاتفاق.

(5/17)


فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم، ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر؛ إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال، وهما شاهدان عليها، بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج، لأن العقد ينعقد بكلاميهما والشهادة شرطت على العقد.
قال: ومن أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بشهادة رجل واحد سواهما جاز النكاح، لأن الأب يجعل مباشرا للعقد لاتحاد المجلس، فيكون الوكيل سفيرا ومعبرا، فيبقى المزوج شاهدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فكأنهما) ش: أي فكأن الذميين م: (لم يسمعا كلام المسلم) ش: أي بطريق الشهادة وشرط الانعقاد سماع الشاهدين كلام مظهري العقد، ولم يوجد فصار كأنهما سمعا كلام المرأة دون كلام الزوج، فلم ينعقد، كما لو لم يسمعا كلامهما أو كلام الزوج وذلك أن سماع من لا شهادة له يكون وجوده كعدمه، كما في العبد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك) ش: أي مطلق المتعة م: (لوروده) ش: أي لورود الملك م: (على محل ذي خطر) ش: فيشترط الشهادة تعظيما للأبضاع، فيكون الرجل هو المخاطب بالشهادة لأجل أنه يملك البضع، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مخصوصا بالنكاح بغير شهود م: (لا على اعتبار) ش: أي لا يشترط الإشهاد على اعتبار م: (وجوب المهر) ش: لها عليه م: (إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال) ش: لأن إيجاب المال يصح بلا شهود كالبيع وغيره م: (وهما شاهدان عليها) ش: أي الذميان شاهدان عليها أي على الذمية، فشهادة أهل الذمة على الذمية جائزة.
فإن قيل: ملك الازدواج مشترك. قلنا: نعم، لكن ذلك ليس بأصل، وإنما يقع تبعا للملك الوارد عليه، كما لو اشترى أمة يملك وطأها بلا طهر، لأنه وقع تبعا.
م: (بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج) ش: جواب عن قول محمد وزفر: تقريره الشهادة شرط في النكاح على العقد كما علم، لأنه يخاطب كلام الزوج بالإشهاد عليها بالعقد م: (لأن العقد ينعقد بكلاميهما) ش: أي بكلام الزوجين م: (والشهادة شرطت على العقد) ش: فإن لم يسمعا كلام المسلم لم يشهدا على العقد.

م: (قال: ومن أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر) ش: أي والحال أن الأب حاضر عند العقد م: (بشهادة رجل واحد) ش: يتعلق بقوله فزوجها م: (سواهما) ش: أي سوى الآمر والمأمور م: (جاز النكاح، لأن الأب يجعل مباشرا للعقد) ش: أي لأن الموجود من الوكيل واجب الانتقال إلى الموكل في باب النكاح، وإنما جعل الأب مباشرا إذا كان حاضرا م: (لاتحاد المجلس، فيكون الوكيل سفيرا ومعبرا) ش: لانتقال الوكالة إلى الأب م: (فيبقى المزوج شاهدا) ش: ونصبه آخر فينعقد.

(5/18)


وإن كان الأب غائبا لم يجز، لأن المجلس مختلف فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا، وعلى هذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضرة شاهد واحد إن كانت حاضرة جاز، وإن كانت غائبة لا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: قيل: في هذا التعليل نظر. قلنا: قائله هو السغناقي؛ فإنه قال في " النهاية ": هذا تكلف غير محتاج إليه في المسألة الأولى، لأن الأب يصلح أن يكون شاهدا في باب النكاح، فلا حاجة إلى نقل المباشرة من المأمور إلى الآمر حكما، وإنما يحتاج إليه في المسألة الأخيرة وهي إذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد، فإن كانت حاضرة جاز بنقل مباشرة الأب إليها لعدم صلاحيتها للشهادة على نفسها، وإن كانت غائبة لم يجز، لأن الشيء إنما يقدر تقديرا إذ لم يتصور تحقيقا، إليه أشار في " الفوائد الظهيرية ".
وقال الأكمل: وأرى أنه لا فرق بين الصورتين في الاحتياج إلى ذلك التكلف.
قلت: فيه تكلف لا يخفى، ومن أراد أن يتضح له ذلك فلينظر في النهاية.
م: (وإن كان الأب غائبا لم يجز النكاح، لأن المجلس مختلف) ش: لأنه لو انتقل إليه العقد لكان الإيجاب في مجلس والقبول في مجلس آخر م: (فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا) ش: لأجل غيبته م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى اعتبار حضرة الأب وغيبته م: (إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضرة شاهد واحد، إن كانت) ش: أي الابنة م: (حاضرة جاز) ش: لإمكان اعتبار الأب شاهدا م: (وإن كانت غائبة لا يجوز) .

(5/19)