البناية شرح الهداية

فصل في بيان المحرمات قال: لا يحل للرجل أن يتزوج بأمه ولا بجداته من قبل الرجال أو النساء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، والجدات أمهات؛ إذ الأم هو الأصل لغة أو ثبتت حرمتهن بالإجماع قال ولا ببنته لما تلونا، ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان المحرمات في النكاح] [المحرمات من جهة النسب]
م: (فصل في بيان المحرمات) ش: أي هذا فصل في بيان النساء المحرمات تزوجها؛ لأن الله تعالى أخرجهن من محلية النكاح فاحتيج إلى بيانهن، وهن أربعة عشر، سبعة من جهة النسب، وسبعة من السبب، وستجيء كلها.
م: (قال: لا يحل للرجل أن يتزوج بأمه) ش: هذه إحدى السبعة من جهة النسب م: (ولا بجداته) ش: أي لا يحل أن يتزوج بجداته سواء كن م: (من قبل الرجال أو النساء) ش: أي ومن قبل النساء، وليس من كلام العرف تزوجت بامرأة، وإنما يقال: تزوجت امرأة، قاله يونس.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] ش: (النساء: الآية 23) فدلالته على حرمة الأم ظاهرة م: (والجدات) ش: وأما دلالته على حرمة الجدات فأشار إليه بقوله: م: (أمهات إذ الأم هو الأصل لغة) ش: يقال لمكة: أم القرى لكونها هي الأصل، لما روي أنها خلقت أولا ثم دحيت الأرض منها، وقال الله تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] (آل عمران: الآية 7) أي أصل ويرد إليه المتشابه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخمر أم الخبائث» وهذا عند المحققين، ومن مشايخنا الذين لا يجوزون الجمع بين الحقيقة والمجاز.
وعند مشايخنا العراقيين: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز عند اختلاف المحل فحرمة الجدات قد ثبتت بالنص أيضا بمجازه، وعند الطائفة الأولى بطريق الحقيقة باعتبار معنى يعمهما لغة لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قوله: حرمت الجدات بالنص، ومن يبغ يثبت حرمتهن بالإجماع، وإليه أشار المصنف بقوله: م: (أو ثبتت حرمتهن بالإجماع) ش: هذا عند الفريقين.
م: (قال: ولا ببنته) ش: ولا ببنت بنت وإن سفلت على ما يجيء الآن والاستدلال فيهن مثل الاستدلال في الأم، فإن بنت البنت تسمى بنتا حقيقة باعتبار أن البنت يراد بها الفرع، فيتناولها النص حقيقة ومجازا عند البعض، ويجوز الجمع عند اختلاف المحل أو بالإجماع.
م: (لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: م: (ولا ببنت ولده وإن سفلت) ش: ولفظ الولد يتناول الابن والبنت، ولما ذكرنا من جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز في محلين مختلفين عند البعض م: (للإجماع) ش: عند الفريقين م: (ولا بأخته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأخته سواء أكانت

(5/20)


بأخته ولا ببنات أخيه ولا ببنات أخته ولا بعمته ولا بخالته لأن حرمتهن منصوص عليها في هذه الآية
وتدخل فيها العمات المتفرقات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأب وأم، أو لأب أو لأم، ضمت الهمزة في _ أخت _ لتدل على الواو الذاهبة منه بخلاف الأخ، لأجل التاء التي ثبتت في الأصل والوقف كالاسم الثاني.
م: (ولا ببنات أخيه) ش: أي سواء أكن لأب وأم أو لأب أو لأم م: (ولا ببنات أخته) ش: أي سواء كانت بنت أخته لأب وأم أو لأب أو لأم م: (ولا بعمته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بعمته م: (ولا بخالته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بخالته، والخال أخو الأم والخالة أختها، ذكره الجوهري في باب " خول " ليدل على أن أصلها واوي م: (لأن حرمتهن) ش: أي حرمة هؤلاء المذكورات كلها من الأخوات المتفرقات وبنات الأخ، وبنات الأخت، والعمات، والخالات م: (منصوص عليها في هذه الآية) ش: أي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) .
وفي " النهاية ": حاصله أن المحرمات التي ضمها كتاب النكاح والرضاع على أحد وعشرين نوعا: سبعة من جهة النسب: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت.
وسبعة من جهة الرضاع: كذلك يحرم الرضاع في هؤلاء لقول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وأربعة من جهة المصاهرة: وهي: أم المرأة وابنتها ومنكوحة الأب، وحليلة الابن، واثنتان من جهة الجمع وهما: الجمع بين أكثر من أربعة، والجمع بين الأختين، وواحدة من جهة الكفر: أو من المجوسية كذا في " شرح الطحاوي ".
وفي " التحفة ": تحريم النكاح يتنوع إلى تسعة أنواع: القرابة، والصهرية، والرضاع، والجمع، وتقديم الأمة على الحرة، وبسبب حق الغير، وبسبب الشركة، وبسبب ملك اليمين، وبسبب الطلقات الثلاثة، فعلى هذا تكون الحرمات خمسة وعشرين، كلها مذكورة في الكتاب.

م: (وتدخل فيها) ش: أي في حرمة الآية م: (العمات المتفرقات) ش: أي العمة لأب وأم، والعمة لأب دون أم، والعمة لأم دون أب، وفي " المحيط ": وكذا أم العمة حرام؛ لأن أم عمته لأبيه وأمه، أو لأمه هي أم أبيه لا محالة، وأم أبيه حرام عليه، وأما عمته لأبيه هي أخت أبيه ولأب، فإنما تكون امرأة جد أب الأب وامرأة الجد حرام عليه، وكذا عمات أبيه وعمات أجداده وعمات أمه، وعمات جداته وإن سفلن.
وأما عمة العمة تنظر إن كانت العمة القربى عمة لأبيه وأمه أو لأبيه، فعمة العمة حرام، لأن القربى إذا كانت أخت أبيه لأبيه وأمه أو لأبيه، فإن عمتها تكون جدة أب الأب، وأخت أب

(5/21)


والخالات المتفرقات، وبنات الأخوات المتفرقات وبنات الإخوة المتفرقين لأن جهة الاسم عامة. قال: ولا بأم امرأته التي دخل بابنتها أو لم يدخل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، من غير قيد الدخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب حرام، لأنها عمته وإن كانت العمة القربى عمة لأمه، فعمة العمة لا تحرم؛ لأن أب العمة يكون زوج أم أبيه، فعمتها تكون أخت زوج الجدة أم الأب وأخت زوج الأم لا تحرم، وأخت زوج الجدة أولى أن تحرم.

[المحرمات من جهة السبب]
م: (والخالات المتفرقات) ش: أي الخالة لأب وأم، والخالة لأب دون أم، والخالة لأم دون أم والخالة لأم دون أب، وكذا خالات آبائه وأمهاته. وأما خالة الخالة وإن كانت الخالة القربى خالة لأب وأم، أو لأم فخالتها تحرم عليه، وإن كانت القربى خالة لأب فخالتها لا تحرم عليه، لأن أم الخالة القربى تكون امرأة الجد أب الأم لا أم أمه، فأختها امرأة أب الأب وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه.
م: (وبنات الأخوة المتفرقات وبنات الإخوة المتفرقين) ش: أي ويدخل في الآية المذكورة بنات الإخوة والأخوات.
وقوله: المتفرقين بصيغة الجمع المذكر صفة الأخوة التي جمع أخ ويدخل فيه الأخوات التي هي جمع أخت، ومعنى التفرق يعني سواء كانت بنات الأخ لأب وأم أو لأم وبنات الأخت كذلك، وكلهن محرمات على التأبيد بالكتاب والسنة والإجماع.
وفي " الذخيرة ": أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات من المباحات لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} [الأحزاب: 50] (النساء: الآية 23) .
في " النتف ": حرم الله تعالى العمة والخالة ولم يحرم بناتهما، وكذا أولادهم وإن سفلوا يجوز التناكح فيما بينهم من جميع القرابات وهم أرحام لا محرم م: (لأن جهة الاسم عامة) ش: يعني المعنى المجوز لإطلاق اسم الأخت يشمل الفرق الثلاث، وهو المجاور في رحم أو صلب، فكان الاسم حقيقة للكل.
وقال تاج الشريعة: قوله: وجهة الاسم عامة _ أي جهة اسم العمومة والخئولة لأنها أخت أبيه وأخت أمه، وهذه الجهة لا تتغير بكونها لأب وأم.
م: (قال: ولا بأم امرأته) ش: هذا بيان المحرمات من جهة السبب وهي جهة المصاهرة، أي ولا يحل له أن يتزوج بأم امرأته م: (التي دخل بابنتها أو لم يدخل بها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23 من غير قيد الدخول) ش: وكذا بجدتها وإن علت لِقَوْلِهِ تَعَالَى يعني القرآن مطلق عن قيد الدخول في أمر المرأة، والله حرمها مطلقا، فمن قيدها بالدخول فقد

(5/22)


ولا ببنت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص، سواء كانت في حجره أو في حجر غيره، لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط، ولهذا اكتفى في موضع الإحلال بنفي الدخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نسخه، وبه قال الجمهور: وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل، ومالك في الصحيح.
وقال بشر المريسي، وابن شجاع، وداود: دخول ابنتها شرط، ويروى عن ابن مسعود وجابر أن أم الزوجة لا تحرم حتى يدخل بالبنت ولا يحرم بنفس العقد، لو طلقها قبل الدخول بها جاز له التزوج بأمها.

م: (ولا ببنت امرأته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج ببنت امرأته م: (التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، وإن لم يدخل بها حتى حرمت عليه بطلاق أو موت يحل له أن يتزوج بالبنت، لأن هذه الحرمة تعلقت بشرط الدخول، وقال إمام الحرمين في " النهاية ": إنما تحرم إذا كانت صغيرة يوم العقد فتجعل في حجره وتكمله، وإذا كانت كبيرة يوم العقد لا تحرم.
م: (سواء كانت) ش: أي بنت امرأته م: (في حجره أو في حجر غيره) ش: اختلف الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _ في شرطية الحجر بهذه الحرمة، فقال علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ الحجر شرط، وبه قال داود لظاهر الآية م: (لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة) ش: فإن العادة أن تكون البنات في حجر زوج أمهاتها ليأتي تربيتها م: (لا مخرج الشرط) ش: أي ما يخرج مخرج كونه شرطا، والتقييد العرفي لا يوجب تقييد الحكم به، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، كذا في " المبسوط "، ولا إلزام فيه على داود؛ لأن علم الخبر شرط صحة الكتابة عنده.
م: (ولهذا) ش: أي ولأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة م: (اكتفى في موضع الإحلال) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، يعني اكتفى الله تعالى في هذه الآية م: (بنفي الدخول) ش: ولم يشترط نفي الحجر مع نفي الدخول، حيث لم يقل: فإن لم تكونوا دخلتم بهن. وليس في حجوركم؛ فإن الإباحة تتعلق بضد ما تتعلق به الحرمة.
واعترض: بأنه يجوز أن تكون الحرمة متعلقة ذات وصفين، وهما الدخول والحجر، ثم تنتفي الحرمة بانتفاء أحدهما لأن الشيء ينتفي بانتفاء الجزء، فلم تكن ثبوت الإباحة عند انتفاء الدخول، دليلا على أن الحرمة غير متعلقة بالحجر.

(5/23)


قال: ولا بامرأة أبيه وأجداده، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ، ولا بامرأة ابنه وبني أولاده؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب: بأن العادة في مثله نفي الوصفين جميعا أو نفي العلة مطلقا لا نفي أحدهما والسكوت عن الآخر.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بامرأة أبيه) ش: أي ولا يحل له أن يتزوج بامرأة أبيه م: (وأجداده) ش: أو بنساء أجداده م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ش:، واسم الأب يتناول الأجداد، والأب الحقيقي باعتبار عموم المجاز وهو الأصل، فثبتت الحرمة في الجميع نصا أو إجماعا على ما مر، وعلى قول من يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز في المحلين يثبت نصا. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] انتهى.
بمعنى النفي، إذ لو كان المراد هو النهي لكان ينعقد نكاحها؛ لأن النهي في الأفعال الشرعية لا يعدم المشروعية، ثم المراد من النكاح إن كان هو العقد فالوطء حرام، لأن سبب الوطء عقد النكاح، ولما كان حراما فالسبب المقصود به أولى أن يكون حراما، وأن المراد به هو الوطء، فحرمة العقد ثابتة بالإجماع، لكن لا يتم تمسك المصنف بالآية إلا على قول من قال: المراد بالنكاح العقد.
وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] معناه إلا ما قد سلف في الجاهلية، فإنكم لا تؤاخذون بذلك إذا خليتم سبيلهن بعد الحرمة، وقيل معناه: ولا ما قد سلف؛ لأن إلا تأتي بمعنى لا، قال الله تعالى: {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا} [إبراهيم: 44] (البقرة: الآية 150) .
فيكون المعنى: أنه كما لا يحل ابتداء العقد بعد ثبوت الحرمة لا يحل إمساك بما قد سلف بعد أول الحرمة كيلا يظن أن هذه الحرمة تمنع ابتداء العقد لا تمنع البقاء، والعرب في الجاهلية كانوا فرقتين:
فرقة يعتقدون الإرث في منكوحة الأب إذا لم يكن منها ولد، يطأها بغير عقد جديد، رضيت أم كرهت.
وفرقة يعتقدون أنها تحل لهم بعقد جديد، وأنه متى رغب فيها فهو أحق بها من غيره، فنزلت {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] الآية، ناسخة لما اعتقده الفريقان.
م: (ولا بامرأة ابنه) ش: أي ولا يحل له أن يتزوج بامرأة ابنه م: (وبني أولاده) ش: أي ولا يحل أيضا نكاح نساء بني أولاده من الذكور والإناث م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ش: الحلائل جمع حليلة، والذكر حليل، وسميت امرأة الابن

(5/24)


وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار التبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاعة، ولا بأمه من الرضاعة، ولا بأخته من الرضاعة، ولقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) . ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حليلة لأنها حلت للابن من الحل، أو لأنها تحل فراشه، ويحل هو فراشها من الحلول أو حل كل واحد إزار صاحبه، وحليلة الابن حرام على الأب، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل لإطلاق النص من الدخول، وأما حليلة ابن الابن بعمومه أو بالإجماع.

م: (وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار التبني) ش: هذا جواب عما يقال: ابن الابن لا يكون من صلبه، فكيف يصح تعدية حليلة الابن الصلبي إليه مع هذا القيد؟ أجاب بقوله: وذكر الأصلاب لأجل إسقاط حرمة اعتبار التبني، فإن التبني قد انتسخ بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] (الأحزاب: الآية 5) .
فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى زيد بن حارثة، ثم تزوج زينب بعدما طلقها زيد، فكان المشركون قد طعنوا وقالوا: إنه قد تزوج حلية ابنه، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] (الأحزاب: الآية 40) ، فالتعدي هنا لدفع طعن المشركين.
م: (لا لإحلال حليلة الابن من الرضاعة) ش: فإن حليلة الابن من الرضاع تحرم على أبيه من الرضاع عندنا.
وقال الشافعي: لا تحرم بناء على أصله أن لبن الفحل لا يحرم، واستدل بهذا القيد المذكور.
ودليلنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . وقال الكاكي: وذكر في كتب الشافعية أن تقييد الأصلاب ليس لإحلال حليلة الرضاع بل لإحلال حليلة المتبنى، فحينئذ لا خلاف بيننا وبينهم.
م: (ولا بأمه من الرضاعة) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأمه من الرضاعة م: (ولا بأخته من الرضاعة) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأخته من الرضاع، والرضاع بفتح الراء وكسرها وبالتاء معهما، وأنكر الأصمعي كسرها مع التاء.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
ش: هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " من حديث ثوبان، أن

(5/25)


ولا يجمع بين أختين نكاحا ولا بملك يمين وطأ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .
وأخرج الترمذي من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من الولادة» وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج البخاري من حديث ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أريد على ابنة حمزة، فقال: " إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» وأخرجه مسلم ولفظه: " ما يحرم من الرحم ".

م: (ولا يجمع بين أختين نكاحا) ش: أي من حيث النكاح الذي لا يكونان معه بعقد أو عقدين م: (ولا بملك يمين وطأ) ش: أي من حيث الوطء قيد بالوطء؛ لأنه يجوز أن تجمع بين الأمتين الأختين من حيث الملك، غير أنه إذا وطء إحداهما لا يطأ الأخرى، وكان عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ يتوقف في الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين، ويقول أحلتهما آية وهي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] (النساء: الآية 36) ، وحرمتهما آية، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، وجعل أبو بكر الرازي هذا قول علي ومجاهد، رواه عن علي الشعبي، ويروى عنه، إنكاره.
وفي " الكشاف ": جعل قول عثمان وعلي ثم قال: يرجح علي بالتحريم، وعثمان بالإباحة والإباحة قول الظاهرية، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ش: (النساء الآية 23) ، وهو في موضع الرفع، لأنه معطوف على الحرمات، أي ويحرم عليكم الجمع بين الأختين، والمراد حرمة النكاح، لأن التحريم في الآية تحريم النكاح لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] عطف على أمهاتكم.
م: (ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين» ش:، هذا حديث غريب لم يتعرض له أحد من الشرح غير الكاكي أحال ما ذكره في " المبسوط " والسروجي أحال على " الذخيرة " للمالكية. نعم روى الترمذي في " جامعه " من حديث أبي وهب الجيشاني أنه سمع «من فيروز الديلمي يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " اختر أيهما

(5/26)


فإن تزوج أخت أمة له وقد وطئها صح النكاح؛ لصدوره من أهله مضافا إلى محله، وإذا جاز لا يطأ الأمة، وإن كان لم يطأ المنكوحة لأن المنكوحة موطوءة حكما، ولا يطأ المنكوحة للجمع إلا إذا حرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب، فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم الجمع وطأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شئت» وقال: هذا حديث حسن غريب، وفيه دلالة على أن الجمع بين الأختين لا يجوز.
قال الترمذي: وأبو وهب الجيشاني اسمه الديلم بن موشع والجيشان بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبشين معجمة نسبة إلى جيشان قبيلة باليمن، وهو جيشان بن غيلان صخر بن عين، واسم ابن فيروز الضحاك، وذكره ابن حبان في " الثقات " م: (فإن تزوج أخت أمة له) ش: أي فإن تزوج رجل أخت أمة في ملكه م: (قد وطئها) ش: جملة حالية، والجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا لا بد فيها من لفظة قد صريحة أو مقدرة، أي والحال أن الرجل قد كان وطأ أمته التي في ملكه م: (صح النكاح؛ لصدوره من أهله مضافا إلى محله) ش: أي لأجل صدور النكاح من أهله حال كونه مضافا إلى محله، لأن الأخت المملوكة وطؤها من باب الاستخدام وهو لا يمنع نكاح الأخت إلا أنه لا يطأها بعد ذلك.
م: (وإذا جاز) ش: أي نكاح أخت أمته وطئها م: (لا يطأ الأمة) ش: بعد ذلك حتى لا يصير جامعا بين الأختين بوطء م: (وإن كان لم يطأ المنكوحة) ش: واصل بما قبله م: (لأن المنكوحة موطوءة حكما) ش: أي من حيث الحكم، ولهذا تستحق الوطء على هذا الزوج، والأمة لا تستحق الوطء على المولى.
فإن قيل: لما كان النكاح قائما مقام الوطء ينبغي أن لا يجوز هذا النكاح حكما، كيلا يصير جامعا بينهما وطئا كما قال بعض أصحاب مالك.
قلنا: نفس النكاح ليس بوطء، وإنما صار كالوطء عند ثبوت حكمه، وهو حل الوطء وحكم الشيء يثبت بعده، والنكاح حال وجوده ليس بوطء صحيح لوجوده في محله.
م: (ولا يطأ المنكوحة للجمع) ش: أي لأجل الجمع بينهما م: (إلا إذا حرم الموطوءة) ش: أي الأمة الموطوءة م: (على نفسه، بسبب من الأسباب) ش: كالبيع والتزويج والهبة بالتسليم وبالإعتاق والكتابة م: (فحينئذ) ش: أي حين حرم الأمة الموطوءة على نفسه م: (يطأ المنكوحة لعدم الجمع) ش: من حيث الوطء وعن أبي يوسف لا يحل، وعنه أيضا: لو ملك فرج الأولى غيره لا يطأ الأخرى حتى تحيض الأولى حيضة بعد وطئها، لأنه يجوز أن تكون حاملا منه.

(5/27)


ويطأ، المنكوحة إن لم يكن وطئ المملوكة لعدم الجمع وطأ، إذ الموقوفة ليست موطوءة حكما.

فإن تزوج أختين في عقدتين، ولا يدري أيتهما أولى فرق بينه وبينهما؛ لأن نكاح إحداهما باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل؛ لعدم الفائدة أو للضرر، فتعين التفريق. ولهما نصف المهر لأنه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولوية فينصرف إليهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويطأ المنكوحة إن لم يكن وطئ المملوكة لعدم الجمع وطأ؛ إذ الموقوفة ليست بموطوءة حكما) ش: لأن ملك اليمين لم يوضع للوطء، ولهذا لا يثبت نسب ولد الموقوفة بلا عدة وفي المنكوحة يثبت بدونها

[تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى]
م: (فإن تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى) ش: بضم الهمزة، لأنه لو تزوجهما في عقد واحد كان النكاح باطلا للجمع بين الأختين، فلا يستحقان شيئا من المهر.
وقيد بقوله: ولا يدري أيتهما أولى، لأنه لو علم ذلك بطل نكاح الثانية م: (فرق بينه وبينهما، لأن نكاح إحداهما باطل بيقين، ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية) ش: لأنه إذا لم يكن وجه لتعيين إحداهما بأن تعين اسم إحداهما بعدم الأولوية لعدم التعيين م: (ولا إلى التنفيذ مع التجهيل) ش: يعني لا تنفيذ لإحداهما بغير عينها.
م: (لعدم الفائدة) ش: لأن المقصود بالنكاح التوالد والتناسل، وذلك بالوطء، والوطء لا يقع في غير المعينة، بل يقع في المعينة، ولا حل في الجمعية م: (أو للضرر) ش: في حقهما، لأن كل واحدة منهما متعلقة، ولا مطلقة على تقدير إبقاء النكاح، وفيه ضرر بهما، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة م: (فتعين التفريق) ش: بينهما أكثر لما ذكر من الأمور.
م: (ولهما) ش: أي الأختين م: (نصف المهر) ش: بينهما نصفان م: (لأن) ش: أي لأن نصف المهر م: (وجب للأولى) ش: بضم الهمزة.
قوله: منهما: أي من الأختين، أي التي نكاحها أولى لصحة نكاحها، وقد جاءت فرقة من جانب الزوج فصار كالطلاق قبل الدخول لا يصح نكاحها وتبقى الموطوءة على الإباحة وليست إحداهما أولى من الأخرى فصار بينهما م: (وانعدمت الأولوية للجهل بالأولوية) ش: وقال الأكمل: وتقرير كلامه: المهر للأولى منهما، وليس إحداهما بكونها أولى للجهل بالأولوية، وفي بعض النسخ بالأولوية م: (فينصرف إليهما) ش: أي إلى الأختين.
فإن قيل: ينبغي أن لا يقضي على الزوج بشيء، كما روي عن أبي يوسف، وبه قال بعض الحنابلة لأن المقضي له مجهول، وجهالة المقضي له تمنع القضاء، كما إذا قال لإحداهما علي ألف، فإنه لا يكون لإحداهما أن تأخذ منه شيئا [ ... ] .

(5/28)


وقيل: لا بد من دعوى كل واحدة منهما أنها الأولى أو الاصطلاح لجهالة المستحقة.
ولا يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب: بأن معنى المسألة أن تدعي كل واحدة منهما أنها الأولى ولا حجة لهما، أما إذا قالت لا ندري النكاح الأول لا يقضى لهما بشيء ما لم يصطلحا على أخذ نصف المهر، لأن الحق وجب لمجهول فلا بد من الدعوى أو الإصلاح ليقضى لهما، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني كذا في الكافي.
وأشار إلى هذا بقوله م: (وقيل لا بد من دعوى كل واحد منهما) ش: أي من الأختين م: (بالأولوية أو الإصلاح) ش: أي ولا بد من اصطلاحهما م: (لجهالة المستحقة) ش: وصورة الاصطلاح أن يقولا عند القاضي لنا عليه المهر فتصطلح على أخذ نصف المهر إذ الحق لا يعد وفاء ويكون لكل واحدة ربع المهر.
وعن محمد: يجب مهر كامل لهما، لأنه يقر بنكاح إحداهما، وعدم طلاقها، فإذا جاز نكاح إحداهما وجب المهر كاملا.

[الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها]
م: (ولا يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها) ش: أي ولا يجمع بين المرأة وخالتها وعمتها م: (أو ابنة أخيها) ش: أي أخي المرأة م: (أو ابنة أختها) ش: أي أخت المرأة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها» ش: هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، واللفظ لهم خلا مسلما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى» .
واعلم أن مسلما لم يخرجه هكذا بتمامه، ولكنه فرقه حديثين فأخرج صدره عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تنكح المرأة على بنت الأخ، ولا بنت الأخت على الخالة» .
وروي عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أخرجه أحمد في " مسنده " من النصف الأول من الحديث الذي ذكره المصنف حيث قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها» .
وكذا رواه ابن ماجه من حديث أبي موسى مثله سواء.

(5/29)


وهذا مشهور، تجوز الزيادة على الكتاب بمثله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا بعينه رواه الطبراني في الكبير من حديث الحسن عن سمرة بن جندب.
وكذا رواه الطبراني من حديث أيوب بن خالد عن عتاب بن أسيد.
م: (وهذا مشهور) ش: أي هذا الحديث مشهور، وتلقته الأمة بالقبول، واشتهر بين التابعين وأتباع التابعين مع رواية كبار الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وقد رواه من الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر وعائشة، وأبو موسى، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وعتاب بن أسيد م: (تجوز الزيادة على الكتاب بمثله) ش: أراد بالكتاب قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، وكذلك أيضا قد خصت هذه الآية بالوثنية والمجوسية، وبناته من الرضاعة فخص هذه الصورة أيضا بهذا الخبر.
وقيل ورد بيانا لمجمل الكتاب، لأن شرط الإحصان في الإباحة بقوله محصنين وهو مجمل وخبر الواحد يصح أن يكون بيانا كما هو معهم الكتاب، وقد احتج بهذا الحديث على تحريم الجمع بين من ذكر في الحديث. وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على القول بهذا الحديث، قال: ولا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة على عمتها، وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت ولا على خالتها وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت.
قال: والرضاعة في ذلك كالنسب ولا خلاف فيه للفقهاء ونقل عن الروافض والخوارج والظاهرية وعثمان البتي أنه يجوز الجمع بين المرأة وعمتها وبينهما وبين الخالة، ورد عليهم بما ذكرنا.
فإن قلت: ما الحكمة في النهي عن ذلك؟
قلت: قال بعضهم: لما فيه من قطيعة الرحم، وبه جزم الرافعي، واستدلوا على ذلك بما رواه ابن حبان في صحيحه من رواية حريز أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تزوج المرأة على العمة، والخالة " قال: " إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن» ومن قال بهذا يجري الحكم إلى الأقارب كلها بهذا المعنى فلا يجوز الجمع عندهم بين المرأة وقريبتها سواء كانت عمة أو خالة أو بنت عمة أو بنت خالة أو بنت عم أو بنت خال.
وهكذا يروى عن إسحاق بن طلحة وعكرمة وقتادة وجابر بن زيد، واختلفت الرواية فيه عن عطاء بن أبي رباح فروى ابن أبي نجيح عنه موافقة الجمهور، وهو الصحيح عنه، وحكي عن

(5/30)


ولا يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك أن غيره أحسن منه واقتصر الجمهور على تحريم ما ورد به الخبر، وقال شيخنا زين الدين: ليست الحكمة فيه قطيعة الرحم، بل المعنى فيه كما رجحه ابن عبد البر هو المعنى في تحريم الجمع بين الأختين، وذلك لأن أحد الأختين لو كان ذكرا لا يحل له نكاح الأخرى، فكذلك من هو بمنزلة الأختين كالعمة والخالة وبنت الأخت وليس كذلك بنت العم، وبنت العمة، وبنت الخال، وبنت الخالة، فإنه لو كان إحداهما ذكرا يحل له نكاح الأخرى.
وقد روي هذا المعنى عن الصحابة فيما ذكر ابن عبد البر من رواية معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن العتبي قال: كل امرأتين إذا جعل موضع إحداهما ذكرا لم يحل له أن يتزوج بالأخرى، فالجمع بينهما باطل، فقلت له: عمن هذا؟ فقال: عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء، وفي آخره زاي واسمه عبد الله بن حسين وهو قاضي سجستان، واختلف في الاحتجاج به فضعفه الجمهور، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن معين في رواية ووثقه في أخرى ووثقه أبو زرعة أيضا، ولم يحتج به الشيخان، وعلق له البخاري، وأخرج له ابن حبان في " صحيحه ".

[الجمع بين المرأة وبنت زوج كان لها من قبل]
م: (ولا يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى لأن الجمع بينهما يفضي إلى القطيعة والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع، ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاعة يحرم لما لما روينا من قبل) ش: قال الأترازي: لو قال: لو كانت كل واحدة منهما رجلا كما في لفظ بعض القدوري لكان أولى لأن الشرط أن يتصور الرجل من كل جانب لا من جانب واحد وإلا ينتقض هذا الكلي بالمسألة التي تليه، وهي مسألة الجمع بين المرأة وبنت زوج كان لها من قبل، ثم إن الشراح قالوا في صورة قوله: ولا يجمع بين امرأتين ... إلى آخره، كالمرأة وعمتها فإن كل واحدة منهما لو فرضت ذكرا حرم العقد بينهما، لأنه لو فرضت المرأة ذكرا يحرم عليه نكاح عمته، ولو فرضت العمة ذكرا يحرم عليه نكاح بنت أخيه، فإذا لم يحرم الجمع بينهما إلا من جهة واحدة جاز الجمع بينهما كما إذا جمع بين امرأة وبين بنت زوج كان لها من قبل لأن إحداهما لو كان رجلا وهي الزوجة جاز له أن يتزوج الأخرى فلم يعم التحريم.
وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: لا يجوز كما في الصورة الأولى، وهو مذهب ابن أبي ليلى والحسن البصري، وعكرمة، وفي الينابيع: إن كان النكاح لا يحل على كلا التقديرين لا يحل له أن يجمع بينهما بنكاح ولا بملك يمين وطأ ولا بالمس بشهوة ولا بالتقبيل، وإن كان يحل إلى إحدى التقديرين دون الآخر يحل عند الجمهور خلافا لزفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _.
وفي المجتبى: لفظ المصنف: لو كانت كل واحدة منهما رجلا لم يجز أن يتزوج بالأخرى، ولما وقع في بعض النسخ: لو كانت إحداهما رجلا سهوا وقع من الكاتب، لأنه ينتقض بالمسألة التي تليها، وإنما قال هذا لما عرف من دأب هذا الكتاب أن يذكر أصلا جامعا يخرج منه المسائل.

(5/31)


لأن الجمع بينهما يفضي إلي القطيعة والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع، ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاع يحرم لما روينا من قبل، ولا بأس بأن يجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من قبل لأنه لا قرابة بينهما ولا رضاع وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز لأن بنت الزوج لو قدرتها ذكرا لا يجوز له التزوج بامرأة أبيه. قلنا: امرأة الأب لو صورتها ذكرا جاز له التزوج بهذه، والشرط أن يصور ذلك من كل جانب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الجمع بينهما) ش: أي الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا م: (يفضي إلى القطيعة) ش: أي قطيعة الرحم، والمحرم والقطع لأن المعاداة عادة بين الضرائر م: (والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع) ش: أي القرابة إذا كانت ممن يحرم النكاح بها يحرم قطعها لأنه يفترض وصلها.
والنكاح سبب لقطعها لجواز أن لا ينقطع؛ الزوج فيما يأمر وينهى، فيؤدي إلى التشاجر كما هو العادة، وهو سبب للقطع والجمع بينهما يؤدي إلى القطيعة أيضا بل القطيعة هنا أكثر، وقال صدر الشريعة: يعني أن حرمة النكاح ثمة كحرمة القطيعة حتى لا يؤدي إلى استذلالها، فإن النكاح رق.
م: (ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاعة يحرم) ش: بينهما، كما في النسب م: (لما روينا من قبل) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وقد مر عند قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) .

م: (ولا بأس بأن يجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من قبل) ش: وقال الأترازي: أراد بابنة الزوج ابنته من امرأة أخرى، وقوله: كان لها من قبل صيغة نكرة، وهي الزوج، والضمير في لها يرجع إلى المرأة، وبه قال الأئمة الأربعة، ويرى به العلماء.
م: (لأنه لا قرابة بينهما) ش: أي بين هذه المرأة وبنت زوج كان لها من قبل م: (ولا رضاع) ش: لأن المانع من الجمع قرابة بين المرأتين أو ما يشبه القرابة في الحرمة كالرضاع، وذلك غير موجود فيهما.
م: (وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز) ش: وهو قول الحسن البصري وعكرمة وابن أبي ليلى م: (لأن بنت الزوج لو قدرتها ذكرا لا يجوز له التزوج بامرأة أبيه. قلنا: امرأة الأب لو صورتها ذكرا جاز له التزوج بهذه) ش: أي بهذه البنت.
م: (والشرط أن يصور ذلك من كل جانب) ش: كما كان في الأختين كذلك، لأن ذلك هو المنصوص عليه، وما نحن فيه فرع عليه، فيجب أن يكون الفرع على وفاق الأصل.

(5/32)


قال: ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور. ولنا أن الوطء سبب الجزئية بواسطة الولد حتى يضاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد صح أن عبد الله بن جعفر جمع بن امرأة علي وابنته، قال السروجي: ذكر البخاري أن عبد الله بن جعفر جمع بين ابنة علي، وامرأة علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ عن ابن عباس أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها، رواه الدارقطني.
وكذلك رواه الدارقطني عن رجل من أهل مصر كانت له صحبة يقال له: جيلة أنه جمع امرأة رجل وابنته من غيرها. وفي " المغني ": لو كان لرجل ابن من غير زوجته، ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ابن جاز تزوج أحدهما من الآخر في قول عامة العلماء.
وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان ممن ولدته المرأة بعد وطء الزوج لها، والأول أولى لعموم الآية، ومتى ولدت المرأة من ذلك الزوج ولدا صار عما لولدها وخالا، وإذا تزوج امرأة وزوج ابنه أمها جاز، وإذا ولد لكل واحد منهما ولد كان ولد الأب عم ولد الابن خال ولد الأب.

[هل الزنا يوجب حرمة المصاهرة]
م: (ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها) ش: وهو قول عمر وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وعائشة، وابن عباس في الأصح، وبه قال الحسن البصري، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن الأوزاعي، وطاوس، ومجاهد، وعطاء.
وقال أبو بكر ابن أبي شيبة في " مصنفه ": وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وسالم، وحماد، والثوري، وإسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل، ومالك في " المدونة "، عن ابن القاسم.
م: (وقال الشافعي: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة) ش: هو قول ابن عباس في رواية عروة، والزهري، وأبي ثور، وابن المنذر، ورواه مالك في " الموطأ ". وقال شهاب الدين القرافي: وهو رواية غير مشهورة عنه، ذكر ذلك في " الذخيرة "، وإن لاط برجل لا يحرم عليه أمه، ولا بنته عندنا، وبه قال عامة العلماء.
وقال عبد الله بن الحسن والأوزاعي والثوري وابن حنبل _ في رواية _: تحريم أمه وبنته عليه، وقال الحسن بن صالح: يكره، ولو مسه بشهوة أو قبله لا يحرم عليه أمه ولا بنته بالإجماع م: (لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور) ش: أي لأن المصاهرة نعمة فلا تنال بالمحظور الحرام.
م: (ولنا أن الوطء سبب الجزئية) ش: أي بين الواطئ والموطوءة، يعني يصيران كشخص واحد م: (بواسطة الولد) ش: حتى لا يحل للزانية أن تتزوج أب الزاني ولا ابنه م: (حتى يضاف)

(5/33)


إلى كل واحد منهما كملا فتصير أصولها وفروعها كأصوله وفروعه،
وكذلك على العكس. والاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة، والوطء محرم من حيث إنه زنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي الولد.
م: (إلى كل واحد منهما) ش: أي من الزاني والزانية، حتى يقال: ابن فلان، وابن فلانة، م: (كملا) ش: على وجه الكمال إضافة حقيقية وعرفا وهذه علة ثبوت الجزئية بين الواطئ والموطوءة.
فإن قيل: ما ذكرتم أن الولد يضاف إلى كل واحد كملا ممنوع، لأنه ليس بولد.
قلت: يضاف إليه إلا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أثبت للزاني الحجر.
وجعل كمل الولد منسوبا إلى صاحب الفراش بقوله: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» وإضافة الولد إلى كل واحد منهما ليست بطريق الحقيقة، بل بعضها يضاف إليه حقيقة وبعضه مجازا، والولد مخلوق من مائهما، فكان البعض متولدا من أحدهما، والبعض متولد من الآخر ضرورة، لأن المائين لما اختلطا حصلت المجاورة بينهما، والمجاورة من طريق المجاز.
يقال: جرى النهر وسال الميزاب، فكذا هذا، أجيب: بأن الولد يضاف إلى كل منهما والأصل أن الاستعمال بطريق الحقيقة لا بطريق المجاز، ولأن هذا إضافة واحدة إلى شخص واحد وقد حملت الحقيقة في البعض فلا يجوز حملها على المجاز في البعض الآخر؛ لأن اللفظ الواحد لا يطلق على الحقيقة والمجاز في الحالة الواحدة.
م: (فتصير أصولها) ش: هذه نتيجة قوله: حتى يضاف إلى كل واحد منهما فتصير أصول الموطوءة م: (وفروعها كأصوله وفروعه) ش: أي كأصول الواطئ وفروعه، وأراد بالأصول آباءهما وبالفروع أولادهما في الحل والحرمة.

م: (وكذلك على العكس) ش: أي وكذلك تصير أصوله وفروعه كأصولها وفروعها والاستمتاع بالجزء حرام، هذا جواب عما يقال: لو كان الأمر كذلك لكانت الحرمة ثابتة في نفس المرأة الموطوءة؛ لأنها حينئذ جزء الواطئ.
فأجاب بقوله: م: (الاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة) ش: لأنها لو قيد بحرمتها لما حلت امرأة فيؤدي إلى إبطال المقصود من شرع النكاح وهو التوالد والتناسل، فمعنى الضرورة لم يعتبر ذلك هنا كما حلت حواء لآدم - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -.
وقد خلقت منه حقيقة فحلت له ضرورة وحرمت ابنتها م: (والوطء محرم) ش: بكسر الراء جواب عن قوله: فلا ينال بالمحظور، وتقديره أن يقال: إن الوطء حرام م: (من حيث إنه زنا

(5/34)


لا من حيث إنه سبب الولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا من حيث إنه سبب الولد) ش: وفي بعض النسخ والوطء محرم من حيث إنه سبب الولد، لا من حيث إنه زنا، والذي يظهر من كلام الشراح هنا أن هذه النسخة هي الصحيحة.
فإن الأكمل قال: بيانه أن الوطء ليس سبب الحرمة من حيث ذاته، ولا من حيث إنه زنا، وإنما سبب لها من حيث إنه سبب للولد أقيم مقامه كالسفر مع المشقة ولا عدوان ولا معصية للسبب الذي هو الوطء، لعدم اتصافه بذلك، لا يقال: ولد عصيان ولا عدوان، والشيء إذا قام مقام غيره يعتبر فيه صفة أصله لا صفة نفسه كالتراب في التيمم.
وقال الشبلي لا عدوان ولا عصيان في المسبب الذي هو الولد، فكذا لا عصيان في المسبب الذي قام مقامه في ذلك الوجه وهو الزنا، لأن وصف النائب إنما يوجب في وصف المنوب كما في التيمم مع الوضوء.
وقال الكاكي: معنى ابتناء الحرمة بالوطء بواسطة أنه سبب للماء، والماء سبب للولد، ووجود الولد هو الأصل في الإعتاق باعتبار أنه جزء لوالدين ولا عصيان فيه، فكان الوطء قائما مقام الماء نظرا لكون الماء مطهرا وسقط وصف التراب، انتهى.
فإن قلت: قال الشافعي: النكاح أمر حمدت عليه، والزنا فعل رجمت عليه، فأنى يكون سببا للنعمة، ألا ترى أنه لا يثبت به النسب ولا العدة، فكذا جهة المصاهرة، لأنه لو كان سببا للنعمة يفضي إلى تكثير الزنا.
واستدل أيضا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحرام لا يحرم الحلال» هكذا رواه ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ وروى أبو هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عمن زنى بامرأة ثم تزوج بأمها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم الحرام الحلال» «وقالت عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أتى امرأة فجورا ثم تزوج بنتها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحرم الحرام الحلال» .

(5/35)


ومن مسته امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا تحرم، وعلى هذا الخلاف مسه امرأة بشهوة ونظرها إلى ذكره عن شهوة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أجيب بأن عدم ثبوت النسب به لكون المقصود من النسب الشرف به، ولا يحصل ذلك بالنسبة إلى الزاني وعدم وجوب العدة لكون وجوبها في الأصل وباعتبار حق النكاح والفراش، وبين النكاح والسفاح منافاة، فبانعدام الفراش ينعدم السبب الموجب للعدة.
واستدلاله بالحديث لا يصح إلا ما لا يجعل الحرام محرما للحلال، وإنما تثبت الحرمة باعتبار أن الفعل حرمة للولد، وحرمة هذا الفعل لكونه زنى، مع أن هذا الحديث غير مجرى على ظاهره.
فإن كثيرا من الحرام يحرم الحلال، كما إذا وقعت قطرة من خمر في الماء، وكالوطء بالشبهة، ووطء الأمة المشركة، ووطء الأب جارية الابن، هذا كله حرام حرم الحلال.
وفي حديثهم الأول عثمان بن عبد الرحمن الرقاشي، قال يحيى بن معين: كان يكذب، وقال البخاري، وأبو داود، والنسائي: ليس بشيء، وقال الدارقطني: متروك.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. وأما الحديث الآخر فضعيف، فقال أحمد: حديثهم من كلام ابن أشرح بعض قضاة العراق، وقيل: من قول ابن عباس وكبار أصحابه خالفوه في ذلك.

[مسته امرأة بشهوة هل تحرم عليه أمها وبنتها]
م: (ومن مسته امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها) ش: وفي جميع التفاريق سواء كان ذلك المس عمدا أو خطأ أو ناسيا أو طائعا أو مكرها، إذا اشتهى، وفي " القنية ": لو قال: لم أشته لم يصدق.
وقال الكاكي: سواء كان اللمس حلالا أو حراما، وبه قال الشافعي في قول، ومالك في الحلال، فإنه ذكر في " المبسوط ": لو قبل أمة بشهوة لا يتزوج بنتها، وكذا لو قبل امرأته بشهوة ثم ماتت قبل الوطء لا يتزوج بنتها.
م: (وقال الشافعي: لا تحرم) ش: في قول، وبه قال أحمد سواء كان في الحلال أو الحرام م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بينا وبين الشافعي م: (مسه امرأة بشهوة) ش: أي مس الرجل امرأته بشهوة م: (ونظرها إلى ذكره عن شهوة) ش: وكذا في الخلاف في التقبيل والمفاخذة.
وقال أبو الليث _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: في مسها له تأويل المسألة أنه إذا صدق الرجل المرأة أنها مسته بشهوة، ولو كذبها ولم يقع في أكبر رأيه أنها فعلت عن شهوة ينبغي أنه لا تحرم عليها أمها وابنتها، كذا في " جامع قاضي خان " و " المحبوبي ".
وفي " المجتبى ": تثبت حرمة المصاهرة بمسها إذا كانت مشتهاة وهي بنت سبع سنين

(5/36)


له أن المس والنظر ليسا في معنى الدخول، ولهذا لا يتعلق بهما فساد الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان به. ولنا أن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه في موضع الاحتياط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فصاعدا، ولا تثبت في بنت الخمس، وفيما بنت الخمس والتسع، وقال أبو الليث: تكلموا في الثمان والسبع والست. والغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين، وقال الشهيد في كتاب " البينات " وعليه الفتوى.
م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن المس والنظر ليسا في معنى الدخول، ولهذا) ش: أي لكونهما ليسا في معنى الدخول م: (لا يتعلق بهما) ش: أي بالمس والنظر، أي فلا يلحق المس والنظر به م: (فساد الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان) ش: أي بالدخول، لأن الملحق لا بد أن يكون في معنى الملحق به.
م: (ولنا أن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام) ش: أي السبب الداعي إلى الوطء م: (مقامه) ش: أي مقام الوطء م: (في موضع الاحتياط) ش:، وهذا لأنا وجدنا لصاحب الشرع يزيد اعتناء في حرمة الأبضاع.
ألا ترى أنه أقام بشبهة البعضية بسبب الرضاع مقام حقيقتها في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام من التوارث ومنع موضع الذكورة، ومنع قبول الشهادة، فأقمنا السبب الداعي مقام المدعو احتياطا وفساد الصوم والإحرام.
ووجوب الاغتسال ليس من باب حرمة الأبضاع حتى يقوم السبب فيه مقام الوطء، ونوقض بأن ما ذكرتم إن كان صحيحا قام النظر إلى جمال المرأة مقام الوطء في ثبوت الحرمة لكونه سببا داعيا إليه.
أجيب: بأن النظر إلى الفرج المحرم وهو ما يكون نظرا إلى داخل الفرج بأن كانت ممكنة وهو لا يحل إلا في الملك، والظاهر من ذلك أنها لا تكون على هذه الحالة في خلوة الأجانب.
قال الأكمل: فانظر بعد هذا في أن النظر إلى الجمال الحلال في الملك وغيره [ ... ] ولا هل يكون داعيا إلى الوطء دعوة النظر إليه أو لا؟ لا أراك قائلا بذلك إلا مكذبا. انتهى قال الكاكي هنا: ولنا حديث أم هانئ _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - _ عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نظر إلى فرج امرأة حرمت عليه أمها وابنتها» .
وفي حديث: «ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها» ، وعن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه جرد جارية له ونظر إليها ثم استوهبها منه بعض بنيه، فقال: أما إنها لا تحل لك.
وعن ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه قال: إذا جامع الرجل المرأة أو قبلها أو لمسها

(5/37)


ثم إن المس بشهوة أن تنتشر الآلة، أو تزداد انتشارا هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها، انتهى.
قلت: حديث أم هانئ أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقوله في الحديث: ملعون إلى آخره أخرجه الجرجاني، وعن إبراهيم: كانوا يقولون: إذا اطلع الرجل من المرأة على ما لا يحل له أو لمسها بشهوة فقد حرمت عليه جميعا.
وعن عطاء وإبراهيم والحكم وحماد بن أبي سليمان ومجاهد وجابر بن زيد وابن المسيب مثله، وعن ابن منبه قال: في التوراة التي أنزل الله على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه لا يكشف رجل امرأة وابنتها إلا وهو ملعون، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في " مصنفه ".

م: (ثم إن المس بشهوة أن تنتشر الآلة) ش: هذا تعريف المس بشهوة وهو أن تنتشر الآلة يعني إذا لم تكن منتشرة قبل النظر والمس م: (أو تزداد انتشارا) ش: إذا كانت منتشرة قبل ذلك.
م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول كثير من المشايخ بحيث لم يشترطوا انتشارا، وجعلوا حد الشهوة أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها، واختار المصنف قول شمس الأئمة السرخسي.
وقول شيخ الإسلام في " المحيط ": والأصح قول كثير من المشايخ المذكور، وإن كان شيخا أو عنينا فحد الشهوة فيه أن يتحرك قلبه بالاشتهاء إن لم يكن متحركا ولا يعتبر مجرد الاشتهاء، وهكذا ذكره السرخسي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _ وحكي عن محمد بن إبراهيم الميداني أنه كان يميل إلى هذا.
وفي " الذخيرة ": لا تثبت هذه الحرمة بالنظر إلى سائر الأعضاء غير الفرج، وإن كان عن شهوة، وقال الصفار: إن كان لا يشتهي بقلبه لعلو سنه فإن مس مقدار ما لو كان شابا تنتشر آلته تثبت الحرمة.
وكان الفقيه محمد بن مقاتل الرازي لا يعتبر تحرك القلب، وإنما يعتبر تحرك الآلة، وكان لا يفتي بثبوت الحرمة في الشيخ الكبير والعنين والذي ماتت شهوته حتى تتحرك آلته لمماسته.
وروى ابن رستم عن محمد أنه إذا لمسها بشهوة فلم ينتشر عضوه أو كان منتشرا، فلم يزدد انتشارا وهو لامسها بعد، وإن كان بينهما ثوب رقيق يجد حرارة الملموس في يده تثبت الحرمة.
وفي " طلاق المنتقى " للحسن بن زياد عن أبي يوسف: إذا لمس شهوة من جسد أم امرأته من فوق الثياب عن شهوة وهو يجد من جسدها حرارة حرمت عليه امرأته، وكذا مس رجلها فوق الكعب أو مس ساق الخف وأسفل الخف.

(5/38)


والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل، ولا يتحقق ذلك إلا عند اتكائها، ولو مس فأنزل فقد قيل: إنه يوجب حرمة المصاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى إبراهيم عن إبراهيم عن محمد أن النظر إلى دبر المرأة موضع الجماع، ثم النظر إلى فرج المرأة ثم رجع، وقال: لا يحرم، لا النظر إلى الفرج من داخل، ومثله عن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقيل: الشهادة على إقراره بالمس والتقبيل بشهوة، وهل يقبل على ذلك بغير إقراره، قيل: لا يقبل، وإليه مال محمد بن الفضل لأنه لا يوقف على ذلك، وقيل: يقبل وإليه مال علي البزدوي.
وفي " نوادر ابن سماعة " عن أبي يوسف: رجل نظر إلى بنته من غير شهوة فتمنى أن يكون له جارية مثلها فوقعت له شهوة مع وقوع نظره، فإن كانت الشهوة على ابنته حرمت عليه امرأته، وإن كانت على ما تمنى لم تحرم.
وفي " واقعات الناطفي " و " المحيط ": أقام امرأته عن فراشه ليجامعها ومعها ابنتها فوصلت يده إليها فقرصها بأصبعه يظن أنها امرأته وهي تشتهى، حرمت عليه امرأته، وإن كان يحسبها امرأته، لأنه مسها بشهوة، ولا يشترط بلوغها، ويشترط أن تكون مشتهاة.
وعن محمد بن الفضل: بنت تسع مشتهاة من غير تفصيل، وبنت خمس فما دونها غير مشتهاة، وبنت ثمان وسبع وست إن كانت عبلة ضخمة كانت مشتهاة وإلا فلا. وفي " الينابيع ": لو جامع ابنة امرأته فأفضاها وأفسدها لا تحرم عليه أمها.
وقال أبو يوسف: أكره له الأم والبنت، وفي " المحيط ": تحرم عليه أمها، وقال محمد: التنزه أحب إلي، ولا فرق بينهما، ولو وطء جارية ابنته من الزنا فولدت منه لا تصير أم ولد له بالاتفاق، وسئل ابن سلمة عن امرأة أدخلت ذكر صبي في فرجها وهو ليس من أهل الجماع، قال: تثبت به حرمة المصاهرة.

م: (والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل ولا يتحقق ذلك) ش: أي النظر إلى داخل الفرج م: (إلا عند اتكائها) ش: إلا إذا كانت متكئة، أما إذا كانت قاعدة مستوية أو قائمة، ونظر إليها لا تثبت حرمة المصاهرة لأن هذا الحكم متعلق بالفرج، والداخل فرج من كل وجه، والخارج فرج من وجه دون وجه لأن الاحتراز من النظر إلى الفرج الخارج متعذر، فسقط اعتباره. وعن أبي يوسف: لو نظر إلى بيت الشعر ثبت حرمة المصاهرة، وقال محمد: لا يثبت حتى ينظر إلى الشعر ذكره قاضي خان.
م: (ولو مس فأنزل فقد قيل: إنه يوجب حرمة المصاهرة) ش: وبه كان يفتي شمس الإسلام

(5/39)


والصحيح أنه لا يوجبها لأنه بالإنزال تبين أنه غير مفض إلى الوطء، وعلى هذا إتيان المرأة في الدبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأوزجندي، ووجهه أن مجرد المس بشهوة يثبت الحرمة، وهذه إن كانت توجب زيادة حرمة لا توجب خلافها.
م: (والصحيح أنه لا يوجبها) ش: هذا اختيار المصنف وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي والإمام فخر الإسلام.
م: (لأنه بالإنزال تبين أن غير مفض إلى الوطء، وعلى هذا) ش: أي على هذا الخلاف م: (إتيان المرأة في الدبر) ش: أي دبر المرأة، أما لو لاط بغلام لا يوجب ذلك حرمة عند عامة العلماء، وقد ذكرناه فيما مضى.
وقال الشافعي: لو أتى امرأته بنكاح صحيح أو فاسد في دبرها أو أمته في دبرها تثبت به حرمة المصاهرة فيه قولان، ثم الإتيان في دبر المرأة حرام بإجماع الفقهاء.
وروي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: لم يصح تحريمه عندنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والقياس أنه حلال، فقال ابن الربيع: كذب ابن عبد الحكم، فإن الشافعي نص على تحريمه.
وقال شيخنا في " شرح الترمذي " له: قد انعقد الإجماع آخرا على تحريم إتيان المرأة في الدبر، وإن كان فيه خلاف قديم قد انقطع، وكل من روي عنه إباحته فقد روي عنه إنكاره.
فأما القائلون بتحريمه من الصحابة، فعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، ومن التابعين: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وسفيان الثوري، والشافعي، وآخرين من أهل العلم.
قال الشيخ: ولم يختلف فيه أحد من الصحابة إلا ابن عمر ولا من التابعين إلا نافع، وأما ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ فروى النسائي في " سننه الكبرى " من طريق مالك قال: أشهد على ربيعة حدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك. فقال: لا بأس به.
وقد صح عن ابن عمر أيضا إنكار ذلك فيما رواه النسائي في " سننه الكبرى " من طريق مالك قال: أشهد من رواية الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إن متسري الجواري يتحمض لهن، قال: وما التحميض، قال: يأتيهن في أدبارهن، قال ابن عمر: أو يفعل هذا مسلم؟! وروى الثعلبي في " تفسيره " من رواية عطاف بن موسى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك، وأنكره أصحابه.

(5/40)


وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز لانقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع، ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد. ولنا أن نكاح الأولى قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع من الخروج والفراش والقاطع تأخر عمله ولهذا بقي لو وطئ القيد. والحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا متى يجوز له أن يتزوج بأختها]
م: (وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها) ش: وكذا لا يتزوج بأربع سواها، ولا بعمتها، ولا بخالتها، ولا ببنت أختها، وكذا الفسخ بعد الدخول بها حتى تنقضي عدتها يروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وبه قال سعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، ومجاهد، والنخعي، والثوري، وابن حنبل، ذكر ذلك في " المغني ".
م: (وقال الشافعي: إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز) ش: وقال [به] مالك وابن أبي ليلى وأبو ثور وابن عبيد وابن المنذر، ويروى عن القاسم بن محمد وعروة م: (لانقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع) ش: وهو الطلاق البائن والثلاث.
م: (ولهذا) ش: أي لأجل انقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع، ولهذا م: (لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد) ش: ولو جاءت بولد لأكثر من سنتين لم يثبت النسب، ولو بقيت بينهما علقة النكاح لسقط به الحد، ويثبت النسب.
وإنما العدة واجبة لأنه من محرم لا لأنها من حقوق النكاح حتى لا يجب بدون توهم الدخول، فكما كان من العدة حق النكاح لا يعتبر توهم الدخول كعدة الوفاة، كذا في " المبسوط ".
م: (ولنا أن نكاح الأولى) أي المرأة الأولى، وفي بعض النسخ النكاح الأول م: (قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع من الخروج) ش: من المسلم.
م: (والفراش) أي وكالفراش وهو صيرورة المرأة بحال لو جاءت بولد ثبت النسب م: (والقاطع) ش: وهو الطلاق، وهو جواب عن قول الشافعي: يجوز انقطاع النكاح بالكلية م: (تأخر عمله) ش: إلى زمان انقطاع العدة لبقاء حكم النكاح.
فلو لم يكن قائما حال العدة تخلف الحكم عن علته، وهو باطل م: (ولهذا لو وطئ المعتدة بقي القيد) ش: أي في حق التزوج بزوج آخر، وفي حق الخروج والبروز في العدة، والحد كما يجب هذا جواب عن قوله: ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد.
م: (والحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق) ش: معنى إشارته ما ذكر في باب ثبوت

(5/41)


وعلى عبارة كتاب الحدود: يجب؛ لأن الملك قد زال في حق الحل فيتحقق الزنا ولم يرتفع في حق ما ذكرنا فيصير جامعا.
ولا يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النسب، أي الموطوءة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين، أو لتمام سنتين من بعد الطلاق فادعاه المطلق يثبت نسبه منه.
فدل على أن هذا شبهة في المحل، والشبهة إذا كانت في المحل يستوي فيه العلم والظن في سقوط الحد عنه، بخلاف الشبهة في الفعل، فإن النسب لا يثبت بها أصلا، كما لو وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته، وقال: ظننت أنها تحل لي.
م: (وعلى عبارة كتاب الحدود: يجب) ش: أي الحد م: (لأن الملك قد زال في حق الحل، فيتحقق الزنا) ش: لوقوع الوطء في غير الملك فيجب الحد م: (ولم يرتفع) ش: أي الملك م: (في حق ما ذكرنا) ش: يعني من النفقة. والمنع والفراش وليس هذا إلا باعتبار الحكم بقيامه والنكاح في حق التزوج بالأخت احتياطا في التعادي عن الجمع بين الأختين وهو يعني قوله م: (فيصير جامعا) ش: يعني إذا كان الملك قد زال في حق الحل، وتزوج أختها يصير جامعا بين الأختين.
فإن قلت: ما معنى ذكر لفظ الإشارة في عدم وجوب الحد، ولفظ العبارة في وجوب الحد.
قلت: لأنها في المسألة الأولى التي ذكرنا صورتها، وهي نسبه، ويثبت نفيها إشارة إلى أن الوطء في عدة الثلاث لا يكون زنا، فلا يجب الحد.
وفي المسألة الثانية يفهم وجوب الحد من نفس العبارة؛ لأنه وطء في غير الملك فصار زنا وموجب الزنا الحد.

[لا يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها]
م: (ولا يتزوج المولى أمته) ش: سواء ملك كلها أو بعضها م: (ولا المرأة عبدها) ش: أي ولا تتزوج المرأة عبدها، سواء ملكت كله أو بعضه، وبهذا قالت الأئمة الأربعة، وعليه الإجماع. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على بطلان نكاح المرأة عبدها، انتهى. ونفاة القياس جوزوا ذلك، واستدلوا بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، وقَوْله تَعَالَى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) .
والجواب: أن الآية المذكورة يعارضها قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] (النور: الآية 32) ، خاطب الله تعالى الموالى بإنكاح الإماء لا بنكاحهن.
فإن قيل: الآية ساكتة عن نكاحهن، والساكت ليس بحجة.
فالجواب: أن الموضع موضع ما يحتجن إليه من أمر النكاح، والسكوت عن البيان في موضع يحتاج إلى البيان بيان.

(5/42)


لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا بثمرات مشتركة بين المتناكحين والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة.
ويجوز تزوج الكتابيات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا بثمرات مشتركة بين المتناكحين) ش: ثمرته للزوجة وجوب المهر والكسوة والنفقة ووجوب الوطء عليه حكما، وما بعدها وبأنه لا يحل له العزل بغير رضاها، ولها الخيار بالجب والعنة، وثمرته للزوج التمكين من نفسها، وقرارها في بيته. وأعمال داخل البيت من الطبخ وغسل ثيابه وتربية ولده منها وإرضاعها، بمكان كل واحدة منهما مالكا ومملوكا، وبينهما منافاة، أشار إليه بقوله: م: (والمملوكية تنافي المالكية) ش: لأن المالكية تقتضي الظاهرية، والمملوكية تقتضي المقهورية ولا خفاء في التنافي بينهما فإن كان كذلك.
م: (فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة) ش: لأن ملك أحدهما صاحبه ينفي وقوع الثمرة على الاشتراك، وإذا انقطعت الشركة ينقطع الملك ما يثبت لعينه في باب النكاح، وإنما يثبت لتحقيق الثمرات.
فإن قيل: المالكية والمملوكية من جهتين مختلفتين فلا تنافي حينئذ.
فالجواب عنه: اختلاف الجهة، لأن كون المرأة مالكة بجميع أجزائها إنما هو بالنسبة إلى العبد، فلم تختلف، ولقائل أن يقول: المرأة بجميع أجزائها مالكة للعبد بجميع أجزائه.
وليست مالكة لمنافع بضعه فجاز أن يملك العبد بالنكاح على سيدته منافع بضعها؛ لأن النكاح عقد على ملك منافع البضع وهو لم يكن من حيث منافع بضعه مملوكا، ولا المولى من حيث منافع بضعها مالكة، بل من حيث أجزائها.

[تزوج الكتابيات والمجوسيات والوثنيات والصابئات]
م: (ويجوز تزوج الكتابيات) ش: جمع كتابية، والذكر كتابي، وهو الذي يؤمن بنبي ويقر بكتاب، ولا خلاف للأئمة الأربعة في جواز نكاح الكتابية الحرة، وهي النصرانية واليهودية.
وممن آمن بزبور داود، وصحف إبراهيم وشيث - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، والسامرة من اليهود اختلفوا فيه، ولكن قال الشافعي: ينبغي أن تكون إسرائيلية، يعني من أولاد إسرائيل، وهو يعقوب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما التمسك بكتب الأنبياء السالفة، بصحف إبراهيم وموسى وإدريس لا يجوز نكاحهم، كذا في " شرح الوجيز ".
وممن روي عنهم جواز حرائر أهل الكتاب عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وسلمان، وجابر وغيرهم _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
ويروى عن ابن عمر أنه كان لا يجوز نكاح الكتابية، وقالت الإمامية: لا يجوز نكاح الكتابية إلا عند عدم المسلمة لاختلاف العلماء في كونهم مشركين، قول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، أي حتى يسلمن من أهل الكتاب.

(5/43)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ، أي العفائف
ولا فرق بين الكتابية الحرة والأمة على ما تبين بعد إن شاء الله تعالى: ولا يجوز تزويج المجوسيات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف أهل العلم أن لفظ الشرك يتناول أهل الكتاب، فقال بعضهم: يتناوله لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] ش: (التوبة: الآية 30) .
ثم قال في آخر الآية: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] والأصح أن اسم الشرك مطلقا لا يتناول أهل الكتاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] (الحجر: الآية 2) ، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] (البينة: الآية 1) ، والعطف يقتضي المغايرة، والمطلق ينصرف إلى الكامل.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ش: أي الكتابيات من أحصنت إذا عفت، وأحصنها زوجها إذ أعفها فهي محصنة بالفتح م: (أي العفائف) ش: فسر المصنف المحصنات بالعفائف، وكذا فسر السدي والشعبي.
قال الأكمل: تفسيره بذلك احترازا عن قول ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، فإنه فسره بالمسلمات، وليست العفة شرطا لجواز النكاح، وإنما ذكرها بناء على العادة بدلالة الفرض.
وجه الاستدلال أن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ، أي: وأحل لكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فلا خفاء في دلالته على الحل، والعفائف جمع عفيفة من عف عن الحرام يعف عف وعفة، أي كف وهو عف وعفيف، والمرأة عفة وعفيفة.

م: (ولا فرق بين الكتابية الحرة والأمة على ما نبين بعد إن شاء الله تعالى) ش: يعني بعد أسطر، حيث قال: ويجوز تزويج الأمة.
وقال الكاكي: الأولى أن لا يتزوج الكتابية، ولا تؤكل ذبيحتهم إلا للضرورة، لما روي أن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ غضب على حذيفة، وكعب، وطلحة غضبا شديدا، فقالوا: انطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، وكان حذيفة بن اليمان تزوج يهودية، وكذا كعب بن مالك، وطلحة بن عبيد الله.
م: (ولا يجوز تزويج المجوسيات) ش: أي بإجماع الأئمة الأربعة، وفقهاء الأمصار، والصحابة، وهي جمع مجوسية، والذكر مجوسي، والمجوس: يعبدون النار.
وفي " المبسوط ": لا يجوز نكاحها؛ لأنها ليست من أهل الكتاب، وذكر إسحاق في " تفسيره ": جواز نكاحها، على ما روي عنه أن المجوس من أهل الكتاب، وبه قال داود

(5/44)


لقولة - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» .
قال: ولا الوثنيات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظاهري وأباح وطأهن بملك اليمين سعيد بن المسيب، وعطاء وعمرو بن دينار، ومالك.
وقال السروجي: وأباح أبو ثور وداود الظاهري نكاح المجوسية، وروي ذلك عن حذيفة، وقال مرة الهمداني، والحسن، وإبراهيم، وحماد: لا يطأ المجوسية حتى تسلم.
وبه قال الشافعي وأحمد، قال أبو عمر بن عبد البر: عليه جماعة فقهاء الأمصار، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس.
قلت: قد ذكرنا إباحة ذلك عن غير طاوس، وقال السروجي: لا يجوز أنكحة عبدة الشمس والكواكب، وكل من لا كتاب له ولا نكاح الزنادقة والمعطلة.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وقال الأكمل: رواه عبد الرحمن ابن عوف، قلت ليست روايته هكذا، ونذكر حديثه الآن كما ورد:
روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد عن علي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن [أسلم] قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» .
وقال ابن القطان: هذا مرسل، ومع إرساله ففيه قيس بن مسلم وهو ابن الربيع، وقد اختلف وهو ممن ساء حفظه بالقضاء كشريك وابن أبي ليلى.
وروى البزار في " مسنده " والدارقطني في " غرائب مالك " من حديث علي الحنفي حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه «عن عمر بن الخطاب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، ذكر المجوس، فقال: لا أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبد الرحمن _ رضي الله تعالى _عنه: أشهد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، انتهى.
قوله: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي اسلكوا بهم طريقهم، يعني عاملوهم معاملتهم في إعطاء الأمان وأخذ الجزية.

[زواج المحرم والمحرمة في حالة الإحرام]
م: (قال: ولا الوثنيات) ش: أي قال القدوري: ولا يجوز أيضا تزويج الوثنيات، وهو جمع وثنية، والذكر وثني، ونسبته إلى عبادة الوثن وهو ماله جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت، والجمع أوثان.

(5/45)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) . ويجوز تزوج الصابئات إن كانوا يؤمنون بدين نبي ويقرون بكتاب؛ لأنهم من أهل الكتاب. وإن كانوا يعبدون الكوكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم؛ لأنهم مشركون. والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم، فكل أجاب على ما وقع عنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكانت العرب تنصبها لتعبدها، ويدخل في الوثنيات عبدة الشمس وعبدة النجوم والصور التي أنحتوها، والمعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية وفي " شرح الوجيز ": وكذا كل مذهب يكفر معتقده، لأن اسم الشرك يتناولهم جميعا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ش: وهو بعمومة يتناول الوثنية. قال الأكمل: وهي من يعبد الصنم وغيره.
قلت: الوثنية من تعبد الوثن وقد قررناه الآن. والصنم غيره لأنه صورة بلا جثة، كذا فرق بينهما كثير من أهل اللغة، وقيل: لا فرق بينهما وقيل: قد يطلق الوثن على غير الصور.
م: (ويجوز تزويج الصابئات) ش: هو جمع صابئة، والذكر صابئ، من صبئ إذا خرج من دين إلى دين، وقال السدي: الصابئون: طائفة من اليهود كالسامرة، وقال أبو إسحاق: هو قول عمر بن الخطاب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، وقال قاض خان: وهو قول علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _.
وفي " الذخيرة القرافية ": الصابئون من النصارى، والسامرة من اليهود: يجوز مناكحتهم، وفي " المغني " عن أحمد: أنهم طائفة من النصارى، ونص عليه الشافعي، وهو قول إسحاق بن راهويه.
وقيد المصنف جواز تزويج الصابئات بقوله م: (إن كانوا يؤمنون بدين نبي) ش: أي كانت جماعة الصابئة يؤمنون بنبي من الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - م: (ويقرون بكتاب) ش: من الكتب المنزلة من السماء م: (لأنهم من أهل الكتاب) ش: أي حين يؤمنون بنبي ويقرون يكونون من أهل الكتاب، ولا خلاف في تزويج الكتابيات.
م: (وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم، لأنهم مشركون) ش: فلا تجوز مناكحتهم، قالوا: هم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الكواكب، والتفصيل المذكور في حكمهم مبني على هذين التفسيرين.
م: (والخلاف المنقول فيه) ش: يعني بين أبي حنيفة وصاحبيه أن أنكحتهم صحيحة عنده، خلافا لهما: (محمول على اشتباه مذهبهم) ش: أي كل واحد من أبي حنيفة وصاحبيه م: (فكل أجاب على ما وقع عنده) ش: فوقع عند أبي حنيفة أنهم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور ولا يعبدون الكواكب.

(5/46)


وعلى هذا حل ذبيحتهم. قال: ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز، وتزويج الولي المحرم وليته على هذا الخلاف المذكور، فعندنا يجوز، وعنده لا يجوز له، قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح غيره»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولكنهم يعظمونها كتعظيمنا القبلة للاستقبال إليها، ووقع عندهما أنهم يعبدون الكواكب، ولا كتاب لهم، فصاروا كعبدة الأوثان، فإذا لا خلاف بينهم في الحقيقة؛ لأنهم إن كانوا كما قال أبو حنيفة جاز مناكحتهم عندهما أيضا، وإن كانوا كما قالا فلا يجوز مناكحتهم عنده أيضا.
وقال مجاهد والحسن: لا كتاب للصائبة، وقال أبو العالية وقتادة: يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرءون الزبور. وقال عبد الرحمن بن زيد: يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم كتاب، ولا نبي، ولا عمل.
وقال مقاتل: هم قوم يقرون بالله ويعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلون إلى الكعبة، أخذوا من كل دين شيئا، وقال الكلبي: هم قوم من النصارى يحلقون وسط رءوسهم ويجبون مذاكيرهم.
وقال عبد العزيز بن يحيى: قد درجوا وانقرضوا فلا عين ولا أثر، وقال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب فيزعمون أنهم على دين نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
م: (وعلى هذا حل ذبيحتهم) ش: أي وعلى الخلاف المنقول فيه حل ذبيحتهم، فعند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: تحل ذبائحهم، وعندهما لا تحل، وذكر شيخ الإسلام في " شرح أبو اليسر " أن الصابئين تحل ذبائحهم ونساؤهم عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، خلافا لمحمد، والسرخسي ذكر أن أبا يوسف مع محمد وهو المشهور.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حال الإحرام) ش: قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: وهو قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _.
وبه قال سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر وعمرو بن دينار وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، وهو مذهب أهل العراق.
م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (وتزويج الولي المحرم وليته) ش: أي موليته م: (على هذا الخلاف المذكور، فعندنا يجوز، وعنده لا يجوز له) ش: أي للشافعي.
م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح غيره» .
ش: هذ الحديث رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عثمان بن عفان _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ قال:

(5/47)


ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج ميمونة وهو محرم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» زاد مسلم وأبو داود في رواية: ولا يخطب وزاد ابن حبان في " صحيحه ": ولا يخطب بمكة.
قوله: _ لا ينكح _ بفتح الياء، و _ لا ينكح _ بضم الياء من الإنكاح، أي لا ينحك غيره.
م: (ولنا ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (تزوج بميمونة وهو محرم) هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن طاووس عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، قال: «تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميمونة وهو محرم» زاد البخاري: «وبنى بها، وهو حلال، وماتت بسرف» .
وأخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج ميمونة وهو محرم» وأخرجه البزار في " مسنده " عن مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - « [أنه]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج وهو محرم واحتجم وهو محرم» وقال السهيلي في " الروض الأنف ": إنما أراد نكاح ميمونة ولكنها لم تسم.
وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: الذين رووا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج فيها، وهو محرم أهل، وثبت من أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم فقهاء الذين نقل عنهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي نجيح وهؤلاء أئمة يقتدى بروايتهم.
وأما حديث عثمان فإنما رواه وهب بن منبه، وليس كعمرو بن دينار ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ولا لوهب أيضا موضع في العلم كموضع عمرو بن دينار ممن ذكر.
فإن قلت: روي يزيد بن الأصم؛ «عن ميمونة بنت الحارث، قالت: تزوجني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن حلالان» . رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. قلت: أجيب أن عمرو بن دينار قال: قلت: أجيب أن عمرو بن دينار قال: قلت: للزهري وما يدري ابن الأصم أعرابي نوال على ناقة أنجعله مثل ابن عباس، مع أنه يحتمل أن يكون روى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونه بنت الحارث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة قبل أن يخرج» .
قلت: قال أبو عمر بن عبد البر: حديث مالك يعني في هذا الباب غير متصل، ورواه مطر الوراق فوصله، قال: وهو غلط من مطر الوراق، لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، ومات أبو رافع بعد قتل عثمان _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ بسنتين، وكان قتل عثمان _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يروي عنه.

(5/48)


وما رواه محمول على الوطء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الترمذي: لا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة.
وضعف يحيى بن سعيد مطر الوراق، وضعفه أحمد وضعف البخاري حديث عثمان في النهي عن نكاح المحرم، ورد رواية مالك، ومذهبه.
وقال أيضا: حديث ابن الأصم مرسل، وأدخل في صحيحه عن سعيد بن المسيب أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوجها وهو محرم، وقال الطحاوي: ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه.
فإن قلت: قال ابن حبان: وليس في هذه الأخبار تعارض، وعندي أن معنى قوله: تزوج ميمونة وهو محرم، أي داخل في الحرم، كما يقال: أنجدوا أنهم إذا دخلوا نجد أو تهامة.
قلت: الجواب عنه في ثلاثة أوجه:
الأول: أن حمله على الحقيقة الشرعية أولى من الحقيقة اللغوية لما عرف.
والثاني: أنهم يزعمون أنه كان بالمدينة عند العقد، وإنما زوجه إياها وكيلاه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يكن في الحرم، ولو ادعوا أن للمدينة حرما له ذلك مسلم لهم، ويكون على هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرما على رواية، إلا إذا أبعد عن المدينة.
والثالث: أن الراوي الذي هو ابن عباس قطع له بعقد الإحرام لأنه وقع به قول من قال: تزوج بها، وهذا حلال، ولا يمكن حمله على خلاف رواية الراوي.
فإن قلت: قالوا: النهي قول والجواز فعل، والقول مقدم بوجهين:
أحدهما: أن القول يتعدى دون الفعل.
والثاني: يجوز أن يكون الفعل مخصوصا به - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لا سيما في باب النكاح، ولأن الفعل يعارض في نفسه، ولا معارض للقول.
قلت: أجيب عن الوجه الأول بالمنع، فإن الفعل يتعدى أيضا، لأن الإحرام لما لم يكن مانعا منه في حقه وثبت جواز العقد معه ثبت في حق أمته أيضا، إذ أمته أولى بالرخص، وهو كالغرم لضعفهم وحاجتهم وقوته بحمل الأشق.
وعن الوجه الثاني أن الأصل عدم الاختصاص، ويلزم منه تفسير الأصل فلا يصار إليه.
م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه م: (محمول على الوطء) ش: لأن النكاح للوطء حقيقة، وللعقد مجازا أي لا يطأ المحرم ولا يمكن الحرمة حتى يطأ، هذا ما ذكره بعضهم وهو ضعيف لأن التمكين من الوطء لا يسمى نكاحا مع اختلاله إعرابا لكنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

(5/49)


ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز للحر أن يتزوج بأمة أو كتابية، لأن جواز نكاح الإماء ضروري عنده لما فيه من تعريض الحر على الرق وقد اندفعت الضرورة بالمسلمة، ولهذا جعل طول الحرة مانعا منه. وعندنا الجواز مطلق لإطلاق المقتضى، وفيه امتناع عن تحصيل الجزء الحر لإرقاقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخبر عن معيار أحوال المحرمين أنهم في إحرامهم لا يشتغلون بالنكاح والإنكاح، ولا يباشرون ذلك.
وقال الخطابي: الأوجه أن يقال: إن الحديث مروي بالنهي مجردا، والنهي يكون للتنزيه كما في نهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الخطبة على خطبة أخيه، ولو فعل صح النكاح عندنا والشافعي وأحمد خلافا لمالك، وحديث النهي يحمل عليه توفيقا بين الحديثين، ولو روي منفيا فالنفي يجيء بمعنى النهي، كذا في " الكافي ".

[نكاح الإماء]
م: (ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية، وقال الشافعي: لا يجوز للحر أن يتزوج بأمة أو كتابية) ش: وبه قال مالك وأحمد _ في رواية _ وعن مالك: إنكاح الأمة مطلقا، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحارث والديري أنهما قالا: يتزوج الحر أربعا من الإماء من غير فصل. وقال ابن عباس ومجاهد: وسع الله تعالى على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسرا إلا أن تكون تحته حرة، وقال قتادة والثوري: إن خاف العقد جاز له نكاح الأمة وإن وجد طولا.
وفي " الذخيرة القرافية ": إذا لم يستغن بأمة واحدة يتزوج إلى أربع وهو قول ابن حنبل، وإن استغنى بها ففي الزيادة عليها خلاف، وأباح حماد نكاح اثنين من الإماء، وعند الشافعي لا يزيد على واحدة وهو رواية عن أحمد م: (لأن نكاح الإماء ضروري عنده) ش: أي عند الشافعي.
م: (لما فيه) ش: أي لما في تزويج الإماء م: (من تعريض الحر على الرق) ش: إذ الولد يتبع الأم في الرق م: (وقد اندقعت الضرورة بالمسلمة) ش: أي الأمة المسلمة الواحدة والضرورة تتقدر مؤنتها بقدرها، فلا حاجة إلى الكتابة.
م: (ولهذا) ش: أي لكونه ضروريا م: (جعل) ش: أي الشافعي م: (طول الحرة مانعا منه) ش: أي من تزويج الأمة لاندفاع الضرورة بالقدرة على تزويج الحرة.
م: (وعندنا الجواز مطلق) ش: أي جواز نكاح الأمة مطلقا مسلمة كانت أو كتابية م: (لإطلاق المقتضي) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) .
م: (وفيه) ش: أي في نكاح الأمة م: (امتناع عن تحصيل الجزء الحر لإرقاقه) ش: لأنه لم يوجد بعد كلامه ما يراق، وفيه الإرقاق بحال وبعدما صدر لا يصدر منه شيء حتى يقال: إنه إرقاق،

(5/50)


وله أن لا يحصل الأصل. فيكون له أن لا يحصل الوصف،
ولا يتزوج أمة على حرة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنكح الأمة على الحرة» وهو بإطلاقه حجة على الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في تجويزه ذلك للعبد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبعد وجوب المال لا يوصف بالرق والحرية ولا بطريق التبعية والامتناع عنه ليس بمانع شرعا.
م: (وله أن يحصل الأصل) ش: أي الولد بالعزل برضا المرأة [ ... ] العجز العقيم م: (فيكون له أن لا يحصل الوصف) ش: أي وصف الحرية أيضا بتزوج الأمة.

[زواج أمة على حرة وحرة على أمة]
م: (قال: ولا يتزوج أمة على حرة) ش: كان حرا أو عبدا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تنكح الأمة على الحرة» ش:.
روى الدارقطني في " سننه " في الطلاق من حديث مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد، عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طلاق العبد اثنتان، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقرء الأمة حيضتان، ويتزوج الحرة على الأمة، ولا يتزوج الأمة على الحرة» ومظاهر بن أسلم ضعيف. وروى الطبراني في تفسير سورة النساء بإسناده عن الحسن أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى أن تنكح الأمة على الحرة، قال: وتنكح الحرة ومن له طول الحرة فلا ينكح أمة» رواه عبد الرزاق في " مصنفه " مقصرا على نكاح الأمة. فقال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنكح الأمة على الحرة» رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أيضا.
حدثنا أبو داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن لا تنكح الأمة على الحرة.
وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا تنكح الأمة على الحرة، وتنكح الحرة على الأمة. وأخرج عن الحسن نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ وأخرج مكحول أيضا نحوه، وفي " السروجي ": وعن سعيد بن المسيب ومكحول في الرجل يتزوج الأمة على الحرة فلا يفرق بينهما.
وعن الزهري: يرجع طهره وينزع أمته، وعن طاوس: قلت: إن رجلا تزوج أمة على حرة، وأنه يزعم أنه قد حرمتها عليه، قال: صدقوه ذكره ابن أبي شيبة.
م: (وهو بإطلاقه) ش: أي الحديث المذكور يقتضي إطلاقه م: (حجة على الشافعي في تجويزه ذلك) ش: أي تجويز الأمة على الحرة م: (للعبد) ش: فإن عنده يجوز للعبد أن يتزوج الأمة على الحرة

(5/51)


وعلى مالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في تجويزه ذلك برضاء الحرة، ولأن للرق تأثير الماء ولأن للرق أثر في تنصيف النعمة على ما نقرره في كتاب الطلاق إن شاء الله. فيثبت به حل المحلية في حالة الانفراد دون حالة الانضمام.
ويجوز تزويج الحرة عليها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وتنكح الحرة على الأمة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قال أحمد في رواية م: (وعلى مالك) ش: أي وحجة على مالك م: (في تجويزه) ش: أي تجويز الأمة على الحرة م: (برضا الحرة) ش: يعني إذا رضيت الحرة بذلك يجوز م: (ولأن للرق تأثير الماء) ش: قوله: حالة الانضمام دليلنا، ولم يذكر دليل الشافعي، ولا دليل مالك، فوجه قول الشافعي: أن تزوج الأمة ممنوع لمعنى في التزوج إذا كان حرا. وهو تعريض حريته على الرق مع المانع عنه، وهو لا يوجد في حق العبد؛ لأنه رقيق بجميع أجزائه، ووجه قول مالك إن المنع لحق الحرة، وإذا رضيت فقد أسقطت حقها.
وأشار إلى وجه قولنا بقوله: م: (ولأن للرق أثرا) ش: أي الرق له تأثير م: (في تنصيف النعمة) ش: وهو الحل الذي بني عليه النكاح في جانب النساء والرجال جميعا م: (على ما نقرره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى) ش: قرره في آخر فصل الذمي باب طلاق السنة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى _ عز وجل.
م: (فيثبت به) ش: أي الذي بنى عليه النكاح ردا على قوله: م: (حل المحلية في الانفراد) ش: وهي إذا تزوج الأمة ولم يكن تحته حرة م: (دون حالة الانضمام) ش: وهي إما الجمع بين الحرة والأمة في عقد النكاح، أو تزوج الأمة على الحرة تقدير هذا أن في الحقيقة حالتين: حالة الانضمام مع الحرة.
وحالة الانفراد عنها، فيثبت الحل في حالة الانفراد دون حالة الانضمام، وهو تزوجها على الحرة أو مع الحرة، والتزوج على الحرة انضمام، لأن كل فعل يقبل الامتداد يعطي لبقائه حكم الابتداء. وحكم النكاح من ذلك، فيجعل الانضمام على هذا الطريق، وقد طول الأكمل هنا كلامه واستغربه وهو في الحقيقة أخذه من " النهاية "، وصاحب " النهاية " أخذه من " المبسوط "، وفيما ذكرناه كفاية.

م: (ويجوز تزويج الحرة عليها) ش: أي على الأمة، ولا يبطل نكاح الأمة بإجماع الأئمة الأربعة، وقال المزني من أصحاب الشافعي: يبطل نكاح الأمة للقدرة على طول الحرة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وتنكح الحرة على الأمة» ش: تقدم هذا عن قريب في " سنن " الدارقطني عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _.

(5/52)


ولأنها من المحللات في جميع الحالات؛ إذ لا منصف في حقها. فإن تزوج أمة على حرة في عدة من طلاق أو ثلاث بائن لم يجز عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، ويجوز عندهما، لأن هذا ليس بتزوج عليها وهو المحرم، ولهذا لو حلف لا يتزوج عليها لم يحنث بهذا، ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن نكاح الحرة باق من وجه في العدة لبقاء بعض الأحكام، فيبقى المنع احتياطا، بخلاف اليمين، لأن المقصود أن لا يدخل غيرها في قسمها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الحرة م: (من المحللات) ش: بفتح اللام م: (في جميع الحالات؛ إذ لا منصف) ش: بكسر الصاد م: (في حقها) ش: أي في حق الحرة، بخلاف الأمة.
م: (فإن تزوج أمة على حرة في عدة من طلاق بائن أو ثلاث) ش: قبل الاعتداد عن طلاق بائن، لأنها لو كانت معتدة عن طلاق رجعي لا يجوز بالاتفاق م: (لم يجز عند أبي حنيفة ويجوز عندهما) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وعند عدم طول الحرة م: (لأن هذا) ش: أي نكاح الأمة في عدة الحرة م: (ليس بتزويج عليها) ش: أي على الحرة لزوال الملك م: (وهو المحرم) ش: أي التزوج على الحرة وهو محرم، بكسر الراء م: (ولهذا) ش: أي ولكون المحرم هو التزوج على الحرة.
م: (لو حلف لا يتزوج عليها) ش: أي على المرأة، بأن قال: إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق، فتزوج امرأة بعدما أبانها م: (لم يحنث بهذا) ش: أي بهذا التزوج، وهو تزوج المرأة حرة كانت أو أمة في عدة من طلاق بائن، بخلاف ما إذا تزوج امرأة في عدة أختها من طلاق بائن، فإنه لا يجوز باتفاق علمائنا، خلافا للشافعي؛ لأن المحرم هناك الجمع، وفي التزويج في العدة بينهما في حقوق النكاح.
أما ها هنا فأبلغ لأجل الجمع، ولهذا لو تزوج الحرة عليها جاز، بل في تزوج الأمة على الحرة إدخال ناقصة الحال في مزاحمة كاملة الحال، ولهذا لا يوجد بعد البينونة، كذا في " المبسوط " " والأسرار ".
م: (ولأبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أن نكاح الحرة باق من وجه في العدة، لبقاء بعض الأحكام) ش: وهو المنع من التزوج والفراش، حتى بانت منه، والنفقة فكانت العدة حقا من حقوق النكاح. وحق الشيء كنفس ذلك الشيء م: (فيبقى المنع احتياطا) ش: كما لو تزوج أختا في عدة أخت م: (بخلاف اليمين) ش: جواب عن قولهما، ولهذا لو حلف، تقريره أن اليمين يعتبر فيه العرف، وفي العرف لا يسمى تزوجا عليها بعد البينونة، فلهذا لم تطلق.
وأما في ألفاظ الشرع المعتبر المعنى، ومعنى الحرمة باق ببقاء العدة، وعلل المصنف بقوله: م: (لأن المقصود أن لا يدخل غيرها) ش: عليها شريكة م: (في قسمها) ش: بفتح القاف، لأن قصد الحالف تطبيب قلبها بترك الإشراك في الفراش، فإذا تزوجها في العدة فما أشرك غيرها في

(5/53)


وللحر أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قسمها.

[عدد النساء اللائي يتزوجهن الحر]
م: (ويجوز للحر أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء) ش: أي أربعة من النساء الحرائر، أو أربعة من الإماء، وأربعا منهما إذا قدم الأمة م: (وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك) ش: أي من الأربع، وعن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعة وهو خرق الإجماع، وهذا نقل عن الروافض أنهم يجوزون تسعا من الحرائر.
وفي " الحواس ": روى عن النخعي وابن أبي ليلى هكذا، وعن بعض الشيعة والخوارج جواز ثمانية عشر تعلقا بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، فمن جعل مثنى بعد العدل يعني اثنين، وكذا ما بعده أباح نكاح تسع ومن قال: مثنى بمعنى اثنين مرتين أباح نكاح ثمانية عشر امرأة.
وحكى القاضي عبد الوهاب عن بعض النساء: أنه جوز للرجل أن يتزوج من النساء أي عدد شاء قليلا كان أو كثيرا من غير حصر وعدد.
وذكر السروجي: ذكر الله سبحانه وتعالى الزواج في التوراة من غير حصر بعدد حفظا لمصالح الرجال دون النساء وحرم في الإنجيل الزيادة على الواحدة حفظا لمصالح النساء دون الرجال، وجمع في هذه الشريعة المعظمة بين مصالح الرجال والنساء.
م: (لقوله عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، م: (والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه) ش: قيل: قوله: والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه غير مسلم، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما يغسل الثوب من خمس: من بول وغائط، وقيء، ودم ومني» وبالاتفاق يغسل من الخمس أيضا مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نص على العدد مع كلمة الحصر.
وأجيب: بأن معناه إنما يغسل الثوب من خمس مما يخرج من بدن الآدمي، لأن هذا الحديث خرج جوابا لسؤال من سأل عن النجاسة، وهو مختص على هذا العدد، وقيل: كلام المصنف إنما يمشي على قول من يقول: إن الواو في الآية بمعنى أو كما في قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى} [فاطر: 1] (فاطر: الآية 1) .
ورد بأن الأصح أن الواو بمعناها؛ لأن أو لا تستعمل إلا في التخيير، والتخيير في الحقيقة لا يدخل في العدد، ومثل هذا التركيب يدل على جواز أحد الأعداد كما في قوله: اقتسموا هذا المال اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.

(5/54)


وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يتزوج إلا أمة واحدة، لأنه ضروري عنده والحجة عليه ما تلونا إذ الأمة المنكوحة ينتظمها اسم النساء كما في الظهار.
ولا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنين، وقال مالك: يجوز له الأربع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو قلت: أو يعلم أنه لا ممنوع أن يقتسموه إلا إحدى هذه القسمة وليس لهم أن يجمعوا بينها، لأن أو لأحد الشيئين، والواو تدل على تجويز الجمع بين الفرق.
وقال الفراء: المراد واحد من الأعداد، ولا وجه لحمله على الجمع، لأن العبارة في التسع بهذا اللفظ من المعنى في الكلام، فإن من أراد أن يقول: أعط فلانا تسع دراهم، وقال: أعط درهمين وثلاثة وأربعة كان سخيفا جاهلا، فعلم أن المراد واحد.
وقيل: معنى الآية فينكح بعضكم اثنين وبعضكم ثلاثة وبعضكم أربعة لا يجوز لا لغة ولا شرعا. وإذا تزوج تسعا في زمان واحد لا يكون مثنى ولا ثلاث ولا رباع، بل يكون تساع.
م: (وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يتزوج إلا أمة واحدة) ش: يعني عند عدم طول الحرة وخوف العنت، وبه قال أحمد، وقال مالك: يجوز تزويج أربعا من الإماء عند عدم طول الحرة، وخوف العنت.
وعندنا: يجوز الأربع مع الطول وخوف العنت، ثم في جواز نكاح الأمة عدم طول الحرة وخوف العنت شرط عندهم، وعندنا ليس بشرط، ولكن المستحب أن لا يتزوج مع طول الحرة عندنا.
م: (لأنه ضروري عنده) ش: أي لأن نكاح الأمة ضروري عند الشافعي والضرورة ترتفع بالواحدة فلا يزيد عليها، كالميتة أحلت للضرورة لم يجز إلا مقدار ما يسد رمقه.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، م: (إذ الأمة المنكوحة ينتظمها) ش: أي يشملها م: (اسم النساء) ش: أي كما أن لفظة النساء تتناول الحرائر وتتناول الإماء أيضا.
قال الأترازي: كان الأولى أن يقول إذ الأمة والحرة م: (كما في الظهار) ش: فإن النية مذكورة بلفظ النساء يتناول الأمة المنكوحة، وحكم المدبرة والمكاتبة على هذا الخلاف المذكور، فالمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

[عدد النساء اللائي يتزوجهن العبد]
م: (ولا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وبه قال عطاء والحسن البصري والشعبي والثوري.
م: (وقال مالك: يجوز له الأربع) ش: كالحر، وبه قال سالم وطاوس ومجاهد والزهري

(5/55)


لأنه في حق النكاح بمنزلة الحر عنده، حتى ملكه بغير إذن المولى، ولنا أن الرق منصف فيتزوج العبد اثنين والحر أربعا إظهارا لشرف الحرية
قال: فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقا بائنا لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها، وفيه خلاف الشافعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وربيعة الرأي وأبو ثور وداود والمكاتب والمدبر وأم الولد في هذا كالعبد م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (في حق النكاح بمنزلة الحر عنده) ش: أي عند مالك.
م: (حتى ملكه) ش: أي حتى ملك النكاح م: (بغير إذن المولى) ش: لأن ملك النكاح من خواص الآدمية والرق لا يؤثر فيها، فصار كالقصاص، فإنه مبني على أصل الحرية فيه بالإجماع فكذا ها هنا.
م: (ولنا أن الرق منصف) ش: يعني يؤثر في تنصيف النعم، وهذا الحل نعمة من الله تعالى يوصل بها إلى قضاء شهوة النكاح حلالا، والنعم متفاوتة الأحوال في الشرع، فإن حال النبوة لما كان أشرف حل له التسع دون غيره، وحال الحر أشرف من حال العبد.
فتظهر الزيادة في حق الحر دون العبد م: (فيتزوج العبد اثنتين والحر أربعا) ش: أي يتزوج الحر أربع نسوة م: (إظهارا لشرف الحرية) ش: ويؤيده حديث عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، فإنه قال: لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين.
وفي " المحلى ": وعن عطاء أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع بين النساء فوق اثنتين، انتهى، وفيه خلاف للشافعي ومالك، وقد ذكرناه عن قريب.

[نكاح المرأة وعدة الرابعة قبل انقضائها]
م: (فإن طلق الحر إحدى الأربع) ش: حتى إذا كان الحر متزوجا بأربع نسوة فطلق إحداهن م: (طلاقا بائنا لم يجز له أن يتزوج رابعة) ش: أي امرأة رابعة م: (حتى تنقضي عدتها) ش: يروى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة السلماني ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد.
وقال: القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى: له ذلك لانقطاع النكاح بينهما، وبه قال الشافعي، وأشار إليه المصنف بقوله: م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: أي تزوج الرابعة في عدة المطلقة طلاقا بائنا خلاف الشافعي، يعني يجوز عنده، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو عبد الله بن المنذر.
قلنا: إنكاح المطلقة الرابعة قائم لبقاء أحكامه من النفقة والفراش والمنع من الخروج، والقاطع قد تأخر عمله إلى انقطاع العدة.
وعن أبي الزناد أنه قال: كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة، فطلق واحدة منهن البتة وتزوج غيرها قبل أن تحل، فعاب ذلك عليه كثير من الفقهاء منهم سعيد بن المسيب، قال سعيد

(5/56)


وهو نظير نكاح الأخت في عدة الأخت قال وإن تزوج حبلى من زنا جاز النكاح، لا يطؤها حتى تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ النكاح فاسد، وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل بالإجماع، ولأبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الامتناع في الأصل لحرمة الحمل، وهذا الحمل محترم، لأنه لا جناية منه ولهذا لم يجز إسقاطه، ولهما أنها من المحللات بالنص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن منصور: إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شيء بقي.
وحكي أن مروان شاور الصحابة فيه، فاتفقوا على أنه يفرق بينهما، وخالفهم زيد ثم رجع إلى قولهم ذكره في " المبسوط ".

م: (وهو نظير نكاح الأخت في عدة الأخت) ش: أي عدم جواز نكاح المرأة وعدة الرابعة قبل انقضائها عدم جواز الأخت في عدة الأخت، وقد مر ذلك فيما مضى.
وفي " المبسوط ": لزوج المرتدة أن يتزوج بأختها بعد لحاقها بأهلها قبل انقضاء عدتها؛ لأنها لا عدة عليها من المسلم لتباين الدارين، فإن عادت مسلمة لا يضر نكاح الأخت، لأن العدة لا تعود، وعند أبي يوسف تعود، وفي بطلان نكاحها روايتان عنه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن تزوج حبلى من زنا جاز النكاح، ولا يطؤها الزوج حتى تضع حملها) ش: هذا إذا لم يكن الحمل ثابت النسب م: (وهذا) ش: أي جواز النكاح ومنع الوطء إلى حين الوضع م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الشافعي في جواز النكاح، ولكنه جوز وطأها.
م: (وقال أبو يوسف: النكاح فاسد) ش: وبه قال ابن شبرمة وزفر ومالك وأحمد م: (وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل بالإجماع) ش: ولو كان الحمل من الزنا من الزوج فالنكاح جائز عند الكل، ويحل له وطؤها وتستحق النفقة عند الكل ذكره في " النوازل "، وإن كان الزنا من غيره تستحق النفقة عند بعد المشايخ، ولا تستحق النفقة عند البعض على مذهب أبي حنيفة ومحمد.
م: (ولأبي يوسف أن الامتناع) ش: أي امتناع النكاح م: (في الأصل) ش: وهو صورة الإجماع يعني فيما إذا كان الحمل ثابتا بالنسب م: (لحرمة الحمل) ش: وصيانة عن سقيته ماءه زرع غيره، فإن الحمل يزداد سمعه وبصره حدة بالوطء.
م: (وهذا الحمل محترم، لأنه لا جناية منه) ش: أي من الحمل م: (ولهذا) ش: أي ولعدم الجناية منه م: (لم يجز إسقاطه) ش: فيمتنع النكاح ها هنا أيضا. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنها) ش: أي الحبلى من الزنا م: (من المحللات بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، وكل من كانت كذلك جاز نكاحها.

(5/57)


وحرمة الوطء كيلا يسقي ماؤه زرع غيره. والامتناع في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني، فإن تزوج حاملا من السبي فالنكاح فاسد، لأنه ثابت النسب،
وإن زوج أم ولده وهي حامل منه، فالنكاح باطل، لأنها فراش لمولاها حتى يثبت نسب ولدها منه من غير دعوى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: ما بال الحامل الثابت النسب لم تدخل تحت هذا النص؟
قلت: لكان تحت قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) ، م: (وحرمة الوطء) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان من المحللات يحل وطؤها بعد ورود العقد عليها.
فأجاب: بقوله م: (وحرمة الوطء كيلا يسقي ماؤه زرع غيره) ش: وهو حرام لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماؤه زرع غيره» ، يعني وطء الحوامل، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «لا توطأ حامل حتى تضع» صحيح.
فإن قلت: فم الرحم ينسد بالحبل، فكيف يكون سقي زرع غيره؟
قلت: شعره ينبت من ماء الغير.
فإن قلت: النكاح شرع لأمر ضروري وهو الحمل، فلا يثبت بدونه، والحمل هنا غير ثابت فلا يثبت النكاح.
قلت: ليس من ضرورة حرمة الوطء المعارض على شرف الزوال فساد النكاح كما حرم بالحيض والنفاس.
م: (والامتناع في ثابت النسب) ش: جواب عن قول أبي يوسف: إنه لحرمة الحمل. تقريره لا نسلم أن فساد النكاح لحرمة الحمل، بل إنما هو م: (لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني) ش: لارتكابه الحرام م: (فإن تزوج حاملا من السبي فالنكاح فاسد، لأنه ثابت النسب) ش: هذا بإجماع الأئمة الأربعة، وكذا المهاجرة إلينا لو كانت حاملا.
وروى الحسن عن أبي حنيفة: والمهاجرة والمسبية أنه يجوز نكاحهما لكن لا يطأهما حتى يضعا حملهما، وإن لم تكن حاملا فلا يجوز النكاح، لأن الفرقة وقعت بتباين الدارين، كذا في " جامع المحبوبي ".

[زوج أم ولده وهي حامل منه]
م: (وإن زوج أم ولده وهي حامل منه) ش: أي والحال أنها حامل من المولى م: (فالنكاح باطل، لأنها) ش: أي لأن أم الولد م: (فراش لمولاها) ش: لوجود حده، وهو صيرورة المرأة متعينة لثبوت نسب الولد منها، وهو معنى قوله: م: (حتى يثبت نسب ولدها منه) ش: أي من المولى م: (من غير دعوى) .

(5/58)


فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين إلا أنه غير متأكد حتى ينتفي الولد بالنفي من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به الحمل.
قال ومن وطئ جاريته ثم زوجها جاز النكاح، لأنها ليست بفراش لمولاها هنا، فإنها لو جاءت بولد لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: فإن قلت: ذكر هنا بلفظ الباطل، وفيما تقدم بلفظ الفاسد.
قلت: لأن الحرمة فيما تقدم مختلف فيها لما ذكرنا من رواية الحسن، فكانت حرمتها أخف فذكر بلفظ الفاسد، وقيل: المراد بالفساد هناك البطلان أيضا، وفيه تأمل.
م: (فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين) ش: وهما فراش المولى وفراش الناكح، ولأنه لا يجوز، لأنه يؤدي إلى اشتباه الأنساب كنكاح المنكوحة م: (إلا غير متأكد) ش: هذا استثناء من قوله _ فراش لمولاها _ يعني أم الوالد فراش لمولاها إلا أنها فراش غير قوي.
ويجوز أن يكون هذا جوابا عما يقال وهو أنه لو كانت فراشا لمولاها لما جاز نكاحها عند كونها غير حامل، مع أنه يجوز، فأجاب عنه بقوله: م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن فراشها غير متأكد يعني ضعيف.
م: (حتى ينتفي الولد بالنفي) ش: أي حتى ينتفي ولده بمجرد النفي م: (من غير لعان فلا يعتبر ما يتصل به الحمل) ش: أي فلا يعتبر هذا الفراش ما لم يتصل به الحمل، لأن الحمل مانع في الجملة، وكذلك الفراش فعند اجتماعهما يحصل التأكيد.
فإن قلت: إذا كان غير متأكد بنفي الولد من غير لعان وجب أن يكون الإقدام على النكاح نفيا للسبب، فإنه يقبل النفي دلالة كما إذا قال لجارية له ولدت أولاد في بطون مختلفة، هذا الأكبر مني فإنه ينتفي نسب الباقين، وإذا انتفى نسبه كان حملا غير ثابت النسب، وفي مثله يجوز النكاح كما تقدم.
قلت: أجيب بأن هذه دلالة، والدلالة إنما تحمل إذا لم يخالفها صريح، والصريح هنا موجود، لأن المسألة فيما إذا كان الحمل منه، وإن قال: رجل تزوج أم ولد وهي حامل منه، وإنما يكون الحمل منه إذا أقر به.

[وطء جاريته ثم زوجها]
م: (قال: ومن وطء جاريته ثم زوجها جاز النكاح) ش: أي قبل أن يستبرئها. وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز نكاحها قبل الاستبراء بحيضة، وعند زفر لا يجوز نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض، كما في الزانية عنده، فإنه يجب عليها ثلاث حيض عنده، وكذا الخلاف في أم الولد غير حامل منه.
م: (لأنها) ش: أي لأن الجارية م: (ليست بفراش لمولاها هنا) ش: لعدم حد الفراش وهو صيرورة المرأة متعينة لثبوت نسب ولد الرجل، ولم يوجد ذلك هنا م: (فإنها لو جاءت بولد لا

(5/59)


يثبت نسبه من غير دعوة إلا أن عليه أن يستبرئها صيانة لمائه، وإذا جاز النكاح فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وأبي يوسف _ رحمهما الله _ وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء. ولهما أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا، بخلاف الشراء لأنه يجوز مع الشغل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يثبت نسبه من غير دعوة للنكاح، إلا أن عليه) ش: أي على المولى.
م: (أن يستبرئها) ش: قال الشارحون: معناه عليه الاستحباب دون الوجوب، وذلك لأن هذا اللفظ غير مذكور في الجامع الصغير، وإنما ذكره المصنف فيقال: إنه أراد به الاستحباب م: (صيانة لمائه) ش: وقد صرح في " فتاوى الولوالجي " الاستحباب.
م: (وإذا جاز النكاح فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد لا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها) ش: وفي " المشكلات " لا يحل له أن يطأها حتى يستبرئها بحيضة.
م: (لأنه) ش: أي لأن رحمها م: (احتمل الشغل بماء المولى) ش: لوجود سببه وهو الوطء، ولو تحقق الشغل والوطء يحرم الوطء تأدبا عن السقي لزرع غيره فإذا احتمل م: (فوجب التنزه كما في الشراء) ش: فإن التنزه عن الوطء في الشراء قبل الاستبراء واجب.
وقال الأترازي: ليس المراد منه الوجوب المصطلح لدلالة قوله لا أحب أن يطأها.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ) ش: أي حكم الشرع بجواز النكاح علامة فراغ الرحم، لأن النكاح لم يشرع إلا على رحم فارغ عن شاغل محرم.
وإن كان الرحم فارغا م: (فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا) ش: أي لا على الاستحباب ولا على طريق الوجوب، إذ الحكم لا يثبت بلا نسب، فإنما قدم لفظ استحبابا وكان حقه التأخير.
لأن نفيه يستلزم نفي الوجوب، فكان تقديم يوجب الاستغناء عن نفي الوجوب، إما لأن الخصم يقول به، وكان نفيه أهم وإما ليتصل بقوله: _ بخلاف الشراء _ فإن الاستبراء فيه واجب.
م: (بخلاف الشراء) ش: هذا جواب عن قياس محمد، صورة النزاع على الشراء بالفارق، تقريره أن الشراء ليس مثل الذي قاسه عليه م: (لأنه) ش: أي لأن الشراء م: (يجوز مع الشغل) ش: دون النكاح، فأمركم بجواز النكاح أمارة النزع، وإلا لكان حكما بما لا يجوز.
ولا كذلك في الشراء فيجب الاستبراء، وهذا الخلاف فيما إذا لم يستبرئ المولى، أما لو

(5/60)


وكذا إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له أن يطأها قبل أن يستبرئها عندهما وقال محمد لا أحب له أن يطأها ما لم يستبرئها، والمعنى ما ذكرنا،
ونكاح المتعة باطل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استبرأها ثم زوجها بزوج يجوز وطء الزوج بالإجماع قبل الاستبراء، ومن المشايخ من قال: لا خلاف بينهم في الحامل.
لأن عندهما لا يجب الاستبراء، ولم يقولا لا يستحب، وعند محمد يستحب، وما قاله واجب، وقال أبو الليث: وقول محمد أقرب إلى الاحتياط، وبه نأخذ كذا في " جامع المحبوبي ".

[رأى امرأة تزني فتزوجها]
م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم مع الخلاف المذكور فيما م: (إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له أن يطأها قبل أن يستبرئها عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وبه قال الشافعي ومالك.
وقال أحمد: لا يجوز إلا بشرط انقضاء العدة بثلاث حيض وتوبتها حتى قال أحمد: لو زنت امرأته لا يطأ الزوج حتى تستعد من الزاني بثلاث حيض عنده، وقيل يكتفى بحيضة، وقال أحمد: لا يطأ الجارية الزانية، وقول قتادة وإسحاق وأبي عبيدة مثل قول أحمد في انقضاء العدة بثلاث حيض والتوبة.
وقال ابن حزم في " المحلى ": لا يحل للزانية أن تنكح زانيا ولا عفيفا حتى تتوب، فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف، ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية ولا عفيفة حتى يتوب، وللزاني أن يتزوج كتابية عفيفة. وإن لم يتب، والزنى الطارئ منهما أو من أحدهما لا يوجب فسخ نكاحهما، وروي ذلك بإسناد عن علي وابن مسعود والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله وابن عمر وعائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _.
وقال ابن المنذر: وهو قول جابر وطاوس وابن المسيب وابن زيد وعطاء والحسن وعكرمة والزهري والثوري والشافعي، وإذا تابا حل للزاني أن يتزوج بمن زنى عند الجمهور وعند ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ أنها لا تحل للزاني بحال، ثم لا يفرق بين الزوجين بزنى أحدهما.
وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما ولا شيء لها، وعن الحسن مثله، وعن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه فرق بين امرأة ورجل زنى قبل أن يدخل بها.
م: (وقال محمد: لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها) ش: وذلك بطريق الاحتياط لاحتمال الشغل بماء الزاني م: (والمعنى ما ذكرنا) ش: أي ما ذكرنا من الجانبين في مسألة الجارية

[نكاح المتعة]
م: (ونكاح المتعة باطل) ش: ادعى غير واحد من العلماء الإجماع على تحريم المتعة، وقال الخطابي في

(5/61)


وهو أن يقول لامرأة أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" المعالم ": كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرم فلم يبق اليوم خلاف بين الأئمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض.
قال: وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول العزوبة وقلة اليسار، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به، وقال أبو بكر الحازمي: يروى جوازه عن بعض الشيعة، وعن ابن جريج. وقال المازري في " العلم ": تقرير الإجماع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة.
وحكى ابن عبد البر: الخلاف القديم في ذلك، فقال: وأما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة فذهب ابن عباس إلى إجازتها وتحليلها، والاختلاف عنه في ذلك وعليه أكثر الصحابة، منهم عطاء بن رباح وسعيد بن جبير وطاوس، قال: وروي أيضا إجازتها وتحليلها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، قال جابر: تمتعنا إلى النصف من خلافة عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ حتى نهى عمر الناس قال: وأما سائر الرواة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخلفاء وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة، منهم مالك بن أنس من أهل المدينة، والثوري وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والشافعي ومن يسلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر بالاتفاق، والأوزاعي من أهل الشام، والليث بن سعد من أهل مصر وسائر أصحاب الآراء.
م: (وهو أن يقول الرجل لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال) ش: هذه صورة المتعة وفي " المنافع " صورتها أن يقول خذي هذه العشرة لأتمتع بك أو لاستمتع بك، أو متعيني نفسك أياما.
وفي " البدائع ": نكاح المتعة نوعان، أحدهما: أن يكون بلفظ التمتع، والثاني: أن يكون بلفظ النكاح أو التزوج أو ما يقوم مقامهما، فالأول أن يقول: أتمتع بك يوما أو شهرا أو سنة على كذا، وهو باطل.
وقال شيخنا زين الدين في " شرح الترمذي ": نكاح المتعة المحرم هو ما إذا خرج بالتوقيت فيه، أما إذا كان في تعيين الزوج أنه لا يقيم معها إلا سنة أو شهرا أو نحو ذلك ولم يشترط ذلك، فإنه نكاح صحيح عند عامة أهل العلم ما عدا الأوزاعي، فإنه قال في هذه الصورة: وهو متعة ولا خير فيه.
وإذا تقرر أن نكاح المتعة غير صحيح فهل يحد من وطئ في نكاح متعة، اختلف فيه العلماء فقال أكثر أصحاب مالك: لا حد فيه لشبهة العقد.
وقال الرافعي: إذا وطئ جاهلا بفساده فلا حد، وإن كان عالما فقد بنى أمر الحد على ما

(5/62)


وقال مالك هو جائز، لأنه كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه، قلنا ثبت النسخ بإجماع الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روي أن ابن عباس كان يجوز نكاح المتعة ثم رجع عنه، فإن صح رجوعه وجب الحد لحصول الإجماع، وإن لم يصح رجوعه فيبنى على أنه لو اختلف أهل عصر في مسألة، ثم اتفق من بعدهم على أحد القولين فيها، فهل يصير ذلك مجمعا عليه، فيه وجهان أصوليان.
إذا قلنا: نعم يجب الحد، وإلا فلا، قال الرافعي: وهو الأصح. وكذا صححه النووي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _. وقال ابن الزبير: المتعة الزنا الصريح، ولا أجد أحدا يعمل بها إلا رجمته.
م: (وقال مالك: هو جائز) ش: أن نكاح المتعة، جائز، وقال الكاكي: هذا سهو، فإن المذكور في كتب مالك حرمة نكاح المتعة. وقال في " المدونة ": ولا يجوز النكاح إلى أجل قريب أو بعيد وإن سمى صداقا، وهذا المتعة.
وقال الأكمل معتذرا عن المصنف يجوز أن يكون شمس الأئمة الذي أخذ منه المصنف اطلع على قول له على خلاف ما في " المدونة ". انتهى.
قلت: لم يذكر في كتاب من كتب المالكية رواية تجوز المتعة، وبالاحتمال نقل قول عن إمام من الأئمة غير موجه مع أن مالكا روى في موطئه حديث الزهري من حديث علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر» ، على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله.
وقال الأكمل هنا أيضا معتذرا ليس من يروي حديثا يكون واجب العمل؛ لجواز أن يكون عنده ما يعارضه أو يترجح عليه، انتهى.
قلت: عادة مالك أن لا يروي حديثا في موطئه إلا وهو يذهب ويعمل به، ولو ذكر عنه ما ذكره الأكمل لذكره أصحابه ولم ينقل عنه شيء من ذلك.
م: (لأنه) ش: أي لأن نكاح المتعة م: (كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه) ش: أي يبقى حكمه إلى أن يظهر ناسخه يحرم م: (قلنا: ثبت النسخ بإجماع الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _) ش: بيان ذلك أنه وردت الأحاديث الدالة على نسخها.
منها ما رواه الترمذي من حديث الزهري عن عبد الله والحسن بن محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر» . وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه بقيه الستة ما عدا أبا داود _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عنه _.

(5/63)


وابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ صح رجوعه إلى قولهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها ما أخرجه مسلم وبقيه أصحاب " السنن " من رواية الربيع بن سبرة عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المتعة، وقال: إنها حرام من يومكم إلى يوم القيامة» .
ومنها ما رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث «أبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فنزلنا ثنية الوداع، فرأى نساء يبكين، فقال: " ما هذا "، قيل: نساء استمتع بهن أزواجهن ثم فارقوهن، فقال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حرام أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث» .
ومنها ما رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال: «رخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها» . ومنها ما رواه البيهقي من «حديث أبي ذر إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متعة النساء ثلاثة أيام نهى عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . ومنها ما رواه أبو داود في " سننه " من «حديث الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ فذكرنا متعة النساء، فقال رجل: قال الربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنها في حجة الوداع» انتهى.
ثم أجمعت الصحابة على أن المتعة قد انتسخت في حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فكانت الأحاديث ناسخة، والإجماع مظهر؛ لأن نسخ الكتاب والسنة بالإجماع ليس بصحيح على المذهب الصحيح.
فإن قلت: ما وجه الاختلاف المذكور في وقت تحريم المتعة لأنه جاء في زمن خيبر وفي وقت غزوة تبوك في عام أوطاس، وفي حجة الوداع؟
قلت: قال الماوردي: يصح أن ينهى عنها في زمن ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا، أو ليشهر ويسمعه من لم يكن سمعه أولا أو سمع بعض الرواة في زمن وسمعه آخر في زمن، فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمن سماعه.
وقال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة مرتين والله أعلم.
وقال النووي: الصواب والمختار أن التحريم كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت بعد خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس، ثم حرمت يومئذ بعده ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة واستمر التحريم.
م: (وابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ صح رجوعه إلى قولهم) ش: هذا جواب عما يقال: أين الإجماع وقد كان ابن عباس مخالفا؟ فأجاب بقوله: وابن عباس صح رجوعه عن إباحة المتعة

(5/64)


فتقرر الإجماع،
والنكاح المؤقت باطل مثل أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام. وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ هو صحيح لازم، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. ولنا أنه أتى بلفظ المتعة، والعبرة في العقود للمعاني ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت، لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة، وقد وجد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى قول الصحابة في تحريمها، وروى جابر بن زيد أن ابن عباس ما خرج من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة م: (فتقرر الإجماع) ش: أي إجماع الصحابة في تحريمها.

[النكاح المؤقت]
م: (والنكاح المؤقت باطل) ش: وهو قول عامة الفقهاء، وفي " المحيط ": كل نكاح مؤقت متعة، وفي " ملتقى البحار ": النكاح المؤقت في معنى المتعة عندنا خلافا لزفر م: (مثل أن يتزوج الرجل امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام) ش: هذه صورة النكاح المؤقت.
وقوله: عشرة أيام _: ليس بقيد، وكذا قوله شهرا أو سنة ونحوهما والفرق بذكر لفظ التزوج في المؤقت دون المتعة، وكذا بالشهادة فيه دون المتعة، وحكى ابن عبد البر وابن قدامة الحنبلي والنووي عن زفر أن نكاح المتعة يصح ويتأبد عنده.
قال السروجي: ونقلهم غلط، وإنما قال زفر في النكاح المؤقت كما ذكرته عن أصحابنا، وهو الذي ذكره المصنف وغيره.
م: (وقال زفر: هو صحيح لازم) ش: أي النكاح المؤقت صحيح، والتوقيت باطل طالت المدة أو قصرت، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة لأنه أتى بالإيجاب، والشرط الزائد على ما يتم به النكاح، فصح الإيجاب وبطل الشرط م: (لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: كما لو تزوجها بشرط أن يطلقها بعد شهر، وعن إبراهيم النخعي: النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع، وذلك لأن النكاح من الإسقاطات لأن معناه سقوط حرمة البضع في حق الزوج إلا أنه شرع ملكا ضروريا لأجل شرعية الطلاق ولهذا لا يبطل بالشرط الفاسد.
م: (ولنا أنه) ش: أي النكاح بالتوقيت م: (أتى بلفظ المتعة) ش: يعني أتى بمعنى المتعة بلفظ النكاح؛ لأن معنى المتعة هو الاستمتاع بالمرأة لا لقصد مقاصد النكاح، وهو موجود فيما نحن فيه، لأنها لا تحصل في مدة قليلة م: (والعبرة في العقود للمعاني) ش: لا للألفاظ ألا ترى أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط مطالبة الأصيل كفالة.
م: (ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت) ش: احترز به عن قول الحسن بن زياد: أنهما إن ذكرا من الوقت ما لم يعلم أنهما يعيشان إليه كمائة سنة أو أكثر كان النكاح صحيحا، لأنه في معنى التأبيد، وهو رواية عن أبي حنيفة، وأشار إلى وجه الظاهر بقوله:
م: (لأن التوقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد) ش: لأن مقتضى قوله: تزوجتك

(5/65)


ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل نكاحها وبطل نكاح الأخرى لأن المبطل في إحداهما بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع، لأنه يبطل بالشروط الفاسدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التأبيد لأنه لم يوضع شرعا إلا لذلك، ولكنه يحتمل المتعة فإذا قال: إلى عشرة أيام عين التوقيت لجهة كونه متعة معنى، وفي هذا المعنى المدة القليلة والكثيرة سواء، واستشكل هذه المسألة بما إذا شرط وقت العقد أن يطلقها بعد شهر، فإن النكاح صحيح، والشرط باطل، ولا فرق بينهما وبين ما نحن فيه.
وأجيب: بأن الفرق بينهما ظاهر، لأن الطلاق قاطع للنكاح، فاشتراط بعد شهر لينقطع به دليل على وجود العقد مؤبدا، ولهذا لو مضى الشهر لا يبطل النكاح، فكان النكاح صحيحا والشرط باطلا.
وأما صورة النزاع فالشرط إنما هو في النكاح لا في قاطعه، ولهذا لو صح التوقيت لم يكن بينهما بعد مضي المدة عقد كما في الإجازة.
وقال الكاكي فيما يتعلق بمحلية النكاح: إن المناكحة بين أهل السنة والاعتزال، قال الإمام الرسعني: لا يجوز، وقال الإمام الفضل: من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا يجوز نكاح نسائهم.
وقال أبو حفص الكردي: لا ينبغي أن يزوج الحنفي بنته من الشفعوي ولكن يتزوج بنتهم وفي " فتاوى الصغرى " قال بعض المشايخ: يجوز أن يزوج بنته من الشفعوي، وقياس ما ذكر الفضل لا يجوز، وقيل: لا بأس يتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يأتيها نهارا دون الليل وكره ابن سيرين وجه هذا القيد.
وعن ابن دينار من المالكية: يفسخ قبل البناء وبعده، وبعضهم قالوا: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويأتيها ليلا ونهارا، قال: لأنه مؤبد ويلغو الشرط، ولو نكح مطلقا ونيته إن تمكن معها مدة فنكاحه صحيح، وشدد الأوزاعي في جعله متعة، وذكره النووي في شرح مسلم.

[تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا يحل له نكاحها]
م: (ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل نكاحها وبطل نكاح الأخرى) ش: بإجماع الأئمة الأربعة، وقال السروجي: وهو قول الجمهور من العلماء وأحد قولي الشافعي وابن حنبل.
م: (لأن المبطل في إحداهما بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع) ش: أي في عقدة واحدة حيث يفسد البيع في العبد م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (يبطل بالشروط الفاسدة) ش: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» بخلاف النكاح، وأيضا الشرط في البيع بمنزلة القمار لأنه مقابلتها بمال،

(5/66)


وفي قبول العقد في الحر شرط فيه، ثم جميع المسمى للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وعندهما يقسم على مهر مثليهما، وهي مسألة الأصل.. ومن ادعت عليه امرأة أنه تزوجها وأقامت بينة فجعلها القاضي امرأته ولم يكن تزوجها وسعها المقام معه، وأن تدعه يجامعها، وهذا عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وهو قول أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أولا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا كذلك النكاح.
وفرق آخر: وهو أن الحر لم يدخل تحت العقد فكان تبعا للعبد بالحصة ابتداء، وهو فاسد، والنكاح لا يفسد بذلك، ويدل على التفرقة بينهما، لأنه لو قال: بعتك هذا العبد بقيمة، أو لم يذكر شيئا كان البيع فاسدا، أو لو قال: زوجتك ابنتي بمهر المثل، أو لم يذكر شيئا كان النكاح صحيحا ويجب مهر المثل.
م: (وفي قبول العقد في الحر شرط فيه) ش: أي في تصحيح البيع في العبد؛ لأنه لو لم يكن كذلك لزم تفريق الصفقة وذلك حرام، وشرط قبول الحرية شرط فاسد، والبيع يبطل بالشروط الفاسدة لا النكاح م: (ثم جميع المسمى) ش: في العقد يكون م: (للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي في قول.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (يقسم على مهر مثليهما) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد، ففي قول _ تستحق مهر المثل لفساد المسمى بجهالة، وبه قال مالك في قول.
وفي " المغني ": تزوج أربعا في حالة واحدة صح النكاح، وكذا في أشهر قولي الشافعي وابن حنبل، وعنهما يجب لكل واحدة مهر مثلها م: (وهي مسألة الأصل) ش: أي " المبسوط ".
م: (ومن ادعت عليه امرأة أنه تزوجها وأقامت بينة فجعلها القاضي امرأته) ش: بمقتضى شهادة البينة م: (ولم يكن تزوجها) ش: أي والحال أن الرجل لم يكن تزوج هذه المرأة م: (وسعها المقام معه) ش: _ بفتح الميم وضمها _ أي وسع المرأة الإقامة مع الزوج م: (وأن تدعه) ش: أي وسعها أيضا أن تتركه م: (يجامعها وهذا) ش: أي هذا المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _) .
ش: وهذه المسألة [ ... ] بين الفقهاء بأن قضاء القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ ينفذ عند أبي حنيفة ظاهرا وباطنا، ومعنى نفوذه ظاهر [
] فيما بينا بثبوت التمكين والنفقة والغنم وغير ذلك، ومعنى نفوذه ثبوت الحل عند الله تعالى م: (وهو قول أبي يوسف أولا) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول أبي يوسف أولا.

(5/67)


وفي قوله الآخر وهو قول محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يسعه أن يطأها وهو قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة فصار كما إذا ظهر أنهم عبيد أو كفار، وعن أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الشهود صدقة عنده وهو الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق بخلاف الكفر والرق لأن الوقوف عليهما متيسر. وإذا ابتنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي قوله الآخر) ش: أي قول أبي يوسف آخرا م: (وهو قول محمد لا يسعه أن يطأها وهو) ش: أي قول محمد م: (قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _) ش: وهو قول مالك وأحمد أيضا، وعلى هذا الاختلاف في البيع، فلو ادعى بيع جاريته ولم يبعها في الواقع فيقضي بالجارية للمدعي حل وطؤها عنده خلافا لهم، وكذا لو ادعت المرأة الطلقات الثلاث على زوجها وهو ينكر، وأقامت بينة ولم يكن طلقها في الواقع فقضى القاضي بالطلقات الثلاث، وتزوجت بزوج آخر حل للثاني أن يطأها عنده، وعندهم لا تحل للأول، ولا للثاني، وكذا الاختلاف في الفسخ.
والحاصل في المسألة أربع أقاويل، فأبو حنيفة يقول: للثاني لا للأول وعندهما لا تحل للثاني ولا للأول للحرية.
والشافعي يقول: يطؤها الأول سرا والثاني علانية، وفيه اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وهو قبيح، والأوجه ما قاله أبو حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، كذا في " جامع المحبوبي ".
م: (لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة) ش: بالفتحات جمع كاذب، والخطأ في الحجة منع النفوذ باطنا م: (فصار كما إذا ظهر أنهم) ش: أي الشهود م: (عبيد أو كفار) ش: أو محدودون في القذف، والمشهود له يعلم بحالهم، فإن قضاءه ينفذ ظاهرا لا باطنا، وكذا لو قضى بنكاح منكوحة الغير أو معتدة الغير بشهادة الزور فإنه ينعقد ظاهرا لا باطنا بالإجماع.
م: (وعن أبي حنيفة أن الشهود صدقة) ش: بالفتحات جمع صادق م: (عنده) ش: أي عند القاضي م: (وهو الحجة) ش: أي صدق الشهود عند القاضي هو الحجة م: (لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق) ش: الحاصل أن القاضي مأمور بالقضاء بينة صادقة، والتكليف بحسب الوسع وليس في وسعه الوقوف على صدق الشهود حقيقة، ولهذا إذا أقيمت البينة وثبت عنده صدقهم بالتعديل أو غيره يجب القضاء، حتى لو لم ير ذلك على نفسه يكفر، ولو أخره يفسق، ورجحت ها هنا صدقهم بالتعديل في ظنه فيلزمه، فوجب تصحيح قضائه إن أمكن.
م: (بخلاف الكفر والرق) ش: هذا جواب عن قولهما: فصار كما أظهر أنهم عبيد أو كفار، تقريره أن العبيد والكفار يعرفون بسيماهم م: (لأن الوقوف عليهما مقيس بالأمارات، وإذا ابتنى

(5/68)


القضاء على الحجة وأمكن تنفيذه باطنا بتقديم النكاح نفذ قطعا للمنازعة بخلاف الأملاك المرسلة، لأن في الأسباب تزاحما فلا إمكان والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القضاء) ش: على صيغة المجهول م: (على الحجة) ش: وهي الشهادة الصادقة عند القاضي م: (وأمكن تنفيذه) ش: أي تنفيذ الحكم م: (باطنا) ش: بتقديم النكاح، جواب عما يقال القضاء إظهار ما كان ثابتا لا إثبات ما لم يكن، والنكاح لم يكن ثابتا، فكيف ينفذ القضاء باطنا.
فأجاب بقوله: بتقديم النكاح، يعني بتقديم النكاح على القضاء بطريق الاقتضاء كأنه قال: أنكحتك إياه وحكمت بينكما بذلك م: (نفذ قطعا للمنازعة) ش: يحل له أن يطأها لئلا تنازعه في طلب الوطء ثانيا.
فإن قيل: إن كان قضاؤه متضمنا إن شاء بالعقد ثابتا فيشترط الشهود عند قوله قضيت.
قلنا: قال شمس الأئمة السرخسي وغيره: إنه لا ينعقد باطنا بقوله: قضيت، إلا بمحضر الشهود، وبه أخذ عامة المشايخ، وهو قول الزعفراني.
وقيل لا يشترط حضور الشهود لقضائه؛ لأن العقد يثبت بمقتضى صحة قضائه في الباطن، وما يثبت بمقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله: أعتق عبدك عني بألف. وقد جرى " الأكمل " في هذه المسألة بحث مع شخص تولى من أولياء المرأة، وذكره في شرحه ثم قال: وإمامنا في هذه المسألة علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، وأقام شاهدين فقضى بالنكاح بينهما، فقالت المرأة: إن لم يكن به يا أمير المؤمنين تزوجني منه فقال على _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _: شاهداك زوجاك، ولو لم ينعقد العقد بينهما بقضائه لما امتنع عن العقد عند طلبها ورغبه الزوج فيها، وقد كان في ذلك تحصينها من الزنا، وكان ذلك منه بشهادة الزور.
م: (بخلاف الأملاك المرسلة) ش: أي المطلقة عن إثبات سبب الملك إن ادعى ملكا مطلقا في الجارية أو الطعام من غير تعيين أو إرث لا ينعقد القضاء فيها إلا ظاهرا بالاتفاق حتى لا يحصل للمقتضى له وطؤها م: (لأن في الأسباب تزاحما) ش: لأنها كثيرة، ولا يمكن للقاضي تعيين شيء منها بدون الحجة.
م: (فلا إمكان) ش: في تنفيذه إلا ظاهرا، لأنه لا يمكن تقديم شيء من أسباب الملك في القضاء لعدم أولوية بعضها على بعض، ولا يمكن تقديم الكل للاستحالة بخلاف القضاء بالنكاح، لأن طريقه متعين من الوجه.
قلنا: فيمكن تنفيذه وإثباته في الهبة والصدقة، وعن أبي حنيفة روايتان في رواية ألحقها بالأنكحة والأشربة من حيث إنها تحتاج إلى الإيجاب والقبول، وفي رواية ألحقها بالأملاك المرسلة؛ لأنه لا ولاية للقاضي؛ لأنها تملك مال الغير بغير عوض.

(5/69)