البناية شرح الهداية

باب في الأولياء والأكفاء وينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي، سواء كانت بكرا أو ثيبا عند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _ في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه لا ينعقد إلا بولي وعند محمد ينعقد موقوفا. وقال مالك والشافعي _ رحمهما الله _ لا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في الأولياء والأكفاء] [نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها]
م: (باب في الأولياء والأكفاء) ش: لما ذكر النكاح وألفاظه ومحله شرع في بيان العاقد والولي، أي هذا باب في بيان حال الأولياء والأكفاء. والأولياء جمع ولي وهو المالك، يقال: ولي اليتيم والكفيل أي مالك أمرهما. والأكفاء جمع كفء وهو النظير، ومنه كافأه أي سواه.
م: (وينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي) ش: يعني هي زوجت نفسها بنفسها م: (سواء كانت بكرا أو ثيبا) ش: واحترز به عن قول أصحاب الظاهر، فإنهم فصلوا بين البكر والثيب، فقالوا: إن كانت بكرا لا يصح نكاحها بغير ولي، وإن كانت ثيبا صح م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح، وإلا فلا.
م: (وعن أبي يوسف) ش: يعني في غير ظاهر الرواية م: (أنه لا ينعقد إلا بولي) ش: أبو يوسف أولا يقول: لا يجوز تزويجها من كفء أو غير كفء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: صح النكاح سواء كان الزوج كفؤا لها أو لا، وذكر الطحاوي قول أبي يوسف: إن الزوج إذا كان كفؤا لها أمر القاضي بإجازة العقد، فإن أجازه جاز وإن أبى لم يجز ولم يفسخ، ولكن يجبر القاضي فيجز، ذكره " في المبسوط ".
م: (وعند محمد ينعقد موقوفا) ش: إلى إجازة الولي سواء كان الزوج كفؤا لها أو لا، فإن الولي أجاز وإلا فلا، ومن العلماء من قال: إن كانت غنية شريفة لم يجز تزويجها نفسها بغير رضا الولي، وإن كانت فقيرة يجوز تزويجها نفسها بغير رضا الولي.
م: (وقال مالك والشافعي: لا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا) ش: ولا توكيلهن، ولا بد من الولي أو السلطان عند عدمه، ويروى ذلك عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال مالك: إن كانت ذات حسن وجمال وشرف أو قال: يرغب في مثلها لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت بخلاف ذلك جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها، ولا تتولاه بنفسها.
قيل: هذا النقل عنه غلط، والصحيح عنه أن الزانية إن زوجها الجار أو غيره ليس بولي جاز، والتي لها موضع، فإن زوجها غير الولي فرق بينهما، فإن أجازه الولي أو السلطان جاز.

(5/70)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وللشافعي وأحمد شرط في ذلك واستدلا بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، قال الشافعي: هذه ابتدائية في كتاب الله _ عز وجل _ تدل على النكاح بغير ولي لا يجوز لأنه نهى الولي عن العضل، أي المنع، والمنع إنما يتحقق منه إذا كان الممنوع في جدة إذ الخطاب للأولياء.
وروى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي من رواية الحسن عن معقل بن يسار، قال: كانت لي أخت تخطب إلي فأمنعها ... الحديث، فأنزل الله تعالى هذه الآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] .
وروى الترمذي حديث ابن عمر: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» الحديث.
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا، وروى الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي» .
وأخرج الدارقطني في سننه من حديث قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن ابن مسعود _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
وروى الدارقطني أيضا من حديث ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
رواه الحاكم من حديث أنس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «لا نكاح إلا بولي» رواه البيهقي من

(5/71)


لأن النكاح يراد لمقاصده والتفويض إليهن مخل بها. إلا أن محمدا _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ يقول يرتفع الخلل بإجازة الولي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث الحسن عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
وروى ابن ماجه من رواية هشام عن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» .
وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث قبيصة بن ذؤيب عن معاذ بن جبل _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة تزوجت بغير ولي فهي زانية» .
وروى الطبراني في " الأوسط " من حديث أبي سفيان عن جابر مرفوعا: «لا نكاح إلا بولي فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» .
وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث أصبغ بن نباتة عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له» .
وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر وأبي ذر والمقداد بن الأسود والمسور بن مخرمة وأم سلمة وزينب بنت جحش _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _.
وأما استدلالهم: بطريق المعقول فهو ما أشار إليه المصنف بقوله: م: (لأن النكاح يراد لمقاصده) ش: ومقاصده هو أن يستدعي التوافق بينهما عادة ولا يوفق عليها إلا بالعقل الكامل، وعقلها ناقص بالحديث م: (والتفويض إليهن) ش: أي تفويض عقد النكاح إلى النساء م: (مخل بها) ش: أي مقاصد النكاح، لأنهن سريعات الاغترار سيئات الاختيار لا سيما عند هيجان الشهوة، فإن الشهوة إذا ثارت حجبت العقول من تحسين النظر في العواقب.
قلنا: هذا مردود بما أذن لها الولي بأن يأذن الولي بخير الخلل، فكان الواجب الجواز حينئذ وهم لا يقولون به.
وأشار إلى هذا بقوله: م: (إلا أن محمدا يقول: يرتفع الخلل بإجازة الولي) ش: والاستثناء من قوله: مخل بها، فالذي قاله محمد جواب بالرد لما قال الخصم، وتقرير ما قاله محمد أن الغرر الموهوم ينتفي بإجازة الولي ولا خلل في نفس العبد فيصبح موقوفا بإجازته.
وقال أيضا: ينفذ عقد الولي عليها بسكوتها عنده، ولو لم يكن له ولاية عليها لم ينفذ بسكوتها كالأجنبي.

(5/72)


ووجه الجواز أنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة مميزة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا: سكوتها إذن منها: يجعل الشارع ذلك إذنا منها فلم ينفذ إلا بإذنها لوكيلها. قالوا: يجب على الولي تزويجها عند طلبها ولو لم يكن له ولاية لما وجب ذلك عليه.
قلنا: هذا ممنوع بل هي تأذن لمن يزوجها أو تباشر بنفسها ما لو قام بها وصف نقص بسلب أهلية الأمانة العامة والخاصة، وسلب الشهادة فيما يندرئ بالشبهات، وسقوط الجمعة والجماعات فصارت كالرخصة.
قلنا: هذا قياس شبهة باطل، والنكاح ليس من الحدود ولا ما يندرئ بالشبهات، وإنما سقطت الجمعة والجماعات للفتنة.
وقولهم: تبطل بالمسافر، ولا بسلب عقدة الولاية، ولا يوصف بسببه بالنقص، قالوا: إن الولاية تبقى عليها بعد بلوغها نقص صداقها، وفي حق الضم والإسكان.
قلنا: هذا لخوف الفتنة عليها.
قالوا: إنها قاصرة في البضع، ولهذا لا تسافر وحدها.
قلنا: يبطل هذا بسفر بالحج؛ فإنها بغير محرم ولا زوج عند مالك والشافعي.

م: (ووجه الجواز) ش: أي جواز عقد النكاح المرأة الحرة العاقلة البالغة برضاها، وإن لم يعقد عليها ولي م: (أنها تصرفت في خالص حقها) ش: حتى كان البدل الواجب بمقابلتها لها م: (وهي من أهله) ش: أي المرأة من أهل التصرف خالص حقها م: (لكونها عاقلة مميزة ولهذا) ش: أي ولأجل كونها عاقلة مميزة م: (كان لها التصرف في المال، ولها اختيار الأزواج) ش: بالاتفاق وكل تصرف هذا شأنه فهو جائز.
فإن قلت: لا نسلم أنها تصرفت في خالص حقها، بل في حق تعلق به حق الأولياء، ولهذا لا يجوز إذا لم يكن بكفء.
قلت: لا فرق في ظاهر الرواية فلا يرد عليه، وأما على رواية الحسن عن أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ فالجواب: أن المراد بخالص حقها ما كان من الموضوعات الأصلية، التي يترتب عليها النكاح من تمليك منافع بضعها وإيجاب النفقة والكسوة والمهر والسكنى ونحوها، وكل ذلك خالص حقها فلا يعتبر بالعارض للحوق الماء بالأولياء.
فإن قيل: هذا استقلال بالرأي في مقابلة الكتاب والسنة: وكله فاسد، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، نهى الولي عن العضل وهو المنع، وإنما يتحقق المنع إذا كان الممنوع في يده.

(5/73)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما السنة: فهي الأحاديث التي ذكرناها.
فنجيب أولا عن الآية، ثم عن الأحاديث: فنقول:
الآية مشتركة الإلزام؛ لأنه نهاهم عن منعهن عن النكاح، فدل على أنهم يمكنهم، وإن قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 240) ، وقَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، قَوْله تَعَالَى: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، يعارضهما.
وأما الجواب عن الأحاديث فيأتي واحدا واحدا، فنقول:
أولا: عن استدلال الشافعي بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] إنه يدل على نكاحها بمباشرتها من غير إذن الولي من وجوه:
الأول: أن الله تعالى أضاف العقد إليها.
الثاني: أن نهيه تعالى عن العضل إذا تراضى الزوجان.
الثالث: أن العضل إذا تراضى الزوجان.
الرابع: أن العضل اسم يشترك بمعنى المنع، وبمعنى الضيق، وآلة العضال، وذلك كله ظاهر في منعه من الخروج والمراسلة في عقد النكاح، والأظهر في الآية أن الخطاب للأزواج، لا للأولياء.
قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، وذلك بالحبس وتطويل العدة عليهن لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وكانوا يطلقون فيراجعون إذا قرب انقضاء عدتهن من غير حاجة ضرر.
وقال الإمام فخر الدين بن الخطيب: المختار أنه خطاب للأزواج، لا للأولياء، قال: وتمسك الشافعي بها ممنوع على المختار، رواه ابن عباس، وأيضا ثبوته في حق الولي ممتنع؛ لأنه مهما عزل فلا يبقى بعضلها أثر.
وأما الجواب عن حديث معقل بن يسار، فإن الرازي قال: في طريقه مجهول؛ فلا يكون حجة عندهم.
وأما حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - _ فمداره على الزهري، وابن جريج سأله عنه فلم يعرفه. وفي رواية فأنكره فسقط عباؤه.
وقال الطحاوي: قد يثبت عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ ما يخالف هذا الحديث؛

(5/74)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن المنذر من الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام، ولما قدم قال: أمثل هذا يصنع به أو يعاب عليه، فكلمت عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ المنذر. فقال المنذر: إن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت أرد أمرا قضيته، ومرت حفصة عنده، ولم يكن ذلك طلاقا، قال: فلما رأت عائشة تزويجها جائزا مستقيما استحال عندنا أن تكون ترى ذلك، وقد علمت ما نسب إليها من رواية الزهري.
فإن قلت: قال ابن حزم في " المحلى ": هذا مشهور، ثم إنكاح عائشة حفصة، وفيه أمرت رجلا فأنكح، ثم قال: ليست إلى النساء إلا النكاح، قال: فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الأول، قال: كتب إلي محمد بن سماعة بهذا.
قلت: قال السروجي: ما أجهله بالفقه وأصوله، وهل يقول أحد في العالم إن كتاب ابن سماعة يفيد اليقين والعلم الضروري، مع أنه لا يعرف صحة سنده، ولا يعرف من روى هذا بإسناد اليقين، وخبر الواحد بالمشافهة لا يفيد يقينا، فما ظنك بكتابه؟
فإن قلت: هذا الحديث قد روي بطرق كثيرة.
قلت: في طريقه زيد بن يسار بن مزود الرهاوي، قال أحمد، وعلي بن المديني والدارقطني: هو ضعيف، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث، وفيها عبد الله بن حكيم أبو بكر الرازي، عن هشام بن عرفة، وقال نوح بن دراج القاضي، قال يحيى: ليس بثقة، ولا يدري بالحديث.
وقال النسائي: قال يحيى وعلي وأحمد: وهو ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وفيه أبو الحصين وهو مجهول، وفيه عطاء بن عجلان الحنفي العطار، وقال الترمذي: ذاهب الحديث، وفيه أبو مالك الحسن ضعفه مسلم، وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام كثير، وفيه عبد الله بن لهيعة وهو معروف الحال، والعجب أنهم يضعفونه، وهو عند كون الحديث عليهم، ويحتجون به عند كون الحديث لهم، وفيها ابن ربيعة ضعفه ابن معين، وقال: ليس بشيء.
وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه إسحاق الهمداني، عن أبي بردة فضعفه شعبة، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق مدلس، وقد قال عن أبي بردة؛ فلا يكون حجة.
وأما حديث ابن مسعود ففيه بكر بن بكار، قال يحيى: ليس بشيء.
وأما حديث ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ ففيه ثابت بن زهير، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وضعفه ابن عدي، وابن حبان. وقال أبو داود: موقوف على ابن عمر.
وأما حديث عمران بن حصين فقد قال السروجي: ليس له حديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما رواه

(5/75)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن ابن مسعود.
وأما حديث أبي هريرة ففيه جميل بن الحسن العتكي، ومسلم بن أبي مسلم، لا يعرفان.
وأما حديث معاذ بن جبل _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ ففيه نوح بن أبي مريم أبو عصمة، ضعفه ابن معين والدارقطني.
وأما حديث جابر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ ففيه ثعلبة بن الوليد أبو محمد الحمصي، وكان مدلسا، وقالوا: أبو مسهر ثعلبة غير ثقة، ويروي عن قوم مجهولين متروكين، لا يحتج بهم.
وأما حديث علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ففيه أصبغ بن نباتة أبو القاسم الحنظلي، ليس بثقة ولا يساوي شيئا، قال ابن معين وقال النسائي: متروك الحديث وفيه عمر بن صبيح التميمي أبو نعيم، قال: أنا الذي وضعت خطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يضع الحديث، وفي الجملة قد ضعف البخاري هذه الأحاديث.
وقال يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه: تنسب إليه ثلاثة أحاديث لم تثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أحدها: «لا نكاح إلا بولي» ، وثانيها: «من مس ذكره فليتوضأ» . ثالثها: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، رواه عنهما ابن عون [ ... ] وشمس الدين السبط بن الجوزي: وقال يحيى بن معين: لا يصح في هذا الباب إلا حديث عائشة، قلنا: قد روي ما يخالف حديثها، وقد ذكرناه عن قريب
وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: فلما لم يكن في هذه الأقاويل دليل على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وأراد بهم الشافعي ومالكا، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، نظرنا فيما سواها، هل نجد شيئا يدل على الحكم في هذا الباب، كيف هو؟ فإن يونس قد حدثنا قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها سكوتها» وأخرجه من ثلاث طرق، ثم قال: فبين ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الحديث بقوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها» .
وهذا الحديث أخرجه أيضا الترمذي، عن يحيى بن يحيى عن مالك، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي، والأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء التي هي آخر الحروف،

(5/76)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو في " الأصل " التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها. قيل وأراد بها هنا الثيب خاصة، على ما نبين إن شاء الله تعالى.
وقد ذكرت في شرحي لمعاني الآثار للطحاوي، وقد اختلف في معنى الأيم هنا مع اتفاق أهل اللغة، أنه يطلق على كل امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا، وذهب علماء الحجاز، وكافة العلماء إلى أن المراد بها هاهنا الثيب التي فارقها زوجها، وقالوا: بأنه أكثر استعمالا فيمن فارقت زوجها بموت أو طلاق، وبرواية الأثبات فيه الثيب مفسرا، وهو أيضا لفظ مسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها» "، ويقابله: «البكر تستأمر في نفسها» ، ولو كان المراد بالأيم كل ما لا زوج لها من الأبكار وغيرهن، وأن جميعهن أحق بأنفسهن لم يكن لتفصيل الأيم من البكر معنى.
وذهب الكوفيون وزفر إلى أن الأيم هنا يطلق على ظاهره في اللغة، فإن كل امرأة بكرا كانت أو ثيبا إذا بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها جائز، وهو قول الشعبي، والزهري أيضا، قالوا: وليس الولي من أركان صحة العقد، ولكن من تمامه وجماله.
قلت: لا شك أن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأيم أحق بنفسها» عام يتناول الثيب والبكر والمتوفى عنها زوجها، ويجب العمل بعموم العام، وأنه موجب للحكم فيما يتناوله قطعا.
فإن قلت: رواية الثيب أحق بنفسها تفسير الأيم أحق بنفسها.
قلت: هذه الرواية ليست فيها إجمال حتى تكون تلك الرواية مفسرة لها بل يعمل بكل واحدة من الروايتين، فيعمل برواية الأيم على عمومها، وبرواية الثيب على خصوصها، ولا منافاة بين الروايتين، على أن أبا حنيفة يرجح العمل بالعام على العمل بالخاص، ويجمع الأيم على الأيامى.
وقال الجوهري: الأيامى الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وأصلها أيايم، فقلبت؛ لأن الواحد أيم، سواء كان تزوج من قبل أو لم يتزوج، وامرأة أيم أيضا بكرا كانت أو ثيبا، وقد أمت المرأة من زوجها، تيم أيمة، وإيماء، وأيموما، وأيمت المرأة، وتأيم الرجل زمانا إذا مكث لا يتزوج، وقيل: أكثر ما يستعمل في النساء، وقد قيل في المرأة: أيمة، قوله: والبكر تستأذن، أي يطلب منها الإذن في نكاحها.
فإن قلت: قال الترمذي بعد أن ذكر هذا الحديث: وقد احتج به بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي، وليس فيه ما قد احتجوا به؛ لأنه قد روي من غير وجه، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي» وهكذا أفتى به بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «لا نكاح إلا بولي» . وإنما معنى قوله

(5/77)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأيم أحق بنفسها من وليها» عند أكثر أهل العلم؛ لأن الولي لا يزوجها إلا برضاها.
قلت: هذا الذي [ذكره] لا يليق بحاله؛ لأن هذا الكلام لا يصدر من مثله؛ لأن [فتوى ابن] عباس متى تساوي هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته، وحديث ابن عباس متكلم فيه، وقد ذكرنا
فإن قلت: لم ترك المصنف الاستدلال من الجانبين بالحديث لغيره من المصنفين؟
قلت: قال الأكمل: وإذا كان الكتاب والسنة متعارضين ترك المصنف الاستدلال بهما للجانبين، وصار أي المعقول، انتهى.
قلت: ليس فيه ما يشفي العليل على ما لا يخفى على المتأمل، وما استدل به أصحابنا ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس للولي من الثيب أمر، والبكر يستأمرها أبوها في نفسها» " ومنه ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه «أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا نكاح لك فانكحي ما شئت» ".
وروي أيضا من حديث عكرمة، عن ابن عباس «أن جارية بكرا أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قيل: رجاله ثقات، وأعله بالإرسال.
قلت: المرسل عندنا حجة، ومنه ما روي عن ابن عباس أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما» وقال الدارقطني: الصواب عن المهاجر عن عكرمة مرسل.
قلت: المرسل حجة به ما رواه الدارقطني عن أبي سلمة قال: «أنكح رجل من بني المنذر ابنته

(5/78)


وإنما يطالب الولي بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفؤ وغير الكفؤ، لكن للولي الاعتراض في غير الكفؤ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _ أنه لا يجوز التزويج في غير الكفؤ لأنه كم من واقع لا يدفع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهي كارهة، فرد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نكاحها» .
وروى الدارقطني أيضا عن أبي سعيد الخدري _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " لا تنكحوهن إلا بإذنهن " وعن الحكم قال: كان علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي، فدخل بها أمضاه، فلو كان وقع باطلا كما زعم الشافعي لما أمضاه.

م: (وإنما يطالب الولي) ش: هذا جواب عما يقال إذا تصرفت في خالص حقها فلم أمر الولي م: (بالتزويج) ش: إذا طالبه، وأي حاجة لها إلى طلب التصرف من الولي في خالص حقها.
فأجاب بقوله: وإنما يطالب الولي بصيغة المجهول بالتزويج م: (كيلا تنسب) ش: المرأة م: (إلى الوقاحة) ش: من وقح الرجل إذا صار قليل الحياء فهو وقح، ووقاح بين الوقحة والوقاحة والقحة وامرأة وقاح الوجه، وذلك لأنها تستحي من الخروج إلى محافل الرجال لتباشر العقد، لأن هذا يعد منها وقاحة لأنها لا تقدر على المباشرة.
م: (ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفؤ وغير الكفؤ) ش: إذا زوجت نفسها من كفء أو من غير كفء جاز نكاحها، وروي عن الحسن أنه لا يجوز من غير كفء، ومثله في " المحيط ". وفي " قاضي خان ": يجوز في ظاهر الرواية كما ذكره المصنف.
م: (لكن للولي حق الاعتراض في غير الكفء) ش: دفعا للعار عنه، هذا إذا لم تلد، فإن ولدت فلا حق للولي في الفسخ كذا، في " قاضي خان " و " الخلاصة ". وفي " شرح شيخ الإسلام ": له حق الفسخ بعد الولادة.
م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز التزويج في غير الكفء) ش: وهي رواية الحسن كما ذكرنا، وفي فتاوى " قاضي خان " و" القنية ": المختار للفتوى في زماننا رواية الحسن، وفي رواية الكافي وبقوله أخذ كثير من المشائخ، قال شمس الأئمة في المبسوط: هذا أقرب إلى الاحتياط م: (لأنه كم من واقع لا يدفع) ش: أي كم من قضية تقع ولا يقدر أحد على دفعها، لأنه ليس كل ولي يحبس المدافعة إلى القاضي ولا كل قاض يعدل، فكان الأحوط سد باب التزويج

(5/79)


ويروى رجوع محمد إلى قولهما،
ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح خلافا للشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ له الاعتبار بالصغيرة وهذا لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها. ولنا أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية الإجبار، والولاية على الصغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من غير كفء. قال الشيخ صدر الإسلام: لو زوجت المرأة المطلقة الثلاث نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها لا تحل على الزوج الأول على ما هو المختار من رواية الحسن. وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه.
م: (ويروى رجوع محمد إلى قولهما) ش: أي إلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يعني ينعقد نكاحا أيضا عنده بلا ولي، يتوقف على إجازته، كما هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، وكذا ذكره أيضا في "البدائع "، وفي " قاضي خان " كان أبو يوسف يقول يتوقف على إجازة الولي كفؤا كان أو لا، ثم رجع، وقال: يجوز في الكفء، ويتوقف في غيره ثم رجع، وقال: يجوز فيهما، وفي رواية الطحاوي عنه ي: جبره القاضي.

[إجبار البكر البالغة على النكاح]
م: (ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح) ش: يريد أنه لا يزوجها بغير رضاها، فإن فعل ذلك فالنكاح موقوف على إجازتها عندنا، فإن ردته بطل، وإن سكتت عند استئذان وليها لها فهو إذن منها، وهو قول الأوزاعي والشعبي وطاوس والحسن بن حي وأبي عبيدة، والثوري وأبي ثور وأحمد، وفي رواية والظاهرية واختاره ابن المنذر م: (خلافا للشافعي) ش: وبقوله قال مالك في أشهر الروايتين عنه، وأحمد في رواية، وابن أبي ليلى، وعند الحسن البصري: أن البنت أيضا، وعن إبراهيم: إن كانت المرأة في عيال أبيها لم يستأمرها، وإن كانت في عيال غيره استأمرها، ولكن يستحب عند السلف استئذانها.
م: (له) ش: أي الشافعي م: (الاعتبار بالصغيرة) ش: أي القياس على الصغيرة، لأن الصغيرة إذا كانت بكرا تزوج كرها، فكذا البالغة والجامع بينهما الجهالة، وأشار إلى هذا بقوله م: (وهذا) ش: أي وجوب الاعتبار بالصغيرة م: (لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة) ش: لأنها لم تمارس الرجال فلا تقف على مصالح النكاح ومفاسدها، فكان بلوغها بكرا كبلوغها مجنونة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونها جاهلة بأمر النكاح م: (يقبض الأب صداقها بغير أمرها) ش: كما في الصغيرة.
م: (ولنا أنها) ش: البكر البالغة م: (حرة مخاطبة) ش: فالحرية والخطاب وصفان مؤثران في ولاية الاسترداد بالتصرف م: (فلا يكون للغير عليها ولاية الإجبار) ش: كما في المال م: (والولاية على الصغيرة) ش: جواب عن قياس الشافعي على الصغيرة تقديره أن القياس على الصغيرة قياس

(5/80)


لقصور عقلها وقد كمل بالبلوغ، بدليل توجه الخطاب عليها فصار كالغلام، وكالتصرف في المال، وإنما يملك الأب قبض الصداق برضاها دلالة، ولهذا لا يملك مع نهيها، قال: فإذا استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت فهو إذن، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البكر تستأمر في نفسها، فإن سكت فقد رضيت» ، ولأن جهة الرضاء فيه راجحة، لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل على الرضاء من السكوت، بخلاف ما إذا بكت، لأنه دليل السخط والكراهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالفارق، لأن الولاية على الصغير م: (لقصور عقلها) ش: وفيما نحن فيه ليس موجود م: (وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب عليها فصار) ش: أي فصار الإجبار عليها م: (كالغلام) ش: أي كالإجبار على الغلام إذا كان بالغا م: (وكالتصرف في المال) ش: أي صار كالتصرف في المال، أي مال البكر البالغة، فإنه لا يجوز للأب التصرف فيه م: (وإنما يملك) ش: جواب عن قوله ولهذا يقبض الأب صداقها تقريره إنما يملك م: (الأب قبض الصداق برضاها دلالة) ش: يعني بالسكوت لأن الظاهر أن البكر تستحي عن قبض صداقها وأن الأب هو [الذي] يقبض حتى يجهزها بذلك مع مال نفسه ليبعثها إلى بيت زوجها، فكان ذلك إذنا لا ولاية.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يملك) ش: أي الأب قبض صداقها م: (مع نهيها) ش: أبيها عن ذلك لأن الدلالة تبطله بالصريح ولم يستدل المصنف للشافعي بالحديث ولا لنا، والأحاديث التي استدل بها أصحابنا في هذا الباب قد ذكرناها عن قريب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا استأذنها الولي) ش: أي فإذا طلب الولي الإذن منها قبل النكاح، قال في " المبسوط ": يستأذنها خالية لا في ملأ من الناس كيلا يمنعها الحياء من الرد أو لا يذهب الحشمة الأب عند الناس بردها م: (فسكتت أو ضحكت فهو إذن) ش: أي سكوتها وضحكها إذن، وكذا إذا ابتسمت يكون رضا وهو الصحيح من المذهب، ذكره الحلواني كذا في المحيط م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «البكر تستأمر في نفسها، فإن سكتت فقد رضيت» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وروى الأئمة الستة من حديث أبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكيف إذنها؟ قال: " إن سكتت» .
م: (ولأن جهة الرضاء فيه راجحة) ش: أي لأن جانب الرضا يرجح على جانب الرد م: (لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل) ش: أي أكثر دلالة م: (على الرضا من السكوت) ش: أي على الرضا بالمسموع عن السكوت لأن الضحك علامة السرور والفرح بما سمعت م: (بخلاف ما إذا بكت، لأنه دليل السخط والكراهة) ش: والبكاء على السرور نادر، فلا عبرة به، ولكن ليس برد، حتى لو رضيت بعده ينفذ الحكم.

(5/81)


وقيل إذا ضحكت كالمستهزئة بما سمعت لا يكون رضا، وإذا بكت بلا صوت لم يكن ردا، وإن أبت لم يزوجها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل: إذا ضحكت كالمستهزئة بما سمعت لا يكون رضا) ش: والضحك الذي يكون بطريق الاستهزاء معروف بين الناس، وفي " المرغيناني " و " الحاوي ": إن بكت وكان دمعها باردا يكون رضا، وإن كان حارا لا يكون رضا م: (وإذا بكت بلا صوت لم يكن ردا، وإن أبت لم يزوجها) ش: وفي " المبسوط " قال بعض المتأخرين: إذا كان لبكائها صوت كالويل يكون ردا، وأما إذا خرج الدمع من غير صوت لا يكون ردا، لأنها تحن على مفارقة أبويها وعليه الفتوى.
وعن أبي يوسف أن البكاء رضا، وفي " جامع قاضي خان " يأخذ بدموع عينها، إن كانت باردة فهي من السرور فيكون رضا، وإن كانت حارة فهي من الحزن فيكون ردا. وقيل: إن كان عذبا فرضا، وإن كان مالحا فرد؛ وقال الشافعي: البكاء رضا إلا أن يكون مع الصياح أو ضرب الخد.
فائدة: في كتاب " الأجناس " من جعل السكوت رضا في عشر مسائل:
الأولى: السكوت عند اشتجار الولي.
الثانية: في بيع الملحثة، لو قالا في السر يظهر البيع علانية وهو تلحثة، ثم قال أحدهما للآخر: خذ به إلى أن جعله صحيحا فسكت الآخر، ثم تبايعا كان البيع صحيحا.
الثالثة: وقع عبد مسلم في الغنيمة بعدما أسره المسكوت، فقسمت، ومولاه حاضر ساكت، ولم يطالب العبد، فلا سبيل له على العبد بعد ذلك.
الرابعة: قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع، وهو ساكت قبل نقد الثمن، فهو إذن له فيه.
الخامسة: رأى عبدا يبيع ويشتري، فسكت فهو إذن له في التجارة.
السادسة: سكوت الشفيع بعد العلم بالبيع يبطل حقه فيها.
السابعة: عبده بيع وهو ساكت، ثم قال: أنا حر لا يقبل، رواه الطحاوي في " مختصره "، فقال له: قم مع مولاك، فقام لزمه البيع.
الثامنة: قال: والله لا أسكن فلانا داري، أو لا أتركه في داري، وهو نازل فيها فسكت يحنث، وإن قال له: اخرج، فأبى أن يخرج، فسكت الحالف لا يحنث.
التاسعة: ولدت امرأته ولدا فهنأه الناس به، فسكت لزمه.
العاشرة: بلغها الخبر فسكتت.
وزاد السروجي عليها أربعة أخرى:

(5/82)


قال وإن فعل هذا غير الولي، يعني استأمر غير الولي أو ولي غيره أولى منه لم يكن رضا حتى تتكلم به، لأن هذا السكوت لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضاء، ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله للحاجة، ولا حاجة في حق غير الأولياء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى: لو قبض الموهوب في المجلس، والواهب ساكت ملكه استحسانا.
الثانية: قبض المبيع في البيع الفاسد، والبائع ساكت ملكه المشتري.
الثالثة: لو جاءت أم الولد بولد آخر فسكت المولى يوما أو يومين لزمه، ولا يصح نفيه بعد ذلك.
الرابعة: مجهول النسب إذا بيع وهو ساكت ينظر صح بيعه، وصار كأنه أقر بالبيع.
وقد ذكر الكاكي خمسة أخرى:
الأولى: إذا هنئ بالولد فسكت لزمه.
الثانية: قال لغيره: بع عبدي، فسكت، ثم قام وباع كان ذلك قبولا للتوكيل.
الثالثة: شق زق غيره وهو حاضر، فسكت حتى سال ما فيه لم يضمن.
الرابعة: زوج الصغيرة غير الأب والجد، فبكت بكرا، فسكتت ساعة بطل خيارها.
الخامسة: رأى غيره يبيع ماله عرضا أو عقارا فقبضها المشتري فتصرف فيها زمانا وهو ساكت سقطت دعواه، ذكره في " منية الفقهاء ".

[استأمرالمرأة غير الولي]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن فعل هذا) ش: يعني الاستدلال م: (غير الولي) ش: أي من الأجانب، وفسر قوله _ فإن فعل هذا _ بقوله م: (يعني استأمرها غير الولي أو ولي غيره) ش: أي لو استأمرها ولي غيره م: (أولى منه) ش: كاستئذان الأخ مع وجوب الأب، قوله: _ غيره أولى منه _ جعله وقف صفة لقوله ولي الضمير في منه يرجع إلى الغير م: (لم يكن رضا حتى تتكلم به، لأن السكوت لقلة الالتفات) ش: أي لقلة التفاتها م: (إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضاء) ش: وبه قال الشافعي.
م: (ولو وقع) ش: أي السكوت دليلا على الرضا م: (فهو محتمل) ش: أي محتمل الإذن والرد م: (والاكتفاء بمثله) ش: أي بمثل السكوت المحتمل م: (للحاجة) ش: أي حاجة الإنكاح، ولا يوجد ذلك في حق غير الولي وهو معنى قوله م: (ولا حاجة في حق غير الأولياء) ش: وهذا رد لقوله _ ولو وقع _ أي السكوت.
وفي " المبسوط ": وحكى عن الكرخي أن سكوتها عند استئمار الأجنبي يكون رضا، لأنها تستحي من الأجنبي أكثر مما تستحي من الولي، والأول أصح، ولا يكون إذنا إذا استأمرها قريب

(5/83)


بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي لأنه قائم مقامه، ويعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة لتظهر رغبتها فيه من رغبتها عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كافر أو عبد مكاتب م: (بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي) ش: يعني يكون استئمار رسول الولي كاستئمار الولي.
م: (لأنه) ش: أي لأن رسول الولي م: (قائم مقامه) ش: أي مقام الولي، وفي " البدائع ": استئذان البكر البالغ على وجهين: الأول: أن يستأذنها بعده، والسكوت فيها رضا في الوجهين إذا كان الزوج هو الولي الأقرب قبل العقد.
والثاني: أن يستأذنها أو وكيله أو رسوله بخلاف الولي الأبعد والأجنبي م: (ويعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة) ش: أي تقع بالزوج المعرفة حتى لو قال: زوجتك بعض جيراني أو بعض بني عمي لم يكن سكوتها رضا، لأن الرضا بالمجهول لا يتصور. وقيل: لو عد عليها جماعة فسكتت زوجها من أحدهم، وكذا لو ذكر ابن فلان وهم يحصون، قالوا: والشرط أن يكون الزوج كفؤا والمهر وافرا حتى لو لم يكن كفؤا ولم يكن المهر وافرا وعلم أحدهما لم يكن سكوتها رضا إلا في حق الأب والجد عند أبي حنيفة، لأن الأب والجد عنده في هذا العقد. وعندهما الولي مطلقا، لأن الأب والجد بمنزلة الأجانب في هذا العقد، كذا في " جامع قاضي خان " و " المحيط " و " المبسوط ".
وقال الشافعي: يشترط النطق في غير الكفء في قوله: وفي غير مهر المثل واستئمار وكيل الأب كالأب، وفي " القنية ": لو قال الأب: يذكرك فلان بمهر كذا فوثب مرتين وهي في نكاحها فزوجها جاز.
ولو قال لها رضا أريد أزوجك من رجل فسكتت لا يكون رضا، هكذا روي عن محمد لعدم العلم، وفي " الحاوي ": سئل أبو نصير عن رجل قال لبنته: زوجتك من رجل فسكتت فهو رضا، ولا خيار لها. قال: أزوجك من رجل فسكتت لم يكن رضا، وفرق بين الماضي والمستقبل. وعن أبي القاسم الصفار لها الخيار في الفصلين، وقال صاحب " الحاوي " وبه نأخذ.
وفي " جوامع الفقه ": لو قالت كنت قلت لك: لا أريده فهو رد، وكذا لا أرضى أو لا أجيز أو أنا كارهة، ولو قالت: لا يعجبني، أو لا أريد الأزواج، فليس برد حتى لو رضيت بعد ذلك صح ولو قالت: لا أريد فلانا فهو رد، ولو قالت: لا أرضى ثم قالت: رضيت موصولا جاز، وإن فصلت بطل، ولو قالت: ذلك إليك هو رضا.
م: (لتظهر رغبتها فيه) ش: أي ليظهر رغبة المرأة في الزوج المسمى م: (من رغبتها عنه) ش: أي عن الزوج المسمى، ولفظ رغب إذا استعمل بكلمة عن يدل على عدم الرغبة.

(5/84)


ولا يشترط تسمية المهر هو الصحيح، لأن النكاح صحيح بدونه، ولو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا، لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف ثم المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ خلافا لهما، ولو كان رسولا لا يشترط إجماعا، وله نظائر. ولو استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تسمية المهر في الاستئمار]
م: (ولا يشترط تسمية المهر) ش: يعني عند تسمية الزوج في الاستئمار م: (هو الصحيح) ش: أي ترك تسمية المهر هو الصحيح، واحترز به عن قول بعض المتأخرين حيث قالوا: لا بد من تسمية المهر في الاستئمار، لأن رغبتها تختلف باختلاف المهر في القلة والكثرة، والصحيح أنه لا يشترط، كذا في " المبسوط ".
وفي " جامع قاضي خان ": لأن الظاهر مختلف لاختلاف الزوج؛ لأن الأب لا يقف على مرادها في حق الزوج، فأما في حق الصداق يعلم مرادها في ذلك، وهو صداق مثلها م: (لأن النكاح صحيح بدونه) ش: أي بدون ذكر المهر، ولا يصح بدون ذكر الزوج، وفي " الكافي ": إذا كان المزوج أبا أو جدا لا يشترط، لأنه لا ينقض من المهر إلا بعرض يفوق المهر، والمصنف أطلق الصحة من غير تفصيل.
م: (ولو زوجها) ش: أي زوج المولى المرأة م: (فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا) ش: أي من فصول الرضا بالضحك، والسكوت دون البكاء م: (لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف) ش: أي من حال الاستئمار وحال بلوغ الخبر، لأن المعنى الذي صار السكوت لأجله رضا قبل العقد وجعله بعده، وهو العجز عن النطق بسبب الحياء.
م: (ثم إن المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، فإن عندهما الإخبار كاف لا يشترط العدد ولا العدالة م: (ولو كان رسولا) ش: أي ولو كان المخبر رسولا: م: (لا يشترط) ش: أي العدد والعدالة م: (إجماعا) ش: لأنه قام مقام الولي م: (وله نظائر) ش: أي لهذا الخلاف الذي وقع بين أبي حنيفة وصاحبيه، وفي إخبار الفضولي نظائر من المسائل وهي عزل الوكيل وحجر المأذون ووقوع العلم بفسخ الشركة وسكوت الشفيع عن الطلب، وإعتاق العبد الجاني وبيعه بعد الإخبار، ففي الكل يشترط العدد والعدالة عن أبي حنيفة خلافا لهما، ذكر الخلاف في وجوب الشرائع على المسلم والذي لم يهاجر ذكره في " الكافي ".
م: (ولو استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقبول) ش: أي بإجماع بين الأربعة إذا كانت بالغة، وفي الثيب الصغيرة لا يحتاج إلى رضاها، بل ينكحها الولي جبرا عندنا، وعند الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _ لا اعتبار برضاها فلا تزوج حتى تبلغ، ويروى هذا عن مالك، وعند أحمد: لا يجوز إجبار الصغيرة والكبيرة، وهذه رواية عن مالك إلا أن أحمد قال: إذا بلغت تسع سنين

(5/85)


لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثيب تشاور» ، ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها. وإذا زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس فهي في حكم الأبكار لأنها بكر حقيقة، لأن مصيبها أول مصيب لها ومنه الباكورة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صح إذنها في النكاح وغيره.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الثيب تشاور» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وروى مسلم من حديث ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ مرفوعا: «والثيب أحق بنفسها من وليها» .
وروى أبو داود والنسائي من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ مرفوعا: «والثيب أحق بنفسها من وليها» .
وروى أبو داود والنسائي من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للولي مع الثيب أمر» .
م: (ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة) ش: فلا يكتفي بسكوتها عند الاستئمار م: (فلا مانع من النطق في حقها) ش: أي حق الثيب بخلاف البكر.
م: (وإذا زالت بكارتها بوثبة) ش: وهي الوثوب من فوق م: (أو حيضة) ش: أو سبب ورود الحيض م: (أو الجراحة) ش: أصابت موضع العذرة م: (أو تعنيس) ش: أي أو بسبب تعنيس من عنست عنوسا إذا جاوزت وقت التزويج فلم تتزوج، وقيل: عنست الجارية إذا طال في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت عن عداد الأبكار.
وقال أبو زيد: كذلك عنست الجارية تعنيسا. وقال الأصمعي: لا يقال عنست يعني بالتشديد، ولكن عنست على صيغة المجهول، وعنسها أهلها، وكذلك بشدة حيض وتحمل ثقيل وبأصبع أو عود م: (فهي في حكم الأبكار) ش: في كون إذنها سكوتها.
م: (لأنها بكر حقيقة، لأن مصيبها أول مصيب لها) ش: وبه قال الشافعي في الأصح، ومالك، وأحمد وابن أبي هريرة، وهو قوله المحمود، وقال ابن جني من أصحاب الشافعي: هي كالثيب لزوال عذرتها.
م: (ومنه الباكورة) ش: أي ومن اشتقاق البكر الباكورة، وهي التي تدرك من الثمار أولا، وقال الأكمل: البكر من يكون مصيبها أول مصيب، فهذه أي التي زالت بكارتها بوثبة ونحوها تشتق من الباكورة.

(5/86)


ولأنها تستحي لعدم الممارسة، ولو زالت بكارتها بزنا فهي كذلك عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يكتفى بسكوتها لأنها ثيب حقيقة وحكما، لأن مصيبها عائد إليها. ومنه المثوبة والمثابة والتثويب. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه فيكتفى بسكوتها كيلا تتعطل عليها مصالحها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: الأمر بالعكس، يدل عليه قول المصنف (ومنه الباكورة) وقوله أيضا م: (والبكرة) ش: بضم الباء وهي أول النهار، أي ومنه البكرة، أي من اشتقاق البكر وتحقيق الكلام هاهنا أن هذه المادة وهي: الباء والكاف والراء يأتي منها ألفاظ على معان مختلفة غير خالية عن المعنى الأصلي وهي الأولية وهي البكر بالكسر، العذر، أو المرأة التي ولدت بطنا واحدا، وبكرها بالكسر ولدها، وكذلك البكر بالكسر من الإبل وبالفتح الصبي منها، وبكرة البئر ما يسقى عليها بالفتح أيضا، وبكر بالفتح أيضا أبو قبيلة وهو بكر بن وائل بن قاسط.
م: (ولأنها تستحي لعدم الممارسة، ولو زالت بكارتها بزنا) ش: أي التي زالت بكارتها بزنا م: (فهي كذلك) ش: أي هي في حكم التي زالت بكارتها بوثبة ومحوها، أي لعدم ممارستها بالرجال الأبكار م: (عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية، وحكى أبو إسحاق أن الشافعي قال به في القديم.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي _ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - _: لا يكتفى بسكوتها) ش: يعني عند الاستئذان، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول الشافعي في الجديد م: (لأنها) ش: أي لأن التي زالت بكارتها بزنا م: (ثيب حقيقة وحكما) ش: أما حقيقة فلأن مصيبها ليس بأول مصيب، وهو معنى قوله م: (لأن مصيبها عائد إليها) ش: وأما حكما فإنها تدخل في الوصية في الثيب دون الأبكار م: (ومنه المثوبة) ش: أي ومن اشتقاق الثيب المثوبة وهو الثواب، وإنما سمي بها لأنها رجع إليها في العاقبة، لأن الثواب جزاء عمله يرجع إليها.
م: (والمثابة) ش: أي ومنه المثابة وهو الموضع الذي يثاب إليه، أي يرجع إليه كرة بعد أخرى، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] (البقرة: الآية 125) ، قال الزمخشري: معادا ومرجعا للحاج، والعمار ينصرفون عنه، ثم يثوبون إليه أي يرجعون م: (والتثويب) ش: أي ومنه التثويب، وهو الدعاء مرة بعد أخرى، وهو العود بعد الإعلام.
م: (ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها من النطق) ش: وفي بعض النسخ فيعيبونها من التعيب بالنطق، فتستحي م: (فتمتنع عنه) ش: أي عن النطق م: (فيكتفى بسكوتها كيلا تتعطل عليها مصالحها) ش: وإن أكرهت على الزنا فلا رواية فيه، ذكر في " الفتاوى " و " المرغيناني ". وفي " الحواشي ": لا ينعدم به حياؤها.
فإن قيل: حياء البكر حياء كرم الطبيعة وهو محمود، وهذا الحياء من ظهور الفاحشة فلم يكن

(5/87)


بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو نكاح فاسد، لأن الشرع أظهره حيث علق به أحكامها. أما الزنا فقد ندب إلى ستره حتى لو اشتهر حالها لا يكتفي بسكوتها،
وإذا قال الزوج بلغك النكاح فسكتت وقالت رددت فالقول قولها. وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ القول قوله، لأن السكوت أصل والرد عارض فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في معنى المنصوص. قلنا: هذا الحياء أيضا محمود، لأنها تستر على نفسها ليستر الله تعالى عليها، والحياء من ظهور المعصية من كرم الطبيعة وحسن العقيدة أيضا، ولما سقط نطقها في موضع يكون نطقها دليلا على رغبتها في الرجال على فحش الوجود أولى، كذا في " المبسوط ".
وقيل: لا يمكن إدارة الحكم على حقيقة الحياء لتعذر ضده وتعذر ما هو المعتبر منه، فأدير على مظنته وهو البكارة، وتعذر أن يرد حقيقتها [....] بعض الولي عنها شرعا وعقلا، فاكتفي بالبكارة الظاهرة، وأصل الخلقة والأصل بقاؤها فيكتفى بالسكوت إلى أن يظهر ويشيع. م: (بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو نكاح فاسد) ش: حيث تصير ثيبا بالإجماع م: (لأن الشرع أظهره حيث علق به) ش: أي بذلك الوطء م: (أحكامها) ش: وهي وجوب العدة والمهر وثبوت النسب م: (أما الزنا فقد ندب) ش: أي الشرع م: (إلى ستره) ش: حيث قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات فليستر ليستره الله تعالى» م: (حتى لو اشتهر حالها) ش: بأن أقيم عليها الحد إذ صار الزنا عادة م: (لا يكتفى بسكوتها) .
ش: فإن قيل: ينبغي أن يكتفى بسكوتها ها هنا أيضا، لأنها بكر شرعا. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ... » الحديث.
قلنا: هو قول بعض المشايخ وهو ضعيف، فإن هذا موجود في الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد، ولا يكتفى بسكوتها بالإجماع فعلم أن المعتبر بقاء صفة الحياء.

[قال الزوج بلغك النكاح فسكتت وقالت رددت]
م: (وإذا قال الزوج: بلغك النكاح فسكتت وقالت: رددت فالقول قولها) ش: أي قول المرأة م: (وقال زفر القول قوله) ش: أي قول الزوج م: (لأن السكوت أصل والرد عارض) ش: لأن السكوت عدم الكلام والعدم هو الأصل في كل شيء، والمرأة تدعي عارضا، والقول قول التمسك بالأصل م: (فصار) ش: أي الحكم في هذا م: (كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة) ش: فإنه لا يعتبر قوله، بل القول قول من يدعي لزوم العقد بالسكوت بالإجماع، وكذا المشتري والشفيع، فالشفيع يقول: طلبتها بعد البيع، والمشتري يقول: سكت، فالقول قول للمشتري لتمسكه بالأصل.

(5/88)


ونحن نقول: إنه يدعي لزوم العقد وتملك البضع، والمرأة تدفعه فكانت منكرة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة، بخلاف مسألة الخيار. لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة، وإن أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح لأنه قرر دعواه بالحجة، وإن لم يقم له بينة فلا يمين عليها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، وستأتيك في الدعوى إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ونحن نقول: إنه) ش: أي الزوج م: (يدعي لزوم العقد وتملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة) ش: وكانت متمسكة بالأصل معنى، فالقول لها كما لو ادعى أصل العقد وأنكرت، وهذا لأن العبرة للمعاني لا للصور م: (كالمودع) ش: بفتح الدال م: (إذا ادعى رد الوديعة) ش: أي إلى مالكها فالقول قول المودع لأنه ينكر الضمان من حيث المعنى، والحاصل من هذا إنما تعتبر الإنكار المعنوي، وزفر يعتبر الإنكار الصوري م: (بخلاف مسألة الخيار) ش: جواب عن قول زفر، وقياسه ووجه ما قاله من قوله م: (لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة) ش: أي لزوم البيع قد ظهر بمضي مدة الخيار، ولو قالت: بلغني الخبر يوم كذا فرددت، وقال الزوج: بل سكتت فالقول قول الزوج. وفي المرغيناني: لو قالت: أدركت أمس وعملت بالخيار وفسخت لم تصدق إلا بحجة وبطل خيارها، وإن قالت: علمت الآن وفسخت صح، قيل لمحمد: كيف يصح وهو كذب، قال: لا يصح إلا على هذا الوجه، فإنها لا تصدق في الإسناد، ولو قالت: نسخت حين علمت لا تصدق إلا بالبينة.
وفي عمدة الفتاوى: بكر زوجها وليها فقالت بعد سنة: كنت قلت حين بلغني لا أرضى فالقول قولها، وإن كانت صغيرة فقالت: اخترت نفسي حين أدركت أو حين علمت لا تسمع لأنها تريد إبطال العقد الثابت عليها بخلاف الأول.
م: (فإن أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (قرر دعواه بالحجة) .
ش: فإن قلت: ينبغي أن لا يقبل لأنه شهادة على النفي.
قلت: السكوت أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم شفة إلى شفة وعدم التكلم من لوازمه، فتكون البينة على أمر وجودي.
م: (وإن لم يقم بينة فلا يمين عليها عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _) ش: وعندهما والشافعي ومالك وأحمد تستحلف م: (وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة) ش: وهي النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والاستيلاد والرق والولاء م: (وستأتيك) ش: أي بيان هذه الأشياء الستة م: (في الدعوى) ش: أي في كتاب الدعوى م: (إن شاء الله تعالى) .

(5/89)


ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا والولي هو العصبة ومالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ يخالفنا في غير الأب، والشافعي في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة أيضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي]
م: (ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا) ش: وقال ابن شبرمة، وأبو بكر الأصم: لا يزوجها أحد حتى يبلغا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] (النساء: الآية 6) .
فلو جاز تزويجهما قبل البلوغ لم يكن لهذا معنى، ولا حاجة لهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعا قضاء الشهوة، ولا شهوة لهما، وشرعا النسل، ولا تناسل لهما إلى النكاح، لأنه مقصود النكاح، وهذا العقد يعقد للعمر، ويلزمها أحكامه بعد البلوغ، ولا ولاية لأحد بعد البلوغ حتى يلزمها أحكامه.
وللعامة قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، بين الله تعالى عدة الصغيرة، وسبب العدة شرعا النكاح، فذلك يقرر نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الاحتلام، وحديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ مشهور وقريب إلى التواتر؛ فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسع سنين.
م: (والولي هو العصبة) ش: على ترتيب العصبات في الإرث، كما سيأتي عن قريب، فأقرب الأولياء الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الجد عند أبي حنيفة أولى من الأخ، سواء كان لأب أو لأب وأم.
وعندهما لكل واحد من الجد والأخ الولاية كما في الميراث وفي " المبسوط ": النكاح للجد عند الكل وهو ظاهر الرواية.
م: (ومالك يخالفنا) ش: جملة من المبتدأ والخبر م: (في غير الأب) ش: يعني الولي عنده الأب ليس الأحق غيره، فلو زوجها الجد عند عدم الأب لا يجوز.
م: (والشافعي _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ في غير الأب والجد) ش: يعني عند وليهما الأب والجد لا غير، إذا كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا، فلا ولاية عليها، حتى لو زوجها الأخ أو العم وزوج البنت الصغيرة الأب والجد كرها لا ينعقد النكاح.
م: (وفي الثيب الصغيرة أيضا) ش: أي الشافعي خالفنا أيضا في تزويج الثيب الصغيرة، فإن عنده لا ولاية للأب والجد في تزويجها كرها، وبه قال أحمد وداود، وفي " المحلى ": لا يجوز للأب، ولا لغيره تزوج الذكر الصغير قبل بلوغه عند طاووس، وقتادة، والثوري، وداود

(5/90)


وجه قول مالك أن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة لانعدام الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس والجد ليس في معناه فلا يلحق به. قلنا لا بل هو موافق للقياس لأن النكاح يتضمن المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفؤ في كل زمان فأثبتنا الولاية في حالة الصغير إحرازا للكفء. وجه قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن النظر لا يتم بالتفويض إلى غير الأب والجد لقصور شفقته وبعد قرابته، ولهذا لا يملك التصرف في المال مع أنه أدنى رتبة فلأن لا يملك التصرف في النفس وأنه أعلى رتبة أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظاهري. وقال ابن شبرمة وعثمان البتي: لا يجوز لأحد تزويج الصغير والصغيرة حتى يبلغا، وأجاز تزويج الصغير لغير الأب والجد من العصبات الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز وطاوس _ في رواية _ وعطاء، والأوزاعي، ولهما الخيار عندهم إذا بلغا، ذكر ذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " وأبو بكر بن المنذر في " الأشراف ".
م: (وجه قول مالك: أن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة) ش: مع قيام المنافي م: (ولا حاجة) ش: للصغير والصغيرة م: (لانعدام الشهوة، إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس) ش: فإن أبا بكر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ زوج عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي بنت ست سنين.
وصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك فلا يقاس عليه غيره م: (والجد ليس في معناه) ش: لقصور شفقته م: (فلا يلحق به) ش: دلالة، لأن الولد جزء الأب، وكانت الولاية للأب عليه كالولاية على نفسه، والجزئية قد ضعفت بالجد والشفقة قد نقصت، فلا يكون في معناه.
م: (قلنا: لا بل هو موافق للقياس، لأن النكاح يتضمن المصالح) ش: من التناسل والسكن والازدواج وقضاء الشهوة م: (ولا تتوفر المصالح إلا بين المتكافئين عادة) ش: أي بين الاثنين اللذين كل منهما كفء للآخر.
م: (ولا يتفق الكفء في كل زمان) ش: قلة الكفء وغير وجوده م: (فأثبتنا الولاية في حالة الصغير) ش: للولي م: (إحرازا للكفء) ش: أي لأجل الإحراز والحفظ؛ لأنه لو انتظر بلوغها يفوت ذلك الكفء، وكل من يتأتى منه الإحراز أبا كان أو غيره فله الولاية في حالة الصغر.
م: (وجه قول الشافعي أن النظر) ش: في حال الصغر م: (لا يتم بالتفويض إلى غير الأب والجد لقصور شفقته، وبعد قرابته، ولهذا لا يملك التصرف في المال، مع أنه أدنى رتبة، فلأن لا يملك التصرف في النفس) ش: لكونه وقاية للنفس فلا يكون يملك التصرف م: (وأنه أعلى رتبة أولى)

(5/91)


ولنا أن القرابة داعية إلى النظر كما في الأب والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية الإلزام بخلاف التصرف في المال لأنه يتكرر فلا يمكن تدارك الخلل، فلا تفيد الولاية إلا ملزمة، ومع القصور لا تثبت ولاية الإلزام. وجه قوله في المسألة الثانية أن الثيابة سبب لحدوث الرأي لوجود الممارسة فأدرنا الحكم عليها تيسيرا، ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة ووفور الشفقة ولا ممارسة تحدث الرأي بدون الشهوة فيدار الحكم على الصغر ثم الذي يؤيد كلامنا فيما تقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: قوله: وأنه أعلى _ جملة حالية وقوله: _ أولى _ خبر، لأن الذي دخلت عليه لام التوكيد. م: (ولنا أن القرابة داعية إلى النظر) ش: والولاية بالنظر، وهو موجود في كل قريب م: (كما في الأب والجد) ش: فإن النظر فيهما لم ينشأ إلا من القرابة، غاية ما في الباب أنه يتفاوت كمالا، وقصورا لقرب القرابة وبعدها. م: (وما فيه من القصور) ش: أي والذي في غير الأب والجد من قصور النظر م: (أظهرناه في سلب ولاية الإلزام) ش: يعني لم يكن ولاية الأخ، والعم ملزمة، بل كانت متوقفة إلى البلوغ. حتى جعلنا لهما خيار البلوغ، فإذا بلغا ووجد الأمر على ما ينبغي مضيا على النكاح، وإن وجد أنه أوقعا خللا لقصور الشفقة والنظر فسخا النكاح.
م: (بخلاف التصرف في المال لأنه) ش: أي التصرف في المال م: (يتكرر) ش: بيد أولي الأيدي، بأن يبيع المشتري من آخر، بخلاف النكاح؛ لأنه بعد عمر م: (فلا يمكن تدارك الخلل) ش: لأنه لا يمكن توقيف ذلك كله إلى وقت البلوغ.
م: (فلا تفيد الولاية إلا ملزمة) ش: يعني في المال م: (ومع القصور لا تثبت ولاية الإلزام) ش: بخلاف المتناكحين، فإنهما ثابتان من غير تكرار غالبا، فكان التدارك بالتوفيق، هكذا بخلاف.
م: (وجه قوله) ش: أي قول الشافعي: م: (في المسألة الثانية) ش: وهو قوله في الثيب الصغيرة أيضا م: (أن الثيابة سبب لحدوث الرأي) ش: أن الرأي أمر باطن، والثيابة سبب لحدوثه م: (لوجود الممارسة) ش: فقام مقامه م: (فأدرنا الحكم عليها) ش: أي على الثيابة م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير.
م: (ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة) ش: يعني أن مقتضى الولاية النظرية هو الحاجة م: (ووفور الشفقة) ش: وهي موجودة في الأب والجد م: (ولا ممارسة) ش: للصغير م: (تحدث الرأي) ش: بضم التاء من الإحداث. م: (بدون الشهوة) ش: يعني الممارسة التي تحدث الرأي لا تحل بدون الشهوة، لأن الرأي بلذة الجماع إنما يحدث عن مباشرة بشهوة، ولا شهوة للصغيرة م: (فيدار الحكم على الصغر) ش: لأنه سبب للعجز عن التصرف، فكلما ثبت الصغر تثبت الولاية. م: (ثم الذي يؤيد كلامنا فيما تقدم) ش: يعني من إطلاق الولي في قوله: ويجوز نكاح

(5/92)


قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النكاح إلى العصبات» من غير فصل
والترتيب في العصبات في ولاية النكاح كالترتيب في الإرث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «النكاح إلى العصبات» ش: ذكر هذا الحديث شمس الأئمة السرخسي، وسبط بن الجوزي، ولم يخرجه أحد من الجماعة، ولا يثبت، مع أن الأئمة الأربعة اتفقوا على العمل به في حق البالغة.
وقال السروجي: روي عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ موقوفا ومرفوعا: «الإنكاح إلى العصبات» ، ويروى: النكاح إلى العصبات م: (من غير فصل) ش: يعني بين عصبة وعصبة، فيعمل بإطلاقه.
وقال أبو الفرج في " التحقيق " عن أحمد: يجوز تزويج الصغير والصغيرة لجميع العصبات، وإن كانا سمين، ويثبت لهما الخيار إذا بلغا في رواية عنه، ومذهبنا في غير الأب والجد قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، والعبادلة، وأبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ وزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمامة بنت حمزة بن أبي سلمة وكانت صغيرة، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن عمها وقال: «لها الخيار إذا بلغت» ، وإنما زوجها بالعصوبة لا بالنبوة بوجهين:
أحدهما: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزوج صغيرة ولا كبيرة ممن كان لها ولي، ولو كان تزويجها بالنبوة لم يتقدم عليه ولي.
والوجه الثاني: أنه أثبت لها الخيار، كما لو زوجها غير الأب والجد، والولي والنبوة أعظم من ذلك؛ ولا قصور فيها، والعباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ وإن كان عمها يحتمل أنه كان غائبا، أو متأدبا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجعل الأمر إليه، ذكره سبط بن الجوزي وغيره.

[الترتيب في العصبات في ولاية النكاح]
م: (والترتيب في العصبات في ولاية النكاح كالترتيب في الإرث) ش:، فأقرب الأولياء الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد وإن علا. وفي " الذخيرة " و" الأسبيجابي ": الولاية للأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، [ثم] لأخ لأب وأم، ثم لأب، ثم لأولادهما على الترتيب ثم لمولى العتاقة، يستوي فيه الذكر والأنثى، ثم ذوي الأرحام الأقرب فالأقرب، ثم مولى الموالاة في قول أبي حنيفة، كما ذكر في الميراث، وعند محمد: ليس لذوي الأرحام إنكاح، ثم القاضي ومن نصبه القاضي. وعند زفر: الأخ لأب وأم، والأخ لأب سواء، ثم مولى العتاقة بعد العصبات النسبية، ثم عصبته، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب عند أبي حنيفة استحسانا، وأبي يوسف في أكثر الروايات، وذكر الكرخي مع محمد، والأول أصح، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن نصبه القاضي.

(5/93)


والأبعد محجوب بالأقرب. قال: فإن زوجهما الأب أو الجد. يعني الصغير والصغيرة. فلا خيار لهما بعد بلوغهما لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ وإن زوجهما غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد _ رحمهما الله _. وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد، ولهما أن قرابة الأخ ناقصة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " قاضي خان ": الابن مقدم على الأب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الجد، وذكر الكرخي: أن الأخ مع الجد ويشتركان عند أبي يوسف ومحمد كالميراث عندهما.
والأصح أن النكاح للجد عند الكل، وفي " المبسوط ": وهو ظاهر الرواية وهو الأصح، وقال شمس الأئمة الحلواني في " شرحه ": الأصح عندي أن الجد أولى بالنكاح عند الكل، وشفقة الجد كشفقة الأب، ولهذا يثبت خيار البلوغ في الجد كالأب بخلاف الأخ، وفي " المحيط " والمختلف: هما سواء.
م: (والأبعد محجوب بالأقرب) ش: منهم وهو ظاهر فيما تقدم م: (قال: فإن زوجهما الأب أو الجد _ يعني الصغير والصغيرة _ فلا خيار لهما بعد بلوغهما) ش: به قال الشافعي، ومالك في الأب، في حق الصغيرة وأحمد في رواية، وغير الأب والجد من الأولياء لا يملكون تزويجهما عندهم م: (لأنهما) ش: لأن الأب والجد م: (كاملا الرأي وافرا الشفقة) ش: وأصلهما كاملان الرأي وافران الشفقة فسقطت النون منهما للإضافة م: (فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه) ش: أي العقد م: (برضاهما بعد البلوغ) ش: أي بعد بلوغهما.
م: (وإن زوجهما) ش: أي الصغير والصغيرة م: (غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ، إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ) ش: أي النكاح.
م: (وهذا) ش: أي كون كل واحد منهما مخيرا بعد البلوغ م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهو قول أبي يوسف أولا، وهو قول ابن عمر وأبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _.
م: (وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد) ش: وهو قول عروة بن الزبير، وإنما اعتبره أبو يوسف بالأب والجد؛ لأنه عقد بولاية مستحقة بالقرابة، فلا يثبت فيه الخيار، وإذ القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية، والولاية لم تشرع في غير موضع النظر صيانة عن الإفضاء إلى الضرر، وإذا صح النظر قام عقد الولي مقام عقد نفسها لو كانت بالغة، كما أن الوصي يقوم مقام الأب، فيكون عقده كعقد الأب.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن قرابة الأخ ناقصة) ش: يعني أن التزويج

(5/94)


والنقصان يشعر بقصور الشفقة، فيتطرق الخلل إلى المقاصد
عسى، والتدارك ممكن بخيار الإدراك وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم والقاضي وهو الصحيح من الرواية لقصور الرأي في أحدهما ونقصان الشفقة في الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صدر من قاصر الشفقة، فلهما الخيار لتدارك الخلل في المقاصد، إذا ملكت أمرها، كذا قاله الكاكي.
ولكن التركيب لا يساعد هذا التقرير؛ لأنه ليس معنى قوله: _ قرابة الأخ ناقصة _ فإنه نسب النقصان إلى القرابة لا إلى الشفقة، ألا ترى كيف قال: م: (والنقصان يشعر بقصور الشفقة) ش: أي النقصان في القرابة يشعر بأن شفقة الأم قاصرة.
فحينئذ يكون معنى نقصان قرابة الأخ بالنسبة إلى قرابة الأب والابن، فهذا التفريع هو الذي يشعر بحصول الشفقة، فإذا كان كذلك م: (فيتطرق الخلل إلى المقاصد) ش: قال تاج الشريعة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _:
يعني أن ما وراء الكفاءة والمهر مقاصد أخر في النكاح من سوء الخلق وحسنه [و] لطافة العشيرة وغليظها وكرم الصحبة ولؤمها، وتوسيع النفقة وتعسيرها، قال: وإنما عين الأخ، لأنه أقرب بعد الأب والجد من سائر الأولياء، فلما ثبت الحكم فيه مع قربته ثبت في غيره بالطريق الأولى.

م: (عسى والتدارك ممكن بخيار الإدراك) ش: أي رأيهما التدارك يحصل بخيار الإدراك، أي بخيار البلوغ، ولم يتعرض أحد من الشراح لمعنى عسى، والذي يليق به ها هنا بمعنى الترجي.
م: (وإطلاق الجواب في غير الأب والجد) ش: أي إطلاق جواب كتاب القدروي في غير الأب والجد بقوله: ولكل واحد منهما الخيار _ يدل على أن الأم أو القاضي إذا زوج الصغير أو الصغيرة كان لكل واحد منهما الخيار في نكاح الأم والقاضي إذا أدركا قوله _ وإطلاق الجواب _ مبتدأ وخبره هو قوله: م: (يتناول الأم والقاضي) ش: يعني في إثبات الخيار عند البلوغ.
م: (وهو الصحيح من الرواية) ش: احترز عما روى خالد بن صبيح المروزي عن أبي حنيفة أنه لا يثبت الخيار لليتيمة إذا زوجتها الأم أو القاضي؛ لأن للقاضي ولاية تامة تثبت في المال والنفس جميعا، فتكون ولاية القاضي كولاية الأب، وشفقة الأم فوق شفقة الأب، فكانت كالأب وجه ظاهر الرواية وهو المختار.
وأشار إليه بقوله: م: (لقصور الرأي في أحدهما) ش: وهو الأم م: (ونقصان الشفقة في الآخر) ش: وهو القاضي؛ لأن ولايتهما متأخرة عن ولاية الأخ والعم، فإذا ثبت الخيار في

(5/95)


فيتخير.
قال: ويشترط فيه البلوغ والقضاء بخلاف خيار العتق لأن الفسخ ههنا لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل، ولهذا يشمل الذكر والأنثى، فجعل إلزاما في حق الآخر فيفتقر إلى القضاء، وخيار العتق لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها، ولهذا يختص بالأنثى فاعتبر دفعا للزيادة، والدفع لا يفتقر إلى القضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تزويجها ففي تزويج القاضي والأم أولى.
وهذا لأن الولاية الملازمة تبتنى على الرأي الكامل والشفقة الوافرة، والأم وإن كانت شفقتها وافرة فولايتها قاصرة حيث لا تثبت في المال، والقاضي وإن كانت ولايته كاملة فشفقته قاصرة؛ لأن شفقته إنما تكون بحق الدين م: (فيتخير) ش: أي يتيمة يكون لها الخيار عند البلوغ.

[فسخ النكاح بخيار البلوغ]
م: (قال: ويشترط فيه البلوغ) ش: أي في فسخ النكاح بخيار البلوغ م: (والقضاء) ش: أي حكم القاضي م: (بخلاف خيار العتق) ش: حيث لا يشترط فيه القضاء م: (لأن الفسخ ههنا) ش: أي في خيار البلوغ.
م: (لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل) ش: لقصور شفقة الزوج م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تمكن الخلل م: (يشتمل الذكر والأنثى) ش: لأن قصور الشفقة، كما هو في حق الجارية ممكن، كذلك في حق الغلام، وإذا كان الضرر خفيا لا يطلع عليه؛ لأن فرض المسألة فيما إذا كان الزوج كفؤا والمهر تاما، فربما ينكره الزوج فيحتاج إلى القضاء م: (فجعل إلزاما في حق الآخر) ش: لكونه رضي بحكم ثابت م: (فيفتقر إلى القضاء) ش: أي في الحكم.
م: (وخيار العتق لدفع ضرر جلي، وهو زيادة الملك عليها) ش: فإن الزوج قبل عتقها كان يملك تطليقتين ويملك بمراجعتها في قرأين، ثم أزال ذلك بالعتق وهو أمر جلي، ليس للاتحاد فيه بحال حتى يحتاج إلى الإلزام.
لكن لها أن ترفع ذلك عن نفسها، وذلك مع بقاء أصل النكاح غير ممكن لأن بعد العتق يستلزمها، ووجود الملزوم بدون اللازم محال، فكان لها أن ترفع أصل الملك في ضمن ما لها من رفع الزيادة، وهي كلها بالعتق.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون زيادة الملك عليها م: (يختص بالأنثى) ش: دون الذكور، لأن زيادة الملك يتصور في الأمة دون العبد م: (فاعتبر) ش: أي الضرر الجلي م: (دفعا للزيادة) ش: لأن ولاية المولى لم تكن ثابتة في هذه الزيادة.
وصار كأن العقد الآن في حقها، فكان الاختيار منها دفعا للحكم عن الثبوت م: (والدفع لا يفتقر إلى القضاء) ش: لأن الدفع أمر يستعمل به الدافع؛ إذ لكل واحد ولاية دفع الضرر عن

(5/96)


ثم عندهما إذا بلغت الصغيرة وقد علمت بالنكاح فسكتت فهو رضا، وإن لم تعلم بالنكاح فلها الخيار حتى تعلم فتسكت شرط العلم بأصل النكاح لأنها لا تتمكن من التصرف بالرد إلا به والولي ينفرد به فعذرت بالجهل
ولم يشترط العلم بالخيار، لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل، بخلاف المعتقة لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها، فعذرت بالجهل بثبوت الخيار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفسه، كالرد بالعيب قبل القبض، فإنه يصح بلا حكم.
فإن قيل: دفعها ما عليها من الزيادة يبطل ما كان ثابتا من حق الزوج استتبع للزيادة، وفي ذلك جعل التابع متبوعا، وهو عكس المعقول ونقض الأصول.
وأجيب: بأن هذا ليس يجعل التابع متبوعا، وإنما هو باب إلزام الضرر المرضي.
فإن الزوج حين تزوج الأمة عالما لها بخيار العتق التزم الضرر، والذي يحصل به والضرر المرضي غير ضار بخلاف الأمة، فإنها لم ترض بما يزيد عليها من ذلك عند العتق بلزوم اختيارها في النكاح، فلم يكن ضررها بمرضي، فكان ضارا وغير الضار يدفع الضار دون غيره.
م: (ثم عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، خصهما بالذكر، لأن مذهب أبي يوسف لا يرد ها هنا؛ لأنه خيار البلوغ، وإن كان المزوج غير الأب والجد م: (إذا بلغت الصغيرة، وقد علمت بالنكاح، فسكتت فهو رضا) ش: فلا يكون لها الخيار.
م: (وإن لم تعلم بالنكاح فلها الخيار حتى تعلم فتسكت، شرط العلم بأصل النكاح؛ لأنها) ش: أي الصغيرة التي بلغت م: (لا تتمكن من التصرف بالرد إلا به) ش: أي بالعلم بأصل النكاح م: (والولي) ش: أي والحال أن الولي م: (ينفرد به) ش: أي بالنكاح، فإذا كان الأمر كذلك م: (فعذرت بالجهل) ش: على صيغة المجهول.

[الفرق بين خيار البلوغ والعتق في النكاح]
م: (ولم يشترط العلم بالخيار) ش: في حق الحرة م: (لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار) ش: أي والحال أن الدار م: (دار العلم فلم تعذر بالجهل) ش: بالخيار م: (بخلاف المعتقة) ش: حيث تعذر م: (لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها) ش: أي لمعرفة أحكام الشرع، فإذا كان كذلك م: (فعذرت بالجهل بثبوت الخيار) ش: وحاصل ما ذكره المصنف هذه أمور، يقع بها الفرق بين خيار البلوغ والعتق وهي خمسة أمور. الأول: أن خيار البلوغ في الفرقة محتاج إلى القضاء دون خيار العتق؛ لأن خيار البلوغ مختلف فيه، فلا بد أن يتأكد بالقضاء كالرجوع في الهبة، وخيار العتق، إذا كان الزوج عبدا مجمع عليه فلا يحتاج إلى القضاء، وقد مر هذا.
الثاني: أن خيار البلوغ يثبت للغلام والجارية، وخيار العتق يثبت للجارية فقط، وقد مر هذا

(5/97)


ثم خيار البكر يبطل بالسكوت ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل رضيت أو يجيء منه ما يعلم أنه رضي، وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح،
وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام لأنه ما ثبت بإثبات الزوج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضا.
الثالث: أن الصغيرة إذا بلغت وقد علمت بالنكاح فسكتت بطل خيارها سواء كانت عالمة بأن لها الخيار أو لم تكن، وقد مر هذا أيضا.
وقوله: م: (ثم خيار البكر بطل بالسكوت) ش: تفريع على خيار البلوغ الشامل للذكر والأنثى، بيانه أن خيار البكر يبطل بالسكوت لأنها لما كانت صغيرة وأدركت استؤمرت في النكاح، فسكتت عند ابتداء العقد كان سكوتها رضا، فكذلك إذا كان لها الخيار فأدركت، وسكت كان سكوتها رضا، فيبطل خيارها م: (ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل: رضيت) ش: صريحا م: (أو يجيء منه) ش: أو دلالته، وقد مضى، أو يجيء منه بالجزم عطفا على قوله: _ ما لم يقل _ قوله: _ منه _ أي من الغلام م: (ما يعلم منه أنه رضي) ش: مثل إرسال المهر إليها فتقبله ونحو ذلك.
م: (وكذلك الجارية) ش: أي وكذا لا يبطل خيار الجارية الثيب م: (إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ) ش: أي قبل أن تبلغ م: (اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح) ش: هذا متعلق بمجموع ما ذكر، وهو خيار البكر، وخيار الغلام وخيار الجارية التي دخل بها قبل البلوغ، وقد مر أن الصغيرة البكر إذا أدركت واستؤمرت للنكاح فسكتت عند ابتداء العقد كان سكوتها رضا عنه، فكذلك إذا كان لها الخيار فأدركت وسكتت كان سكوتها رضا، فيبطل خيارها اعتبارا، بهذه الحالة بالحالة الأولى، وهي حالة ابتداء النكاح. وأما الغلام والجارية والثيب إذا استؤمرا عند ابتداء النكاح لم يكن سكوتهما رضا، بل لا بد من الرضاء، أو دلالته، فكذلك عند خيار البلوغ لم يكن السكوت منهما رضا بحال، لا بد من ذلك اعتبارا بهذه الحالة بالحالة الأولى.

[خيار البلوغ في حق البكر]
م: (وخيار البلوغ في حق البكر) ش: تفريغ آخر، وهو بيان الأمر الرابع في الفرق بين خيار البلوغ والعتق، وبيانه أن خيار البلوغ في حق البكر م: (لا يمتد إلى آخر المجلس) ش: يعني مجلس صيرورتها بالغة بأن رأت الدم في المجلس، وقد كان بلغها خبر النكاح فسكتت، أو مجلس بلوغ الخبر بالنكاح فسكتت، يبطل خيارها بمجرد السكوت في الوجهين جميعا م: (ولا يبطل) ش: أي الخيار م: (بالقيام في حق الثيب والغلام) ش: بل يمتد إلى آخر المجلس؛ لأنه ما ثبت دليل البطلان في حق الثيب خاصة.
م: (لأنه) ش: أي لأن خيار بلوغها م: م: (ما ثبت بإثبات الزوج) ش: وما لم يثبت بإثبات

(5/98)


بل لتوهم الخلل فإنما يبطل بالرضا غير أن سكوت البكر رضا بخلاف خيار العتق لأنه ثبت بإثبات المولى وهو الإعتاق فيعتبر فيه المجلس كما في خيار المخيرة، ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق، لأنها تصح من الأنثى، ولا طلاق إليها، وكذا بخيار العتق لما بينا، بخلاف المخيرة، لأن الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق.
فإن مات أحدهما قبل البلوغ ورثه الآخر، وكذا إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق، لأن أصل العقد صحيح والملك ثابت به انتهى بالموت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزوج لا يقتصر على المثبت، بل يمتد إلى ما وراء المجلس، لهن التفويض هو القصر على المجلس م: (بل لتوهم الخلل) ش: هذا أضراب دليل يشمل البكر والغلام، تقريره خيار البلوغ يثبت بعدم الرضا لتوهم الخلل، وما ثبت بعدم الرضا يبطل بالرضا؛ لوجود منافيه م: (فإنما يبطل بالرضا، غير أن سكوت البكر رضا) ش: دون سكوت الغلام، فيبطل خياره بمجرد سكوت، فيمتد خياره، ويمتد خياره إلى ما وراء المجلس.
م: (بخلاف خيار العتق) ش: هذا بيان الفرق بينهم وبين خيار البلوغ، وهو بيان الأمر الخاص بيانه أن خيار العتق مخالفة م: (لأنه ثبت بإثبات المولى وهو الإعتاق) ش: لأنه لو لم يعتق لما ثبت لها الخيار م: (فيعتبر فيه المجلس) ش: لأن كل خيار ثبت بإثبات غيره فيقتصر على المجلس م: (كما في خيار المخيرة) ش: فإنه يقتصر فيه على المجلس م: (ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق) ش: يعني سواء كان قبل الدخول أو بعده.
م: (لأنها تصح من الأنثى) ش: ولا خيار م: (ولا طلاق إليها) ش: أي إلى الأنثى، وفائدته تظهر في موضوعين.
أحدهما: أن الفرقة إذا كانت قبل الدخول لم يجب نصف المسمى، ولو كان طلاقا لوجب.
والثاني: أنهما لو تناكحا بعد الفرقة ملك الزوج ثلاثة تطليقات.
م: (وكذا بخيار العتق) ش: أي كذا الفرقة بخيار العتق ليس بطلاق م: (لما بينا) ش: أنه يصح من الأنثى م: (بخلاف المخيرة) ش: فإن الفرقة بالتخيير م: (لأن الزوج الذي ملكها) ش: أي ملك المرأة الطلاق بالتخيير إليها م: (وهو مالك للطلاق) ش: أي والحال أن الزوج مالك بالطلاق.

[مات أحد الزوجين قبل البلوغ]
م: (وإن مات أحدهما قبل البلوغ) ش: أي فإن مات أحد الزوجين قبل البلوغ م: (ورثه الآخر) ش: أي الزوج الآخر م: (وكذا) ش: وورثه الآخر م: (إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق) ش: أي قبل تفريق القاضي بينهما م: (لأن أصل العقد صحيح، والملك ثابت به) ش: أي بأصل العقد م: (انتهى بالموت) ش: فيتوارثان.

(5/99)


بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة، لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت، وهاهنا نافذ فيتقرر به. قال ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا تثبت على غيرهم، ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء
ولا ولاية لكافر على مسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف مباشرة الفضولي) ش: بأن عقد بين الرجل والمرأة بغير إذنهما، فإن العقد فيه موقوف على الإجازة م: (إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة) ش: فلا إرث في أحدهما للآخر م: (لأن النكاح ثمة موقوف، فيبطل بالموت وها هنا) ش: يعني في المخيرة للنكاح م: (نافذ فيتقرر به) ش: أي بالموت.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون، لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى أن تثبت على غيرهم) ش: لأن الولاية المتعدية فرع الولاية القاصرة، فمن لا ولاية له على نفسه فأولى أن لا يكون له ولاية على غيره.
م: (ولأن هذه ولاية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء) ش: يعني العبد، والصغير والمجنون، وهذا بالإجماع. وفي " المغني " قال أحمد: إن كان الصغير ابن عشر زوج وتزوج، وهو شذوذ وتعلق بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واضربوهم عليها لعشر» . وللجماعة حديث «رفع القلم» المشهور، وحديثه [ ... ] والتخلق.

[لا ولاية لكافر على مسلم ومسلمة]
م: (ولا ولاية لكافر على مسلم ومسلمة) ش: يعني الولاية الشرعية، ولا معتبر بالحمية فيها م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ش: أي سبيلا شرعيا.
م: (ولهذا) ش: أي لعدم ولايته على المسلمين م: (لا تقبل شهادته عليه) ش: أي شهادة الكافر على المسلم م: (ولا يتوارثان) ش: أي المسلم والكافر، فلا يرث المسلم من الكافر. وفي " المغني ": الكافر إذا أسلمت أم ولده، هل يزوجها، فيه وجهان. أما سيدة الأمة الكافرة فلها تزويجها الكافر؛ لكونها لا تحل للمسلمين عندهم، ويزوج الكافر ابنته الكافرة، من كافر وفي " المغني ": ومن مسلم. وكذا يزوج ابنه الكافر، ويبطل به قوله: إن العتق يسلب الولاية؛ فإن الكافر فاسق وزيادة، وعندنا الفسق لا يسلب الولاية، وبه قال مالك وأحمد والشافعي.

(5/100)


أما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح على ولده الكافر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (الأنفال: الآية 73) ولهذا تقبل شهادته عليه ويجري بينهما التوارث ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي حنيفة عند عدم العصبات، وهذا استحسان. وقال محمد لا تثبت وهو القياس، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب، والأشهر أنه مع محمد لها ما روينا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح على ولده الكافر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] ش: (الأنفال: الآية 73) ، لأن أنكحة الكفار فيما بينهم صحيحة، إلا على قول مالك. فإن أنكحتهم باطلة عنده، ونحن نقول بقوله عز وجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] (المسد: الآية 4) ، ولو لم يكن لهم نكاح لما سماها امرأته. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولدت من نكاح لا من سفاح» .
م: (ولهذا) ش: أي ولثبوت ولاية الكافر في النكاح على ولده م: (تقبل شهادته عليه) ش: أي شهادة الكافر على ابنه م: (ويجري بينهما التوارث) ش: أي يجري بين الأب والابن الكافر من الإرث، فيرث كل منهما من الآخر.
قال م: (ولغيرت العصبات من الأقارب) ش: نحو الأخوال والخالات والعمات م: (ولاية التزويج) ش: مرفوع، لأنه مبتدأ وخبره قوله: لغير العصبات مقدما م: (عند أبي حنيفة، معناه عند عدم العصبات) ش: نسبية كانت أو سببية، كمولى العتاقة. فعند أبي حنيفة بعد العصبات الأم ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأم، ثم أولادهم، ثم العمات، والأخوال والخالات، وأولادهم على هذا الترتيب، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن نصبه القاضي إذا شرط تزويج الصغار في عهدة منشورة، أما إذا لم يشترط فلا ولاية له.
م: (وهذا استحسان) ش: أي هذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة استحسان م: (وقال محمد: لا تثبت) ش: أي والولاية لغير العصبات م: (وهو القياس) ش: أي الذي ذهب إليه محمد هو القياس م: (وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: أي قول محمد رواية عن أبي حنيفة، رواه الحسن عنه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
م: (وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب) ش: لأنه ذكر في كتاب " النكاح " مع أبي حنيفة، وفي كتاب " الولاء" مع محمد م: (والأشهر أنه) ش: أي أن أبا يوسف م: (مع محمد) ش: ولكن ذكر في الكافر: والجمهور على أن أبا يوسف مع أبي حنيفة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح إلى

(5/101)


ولأن الولاية إنما تثبت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفؤ إليها وإلى العصبات الصيانة، ولأبي حنيفة: أن الولاية نظرية والنظر تتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة.
ومن لا ولي لها يعني العصبة من جهة القرابة إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز لأنه أخر العصبات، وإذا عدم الأولياء فالولاية إلى الإمام والحاكم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السلطان ولي من لا ولي له»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العصبات» والألف واللام تدل على جنس النكاح لعدم العهد، ومعناه: هذا الجنس مفوض إلى هذا الجنس.
فلا يكون لغيره فيه مدخل، وقد مضى الكلام في الحديث م: (ولأن الولاية إنما تثبت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها وإلى العصبات الصيانة) ش: أي الصيانة إلى العصبات.
م: (ولأبي حنيفة أن الولاية نظرية، والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة) ش: والشفقة موجودة في الأم وقرابتها كما في قرابة الأب، ولهذا قال أصحابنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإنكاح إلى العصبات» يتناول الإمام، لأنها عصبة في الجملة، يعني في صورة ولد الزنا، وولد الملاعنة وثبت له ولاية التزويج أيضا.
والجواب عن الحديث أن النكاح إلى العصبات حالة وجودهم وبه يقول.

[عدم الأولياء في نكاح المرأة]
قال: م: (ومن لا ولي لها) ش: هذا لفظ القدوري وقوله م: (يعني العصبة من جهة القرابة) ش: من كلام المصنف والضمير في لها يرجع إلى - من - وهي الولية، وفي بعض النسخ، ومن لا ولي له بتذكير الضمير وهو ظاهر.
م: (إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز) ش: لمولى العتاقة وعصبة التزويج بالإجماع ترتيب عصبات العتق كعصبات القرابة بالإجماع، ويكون مقدما على ذوي الأرحام [ ... ] وغيرهما.
م: (لأنه آخر العصبات) ش: في الإرث، وكذا لمولى الموالاة ولاية التزويج على الصغيرة عندهما إذا لم يكن لها قريب، خلافا لمحمد والشافعي، ومالك وأحمد؛ لأنه يؤخر عن ذوي الأرحام في الميراث عند محمد، فلا يكون له ولاية، كما لذوي الأرحام، وعند الشافعي: عقد الموالاة يصح، فلا يكون له عصوبة ولا قرابة.
م: (وإذا عدم الأولياء) ش: يعني على الوجه المذكور، وذكر بلفظ الأولياء ليتناول العصبات النسبية والسببية م: (فالولاية للإمام) ش: أي الخليفة م: (والحاكم) ش: أي القاضي ومن نصبه القاضي إذا شرط تزويج الصغار في عهده م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «السلطان ولي من لا ولي له» ش: هذا في آخر حديث أخرجه أبو داود والترمذي، وابن ماجه.

(5/102)


فإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج. وقال زفر لا يجوز لأن ولاية الأقرب قائمة لأنها تثبت حقا له صيانة للقرابة فلا تبطل بغيبته، ولهذا لو زوجها حيث هو جاز ولا ولاية للأبعد مع ولايته. ولنا أن هذه ولاية نظرية، وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففرضناه إلى الأبعد وهو مقدم على السلطان كما إذا مات الأقرب. ولو زوجها حيث هو فيه منع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حديث الزهري، عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» ، وقال الترمذي: حديث حسن.
م: (فإذا غاب الولي الأقرب) ش: كالأب م: (غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه) ش: كالجد م: (أن يزوج) ش: وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يزوجها السلطان أو القاضي، ولا يجوز أن يزوجها الأبعد م: (وقال زفر: لا يجوز) ش: لأحد حتى يحضر الأقرب م: (لأن ولاية الأقرب قائمة؛ لأنها تثبت حقا له) ش: والأبعد محجوب الولاية، ولا تأثير للغيبة في قطع، وحقه ثبت م: (صيانة للقرابة) ش: عن نسب الكفء إليها.
م: (فلا تبطل) ش: أي حقه م: (بغيبته؛ ولهذا) ش: أي ولثبوت حقه؛ وعدم بطلانها بغيبته م: (لو زوجها حيث هو) ش: أي لزوجها الولي الأقرب، حيث كان هو م: (جاز) ش: بالاتفاق فدل على قيام ولايته في غيبته، فإذا كان كذلك لا يجوز تزويج الأبعد، م: (ولا ولاية للأبعد مع ولايته) ش: أي مع ولاية الأقرب. م: (ولنا أن هذه) ش: أي هذه الولاية م: (ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه) ش: وهو الأقرب في غيبته لتعذر الانتفاع بغيبته، والتحق بمن لا ولي له أصلا، كالصغير والمجنون، وله أي الأبعد خلف عن رأي الأقرب فصار كولاية الحضانة يتقدم فيها الأقرب.
فإذا تزوج كانت الولاية للأبعد، فإن كان الأمر كذلك م: (ففرضناه إلى الأبعد) ش: وهذه نتيجة المتقدمين الصادقين، فافهم. م: (وهو مقدم على السلطان) ش: قال الأكمل: وهذه إشارة إلى جواب الشافعي م: (كما إذا مات الأقرب) ش: لم تنقل إلى السلطان، فعنده إذا غاب الأقرب يزوج السلطان كما ذكرناه.
قلت: لم يذكر قول الشافعي في الكتاب صريحا، ولم يذكر قوله إلا الشراح م: (ولو زوجها حيث هو فيه منع) ش: هذا جواب عن قول زفر، ولهذا لو زوجها حيث

(5/103)


وبعد التسليم نقول: للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير للأقرب عكسه فنزل منزلة وليين متساويين فأيهما عقد نفذ ولا يرد. والغيبة المنقطعة أن يكون في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة، وهو اختيار القدوري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جاز تقريره ولا نسلم جوازه، وفي " المحيط ": لا رواية فيه، وينبغي أن لا يجوز، لانقطاع ولايته م: (وبعد التسليم) ش: أي بعد أن سلمنا ذلك م: (نقول: للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير، وللأقرب عكسه) ش: وهو قرب القرابة، وبعد التدبير، وثبوت الولاية، فاستويا من هذا الوجه.
م: (فنزل منزلة وليين متساويين فأيهما عقد نفذ) ش: أي العقد م: (ولا يرد) ش: يعني إذا حضر الأقرب، وقد زوج الأب، ثم حضر الأقرب لا يرد العقد، وقيل: عند زفر يبطل عقد الأبعد إذا حضر الأقرب لعدم ولايته م: (والغيبة المنقطعة) ش: لما ذكر لفظ الغيبة المنقطعة فيما مضى شرع هنا في بيانها، فقال م: (أن يكون) ش: أي ولي الأقرب م: (في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة) ش: وقدرها الشافعي ومالك وأحمد بأدنى مدة السفر.
وفي " المبسوط ": وإليه أشار محمد في الكتاب، فقال: أرأيت لو كان في السواد ونحوه، إنما كان يستطيع رأيه فهذا إشارة إلى أنه إذا جاوز السواد ثبتت الولاية للأبعد، وعن أبي يوسف، ومحمد المنقطعة من البصرة إلى الرقة، وغير المنقطعة من بغداد إلى الكوفة، وقيل: بعد بمائة وخمسين فرسخا. وفي " المحيط ": عن محمد روايتان: إحداهما: مسيرة شهر، والأخرى: مسيرة ثلاثة أيام، واختارها أبو الليث. وعن محمد: من الكوفة إلى الري وهو عشرون مرحلة، وفي " الروضة ": وهو قول أبي حنيفة ذكره الطحاوي في شرحه ومختصره، وقيل: من الكوفة إلى البصرة.
وفي " الأسبيجابي ": إن كان في مكان لا تختلف إليه القوافل فهو غيبة منقطعة. وقيل: إن كانت في موضع يقع إليه بدفعة واحدة فليست بمنقطعة، ومن المشايخ من قال أن لا يتوقف له على أثر، بأن كان جوالا من موضع إلى موضع، أو مفقودا حتى لو كان في بلد واحد، لا يوقف عليه مختصا لها كانت غيبة منقطعة.
وقال أحمد: يزوجها في السفر البعيد دون القريب، قيل: يحتمل أن يكون البعيد ما يقصر فيه الصلاة. وقيل: ما يقطع بكلفة ومشقة، وقيل: يزوجها الحاكم، وإن كان قريبا، وإن كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة فهو كالبعيد، وكذا إذا لم يعلم مكانه والشافعية قدروها بمسافة القصر.
م: (وهو اختيار القدوري) ش: يعني الذي اختاره القدوري في " مختصره "، وهو قوله والغيبة المنقطعة أي يكون في بلدة لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة.

(5/104)


وقيل: أدنى مدة السفر، لأنه لا نهاية لأقصاه، وهو اختيار بعض المتأخرين، وقيل: إذا كان بحال يفوت الكفء باستطلاع رأيه، وهذا أقرب إلى الفقه، لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ.
وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في إنكاحها ابنها، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. ولهما أن الابن هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها، ولا معتبر بزيادة الشفقة كأب الأم مع بعض العصبات، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل أدنى مدة السفر) ش: أي الغيبة المنقطعة أدنى مدة السفر، وبه أخذ الثوري ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبو عصمة سعد بن معاذ المروزي، وأبو علي النسفي أدناهم، وهو اختيار بعض المتأخرين، وأبو اليسر والصدر الشهيد م: (لأنهم نهاية لأقصاه) ش: أي لأقصى السفر فاعتبرهم أدناهم م: (وهو اختيار بعض المتأخرين) ش: وعليه الفتوى، وبه قال الثلاثة، وبعض المتأخرين هم الذين ذكرناهم.
م: (وقيل: إذا كان بحال يفوت الكفر باستطلاع رأيه) ش: قال الإمام السرخسي في " مبسوطه ": هو الأصح، وهو اختيار الفضلي، ولهذا قال المصنف: م: (وهذا أقرب إلى الفقه؛ لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ) ش: يعني لعدم الانقطاع به حينئذ. وعن هذا قال الإمام قاضي خان في " الجامع الصغير ": حتى لو كان مختفيا في البلدة، ولا يتوقف عليه تكون غيبة منقطعة.

[اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فمن يلي نكاحها]
م: (وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في إنكاحها ابنها، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال مالك وأحمد. م: (وقال محمد: أبوها) ش: أي أبوها أولى م: (لأنه أوفر شفقة من الابن) ش: لأن ولاية الأب تعم النفس والمال، وليس للابن ولاية في المال.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الابن هو المقدم في العصوبة) ش: ألا ترى أن الأب معه يستحق السدس بالفرضية فقط م: (وهذه الولاية مبنية عليها) ش: أي على العصوبة م: (ولا معتبر بزيادة الشفقة كأب الأم مع بعض العصبات) ش: هذا جواب محمد، وأبو الأم أوفر شفقة من ابن الأخ، يقدم أبو الأم عليه بالإجماع، ولا فرق بين الجنون بأن يبلغ مجنونا، والطارئ وهو الجنون بعد البلوغ عاقلا.
قال زفر: في الجنون الأصلي كذلك، أما في العارضي فلا ولاية للولي عليها، وحكى ذلك عن الشافعي، وفي " الحلية ": هذا ليس بشيء. وفي " شرح الوجيز ": والأصح أن لا فرق بين الأصلي والعارضي في ثبوت الولاية عليه كمذهبنا، ولكن يزوجها الأب والجد خاصة.
فرع: امرأة جاءت إلى القاضي وقالت: لا ولي لي وإني أريد أن أتزوج، فالقاضي يأذن لها في النكاح، علم أن لها وليا أم لا، وعن إسماعيل بن حماد فالقاضي يقول لها إن لم تكوني

(5/105)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قرشية ولا عربية، ولا ذات زوج، ولا في عدة أحد: فقد أذنت لك.
قال شيخ الإسلام: للقاضي أن يكفلها إقامة البينة، يلزم القاضي ما ادعت من غير خيار وفي " الذخيرة ": هذه البينة تسمى بينة كشف الحال. وسئل شيخ الإسلام: عن بكر بالغ شافعية زوجت نفسها من حنفي أو شافعي هل يجوز؟ قال: نعم؛ وإن كان لا يصح عند الشافعي، والزوجان يعتقدان هذا المذهب، ولو سئلنا ما جواب الشافعي في هذه المسألة؟ أجبنا: أنه يصح عند أبي حنيفة.
وسئل أيضا في عقد عقد بحضرة فاسقين من المسلمين، وغاب عنها الزوج غيبة منقطعة، هل يجوز للقاضي أن يبعث إلى شافعي يبطل النكاح بهذا السبب؟، قال: نعم، وللحنفي أن يبطله بنفسه أيضا، أخذ بهذا الإمام، وإن لم يكن مذهبنا له. قال: وعندي أن هذا على قول أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ بناء على أن القاضي إذا قضى بخلاف مذهبه ينفذ عنده خلافا لهما، وليس هو من ولايته، فإن أوصى الأب بالنكاح إلا إذا كان الأب قريبا، فحينئذ يزوج بالقرابة لا بالوصية؛ لأنه ولاية في المال دون النفس.
وقال أحمد في رواية، والشافعي ومالك: إن أوصى إليه في التزويج جاز، وهو رواية هشام عن أبي حنيفة، وإن كانت الثيب كبيرة يزوجها القاضي بإذنها، وإن كانت صغيرة، وعين الموصى الزوج زوجها الموصي منه، كما لو وكل به في حياته، وإن لم يتعين ينظر بلوغها لتأذن.
وفي " السروجي ": والوصي لا يزوج، وهو قول الشعبي، والنخعي، والثوري، والحارث النكلي، والشافعي، وابن المنذر ورواية عن أحمد، وفي " تعليق الطرسوسي ": الوصي أولى من الولي، سواء أقال الموصي: أنت وصي أو وصي على بناتي، أو أنت وصي على مالي عند مالك.

(5/106)


فصل في الكفاءة الكفاءة في النكاح معتبرة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الكفاءة في النكاح] [الكفاءة في النكاح معتبرة]
م: (فصل في الكفاءة) ش: لما كانت الكفاءة معتبرة وعدمها يمنع الجواز، ولهذا يتمكن الأولياء من الفسخ احتاج إلى أن يذكر حكمها في فصل على حدة، قال الجوهري: الكفء النظير، وكذلك الكفو، والكفوء على فعل وفعول. والمصدر الأكفاء بالفتح والمد. وقال ابن الأثير: الكفء النظير، والمساوي ومنه الأكفاء في النكاح، وهو أن يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ونسبها، ودينها، وسنها وغير ذلك.
م: (قال: الكفاءة في النكاح معتبرة) ش: أصحاب الحديث والفقهاء اختلفوا في عبارة الكفاءة، قال ابن المنذر في " الأشراف ": ذهب عمر بن عبد العزيز، وحماد بن أبي سليمان، وعبيد بن عمير، وابن سيرين، وابن عون ومالك أن الكفاءة غير معتبرة إلا في الدين.
وفي " البدائع ": وهو قول الحسن البصري، والكرخي من أصحابنا، وفي " المبسوط ": وقال الكرخي: الأصح عندي أنه لا اعتبار بالكفاءة في النكاح. وعن الثوري وابن حنبل: لا بد من اعتبار الكفاءة، ولا يسقط إلا بتراضي الولي والمرأة. وعنه في الرجل يشرب الشراب، أو هو حائك يفرق بينهما، وفي " البسيط ": ذهب الشيعة إلى أن نكاح العلويات ممتنع على غيرهم مع التراضي، قال السروجي: وهما قولان باطلان.
م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء» ش: قال الأكمل: رواه جابر، وسكت [ ... ] ، وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث ضعيف، لا أصل له ولا يحتج بمثله. قال البيهقي: ضعيف بمرة، ورواه في " السنن ": عن مبشر بن عبيد وأسند في " المعرفة ": عن ابن حنبل أنه قال: أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب. وقال ابن القطان: وهو كما قال، لكن يبقى عليه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف ومدلس على الضعفاء.
قلت: مبشر بن عبيد يروي هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمرو بن دينار، عن جابر، عن عبد الله بن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": عن مبشر بن عبيد عن أبي يزيد عن جابر يذكره وهو أبو يعلى.

(5/107)


ولأن انتظام المصالح بين المتكافئين عادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء ". وقال: مبشر بن عبيد يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وقال البيهقي: وفي اعتبار الكفاءة أحاديث لا يقوم بأكثرها حجة، وأمثلها حديث علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «ثلاثة لا يؤخرها، وفيه الأيم إذا وجدت كفؤا» . قلت: هذا حديث رواه الترمذي في الصلاة.
وفي " الجنازة " حديث قتيبة حدثنا عبد الله بن وهب، عن سعيد بن عبد الله الجهني، عن محمد بن عمرو بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا علي ثلاثة لا تؤخرهما: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا» .
وقال الترمذي: حديث غريب ولا أرى إسناده متصلا، [و] أخرجه الحاكم في " مستدركه "، وكذلك في كتاب النكاح وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والمصنف استدل بالحديث الذي ذكره في اعتبار الكفاءة ولم يتعرض لاشتراطها، ولا ذكر الخلاف فيه، والحديث شاهد على اشتراطها.
وقال البيهقي في " المعرفة ": وأصل الكفاءة مستنبط من حديث بريرة، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما خيرها؛ لأن زوجها لم يكن كفؤا لها واستدل ابن الجوزي في " التحقيق ": على اشتراطها بحديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء» .
قلت: هذا أخرجه ابن ماجه، والحاكم في " مستدركه " من رواية الحارث بن عمر، وعن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا لهم» ، وقال الحاكم: تابعه عكرمة بن إبراهيم، عن هشام، ثم رواه كذلك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد.
روى الحاكم أيضا من حديث نافع، عن ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاءكم الأكفاء فأنكحوهن ولا تربصوا لهن الحدثان» ، قال العباس بن حمزة أحد رواة الحديث: الحدثان الموت.
م: (ولأن انتظام المصالح) ش: من المسكن والصحبة والألفة والتولد والتناسل وتأسيس القرابات م: (بين المتكافئين عادة) ش: لأن انتظام المصالح لا يكون إلا بهما، بخلاف غير المتكافئين والمتكافئان المتساويان. وقال ابن الأثير: في حديث العقيقة «عن الغلام شاتان متكافئتان»

(5/108)


لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، فلا بد من اعتبارها بخلاف جانبها، لأن الزوج مستفرش، فلا تغيظه دناءة الفراش.
وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما دفعا لضرر العار عن أنفسهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي متساويتان، وهو بكسر الفاء، والمحدثون يقولون: متكافئان بالفتح، وأرى الفتح أولى، انتهى. وإنما ذكرت هذا لأجل وقوع هذا اللفظ في الكتاب.
م: (لأن الشريفة) ش: سواء كانت في الحسب أو النسب م: (تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس) ش: أي للرجل الخسيس في الحسب والحرفة والمدينة م: (فلا بد من اعتبارها) ش: أي اعتبار الكفاءة، لأن ملك النكاح دل على أن النكاح رق حكما، إليه أشار قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته» ، وإذلال النفس حرام، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للمؤمن أن يذل نفسه» م: (بخلاف جانبها) ش: أي جانب المرأة.
م: (لأن الزوج مستفرش) ش: بكسر الراء م: (فلا تغيظه دناءة الفراش) ش: فليس فيه إذلال النفس، فإن نسب الولد لا يكون إلى أمه بل يكون إلى أبيه، والولي لا يعتبر بأن يكون تحت الرجل لا يكافئه. وفي " المحيط ": الكفاءة من جانب النساء غير معتبرة عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وابن حنبل، وعندهما معتبرة استحسانا نص عليه محمد في " الجامع الصغير ". وفي " الذخيرة ": وروى هشام، عن أبي يوسف أنه لو تزوج امرأة على أنها قرشية فظهرت نبطية فله الخيار عنه، وعند أبي حنيفة لا خيار له، وعندهما معتبرة، وروي غير معتبرة، حتى لم يكن للأولياء الاعتراض على الأصل إذا تزوج وضيعة، وفي " المفيد والمزيد " غير معتبرة في ظاهر الرواية وقيل: معتبرة عندهما.

[زوجت المرأة نفسها من غير كفء]
م: (وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما دفعا لضرر العار عن أنفسهم) ش: أما التفريق فما لم تلد المرأة، وفيه خلاف قد مضى، ولا يبطل حق الولي بالسكوت بعد العلم، وإن طال السكوت، ولا يكون التفريق إلا عند القاضي؛ لأنه مجتهد فيه.
وكل من الخصمين يثبت بدليل، فلا يقطع الخصومة إلا بفعل من له ولاية عليهما كالفسخ بخيار البلوغ، وما لم يفرق القاضي فحكم الطلاق والإرث قائم، وكأن النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية. وهذه الفرقة ليست بطلاق، لأنه تفريق على سبيل الفسخ لأجل النكاح، والطلاق تصرف في النكاح ولا مهر لها إن لم يدخل بها فلها المسمى. وأما إذا رضي بعض الأولياء فيسقط حق الباقين، إلا أن يكون الباقي أقرب من الرضا.
وقال أبي يوسف وزفر والشافعي: لا يسقط حق الباقين، لأنه حق الكل فلا يسقط إلا برضا الكل كالدين المشترك إذا أبرئ أحدهم، قلنا: إنه حق واحد، لا يتجزأ؛ لأنه ثبت بسبب

(5/109)


ثم الكفاءة تعتبر في النسب لأنه يقع به التفاخر، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قريش بعضهم أكفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فكل واحد على الكمال، كولاية الأمان إذا أبطله أحدهم لا يبقى ضرورة لحق القصاص.

[الكفاءة تعتبر في النسب في النكاح]
م: (ثم الكفاءة تعتبر في النسب) ش: وفي " المبسوط ": الكفاءة تعتبر في حق الرجل في النسب، والحرية، والمال، والحرفة، والحسب. وفي " فتاوى الولوالجي ": في التقوى وإسلام الأب والعقل أيضا. وفي " المنهاج ": عند الشافعي تعتبر الكفاءة في سلامة العيوب التي ترد بها، والنسب، والحرية، والعفة، والحرفة، وهي خمس، ومثله عن أحمد، وعنه الدين والمنصب. م: (لأنه) ش: أي لأن النسب م: (يقع به التفاخر) ش: وهذا ظاهر، وكان سفيان الثوري لا يعتبر الكفاءة فيه، لأن الناس سواء كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، إنما الفضل بالتقوى.
وقال الجوهري: تقول: مررت برجل سواك وسواك وسوائك، أي غيرك وهما في هذا الأمر سواء، وإن شئت ترى أن وهم سواء الجميع، وهم أسواء وهم سواسية، أي أشباه، مثل ثمانية على غير قياس، وزنه أفعاعلة ذهبت منه الحروف الثلاثة، وأصله الباء فقريش أكفاء لبعضهم، يدخل فيه بنو هاشم وبنو المطلب، خلافا للشافعي فيهما، وأحمد في الأول والقرشي من كان من ولد النضر بن كنانة، ومن لم يكن من ولد النضر من العرب فهو غير قرشي.
وقال ابن عباس: سموا بداية في العجز لم يظهر لهاشمي من الدواب إلا أكلته فشبهت قريش بها لأجل القهر والعز والغلبة. وفي " البدائع ": وقريش لجميع العرب كالهاشمي، والمطلبي، والنوفلي، والأموي، والقيسي، والزهري، والتميمي، والعدوي.
وحاصله أن هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا هم أولاد عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، فالأربعة أولاد جد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أموي منسوب إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأبو بكر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ تميمي منسوب إلى تميم بن مرة بن كعب، وعمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عدوي منسوب إلى عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وهؤلاء سادات.
م: (فقريش بعضهم أكفاء لبعض) ش: لصلاحية كل منهم الخلافة، بخلاف العرب غير قريش، ليست كفؤا لقريش لعدم مساواتهم لقريش؛ لأنهم لا يصلحون للخلافة م: (والعرب بعضهم أكفاء لبعض) ش: وليس أكفاء لقريش.
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قريش بعضهم أكفاء

(5/110)


لبعض بطن ببطن، والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لبعض بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل» ش: قال السروجي: لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «قريش أكفاء» ... " فذكر الحديث ثم قال: إنما ذكرناه بصيغة التمريض، لأني لم أجده في كتب الحديث، وإنما ذكر في كتب الفقه، فلهذا لم أجزم به، انتهى.
قلت: روى الحاكم: حدثنا الأصم، حدثنا الصغاني، حدثنا شجاع بن الوليد، حدثنا بعض إخواننا، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك وحجام» .
وقال صاحب " التنقيح ": هذا منقطع إذ لم [يلق] شجاع بن الوليد بعض أصحابه، ورواه أبو يعلى في " مسنده " من حديث بقية بن الوليد، عن زرعة بن عبد الله الزهري، عن عمران بن أبي الفضل الأيلي، عن نافع عن ابن عمر نحوه مرفوعا مسندا. وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر موضوع، وقد روى شريح عن ابن أبي مليكة عن ابن عمر مرفوعا مثله، ولا يصح حديث شريح.
ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بعمران بن أبي الفضل، وقال: إنه يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه، قوله: قبيلة بقبيلة _ قال الكاكي: أي وليس بعض القبائل من قريش أولى من بعضهم، وقال الزبير بن بكار: العرب ست طبقات: شعب، وقبيلة، وعمارة، وبطن، وفخذ، وفصيلة.
فالشعب يجمع العمارة، والعمارة تجمع البطن، والبطن تجمع الأفخاذ، والأفخاذ تجمع الفصائل، فمضر شعب، وربيعة شعب، ومدلج شعب، وحمير شعب وسميش شعب. والقبائل تتشعب فكنانة قبيلة، وقريش عمارة وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة.
وقال تاج الشريعة: العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة لا اعتبار لفضل بعض القبائل على بعض في حق الكفاءة إلا بنو باهلة؛ فإنهم ليسوا بكفء لغيرهم من العرب لخساستهم

(5/111)


رجل برجل» .
ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش لما روينا. وعن محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا كأهل بيت الخلافة، كأنه قال: تعظيما للخلافة، وتسكينا للفتنة، وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ودناءتهم. حكي أنهم كانوا يستخرجون النقي من عظام الموتى ويأكلون. قلت: النقي بكسر النون، وسكون القاف مخ العظم وشحم العين من الشمس، والجمع النقا.
قوله: _ والموالي أكفاء لبعض قال الكاكي: الموالي أي غير العرب، وسموا الموالي لأنهم نصروا العرب، وسمي الناصر مولى قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (محمد: الآية 11) أي لا ناصر لهم.
ولأن قلاعهم فتحت على أيدي العرب وكانوا بسبيل من استرقاقهم، فكأنهم كانوا عبيدهم، ثم عتقوا بالمن عليهم، فكانوا موالي العرب، وقال تاج الشريعة: الموالي يعني العجم، سموا بها، لأن بلادهم فتحت عنوة على أيدي العرب، ثم ذكر مثل الذي ذكرنا الآن. وقال الأكمل: الموالي العتق، لما كانت غير عرب في الأكثر غلبت إلى العجم حين قال الموالي: أكفاء بعضها لبعض.
قوله: م: (رجل برجل) ش: إشارة إلى أن السبب لا يعتبر فيهم، قال القفال وأبو عاصم من أصحاب الشافعي: فإنهم ضيعوا أنسابهم، فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب، بل بالدين، كما أشار إليه سلمان الفارسي حين افتخرت الصحابة بالأنساب، وانتهى الأمر إليه، فقيل: سلمان ممن؟. فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه، والأصح من مذهب الشافعي اعتبار نسب العرب كالعجم، والعجمي ليس كفؤا لعربية، والعربي غير القرشي غير كفء لقرشية.

[التفاضل فيما بين قريش في الكفاءة في النكاح]
م: (ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش) ش: يعني النسب، لأنهم ضيعوا أنسابهم، ولا يفتخرون بالأنساب، وإنما افتخارهم بالإسلام والجزية فيصير ذلك فيما بينهم م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قريش بعضهم أكفاء لبعض» .
م: (وعن محمد كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا) ش: في الحرية م: (كأهل بيت الخلافة) ش: فحينئذ يعتبر التفاضل، حتى لو تزوجت قرشية من أولاد الخلفاء قرشيا من أولادهم كان للأولياء الاعتراض.
م: (كأنه قال) ش: هذا كلام المصنف، أي كأن محمدا قال ذلك م: (تعظيما للخلافة وتسكينا للفتنة) ش: لانعدام أصل الكفاءة، وفي " خزانة الأكمل ": وقريش بعضهم أكفاء لبعض، إلا من كان من بيت الشرف كالخلافة.
م: (وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب) ش: الباهلة: قبيلة من قيس بن غيلان، وهو في

(5/112)


لأنهم معروفون بالخساسة. وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا فهو من الأكفاء، يعني لمن له آباء فيه.
ومن أسلم بنفسه، أو له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام لأن تمام النسب بالأب والجد. وأبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ ألحق الواحد بالمثنى، كما هو مذهبه في التعريف. ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب واحد في الإسلام؛ لأن التفاخر فيما بين الموالي بالإسلام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصل اسم امرأة من همدان، والتأنيث للقبيلة سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة وهم معروفون بالدناءة، وهو معنى قوله م: (لأنهم معروفون بالخساسة) ش: أي بالدناءة، والخسيس الدنيء، والخسيسة والخساسة الحالة التي يكون عليها الخسيس، ومن خساستهم أنهم كانوا يأكلون بقية العظام [ ... ] ، وكانوا يطبخون عظام الموتى، فيأخذون الدسومات منها، قال قائلهم: ولا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة، ومن دناءتهم أنهم كان لهم صنم من عجوة، فوقع الغلاء فيهم فأكلوه، وكانت العرب يعيرونهم ويقولون: بنو باهلة أكلوا آلهتهم.
م: (وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا) ش: نصب على الحال من أبوان أي [ ... ] إلى حالة الصعود على اثنين. م: (فهو من الأكفاء يعني لمن له آباء فيه) ش: وفسر قوله: م: (آباء فيه) ش: أي في الإسلام، حاصله من كان له أبوان في الإسلام فله نسب صحيح يكون كفؤا لمن له عشيرة أبا أو أكثر.

[من كان له أب واحد في الإسلام يكون كفؤا لمن له أبوان فيه]
م: (ومن أسلم بنفسه أو له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام، لأن تمام النسبة بالأب والجد. وأبو يوسف ألحق الواحد بالمثنى) ش: يعني من كان له أب واحد في الإسلام يكون كفؤا لمن له أبوان فيه.
وفي " المبسوط ": وعن أبي يوسف الأكفاء بالأب، والصحيح ظاهر الرواية، والمذكور في الكتاب رواية عنه م: (كما هو مذهبه) ش: أي مذهب أبي يوسف م: (في التعريف) ش: أي في تعريف الشخص في الشهادة، كان الشهود إذا ذكروا اسم الغائب واسم أبيه يحصل به التعريف عند أبي يوسف.
ولا حاجة إلى ذكر الجد وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وعنده لا بد من ذكر الجد، وقال السروجي: هذا إذا كان الولد صغيرا، لا يشاركه أحد في اسمه، أما إذا كان هناك من يشاركه في اسمه واسم أبيه وجده لا يكتفى بذلك حتى يذكر ما يميزه عنه.
م: (ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب واحد في الإسلام) ش: وبه قال الشافعي م: (لأن التفاخر فيما بين الموالي بالإسلام) ش: نقل صاحب " النهاية " عن الإمام المحبوبي أن هذا في الموالي. فأما في العرب فإن من لا أب له في الإسلام من العرب وهو مسلم فهو كفء لمن له أب

(5/113)


والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا؛ لأن الرق أثر للكفر، وفيه معنى الذل فيعتبر في معنى الكفاءة. قال: وتعتبر أيضا في الدين أي الديانة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _، وهو الصحيح، لأنه من أعلى المفاخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الإسلام؛ أن العرب يتفاخرون بالنسب، فيعدون بالنسب كفؤا لنسب آخر إذا كانا مسلمين، وأما العجم فقد ضيعوا أنسابهم وتفاخرهم بالإسلام، فمن كان له أهل في الإسلام يفتخر على من لا أهل له في الإسلام ولا يعد كفؤا له.

[الكفاءة في الحرية في النكاح]
م: (والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا) ش: من الوفاق والخلاف، يعني الكفاءة في الحرية معتبرة بإجماع الفقهاء، حتى لا يكون العبد كفؤا لحرية الأصل، وكذا المعتق لا يكون كفؤا لحرية أصلية. والمعتق لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية م: (لأن الرق أثر للكفر، وفيه معنى الذل، فيعتبر فيه معنى الكفاءة) ش: وعن أبي يوسف: أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق أو حرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وتعتبر أيضا) ش: أي تعتبر الكفاءة أيضا م: (في الدين) ش: وفسره بقوله: م: (أي في الديانة) ش: وهو التقوى والصلاح والحسب وهو مكارم الأخلاق. وإنما فسره بهذا لأن مطلق الدين في الإسلام، ولا كلام لأجل أن إسلام الزوج شرطه جواز نكاح المسلمة، إنما الكلام في حق الاعتراض للأولياء بعد إنفاذ العقد وذلك لا يكون إلا في الدين بمعنى الديانة م: (وهذا) ش: أي اعتبار الكفاءة في الديانة م: (قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي ومالك، فإن مالكا يعتبر الكفاءة في الدين وحده. ونقل هكذا عن الشافعي وأحمد في رواية: لا يعتبر إلا في الدين والنسب، والأصح عن أحمد مثل مذهب الشافعي، حتى لو نكحت امرأة من بنات الصالحين فاسقا، كان للأولياء حق الرد م: (وهو الصحيح) ش: احترازا عما روي عن أبي حنيفة: أن الكفاءة في التقوى والحسب غير معتبرة، ذكره في " المحيط "، وعما روي عن أبي يوسف: أنها غير معتبرة في التقوى، ومعتبرة في الحسب والنسب ومكارم الأخلاق، كذا في " المحيط ". وذكر المحبوبي محيلا إلى صدر الإسلام أن الحسب هو الذي له جاه وحرمة وحشمة لا يكون كفؤا للخسيس الذي لا جاه له.
وفي " جامع قاضي خان ": الحسب كفء للنسب، حتى إن الفقيه كفء للعلوي؛ لأن شرف العلم فوق شرف النسب، وكذا الفقيه الفقير كفء للغني الجاهل والعالم العجمي كفء للعربي الجاهل والعربية. وقيل: الأصح أنه لا يكون كفؤا للعربية؛ م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (من أعلى المفاخر) ش: قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (الحجرات: الآية 13) .

(5/114)


والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه. وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا تعتبر؛ لأنه من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه، أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب مع الصبيان؛ لأنه مستحق به.
قال: وتعتبر في المال وهو أن يكون مالكا للمهر والنفقة وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية، حتى إن من لا يملكهما أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا، لأن المهر بدل البضع، فلا بد من إيفائه وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه) ش: بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة وأصله وضعة، والهاء عوض عن الواو، يقال في حسبه ضعة وضعة بكسر الضاد أيضا، ومنه الوضيع وهو الدنيء من الناس، والمعنى: المرأة يعيرها الناس بفسق زوجها بأكثر ما تعير بزيادة نسب زوجها.
م: (وقال محمد: لا تعتبر) ش: أي الكفاءة في الدين م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه، إلا إذا كان يصفع) ش: أي إلا إذا كان الزوج يصفع على صيغة المجهول.
قال الجوهري: الصفع كلمة مركبة، والرجل صفعان، وقال غيره: يصفع، يضرب على قفاه م: (أو يسخر منه) ش: أي الزوج، أي يستهزأ به، ومنه المتمسخر م: (أو يخرج) ش: أي الزوج م: (إلى الأسواق) ش: حال كونه م: (سكران ويلعب مع الصبيان، لأنه مستحق به) ش: أي بذلك الصنع.
وفي " المحيط ": وعليه الفتوى، وعن أبي يوسف أنه قال: الذي يشرب المسكر، فإن كان مسكرا ولا يخرج سكرانا فهو كفء، وإن كان يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، ولم ينقل عن أبي حنيفة في ذلك شيء. والصحيح عنده أنه غير معتبر؛ لأن هذا ليس بلازم يمكن تركه. وفي " الفتاوى الظهيرية ": لو تزوج وهو كفء، ثم صار فاسقا لا يفسخ النكاح، لأن اعتبار الكفاءة وقت النكاح لا استمرارها بعد النكاح. وفي " الحاوي " ذكر شيخ الإسلام: أن الفاسق لا يكون كفؤا للعدل عند أبي حنيفة، وإن لم يعلن الفسق.

[الكفاءة في المال في النكاح]
م: (وتعتبر) ش: أي الكفاءة م: (في المال وهو) ش: أي الاعتبار في المال م: (أن يكون مالكا للمهر والنفقة) ش: يتناول الكسوة، لأنهما مما ينفق على الزوجة م: (وهذا) ش: أي كونه مالكا للمهر والنفقة م: (هو المعتبر في ظاهر الرواية، حتى إن من لم يملكهما) ش: أي المهر والنفقة.
م: (أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا لأن المهر بدل البضع، فلا بد من إيفائه وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه) ش: فلا بد من ذلك، وقيل: إن كان الرجل ذا جاه كالسلطان والعالم فهو كفء وإن لم يملك النفقة.

(5/115)


والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله، لأن ما وراءه مؤجل عرفا. وعن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر؛ لأنه تجري المساهلة في المهر، ويعد المرء قادر عليه بيسار أبيه. فأما الكفاءة في الغني فمعتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد _ رحمهما الله _ حتى إن الفائقة في اليسار لا يكافئها القادر على المهر والنفقة؛ لأن الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الذخيرة ": إن قدر على نفقتها بالتكسب ولم يقدر على المهر، اختلفوا فيه، وأكثرهم على أنه لا يكون كفؤا، وذكر هشام عن أبي يوسف أنه يكون كفؤا وكذا روى عن محمد. وفي " جوامع الفقه ": ومن قدر على المهر والنفقة شهرا فهو كفء.
م: (والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله، لأن ما وراءه مؤجل عرفا) ش: أي من حيث العرف، وليس بمطالب به، فلا تسقط الكفاءة كذا في " المجتبى ".
قلت: وفي عرف أهل خوارزم كله يؤجل فلا يعتبر القدرة عليه بيسار أبيه، لأن الآباء لا يتحملون المهور عن الأولاد دون النفقة الدارة.
م: (وعن أبي يوسف أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر) ش: هذا غير ظاهر الرواية، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف أنه قال: الكفء الذي يقدر على المهر والنفقة فإن كان يملك المهر دون النفقة قال: ليس بكفء. قلت: فإن ملك النفقة دون المهر قال: يكون كفؤا، وعن أبي حنيفة، ومحمد، وبعض أصحاب الشافعي مثل قول أبي يوسف.
وفي " جامع شمس الأئمة ": المعتبر نفقة سنة، وقيل نفقة شهرين. وفي " المحيط ": إذا صلحت للجماع وإلا فلا تعتبر القدرة على النفقة كالصغيرة جدا، والصبي كفء أبيه وهو الصحيح. ولو كان له ألف درهم دين وزوج امرأة بألف فهو كفء لها في قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال بعض الشافعية في الأظهر. م: (لأنه تجري المساهلة في المهور) ش: أي لأن اليسار يجري التسهيل والتأجيل في المهر م: (ويعد المرء قادرا عليه) ش: أي على المهر م: (بيسار أبيه) ش: ولا يعد قادرا على النفقة بيسار الأب، وفي " الذخيرة ": إذا كان يجد نفقتها، ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء، وفي " منية المفتي " من لم يملك النفقة فلا يكون كفؤا موسرة كانت المرأة أو فقيرة م: (وأما الكفاءة في الغني فمعتبرة عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وفي أكثر النسخ، وفي قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال بعض الشافعية م: (حتى إن الفائقة) ش: أي المرأة الفائقة.
م: (في اليسار لا يكافئها القادر على المهر والنفقة لأن الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر) ش: وهذا القول مذكور عنهما في غير رواية الأصل، وفي كتاب " النكاح ": لا يشترط إلا القدرة على المهر والنفقة.
وقال الإمام السرخسي في " مبسوطه " وصاحب " الذخيرة ":، والأصح أن ذلك لا يعتبر؛

(5/116)


وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يعتبر؛ لأنه لا ثبات له إذ المال غاد ورائح، ويتتبر في الصنائع، وهذا عند أبي يوسف ومحمد _ رحمهما الله _ وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان
وعن أبي يوسف أنه لا يعتبر في النكاح إلا أن يفحش كالحجام والحائك والدباغ والكناس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن كثرة المال مذمومة في الأصل، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلك المكثرون إلا من قال بملكه هكذا وهكذا» أي تصدق به.
م: (وقال أبو يوسف: لا يعتبر؛ لأنه لا ثبات له) ش: أي لأن الغني لا ثبات له م: (إذ المال غاد ورائح) ش: أي لأن المال لا يستمر في يد شخص؛ لأنه يروح ويأتي، وكم من شخص يمسي غنيا، ويصبح فقيرا، وبالعكس.
م: (وتعتبر) ش: أي الكفاءة م: (في الصنائع) ش: أي الحرف م: (وهذا) ش: أي اعتبار الكفاءة م: (عند أبي يوسف ومحمد) ش: هكذا في أكثر النسخ، وهكذا أورد شيخ الإسلام خواهر زاده ذكر فخر الإسلام أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال السغناقي، والشافعي، حتى لا يكون الحجام والكناس والدباغ كفؤا للبزاز والعطار، أما العطار فهو كفء للبزاز.
م: (وعن أبي حنيفة في ذلك) ش: أي في اعتبار الكفاءة في الصنائع م: (روايتان) ش: أظهرهما أنه لا يعتبر حتى لا يكون العطار كفؤا للعطار، وهو رواية عن محمد، وعنه في رواية: الموالي بعضهم أكفاء بعض إلا الحائك والحجام.

م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي الكفء م: (لا يعتبر في النكاح إلا أن يفحش كالحجام والحائك والدباغ والكناس) ش: وفي " الغاية ": الكناس، والحجام، والدباغ، والحارس، والسايس، والراعي، ويقيم أي البلان في الحمار ليس كفؤا لبنت الخياط ولا الخياط لبنت البزاز والتاجر ولا هما لبنت العالم والقاضي، [و] الحائك ليس بكفء لبنت الدهقان وإن كانت فقيرة. وقيل: هو كفء،

[الكفاءة في العقل في النكاح]
وأما الكفاءة في العقل، وقد قال في " المحيط " و " المبسوط ": لا رواية فيها عن المتقدمين من أصحابنا، ثم قيل: تعتبر، فلا يكون المجنون كفؤا للعاقل، لأن الجنون يفوت مقاصد النكاح، فهذا أشد من الفقر، ودناءة الحرفة، وقيل: لا تعتبر، لأن الجنون بمنزلة

(5/117)


وجه الاعتبار أن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها. وجه القول الآخر أن الحرفة ليست بلازمة، ويمكن التحول عن الخسيسة إلى النفيسة منها. قال: وإذا تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها، وقالا: ليس لهم ذلك، وهذا الوضع إنما يصح على قول محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ على اعتبار قوله المرجوع إليه في النكاح بغير الولي، وقد صح ذلك وهذه شهادة صادقة عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرض، وسائر الأمراض لا تثبت الكفاءة، وكذا الجنون.
وفي " المرغيناني ": لا يكون المجنون كفؤا للعاقلة، وعند بقية الأئمة هو من العيوب التي يفسخ النكاح بها. وفي " المحيط " وغيره: وهنا جنس خامس أخس من الكل، وهو الذي يخدم الظلمة أي يدعى: شاكردا.
قلت: وفي مصر جنس سادس أخس من كل جنس، وهم الطائفة الذين يسمون السرابانية وأنهم ينظفون الحيض وبيوت الخلاء، وينظفون أوساخ الناس.
م: (وجه الاعتبار) ش: أي اعتبار الكفاءة في الصنائع م: (أن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها) ش: أي دناءة الحرف، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الناس أكفاء إلا الحائك والحجام» ، كذا ذكره الكاكي، والله أعلم بصحته.
م: (وجه القول الآخر) ش: وهو عدم الاعتبار م: (أن الحرفة ليست بلازمة) ش: لا تنفك من الرجل م: (ويمكن التحول عن الخسيسة) ش: أي عن الحرفة الخسيسة م: (إلى النفيسة) ش: أي إلى الحرفة الشريفة م: (منها) ش: أي من الحرف بخلاف النسب؛ لأنه صفة لازمة، والفقر كذلك لا يفارقه عادة.
م: (قال: وإذا تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها) ش: أي بما لا يتغابن الناس في مثله م: (فللأولياء الاعتراض عليها _ عند أبي حنيفة _، حتى يتم لها مثلها أو يفارقها) ش: ولا تكون الفرقة طلاقا، لأنها ما وقعت من قبل الزوج، ولا يكون لها المهر إن كانت الفرقة قبل الدخول وبعده لها المسمى.
م: (وقالا: ليس لهم ذلك) ش: أي الاعتراض م: (وهذا الوضع) ش: أي وضع القدوري _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ هذه المسألة على هذا الوجه م: (إنما يصح على قول محمد، على اعتبار قوله المرجوع إليه في النكاح بغير الولي وقد صح ذلك) ش: أي الرجوع م: (وهذه) ش: أي المسألة م: (شهادة صادقة عليه) ش: أي على رجوع محمد إلى قولهما في النكاح بغير ولي، فإنه لو لم يصح نكاحها بغير الولي لم يقل: ليس لهم الاعتراض.
وقال الأكمل: أقول: هذا إنما يستقيم إن يعين هذا الوضع في النكاح بغير ولي وليس

(5/118)


لهما أن ما زاد على العشرة حقها، ومن أسقط حقه لا يعترض عليه، كما بعد التسمية. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهور ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة، بخلاف الإبراء بعد التسمية؛ لأنه لا يتعير به.
وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير، وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه، ومعنى هذا الكلام أنه لا يجوز العقد عندهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك، فإنه لو أذن لها الولي بالزواج ولم يسم مهرا فقدت على هذا الوجه صح وضع المسألة على قول محمد الأول، وكذلك لو أكره السلطان امرأة ووليها على تزويجها بمهر قليل ففعل، ثم زال الإكراه ورضيت المرأة دون الولي ليس له ذلك في قول محمد الأول، فلم يكن هذا في هذا الموضع دلالة على رجوع محمد إلى قولهما، انتهى.
قلت: هذا كله خلاصة ما قاله صاحب " النهاية " وغيره، وقال صاحب " الأسرار ": تأويل المسألة فيما إذا أكرهت المرأة والولي على أن يزوجها بأقل من مهر مثلها، ثم زال الإكراه ورضيت، ويأبى الولي، فليس له ذلك عندهما، ثم قال: أو طلبت من الولي التزويج بأقل من مهر مثلها لم يجبر الولي.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن ما زاد على العشرة حقها) ش: لأنها تملك إسقاطه وإثباته م: (ومن أسقط حقه لا يعترض عليه كما بعد التسمية) ش: يعني لو أبرأت بعد تسمية المهر لا يكون للولي الاعتراض، لأنه بدل بضعها، فلها التصرف فيه كيف شاءت.
م: (ولأبي حنيفة أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهور ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة) ش: أي في التعيير، فلم الاعتراض؟ م: (بخلاف الإبراء بعد التسمية) ش: جواب عن قولهما: بعد التسمية م: (لأنه لا يتعير به) ش: لأنه إبراء وهبة، وهذا من باب المروءة، فليس لهم اعتراض، وعند الشافعي ومالك وأحمد: لا يتصور الخلاف في هذه المسألة لانتفاء جواز النكاح بدون الولي عندهم.

[زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها]
م: (وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير) ش: أي زوج ابنه الصغير م: (وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما) ش: أي جاز النقصان على الصغير، والزيادة على الصغير عليهما، أي على الصغير والصغيرة م: (ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا) ش: أي جواز الزيادة والنقصان م: (عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك وأحمد في الأب.
م: (وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه) ش: وبه قال الشافعي والظاهرية، فعندهم لا يجوز إلا بمهر المثل، وتكميل النقص يسقط الزيادة م: (ومعنى هذا الكلام) ش: أي كلام الصاحبين م: (أنه لا يجوز العقد عندهما) ش: إنما قال ذلك لأن عند بعض أصحابنا أصل

(5/119)


لأن الولاية مقيدة بشرط النظر، فعند فواته يبطل العقد، وهذا لأن الحط عن مهر المثل ليس من النظر في شيء، كما في البيع، ولهذا لم يملك ذلك غيرهما. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الحكم يدار على دليل النظر، وهو قرب القرابة، وفي النكاح مقاصد تربو على المهر أما المالية هي المقصودة في التصرف المالي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح صحيح , ولا يجوز الحط والزيادة، وبه قال الشافعي، وترد إلى مهر المثل؛ لأن المانع من قبل المسمى، وفساده لا يمنع صحة النكاح، كما لو كان المسمى خمرا؛ لأنه ذكر في الكتاب، لا يجوز عندهما مطلقا، فحمله البعض على ذلك والأصح أن النكاح باطل عندهما، كما في غير الأب والجد م (لأن الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته) ش: بعد فوات النظر م: (يبطل العقد) ش: من الأصل، كالمأمور بالعقد بشرط يبطل عقده إذا عدم الشرط.
م: (وهذا) ش: أي بطلان العقد م: (لأن الحط عن مهر المثل ليس من النظر في شيء، كما في البيع) ش: يعني إذا باع بأقل من قيمته، وكان بحيث لا يتغابن الناس في مثله فإذا لا يجوز العقد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيد الولاية بالنظر م: (لم يملك ذلك) ش: أي المذكور من حط مهر المثل والزيادة عليه م: (غيرهما) ش: أي غير الأب والجد بالاتفاق.
م: (ولأبي حنيفة أن الحكم يضار على دليل النظر) ش: والنظر والضرر في هذا العقد باطنا، لكن النظر دليل عليه م: (وهو قرب القرابة) ش: الداعية إليه وهو موجود ها هنا فيترتب عليه الحكم وهو جواز النكاح م: (وفي النكاح مقاصد) ش: تقرير هذا الكلام أن المقصود من النفقة ليس حصول المال البتة؛ لأن في النكاح مقاصد سوى المال الذي هو المهر م: (تربو) ش: أي تزيد م: (على المهر) ش: من الكمالات المطلوبة في الإحسان [ ... ] .
والظاهر أنه قصر في الصداق لتوفير سائر المقاصد، التي هي أنفع لها من الصداق، فإنه يدل على اشتماله على المصلحة، فصار كالوصي إذا مانع بمال اليتيم جاز وتلك بحصول النظر وإن كان في الظاهر إتلاف مال اليتيم، وكان تصرف الأب في هذا واقعا بشرط النظر حتى إذا علم سوء الاختيار منه بخيانة أو فسق كان عنده باطلا وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - على صداق خمسمائة زوجها أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وزوج فاطمة من علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن صداق أربعمائة درهم، ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلهما؛ لأنهما مجمع الفضائل فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار م: (أما المالية هي المقصودة في التصرف المالي) ش: هذا جواب عن قولهما: كما في البيع، تقريره قياسهما على البيع غير صحيح؛ لأن المالية هي المقصودة في التصرفات المالية، فإذا فسد لم يكن شيء في مقابلتها يجبر به خلل الغبن الفاحش، فلهذا يثبت الاعتراض.

(5/120)


الدليل عدمناه في حق غيرهما.
ومن زوج ابنته وهي صغيرة عبدا، أو زوج ابنه وهو صغير أمة فهو جائز. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، لأن الإعراض عن الكفاءة لمصلحة تفوقها، وعندهما هو ضرر ظاهر لعدم الكفاءة، فلا يجوز، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المجتبى " قيل: لا يجوز بيع الأب مال ابنه الصغير بغبن فاحش، فلا يجوز النكاح بالطريق الأولى، وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد، وفي قول مثل قول أبي حنيفة لكن لها الخيار إذا بلغت، أما لو زوج ابنه الصغير بأمة لا يجوز عند الشافعي ومالك وأحمد؛ لعدم خوف العنت، ولو زوج ابنه الصغير لا يثبت المهر في ذمة الأب، بل يثبت في ذمة الابن عندنا سواء كان الأب موسرا أو معسرا، وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد.
وقال الشافعي: يثبت في ذمة الأب، وبه قال حماد شيخ أبي حنيفة، وقال مالك والليث: في الابن المعسر على الأب، وهو رواية عن أحمد.
م: (الدليل عدمناه في حق غيرهما) ش: هذا جواب عن قولهما: فلهذا لا يملك ذلك غيرهما، وأراد بالدليل وفور الشفقة، وتقريره أن الدليل الدال على النظر معدوم في حق غير الأب والجد، فلذلك لا يجوز لغيرهما. وقوله: والدليل، مرفوع على الابتداء أو خبره قوله: عدمناه ويجوز أن يكون والدليل منصوبا بفعل مقدر يفسره الظاهر تقديره وعدمنا الدليل، فهذا حتى لا يجتمع المفسر والمفسر.

[زوج ابنته وهي صغيرة عبدا]
م: (ومن زوج ابنته وهي صغيرة عبدا، أو زوج ابنه وهو صغير أمة فهو جائز) ش: الواو في وهي صغيرة للحال، وكذا الواو في قوله: وهو صغير، وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يجوز له تزويج ابنه الصغير أمة لعدمية خوف العنت على أصلهم، فلا تتزوج المعيبة على المذهب، ويجوز له تزويج من لا يكافئه في الخصال على الأصح، ذكره في " المنهاج " وفيه: لو زوجها السلطان من غير كفء وليس لها ولي لم يصح في الأصح.
م: (قال) ش: المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي الجواز عند أبي حنيفة م: (أيضا، لأن الإعراض عن الكفاءة لمصلحة تفوقها) ش: أي لمصلحة تفوق نفعها، وقدره الأب بفوات الكفاءة فلا اعتراض حينئذ في ذلك م: (وعندهما هو ضرر ظاهر لعدم الكفاءة فلا يجوز) ش: والتعليل من الجانبين نظير التعليل من المسألة السابقة فافهم.

(5/121)


فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز. وإذا أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه، فعقد بحضرة شاهدين جاز، وقال زفر والشافعي: - رحمهما الله -: لا يجوز. لهما أن الواحد لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا، كما في البيع، إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: في الولي ضرورة؛ لأنه لا يتولاه سواه، ولا ضرورة في الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها]
م: (فصل في الوكالة بالنكاح وغيرهما) ش: أي: هذا فصل في بيان حكم الوكالة بالنكاح وغيرها، أي غير الوكالة كنكاح الفضولي والولي، لأن هذا الفصل يشتمل على أحكام الوكيل والفضولي والولي، ولو كانت الوكالة فرعا من الولاية من حيث إن تصرف الوكيل ينفذ على الموكل كتصرف الولي على المولى عليه، ناسب ذكرها في باب الأولياء في فصل على حدة.
م: (ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه) ش: أي بنت عمه الصغيرة بغير إذنها، والبالغة بإذنها صورته أن يقول: اشهدوا أني زوجت بنت عمي فلانة بنت فلان بن فلان من نفسي، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، وأبو ثور، والظاهرية. وقال السروجي: وإليه ذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين، وإسحاق، واختاره أبو بكر بن المنذر م: (وقال زفر: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي.
م: (وإذا أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه، فعقد بحضرة شاهدين جاز) ش: أي ذلك عندنا م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز) ش: وقال أحمد: يرد أمرها إلى غيره ليزوجها، وقال قتادة وابن العذري: يزوجها منه ابن عم هو أبعد منه، وهكذا الخلاف في الوكيل إذا زوجها من نفسه، وقال الشافعي: لا يجوز ذلك أي إلا في أحد الوجهين.
م: (لهما) ش: أي لزفر، والشافعي، إنما جمع بين دليل زفر والشافعي لاشتراكهما في معنى وهو م: (أن الواحد لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا) ش: بشيء واحد في زمن واحد م: (كما في البيع) ش: يعني يوكل المشتري البائع بأن يبيع سلعة من نفسه، لا تصح هذه الوكالة، ولا هذا البيع، أو وكل زيد رجل مثلا بشراء شيء بعينه، ووكل صاحب العين ذلك الرجل أيضا بأن يبيعه من زيد لا يجوز، كما أن الواحد يصير مملكا ومتملكا.
م: (إلا أن الشافعي يقول) ش: أشار بالاستثناء إلى أن دليل الشافعي وزفر وإن كان مشتركا في المعنى المذكور ولكنه استثنى الولي؛ لأن مذهبه فيه كمذهبنا حيث يقول: م: (في الولي ضرورة، لأنه لا يتولاه سواه) ش: أي لأن العقد لا يتولاه سوى الولي؛ لأن عبارة النساء غير صحيحة عنده م: (ولا ضرورة في الوكيل) ش: ولأن في تقييد العقد بعبارة الولي ضرورة ولا

(5/122)


ولنا أن الوكيل في النكاح معبر وسفير، والتمانع في الحقوق دون التعبير، ولا ترجع الحقوق إليه بخلاف البيع؛ لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه. وإذا تولى طرفيه فقوله: زوجت يتضمن الشطرين، فلا يحتاج إلى القبول.
قال: وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوف، فإن أجاز المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك لو زوج رجل امرأة بغير رضاها، أو رجلا بغير رضاه، وهذا عندنا، فإن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضرورة في الوكيل، لأن أكثر ما في الباب أن يأمر غيره من أحد الجانبين صورة قائما مقامه، وهو الولي من الجانبين شرعا، فيملك مباشرة العقد.
م: (ولنا أن الوكيل في النكاح معبر وسفير) ش: والواحد يجوز أن يكون معبرا عن اثنين، والسفير في اللغة: المصلح بين القوم، كذا في " الديوان ".
وقال ابن دريد في " كتاب الجمهرة ": السفير بين القوم الماشي بينهم في الصلح م: (والتمانع) ش: أي النافي م: (في الحقوق) ش: وهو كونه مطالبا ومسلما ومسلما، ومخاصما ومخاصما م: (دون التعبير) ش: أي الولي يصلح أن يكون معبرا بين اثنين كما ذكرنا، فإن العبارة ينعقد إليهما، فيصير العقد بين شخصين، فلا يؤدي إلى أحكام مضادة م: (ولا ترجع الحقوق إليه) ش: أي إلى الوكيل، لأنه معبر لا مباشر م: (بخلاف البيع، لأنه) ش: أي لأن الوكيل في البيع م: (مباشر حتى رجعت الحقوق إليه) ش: أي حقوق عقد البيع من مطالبة الثمن وتسليم المبيع، والقيام بالعهدة وغيرها، كل ذلك يرجع إلى الوكيل في البيع.
م: (وإذا تولى طرفيه ش: أي إذا تولى طرفي العقد م: (فقوله: زوجت يتضمن الشطرين) ش: أي قول الوكيل: زوجت فلانة من فلان يقوم مقام شطري العقد، وهما الإيجاب والقبول ولا يحتاج إلى القبول؛ لأن الواحد قام مقام اثنين، قامت عبارته الواحدة أيضا مقام عبارتين م: (فلا يحتاج إلى القبول) ش:.

[تزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما]
م: (قال) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": م: (وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوف، فإن أجاز المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك) ش: أي كذلك موقوف م: (لو زوج رجل امرأة بغير رضاها أو رجلا) ش: أي أو زوج رجل رجلا م: (بغير رضاه وهذا عندنا) ش: أي كون العقد موقوفا على الإجازة مذهب أصحابنا م: (فإن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز) ش: أي للعقد مجيز رأي قابل يقبل الإيجاب، سواء كان فضوليا آخر أو وكيلا وأصيلا حالة الوقوع كالبيع والنكاح والإجارة ونحوها، وإنما قيد بقوله: وله مجيز لأنه إذا لم يكن له مجيز كما إذا زوج الفضولي يتيمة يتوقف العقد. فإن قلت: السلطان مجيز، وكذا القاضي فينبغي أن يتوقف العقد.

(5/123)


انعقد موقوفا على الإجازة.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصرفات الفضولي كلها باطلة؛ لأن العقد وضع لحكمة، والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فتلغو. ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله، ولا ضرر في انعقاده، فينعقد موقوفا، حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: يمكن فرض المسألة في موضع لا سلطان فيه، ولا قاضي كدار الحرب مثلا، ومن تصور تزويج عبد المكاتب حيث لا يتوقف بل يبطل لعدم المجيز، لأن النكاح عيب وليس بكسب، ولا يجوز إجازة المكاتب، وكذا إجازة المولى، لأنه أجنبي عن كسب المكاتب.
م: (انعقد موقوفا على الإجازة) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية، وقال أبو عمر في " التمهيد ": لم يختلف قول مالك وأصحابه في العبد يتزوج بغير إذن سيده، إذ السيد بالخيار إن شاء أجازه، وإن شاء فسخه.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: الأمر عندنا بالمدينة على هذا. وقال إسماعيل القاضي: وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والشعبي، والحكم، وجعل مالك التفرقة طلاقا، وأجازوا توقف البيع على إجازة المالك، وأجمعوا على توقيف الوصية على قبول الموصي له.

[تصرفات الفضولي في النكاح]
م: (وقال الشافعي: تصرفات الفضولي كلها باطلة) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (لأن العقد وضع لحكمة) ش: بناء على المقاصد الأصلية هو الحكم م: (والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فتلغو) ش: وإلا لجاز للناس تمليك أموال الناس للناس، وفيه من الفساد ما لا يخفى، وإذا كان لا يقدر كان كلامه لغوا.
م: (ولنا أن ركن التصرف) ش: وهو الإيجاب والقبول م: (صدر من أهله) ش: وهو العاقل البالغ حال كونه م: (مضافا إلى محله) ش: وهو الأنثى من بنات آدم، ليست بمحرم، ولا معتدة، ولا مشركة، ولا زائدة على العدد المنصوص م: (ولا ضرر في انعقاده) ش: أي في انعقاد التصرف لكونه غير لازم م: (فينعقد موقوفا) ش: كيلا يلحق الضرر بالغائب م: (حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه) ش: وإلا أبطله.
م: (وقد يتراخى حكم العقد عن العقد) ش: وهو جواب عن قول الشافعي: لأن العقد قد وضع لحكمة، هذا قول بالموجب، يعني سلمنا ذلك، لكن الحكم هنا لم يعدم، بل أخر إلى الإجازة، والحكم قد يتراخى عن العقد كالبيع بشرط الخيار، فإن لزومه متراخ إلى سقوط الخيار، ثم أبعد إذا سمها، ثم أجاز المولى النكاح يلزمه مهر المثل بالدخول، ومهر آخر بالإجازة قياسا، لأن الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في النكاح الفاسد.
وفي الاستحسان يلزمه مهر واحد؛ لأن مهر المثل إنما يلزمه بالعقد، فلولاه للزم الحد، والمسمى أيضا يلزمه بحكمة العقد، فلو لزم المهران للزم في العقد الواحد مهران، وذا لا

(5/124)


ومن قال: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة، فبلغها الخبر فأجازت فهو باطل، وإن قال آخر: اشهدوا أني زوجتها منه فبلغها الخبر فأجازت جاز، وكذلك إن كانت المرأة هي التي قالت جميع ذلك، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زوجت نفسها غائبا فبلغه فأجازه جاز. وحاصل هذا أن الواحد لا يصلح فضوليا من الجانبين، أو فضوليا من جانب وأصيلا من جانب عندهما، خلافا له،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز، وفي: النهاية " عقد الوكيل عند غيبة الموكل إنما تصح إذا عرفه باسمه ونسبه، والتعاريف زوجها من نفسه بأمرها، وقال: اشهدوا أن فلانة وكلتني أن أزوجها من نفسي، ولم ينسبها ولم يعرفها الشهود ينفذ فيما بينه وبين الله تعالى.
وفي " النوازل ": إن لم ينسبها ولم يعرفها الشهود لا يجوز النكاح، لأن الغائب إنما يعرف بالتسمية، ألا ترى أنه لو قال: زوجته امرأة قد وكلتني لا يجوز، وفي " شرح القاضي ": لو كانت منقبة لا يعرفها، ولا يعرفها الشهود، فعن الحسن وبشر لا يجوز ما لم ترفع نقابها ويراها الشهود، ذكره الإمام التمرتاشي.

[قال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة فبلغها الخبر فأجازت]
م: (ومن قال: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة، فبلغها الخبر فأجازت) ش: أي أجازت المرأة ما قاله الرجل في غيبتها م: (فهو باطل) ش: عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف م: (وإن قال آخر) ش: أي وإن قال فضولي آخر في هذه المسألة م: (اشهدوا أني قد زوجتها منه) ش: أي قد تزوجت فلانة التي قال الرجل اشهدوا أني قد زوجتها منه م: (فبلغها الخبر) ش: أي المرأة م: (فأجازت جاز) ش: أي العقد، والفرق بين المسألتين أن الأولى لا مجيز لها فبطل ولا يتوقف، والثانية لها مجيز فيتوقف لما مر أن شرط التوقف وجود المجيز.
م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يجوز م: (إن كانت المرأة هي التي قالت في جميع ذلك) ش: يعني إذا قالت المرأة في جميع ذلك: اشهدوا أني قد تزوجت فلانا، وخاطب عنه واحدا في المجلس، فقال زوجته: إياك، فبلغه الخبر فأجاز فهو جائز لوجود المجيز م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أي جميع ما ذكر قول أبي حنيفة ومحمد.
م: (وقال أبو يوسف: إذا زوجت نفسها غائبا فبلغه الخبر) ش: أي بلغ الغائب تزوجها نفسها إياه م: (فأجازه) ش: أي فأجاز الغائب ذلك م: (جاز) ش: أي العقد، وتجويز أبي يوسف المسألة في هذه الصور كلها.
م: (وحاصل هذا) ش: أي حاصل ما ذكره من الصور م: (أن الواحد لا يصلح فضوليا من الجانبين، أو فضوليا من جانب وأصيلا من جانب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(5/125)


ولو جرى العقد بين الفضوليين، أو بين الفضولي والأصيل جاز بالإجماع. هو يقول: لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ، فإذا كان فضوليا يتوقف وصار كالخلع، والطلاق، والإعتاق على مال. ولهما أن الموجود شطر العقد، لأنه شطر حالة الحضرة فكذا عند الغيبة، وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس، كما في البيع، بخلاف المأمور من الجانبين، لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين وما جرى بين الفضوليين عقد تام، وكذا الخلع واختار؛ لأنه تصرف يمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجمع أصحابنا أن الواحد يصلح وكيلا من جانب، أصيلا من جانب، وكيلا من الجانبين، ووليا من جانب أصيلا من جانب ووكيلا من الجانبين، ووليا من جانب أصيلا من جانب، ووليا من جانب وكيلا من جانب في النكاح، وهل يصلح فضوليا من الجانبين وفضوليا من جانب، ووليا من جانب، أو فضوليا من جانب ووكيلا، أو فضوليا من جانب أصيلا من جانب، حتى يتوقف العقد على الإجازة، فعند أبي حنيفة ومحمد: لا يصلح ولا يتوقف، وعند أبي يوسف: يصلح ويتوقف، أما كون الواحد أصيلا من الجانبين فهو محال.

[العقد بين الفضوليين أو بين الفضولي والأصيل في النكاح]
م: (ولو جرى العقد بين الفضوليين، أو بين الفضولي والأصيل جاز بالإجماع) ش: هاتان صورتان لا خلاف فيهما، وهما ظاهرتان م: (هو) ش: أي أبي يوسف م: (يقول: لو كان) ش: أي الفضولي م: (مأمورا من الجانبين ينفذ، فذا كان فضوليا) ش: يعني بغير أمر م: (يتوقف) ش: لأن كلام الواحد عقد تام في النكاح، باعتبار الإذن ابتداء، فكذا باعتبار الإجازة انتهاء؛ لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة م: (وصار كالخلع) ش: فإن الزوج إذا قال: خالعت امرأتي على كذا وهي غائبة، فبلغها الخبر، فقبلت في مجلس علمها جاز بالاتفاق م: (والطلاق) ش: أي كالطلاق على مال م: (والإعتاق) ش: أي كالإعتاق م: (على مال) ش: يرجع إلى الطلاق والعتاق جميعا كما فسرناه.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الموجود شطر العقد) ش: أي نصفه م: (لأنه شطر) ش: أي لأن الموجود منه شطر م: (حالة الحضرة) ش: أي حالة كونه حاضرا حتى ملك الرجوع قبل قبول الآخر، ويبطل بالقيام قبل قبول الآخر، ولو كان عقدا تاما لبطل.
م: (وشطر العقد لا يتوقف على ما رواه المجلس، كما في البيع) ش: كما إذا قال الرجل: بعت عبدي من فلان ولم يقبل عن المشتري أحدا، وقال: اشتريت عبد فلان ولم يقبل عن البائع أحدا، وقال: بعت فلان ولم يقبل عنهما أحدا، فلما لم يتوقف لم ينفذ بالإجازة اللاحقة بعد المجلس م: (بخلاف المأمور من الجانبين، لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين) ش: فيصير كالكلامين م: (وما جرى بين الفضوليين عقد تام) ش: لوجود الإيجاب والقبول، إلا أنه لا ينفذ في الحال، بل يتوقف على إجازة المعقود له كيلا يلحق الغرر.
م: (وكذا الخلع، واختار) ش: أي الطلاق على مال، والإعتاق عليه م: (لأنه تصرف يمين

(5/126)


من جانبه حتى يلزم فيتم به. ومن أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه اثنتين في عقدة لم تلزمه واحدة منهما، لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة، ولا إلى التنفيذ في إحداهما غير عين للجهالة، ولا إلى التعيين، لعدم الأولية فتعين التفريق
ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من جانبه) ش: ولهذا كان لازما لا يقبل الرجوع وهو معنى قوله: م: (حتى يلزم فيتم به) ش: أي بالحالف؛ لأن اليمين لا يتم إلا بالحلف فكان عقدا تاما، وإنما كان من جانبه؛ لأن الخلع من جانبها معاوضة على ما سيجيء إن شاء الله تعالى، وإنما قال: تصرف يمين؛ لأنه كان قال: إن قبلت ألف درهم فهي طالق، وإن قبل له فهو حر، والقبول شرط وقوع الطلاق، والعتاق، لا شرط العقد.
م: (ومن أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه اثنتين في عقدة واحدة لم تلزمه) ش: أي الأمر م: (واحدة منهما) ش: أي من الثنتين م: (لأنه لا وجه إلى تنفيذهما) ش: أي تنفيذ العقد في الثنتين م: (للمخالفة، ولا إلى التنفيذ) ش: أي تنفيذ العقد م: (في إحداهما) ش: حال كونه م: (غير عين) ش: أي غير معينة م: (للجهالة) ش:؛ لأن النكاح في المجهولة يكون معلقا بشرط البيان، ولا يجوز تعليق ملك النكاح بالأخطاء م: (ولا إلى التعيين) ش: أي لا وجه أيضا إلى تعيين واحدة منهما م: (لعدم الأولية) ش: لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى، فإن كان الأمر كذلك م: (فتعين التفريق) ش: وفي المسألة قيود: الأول: أنه أمره بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين، فلو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة واحدة فزوجه واحدة جاز، إلا إذا قال: لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة فحينئذ لا يجوز.
والثاني: أنه أمره أن يزوجه امرأة ولم يعينها، فلو عينها، فزوجه أخرى معها يلزمه المعينة.
والثالث: أن الوكيل زوجه اثنتين في عقدة واحدة، لأنه لو زوجه في عقدتين لزمه الأولى، ونكاح الثانية موقوف على الإجازة، لأنه فضولي عنه.
والرابع: قال: لم يلزمه واحدة منهما: وأبو يوسف يقول: أولا لا يصح أحدهما بغير عينها منكوحة، كما لو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا.
قال شمس الأئمة السرخسي: وهذا ضعيف، لأنه ليس كالطلاق لاحتمالهما التعليق بالشرط دون النكاح، وما لا يحتمل التعليق بالشرط لم يثبت في المجهول؛ لأنه تعلق بالبيان بخلاف الطلاق.

[أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره]
م: (ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة) ش: قيد بالأمير وحكم غيره كذلك، وقال الإمام المحبوبي: وعلى هذه الخلاف إذا لم يكن أميرا م: (فزوجه) ش: الوكيل م: (أمة لغيره) ش: أو

(5/127)


جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوعا إلى إطلاق اللفظ، وعدم التهمة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا يجوز، إلا أن يزوجها كفؤا؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف، وهو التزوج بالأكفاء. قلنا: العرف مشترك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حرة عمياء أو مقطوعة اليدين، قال الكاكي: أو مفلوجة، أو مجنونة فعلى هذا كان قيد الأمير اتفاقا، وقيل: قيد به، لأن الكفاءة في جانب النساء لا الرجال مستحسنة في الوكالة عندهما، أما لو زوجه صغيرة لا تشتهى يجوز بالإجماع، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وهي بنت ست سنين، انتهى.
قلت: الظاهر أن ذكره بالأمير موافقة للفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة في مسائل " الجامع الصغير " روى محمد، عن يعقوب، عن أبي حنيفة في أمير من أمراء قريش أمرني أن أزوجه امرأة فزوجته أمة لغيره قال: جاز.
وقال الأترازي: إنما وضع المسألة أبو حنيفة في نفسه واضعا، حيث جعل نفسه مأمورا، ولا يتفاوت الحكم بين أن يكون الموكل أميرا، أو غير أمير، قرشيا أو غير قرشي بعد أن يكون حرا، فزوجه أمة لغيره إنما قيد بقوله: أمة لغيره، إذا لو زوجه أمة نفسه لا يجوز بالإجماع لمكان التهمة، ذكره في " جامع قاضي خان ".
م: (جاز عند أبي حنيفة) ش: أي جاز التزويج فلا يرد م: (رجوعا إلى إطلاق اللفظ) ش: لأن لفظ امرأة مطلق، يقع على الحرة والأمة جميعا م: (وعدم التهمة) ش: أي رجوعا إلى عدم التهمة؛ لأن الأمة ليست للوكيل فلا يتهم.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز إلا أن يزوجه كفؤا) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، أما عندهم فلطول الحرة، وأما عندهما فلصرف الإطلاق إلى التعارف، كنقد البلد، والمتعارف تزويج الكفء، وهو معنى قوله: م: (لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف، وهو التزويج بالأكفاء) ش: وفي " قاضي خان ": دلت المسالة على الكفاءة في جانب النساء معتبرة عندهما أيضا.
وفي " المحيط ": الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة عند أبي حنيفة وبه قال الشافعي، وأحمد، وعندهما معتبرة استحسانا، وقيل: غير معتبرة عندهما بلا خلاف، وإنما لا يجوز في غير الكفء في هذه الصورة باعتبار المتعارف، لا باعتبار الكفاءة، وجب ألا يجوز عندهما قياسا واستحسانا، وعند الشافعي: زوجه الوكيل بامرأة مجهولة لا يصح في قول، ويصح في قول، وينصرف إلى المتعارف.
م: (قلنا: العرف مشترك) ش: يعني كما هو مستعمل فيما قلتم مستعمل عندنا، فإن

(5/128)


أو هو عرف عملي، فلا يصلح مقيدا. وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما، لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوج، فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأشراف كما يتزوجون الحرائر يتزوجون الإماء للتسهيل م: (أو هو عرف عملي) ش: أي من حيث العمل والاستعمال، لا من حيث اللفظ، وبيانه أن العرف على نوعين: لفظي نحو الدابة يعتبر لفظا بالفرس، ونحو المال بين العرب بالإبل، وعرف عملي أي من حيث إن عمل الناس، كذا كل سهم الجديد يوم العيد وأمثاله م: (فلا يصلح مقيدا) ش: أي للإطلاق، لأن إطلاق اللفظ عرف لفظي، والتقييد يقابله، ومن شرط التقابل اتحاد المحل الذي يرد عليه.
م: (وذكر) ش: أي محمد م: (في) ش: كتاب م: (الوكالة) ش: في الأصل م: (أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما) ش: أي أن اعتبار الكفاءة في النساء للرجال استحسان عند أبي يوسف ومحمد، وأما اعتبار الكفاءة في الرجال لا النساء فهو بالاتفاق م: (لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوج، فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء) ش: أي بحسب الظاهر فيتقيد به.

[أمره أن يزوجه امرأة فزوجه صبية] 1
فروع: قال في " الخلاصة ": أمره أن يزوجه امرأة، فزوجه صبية، أما عندهما فلا يجوز إذا كانت لا يجامع مثلها، كما لو زوجه رتقاء، أو قرناء، هذا قول الكل. ولو أمره أن يزوجه سوداء فزوجه بيضاء أو العكس لا يجوز، ولو أمره أن يزوجه عمياء فزوجه بصيرة يجوز، وفي " المنتقى ": أمره أن يزوجه أمة فزوجه حرة لا يجوز، وإن زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز، ولو أمر أن يزوجه نكاحا فاسدا فزوجه امرأة نكاحا صحيحا لا يجوز، بخلاف الوكيل بالبيع الفاسد إذا باع بيعا صحيحا جاز، والفرق أن الوكيل بالبيع الفاسد وكيل بالبيع؛ لأن البيع الفاسد بيع؛ لأنه يفيد الملك، فإن باع بيعا جائزا فقد خالف إلى خير يجوز.
وأما الوكيل بنكاح فاسد فليس بوكيل للنكاح؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح، لأنه لا يقيد الملك، ولهذا لا يجوز طلاقها ولا ظهارها، فإذا لم يصر وكيلا لم ينفذ تصرفها عليه، كذا ذكره الولوالجي في " فتاواه ".
وفي " الإيضاح ": الفضولي إن فسخ النكاح قبل الإجازة جاز في قول أبي يوسف الآخر، وفي قوله الأول: لا يجوز وهو قول محمد، وفي " النوازل ": بعث قوما إلى رجل يخطب ابنته، فقال: زوجت، فقبل رجل منهم، قيل: لم يجز؛ لأن الكل خاطب، والخاطب لا يصلح شاهدا، وقيل: يجوز وعليه الفتوى.

(5/129)