البناية
شرح الهداية باب المهر قال: ويصح النكاح وإن لم يسم فيه
مهرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب المهر]
[النكاح إذا لم يسم مهرا]
م: (باب المهر)
ش: أي هذا باب في بيان المهر، لما ذكر ركن النكاح وشرائطه شرع في بيان حكمه
وهو وجوب المهر، إذ وجوبه حكمة النكاح، قال الأكمل المهر المال، وقال
الكاكي: المهر الصداق، وهو اسم لمال يسمى في عقد النكاح.
وقال الكاكي: وللمهر سبعة أسماء في القرآن:
أحدها: الصداق.
والثاني: النحلة قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً} [النساء: 4] (النساء: الآية 4) .
والثالث: الأجر، قال الله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25]
(النساء: الآية 25) .
والرابع: الفريضة: قال الله تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}
[البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) .
والخامس: المهر، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن لمسها فلها المهر بما
استحل» .
السادس: العليقة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أدوا العلائق "، قيل: يا
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما العلائق؟ قال: " ما
تراضى الأهلون» . السابع: العقر قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عقر نسائها»
انتهى. قلت: لم يذكر في القرآن إلا أربعة من الأسامي، والثلاثة من الحديث،
وقال السروجي: لها أسماء تسعة، وقد ذكرها مثل ما ذكرها الكاكي: وزاد
الصدقة، والحبى، والحديث الذي فيه العلائق رواه الدارقطني. ويقال: أصدقها،
ولا يقال أمهرها، هكذا ذكره ابن قدامة، وفي " المغني " وفي " الصحاح ":
أمهرها ومهرها، وفي " المغرب ": مهر المرأة أي أعطاها المهر، وأمهرها إذا
سمى لها مهرا، أو تزوجها به. م: (قال: ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا) ش:
قد ذكرت غير مرة أن هذه الواو في قوله - ويصح - للاستفتاح، كذا سمعت من
الأستاذين الكبار، وفي أكثر النسخ قال: - أي القدوري - ويصح النكاح، وصحة
النكاح بدون تسمية المهر إجماعا، وإنما الخلاف هل يجب مهر مثل أو لا يجب
شيء؟ على ما يأتي في المفوضة، وخلو النكاح عن تسميته، لا يمنع صحته كما إذا
تزوجها
(5/130)
لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة، فيتم
بالزوجين، ثم المهر واجب شرعا، إبانة لشرف المحل، فلا يحتاج إلى ذكره لصحة
النكاح، وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا، وفيه خلاف مالك -
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وأقل المهر عشرة دراهم وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع يجوز أن يكون مهرا لها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها، أو تزوجها على ما ليس بمال
كالميتة والدم، وهما مسلمان فالنكاح جائز، ولها مهر مثل نسائها م: (لأن
النكاح عقد انضمام، وازدواج لغة، فيتم بالزوجين) ش: ويصح بلا تسمية المهر،
قال عز وجل: {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] فلو شرطنا التسمية فيه لزدنا على
النص.
م: (ثم المهر واجب شرعا) ش: هذا جواب عما يقال: المهر واجب شرعا، فكيف يصح
النكاح مع السكوت؟ فأجاب بقوله: المهر واجب شرعا، يعني وجوبه ليس لصحة
النكاح، وإنما وجب م: (إبانة) ش: أي إظهارا م: (لشرف المحل، فلا يحتاج إلى
ذكره لصحة النكاح) ش: فإن قيل: هذه دعوى فلا بد من دليل.
أجيب: دل عليه قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ} [البقرة: 236] إلى قَوْله تَعَالَى: {فَمَتِّعُوهُنَّ}
[الأحزاب: 49] (البقرة: الآية 236) ، حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية، ولا
يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح، فعلم أن ترك ذكره لا يمنع صحة النكاح.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يصح النكاح م: (إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما
بينا) ش: أن النكاح عقد انضمام فيتم بالتزويج م: (وفيه) ش: أي وفيما إذا
تزوجها أن لا مهر لها م: (خلاف مالك) ش: يعني أنه لا يجوز؛ لأنه عقد
معاوضة، فيفتقر إلى ذكر المال، كالبيع إلى ذكر الثمن، ونفيه يفسد البيع،
فنفي المهر ينبغي أن يفسد النكاح، قلنا: البيع مبادلة المال بالمال شرعا
ولغة تمليك شيء بشيء فيقتضي ذكر الثمن، والمهر ليس بعوض أصلي، كما ذكر في
الكتاب من قوله: إن النكاح عقد انضمام إلى آخره.
[أقل المهر]
م: (وأقل المهر عشرة دراهم) ش: أو قيمة عشرة، وقال محمد: وزن عشرة تبرا إن
كان قيمته أقل من عشرة مضروبة، بخلاف السرقة، فإن السرقة لا تقطع فيها،
وقال مالك: أقله بقدر ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال ابن شبرمة: أقله خمسة
دراهم. وقال إبراهيم النخعي: أقله أربعون درهما، وعندهما وعنده عشرون
درهما، وقال سعيد بن جبير: أقله خمسون درهما، وكل منهم مذهبه في نصاب
السرقة الذي يقطع في اليد لذلك.
م: (وقال الشافعي: ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع) ش: يعني م: (يجوز أن
يكون مهرا) ش: في النكاح، وبه قال أحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وفقهاء المدينة،
وهو مذهب الثوري أيضا. وقال ابن حزم: ما جاز أن يكون بالهبة، أو بالميراث
جاز أن يكون صداقا حل بيعه، أو لم
(5/131)
لأنه حقها فيكون التقدير إليها. ولنا قوله
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا مهر أقل من عشرة» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحل كالماء والكلب والسنور والثمرة التي لم يبد صلاحها، والسنبل قبل أن
يشتد حبه أو حبة حنطة، أو حبة شعير، وقال ابن حزم أيضا: وقول مالك لا نعرفه
عن أحد من أهل العلم قبله، وقد خالف فيه أئمة المدينة، والفقهاء الذين لا
يخرج عن قولهم، وقال أبو عمر بن عبد البر: تقدمه إلى هذا أبو حنيفة -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقاس الصداق على اليد عنده، فإنها لا
تقطع إلا في ربع دينار أو عشرة دراهم. قلت: تقطع في ربع دينار عنده، ولا
يكون صداقا حتى لو تزوجها على دينار قيمته أقل من عشرة دراهم يكمل عشرة
دراهم عند علمائنا الثلاثة، ونقله عنه سهو وغلط.
م: (لأنه حقها) ش: أي لأن المهر حق المرأة م: (فيكون التقدير) ش: أي تقدير
المهر م: (إليها) ش: ولهذا يملك التصرف فيه استيفاء وإسقاطا كالبيع
والإجارة والكفالة.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» ش: هذا الحديث رواه
جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقد مر الكلام عليه مستوفى في الكفالة.
ورواه الدارقطني، والبيهقي رواه في " سننه " من طرق، وضعفه، لكن الحديث إذا
روي من طرق مفرداتها ضعيفة يصير حسنا، ويحتج به، ذكره النووي في " شرح
المهذب "، وقال الأترازي: ولما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» ، وروى أبو بكر الرازي،
هذا الحديث في " شرح الطحاوي " إشارة إلى جابر 0 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى.
قلت: لم يذكر الإسناد حتى ينظر فيه، والظاهر أنه بالإسناد الذي رواه
الدارقطني، وقد مر الكلام فيه، وقال الكاكي: وحديث ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " ولا مهر أقل من عشرة دراهم "، وهكذا رواه
ابن عمر، وابن شعيب، عن أبيه عن جده، وهو مذهب علي، وابن عمر، وعائشة،
وعامر، وإبراهيم، انتهى.
قلت: الخصم لا يرضى بهذا المقدار الذي ذكره على ما لا يخفى، وأما قوله: وهو
مذهب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقد رواه الدارقطني، ثم البيهقي في "
سننيهما " عن داود الأودي عن الشعبي عن علي 0 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال: لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم، ولا يكون المهر أقل من عشرة
دراهم.
(5/132)
ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل،
فيقدر بما له خطر، وهو العشرة، استدلالا بنصاب السرقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال ابن الجوزي في " التحقيق ": قال ابن حبان: داود الأودي ضعيف، كان يقول
بالرجعة، والشعبي لم يسمع من علي، وأخرجه الدارقطني أيضا في " الحدود "، عن
جويبر عن الضحاك، عن النزال بن سبرة عن علي، فذكره وجويبر أيضا ضعيف.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المهر م: (حق الشرع وجوبا) ش: أي من حيث وجوبه م:
(إظهارا لشرف المحل) ش: أي لأجل إظهار شرف المحل، وخطره صيانة عن شبهة
البدل م: (فيقدر بما له خطر وهو العشرة) ش: أي عشرة دراهم م: (استدلالا
بنصاب السرقة) ش: لأنه لا يتلف به عضو محترم، فلا يتلف به منافع البضع كان
أولى.
فإن قلت: هذا استدلال ضعيف، فإن مالكا والشافعي ينكرانه؛ فإن نصابهما
عندهما ثلاثة دراهم أو ربع دينار. قلت: يمنع هذا لأن المدعى [أي] المهر
مقدر خلافا للشافعي استدلالا بنصاب السرقة، فإنه مقدر بالإجماع، فكذا المهر
بالقياس عليه لوجود الجامع، أما التقدير بالعشرة فبنصاب السرقة، فلما رواه
أبو داود في " سننه " من حديث عطاء، «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ -، قال: قطع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم» .
فإن قلت: من أين قلت: إن المهر حق الشرع من حيث الوجوب؟ قلت: لقوله عز وجل:
{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50] (الأحزاب: الآية 50) ، وكل
مال تولى بيان مقدارها، كالزكاة وغيرها أوجبه الشرع، والتقدير مجهول، وخبر
الواحد يبين ذلك، فلا يجوز أقل مما قدره.
فإن قلت: ما تقول في «حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ -، رواه الجماعة أنه لما جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وبه أثر صفرة، فأخبره أنه تزوج فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " كم سقت إليها؟ " قال: زنة نواة من ذهب، فقال - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أولم ولو بشاة» ". وفي " التمهيد " رواه
مالك في الموطأ عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - فقد أجازه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وقيل: مما حده أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن النواة
خمسة دراهم. وعن أحمد: أن النواة ثلاثة دراهم وثلث. قلت قال عياض: لا يصح
لهم ذلك؛ لأنه قال: من ذهب وذلك يزيد على دينارين، وفي " الاستذكار ": أكثر
أهل العلم أن وزنها خمسة دراهم، فظاهر هذا أنه تزوج بأكثر من ثلاثة مثاقيل
من الذهب.
فإن قلت: روى البيهقي، عن حجاج، عن قتادة، عن أنس قال: قومت - يعني النواة
- ثلاثة
(5/133)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دراهم وثلث درهم. قلت: حجاج هو ابن أرطاة وهو ضعيف، وقتادة مدلس، وقد عنعن،
ولهذا قال أحمد: هذا حديث لا تقوم به الحجة.
فإن قلت: ما تقول في حديث جابر رواه أبو داود قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعطى في صداق امرأة، على كفيه سويقا أو
تمرا فقد استحل» . قلت: في إسناده موسى بن مسلم، وهو ضعيف، قال القدوري:
وقال الأزدي: وهو ضعيف، رواه أبو داود موقوفا.
فإن قيل: ذلك في المتعة يدل على أن جابرا نفسه قال: كنا نسمع بالقبضة من
الطعام على معنى المتعة، على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وأخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث ابن جريج، «عن أبي الزبير،
قال: سمعت جابرا يقول: كنا نسمع بالقبضة من التمر والدقيق [ ... ] على عهده
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قلت: هذا منسوخ، وكان ذلك
للضرورة، والفقر في أول الإسلام.
قال ابن الجوزي: فإن قلت: قال البيهقي: هذا وإن كان منسوخا، لأنه في نكاح
المتعة، فإنما نسخ منه شرط الآجل، فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم ينسخ،
قلت: فساد قوله هذا ظاهر، فإن الإجماع على نسخ أحكام المتعة، ودعوى إخراج
بعضها من النسخ دعوى باطلة. وقال السروجي: ويدل على بطلان قوله هذا وإثبات
نقيضه، أفسده أن الذي نسخ من أحكام نكاح المتعة إنما هو شرط الأجل، وإن كان
باقي أحكامه ثابت في النكاح المشروع المؤيد به، ينبغي أن لا يثبت بهذا
النكاح نسب ولا يجري فيه التوارث، إذ هذه الأحكام المتعة وهي باقية في هذه
الأنكحة، ولم ينسخ إلا شرط الأجل كما زعم، وذلك مخالف لإجماع المسلمين.
وقيل في الجواب عن الحديث المذكور أنه روي عن جابر خلاف هذا، ونص مع ضعف كل
واحد منهما، فلا يكون هذا دليل على دعواهم، وقيل: لو ثبت كان محمولا على
الحل، والله أعلم.
فإن قلت: روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - قال: «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فقالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جئت أهب لك
نفسي. الحديث بطوله، وفيه: فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: " هل
معك شيء "؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: " انظر ولو خاتما من حديد "
... الحديث.
(5/134)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه قال: " ما معك من القرآن "، قال: سورة كذا وكذا، عددها، فقال: "
تقرأهن عن ظهر قلبك " قال: نعم، قال: " اذهب فقد زوجتكها بما معك من
القرآن» "، وهذا من جملة ما استدل به الشافعي ومن يقول بقوله. قلت: أجاب
الأترازي عن هذا بقوله: هذا خبر الواحد، وقد عارض نص الكتاب، فلا يحتج به.
قلت: هذا لا نجد كما ينبغي، بل الجواب الظاهر ما قاله ابن الجوزي أن ذلك
كان للضرورة والفقر في أول الإسلام، وأظهر من ذلك ما قاله أصحابنا أنه ليس
فيه دلالة على أنه جعل القرآن مهرا، ولهذا لم يشترط أن يعلمها، وإنما معناه
ببركة ما معك من القرآن ولأجل أنك من أهل القرآن، كتزوج على إسلامه، وهو لا
يصلح صداقا للبضع. وفي " التمهيد " قال مالك: ولأبي حنيفة، وأصحابه هاهنا
والليث لا يكون القرآن [ ... ] بمال، فلأن التعليم في العلم والتعلم مختلف
لا يكاد ينضبط، فأشبه المجهول، والسكوت عن المهر لا يبطل النكاح، لأنه
معلوم لا بد منه.
فإن قلت: الاستدلال بالآية ضعيف، لأن الأموال ذكرت بلفظ الجمع في مقابلة
الجمع، وذلك يقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فعلى هذا يكون المراد تبعا لكل
واحد بماله، لا بأمواله، والمال يقع على القليل والكثير.
قلت: قال الأترازي: لا نسلم انقسام الآحاد على الآحاد، إذا ذكر الجمع
بمقابلة الجمع، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن المال تبع على القليل الذي هو
غاية في القلة عرفا، وهذا لأن المال ما يجري فيه البدل والإباحة، والشح،
والصفة، فلا يطلق عليه اسم المال عرفا كالفلس والجوز ولا بد من التقدير ما
له خطر، فتعينت العشرة بالحديث أو بالقياس. انتهى. قلت: أراد بالحديث حديث
جابر المذكور، وبالقياس القياس على نصاب السرقة وقد مر الكلام فيه عن قريب.
فإن قلت: روي في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ينكح هذه؟ " فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه،
فقال: أنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " ألك
مال؟ " قال: لا، قال: " أتقرأ شيئا من القرآن؟ " قال: نعم سورة البقرة
والمفصل، قال: " انكحها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضها» "
فتزوجها الرجل على ذلك انتهى.
وقد قلت: لم يشترط أن يعلمها، وهذا قد اشترط إقراءه إياها وتعلمه كذلك.
قلت: قال الدارقطني: تفرد به عتبة بن السكن وهو متروك، وقوله: - عوضها -
يدل على أنه لا بد من المهر، وإنما أخره إلى وقت حصوله، وتأخيره لا يبطل
النكاح.
(5/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: «روى أبو هريرة قال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " ما تحفظ من القرآن؟ " قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: "
قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك» قال عبد الحق: من رواية عسل بن سفيان:
ضعفه يحيى بن معين وأحمد، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو عمر في
كتاب " التمهيد ": ودعوى التعليم بما معك من القرآن دعوى باطلة، لا تصح،
وأكثر أهل العلم لا يجيزون ما قاله الشافعي.
وقال أبو الفرج في " التحقيق " عن أبي اليمان الأزدي قال: زوج رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من رجل على سورة من القرآن، لا
يكون لأحد بعدك مهرا، وفي " مصنف " ابن أبي شيبة عن شعبة قال: سألت حمادا
عن رجل وهب ابنته من رجل، فقال: كل منهما لا يجوز إلا بصداق.
فإن قلت: روى الترمذي وابن ماجه، عن عاصم، «عن عبد الله قال: سمعت عبد الله
بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أجاز نكاح امرأة على نعلين» وقال: حديث حسن. قلت: قال ابن
الجوزي في " التحقيق ": عاصم بن عبد الله بن معين ضعيف لا يحتج به، وقال
ابن حبان: كان فاحش الخطأ فترك.
فرع: يجوز الدخول بها قبل أن يعطيها شيئا من صداقها سواء كانت مفوضة أو
مسمى لها، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، والثوري، والشافعي،
وأحمد وعامة أهل العلم.
وروي عن ابن عمر، وابن عباس، والزهري، وقتادة ومالك أنه لا يدخل بها حتى
يعطيها شيئا، قال الزهري: مضت السنة عليه، واستدلوا بمنعه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من الدخول على فاطمة
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حتى يعطيها شيئا فأعطاها درعه
الحطمية.
(5/136)
ولو سمى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مهر المثل لأن تسمية ما لا يصلح مهرا
كانعدامه. ولنا أن فساد هذه التسمية لحق الشرع، وقد صار مقتضيا بالعشرة،
فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة لرضاها بما دونها، ولا معتبر بعدم
التسمية لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما، ولا ترضى فيه بالعوض
اليسير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولنا حديث عقبة بن عامر، الذي زوجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ولم يعطها شيئا، وروى ابن أبي شيبة من حديث كريب بن هشام، وكان
من أصحاب عبد الله أنه تزوج امرأة على أربعة آلاف ودخل بها قبل أن يعطيها
شيئا.
[سمى أقل من عشرة في المهر]
م: (ولو سمى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا) ش: وقال ابن القاسم في "
المدونة ": إن سمى أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم إن كمل قبل الدخول ربع
دينار، أو ثلاثة دراهم، وإلا فسخ عليه وبعد الدخول أجبر على تكميله أقل
الصداق، وإن طلقها قبل الدخول يجب عليه نصف المسمى.
وقال غيره من المالكية: التسمية فائدة ويفسخوا على كل حال، ولم يوجبوا مهر
المثل، وأوجبوا مهر المثل في تسمية الخمر والخنزير، وصححوا العقد.
م: (وقال زفر: مهر المثل) ش: أي يجب مهر المثل م: (لأن تسمية ما لا يصلح
مهرا كانعدامه) ش: يعني فلا تسمية كما في الخمر والخنزير وهو القياس.
م: (ولنا) ش: وهو وجه الاستحسان م: (أن فساد هذه التسمية لحق الشرع) ش: وحق
الشرع يتأدى بالعشرة وهو معنى قوله: م: (وقد صار مقتضيا بالعشرة) ش:
باعتبار أن العشرة في كونها صداقا لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر
كله، كما لو أضاف النكاح إلى بعضها صح في جميعها م: (فأما ما يرجع إلى
حقها) ش: أي إلى حق المرأة م: (فقد رضيت بالعشرة لرضاها بدونها) ش: أي بما
دون العشرة؛ لأن من رضي بخمسة فقد رضي بالعشرة بلا شك، وما زاد على العشرة
فهو حقها، ثم رضاها بالخمسة إسقاط حقها وتفضي عن حق الشرع، فيصح تصرفها في
حقها دون حق الشرع فتتم العشرة، بخلاف ما إذا لم يوجد التسمية، لأن الإنسان
قد رضي بإسقاط الحق تكرما وتفضلا طلبا للتناسل الجميل، ولا يرضى الشيء
القليل لما إذا كانت راضية بالعشرة.
م: (ولا معتبر بعدم التسمية) ش: هذا جواب عن قوله: كانعدامه تقريره أن هذا
القياس غير صحيح م: (لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما) ش: أي لأجل
التكرم على الزوج م: (ولا ترضى فيه بالعوض اليسير) ش: ترفعا في المعاوضة
فلا تكون التسمية دليلا على عدم الرضى بالعشرة، فلذلك لم يجب العشرة وإنما
يجب مهر المثل بخلاف الرضا بما دون العشرة، فإنه رضا بها لا محالة.
(5/137)
ولو طلقها قبل الدخول بها تجب خمسة عند
علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعنده تجب المتعة كما إذا لم يسم
شيئا. ومن سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها؛
لأنه بالدخول يتحقق تسليم المبدل، وبه يتأكد البدل، وبالموت ينتهي النكاح
نهاية، والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[طلقها قبل الدخول بها]
م: (ولو طلقها قبل الدخول بها يجب خمسة عند علمائنا الثلاثة وعنده) ش: أي
عند زفر (تجب المتعة كما إذا لم يسم شيئا) ش: وعند مالك على قول ابن القاسم
والشافعي وأحمد يجب نصف المسمى، والجواب عن قياس زفر على قيمة الخمر
والخنزير، فنقول بخلاف الخمر، والخنزير، هذا لأن ما دون العشرة يصلح أن
يكون مسمى مضمونا إلى غيره من المال فيصح بانفراده أيضا، أما الخمر
والخنزير فلا تصح تسميتها مع غيرهما أصلا، فبطلت التسمية فوجب مهر المثل.
وعلى هذا لو تزوجها على ثوب يساوي فلها الثوب وخمسة دراهم، فلو طلقها قبل
أن يدخل بها فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف، وإنما يعتبر قيمة الثوب يوم
العقد، وكذا إذا سمى مكيلا أو موزونا، إلا أن الفرق بينهما إذا جاء بقيمة
الثواب أجبرت المرأة على القبول، وإذا جاء بقيمة المكيل أو الموزون لا
تجبر.
وقال الكاكي: ويعتبر قيمة الثوب يوم التزوج، وقيمة المكيل، أو الموزون يوم
القبض، وروى الحسن، عن أبي حنيفة أنه يعتبر في الثوب قيمته يوم القبض، وفي
المكيل والموزون يوم العقد.
م: (ومن سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها) ش:
اعلم أن المهر يجب بالعقد، إما بالتسمية إذا وجدت، وإلا فبالحكم، أعني مهر
المثل بحكم الشرع، ثم يستقر المهر بأحد أشياء ثلاثة، إما بالدخول أو بموت
أحد الزوجين، وإما بالخلوة الصحيحة، فذكر المصنف الأوليين وهما الدخول وموت
أحد الزوجين.
ثم علل بقوله: م: (لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل) ش: وهو البضع م: (وبه
يتأكد البدل) ش: وهو المهر فيجب عليه إيفاء البدل، كما إذا قبض المبيع
يستقر عليه الثمن (وبالموت) ش: أي بموت أحد الزوجين م: (ينتهي النكاح
نهاية) ش: أي يبلغ منتهاه، ولا يبقى بعده شيء (والشيء بانتهائه يتقرر
ويتأكد) ش: لأنه لا يبقى قابلا للتغيير م: (فيتقرر بجميع مواجبه) ش: الممكن
تقريرها لوجوب المقتضى، وانتهاء المانع كالإرث، والعدة، والمهر والنسب.
وقلنا: مواجبه الممكن تقريرها احترازا عن النفقة، وحل الزوج بعد انقضاء
العدة فإن النفقة لا تجب بعد الموت، ولا يحل لها الزوج بعد انقضائها، ولا
خلاف للأئمة الأربعة في هذه المسألة.
وقال أبو سعيد الإصطخري - من أصحاب الشافعي -: إن كانت الزوجة أمة لا يستقر
لها
(5/138)
وإن طلقها قبل الدخول بها والخلوة فلها نصف
المسمى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية (البقرة: الآية 237) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المهر بموتها، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنه يستقر
بموته.
[طلقها قبل الدخول بها والخلوة]
م: (فإن طلقها قبل الدخول بها والخلوة فلها نصف المسمى، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}
[البقرة: 237] الآية (البقرة: الآية 237) ش: منصوبة بتقدير فعل، أي اقرأ
الآية بكمالها، ويجوز رفعها على الابتداء، وخبره محذوف تقديره الآية
بتمامها ونحو ذلك، وتمامها هو قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) .
قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]- أي من
قبل أن تجامعوهن - والمس الجماع إجماعا، أو ملحق الخلوة الصحيحة على ما
يأتي إن شاء الله تعالى، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ} [البقرة:
237] أي والحال أنكم قد فرضتم، أي قدرتم، ومعنى الفرض هنا التقدير.
وقيل: كلمة أو بمعنى الواو، أي وما لم تفرضوا، قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ
مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أي الواجب نصف ما فرضتم. قَوْله تَعَالَى:
{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أي المطلقات، وهو استثناء من قَوْله
تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] تقديره الواجب نصف ما
فرضتم إلا أن يعفو الزوجات فليس بواجب.
واعلم أن صيغة يعفون مشتركة بين الرجال والنساء في الصورة، ولكن في التقدير
مختلفة، فوزن صيغة الرجال في الأصل يفعلون لأن حاصله يعفون استثقلت الضمة
على الواو، مع ضمة ما قبلها، فحذفت، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين،
والواو الموجودة فيه ضمير الجماعة والنون علامة الرفع، ووزن صيغة النساء
يفعلن، والواو لام الفعل فيه، والنون ضمير جمع النساء، وهو مبني والأول
معرب رفعه بإثبات النون ونصبه وجزمه بحذفها.
قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
[البقرة: 237] فذهب أصحابنا إلى أنه الزوج، وقال أبو بكر بن المنذر في "
الأشراف ": روينا ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعبد الله
بن عباس، وجبير بن مطعم، ونافع بن جبير، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير،
وشريح، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والربيع، ونافع مولى ابن عمر،
والأوزاعي، وابن شبرمة، والضحاك، وابن جريج، وابن حبان، وجابر بن زيد، وابن
سيرين، والشعبي، والنخعي، وطاوس، وإياس بن معاوية، والثوري والليث،
والشافعي في الجديد، خلاف ما ذكره عنه الزمخشري، وابن الخطيب في " تفسيرهما
"، وهو قول أحمد، وهكذا ذكره أبو بكر الرازي، وأبو بكر بن أبي شيبة في "
مصنفه "، والموفق ابن قدامة في " المغني ".
(5/139)
والأقيسة متعارضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولي العقدة الزوج» " وقال
علقمة، والحسن، وعطاء، وعكرمة وأبو الزياد: هو الولي، وقال مالك: والأب
وحده في حق البكر، وهو قول الشافعي في القديم، والجد والأب فيه، وفي "
المغني " وهو قول أحمد في القديم: في حق الأب خاصة بخمس شرائط: أن يكون
الذي بيده عقدة النكاح أبا، وأن تكون صغيرة، وأن تكون بكرا، وأن تكون
مطلقة، ولا يجوز عفو الأب في الطلاق، وأن يكون قبل الدخول.
وفي " المبسوط ": في القديم يجوز بأربع شرائط.
الأولى: في حق المجبر كالأب والجد.
الثانية: أن تكون ممن لا تملك أمر نفسها.
الثالثة: أن يكون بعد الطلاق.
الرابعة: أن يكون دينا لا عينا.
وقال أبو محمد: لا فرق بين الدين والعين. م: (والأقيسة متعارضة) ش: الأقيسة
جمع قياس وهو معروف، هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن يسقط الكل لأن
الطلاق قبل الدخول بعود المعقود عليه، وهو البضع إليها سالما، فينبغي أن
يسقط كل البدل، كما إذا تبايعا ثم تقايلا. فأجاب عنه بقول: والأقيسة
متعارضة، يعني هذا القياس يقتضي هكذا، لكن هذا قياس آخر يقتضي وجوب كل
المهر، وهو أن الطلاق قاطع بملك النكاح فيه في وجوب كل المهر لأنه فوت ما
ملكه باختياره، وذلك يقتضي وجوب كل المهر كالمشتري إذا تلف البيع قبل
القبض، فإذا تعارض القياسان وجب المصير إلى النص، فقلنا باستقرار نصف المهر
وسقوط نصفه. واعترض عليه بشيئين: أحدهما: أنه ليس هنا إلا قياسان، ولا ثالث
لهما. والآخر: أن ظاهر كلامه يدل على أن الرجوع إلى النص إنما كان لتعارض
القياسين وليس الأمر كذلك فإنه لا اعتبار بالقياس مع وجود وافق وخالف. أما
إن خالف فهو متروك مردود، وأما إذا وافق فإن الحكم بالنص ثابت عندنا بعين
النص لا بالعلة، ومنهم من قال: إنا نعمل بالقياسين ثبوتا وسقوطا، فالقياس
المقتضي لوجوب الكل يعمل به في إيجاب الصرف، والقياس الذي يقتضي إسقاط الكل
يعمل به في إسقاط النصف عملا بهما، وهو مقتضى النص. وذكر في " الحواشي ":
العمل بالقياس في معرضة النص المخصوص جائز، وهذا النص قد خص منه الطلاق قبل
الدخول بعد
(5/140)
ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره،
وفيه عود المعقود عليه إليها سالما، فكان المرجع فيه إلى النص، وشرط أن
يكون قبل الخلوة لأنها كالدخول عندنا، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
قال: وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر
مثلها إن دخل بها أو مات عنها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخلوة فيستقيم الرجوع إلى النص المخصوص لتعذر العمل بالقياس، انتهى.
قلت: لا يجوز ترك النص المخصوص بالقياس، وإنما الجائز بالقياس زيادة
التخصيص بعدما خص النص بدليل ولا يجوز تخصيصه بالقياس قبل أن يخص.
فإن قلت: ليس من بيان التعارض بين القياسين تركهما، بل العمل بأحدهما.
قلت: الأصل أن الدليلين إذا تعارضا ولم يكن ترجيح أحدهما على الآخر [....]
، أو تساقطا ولم يعمل بأحدهما بالترجيح من غير مرجح.
م: (ففيه) ش: أي في الطلاق قبل الدخول والخلوة، والفاء فيه تفسيرية، تفسير
التعارض بين القياسين، ففسر الأول بقوله: - بموت الزوج - والثاني بقوله: -
وقد عرف المعقود عليه - إلى آخره م: (تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره)
ش: قوله: - تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره - تفويت مصدر مضاف إلى
فاعله، والملك منصوب لأنه مفعول، والباء في باختياره تتعلق بقوله - تفويت
الزوج.
م: (وفيه) ش: أي في الطلاق، قيل: الدخول أيضا م: (عود المعقود عليه) وهو
البضع (إليها) أي إلى المرأة حال كونه م: (سالما فكان المرجع فيه) ش: أي في
حكم هذا الأمر المرجع، أي الرجوع وهو مصدر ميمي م: (إلى النص) ش: منصوب
لأنه خبر كان، وأشار به إلى القياسين تركا وعملا بالنص، وهذه الآية
المذكورة.
م: (وشرط) ش: أي القدوري لأن المسألة من مسائله م: (أن يكون قبل الخلوة،
لأنها كالدخول عندنا، على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: ويأتي بيانه عن
قريب في هذا الباب.
[تزوجها ولم يسم لها مهرا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن تزوجها، ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على
أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها، أو مات عنها) ش: هاتان صورتان،
الأولى أن يزوجها ولم يسم لها مهرا، يعني سكت عنه، والثانية على أن يتزوجها
على أن لا مهر لها، يعني يشترط أن لا مهر لها، وهي مسألة المفوضة، وهي التي
فوضت نفسها بلا مهر فلها مهر مثلها إن دخل بها، أو مات عنها، وفي " الذخيرة
": وكذا لو ماتت هي.
ومذهبنا قول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونصابه، وبه قال
الحسن البصري، ورواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
ذكره عنه ابن أبي شيبة، والحسن بن حي، وابن شبرمة، وابن
(5/141)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب
شيء في الموت، وأكثرهم على أنه يجب بالدخول. له أن المهر خالص حقها فتتمكن
من نفيه ابتداء، كما تتمكن من إسقاطه انتهاء. ولنا أن المهر وجوبا حق الشرع
على ما مر. وإنما يصير حقا لها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي.
ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية (البقرة:
الآية 236)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبي ليلى، والشافعي في - رواية البويطي - وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو
ثور وابن جرير الطبري، وداود وفيما إذا تركا، ذكره، وإن نفيا بطل النكاح.
م: (وقال الشافعي: لا يجب شيء في الموت) ش: أي لا يجب لها إذا مات عنها قبل
الدخول م: (وأكثرهم) ش: أي وأكثر أصحاب الشافعي (على أنه يجب بالدخول) ش:
كمذهبنا، وبه قال أحمد.
وقال بعض أصحاب الشافعي: لا يجب لها شيء بالدخول، وفي الموت للشافعي قولان،
أحدهما أن يجب، والثاني أنه لا يجب، وهو قول مالك في صورة نفي المهر. م:
(له) ش: أي للشافعي م: (أن المهر خالص حقها، فتتمكن من نفيه ابتداء) ش: أي
في ابتداء العقد، كالمفوضة، فلها أن تفوض نفسها بلا مهر م: (كما تتمكن من
إسقاطه انتهاء) ش: أي في انتهاء العقد، فإن لها أن تسقط مهرها بعد العقد،
كالخلع، واحتج الشافعي أيضا بما روي عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنهم قالوا: لها الميراث، ولا
صداق لها وعليها العدة.
م: (ولنا أن المهر وجوبا) ش: أي من حيث الوجوب م: (حق الشرع) ش: بدليل
قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء:
الآية 24) {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50] (الأحزاب: الآية
50) ، وعلم من خصوصية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النكاح
بغير مهر أنه في حق غيره، لا ينعقد إلا موجبا للمهر، وفي " المحيط ": في
المهر حقوق ثلاثة، حق الشرع وهو أن لا يكون أقل من عشرة، وحق الأولياء وهو
أن لا يكون أقل من مهر مثلها، وحق المرأة وهو كونه ملكا لها غير أن حق
الشرع، وحق الأولياء يعتبر وقت العقد لا في حالة البقاء.
م: (وإنما يصير حقا لها في حالة البقاء، فتملك الإبراء دون النفي) ش: لأن
الأصل أن تلاقي التصرف ما يملكه دون ما لا يملك، ولهذا ملكت الإبراء انتهاء
دون النفي ابتداء.
م: (ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ش: وإنما لم يقل: فإن طلقها قبل
الدخول أو الخلوة، بل قال: قبل الدخول فقط مع أن الخلوة شرط أيضا، لأن
الدخول يشملها، إذ الخلوة دخول حكما م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية)
(البقرة: الآية 236) ش: قد مر الكلام في قوله - الآية - عن قريب، وجه
الاستدلال أن الله تعالى قال: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] والفريضة هي المهر، أي لا جناح
(5/142)
ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر، وفيه
خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها، وهي
درع، وخمار، وملحفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عليكم في الطلاق في الوقت الذي لم يحصل المساس، وفرض الفريضة، وأمر بالمتعة
مطلقا، وهو على الوجوب، وقال: حقا وذلك يقتضيه أيضا، وذكر بكلمة على.
م: (ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر) ش: أي لأجل الرجوع إلى الأمر،
لأن مقتضاه الوجوب عند الإطلاق، والمتعة الواجبة عندنا هي هذه وحدها،
والباقية مستحبة إلا إذا كانت الفريضة من قبل المرأة، حيث لا تسمى لها
المتعة، لأنها جانبه، ومذهبنا هو قول ابن عمر، وابن عباس، والحسن، وعطاء،
وجابر بن زيد، والشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والشافعي في رواية
الجماعة عنه، وعنه يجب نصف مهر المثل.
م: (وفيه خلاف مالك) ش: أي في الحكم المذكور خلاف مالك، فإن عنده مستحبة،
وهو قول ابن أبي ليلى، والليث لأنه تعالى قال: {حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] والمحسن اسم للمتطوع، والوجوب لا يتقيد
بالمحسن.
قلنا: قد فسر الإحسان بالإيمان، ولأن التقييد بالمحسن لا ينفي الوجوب على
غيره، كما قال الله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] مع أنه هدى
لهم ولغيرهم قال الكاكي: والصحيح من مذهبه كمذهبنا.
م: (والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها) ش: أي مثل المرأة، وهذه اللفظة
أعني من كسوة مثلها لفظ القدوري في مختصره، أشار بهذا إلى اعتبار حالها في
الكسوة على ما يجيء الآن.
م: (وهي درع وخمار وملحفة) ش: فسر بهذا قوله: - والمتعة أثواب - لأن ذكر
الأثواب يتناول أكثر من الثلاثة ففسر الأثواب بقوله: - وهي درع وخمار
وملحفة - أي الأثواب المذكورة هي هذه لا غير.
والدرع هو ما تلبسه المرأة فوق القميص وهو مذكر، قاله صاحب " المغرب "، وعن
الحلواني هو جابية إلى الصدر، وقال ابن الأثير: درع المرأة قميصها والخمار
ما تغطي المرأة به رأسها، والملحفة بكسر الميم الملاءة، وهي ما تلتحف به
المرأة.
وفي " الذخيرة ": المتعة ثلاثة أثواب، قميص ومقنعة وملحفة وسط، لا جيد غاية
الجودة، ولا رديء غاية الرداءة، ولا يزاد على نصف مهر مثلها، ولا ينقص عن
خمسة دراهم.
وفي " الينابيع ": إن كانت من السفلة فمتعتها من الكرباس، وإن كانت من
الوسط فمتعتها من القز، وإن كانت مرتفعة الحال فمتعتها من الإبريسم وهذا هو
الصحيح.
وفي " المغني ": أعلاها خادم، يروى ذلك عن ابن عباس، وكذا ذكره عنه في "
النتف "،
(5/143)
وهذا التقدير مروي عن عائشة وابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقوله: من كسوة مثلها إشارة إلى أنه يعتبر
حالها، وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المتعة الواجبة لقيامها
مقام مهر المثل، والصحيح أنه يعتبر بحاله عملا بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأدناها كسوة تجوز فيه الصلاة، وإن كان فقيرا يمتعها درعا وخمارا وثوبا
تصلي فيه، وقال الأوزاعي والثوري، وعطاء، ومالك، وأبو عبيدة كقولنا.
وعن أحمد في رواية: يرجع فيها إلى الحاكم وهو أحد قولي الشافعي وهو بعيد،
وروى عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه طلق
الكلبية، وحممها جارية أي متعها. وقال النخعي: العرب تسمي المتعة التحميم،
وروي عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه طلق امرأة
ومتعها بعشرة آلاف، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.
وفي " التنبيه ": طلق امرأة قبل الفرض والمس، تجب المتعة، وروي عن الحسن بن
علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وبعد المسيس يجب مهر المثل، وفي
المتعة قولان: قبل الفرض، وإن وجب لها نصف مهر المثل فلا متعة، وفي "
المنهاج ": تجب متعة إذا لم يجب نصف مهر المثل قبل الوطء، وكذا الموطوءة في
الأظهر مع مهر المثل.
م: (وهذا التقدير) ش: أي التقدير بثلاثة أثواب م: (مروي عن عائشة، وابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: قال الأترازي: ولنا ما روى
أصحابنا في " المبسوط " وغيره، وابن عباس، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وعطاء،
والحسن، والشعبي، أن المتعة ثلاثة أثواب، والبيهقي روى عن ابن عباس.
م: (وقوله) ش: أي قول القدوري في المختصر: م: (من كسوة مثلها إشارة إلى أنه
يعتبر حالها) ش: أي حال المرأة.
وفي " البدائع ": ثم قيل: تعتبر المتعة بحاله، وبه قال أبو يوسف، وقيل:
تعتبر بحالهما، وقيل: في المتعة الواجبة بحالها لأنها قائمة مقام مهر
المثل، وفي المستحبة بحاله، قال: في الآية إشارة إلى اعتبار حالهما، فلو
اعتبرنا بحاله وحده لسوينا بين الشريفة والوضيعة في المتعة، وذلك غير معروف
بين الناس، بل هو منكر.
م: (وهو قول) ش: الشيخ م: (الكرخي في المتعة الواجبة) ش: أي الاعتبار بحال
المرأة، وهو قول الشيخ أبي الحسن الكرخي م: (لقيامها) ش: أي لقيام المتعة
م: (مقام مهر المثل) ش: لأنها تجب عند سقوط مهر المثل، وفي مهر المثل يعتبر
بحالها، فكذا في حقه، وهكذا في النفقة والكسوة م: (والصحيح أنه يعتبر
بحاله) ش: أي بحال الرجل، وهو اختيار أبي بكر الرازي واختيار المصنف، وهو
الصحيح من مذهب الشافعي أيضا. م: (عملا بالنص وهو قَوْله تَعَالَى:
(5/144)
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، ثم هي لا تزاد
على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة دراهم، ويعرف ذلك في الأصل. وإن تزوجها
ولم يسم لها مهرا، ثم تراضيا على تسميته فهي لها إن دخل بها، أو مات عنها،
وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]
(البقرة: الآية 236) ش: بيانه أن الله تعالى اعتبر حال الرجل دون حال
المرأة، والتعليل في معارضة النص باطل، والموسع هو الغني والفقير المقل.
م: (ثم هي) ش: أي المتعة م: (لا تزاد على نصف مهر مثلها) ش: وبه قال
الشافعي في قول، وفي قول لا يعتبر بمهر المثل، وفي بعض النسخ، ثم هو،
فالتأنيث على إرادة المتعة، والتذكير على إرادة قدر المتعة (ولا تنقص عن
خمسة دراهم) ش: لأن المتعة وجبت عوضا عن البضع، وكل العوض لا يجوز أن يكون
أقل من عشرة، فنصف العوض لا يجوز ان يكون أقل من خمسة، وهذا معنى ما أحله
في الأصل، وهو قوله: م: (ويعرف ذلك في الأصل) ش: أي " المبسوط ".
بيان ذلك أن المتعة إما أن تكون زائدة على نصف مهر المثل أو لا، فإن كانت
زائدة فلها نصف المثل هو العوض، ولكن تعذر بنصفه لجهالته، فيصار إلى خلفه
وهو المتعة، فلا يزاد على نصف مهر المثل، وإن لم تكن، فإما أن يكون مساويا
له أو لا، فإن كان مساويا له فلها المتعة اتباعا للنص، وإن لم يكن فإما أن
يكون أقل من خمسة دراهم أو لا، فإن كان فلها الخمسة لأن المهر هو الأصل،
والمتعة خلف ولا مهر أقل من عشرة دراهم، فلا متعة أقل من خمسة، وإن لم يكن
فلها المتعة بالنص.
فإن قيل: نص المتعة مطلق عن هذه التفاصيل، نفيها تقييد له وهو نسخ، فالجواب
أن قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] الأحزاب: الآية 50) دل على أن المهر مقدر
شرعا، فالإيجاب بالتسمية في مهر من يعتبر بمهره مهر المثل، بيان ذلك القدر
المجمل، وكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولا مهر أقل من عشرة دراهم»
فكان معارضا لآية المتعة، والتفصيل على الوجه المذكور توفيق بينهما، انتهى.
قلت: هذا كلام الأكمل، نقله عن شيخه.
[تزوجها ولم يسم لها مهرا ثم تراضيا على
تسميته]
م: (وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا، ثم تراضيا على تسميته فهي لها إن دخل بها
أو مات عنها) ش: هذا بالإجماع، وكذا الحكم لو رافعته إلى القاضي ففرض لها
مهرا؛ لأن لها أن تطالبه، وترافعه إلى القاضي؛ ليفرض لها مهرا، كذا ذكره
التمرتاشي.
م: (وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ش: وهو قول أبي يوسف، في قوله
المرجوع إليه،
(5/145)
وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الأول نصف هذا المفروض، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه مفروض،
فيتنصف بالنص. ولنا أن هذا الفرض تعيين للواجب بالعقد، وهو مهر المثل، وذلك
لا يتنصف، فكذا ما نزل منزلته، والمراد بما تلا الفرض في العقد، إذ هو
الفرض المتعارف. قال: فإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة، خلافا
لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وسنذكره في زيادة الثمن والمثمن إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وعلى قول أبي يوسف
الأول نصف هذا المفروض) ش: أي لها نصف المفروض الذي فرض لها.
م: (وهو قول الشافعي) ش: أي قول أبي يوسف الأول، وهو قول مالك أيضا، وفي
ظاهر الرواية عن أحمد، وهو قول ابن عمر، وعطاء، والشعبي، والنخعي م: (لأنه
مفروض) ش: كالمسمى م: (فيتنصف بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ
مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] .
م: (ولنا أن هذا الفرض) ش: أي الفرض الذي بعد العقد م: (تعيين للواجب
بالعقد وهو مهر المثل، وذلك لا يتنصف، فكذا ما نزل منزلته) ش: فأنزل منزلة
مهر المثل، وأراد بالنازل منزلة المسمى بعد العقد م: (والمراد بما تلا) ش:
أي المراد بما تلاه أبو يوسف من قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] م: (الفرض في العقد) ش: يعني: حالة النكاح،
قوله: الفرض: مرفوع؛ لأنه خبر المبتدأ أعني قوله: والمراد م: (إذ هو الفرض
المتعارف) ش: لأن الفرض المطلق لا عموم له. م: (قال) ش: أي القدوري في
مختصره: م: (وإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة) ش: وبه قال أحمد
م: (خلافا لزفر) ش: حيث يقول: لا تصح الزيادة، وبه قال الشافعي؛ لأن
الزيادة هيئة مبتدأ، لا تلحق بأصل العقد إن قبضت ملكت، وإلا فلا، وعند
المصنف أن يذكره فيما يأتي حيث قال: (وسنذكره في زيادة الثمن والمثمن إن
شاء الله تعالى) أي في فصل يذكر بعد باب المراجعة والتولية، قال الأكمل:
نحن نتبعه في ذلك، قلت: نحن لا نتبع ما قاله الأكمل، فنقول قال في "
المبسوط ": ودليل جواز الزيادة قَوْله تَعَالَى: {فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ
بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) معناه من
فريضة بعد الفريضة، وبقولنا قال أحمد في الزيادة في النكاح: ولا يجوز
الزيادة في البيع.
وفي " شرح الطحاوي ": تزوجها على ألف، ثم على ألفين لا يثبت المهر الثاني
خلافا لأبي يوسف؛ لأنهما فقدا إثبات الزيادة في ضمن العقد، فلم يثبت العقد،
فكذا الزيادة.
وفي " شرح الأسبيجابي ": جدد النكاح على ألف آخر تثبت التسميتان عند أبي
حنيفة، وعندهم لا تثبت الثانية وكذا لو راجع المطلقة بألف، وقيل: لو قال:
لا أرضى بالمهر الأول
(5/146)
وقيل: وإذا صحت الزيادة تسقط بالطلاق قبل
الدخول، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -لا تتنصف مع الأصل؛ لأن
التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد، وعند أبي يوسف المفروض بعده
كالمفروض فيه، على ما مر. وإن حطت عنه من مهرها صح الحط؛ لأن المهر بقاء
حقها، والحط يلاقيه حالة البقاء.
وإذا خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء، ثم طلقها فلها كمال المهر
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها نصف المهر؛ لأن المعقود عليه إنما
يصير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أو أبرأته، ثم قالت: لا أقيم معك بدون المهر، ولو وهبت مهرها، ثم جدد المهر
لا يجب الثاني بالاتفاق.
م: (وقيل) ش: أي على الاختلاف م: (وإذا صحت الزيادة تسقط بالطلاق قبل
الدخول، وعلى قول أبي يوسف ولا تنتصف) ش أي الزيادة م: (مع الأصل؛ أن
التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، وهو
قول أبي يوسف في قوله المرجوع إليه، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -.
م: (وعند أبي يوسف المفروض بعده) ش: أي بعد العقد م: (كالمفروض فيه) ش: أي
في العقد (على ما مر) بيانه في المسألة المتقدمة م: (وإن حطت عنه من مهرها
صح الحط) ش: يعني إن حطت المرأة عن الزوج من مهرها، صح الحط فيلحق بالعقد
م: (لأن المهر بقاء حقها، والحط يلاقيه حالة البقاء) ش: أي الحط يلاقي حقها
حالة البقاء، لا حالة الابتداء، وقد بقي حقها على التمييز، ولو قال: حقها
بقاء لكان أولى؛ لأن التمييز لا يجوز تقديمه عليه إتفاقا، وخالف المازني
والمبرد في تقديمه على الفعل، ومذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه وموضعه كتب
النحو.
[خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم
طلقها]
م: (وإذا خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم طلقها فلها كمال
المهر) ش: قال ابن المنذر في " الأشراف " وأبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه
"، وأبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": هذا قول عمر بن الخطاب، وعلي بن
أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وجابر، ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال عروة بن الزبير وعلي بن الحسين، وزين
العابدين، وسعيد بن المسيب، والزهري، والنخعي، والأوزاعي، والثوري، وأحمد،
وإسحاق بن راهويه، والشافعي في قوله القديم، وحكى الطحاوي أنه إجماع
الصحابة، وقال أبو بكر الرازي: هو اتفاق الصدر الأول. وروى ابن أبي شيبة في
" مصنفه " عن عوف، عن زرارة بن أبي أوفى قال: سمعته يقول: قضاء الخلفاء
الراشدين المهديين أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا فقد وجب المهر، ووجبت
العدة، ومثله في رواية أبي بكر الرازي.
وقال الأترازي: هذا إذا كان المهر مسمى، وإن لم يكن المهر مسمى فلها صداق
مثلها، وإن لم تصح الخلوة فلها نصف المهر، وإن لم يكن المسمى فلها المتعة،
كذا في " مختصر " الطحاوي، والخلوة الصحيحة قائمة مقام الدخول عندنا في
تأكيد المهر، ووجوب العدة، وثبوت
(5/147)
مستوفى بالوطء، فلا يتأكد المهر دونه.
ولنا: أنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع، وذلك وسعها، فيتأكد حقها في
البدل اعتبارا بالبيع.
وإن كان أحدهما مريضا، أو صائما في رمضان، أو محرما بحج فرض، أو نفل، أو
بعمرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النسب، ونفقة العدة، والسكنى، وتزوج البنت، وتحريم الأمة على قول أبي
حنيفة.
وفي " الذخيرة ": ولم يقيموها مقام الوطء في حق الإحصان، وحرمة البنات
وحلها للأولاد الرجعة والميراث، وأما وقوع طلاق آخر فقد قيل: لا يقع، وقيل:
يقع، وهو أقرب إلى الصواب؛ لأنه لا احتياط، ثم هذا الطلاق، بل يكون رجعيا
أو بائنا، قال شيخ الإسلام في باب العين: يكون بائنا.
م: (وقال الشافعي: لها نصف المهر) ش: وهو قول شريح، والشعبي، وطاوس، وابن
سيرين، وأبي ثور، وقال أبو بكر الرازي، وابن المنذر: وروي عن ابن مسعود -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا - مثله، قالا: لا يصح ذلك عنهما لأن في حديث ابن عباس، ليث بن
أبي سليم وهو ضعيف.
وقال مالك والرازي وابن المنذر: إن خلا بها في منزلها فلها نصف المهر، وإن
خلا بها في منزله فلها المهر كله، وذكر أبو بكر الرازي عنه أنه قال: إن
تطاول ذلك وجب المهر كاملا، وفي " الجواهر ": إن طال المقام، يتقرب الكمال
في أحد القولين، ثم قيل: في عدة الطول سنة، وقيل: ما يعد طولا في العادة م:
(لأن المعقود عليه) ش: وهو منافع البضع م: (إنما يصير مستوفى بالوطء) ش:
فلم يوجد م: (فلا يتأكد المهر دونه) ش: أي دون الوطء والزوج لم يستوف
المبدل من المرأة، فلا يجب عليه البدل.
م: (ولنا أنها) ش: أي المرأة م: (سلمت المبدل) ش: وهو منافع البضع م: (حيث
رفعت الموانع) ش: وهو جمع مانعة، أي حالة مانعة من الوطء ويأتي تفسيرها عن
قريب م: (وذلك) ش: أي رفع الموانع م: (وسعها) ش: أي وسع المرأة، وهو الذي
تقدر عليه م: (فيتأكد حقها في البدل) ش: وهو المهر م: (اعتبارا بالبيع) ش:
أي قياسا عليه، فإن التخلية فيه تسليم حتى يجب على المشتري تسليم الثمن،
فكذا هنا يجب على الزوج تسليم البدل والمبدل، والمبدل في المعاوضات يتقرر
بتسليم المبدل، بتحقق استيفائه، ألا ترى أن الأجر إذا خلا بين المستأجر
والمستأجر يتأكد البدل، وإن لم يتحقق القبض، وهذا لأنه توقف بقدر البدل على
حقيقة استيفاء المبدل، بما تمتنع من عليه البدل، عن الاستيفاء، فيتضرر من
عليه المبدل وهو مرفوع شرعا.
وروى ابن أبي شيبة، عن جابر إذا نظر إلى فرجها، ثم طلقها فلها الصداق،
وعليها العدة،
(5/148)
أو كانت حائضا فليست الخلوة صحيحة، حتى لو
طلقها كان لها نصف المهر؛ لأن هذه الأشياء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كشف خمار امرأة، أو نظر إليها وجب
الصداق، دخل بها أو لم يدخل» رواه الدارقطني وأبو بكر الرازي في " أحكامه
"، وقال شريح: يجب بها العدة، ولا يتأكد بها المهر، كذا في " النتف ".
فإن قلت: هذا طلاق قبل المسيس فيتنصف بالنص، ومن قال بأن الخلوة مكملة فقد
علق التنصيف بالخلوة، وهو خلاف النص، إذ النص علقه بعدم المس.
قلت: المس ليس بوطء حقيقة، وإنما هو حامل على الوطء لأنه سببه، فأطلق اسم
السبب على المسبب، إذ الخلوة بالمس، ويتأيد ما ذكره بالنص، وهو قَوْله
تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}
[النساء: 21] (النساء: الآية 20) ، والإفضاء الخلوة، وهو مأخوذ من الفضاء،
وهو المكان الخالي، ونهى عن استرداد شيء من المهر.
وحمل المس على الخلوة هو أولى من حمله على الوطء؛ لأن المجوز للإطلاق ليس
إلا الملازمة، وملازمة السبب للمسبب أقوى؛ لأن المسبب لا يوجد بدون السبب،
والسبب قد يختلف في المسبب كما في البيع بشرط الخيار، فالسبب لازم دائما،
والمسبب لازم في حال دون حال.
م: (وإن كان أحدهما مريضا) ش: هذا شروع في بيان الموانع إذا كان أحد
الزوجين مريضا، والموانع جمع مانعة، وهي أقسام، مانع حقيقي كالمرض، ومانع
طبيعي ككون المرأة رتقاء، أو قرناء، أو صغيرة لا تطيق الجماع، ومانع حسي،
وهو أن يكون معهما ثالث، سواء كان بصيرا أو أعمى، يقظانا أو نائما، بالغا
أو صبيا، يعقل، والمجنون، والمغمى عليه والصغير الذي لا يعقل لا يمنع
وزوجته الأخرى تمنع.
وعن محمد: لا تمنع، وجاريته لا تمنع، بخلاف جاريتها، والكلب العقور يمنع
وإن لم يكن عقورا، فإن كان للمرأة يمنع، وإن كان له لا يمنع، ومانع شرعي
كالإحرام بحج فرض، ومانع طبيعي وشرعي كالحيض.
م: (أو صائما في رمضان) ش: هو مانع بلا خلاف، لما يلزمه من القضاء والكفارة
م: (أو محرما) ش: أو كان أحد الزوجين محرما م: (بحج فرض، أو نفل، أو عمرة)
ش: الكل سواء في
(5/149)
موانع. وأما المرض فالمراد منه ما يمنع
الجماع، أو يلحقه به ضرر، وقيل: مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور، وهذا التفصيل
في مرضها، وأما صوم رمضان لما يلزمه من القضاء والكفارة والإحرام لما يلزمه
من الدم وفساد النسك والقضاء، والحيض مانع طبعا وشرعا. وإن كان أحدهما
صائما تطوعا فلها المهر كله؛ لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية
المنتقى، وهذا القول في المهر هو الصحيح. وصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنع م: (أو كانت حائضا) ش: أو نفساء، فإنه مانع طبعا وشرعا م: (فليست
الخلوة صحيحة) ش: هذا جواب عن الشرطية، أي فليست الخلوة صحيحة في الأشياء
المذكورة.
م: (حتى لو طلقها كان لها نصف المهر، لأن هذه الأشياء) ش: يعني المرض وصوم
رمضان، والإحرام مطلقا والحيض م: (موانع) ش: وفي " العيون "، والحائض،
والمحرمة إذا جاءت بولد ثبت المهر بذلك كاملا، وإن جاءت بولد لأقل من ستة
أشهر ثبت نسبه.
م: (أما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع، أو يلحقه به الضرر) ش: وهذا
تقييد بتفصيل، وهو أن بالجماع إن كان لا يلحقه ضرر، فالخلوة صحيحة م:
(وقيل: مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور) ش: والتكسر في الأعضاء، والفتور في
الذكر، وهذا بلا تفصيل وهو الأصح إذ لا تفصيل في مرضه، فكل مرض من جانبه
يمنع صحة الخلوة؛ لأن جماع الرجل يوجب التكسر والفتور لا محالة م: (وهذا
التفصيل في مرضها) ش: وهو الصحيح م: (وأما صوم رمضان لما يلزمه من القضاء
والكفارة) ش: أراد به قوله ما يمنع بالجماع، أو يلحق به ضرر.
وفي " الذخيرة ": مرضها متنوع بلا خلاف، واختلفوا في مرضه، وقيل متنوع،
وقيل: جميع أنواعه مانع على كل حال.
وفي " جوامع الفقه ": ومرضه أو مرضها يمنع إذا كان يضره الجماع، وقال الصدر
الشهيد: يمنع جميع الخلوة؛ لأنه يجب بالإفطار القضاء والكفارة جميعا، وفي
ذلك حرج فيكون مانعا.
م: (والإحرام) ش: عطف على قوله - صوم رمضان - تقديره، وأما الإحرام المطلق
فإنه يمنع صحة الخلوة م: (لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء) ش: لأن
الذي جامع في إحرامه تلزمه هذه الأشياء، وقد عرف في موضعه مفصلا م:
(والحيض) ش: عطف على قوله - صوم رمضان - تقديره وأما الحيض فإنه م: (مانع
طبعا وشرعا) ش: أما طبعا فلأن فيه من التلوث بالدم النجس، وأما شرعا فلقوله
تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة:
الآية 222) .
م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (صائما تطوعا) ش: أي صوما تطوعا
أو صائما متطوعا م: (فلها المهر كله) ش: لصحة الخلوة؛ لأنه لا يلزمه إلا
القضاء وعلل المصنف
(5/150)
القضاء والمنذور كالتطوع في رواية، لأنه لا
كفارة فيه، والصلاة بمنزلة الصوم، فرضها كفرضه، ونفلها كنفله.
وإذا خلا المجبوب بامرأته، ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: عليه نصف المهر؛ لأنه أعجز من المريض، بخلاف
العنين؛ لأن الحكم أدير على سلامة الآلة ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أن المستحق عليها بالعقد التسليم في حق المستحق، وقد أتت به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقوله: م: (لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية " المنتقى ") ش: بفتح
القاف اسم كتاب في الفقه صنفه الحاكم الشهيد أبو الفضل محمد بن أحمد السلمي
المروزي، وهو صاحب " الكافي " الذي يسمونه " مبسوطا ".
م: (وهذا القول في المهر هو الصحيح) ش: إشارة إلى وجوب كل المهر في صوم
التطوع، واحترز بالصحيح عن قول من قال: صوم التطوع [ ... ] يمنع صحة
الخلوة، لأنه لا يحل إبطاله إلا بعذر، وبهذا روي عن أبي حنيفة رواية إشارة.
وفي " النهاية " قوله: - وهذا القول في المهر هو الصحيح - أي أخذ رواية "
المنتقى "، في حق كمال المهر دفعا للضرر عنها، وهو الصحيح، والثاني حق جواز
الإفطار، فالصحيح غير رواية " المنتقى "، وهو أن لا يباح الإفطار من غير
عذر.
م: (وصوم القضاء والمنذور كالتطوع في رواية؛ لأنه لا كفارة فيه) ش: يعني لا
يمنع الخلوة، وفي " البدائع ": روى بشر عن أبي يوسف أن صوم النفل، وقضاء
رمضان، والكفارات، والنذور لا تمنع الخلوة، قال: فكان في المسألة روايتان،
وفي المنافع في صوم التطوع والكفارة روايتان بالقطع.
م: (والصلاة بمنزلة الصوم، فرضها كفرضه، ونفلها كنفله) ش: أي فرض الصلاة
كفرض الصوم، ونفل الصلاة كنفل الصوم في أن الفرض فيهما يمنع صحة الخلوة،
وأن النفل فيهما يمنع، وعن أحمد لا يمنع الإحرام والصيام في الحيض والنفاس
وغيرهما صحة الخلوة، وكذا لا يمنع الموانع الحقيقية كالجب والعنة والرتق
والقرن في المرأة، وهو يروى عن عطاء وابن أبي ليلى، والثوري، وعنه يمنع في
رواية، وعنه في صوم رمضان فرق بين المقيم والمسافر.
[خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها]
م: (وإذا خلا المجبوب) ش: وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه من الجب، وهو القطع
م: (بامرأته ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة) ش: وزفر ذكره في "
العيون "، وبه قال عطاء، وابن أبي ليلى والثوري.
م: (وقالا: عليه نصف المهر؛ لأنه أعجز من المريض) ش: لأن المريض ربما يجامع
والمجبوب لا يقدر عليه أصلا لعدم الآلة م: (بخلاف العنين؛ لأن الحكم أدير
على سلامة الآلة) ش: يعني خلوة العنين صحيحة توجب كمال المهر اتفاقا، لأن
آلته سالمة فأدير حكمه، وهو وجوب كمال المهر على سلامة الآلة، ولا آلة
للمجبوب فافترقا، لا يقال سلامتها موجودة في المريض أيضا، ومع
(5/151)
قال: وعليها العدة في جميع هذه المسائل
احتياطا، استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع والولد، فلا تصدق في إبطال
حق الغير بخلاف المهر؛ لأنه مال لا يحتاط في إيجابه وذكر القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه: أن المانع إن كان شرعيا كالصوم والحيض تجب
العدة لثبوت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا ليست خلوة صحيحة؛ لأن السبب الظاهر وهو سلامة الآلة أقيم مقام الأمر
الخفي في العنين، كما هو الأصل، والمانع من الوطء فيه خفي، وربما لا يتحقق
بخلاف المريض، فإن المانع ثمة ظاهر، وهو المرض يعتبر الظاهر. وفي " البدائع
": في خلوة العنين والخصي صحيحة؛ لأنهما لا يمنعان الجماع كغيرهما، وفي "
القنية ": صحة خلوة العنين إجماع، ومثله في " التحفة " و" العيون ".
م: (ولأبي حنيفة أن المستحق عليها بالعقد التسليم) ش: بأقصى ما في وسعها من
التمكين م: (في حق المستحق) ش: أي المس م: (وقد أتت به) ش: أي والحال أنها
قد أتت به، أي بالتسليم المستحق عليها م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع
الصغير " م: (وعليها العدة في جميع هذه المسائل) ش: أي عند صحة الخلوة
وفسادها بالموانع المذكورة م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (استحسانا)
ش: أي على وجه الاستحسان فيما تصح الخلوة، وفيما لا تصح، والقياس أن لا تجب
العدة؛ لأنه لم توجب الخلوة، فلا تجب العدة، وكذا بعد الخلوة لوجود الجامع،
وهو كونه طلاقا قبل الدخول.
وجه الاستحسان هو قوله م: (لتوهم الشغل) ش: بفتح الشين المعجمة، نظرا إلى
المنع الحقيقي م: (والعدة حق الشرع) ش: يدل عليه أن الزوجين لا يملكان
إسقاطها، والتداخل يجري فيها، وحق العبد لا يتداخل م: (والولد) ش: أي وحق
الولد، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يسقين ماءه زرع غيره» والمقصود غاية نسب الولد وهو حقه م: (فلا تصدق)
ش: أي المرأة م: (في إبطال حق الغير) ش: بقولها لم يطأني، وقيل: معناه فلا
يصدق الزوج في إبطال حقها بقوله: لم أطأها.
م: (بخلاف المهر) ش: فإنه لا يجب بالخلوة الفاسدة م: (لأنه مال لا يحتاط في
إيجابه) ش: لأنه لا يجب بالشك، فلا يجب إذا لم تصح الخلوة.
(5/152)
التمكن حقيقة، وإن كان حقيقيا كالمرض
والصغر، لا تجب لانعدام التمكن حقيقة. قال: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا
مطلقة واحدة، وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها.
قال: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا مطلقة واحدة، وهي التي طلقها الزوج قبل
الدخول بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: التوهم معدوم في فصل الجب.
قلنا: شغل رحمها بمائه موهوم بالسحق، ولهذا ثبت نسب ولديهما عند ابن أبي
سليمان.
م: (وذكر القدوري في شرحه) ش: لمختصر الشيخ أبي الحسن الكرخي م: (أن
المانع) ش: من الخلوة الصحيحة م: (إن كان شرعيا) ش: كالصلاة والصوم ونحوهما
م: (تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة) ش: أي لثبوت تمكنه من الوطء حقيقة بلا
شك، ولكن لا يتمكن شرعا فدارت بين الوجوب وعدمه، فتجب احتياطا لجواز أنها
لا تتأتى بالمانع الشرعي.
م: (وإن كان) ش: أي المانع (حقيقيا كالصغر والمرض لا تجب) ش: أي العدة م:
(لانعدام التمكن) ش: من الوطء م: (حقيقة) ش: قال الأترازي: بيانه أن في كل
موضع يتمكن من الوطء حقيقة لكن تمتنع لمانع يجب فيه العدة، وفيه الرتق
يتصور الوطء بالفتق، وفي المجبوب، وفي كل موضع لا يتمكن من الوطء حقيقة
كالمريض السخيف، والصغير أو الصغيرة، لا تجب العدة، كذا في " فتاوى الصغرى
".
أما المهر في الرتق فقال في كتاب الصلاة في باب المراجعة: إذا خلا بها ثم
طلقها يجب عليه نصف المهر، قال الصدر الشهيد: وفي " شرح الجامع الصغير ":
ومن المتأخرين من قال: الصحيح أن المذكور على قولهما، وعلى قول أبي حنيفة
تصح الخلوة، ويجب المهر كاملا كالمجبوب، قال: لكن هذا خلاف ظاهر الرواية،
وقال صاحب " الأجناس ": اتفقت الروايات أنه يجب نصف المهر وهو الأصح.
وفي " شرح الطحاوي ": أقيم الخلوة مقام الوطء في بعض الأحكام لتأكد المهر
وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في العدة، وحرمة نكاح خمسا، أربع
سواها في هذه العدة دون البعض كالإحصان، أي لا يصير محصنا بالخلوة وحرمة
البنات والإحلال للزوج الأول، والرجعة، والإرث، حتى لو طلقها ومات وهو في
العدة لم ترث، وفي وقوع الطلاق في هذه العدة اختلاف، والصحيح أنه يقع طلاق
آخر في هذه العدة؛ لأن الأحكام لما اختلفت في هذا الباب وجب القول بالوقوع
احتياطا، وفي حرمة البنت في هذه العدة عن طلاق بائن اختلاف، فعن محمد يحرم
خلافا لأبي يوسف، والخلوة الصحيحة في النكاح لا توجب العدة.
وذكر العتابي تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة
ظاهرا على الحقيقة، فقيل: لو تزوجت وهي متعينة لعدم الدخول حل لها ديانة لا
قضاء، والموت أقيم مقام الدخول في حكم المهر والعدة، وفيما سواها من
الأحكام كالعدة، وفي " شرح القاضي
(5/153)
وقد سمى لها مهرا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: تجب لكل مطلقة إلا لهذه؛ لأنها وجبت صلة من الزوج؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خان ": فإن ماتت الأم قبل أن يدخل بها فابنتها له حلال.
[استحباب المتعة لكل مطلقة]
م: (قال) ش: القدوري: م: (وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا مطلقة واحدة وهي
التي طلقها الزوج قبل الدخول بها، وقد سمى لها مهرا) ش: صدر الكلام يدل على
عموم استحباب المتعة لكل مطلقة، لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يقتضي عموم
الإفراد، ثم استثنى منه هذه المطلقة المذكورة، قال صاحب " المنافع ": وقع
الاشتباه هنا في الاستثناء في صدر الكلام، أما الاستثناء فإنه ذكر في "
المبسوط " والحق أن المتعة تستحب للتي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا،
فتعذر الاستثناء على هذا.
وأما صدر الكلام فإن المتعة واجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا،
قال: والجواب أن المتعة في المستثنية ليست بمستحبة عند القدوري، فقد ذكر في
شرحه أن المتعة واجبة ومستحبة، فالواجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها
مهرا، والمستحبة لكل مطلقة إلا التي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا،
والمراد من قوله: لكل مطلقة غير التي يجب لها المتعة؛ لأنه بين حكم هذه قبل
هذا.
وقال الأترازي: معنى كلام القدوري: تستحب المتعة لكل مطلقة سوى التي تقدم
ذكرها، وهي التي طلقها قبل الدخول، وقبل التسمية، فإن متعتها واجبة إلا
لمطلقة واحدة، وهي التي طلقها قبل الدخول بعد التسمية، فإن متعتها ليست
بواجبة ولا مستحبة حكما للطلاق، ولو كان مستحبا لكان لمعنى آخر كما في قوله
في صلاة الفطر: ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ -، أي حكما للعيد، ولكن لو كبر لأنه ذكر الله تعالى يجوز
ويستحب، وهذا اختيار صاحب " الهداية "، وعلى رواية صاحب " المختلف " وغيره
أن المتعة المستثناة أيضا مستحبة، فلا يصح الاستثناء على روايتهم.
وقال " صاحب الكافي ": قوله: - تستحب المتعة ... إلى آخره - يريد به
المطلقة بعد الدخول في نكاح فيه تسمية أولا، والمطلقة قبل الدخول في نكاح
فيه تسمية إلا المفوضة، فإنه يجب فيها.
وقال الكاكي: إنه ورد الإشكال في الاستثناء وًصدر الكلام المذكورين، ثم
أجاب عن الأول: بأن المصنف اتبع القدوري، فذكر ما ذكرناه، ثم قال لأن من
نفى الاستحباب أراد به الاستحباب الناشئ من دفع وحشة الفراق، وهو معدوم في
المستثنى، وظهرت المخالفة بين المستثنى والمستثنى منه من هذا الوجه.
وعن الثاني بأنه أجرى لفظ الاستحباب على العموم، وأراد به حقيقة في البعض،
وهي
(5/154)
أوحشها بالفراق إلا أن في هذه الصورة نصف
المهر طريقة المتعة، لأن الطلاق فسخ في هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التي طلقها بعد الدخول، وقبل الدخول سمى لها مهرا أو لا، مجازا أي الوجوب
في البعض، وهي التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، وفي الوجوب استحباب
وزيادة، وهذا واضح عند مشايخ العراق؛ لتجويزهم الجمع بين الحقيقة والمجاز
عند اختلاف المحل. وقال الكاكي أيضا: أو يقال: إنه أراد به كل مطلقة غير
التي يجب لها المتعة؛ لأنه بين حكمها سابقا، فدل سبق ذكرهما على أنه أراد
بهذا العموم وغيرهما كي لا يلزم التكرار في البعض أو التناقص.
وقال السروجي - بعد أن ساق كلام المصنف -: وتستحب المتعة إلى قوله: - وقد
سمى لها مهرا - وفي بعض النسخ - ولم يسم لها مهرا - انتهى.
قلت: قال في " المجتبى ": المكتوب في النسخ: المتعة إلا التي طلقها قبل
الدخول ولم يسم لها مهرا، وهكذا صح الإمام ركن الأئمة الساغبي في شرحه
للقدوري، انتهى.
قلت: على هذه النسخة لا يبقى الإشكال.
وقال تاج الشريعة: قوله: وتستحب المتعة لكل مطلقة، اعلم أن المتعة واجبة
لمطلقة واحدة وهي التي مر ذكرها في الكتاب، ومستحبة لمطلقتين إحداهما التي
طلقها زوجها بعد الدخول ولم يسم لها مهرا، والأخرى التي طلقها بعد الدخول
وقد سمى لها مهرا، والتي طلقها قبل الدخول بعد التسمية لا تكون المتعة
واجبة لها، ولا مستحبة وهي الصورة المستثناة في الكتاب، فصار قوله: -
وتستحب المتعة لكل مطلقة - أي تستحب لكل مطلقة غير تلك المطلقة التي وجبت
متعتها إلا المطلقة الواحدة.
فالحاصل أن المطلقات أربع؛ لأنها لا تخلو إما أن كانت مدخولا بها أو لم
تكن، فإن لم تكن فلا يخلو أن كان مهرها مسمى، أو لم يكن، فإن لم يكن فهي
التي وجبت لها المتعة، وإن كان مهرها مسمى فهي الصورة المستثناة، التي لا
يستحب لها ولا تجب، وإن كانت مدخولا بها فلا تخلو، إما أن كان مهرها مسمى
أو لا، وأما إن كان يلزم القسمان الآخران، وهما اللتان يستحب لهما المتعة.
م: (وقال الشافعي: تجب) ش: أي المتعة م: (لكل مطلقة إلا لهذه) ش: وهي التي
طلقها قبل الدخول بعد تسمية المهر، فليست المتعة عنده واجبة لها على القول
الجديد، وعلى قوله القديم تجب المتعة، وبقوله قال أحمد في رواية، وفي رواية
مثل قولنا، وقال مالك: إنها مستحبة في الجميع.
م: (لأنها) ش: أي لأن المتعة م: (وجبت صلة من الزوج) ش: وليست بعوض؛ ولهذا
اختلف بيسار الزوج وإعساره، والأعواض لا تختلف كمال من عليه (لأنه) ش: لأن
الزوج
(5/155)
الحالة، والمتعة لا تتكرر. ولنا أن المتعة
خلف عن مهر المثل في المفوضة؛ لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة، والعقد
يوجب العوض، فكان خلفا، والخلف لا يجامع الأصل ولا شيئا منه، فلا تجب مع
وجوب شيء من المهر وهو غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به، فكان من
باب الفضل.
وإذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه المزوج بنته أو أخته ليكون أحد العقدين
عوضا عن الآخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أوحشها بالفراق) ش: فأوجبناها صلة؛ رفعا لوحشة الفراق.
م: (إلا أن في هذه الصورة) ش: أي المستثناة م: (نصف المهر) ش: منصوب لأنه
اسم لأن، وطريقة المتعة مرفوع لأنه خبر إن، وتقدير الكلام للمستثناة نصف
المهر يجب م: (بطريق المتعة، لأن الطلاق فسخ) ش: معنى م: (في هذه الحالة)
ش: أي في الطلاق قبل الدخول يعود مالها إليها سالما، وذلك يقتضي سقوط المهر
كله، كما في فسخ البيع، لكن الشرع أوجب نصف المهر بطريق المتعة.
م: (والمتعة لا تتكرر) ش: فلا يجب المتعة لهذه المطلقة مع نصف المهر، وقيل:
قوله: - وطريق المتعة - وقع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا حيث قالوا:
الطلاق في هذه الحالة فسخ فيسقط جميع المسمى، وإنما يجب نصفه على طريق
المتعة، وأما الآخرون منهم قالوا: يبقى نصف المهر، وسقط نصفه بالطلاق،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة:
الآية 237) .
م: (ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة) ش: بكسر الواو، وهي التي
طلقها قبل الدخول، ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها، م:
(لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (سقط مهر المثل) ش: بالطلاق قبل الدخول م:
(ووجبت المتعة والعقد) ش: أي والحال أن العقد م: (يوجب العوض) ش: لا ينفك
عنه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]
(النساء: الآية 24) م: (فكان خلفا) ش: عن مهر المثل كالتيمم مع الوضوء م:
(والخلف لا يجامع الأصل) ش: فلا تجب المتعة بوجوب المهر لكل المفروض عند
الطلاق بعد الدخول أو بعض المفروض قبله م: (ولا شيئا منه، فلا تجب) ش: أي
المتعة م: (مع وجوب شيء من المهر، وهو غير جان في الإيحاش) ش: جواب عن حرف
الخصم، وهو قوله: أوحشها بالفراق، وتقديره: سلمنا أنه أوحشها بالفراق لكنه
لم يكن في ذلك الإيحاش جانيا؛ لأنه فعل حاصل بإذن الشرع.
م: (فلا تلحقه الغرامة به) ش: أي بالإيحاش، وذلك لأن الطلاق مباح شرعا،
وربما يكون مستحبا إذا كانت المرأة سليطة أو تاركة للصلاة أو خافا أن لا
يقيما حدود الله، قيل: هذا مما يعلم ولا يفتى به كما في صورة المرأة
الصالحة والزوج مدمن خمر، أو يطلقها ثلاثا ولا يفارقها؛ فإنه يجوز لها أن
تدفع السم إلى زوجها فتقتله م: (فكان من باب الفضل) ش: أي فكانت المتعة من
باب الإحسان، وإنما قال - فكان - على تأويل المشاع، والمتعة بمعنى واحد أو
على تأويل فعل
(5/156)
فالعقدان جائزان، ولكل واحدة منهما مهر
مثلها.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل العقدان؛ لأنه جعل نصف البضع
صداقا، والنصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المتعة.
[تعريف وحكم نكاح الشغار]
م: (وإذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه المزوج بنته، أو أخته؛ ليكون أحد
العقدين عوضاً عن الآخر فالعقدان جائزان، ولكل واحدة منهما مهر مثلها) ش:
هذا النكاح يسمى نكاح الشغار من الشغور، وهو الرفع والإخلاء، يقال: شغر
البلد إذا خلا عن الناس، والبلد شاغرة إذا لم تمنع من غارة أحد، وسمي هذا
النكاح بذلك لخلوه عن المهر، وهو من أنكحة الجاهلية.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شغار في الإسلام» وقيل:
هو من الرفع، يقال: شغر الكلب إذا رفع رجليه ليبول، وفيه قولان، قيل: سمي
به؛ لأنهما رفعا المهر من العقد، وقيل: معناه لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع
رجل بنتك لأهل الجاهلية، ذكره الغرابي في " الوسيط والبسيط "، وقيل: الشغار
البعد، فكأنه بعد عن الحق في نفي المهر، وأشغر في الفلاة أبعد فيها.
فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا شغار في الإسلام» حديث صحيح
أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأخرجه
الترمذي أيضاً من حديث عمران بن حصين، وأخرجه مسلم من حديث جابر - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولفظه: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الشغار» .
قلت: النهي الوارد فيه إنما كان من أجل خلائه عن تسمية المهر، وتركه
بالكلية عادة الجاهلية لا لعين النكاح، فأشبه البيع وقت النداء والنكاح لا
يبطله خلوه من تسمية المهر كالمفوضة، ولا فساد تسميته كالصداق المجهول،
وملك الغير والآبق ولا تسمية بما ليس بمال كالميتة والدم، ولا بتسمية ما
ليس بمتقوم كالخمر والخنزير، وقد نص إمام الحرمين على أن خلوه لا يبطله ولا
يشترط آخر في النكاح؛ لأنه شرط فاسد والنكاح لا يبطله الشروط الفاسدة.
قوله: في الكتاب عوضاً عن الآخر قيد به؛ لأنه لو لم يقل على أن يكون بضع كل
واحدة صداقاً للآخر يجوز النكاح ولا يكون شغاراً بإجماع الأئمة الأربعة.
وأما إذا قال: زوجتك بنتي، على أن تزوجني ابنتك، على أن يكون نكاح كل واحدة
منهما صداقاً للأخرى، فإنه ينعقد النكاح عندنا، ولكل واحدة منهما مهر
المثل، وكذا إذا قال في الأختين أو الابنتين.
(5/157)
الآخر منكوحا، ولا اشتراك في هذا الباب،
فبطل الإيجاب. ولنا: أنه سمى ما لا يصلح صداقا فيصح العقد ويجب مهر المثل،
كما إذا سمى الخمر والخنزير، ولا شركة بدون الاستحقاق.
وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة، أو على تعليم القرآن فلها مهر
مثلها. وقال محمد: لها قيمة خدمته سنة، وإن تزوج عبد امرأة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يبطل العقدان) ش: وبه
قال مالك وأحمد، واحتجوا بالحديث، وأجبناه عن قريب، وبقوله قال عطاء، وعمرو
بن دينار، ومكحول، والزهري، والثوري. وقال الأوزاعي: إن كان دخلا بهما
فلهما مهر مثلهما، وقبل الدخول يفسخ ويفسد العقد، وقال عطاء: المشاغران
يقران على نكاحهما، ويؤخذ لكل واحدة صداق وبه يبطل تشاغرهما، ولم يستدل
المصنف للشافعي في هذا بالحديث، بل استدل له بالمعقول حيث قال.
م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي زوج بنته على أن يزوجه الرجل بنته م: (جعل
نصف البضع) ش: من كل واحدة منهما م: (صداقاً، والنصف الآخر منكوحاً، ولا
اشتراك في هذا الباب) ش: أي في باب النكاح؛ لأن البضع الواحد لا يكون
مشتركاً بين شخصين، كما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين، وإذا لم يصح
الاشتراك م: (فبطل الإيجاب) ش: وإذا بطل الإيجاب بطل العقد.
م: (ولنا أنه سمى ما لا يصلح صداقاً، فيصح العقد ويجب مهر المثل، كما إذا
سمى الخمر والخنزير) ش: بأن تزوجها على خمر أو خنزير م: (ولا شركة بدون
الاستحقاق) ش: هذا جواب الخصم، وبيانه أن البضع لما لم يصلح صداقاً لم
يتحقق الاشتراك؛ لأن منافع بضع المرأة لا تصلح أن تكون مملوكة لامرأة أخرى،
فبقي هذا شرطاً فاسداً، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة.
[تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة أو على
تعليم القرآن]
م: (وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة، أو على تعليم القرآن) ش: أي
تزوجها على أن يعلمها القرآن صح النكاح م: (فلها مهر مثلها) ش: في
الصورتين، وبصورة تعليم القرآن، مثل قولنا قال مكحول، والليث، ومالك،
وإسحاق، وأحمد في رواية، واختاره أبو بكر من الحنابلة، وابن الجوزي في "
التحقيق "؛ لأنه عبادة وليس بمال، وشرع النكاح بالمال، فصار كالصوم والصلاة
وتعليم الإيمان، ومعنى حديث الواهبة نفسها وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«زوجتكها بما معك من القرآن» ، أي من أجل أنك من أهل القرآن، أو ببركة ما
معك من القرآن، كتزوج أبي طلحة على إسلامه.
م: (وقال محمد: لها قيمة خدمته سنة) ش: والمسألة من مسائل القدوري، ولكنه
ذكرها على الاتفاق، ولم يذكر خلاف محمد، والمصنف ذكره اتباعاً لرواية "
الجامع الصغير "، فإنه قال فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل تزوج
امرأة على خدمته سنة، قال: إن كان حراً فلها
(5/158)
حرة بإذن مولاه على خدمته سنة جاز، ولها
خدمته سنة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها تعليم القرآن والخدمة
في الوجهين، لأن ما يصلح أخذ العوض عنه بالشرط يصلح مهرا عنده؛ لأن بذلك
تتحقق المعاوضة، فصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر برضاها أو على رعي
الزوج غنمها. ولنا أن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال، والتعليم ليس بمال،
وكذلك المنافع على أصلنا، وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته،
ولا كذلك الحر، ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح؛ لما
فيه من قلب الموضوع بخلاف خدمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مهر مثلها، وإن كان عبداً فلها خدمة سنة.
وقال محمد: لها خدمة سنة إن كان حراً، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح
الجامع الصغير ": قال الفقيه أبو جعفر: ينبغي أن يكون قول أبي يوسف مثل قول
محمد، وقال بعض مشايخنا: إن قوله مثل قول أبي حنيفة.
م: (وإن تزوج عبد امرأة حرة بإذن مولاه على خدمته سنة جاز، ولها خدمته سنة)
ش: لما فيه من تسليم رقبته والعبد من الأموال يباع في الأسواق، ويعرض عرض
الدواب، وقد سلبت عنه كرامات البشر.
م: (وقال الشافعي: لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين) ش: أي في الحر
والعبد، وبه قال مالك وأحمد، وكذا الخلاف لو تزوجها وجعل مهرها طلاق الغير،
أو العفو عن القصاص، فعندنا يجب مهر المثل، وعندهم المسمى م: (لأن ما يصلح
أخذ العوض عنه بالشرط يصلح مهراً عنده) ش: أي عند الشافعي، لأن المقصود
تحقق المعاوضة.
م: (لأن بذلك تتحقق المعاوضة، فصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر برضاها،
أو على رعي الزوج غنمها) ش: أي أو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة فلا، وكذا
إذا تزوجها على أن يزرع أرضها سنة.
م: (ولنا أن المشروع) ش: أي في عقد النكاح م: (إنما هو الابتغاء بالمال) ش:
أي الطلب بالمال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
[النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، م: (والتعليم ليس بمال) ش: أي تعليم
القرآن ليس بمال، فضلاً أن يكون متقوماً.
م: (وكذلك المنافع) ش: غير متقومة م: (على أصلنا) ش: لأنها أعراض لا تبقى
زمانين، وتقومها في العقد على خلاف القياس م: (وخدمة العبد ابتغاء بالمال
لتضمنه تسليم رقبته) ش: أي رقبة العبد، كما في الإجارة م: (ولا كذلك الحر)
ش: لأنه يتضمن تسليم رقبته، وعلى هذه النكتة يقع جواز النكاح على خدمة آخر،
ورعي الغنم، قاله الأكمل.
وفي " المحيط ": ولو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته، ويرجع على الزوج
(5/159)
حر آخر برضاه، لأنه لا مناقضة فيه، وبخلاف
خدمة العبد؛ لأنه يخدم مولاه معنى حيث يخدمها بإذنه وبأمره بالنكاح، وبخلاف
رعي الأغنام؛ لأنه من باب القيام بأمور الزوجية، فلا مناقضة على أنه ممنوع
في رواية، ثم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب قيمة الخدمة؛ لأن
المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقيمة حرمته وعلى رعي غنمها وزراعة أرضها يجوز في رواية، ولا يجوز في
رواية.
وفي " المرغيناني " روايتان: ولو تزوج العبد على رقبته بإذن مولاه أمة أو
مدبرة أو أم ولد جاز، ولو تزوج عليها حرة أو مكاتبة لا يجوز، ولا ينفذ
بقيمته؛ لأن المنع من جهة الشرع، لا من جهة المال، بخلاف عبد الغير، حيث
يصح النكاح، وتجب قيمته.
م: (ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح لما فيه) ش: أي
لما في استحقاق خدمة الزوج الحر م: (من قلب الموضوع) ش: لأن موضوع النكاح
أن يكون الزوج مالكاً، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ} [النساء: 34] (النساء: الآية 34) .
والمراد بالقوامة المالكية، ومقتضى النكاح أن تكون المرأة خادمة، والزوج
مخدوماً لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «النكاح رق» ، وفي جعله خدمته
مهراً كان الرجل خادماً، والمرأة مخدومة، وهذا خلاف موضوع النكاح بلا خلاف.
م: (بخلاف خدمة حر آخر برضاه؛ لأنه) ش: يصلح أن يكون مهراً؛ لأنه مسلم من
رقبته كالمستأجر م: (لا مناقضة فيه، وبخلاف خدمة العبد؛ لأنه يخدم مولاه
معنى) ش: يعني من حيث المعنى.
م: (حيث يخدمها بإذنه وبأمره بالنكاح، وبخلاف رعي الأغنام؛ لأنه من باب
القيام بأمور الزوجية) ش: وليس من باب الخدمة، لأنهما يشتركان في منافع
أموالهما فلم تتمحض الخدمة، ألا ترى أن الابن إذا استأجر أباه للخدمة لا
يجوز، ولو استأجره لرعي الغنم والزراعة وغيرها يجوز، وكيف وقد وقع التنصيص
في قصة شعيب - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وشريعة من قبلنا تلزمنا، إذا نص الله
ورسوله بلا إنكار.
م: (فلا مناقضة على أنه ممنوع في رواية) ش: وهي رواية الأصل " الجامع " وهو
الأصح، ويجوز على رواية ابن سماعة، وعللها بقوله لأنه من باب القيام بأمور
الزوجية م: (ثم على قول محمد تجب قيمة الخدمة؛ لأن المسمى) ش: وهي الخدمة
م: (مال) ش: يرد العقد عليها إذ المنفعة تصير مالاً بإيراد العقد عليها.
م: (إلا أنه عجز عن التسليم) ش: أي عن تسليم الخدمة م: (لمكان المناقضة) ش:
وهي كون
(5/160)
فصار كالتزوج على عبد الغير. وعلى قول أبي
حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب مهر المثل؛ لأن الخدمة ليست بمال، إذ
لا تستحق فيه بحال، فصار كتسمية الخمر والخنزير، وهذا لأن تقومه بالعقد
للضرورة، فإذا لم يجب تسليمه في العقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم على الأصل
وهو مهر المثل، فإن تزوجها على ألف فقبضتها ووهبتها له ثم طلقها قبل الدخول
بها رجع عليها بخمسمائة؛ لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستوجبه؛ لأن
الدراهم والدنانير لا تتعينان في العقود والفسوخ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المخدوم خادماً، والخادم مخدوماً وهي ممنوعة عن استخدام الزوج شرعاً فتكون
لها قيمة المسمى م: (فصار كالتزوج على عبد الغير) ش: فاستحق، فلزم قيمته.
م: (وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يجب مهر المثل؛ لأن الخدمة) ش: أي خدمة
الحر م: (ليست بمال إذ لا تستحق فيه) ش: أي لا تستحق الخدمة في النكاح، قال
الرازي: سماعاً في هذا الموضع بكلمة أو التي هي موضوعة لأحد الشيئين على أن
تكون هذه الجملة دليلاً ثانيا، بيانه أن مهر المثل إنما وجب لأحد الأمرين،
إما لأن خدمة الزوج الحر ليست بمال، أو لأن خدمته لها لا تعتبر مستحقة في
النكاح. م: (بحال) ش: يعني أصلاً، لأن المنافع ليست بمال متقوم حقيقة، لعدم
الإحراز وتقومها المعقود للضرورة شرعاً، بخلاف القياس، وإذا منعنا الشرع عن
تسليم هذه المنفعة لمكان المناقضة لم يثبت تقومها لما ذكرنا أن فيه قلب
الموضوع، م: (فصار كتسمية الخمر والخنزير) ش: إذا عقد، وسماهما، أو
إحداهما، فإنه يجب مهر المثل.
م: (وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة، فإذا لم يجب تسليمه) ش: أي تسليم ما
ليس بمال م: (في العقد لم يظهر تقومه، فيبقى الحكم على الأصل وهو مهر
المثل) ش: إذ مهر المثل هو الأصل في النكاح.
م: (فإن تزوجها على ألف) ش: أي بأن تزوج امرأة، وجعل صداقها ألف درهم م:
(فقبضتها) ش: أي فقبضت المرأة الألف الصداق م: (ووهبتها له) ش: أي للزوج م:
(ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها) ش: أي رجع الزوج على المرأة م:
(بخمسمائة) ، ش: وهي نصف المهر، وبه قال الشافعي. وقال: في الأظهر لا يرجع
كما في"العين"، وبه قال مالك وأحمد في رواية م: (لأنه) أي لأن الزوج م: (لم
يصل إليها بالهبة) ش: أي هبة الألف التي قبضتها ثم وهبتها له م: (عين ما
يستوجبه) أي عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنه يستحق به نصف المهر
والمقبوض ليس بمهر، بل هو عوض عنه، وهذا لأن المهر دين في الذمة، والمقبوض
عين، فكان مثله لا عينه، فصارت هبة المقبوض كهبة مال آخر، وحقه في سلامة
نصف الصداق، فلم يسلم له الرجوع وهذا م: (لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان
في العقود والفسوخ) ش: عندنا فصار كهبة مال آخر.
(5/161)
وكذا إذا كان المهر مكيلا، أو موزونا أو
شيئا آخر في الذمة؛ لعدم تعينها. فإن لم تقبض الألف حتى وهبتها له، ثم
طلقها قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء في قولهم جميعا،
وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛
لأنه سلم المهر له بالإبراء، فلا تبرأ عما يستحقه بالطلاق قبل الدخول. ووجه
الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول، وهو براءة ذمته
عن نصف المهر، ولا يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود.
ولو قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض وغيره، أو وهبت الباقي ثم
طلقها قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا) ش: أي وكذا يرجع عليها بالنصف م: (إذا كان المهر مكيلاً، أو
موزوناً، أو شيئا آخر في الذمة) ش: كالعدة، وليس في الكثير من النسخ لفظ "
أو شيئاً "؛ بل هو " أو موزوناً آخر " بلفظ: " آخر " صفة الموزون.
وقال الأترازي: أو موزوناً آخر غير الدراهم والدنانير - يعني غير مقبوض بأن
تزوجها، وجعل مهرها كذا وكذا أكراً من الحنطة، أو الشعير، أو كذا وكذا
رطلاً من الأشياء التي توزن، أو شيئاً آخر عين المكيل والموزون، وكل ذلك
بلا قبض، وعلل هذا بقوله: م: (لعدم تعينها) ش: أي لعدم تعيين هذه الأشياء
عند العقد، ولهذا لم يجب عليها رد عين ما قبضت. م: (فإن لم تقبض الألف) ش:
أي فإن لم تقبض المرأة الألف التي أصدقها عليها م: (حتى وهبتها له ثم طلقها
قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما) ش: أي من الزوجين م: (على صاحبه بشيء)
ش: من ذلك م: (في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه استحساناً.
م: (وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول زفر؛ لأنه) ش: أي لأن الزوج
م: (سلم المهر له بالإبراء) ش: وما سلم له بالإبراء غير ما يستحقه بالطلاق
وهو براءة ذمته عما عليه من نصف المهر بالطلاق قبل الدخول فالزوج سلم له
غير ما يستحقه م: (فلا تبرأ) ش: أي المرأة م: (عما يستحقه) ش: أي الزوج م:
(بالطلاق قبل الدخول) ش: فالزوج يسلم له وهو النصف.
م: (ووجه الاستحسان أنه) ش: أي أن الزوج م: (وصل إليه عين ما يستحقه
بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر) ش: لكن بسبب آخر وهو
الإبراء م: (ولا يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود) ش: وهو براءة ذمة
الزوج عن نصف المهر؛ لأن الأسباب غير مطلوبة لذاتها بل لأحكامها، ألا ترى
أن من يقول لآخر: لك علي ألف درهم ثمن هذه الجارية التي اشتريتها منك، وقال
الآخر: الجارية جاريتك ولي عليك ألف، لزمه المال لحصول المقصود، وإن كذبه
في السبب وهو بيع الجارية.
م: (ولو قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض وغيره، أو وهبت الباقي ثم
طلقها قبل
(5/162)
الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه
بشيء، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يرجع عليها بنصف ما قبضت
اعتبارا للبعض بالكل، ولأن هبة البعض حط فيلحق بأصل العقد، ولأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مقصود الزوج قد حصل وهو سلامة نصف الصداق بلا عوض،
فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق، والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح، ألا
ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى لا تتنصف، ولو كانت وهبت أقل من النصف
وقبضت الباقي فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف، وعندهما ينتصف المقبوض.
ولو كان تزوجها على عرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدخول بها لم يرجع أحدهما بشيء على صاحبه عند أبي حنيفة) ش: أي فيما يتعين
وفيما لا يتعين، وبه قال الشافعي في وجه، وهو الأصح، وفي وجه: يرجع عليها
بنصف الصداق، وهو قول زفر، وهو القياس.
م: (وقالا: يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتباراً للبعض بالكل) ش: يعني لو قبضت
الكل، ثم وهبت للزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف ما قبضت، فكذا إذا
قبضت البعض م: (ولأن هبة البعض حط، فيلحق بأصل العقد) ش: أي البعض الذي لم
يقبضه حط والحط يلحق بأصل العقد، فكأنه تزوجها قبل الخمسمائة المقبوضة
ابتداء.
م: (ولأبي حنيفة أن مقصود الزوج قد حصل) ش: وقد فسر مقصوده، بقوله: م: (وهو
سلامة نصف الصداق بلا عوض) ش: وقد حصل م: (فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق)
ش: كمن له على آخر دين مؤجل، فاستعجل قبل حلول الأجل م: (والحط لا يلتحق
بأصل العقد في النكاح) ش: لأنه ليس بعقد معاينة، ولا مبادلة مال بمال، فلا
تقع الحاجة إلى دفع العين، فلا يلتحق بأصل العقد، وإنما يلتحق في البيع
فإنه عقد معاينة ومبادلة مال بمال، ومرابحة مع الحاجة إلى دفع العين، ثم
استوضح ذلك بقوله.
م: (ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى لا تتنصف) ش: وكذا الحط لا يلتحق،
لأن الحط والزيادة شيئان، فإذا لم يلتحق الحط لا تلتحق الزيادة، ألا ترى
أنها لو حطت عن الزوج إلا خمسة لم يكمل لها عشرة اعتباراً بالابتداء، ولو
التحق الحط بأصل العقد يكمل، ولو انتصف ولم تهب الباقي حتى طلقها لم ينتصف
الباقي اعتباراً بالابتداء. م: (ولو كانت وهبت أقل من النصف. وقبضت الباقي
فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف) ش: صورته: تزوجها على ألف، فوهبت منه
مائتين، وقبضت الباقي، فعند أبي حنيفة يرجع عليها بثلاثمائة درهم حتى يتم
النصف.
م: (وعندهما ينتصف المقبوض) ش: يعني يرجع عليها بأربعمائة؛ لأنه عنده ما
سلم للزوج العين، وعندهما المقبوض معتبر، فكأنه تزوجها على ما قبضت فينتصف
المقبوض.
[تزوجها على عرض فوهبته له]
م: (ولو كان تزوجها على عرض) ش: وفي " الكافي ": تزوجها على ما يتعين
بالتعيين كالعرض، وفي " جامع قاضي خان " والمكيل والموزون إذا كان عيناً
فهو بمنزلة العروض، وإن كان
(5/163)
فقبضته أو لم تقبض، فوهبت له، ثم طلقها قبل
الدخول بها لم يرجع عليها بشيء، وفي القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عليها بنصف قيمته؛ لأن الواجب فيه رد نصف عين المهر على ما مر
تقريره. وجه الاستحسان: أن حقه عند الطلاق سلامة نصف المقبوض من جهتها، وقد
وصل إليه، ولهذا لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه، بخلاف ما إذا كان المهر
دينا، وبخلاف ما إذا باعت من زوجها؛ لأنه وصل إليه ببدل. ولو تزوجها على
حيوان، أو عروض في الذمة فكذلك الجواب؛ لأن المقبوض متعين في الرد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ديناً فهو بمنزلة الدراهم م: (فقبضته أو لم تقبضه) ش: سواء في حكم المسألة
م: (فوهبته له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشيء) ش: استحساناً
وبه قال الشافعي في القديم، وفي الجديد يرجع، وهو قول مالك، وأحمد في
رواية، وهو قول زفر.
م: (وفي القياس. وهو قول زفر رجع عليها بنصف قيمته؛ لأن الواجب فيه رد نصف
عين المهر على ما مر تقريره) ش: يعني في قوله: لأنه يسلم لها المهر في
الإبراء فلا تبرأ بما تستحقه.
م: (وجه الاستحسان: أن حقه) ش: أي حق الزوج م: (عند الطلاق سلامة نصف
المقبوض من جهتها) ش: بلا عوض م: (وقد وصل إليه) ش: عين المهر بلا عوض من
جهتها، فحصل مقصوده، فلا يرجع بشيء، كما عجل الدين المؤجل قبل حلول الأجل،
وكمن عجل الزكاة قبل الحلول.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل حصول حقه إليه م: (لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه)
ش: أي مكان ما تستحقه بالطلاق قبل الدخول؛ لتعينه في الرد م: (بخلاف ما إذا
كان المهر ديناً) ش: يجري فيه العوض كالمكيل والموزون حيث يرجع عليها
بالنصف؛ لأن المقبوض لا يتعين بالرد، إذ الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها.
م: (وبخلاف ما إذا باعت) ش: يعني الصداق المعوض م: (من زوجها لأنه وصل إليه
ببدل) ش: أي بعوض؛ لأنه اشتراه منها والسلامة بعوض كلا سلامة، فلا ينوب عما
التحقه بالطلاق، فيرجع عليها بنصف المهر.
م: (ولو تزوجها على حيوان) ش: بأن تزوجها على حمار، أو فرس أو نحوهما م:
(أو عروض) ش: أي أو تزوجها على عروض حال كونها م: (في الذمة) ش: بأن قال:
ثوب هروي بين جنسه ونوعه م: (فكذلك الجواب) ش: أي لا يرجع عليها بشيء قبض
أو لم يقبض، وعلى قول الشافعي: لا تصح التسمية، ويجب مهر المثل.
وعن مالك في رواية وأحمد - في رواية -: بطل النكاح لجهالة المسمى، وعندنا
صح العقد ووجب الوسط، وأنها لا ترجع بشيء م: (لأن المقبوض متعين في الرد)
ش: أن الأصل في العرض الحيوان العينية، وثبوته في الذمة على خلاف الأصل
للضرورة لما فيه من الجهالة، وكان
(5/164)
وهذا لأن الجهالة قد تحملت في النكاح، فإذا
عين يصير كأن التسمية وقعت عليه،
وإذا تزوجها على ألف، على أن لا يخرجها من البلدة أو على أن لا يتزوج عليها
أخرى فإن وفى بالشرط فلها المسمى؛ لأنه صلح مهرا، وقد تم رضاها به. وإن
تزوج عليها أخرى أو أخرجها فلها مهر مثلها؛ لأنه سمى ما لها فيه نفع، فعند
فواته ينعدم رضاها بالألف، فيكمل مهر مثلها، كما في تسمية الكرامة والهدية
مع الألف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينبغي أن يفسد العقد، ولكنه صح ووجب الوسط.
م: (وهذا) ش: أشار به إلى شيئين، أحدهما: جواز النكاح بالحيوان والعروض بلا
تعيين، والآخر: إلى أن المقبوض متعين في الرد، فأشار إلى الأول بقوله: م:
(لأن الجهالة) ش: يعني عدم التعيين م: (قد تحملت في النكاح) ش: لأن مبناه
على المسامحة عادة، وإنما قيد بقوله: تحملت في النكاح احترازاً عن
المعاوضات المحضة، حيث لا يتحمل فيها الجهالة، كما لو اشترى فرساً، أو
حماراً، لا يجوز لما عرف أن مبناه على المضايقة فيؤدي إلى المنازعة.
وأشار إلى الثاني بقوله: م: (فإذا عين) ش: أي عند القبض م: (يصير كأن
التسمية وقعت عليه) ش: ولو كان كذلك كان متعيناً، وكذلك إذا عين بالقبض،
وفائدة الأول صحة العقد، وإن كان المسمى مجهولاً، ومنع وجود المهر، وفائدة
الثاني عدم رجوع الزوج عليها بشيء إن وهبته له، وعدم ولاية الاستبدال
بغيره، بخلاف الدراهم والدنانير.
[تزوج رجل امرأة على ألف درهم على أن لا يخرجها
من البلدة]
م: (وإذا تزوجها على ألف) ش: أي إذا تزوج رجل امرأة على ألف درهم م: (على
أن لا يخرجها من البلدة، أو على أن لا يتزوج عليها أخرى) ش: أي أو يتزوج
بشرط أن لا يتزوج عليها امرأة أخرى، فالنكاح صحيح، وإن كان شرط عدم
المسافرة، أو عدم التزويج فهو فاسد؛ لأن فيه المنع عن الأمر المشروع.
م: (فإن وفى بالشرط فلها المسمى؛ لأنه صلح مهراً) ش: أي لأنه سمى ما صلح
مهراً؛ لأنه سمى ما لها فيه نفع، وهو عدم إخراجها من البلد، وعدم التزوج
عليها م: (وقد تم رضاها به) ش: أي رضا المرأة بما سمى.
م: (وإن تزوج عليها أخرى أو أخرجها) ش: أي من البلدة م: (فلها مهر مثلها)
ش: وصورة المسألة فيما إذا كان مهر المثل أكثر من الألف م: (لأنه سمى ما
لها فيه نفع) ش: حتى رضيت بقبض المسمى عن مهر المثل م: (فعند فواته ينعدم
رضاها بالألف، فيكمل مهر مثلها كما في تسمية الكرامة) ش: بأن يكرمها ولا
يكلفها الأعمال الشاقة م: (والهدية) ش: أي وكما في تسمية الهدية. م: (مع
الألف) ش: بأن شرط ما يبعث به كما لو سمى الهدية مع الألف، بأن يرسل إليها
مع الألف الثياب الفاخرة.
(5/165)
ولو تزوجها على ألف إن أقام بها، وعلى
ألفين إن أخرجها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال زفر: إن شرط لها مع الألف ما هو مال كالهدية، فالجواب هكذا، وإن شرط
ما ليس بمال، كطلاق الضرة فليس لها إلا الألف، وفي " المغني ": الشروط في
النكاح أقسام ثلاثة:
الأول: يلزم الوفاء به، وهو ما يعود نقصه إليها وهو أن لا يخرجها من دارها
أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها، فهذه الشروط
يلزمه الوفاء بها، فإن لم يف فلها فسخ نكاحها، يروى ذلك عن عمر، وسعد بن
أبي وقاص، ومعاوية وعمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق
وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة، وهشام بن عروة، والليث والثوري؛ ومالك،
والشافعي، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لكن يكمل لها مهر المثل إن
نقصت منه بسبب هذه الشروط.
والثاني: ما يبطل فيه الشروط ويصح النكاح، مثل أن يشترط أن لا يكون لها
مهر، وأن ينفق عليها، ولا يطأها، أو أن يعزل عنها، أو لا يكون عندها في
الجمعة إلا يوماً أو ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط عليها أن
تنفق عليه أو تقطعه شيئاً من مالها، فهذه الشروط كلها باطلة، لأنها تنافي
مقتضى العقد، والنكاح صحيح في الصور كلها؛ لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة.
والثالث: ما يبطل به النكاح وهو التوقيت في النكاح، ونكاح المتعة واشتراط
الخيار، وهذا اتفاق، أو يقول: زوجتك إن رضيت أختها أو فلانا أوجبت بالمهر
في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بيننا.
وذكر أبو الخطاب فيه: وفي خيار الشرط ورضا أمها أو رضا فلان روايتان،
أحدهما: النكاح فيها صحيح والشرط باطل، وبه قال أبو ثور، وحكاه عن أبي
حنيفة في شرط الخيار، وزعم أنه لا خلاف فيها.
وفي " خزانة الأكمل ": تزوجها على أن أباها بالخيار صح النكاح وبطل الخيار،
وإن قال: إن رضي أبي فالنكاح باطل. وقال ابن قدامة عن عطاء وأبي حنيفة،
والثوري، والأوزاعي أن من قال في النكاح: إلى وقت كذا، وإلا فلا عقد بيننا
أن الشرط باطل والعقد صحيح. وروى منصور عن أحمد أن الشرط والعقد جائزان،
وعن مالك والشافعي وأبي عبيد فساد العقد. وفي اشتراط الخيار في الصداق عن
الحنابلة ثلاثة أوجه: صحة العقد وبطلان الخيار، وصحتهما وصحة العقد وبطلان
الصداق.
م: (ولو تزوجها على ألف إن أقام بها) ش: يعني في بلدها م: (وعلى ألفين إن
أخرجها) ش:
(5/166)
فإن أقام بها فلها الألف، وإن أخرجها فلها
مهر المثل، لا يزاد على الألفين، ولا ينقص عن الألف، وهذا عن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: الشرطان جميعا جائزان، حتى كان لها الألف إن
أقام بها، والألفان إن أخرجها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان
جميعا فاسدان، ويكون لها مهر مثلها، لا ينقص عن الألف، ولا يزاد على ألفين.
وأصل المسألة في الإجارات في قوله: إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا
فلك نصف درهم، وسنبينها فيه إن شاء الله.
ولو تزوجها على هذا العبد، أو على هذا العبد، فإذا أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني من بلدها م: (فإن أقام بها فلها الألف، وإن أخرجها فلها مهر المثل لا
يزاد على الألفين ولا ينقص عن الألف. وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عن أبي
حنيفة، وقالا: الشرطان جميعاً جائزان، حتى كان لها الألف إن أقام بها،
الألفان) ش: أي وكان لها الألفان م: (إن أخرجها) ش: من بلدها، فإن أقام بها
فلها الألف، وإن أخرجها فلها مهر مثلها، لا يزاد على ألفين ولا ينقص.
م: (وقال زفر: الشرطان جميعاً فاسدان) ش: وبه قال مالك والشافعي، وذكر
مشايخ العراق قول زفر والحسن كقول أبي حنيفة ذكره في " فتاوى قاضي خان ".
وفي " شرح الطحاوي ": وعلى هذا الخلاف، إذا تزوجها بألف إن كان له امرأة
وبألفين إن لم يكن، أو بألف إن كانت عجمية، وبألفين إن كانت عربية، أو بألف
إن كانت ثيباً وبألفين إن كانت بكراً.
وعن أبي يوسف وغيره: لو تزوجها بألف إن كانت قبيحة، وبألفين إن كانت جميلة
بالإجماع؛ لأنه لا خطر في التسمية الثانية، لأن أحد الوجهين ثابت جزماً.
وفي " نوادر ابن سماعة " عن محمد نص على الخلاف فيه، ولو طلقها قبل الدخول
في هذه الفصول فلها نصف الألف عدة م: (ويكون لها مهر مثلها، لا ينقص عن
الألف، ولا يزاد على الألفين) ش: ولم يذكر المصنف وجوه هذه الأقوال،
وأحالها على باب الإجارة حيث قال.
م: (وأصل المسألة في الإجارات في قوله: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته
غداً فلك نصف درهم وسنبينها فيه) ش: أي في كتاب الإجارة م: (إن شاء الله
تعالى) ش: وجه قول زفر أنه ذكر بمقابلة شيء واحد، وهو البضع لشيئين مختلفين
على سبيل النقد، وهما الألف والألفان، فتفسد التسمية للجهالة، ويجب مهر
المثل، وبه قال الشافعي وأبو ثور.
ووجه قولهما: أن ذكر كل واحد من الشرطين تقييد، فيصحان جميعاً، وبه قال
إسحاق، وأحمد في رواية.
ووجه قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أن الشرط الأول قد
صح لعدم الجهالة فيه، فيتعلق العقد به، ثم لم يصح الشرط الثاني؛ لأن
الجهالة نشأت منه ولم يفسد النكاح.
[تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد]
م: (ولو تزوجها على هذا العبد، أو على هذا العبد فإذا أحدهما) ش: أي أحد
العبدين
(5/167)
أوكس والآخر أرفع، فإن كان مهر مثلها أقل
من أوكسهما فلها الأوكس، وإن كان أكثر من أرفعهما فلها الأرفع، وإن كان
بينهما فلها مهر مثلها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا:
لها الأوكس في ذلك كله. فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك
كله بالإجماع. لهما أن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن
إيجاب الأوكس إذ الأقل متيقن، فصار كالخلع والإعتاق على مال. ولأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموجب الأصلي مهر المثل، إذ هو الأعدل، والعدول عنه
عند صحة التسمية، وقد فسدت لمكان الجهالة، بخلاف الخلع والإعتاق على مال؛
لأنه لا موجب له في البدل، إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من الأرفع،
فالمرأة رضيت بالحط، وإن كان أنقص من الأوكس فالزوج رضي بالزيادة، والواجب
في الطلاق قبل الدخول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أوكس) ش: من الوكس وهو النقص م: (والآخر أرفع) ش: أي أكثر قيمة من
الآخر م: (فإن كان مهر مثلها أقل من أوكسهما فلها الأوكس، وإن كان أكثر من
أرفعهما فلها الأرفع، وإن كان بينهما) ش: أي بين الأرفع والأوكس.
م: (فلها مهر مثلها، وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: لها الأوكس في ذلك كله.
فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع) ش: أي
بإجماع أصحابنا، قاعدة هذا أن البدل الأصل عنده مهر المثل، وعندهما المسمى،
إذا فسدت على ما يجيء الآن، يخرج ذلك من ذكره تعليل الثلاثة وهو قوله: م:
(لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب
المسمى وقد أمكن إيجاب الأوكس، إذ الأقل متيقن فصار كالخلع) ش: على ألف أو
ألفين م: (والإعتاق) ش: أي وصار كالإعتاق على ألف أو ألفين م: (على مال) ش:
يرجع إلى الخلع والإعتاق جميعاً، وكذا الإقرار بالألف أو الألفين.
م: (ولأبي حنيفة أن الموجب الأصلي مهر المثل، إذ هو الأعدل) ش: أي لأن مهر
المثل هو الأعدل، لكونه معادلاً للبضع، أو مساوياً له بخلاف المسمى؛ لأنه
لا يجوز أن يكون مساوياً، ويجوز أن لا يكون؛ لأن قيمة البضع كالقيمة في
البيع، والبضع يتقوم عند العقد م: (والعدول) ش: أي عن مهر المثل م: (عند
صحة التسمية) ش: يعني إنما يجوز العدول عن التسمية عند صحتها، وهاهنا لم
تصح م: (وقد فسدت) ش: أي التسمية قد فسدت م: (لمكان الجهالة) ش: لأنه أدخل
فيه كلمة الشك.
م: (بخلاف الخلع والإعتاق على مال لأنه لا موجب له في البدل) ش: حتى لا يجب
شيء عند ذكر عدم البدل م: (إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من الأرفع
فالمرأة رضيت بالحط، وإن كان أنقص من الأوكس فالزوج رضي بالزيادة) ش:
فعلمنا رضاهما.
م: (والواجب في الطلاق قبل الدخول) ش: هذا جواب عما يقال إذا كان كذلك فإن
الواجب
(5/168)
في مثله المتعة، ونصف الأوكس يزيد عليها في
العادة، فوجب لاعترافه بالزيادة.
وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية، ولها الوسط منه، والزوج مخير
إن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء أعطاها قيمته. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معنى
هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان، دون الوصف بأن يتزوجها على فرس أو حمار.
أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة، لا تجوز التسمية ويجب مهر
المثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن يجب نصف الأرفع فيما وجب فيه الأوضع مهراً، لأن الواجب في الطلاق قبل
الدخول نصف المسمى. وقال الكاكي: الواجب في الطلاق قبل الدخول إلى آخره،
جواب قوله: - فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع - وتقرير الجواب أن
الواجب في الطلاق قبل الدخول م: (في مثله) ش: أي في مثل هذا العقد الذي
فسدت التسمية فيه م: (المتعة) ش: مرفوع لأنه خبر مبتدأ أعني قوله والواجب.
م: (ونصف الأوكس يزيد عليها) ش: أي على المتعة م: (في العادة فوجب) ش: أي
نصف الأوكس م: (لاعترافه) ش: أي لاعتراف الزوج م: (بالزيادة) ش: على
المتعة.
فإن قيل: إذا فسدت التسمية عند أبي حنيفة ينبغي أن تجب المتعة، كما لو لم
يسم شيئاً.
قلنا: إن نصف الأوكس بطريق المتعة.
فإن قيل: ينبغي أن يحكم المتعة، كما حكم مهر المثل قبل الطلاق، لأن المتعة
هي الواجب الأصلي في الطلاق قبل الدخول، كما أن مهر المثل هو الموجب الأصلي
قبل الطلاق.
قلنا: إنما لم يحكم المتعة؛ لأنها لا تزيد على نصف الأوكس عادة، حتى لو
كانت زائدة عليه بحكم المتعة.
[تزوجها على حيوان غير موصوف]
م: (وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية) ش: صورة المسألة أن يسمي
جنس الحيوان دون الوصف، يريد أنه لم يقل: جيد، أو وسط أو رديء إلى غير ذلك
من أوصافه م: (ولها الوسط منه) ش: أي من الحيوان م: (والزوج مخير إن شاء
أعطاها ذلك) ش: إشارة إلى الحيوان م: (وإن شاء أعطاها قيمته) ش: أي قيمة
الحيوان.
م: (قال) ش: أي المصنف: م: (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: معنى هذه
المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف) ش: يريد المصنف بهذا تفسير قول
القدوري، فإن المسألة المذكورة من مسائل القدوري قال: وإن تزوجها على حيوان
غير موصوف صحت التسمية، قال المصنف: معناها أن يسمي جنس الحيوان، ولم يذكر
وصفه ويبين ذلك بقوله م: (بأن يتزوجها على فرس أو حمار) ش: فإن التسمية فيه
صحيحة.
م: (أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة، لا تجوز التسمية، ويجب مهر
المثل) ش: قد
(5/169)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب
مهر المثل في الوجهين جميعا، لأن عنده ما لا يصلح ثمنا في البيع لا يصلح
مسمى في النكاح، إذ كل واحد منهما معاوضة. ولنا: أنه معاوضة مال بغير مال
فجعلنا التزام المال ابتداء، حتى لا يفسد في أصل الجهالة كالدية والأقارير،
وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم، رعاية للجانبين، وذلك عند إعلام
الجنس، لأنه يشتمل على الجيد، والرديء، والوسط ذو حظ منهما، بخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تكلم الشراح في هذا الموضع، وأطالوا الكلام، وملخصه أن المصنف سمى الفرس
والحمار جنساً وليس كذلك، بل هما نوع من الحيوان، كما عرف في موضعه.
والجواب على ذلك: أن المصنف أراد بالجنس ما هو مصطلح الفقهاء، وهو النوع
باصطلاح غيرهم، ثم في المسألة الأولى صحت التسمية ويجب الوسط، وفي المسألة
الثانية لا تصح التسمية للجهالة الفاحشة، ويلزم مهر المثل، وبه قال مالك
وأحمد م: (وقال الشافعي: يجب مهر المثل في الوجهين جميعاً، لأن عنده ما لا
يصلح ثمناً في البيع، لا يصلح مسمى في النكاح) ش: قال الشافعي: الحكم في
الوجهين المذكورين على البيع، لأن النكاح عقد معاوضة كالبيع م: (إذ كل واحد
منهما معاوضة) ش:.
م: (ولنا أنه معاوضة مال بغير مال) ش: لأنه التزام المال ابتداء بغير عوض،
وهو معنى قوله: م: (فجعلنا التزام المال ابتداء، حتى لا يفسد في أصل
الجهالة) ش: المستدركة في الوصف م: (كالدية) ش: فإن الشرع جعل فيها مائة من
الإبل، غير موصوفة.
م: (والأقارير) ش: هو جمع إقرار، فإنه يلزم فيها مال من غير أن يكون في
مقابلها عوض مالي م: (وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم) ش: قال
الكاكي: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لا أشبه عقد النكاح بالإقرار في
كونه التزام مال ابتداء، وينبغي أن تصح التسمية فيما إذا سمى الحيوان، ولم
يبين نوعه كما لو أقر بشيء، يصح الإقرار ويلزمه البيان.
فقال: وشرطنا أن يكون المسمى بالأوسط معلوم وسطه مبتدأ، ومعلوم خبره،
والجملة صفة لقوله: مالا والوسط بفتح السين، وأصله أن يكون اسماً من جهة
أنه أوسط الشيء، وأفضله وخياره، وقد يأتي صفة كوسط المرعى خير من طرفيه،
ووسط الدابة للركوب خير من طرفيها، وهنا أيضاً كذلك، لأنه اسم لما بين طرفي
الشيء، والوسط بالسكون فهو ظرف لا اسم، يعني بين، يقال: جلست وسط القوم أي
بينهم م: (رعاية للجانبين) ش: يعني جانب الزوج، وجانب المرأة، كما في
الزكاة يراعى ذلك لجانب الغني والفقير.
م: (وذلك عند إعلام الجنس، لأنه يشتمل على الجيد والرديء، والوسط ذو حظ
منهما) ش: يعني من الجيد والرديء، لأن الوسط بالنسبة إلى الرديء جيد،
وبالنسبة إلى الجيد رديء م: (بخلاف
(5/170)
جهالة الجنس، لأنه لا وسط له، لاختلاف
معاني الأجناس، وبخلاف البيع، لأن منشأه على المضايقة والمماكسة. أما
النكاح فمبناه على المسامحة، وإنما يتخير، لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة،
فصارت أصلاً في حق الإيفاء، والعبد أصل تسميته فيتخير بينهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جهالة الجنس، لأنه لا وساطة له، لاختلاف معاني الأجناس) ش: جهالة الجنس،
لأنه لا وساطة له، لاختلاف التزويج على دابة أو حيوان، حيث لا يمكن ذلك.
لأنه ليس لهما طرفان، حتى يكون لهما وسطه، وهي معنى قوله لا وساطة له، لأن
الجنس يشتمل على أنواع، وليس بعض النوع أولى من البعض بالإرادة، فصارت
الجهالة فاحشة وفسدت به التسمية فوجب مهر المثل.
م: (وبخلاف البيع) ش: جواب عن قوله: -ما لا يصلح ثمناً لا يصلح مسمى في
النكاح - وتقديره أن قياس الشافعي للوجهين المذكورين على البيع غير صحيح م:
(لأن منشأه) ش: أي منشأ البيع م: (على المضايقة) ش: بين المتبايعين، لأن
كلاً منهما يضيق على الآخر في أمور العقد.
م: (والمماكسة) ش: فسرها الأكمل بقوله أي المنازعة، وفسره الأترازي بقوله:
والمماكسة المجادلة، وفي " المغرب ": المماكسة من المكس في البيع، وهو
استنقاص الثمن من باب ضرب، والمكس أيضاً الجناية، وهو فعل المماكس العشار،
منه: لا يدخل صاحب مكس الجنة.
م: (أما النكاح فمبناه على المسامحة) ش: أي المساهلة فلا يفسد بالجهالة ما
لم يفحش م: (وإنما يتخير) ش: أي الزوج بين أداء الوسط، وبين أداء قيمته م:
(لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فصارت أصلاً في حق الإيفاء) ش: وتفسير
قيمة الوسط بقدر الغلاء، والرخص عندهما وهو الصحيح، وعليه الفتوى، وإنما
قدر أبو حنيفة بأربعين ديناراً في السود، وفي البيض بخمسين ديناراً
بالمشاهد في زمانه، وهما بنيا على الأوقات والأمكنة كلها، والأمر على ما
قالا: إن القيمة تختلف باختلاف الغلاء والرخص.
م: (والعبد أصل تسميته) ش: أي من حيث التسمية، هذا إذا ذكر مطلقاً، ولم يضف
إلى نفسه، أما لو أضافه إلى نفسه بأن قال: تزوجتك على عبدي، فليس له أن
يعطي القيمة، لأن الإضافة من أسباب التعريف، كالإشارة. ولو كان مشاراً إليه
ليس له أن يعطي القيمة هكذا هاهنا، كذا في المحيط وغيره م: (فيتخير بينهما)
ش: أي بين أداء القيمة وبين أداء العبد للوسط، حتى تجبر المرأة على القبول
بأيهما، وقال زفر، ومالك، وأحمد: لا تجبر على القبول، وقال القاضي من
الحنابلة: تجبر المرأة على قبولها إن سمى عبداً وسطاً أو جيداً، أو ردها
كقولنا.
وفي " الذخيرة ": الوسط في زماننا أدون الترك وأرفع السود، وفي الوسط في
بلادهم السندي، لأن الخادم عندهم أنواع ثلاثة: رومي، وسندي، وحبشي، قال:
فالأعلى الرومي والأدنى الحبشي والوسط السندي، وفي بلادنا: التركي والصقلي
والهندي، فالوسط الصقالبة.
(5/171)
وإن تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر
المثل، ومعناه أنه ذكر الثوب ولم يزد عليه، ووجهه أن هذه جهالة الجنس، لأن
الثياب أجناس، ولو سمى جنسا بأن قال: هروي تصح التسمية، ويخير الزوج لما
بينا، وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر الرواية، لأنها ليست من ذوات
الأمثال، وكذا إذا سمى مكيلا، أو موزونا وسمى جنسه دون صفته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط ": أرفع الخدم التركي، والأدون الهندي، والوسط السندي،
فالوسط أعلى الترك وأعلى الهنود في بلادنا، لأن السود لا توجب عندنا.
وفي " البدائع ": لو تزوجها على وصف أبيض صح، لأنه يصح بدون الوصف، فبالوصف
أولى، والجيد عندهم الرومي، والوسط السندي، والرديء الهندي، والجيد عندنا
التركي، والوسط الرومي والرديء الهندي، وقيمة الجيد خمسون ديناراً والوسط
أربعون أو ثلاثون، والمعتبر فيه القيمة بلا خلاف، وفي " المغني ": الوسط من
العبيد السندي والمنصوري، والأعلى التركي والرومي، والأدنى الزنجي والحبشي.
[تزوجها على ثوب غير موصوف]
م: (وإن تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر المثل) ش: أي بإجماع الأئمة
الأربعة م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله: تزوجها على ثوب غير موصوف م: (أنه
ذكر الثوب ولم يزد عليه، ووجهه) ش: أي وجه وجوب مهر المثل م: (أن هذه جهالة
الجنس) ش: أي النوع، وقد ذكرنا أن مراده من الجنس النوع، على اصطلاح
الفقهاء م: (لأن الثياب أجناس) ش: أي أنواع كالقطن، والكتان والإبريسم
ونحوها.
م: (ولو سمى جنساً) ش: أي نوعاً م: (بأن قال: هروي تصح التسمية، ويخير
الزوج) ش: يعني بين القيمة والوسط م: (لما بينا) ش: أن الثياب أنواع م:
(وكذا) ش: أي وكذا يتخير م: (إذا بالغ في وصف الثوب) ش: بأن ذكر طوله وعرضه
وذرعه ورقعته، وذكر أنه على منوال كذا وكذا، أو صار بحال يجب السلم فيه.
م: (في ظاهر الرواية) ش: احترازاً عما روي عن أبي حنيفة أن الزوج يجبر على
تسليم الوسط، وهو قول زفر وقال الكاكي: قيد ظاهر الرواية لما روي عن أبي
يوسف أنه قال: إن ذكر الأجل مع ذلك لا تجبر المرأة على قبول القيمة، وإن لم
يذكر الأجل مع ذلك أجبرت، لأن الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتاً صحيحاً إلا
مؤجلا.
ووجه الظاهر ما ذكره بقوله: م: (لأنها ليس من ذوات الأمثال) ش: بدليل أن
مستهلكها لا يضمن المثل، فصارت كالعبد م: (وكذا) ش: أي وكذا يتخير الزوج
بين الوسط والقيمة م: (إذا سمى مكيلاً أو موزوناً، وسمى جنسه دون صفته) ش:
مثل أن تقول: تزوجتك على كر حنطة، أو من زعفران ولم يزد على ذلك، فإنه يخير
بين الوسط وقيمته.
(5/172)
وإن سمى جنسه وصفته لا تخير، لأن الموصوف
منهما يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن سمى جنسه) ش: أي نوعه م: (وصفته لا تخير) ش: بل تجبر على الوسط م:
(لأن الموصوف منهما) ش: أي من المكيل والموزون م: (يثبت) ش: دينا (في الذمة
ثبوتاً صحيحاً) ش: حالاً أو مؤجلاً، بدليل جواز استقراضه والسلم فيه، وإن
لم يذكر الصفة.
فروع: وفي " المحيط " وغيره: تزوجها على بيت وهو بدوي يلزمه بيت من شعر أو
وبر إذ هو نوع من الثياب، وإن كان حضريا قال محمد: لها بيت وسط، قال: أراد
به ثياب بيت، ولهذا قال: ما يجهز به هنالك، والتجهيز لا يكون بالبيت، قال
صاحب " المحيط " وفي عرفنا يراد بالبيت الذي يبات فيه من المدر، ولا يصلح
مهراً إذا لم يكن معينا، وفي " المبسوط ": المراد بالبيت متاع البيت وهو
معروف بالعراق، وهو ما يجهز به ملك المرأة فينصرف إلى الوسط وعن أبي حنيفة:
قيمته أربعون ديناراً. وفي " جوامع الفقه " هو على مثل متاع بيت وسط في
عرفهم، وفي عرفنا يجب مهر المثل وإن عين البيت فهو على عينه، بخلاف الدراهم
والدنانير، وفي تعيين التبر روايتان، والفلوس التي تزوج كالدراهم،
والغطارفية كذلك.
وفي المواضع التي تزوج فيها تعيين، والمكيل، والموزون، والعدد بأعيانهما
يتعين وللزوجة أخذ عينها، وقال مالك: يجوز النكاح على بيت وخادم، ويجب
فيهما الوسط وعند الشافعي: يجب فيهما مهر المثل. وفي "مصنف ابن أبي شيبة "
قال الحسن، وابن سيرين، والنخعي: يجوز النكاح على الوصفاء والوصايف.
زوجت نفسها بمهر أمها جاز به. وفي " الذخيرة " وهو الصحيح، ولو طلقها قبل
الدخول بها فلها نصفه، ويجبر إذا علم مقدار مهر أمها. وفي " جوامع الفقه ":
لو تزوجها على مثل مهر فلانة يجب مهر المثل.
وكذا إذا تزوجها على مثل هذا الزنبيل حنطة، أو قيمة هذا العبد، أو قيمة
عبد، أو على سكنى دار موقوفة أو على أن يخدمها ما عاش، أو برد آبقها، أو
على دراهم، أو ناقة من هذه الإبل، أو على ثوب قيمته عشرة، أو قال: بجميع ما
أملكه يجب في ذلك مهر المثل.
وفي " المرغيناني ": هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
-، وعن أبي حنيفة: يعطيها ناقة من إبله. تزوجها على غنم بعينها على أن
أصوافها له كان له الصوف استحساناً.
وتزوجها على جارية حبلى على أن ما في بطنها له فلها الجارية دون ولدها،
قال: عن كل يجب مهر المثل، إلا أن يحكم بأكثر منه، فيجب ذلك على حكم فلان
(فإن) حكم بأقل من مهر المثل فلا بد من رضاه.
وفي " المغني " لو تزوجها على حكمها أو حكمه، أو حكم أخيه لا يصح، وهو قول
(5/173)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشافعي وقال مالك: يجوز، فإن وقعت الفرقة بالحكم فيها وإلا فسخ، ولا شيء
لها فإن فرض لها مهر المثل لزمها النكاح.
وقال ابن حزم في " المحلى ": يفسد النكاح فيه، ولو تزوج امرأة على ألف مؤجل
لا يصح التأجيل، ويؤمر الزوج بتعجيل ما تعارف أهل بلده بتعجيله، ويؤخذ
الثاني بعد الطلاق والموت، ولا يجبر على تسليم الباقي ولا يجبر عليه.
وفي " قنية المنية " هو عادة خوارزم، فإن طلقها رجعياً لا يصير المهر
حالاً، حتى تنقضي العدة به، وقال عامة المشايخ، وقال القاضي البديع، وقاضي
خان: ويصير حالاً، ولو قال: بعضه معجل وبعضه مؤجل ولم يزد يجوز، ويحل
بالفرقة وبالموت أو بالطلاق، وقيل: يجب حلاً وهو أقرب إلى الحق، وفي "
الذخيرة " والصحيح الصحة للعرف معلومة في نفسها، وهو الطلاق أو الموت.
وفي " البدائع " إذا ذكر أجلاً مجهولاً كالميسرة، وهبوب الريح، ومجيء
المطر، وقال: تزوجتك على ألف مؤجلة فهي حالة، لأن الأجل لم يثبت للجهالة
الفاحشة، وإن تزوجها على ألف على أن ينقدها ما تيسر له، والبقية إلى سنة
كان الألف كله إلى سنة، إلا أن تقيم المرأة بينه على أنه قد تيسر له منها
شيء فتأخذه.
وفي " المغني ": يجوز بمهر معجل ومؤجل، وإن لم يذكر أجله، وقال القاضي:
المهر صحيح ومحله الفرقة. وقال ابن حنبل: لا يحل الأجل إلا بموت أو فرقة،
وهو قول الشعبي، والنخعي، والحسن، وحماد، والثوري، وقال أبو عبيد: يكون
حالاً. وقال إياس بن معاوية وقتادة: لا يحل حتى يطلق، أو يخرج من مهرها، أو
يتزوج عليها.
وعن مكحول والأوزاعي والعنبري: حال إلى سنة بعد دخوله، وقال الشافعي: لها
مهر المثل، واختاره الخطاب من الحنابلة. وقال مالك: إن كان عرفهم أن لا
يؤخذ إلا عند الموت والطلاق فإنه ينظر إلى مهر مثل تلك المرأة، فيعطي مثلها
إن دخل بها، وإن لم يدخل بها يعجل المهر وإلا يفسخ، ذكره ابن المنذر عنه في
" الأشراف "، وإن تزوجها على ألف إلى هبوب الريح، أو مجيء المطر فهي حالة
الجهالة، أي المنازعة عند الأجل. وإن تزوجها إلى الحصاد، أو إلى الدياس، أو
النيروز، أو المهرجان قال الأسبيجابي: لا رواية في هذه المسألة في الكتب
الظاهرة.
وقال السرخسي: الصحيح صحة التأجيل إلى هذه الأشياء في الصداق كالكفالة، وفي
" المرغيناني ": يجوز التزوج إلى الحصاد، والدياس في الصحيح، ومن المشايخ
من قال: لا يثبت الأجل في الصداق إلى هذه الآجال، وفرق بين الصداق والكفالة
بأن ما هو المعقود عليه،
(5/174)
وإن تزوج مسلم على خمر، أو خنزير فالنكاح
جائز، ولها مهر مثلها. لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد، فيصح النكاح ويلغى
الشرط بخلاف البيع؛ لأنه يبطل بالشروط الفاسدة لكن لم تصح التسمية لما أن
المسمى ليس بمال في حق المسلم فوجب مهر المثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو المرأة لا تحمل الجهالة بأن الأصل خلاف الكفالة، قال: والأول أصح.
قال: تزوجتك بمهر جائز في الشرع ينصرف إلى مهر المثل، هكذا في فتاوى أبى
الليث وقاضي خان. وقال صاحب " المحيط ": ينصرف إلى عشرة دراهم، ولو تزوجها
على أكثر من مهر مثلها، على أنها بكر فإذا هي ثيب لا تثبت الزيادة. تزوجها
على حجة أو على أن يحجها فلها قيمة حج وسط وهو الحج على الراحلة، وعند مالك
يجب مهر المثل، إلا أن تكون معه. وقال الشافعي وأحمد: التسمية فاسدة؛ لأن
الحملان مجهول.
قلنا: هذا باطل بالإجماع على جواز الاستئجار، وإن زادهم إلى مكة في جميع
بلاد الإسلام وفي " القنية ": يجوز الزيادة في المهر بغير شهود ولا تصح من
غير قبول.
[تزوج مسلم على خمر أو خنزير]
م: (وإن تزوج مسلم على خمر، أو خنزير، فالنكاح جائز، ولها مثلها) ش: هذه من
مسائل القدوري، وفي " الجواهر " للمالكية: يفسخ النكاح قبل الدخول، وبعده
يثبت على المشهور، وهل فسخه على الاستحباب أو الوجوب؟ فيه قولان. وعند
الشافعي يجب مهر المثل، وفي قول: قيمته.
وقال أبو عبيد: يفسد النكاح في ذلك كله، واختاره أبو بكر بن عبد العزيز من
الحنابلة، وهو قول الظاهرية، ومثله التزوج على السنة واليوم، بقولنا: قال
الأوزاعي والثوري وآخرون.
أما الجواز فهو م: (لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد، فيصح النكاح ويلغى الشرط)
ش: وفساد التسمية ليس بأكثر من عدمها، وذلك لا يفسد النكاح فكذا هكذا م:
(بخلاف البيع) ش: حيث لا يصح الخمر والخنزير م: (لأنه يبطل بالشروط
الفاسدة) ش: والنكاح لا يفسد، ولهذا لو سكت عن ذكر الثمن في البيع يبطل،
والنكاح لا يبطل بالسكوت عن ذكر المهر حيث يصح ويجب مهر المثل، فافترقا.
م: (لكن لم تصح التسمية) ش: لأن شرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالاً،
والخمر والخنزير ليسا بمال متقوم، فبين في قوله، وهو قوله: م: (لما أن
المسمى ليس بمال في حق المسلم فوجب مهر المثل) .
ش: وقال الشافعي - في قوله القديم - وأحمد: يجب في الخمر مهر المثل، وفي
الخنزير القيمة، وقيل: قول المصنف في الخمر: ليس بمال فيه نظر، فإن الأصحاب
قالوا فيها: إنها مال غير متقوم
(5/175)
فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخل، فإذا
هو خمر فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لها مثل
وزنه خلا، وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل عند أبي
حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: تجب القيمة:
لأبي يوسف أنه أطمعها مالا وعجز عن تسليمه فتجب عليه قيمته أو مثله إن كان
من ذوات الأمثال، كما إذا هلك العبد المسمى قبل التسليم وأبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: اجتمعت الإشارة والتسمية، فتعتبر الإشارة لكونها
أبلغ في المقصود وهو التعريف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في حق المسلم؛ لأن المال يقع فيه شح القسمة، والخمر بهذه المثابة. فإن تزوج
المرأة على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة
وقالا: لها مثل وزنه خلاً، وبه قال أحمد والشافعي في قول وفي قول آخر كقول
أبي حنيفة م: (وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر) ش: أي ظهر أنه حر م:
(يجب مهر المثل عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: تجب القيمة) ش: وقول
أبي يوسف أولاً في مسألة الحر مثل قولهما، كذا ذكر الحاكم الشهيد في "
الكافي " وشمس الأئمة السرخسي في "شرحه "، وكذلك لو تزوجها على شاة ذكية
فظهرت ميتة فالخلاف فيها كالخلاف في الحر.
[تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر]
وفي " جوامع الفقه ": م: (إذا تزوجها على هذا الدن من الخل) ش: أو على هذه
الذكية، م: (فإذا هو خمر) ش: أو ميتة يجب مهر المثل فيهما عند أبي حنيفة،
وعندهما يجب فيه خلاً أو ذكية أو قيمتها، ولم يذكر القيمة غيره.
وفي العبد إذا ظهر حراً يجب مهر المثل عندهما، وعند أبي يوسف قيمته إذا لم
يعلمها بكونه حراً، وإن علما يجب مهر المثل اتفاقاً. وإن قال: على هذا
الثوب الهروي فإذا هو مروي فعند أبي حنيفة يجب ثوب هروي مجردة، ولم يذكر
قول أبي يوسف.
ولو قال على هذا القفيز من الحنطة فإذا هي شعير، أو على هذا الخل، فإذا هو
زيت يجب المسمى بقدره عند أبي حنيفة، وعن محمد يجب الشعير، قال: والظاهر
أنه يجب عنده مهر المثل، ولو قال: على هذا الفرق من السمن، وليس فيه شيء
يجب لها مثل ذلك من السمن. ولو قال: على هذا الزق من السمن يجب مهر المثل.
م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي أن الزوج م: (أطمعها) ش: يقال: أطمعه الشيء فطمع
حيث سمى لها م: (مالا وعجز عن تسليمه فتجب عليه قيمته أو مثله، إن كان من
ذوات الأمثال) ش: فالخل من ذوات الأمثال م: (كما إذا هلك العبد المسمى) ش:
في العقد بأن تزوجها عليه فهلك م: (قبل التسليم) ش: أي قبل تسليمه إليها
فإنه يجب قيمة العبد الهالك اتفاقاً.
م: (وأبو حنيفة يقول: اجتمعت الإشارة) ش: وهو قول هذا م: (والتسمية) ش: في
قول: العبد م: (فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو التعريف) ش:
لكونها قاطعة للشركة؛ لأن الإشارة
(5/176)
فكأنه تزوج على خمر أو حر. ومحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه
يتعلق العقد بالمشار إليه؛ لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف
يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى؛ لأن المسمى مثل المشار إليه
وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية،
والإشارة تعرف الذات، ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج
لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس. ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر، فإذا هو أخضر
ينعقد العقد؛ لاتحاد الجنس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بمنزلة وضع اليد على الشيء، ويحصل بها كمال التمييز؛ لأن الإشارة إلى شيء
وإرادة غيره ممتنعة، وأما التسمية فمن باب استعمال اللفظ، وإرادة غير ما
وضع له م: (فكأنه تزوج على خمر، أو حر) ش: أي فكأن الرجل تزوجها على خمر في
تزوجها على هذا الدن من الخل، أو تزوجها على حر في تزوجه على هذا العبد،
فالواجب فيهما مهر المثل بلا خلاف.
م: (ومحمد يقول: الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد
بالمشار إليه؛ لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتاً) ش: أي من حيث الذات
م: (والوصف يتبعه) ش: أي يتبع الذات؛ لأنه قائم بالذات، وعدمه لا يستلزم
انعدام الذات.
م: (وإن كان) ش: أي المسمى م: (من خلاف جنسه) ش: أي جنس المشار إليه م:
(يتعلق بالمسمى لأن المسمى مثل المشار إليه) ش: من حيث التعريف م: (وليس
بتابع له) ش: أي للمشار إليه.
م: (والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية) ش: وهي الحقيقة من
حيث هي م: (والإشارة تعرف الذات) ش: من غير دلالة، على الحقيقة، ثم أوضح
ذلك م: (ألا ترى أن من اشترى فصاً على أنه ياقوت، فإذا هو زجاج لا ينعقد
العقد لاختلاف الجنس) ش: فيتعلق العقد بالمسمى وهو معدوم، وبيع المعدوم
باطل.
م: (ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر، فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس)
ش: لأن المشار إليه من جنس المسمى في تعلق العقد، وهو موجود فيصح إذا عرفنا
هذا، قال محمد: الحر مع العبد جنس واحد؛ لاشتراكهما في الصورة والمعنى
والمنافع، إلا أنهما مختلفان في المالية، فبعد الاختلاف، ويغلب الاتحاد
والاتفاق فيتحد الجنس، وكان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق العقد المشار
إليه، وأنه لا يصلح مهراً لعدم كونه مالاً، فتفسد التسمية فيصار إلى مهر
المثل.
أما الخمر من الخل فجنسان مختلفان؛ لأنهما لا يختلفان في الصورة ويختلفان
في الاسم والمعاني فيقل الاتحاد ويغلب الاختلاف، فكانا جنسين مختلفين في
تعلق العقد بالمسمى، وهو في الاسم والمعاني، وهو الدن من الخل، وأبو حنيفة
يقول: إن الخمرية والخلية والرقية والحرية صفات تعاقب على الذات الواحدة،
فلا يختلف به الجنس كالصبي والشاب والشيخوخة والصغر
(5/177)
وفي مسألتنا العبد مع الحر جنس واحد؛ لقلة
التفاوت في المنافع، والخمر مع الخل جنسان لفحش التفاوت في المقاصد فإن
تزوجها على هذين العبدين، فإذا أحدهما حر فليس لها إلا الباقي، إذا ساوى
عشرة دراهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه مسمى، ووجوب المسمى
وإن قل يمنع وجوب مهر المثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والكبر، فكان المشار من جنس المسمى في الصلات جميعاً.
م: (وفي مسألتنا) ش: أراد به قوله: - وإذا تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر
- م: (العبد مع الحر جنس واحد) ش: وقيل: إن الحر الصغير يصير عبداً حراً،
ومنافعهما متقاربة، أشار إليه بقوله: م: (لقلة التفاوت في المنافع) ش: يظهر
ذلك في جواز البيع وعدمه م: (والخمر مع الخل) ش: في المسألة المذكورة، وهي
ما إذا تزوجها على هذا الدن من الخل، فإذا هو خمر.
م: (جنسان لفحش التفاوت في المقاصد) ش: فإذا أحدهما لا يسد مسد الآخر، وما
يصلح له الخل لا يصلح له الخمر، والخل بعد استحكامه لا ينقلب خمراً، وبخلاف
هذا، قال في " المبسوط ": أبو حنيفة يقول: الخمر مع الخل جنس واحد، فإن
الأصل واحد وهو العصير، والهيئة واحدة أوصاف تعرض على العين، فلا توجب تبدل
الجنس كالصغر والكبر في الآدمي.
فإن قلت: يرد عليه مسألة " الجامع "، وهو إذا حلف لا يذوق هذه الخمرة فصارت
خلاً فذاقه لا يحنث، فلو لم يتبدل الجنس لحنث، إذ الوصف في الحاضر لغو،
وإلحاقه بالآدمي في الصغر والكبر بعد.
قلت: يمكن أن يجاب بأن الخل والخمر جنسان في العرف، ومبنى الإيمان عليه،
وإن كانا جنساً واحداً في الحقيقة.
وفي " المحيط ": العبد والحر عند أبي حنيفة. ولو تزوجها على هذا العصير
فتخمر قبل قبضه، عن أبي يوسف لها مثله، ولم يذكر قولهما، فإن تزوجها على
هذين العبدين، هذه المسألة مبنية على الأصل المذكور، والخلاف فيها كالخلاف
فيما ذكر هناك، فكذلك ذكرها بالفاء فقال:
م: (فإن تزوجها) ش: أي فإن تزوج رجل امرأة م: (على هذين العبدين، فإذا
أحدهما حر فليس لها إلا الباقي) ش: أي ليس لها إلا العبد الباقي م: (إذا
ساوى عشرة دراهم عند أبي حنيفة؛ لأنه) ش: أي لأن الباقي.
م: (مسمى، ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل) ش: لأن المسمى ومهر
المثل لا يجتمعان، بيان هذه أن أبا حنيفة يعتبر الإشارة، والإشارة إلى الحر
تخرجه عن العقد، فكانت تسمية العبد الباقي لغواً، فكأنه تزوجها على عبد،
وليس لها إلا ذلك، ولا يجب إلا مهر المثل؛
(5/178)
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها
العبد، وقيمة الحر لو كان عبدا؛ لأنه أطمعها سلامة العبدين، وعجز عن تسليم
أحدهما فتجب قيمته. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -، لها العبد الباقي، وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها
أكثر من قيمة العبد؛ لأنهما لو كان حرين يجب تمام مهر المثل عنده، فإذا كان
أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل.
وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنهما لا يجتمعان، ثم العبد الباقي لو كان يساوي مهر المثل ليس لها إلا
ذلك، ولا يكمل مهر المثل مع العبد الباقي.
فإن قلت: قال المصنف قبل هذا: لو تزوجها على ألف إن أقام بها إلى أن قال:
إن أخرجها فلها مهر المثل فهذا يدل على أن المسمى لا يوجب مهر المثل.
قلت: أجيب بأن ذلك الشرط المتحقق بعقد النكاح بفواته يوجب فوات رضاها فكمل
لها مهر المثل فأما المسمى فلم يستحق أصلاً، فافهم.
م: (وقال أبو يوسف: لها العبد) ش: أي العبد الباقي م: (وقيمة الحر لو كان
عبداً؛ لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهما، فتجب قيمته) ش:
وبه قال أحمد، والشافعي في قول، وكذا لو ظهر أحدهما مغصوباً، وعند الشافعي
في الأظهر يبطل في الحر والمغصوب، ويصح في المملوك ويتخير، فإن فسخ فمهر
المثل.
م: (وقال محمد: وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: رواه ابن جماعة عن أبي حنيفة م:
(لها العبد الباقي، وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قيمة العبد؛
لأنهما) ش: أي لأن العبدين م: (لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده) ش:
أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وإنما قيد بقوله: عند محمد
احترازاً عن قول أبي يوسف، ولو ظهر عند الصداق آخر لم يجب قيمته، أو كان
عبداً، فكذا إذا ظهر العبدان حرين يجب قيمتهما أيضاً، وكذا في أحد العبدين
إذا ظهر حراً.
م: (فإذا كان أحدهما عبداً يجب العبد، وتمام مهر المثل) ش: أي إذا كان أحد
العبدين اللذين تزوجها عليها ظهر أحدهما عبداً والآخر حراً يجب العبد،
وتمام مهر المثل إن كان أكثر من قيمة العبد.
[فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل
الدخول]
م: (وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد) ش: مثل النكاح بغير
شهود، ونكاح الأخت في عدة الأخت في الطلاق البائن، ونكاح الخامسة في عدة
الرابعة، ونكاح الأمة على الحرة م: (قبل الدخول) ش: قيد قبل الدخول بإجماع
الأئمة الأربعة، وكذا بعد الخلوة؛ لأن بعد الدخول لها مهر المثل على ما
يأتي عن قريب م: (فلا مهر لها) ش: عند أهل العلم قاطبة، وعن ابن جندب: يجب
كالصحيح، والأصل له؛ لأن التمكين من الوطء حرام، فلا يقام مقام
(5/179)
لأن المهر فيه لا يجب بمجرد العقد لفساده،
وإنما يجب باستيفاء منافع البضع. وكذا بعد الخلوة؛ لأن الخلوة فيه لا يثبت
بها التمكن، فلا تقام مقام الوطء، فإن دخل بها فلها مهر مثلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوطء، وأقام اللمس والقبلة من غير خلوة مقام الوطء، وأوجب بذلك كمال
المهر، ذكره في " المغني ".
وقال الأترازي: وإنما يجب التفريق على القاضي لئلا يلزم ارتكاب المحظور
إعزازاً لصورة العقد، فإن فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر، ولا عدة؛ لأن
النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول، وكذا إذا فرق بعد الخلوة الصحيحة؛ لأن
الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح إنما قامت مقام الوطء للتمكن من الوطء.
وهنا لا يمكن الوطء لكون العقد فاسداً واجب الرفع، ولا يقال: ينبغي أن يجب
نصف المهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) ؛ لأن قبول ذلك في المطلق
بعد النكاح من كل وجه؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، ولم يوجد النكاح من كل
وجه، انتهى.
قلت: قال الأترازي: وإنما يجب التفريق على القاضي، فمن أين الوجوب عليه؟
وقد قالوا لا يتوقف التفريق بينهما على تفريق القاضي، بل لكل واحد منهما
فسخ هذا النكاح بغير مهر من صاحبه قبل الدخول وبعده بمحضر منه، كالبيع
الفاسد لا يجب بمجرد العقد، فإن لكل واحد فسخه قبل القبض وبعده لا بمحضر من
الآخر، كذا في " الذخيرة ".
قلت: يمكن أن يكون الوجوب على القاضي عند ترافع الزوجين إليه.
م: (لأن المهر فيه) ش: أي في النكاح الفاسد م: (لا يجب بمجرد العقد لفساده)
ش: وإنما يجب لاستيفاء منافع البضع.
قوله: - لفساده - أي لفساد العقد م: (وإنما يجب) ش: أي المهر بسبب م:
(استيفاء منافع البضع. وكذا بعد الخلوة) ش: أي وكذا يجب المهر في النكاح
الفاسد إذا وجد التفريق بعد الخلوة الصحيحة أيضاً م: (لأن الخلوة فيه) ش:
أي في النكاح الفاسد م: (لا يثبت بها التمكن) ش: من الوطء م: (فلا تقام
مقام الوطء) ش: فصار كخلوة الحائض، وهذا قول المشايخ: الخلوة الصحيحة في
النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح.
م: (فإن دخل بها) ش: أي بالمرأة التي تزوجها بنكاح فاسد م: (فلها مهر
مثلها) ش: لأن الوطء في المحل المعصوم بسبب الضمان الجائز، أو الحد الزاجر،
وتعذر الثاني بشبهة النكاح فيه، فتعين الأول لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن
دخل بها فلها المهر بما
(5/180)
لا يزاد على المسمى عندنا خلافا لزفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالبيع الفاسد. ولنا أن المستوفى ليس بمال،
وإنما يتقوم بالتسمية، فإذا زادت على مهر المثل لم تجب الزيادة؛ لعدم صحة
التسمية، وإن نقصت لم تجب الزيادة على المسمى لانعدام التسمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استحل من فرجها» .
بين - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن المهر مستحق في النكاح الباطل بالدخول، لا
بالعقد والخلوة م: (لا يزاد) ش: أي مهر مثلها م: (على المسمى) ش: أي على
الذي سمي عند العقد م: (عندنا) .
م: (خلافاً لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، هو يعتبره بالبيع الفاسد)
ش: يقيسه عليه حيث تجب القيمة في البيع الفاسد بالغة ما بلغت، وإن زادت على
الثمن، فكذلك مهر المثل.
م: (ولنا أن المستوفى ليس بمال) ش: المستوفى هو البضع، وهو ليس بمال؛ لأنه
ليس بمتقوم في نفسه م: (وإنما يتقوم بالتسمية) ش: عند العقد، فيجب تقدير
القيمة وهي مهر المثل بقدر التسمية. م: (فإذا زادت) ش: أي التسمية. م: (على
مهر المثل لم تجب الزيادة؛ لعدم صحة التسمية) .
ش: فإن قيل: يرد على قوله: - وإنما يتقوم بالتسمية - مسألة المفوضة؛ فإن
مهر المثل يجب فيها وتقوم منافع البضع.
قلنا: المراد أنها تقوم زائداً على مهر المثل بالتسمية في العقد، فهذا
العقد يمنع النقص عن مسألة المفوضة، أي في حق الزيادة؛ لأن التسمية في
النكاح الفاسد معدوم حكماً؛ لأنه وجد في ضمن النكاح الفاسد، فإن كان
معدوماً حكماً لم تتغير الزيادة على الموجب الأصلي، وهو مهر المثل، كما في
البيع الفاسد إذا كان الثمن زائداً على القيمة، فلا يجب الزائد، بل تجب
القيمة، وأما إذا كانت التسمية أقل من مهر المثل وجب المسمى، ولا يجب
الزائد لوجود الرضا من المرأة بذلك.
م: (وإن نقصت) ش: أي التسمية عن مقدار مهر المثل م: (لم تجب الزيادة على
المسمى لانعدام التسمية) ش: أي تسمية الزيادة على المسمى.
قال الأكمل: فإن قلت: على هذا الانتقاض؛ لأنك أسقطت التسمية إذا زادت على
مهر المثل (ثم) اعتبرتها إذا نقصت عنه، وهي وإن كانت فاسدة يجب شمول
المعدوم، وإن كانت صحيحة يجب شمول الوجوب.
قلت: هي صحيحة من وجه دون وجه، صحيحة من حيث إن المسمى مال متقوم؛ لأن فرض
المسألة فيه فاسدة من حيث إنها وجدت في عقد واحد، فاعتبرنا فسادها إذا
زادت، وصحتها إذا نقصت لانضمام رضاها إليها.
(5/181)
بخلاف البيع؛ لأنه مال متقوم في نفسه،
فيتقدر بدله بقيمته. وعليها العدة إلحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع
الاحتياط، وتحرزا عن اشتباه النسب. ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق، لا من
آخر الوطآت، هو الصحيح؛ لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح، ورفعها بالتفريق،
ويثبت نسب ولدها منه، لأن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد، فيترتب على
الثابت من وجه. وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وعليه الفتوى؛ لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة
باعتباره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قياس زفر، بيانه أن قياسه على البيع غير
صحيح م: (لأنه) ش: أي لأن العوض عن البيع الفاسد م: (مال متقوم في نفسه
فيتقدر بدله بقيمته) ش: أي بقدر قيمته بالغة ما بلغت.
م: (وعليها) ش: أي المرأة المذكورة، التي دخل بها في النكاح الفاسد م:
(العدة إلحاقاً للشبهة) ، أي لشبهة النكاح م: (بالحقيقة) ش: أي حقيقة
النكاح م: (في موضع الاحتياط) ش: لأن النسب أمر يحتاط في إثباته إحياء
للولد، فتجب العدة حفظاً م: (وتحرزاً عن اشتباه النسب) ش: عند اختلاطه،
والنسب يحتاط في إثباته فيه.
م: (ويعتبر ابتداؤها) ش: أي ابتداء العدة م: (من وقت التفريق) ش: أي من وقت
تفريق القاضي أو العزم على ترك الوطء م: (لا من آخر الوطآت، هو الصحيح) ش:
احترز به عما حكي عن أبي القاسم الصفار أنه يعتبر من آخر الوطآت، وهو قول
زفر، ولهذا قال الأكمل: قوله: وهو الصحيح. احترازاً عن قول زفر، وكذا قاله
الأترازي: حتى لو حاضت في آخر الوطآت ثلاث حيض قبل التفريق فقد انقضت
عدتها، ذكره في " المبسوط ".
م: (لأنها) ش: أي لأن العدة م: (تجب باعتبار شبهة النكاح) ش: يعني من حيث
وجود ركنه من الإيجاب والقبول م: (ورفعها) ش: أي رفع شبهة النكاح م:
(بالتفريق، ويثبت نسب ولدها منه، لأن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد)
ش: لأن الولد الذي ليس له أب معروف كالميت؛ لأنه ليس له من وجهة، ولا من
يعظمه ويشينه م: (فيترتب) أي ثبوت النسب م: (على الثابت من وجه) ش: وهو
النكاح الفاسد.
م: (وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعليه
الفتوى) ش: يعني يعتبر مدة النسب، وهو ستة أشهر من وقت دخل الرجل عليها،
ولا يعتبر من وقت العقد، وعندهما من وقت النكاح، وهو بعيد أشار إليه بقوله:
م: (لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه) ش: أي إلى الوطء، ولهذا لا تثبت حرمة
المصاهرة بعقد فاسد، حتى يكون فيه مس أو تقبيل م: (وعليه الفتوى) ش: أي على
قول محمد، قال أبو الليث: م: (والإقامة باعتباره) ش: يعني أن إقامة العقد
(5/182)
قال: ومهر مثلها يعتبر بأخواتها، وعماتها،
وبنات أعمامها. لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لها مثل مهر
نسائها، لا وكس فيه، ولا شطط وهن أقارب الأب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مقام الوطء في النكاح الصحيح باعتبار أن العقد داع إلى الوطء والنكاح
الفاسد ليس بداع إلى الوطء؛ لكونه حراماً واجب الرفع فلا يقام العقد مقام
الوطء، ولا تعتبر المدة من حيث العقد.
[مهر مثل المرأة بم يعتبر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ومهر مثلها) ش:
أي مهر مثل المرأة م: (يعتبر بأخواتها، وعماتها، وبنات أعمامها) ش: المراد
بأخواتها لأبيها وأمها، أو لأبيها، وكذا عماتها من أخوات أبيها لأبيه وأمه
أو لأبيه.
وقال الشافعي، وأحمد، وعامة أهل العلم، وفي " المبسوط ": ويعتبر بعشيرتها
من جهة أبيها، كأخواتها لأبيها وأمها، أو لأبيها، وعماتها، وبنات أعمامها،
ومثله في " المحيط "، وقال: وعماتها وبناتهن وهو محمول على ما إذا كان أباً
وهن من قبلها.
م: (قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لها مثل مهر
نسائها، لا وكس فيه، ولا شطط، وهن أقارب الأب) ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة
في "سننهم"، عن سفيان بن منصور عن إبراهيم، عن علقمة، واللفظ للترمذي قال:
«سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى
مات، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدة،
ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بروع بنت واشق بنت امرأة منا مثل ما قضيت،
ففرح بها ابن مسعود» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال شيخنا زين الدين: اختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث ونقله له، فقال
الشافعي فيما رواه عن البيهقي في "السنن " و" المعرفة ": ولم أحفظه من وجه
يثبت مثله، قال: وهو مرة يقال: عن معقل بن يسار، ومرة عن معقل بن سنان،
ومرة عن بعض أشجع، لا يسمى فاعله بالاضطراب في تسمية رواته، انتهى.
قلت: قد صححه أكثر أهل الحديث: الترمذي، وابن حبان، وأبو عبد الله بن
الأخرم النيسابوري، وأبو عبد الله الحاكم شيخ البيهقي، وقال البيهقي: هذا
الاختلاف في تسمية من روى قصة بروع بنت واشق عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يوهن الحديث، فإن أسانيد هذه الروايات صحيحة، وفي
بعضها أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك، فبعضهم يسمي بهذا وبعضهم يسمي آخر،
وكلهم ثقة، ولولا ثقة من رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ما كان عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى
(5/183)
ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه، وقيمة الشيء
إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه، ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من
قبيلتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - يفرح بروايته، وحكى الحاكم في "المستدرك " عن شيخه عبد الله بن محمد
بن يعقوب الحافظ أنه قال: لو حضرت الشافعي لقمت على رءوس أصحابه. وقلت: قد
صح الحديث فقال به.
وقال الترمذي: روي عن الشافعي أنه رجع بعد عن هذا القول، وقال بحديث بروع
بنت واشق، وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العم من أصحاب النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبه يقول الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
منهم على بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمْ -: إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها، ولم يفرض لها
صداقاً، قال: لها الميراث، ولا صداق لها وعليها العدة، وهو قول الشافعي.
قلت: ومعقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف ابن سنان الأشجعي،
وليس له في الكتب إلا هذا الحديث، شهد الفتح، وكان ابن عقبة الذي يقال له:
مشرف حامل لواء قومه، ونزل الكوفة وقدم المدينة فقتل بها يوم الحرة صبرا
فقيل: قتله مسلم بن عقبة الذي يقال له: مشرف بن عقبة وقيل: قتله ماحق بن
نوفل، وله قصة ذكرناها في " التاريخ الكبير ".
وبروع المشهور فيها عند أهل الحديث كسر الباء الموحدة وسكون الراء، ثم واو
مفتوحة ثم عين مهملة. قال الجوهري: أهل الحديث يقولون بكسر الباء، والصواب
بالفتح؛ لأنه ليس في الكلام فوعل إلا بروع بنت معروف وعنود اسم أود، وهكذا
قال صاحب " المحكم ": وواشق بالشين المعجمة وهي أشجعية، وذكرها ابن حبان في
الصحابة.
قوله: - لا وكس ولا شطط - أي لا نقصان ولا زيادة، والوكس بفتح الواو، وسكون
الكاف وبالسين المهملة هو النقصان، والشطط بفتح الشين المعجمة، والطاء
المهملة وتكرارها، الجور والزيادة ومن أقارب الأب أي ونساؤها أقارب الأب.
م: (ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه) ش: لا من جنس قوم أمه، ألا ترى أن الأم
قد تكون أمة والابنة قرشية تبعاً لأبيها، ومهر المثل مختلف باختلاف هذه
الأوصاف م: (وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه) ش: أي جنس ذلك
الشيء، يعرف بالنظر في قيمة غير جنسه.
م: (ولا يعتبر بأمها، وخالتها إن لم يكونا من قبيلتها) ش: يريد بها من
قبيلة أبيها، وذلك مثل أن يتزوج رجل ابنة عمه، فتلد له بنتاً يزوجها من رجل
لا يسمي لها مهراً فيدخل بها زوجها ثم يطلقها أو يموت عنها قبل الدخول أو
بعده، أو يطلقها بعد الخلوة الصحيحة، وأمها من جنسها
(5/184)
لما بينا، فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن
كانت بنت عمه، فحينئذ يعتبر بمهرها؛ لأنها من قوم أبيها،
ويعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن، والجمال، والمال، والعقل
والدين، والبلد، والعصر، والعفة، لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف،
وكذا يختلف باختلاف الدار، والعصر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجمالها فإنه يحكم لها بمهر مثل أمها وهي بنت عم أبيها، أو بمهر أخت أمها
وهي خالتها بنت عم أبيها. وقال ابن أبي ليلى: يعتبر بأمها وخالتها ونسائها
من قبل أمها م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وقيمة الشيء إنما تعرف
بالنظر في قيمة جنسه.
م: (فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه، فحينئذ يعتبر بمهرها؛
لأنها من قوم أبيها) ش: لأن الإنسان من جنس أبيه، ولهذا كان أكثر من تولى
من خلفاء بني العباس من الإماء، ولم يخرجوا بذلك من أن يكونوا من بني هاشم،
والهاشمية إن ولدت من نبطي كان ولدها نبطياً.
م: (ويعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن والجمال والمال والعقل
والدين والبلد والعصر والعفة) ش: وهي ثمانية أشياء. وفي "النتف": تعتبر
المماثلة في خمس عشرة خصلة: الجمال والحسب والمال والعقل والدين والعلم
والأدب والتقوى والعفة وكمال الخلق، وحداثة السن، والبكارة، وحال وصال
الزوج، وأن يكون لها ولد.
وفي " المحيط " و" المرغيناني " قيل: لا يعتبر الجمال في بنت الحسب والشرف،
وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس، إذ الرغبة فيهن للجمال، بخلاف بنت الشرف.
وفي " المحيط ": فإن لم يوجد في قرابتها من هو مثل حالها يعتبر مثلها في
الأجنبيات. وفي " خزانة الأكمل ": امرأة لا مثل لها في الجمال ومالها في
قبيلتها، ينظر إلى قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها، وعند أبي حنيفة لا تعتبر
الأجنبيات.
م: (لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف) ش: أشار به إلى الأوصاف
الثمانية المذكورة، فإن الغنية تنكح بأكثر ما تنكح الفقيرة، وكذا الشابة مع
العجوز والحسناء والشوهاء وكذا البواقي م: (وكذا يختلف باختلاف الدار
والعصر) ش: أراد بالدار البلد، وأن يكون من هو بحالها في بلدها، حتى لا
يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى، فإن لم يوجد فيهم من يماثلها اعتبر
بالأجانب من بلدها بإجماع الأئمة، وتحصيلاً للمقصود بقدر الوسع، كذا في "
المبسوط ".
وفي " المحيط " و" الذخيرة ": يعتبر حالها بمن هو مثلها في هذه الصفات يوم
التزويج. قوله: - والعصر - أي واختلاف العصر، أي الزمان.
(5/185)
قالوا: ويعتبر التساوي أيضا في البكارة؛
لأنه يختلف بالبكارة والثيوبة.
وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه؛ لأنه من أهل الالتزام، وقد أضافه إلى ما
يقبله، فيصح. ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها، أو وليها اعتبارا بسائر
الكفالات، ويرجع الولي إذا أدى على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم في
الكفالة، وكذلك يصح هذا الضمان وإن كانت الزوجة صغيرة بخلاف ما إذا باع
الأب مال الصغير وضمن الثمن، لأن الوكيل سفير ومعبر في النكاح، وفي البيع
عاقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قالوا) ش: أصحابنا: م: (ويعتبر التساوي في البكارة أيضاً؛ لأنه) ش: أي
لأن الشأن م: (يختلف بالبكارة والثيوبة) ش: قال صاحب " المغرب ": الثيب من
النساء التي قد تزوجت، والجمع ثيبات، والثيابة الثيبوبة في قصدها فليس من
كلامهم. وقال الجوهري: ورجل ثيب وامرأة ثيب، والذكر والأنثى فيه سواء.
[زوج الولي ابنته وضمن لها المهر]
م: (وإذا ضمن الولي المهر صح ضمان) ش: يعني إذا زوج الولي ابنته، وضمن لها
المهر صح ضمانه، سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، وسواء كان من جانب الزوج
أو الزوجة، لكن في الصغيرة إذا زوجها أبوها فللمرأة أن تطالب الأب بالمهر
وإن لم يضمنه باللفظ، ذكره في " شرح الطحاوي " و" التتمة ".
م: (لأنه) ش: أي لأن الولي م: (من أهل الالتزام) ش: لأنه عاقل بالغ، وصبر
نفسه رغيماً، والرغيم غارم بالحديث م: (وقد أضافه إلى ما يقبله) ش: أي أضاف
الالتزام، أو الضمان إلى شيء يقبل الضمان وهو المهر، وذلك لأن المهر، وهو
دين مضمون م: (فيصح) ش: بخلاف ما إذا باع الأب مال ولده الصغير، وضمن الثمن
عن المشتري لم يصح، فلو صح الضمان كان ضامناً لنفسه، ولا يصح على ما يجيء
عن قريب.
م: (ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها، أو وليها اعتباراً بسائر
الكفالات) ش: لأن الحكم في الكفالة هكذا: أن المكفول له إن شاء طالب
الكفيل، وإن شاء طالب الأصيل على ما عرف في موضعه.
م: (ويرجع الولي إذا أدى) ش: الولي المهر إلى البنت. م: (على الزوج) ش:
يتعلق بقوله - يرجع - م: (إن كان) ش: أي الضمان م: (بأمره) ش: أي بأمر
الزوج م: (كما هو الرسم) ش: أي العادة المستمرة م: (في الكفالة) ش: أي
الكفيل يرجع على الأصيل إن كان بأمره م: (وكذلك يصح هذا الضمان) ش: أي ضمان
المهر م: (وإن كانت الزوجة صغيرة) ش: أو كبيرة بكراً م: (بخلاف ما إذا باع
الأب مال الصغير وضمن الثمن) ش: فإنه لا يصح ضمانه، والعرف هو قوله، م:
(لأن الوكيل سفير ومعبر في النكاح) ش: ولهذا وكيل الزوجة لا يجبر على
تسليمها ووكيل الزوج لا يطالب بالمهر م: (وفي البيع عاقد) ش: أي الولي في
البيع عاقد
(5/186)
ومباشر حتى ترجع العهدة عليه والحقوق إليه
ويصح إبراؤه عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويملك قبضه بعد بلوغه،
فلو صح الضمان يصير ضامنا لنفسه وولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة لا
باعتبار أنه عاقد، ألا ترى أنه لا يملك القبض بعد بلوغها فلا يصير ضامنا
لنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومباشر) ش: أصيل في حقوقه م: (حتى ترجع العهدة عليه والحقوق إليه) ش:
وحقوق العقد مثل تسليم المبيع وتسليم الثمن ونحوهما.
وفي " الغاية ": هذا كما لو أنه زوج الصغيرة وضمن لها المهر عن الزوج، أما
إذا زوج ابنه الصغير في حال صحته وضمن عنه لزوجته المهر يصح إذا قبلت
المرأة ذلك ولم يتعرض إليه المصنف، وإذا أدى الأب بعد ذلك لم يرجع على الأب
استحساناً.
وفي القياس: يرجع، لأن غير الأب لو ضمن بإذن الأب وأدى يرجع في مال الصغير
فكذلك الأب. وجه الاستحسان أن الآباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا
يطمعون في الرجوع، والثابت بالعرف كالثابت بالنص إلا إذا شرط الرجوع في أصل
الضمان، فحينئذ يرجع بخلاف الوصي إذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان
يرجع؛ لأن الشرع من الوحي لا يوجد عادة، هذا إذا أدى الأب بعد الضمان، أما
إذا مات قبل الأداء فللمرأة الخيار إن شاءت أخذت المهر من الزوج، وإن شاءت
استوفت ذلك من تركة الأب، لأن الكفالة كانت صحيحة فلا تبطل بالموت، ثم إذا
استوفت من التركة. قال في " المبسوط ": يرجع على سائر الورثة بذلك في نصيب
الابن، وعليه إن كان قبض نصيبه. وقال زفر: لا يرجع ولم يذكر خلاف أبي يوسف
فيه. وفي " الكافي" للحاكم الشهيد أيضاً، والولوالجي في "الفتاوى " ذكر
خلاف أبي يوسف كما هو مذهب زفر، وكذا أثبت خلاف أبي يوسف في " خلاصة الفتوى
" منقول عن " المحيط " أن الخصاف ذكر ذلك، وإن كان الضمان عن الأب في مرض
الموت فهو باطل، وكذلك كل ضمان في مرض الموت عن الوارث فهو باطل، والمجنون
بمنزلة الصبي في جميع ذلك، لأنه ولي عليه كالصغير، سواء كان الجنون أصلياً
أو عارضاً.
ولو زوج الأب طفله الصغير امرأة بمهر معلوم لا يلزم المهر أباه إلا إذا
ضمن. وقال مالك والشافعي - في القديم -: المهر على الأب لأنه ضمن دلالة،
قلنا: الصداق على أخذ الساق بالآثار.
م: (ويصح إبراؤه) ش: أي إبراء الأب الثمن من المشتري م: (عند أبي حنيفة
ومحمد) ش: وذكر شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه " صحة الإبراء ولم يذكر
الخلاف م: (ويملك قبضه بعد بلوغه) ش: أي يملك الأب قبض الثمن بعد بلوغ
الصبي، هذا إيضاح لرجوع العهدة على العاقد في البيع م: (فلو صح الضمان) ش:
أي ضمان الأب الثمن عن المشتري في البيع م: (يصير ضامناً لنفسه) ش: فلا يصح
وقد مر بيانه.
(5/187)
قال: وللمرأة أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر
وتمنعه أن يخرجها، أي يسافر بها، ليتعين حقها في البدل كما تعين في حق
الزوج في المبدل وصار كالبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وولاية قبض المهر للأب) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: كيف
قلتم: إن الأب سفير لا يرجع حقوق العقد إليه، وله ولاية قبض مهر الصغير،
وقال الكاكي: تقدير السؤال أن يقال: الأب يملك قبض الصداق كالوكيل يملك قبض
الثمن، فلو صح ضمانه يصير ضامناً لنفسه، وذا لا يجوز هناك، وكذا في الأب
فأجاب عنه بقوله: وولاية قبض المهر للأب م: (بحكم الأبوة) ش: أي بولاية
الأبوة م: (لا باعتبار أنه عاقد) ش: ثم لا يشترط إحضار الزوجة حتى يقبض
الأب مهرها عند علمائنا، وعند زفر وهو قول أبي يوسف الآخر فتشترط. وفي "
المرغيناني ": لا يشترط ولم يحك خلافاً.
م: (ألا ترى أنه) ش: أي الأب م: (لا يملك القبض) ش: أي قبض المهر م: (بعد
بلوغها) ش: أي عند هبتها إياه عن القبض، فلو كان باعتبار أنه عاقد يقبض بعد
البلوغ أيضاً، كما في ثمن المبيع وقال الولوالجي في "فتاواه ": للأب أن
يطالب بمهر البكر، وإن كانت كبيرة، والقياس أن لا يطالب لأن ولاية الأب
تنقطع عنها بالبلوغ. ووجه الاستحسان أن العادة فيما بين الناس أن الآباء
يقبضون صداق البنات ويجهزون بها البنات، والبنت تكون راضية بتصرف الأب،
لأنها تستحي عن المطالبة بنفسها، ولو رغب أباها عن قبض الصداق لا يملك الأب
المطالبة، وليس لأحد من الأولياء أن يقبض الجارية المدركة مهرها إلا بوكالة
منها.
ثم الأب في حق البكر البالغة إنما يملك قبض صداقها المسمى لا غير، حتى إن
المسمى إذا كان بيضاً والأب قبض السود لا يجوز لأنه استبدال، والأب لا يملك
الاستبدال. قال شمس الأئمة السرخسي: هذا مذهب علمائنا، وروي عن علماء بلخ
أنهم جوزوا ذلك حتى من قبض بعض العبد أن من جنس المسمى، وبالنصف ضياعاً
يجوز، قال: هذا أرفق بالناس. وقال في " الفتاوى الصغرى ": لو قبض السود
مكان البيض أو على العكس لا يجوز وإن قبض الضياع لا يجوز إلا في موضع جرت
العادة كما في ( ... ) يأخذون بعض المهر ضياعاً. م: (فلا يصير ضامناً
لنفسه) ش: توضيح لما قبله، م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م:
(وللمرأة أن تمنع نفسها) ش: أي من الزوج م: (حتى تأخذ المهر) ش: هذا إذا
كان المهر عاجلاً، أما إذا كان مؤجلاً ففيه اختلاف بين أصحابنا على ما يجيء
إن شاء الله تعالى. م: (وتمنعه) ش: أي ولها أيضاً أن تمنع زوجها م: (أن
يخرجها، أي يسافر بها) ش: فسر الإخراج بالمسافرة م: (ليتعين حقها في البدل)
ش: أي لتعين حق المرأة في المهر م: (كما تعين في حق الزوج في المبدل) ش:
وهو البضع م: (وصار كالبيع) ش: يعني أن البائع يحبس المبيع لطلب الثمن،
فكذلك المرأة تحبس بضعها لطلب المهر.
(5/188)
وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من
منزله وزيارة أهلها حتى يوفيها المهر كله، أي المعجل، لأن حق الحبس
لاستيفاء المستحق وليس له حق الاستيفاء قبل الإيفاء. ولو كان المهر كله
مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها لإسقاطها حقها بالتأجيل كما في البيع، وفيه
خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن دخل بها فكذلك الجواب عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ليس لها أن تمنع نفسها والخلاف فيما
إذا كان الدخول برضاها، حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو مجنونة لا يسقط
حقها في الحبس بالاتفاق، وعلى هذا الخلاف الخلوة بها برضاها، ويبتنى على
هذا استحقاق النفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[منع الزوج زوجته من السفر والخروج من منزله]
م: (وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله) ش: أي منزل الزوج م:
(وزيارة أهلها) ش: أي ليس له أن يمنعها من زيارة أهلها (حتى يوفيها المهر
كله، أي المعجل) ش: من المهر م: (لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق) ش: لأن حق
الحبس للزوج لأجل أن يستوفي منها مستحقه وهو الانتفاع ببضعها م: (وليس له
الاستيفاء قبل الإيفاء) ش: أي قبل أن يوفي حقها وهو المهر وفي " المحيط ":
تخرج في حوائجها وزيارة أهلها وتسافر بغير إذنه حتى يوفيها جميع المهر،
والظاهر أن التأكيد في كل المهر على المعجل منه. م: (ولو كان المهر كله
مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها لإسقاطها حقها بالتأجيل) ش: أي لإسقاط حق
طلبها بسبب تأجيل المهر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (كما في البيع) ش:
يعني أن الثمن إذا كان مؤجلا، للبائع أن يحبس المبيع، فكذلك لا تحبس المرأة
نفسها إذا كان المهر مؤجلاً.
م: (وفيه خلاف أبي يوسف) ش: فإنه قال: لها أن تمنع نفسها إذا كان المهر
مؤجلاً إلى أجل معلوم، سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة، لأن ملك البضع لا
يعرى عن ملك البدل. وعن أبي حنيفة ومحمد: ليس لها أن تمنع نفسها لأنها رضيت
بإسقاط حقها فلا تمنع نفسها، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك م: (وإن دخل بها
فكذلك الجواب) ش: أي كما أن المرأة لها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر
وتمنعه هي من أن يخرجها فيما قبل الدخول بالاتفاق، فكذلك بعد الدخول م:
(عند أبي حنيفة) ش: وهذا قول أبي حنيفة آخراً كذا في " الإيضاح ".
م: (وقالا: ليس لها أن تمنع نفسها) ش: وهو قول أبي حنيفة أولاً م:
(والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا كان
الدخول برضاها حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو مجنونة لا يسقط حقها في
الحبس بالاتفاق على هذا الخلاف) ش: المذكور.
م: (والخلوة بها برضاها) ش: مثل الخلاف في الدخول م: (ويبتنى على هذا) ش:
الخلاف م: (استحقاق النفقة) ش: فعند أبي حنيفة إذا منعت نفسها بعد الدخول
لا تسقط نفقتها، لأن المنع بحق، وعندهما لا نفقة لها.
وقال فخر الإسلام البزدوي في "شرح الجامع الصغير ": كان أبو القاسم الصفار
يفتي في
(5/189)
لهما أن المعقود عليه كله قد صار مسلما
إليه بالوطأة الواحدة، أو بالخلوة، ولهذا يتأكد بهما جميع المهر فلم يبق
لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع. وله أنها منعت منه ما قابل بالبدل،
لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم، فلا يخلى عن العوض إبانة لحظره،
والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها، فلا يصلح مزاحما للمعلوم، ثم إذا وجد
آخر، وصار معلوما تحققت المزاحمة، وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا جنى
جناية يدفع كله بها، ثم إذا جنى أخرى وأخرى يدفع بجميعها.
وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنع بقول أبي يوسف، ومحمد، وفي السفر بقول أبي حنيفة، قال: وهذا أحسن في
الفتيا، يعني بعد الدخول لا تمنع نفسها بطلب المهر، فإذا امتنعت لا تسقط
نفقتها، كما هو مذهب أبي حنيفة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد م: (أن المعقود عليه) ش: وهو البضع م:
(كله قد صار مسلما إليه) ش: أي إلى الزوج م: (بالوطأة الواحدة وبالخلوة،
ولهذا) ش: أي ولأجل كون المعقود عليه مسلما بالوطأة الواحدة، وبالخلوة م:
(يتأكد بهما) ش: أي بالوطأة الواحدة وبالخلوة م: (جميع المهر) ش: فإذا كان
الأمر كذلك م: (فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع) ش: أي
باختياره قبل قبض الثمن.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنها) ش: أي أن المرأة م: (منعت منه) ش: أي
من الزوج م: (ما قابله البدل) ش: وهو البضع م: (لأن كل وطأة تصرف في البضع
المحترم، فلا يخلى) ش: على صيغة المجهول الخلاء على البضع المحترم م: (عن
العوض) ش: يعني لا يجوز إخلاؤه عن العوض م: (إبانة لحظره) ش: أي لأجل
الإبانة بحظر الذي هو المحل المحترم م: (والتأكيد بالواحدة) ش: هذا جواب عن
قولهما: ولهذا يتأكد بها جميع المهر، تقديره أن التأكيد بالواحدة، أي تأكد
المهر بالوطأة الواحدة م: (لجهالة ما وراءها) ش: أي لأجل جهالة ما وراء
الوطأة الواحدة م: (فلا يصلح مزاحماً للمعلوم) ش: لأن المجهول لا يزاحم
المعلوم.
م: (ثم إذا وجد آخر) ش: أي وطء آخر م: (وصار معلوما تحققت المزاحمة) ش:
فيزاحم الأول لكونه معلوما يصير المهر مقابلا له، وبالأول، وإذا وجد آخر
فكذلك م: (وصار المهر مقابلا بالكل) ش: أي بكل الوطآت، ويظهر ذلك بقوله: م:
(كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها) ش: أي بهذه الجناية م: (ثم إذا جنى
أخرى) ش: أي جناية أخرى م: (وأخرى) ش: أي وجناية أخرى إلى ما لا يتناهى م:
(يدفع لجميعها) ش: أي لجميع الجنايات.
[الزوج إذا أراد أن يخرج المرأة إلى بلد أخرى
وقد أوفى لها مهرها]
م: (وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء) ش: أي إذا أوفى الرجل امرأته
مهرها المعجل، كذا قيده الكاكي، نقلها إلى حيث شاء من البلاد م: (لقوله عز
وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]
(5/190)
(الطلاق: الآية 6) ، وقيل: لا يخرجها إلى
بلد غير بلدها؛ لأن الغريب يؤذى، وفي قرى المصر القريبة لا تتحقق الغربة.
قال: ومن تزوج امرأة ثم اختلفا في المهر، فالقول قول المرأة إلى تمام مهر
مثلها، والقول قول الزوج فيما زاد على مهر المثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(الطلاق: الآية: 6) ش: وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وأصحابهم.
م: (وقيل) ش: قاله الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وقال
الأترازي: هو محمد بن سلمة. قلت: لا يضر ذلك؛ لأن كلا من أبي الليث، ومحمد
بن سلمة قائل بذلك م: (لا يخرجها إلى بلد غير بلدها، لأن الغريب يؤذى) ش:
وذكر في " فصول الأستروشي ": الزوج إذا أراد أن يخرج المرأة إلى بلد أخرى
وقد أوفى لها مهرها ليس له ذلك، هكذا اختاره أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -.
وقال ظهير الدين المرغيناني: في الأخذ بقول الله عز وجل أولى من الأخذ بقول
الفقيه، قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق:
6] وذكر في " التجنيس ": والفتوى على أن للزوج أن يسافر بها إذا أوفاها
المعجل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآية (الطلاق:
الآية 6) ، ولأن الغريب يؤذى) .
ش: فإن قيل: هذا التعليل معارض بقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] ، فلا يقبل.
قلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق:
6] مقيد بالنص بترك الإضرار، بدليل سياق الآية، وهو قَوْله تَعَالَى:
{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، وفي النقل إلى بلد
آخر مضارة، ولهذا جاز الإخراج برضاها. وفي " المحيط ": المختار لمشايخنا أن
لا يخرجها من بلدها، وجواز النقل ظاهر الرواية. وقال صاحب " ملتقى البحار "
وأفتى بأنه يتمكن من نقلها إذا أوفاها المعجل، ومن المؤجل.
م: (وفي قرى المصر القريبة) ش: أي ما دون مدة السفر م: (لا تتحقق الغربة)
ش: لقرب المسافة، بخلاف مدة السفر وما فوقها. وسئل أبو القاسم الصفار عمن
يخرجها من المدينة إلى القرية، ومن القرية إلى المدينة، فقال: ذلك بيتوتة
وليس بسفر، وإخراجها من بلد إلى بلد سفر وليس ببيتوتة.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن تزوج امرأة، ثم اختلفا
في المهر) ش: أي الزوجان اختلفا في المهر تسميته، بأن قال الرجل: تزوجتك
بألف، وقالت المرأة: بألفين م: (فالقول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها،
والقول قول الزوج فيما زاد على مهر المثل) ش: وعند الشافعي يتحالفا، كما في
البيع، ولا يفسخ النكاح، سواء كان الاختلاف قبل الدخول أو بعده، ويجب مهر
المثل. وقال مالك: إن كان الاختلاف بعد الدخول فالقول قول الزوج، وكذا لو
كان بعد موتهما، وإن كان قبل الدخول يتحالفان، ويفسخ النكاح بناء على أصله
أن
(5/191)
وإن طلقها قبل الدخول بها فالقول قوله في
نصف المهر، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف:
القول قوله قبل الطلاق وبعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فساد الصداق يوجب فساد النكاح، وهذه المسألة على وجوه ذكرت هنا.
منها ما إذا قال الزوج: ألف، وقالت المرأة: ألفان، وكان هذا بعد الدخول،
قبل الطلاق، أو بعده بحكم مهر المثل، حتى لو كان مهر المثل ألفا أو أقل،
فالقول قول الزوج، مع إنكاره الزيادة بالله ما تزوجها على ألفين، وإن نكل
أعطاها الألفين على سبيل التسمية دراهم لا خيار للزوج فيها، وإن حلف لا
يثبت الفضل، وأيهما أقام البينة قبلت بينته، فإن أقاما البينة جميعا كانت
بينة المرأة أولى، لأنها كانت أكثر إثباتا، كالبائع والمشتري أقاما البينة
على مقدار الثمن تكون بينة البائع أولى لما قلنا، هذا إذا كان مهر المثل
ألفا أو أقل. فإذا كان ألفين أو أكثر فالقول قولها مع اليمين ما رضيت بألف؛
لأنها تنكر للحط الذي يدعيه الزوج، فإن نكلت يجب لها الألف باعتبار
التسمية، وإن حلف ثبت لها الألفان، ألف منها باعتبار التسمية، وألف آخر
باعتبار تحكيم مهر المثل، وللزوج خيار في هذه الألف إن شاء أعطاها دراهم
كما سماها، وإن شاء أعطاها من الدنانير ما يساوي ألف درهم، فأيهما أقام
البينة على دعواه قبلت بينته؛ لأن كل واحد منهما مدع ظاهرا، وإذا أقاما
جميعا فبينة الزوج أولى وهو الصحيح.
فإذا كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة يجب التحالف، ويبدأ التحالف بالمقرعة،
ولم يتعرض له المصنف، فإن نكل الزوج ثبت الألفان [ ... ] ، وإن نكلت المرأة
ثبت الألف، وإن حلفا جميعا ألف وخمسمائة الألف باعتبار التسمية، والخمسمائة
باعتبار تحكيم مهر المثل، وللزوج خيار فيها، وأيهما أقام البينة قبلت
بينته، وإن أقاما جميعا تهاترت البينتان للتعارض، ووجب مهر المثل ويخير
الزوج فيها.
م: (وإن طلقها قبل الدخول بها) ش: فلها الزوج م: (فالقول قوله في نصف
المهر) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة بهذه المسألة، صورته: قال الزوج
تزوجتك بألف لا بل بألفين قبل الدخول بها فالقول قول الزوج في نصف المهر،
ولا يحكم متعة مثلها، هذه على رواية " الجامع الصغير " و" المبسوط ".
وقال في " الجامع الكبير ": يحكم متعة مثلها، فإن شهدت لأحدهما فالقول له
مع يمينه إن كانت بين الاثنين حلف كل واحد منهما م: (وهذا عند أبي حنيفة
ومحمد - رحمهما الله تعالى -) ش: أي هذا المذكور من قوله: من تزوج امرأة
إلى هنا عند أبي حنيفة ومحمد، وبه قال أحمد في رواية، وإن خصهما بالذكر؛
لأن عند أبي يوسف القول قول الزوج في جميع الصور.
م: (وقال أبو يوسف: القول قوله قبل الطلاق وبعده) ش: لأن القول قول الزوج
مع يمينه،
(5/192)
إلا أن يأتي بشيء قليل، ومعناه ما لا
يتعارف مهرا لها هو الصحيح. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المرأة قد
تدعي الزيادة، والزوج ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه، إلا أن يأتي بشيء
يكذبه الظاهر فيه، وهذا لأن تقوم منافع البضع ضروري، فمتى أمكن إيجاب شيء
من المسمى لا يصار إليه. ولهما أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر،
والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل، لأنه هو الموجب الأصلي في باب النكاح،
وصار كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجر تحكم فيه قيمة الصبغ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وسواء كان الاختلاف قبل الطلاق أو بعده، وبه قال أحمد في رواية م: (إلا أن
يأتي بشيء قليل) ش: اختلفوا في معنى الشيء القليل، فقال المصنف م: (ومعناه)
ش: أي ومعنى الشيء القليل.
وقال الأترازي: إن معنى قول أبي يوسف إلا أن يأتي بشيء قليل م: (ما لا
يتعارف مهرا لها) ش: يعني تفسير القليل أن يذكر الزوج شيئا لا يتزوج مثل
تلك المرأة على ذلك المهر عادة. وقيل معناه دون العشرة، لأنه مستنكر شرعا،
وروي هذا عن أبي يوسف، وفي " قاضي خان ": تفسير المستنكر عن أبي يوسف
روايتان، إحداهما: ما دون العشرة، والثانية: ما لا يتزوج على مثله، وهذه هي
الصحيحة، أشار إليه المصنف بقوله: م: (هو الصحيح) ش: وكذا قال في " البدائع
" هو الصحيح. وفي " المحيط " و" قاضي خان ": أصح، ويحكى عن أبي الحسن
الكرخي.
م: (لأبي يوسف أن المرأة قد تدعي الزيادة، والزوج ينكر، والقول قول المنكر
مع يمينه، إلا أن يأتي بشيء يكذبه الظاهر فيه) ش: بأن ذكر أقل من عشرة
دراهم؛ لأن ظاهر الشرع ينكره، وظاهر الحال يكذبه م: (وهذا) ش: أي هذا الذي
ذكره أبو يوسف م: (لأن تقوم منافع البضع ضروري) ش: لأنه ليس بمال، وإنما
يتقوم تعظيماً لخطره.
وقال الأترازي: يعني لضرورة التوالد والتناسل م: (فمتى أمكن إيجاب شيء من
المسمى لا يصار إليه) ش: أي: إلى مهر المثل لأن مهر المثل إنما يعتبر عند
انعدام التسمية اعتبارا على أصل التسمية فلا نحكم بمهر المثل.
م: (ولهما) ش: أي: ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن القول في الدعاوى قول من يشهد
له الظاهر) ش: يعني ظاهر الحال م: (والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل،
لأنه) ش: أي لأن مهر المثل م: (هو الموجب الأصلي في باب النكاح) ش: شرعا م:
(وصار كالصباغ مع رب الثوب) ش: أي صار تحكيم مهر المثل في الاختلاف في
مقدار المهر كاختلاف الصباغ مع صاحب الثوب، بيانه أن رب الثوب قال صبغته
بدرهم، وقال الصباغ: بدرهمين، وهو معنى قوله: م: (إذا اختلفا في مقدار
الأجر) ش: أي الأجرة.
م: (تحكم فيه) ش: على صيغة المجهول من التحكيم م: (قيمة الصبغ) ش: ينظر ما
زاد
(5/193)
ثم ذكر هاهنا أن بعد الطلاق قبل الدخول
القول قوله في نصف المهر، وهذا رواية " الجامع الصغير " والأصل. وذكر في "
الجامع الكبير ": أنه يحكم متعة مثلها، وهو قياس قولهما؛ لأن المتعة موجبة
بعد الطلاق كمهر المثل قبله، فتحكم كمهر. ووجه التوفيق أنه وضع المسألة في
الأصل في الألف والألفين، والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في العادة، فلا يفيد
تحكيمها ووضعها في " الجامع الكبير ": في العشرة والمائة، ومتعة مثلها
عشرون، فيفيد تحكيمها، والمذكور في " الجامع الصغير " ساكت عن ذكر المقدار
فيحمل على ما هو المذكور في الأصل.
وشرح قولهما فيما إذا اختلفا في حال قيام النكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصباغ في قيمة الثوب إن كان درهما أو أكثر أعطي ذلك، ويحلف بالله ما صبغه
بما ادعى رب الثوب، ويحلف رب الثوب بالله ما صبغته بأكثر من ذلك، وذلك لأن
الصبغ غير مال قائم، فوجب الرجوع إلى قيمته وتحكيمه، كذا قال القدوري في
شرح كتاب " الاستحلاف ".
م: (ثم ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هاهنا) ش: أي في المسألة،
وفي بعض النسخ ثم إنه وضعها هاهنا م: (أن بعد الطلاق قبل الدخول، القول
قوله) ش: أي قول الزوج م: (في نصف المهر) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، ولا
يحكم متعة مثلها م: (وهذا رواية " الجامع الصغير " والأصل) ش: أي " المبسوط
".
م: (وذكر) ش: أي محمد م: (في " الجامع الكبير ": أنه يحكم متعة مثلها) ش:
فإن شهدت لأحدهما فالقول له مع يمينه، وإن كانت بين الأمرين حلف كل واحد
منهما كما في حال قيام النكاح م: (وهو قياس قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة
ومحمد، وإنما خصهما؛ لأن على قول أبي يوسف القول قول الزوج م: (لأن المتعة
موجبة) ش: أي موجب النكاح م: (بعد الطلاق) ش: قبل الدخول م: (كمهر المثل
قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (فتحكم) ش: أي المتعة م: (كمهر) ش: أي كمهر
المثل قبل الطلاق.
م: (ووجه التوفيق) ش: أي بين رواية الأصل و" الجامع الكبير " م: (أنه) ش:
أي أن محمداً م: (وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين، والمتعة لا تبلغ
هذا المبلغ في العادة، فلا يفيد تحكيمها) ش: أي تحكيم المتعة؛ لأن الزوج
معترف بنصف الألف م: (ووضعها) ش: أي المسألة م: (في " الجامع الكبير " في
العشرة والمائة، ومتعة مثلها عشرون، فينفذ تحكيمها، والمذكور في " الجامع
الصغير " ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور في الأصل) ش: أي "
المبسوط " وهو المتعارف، إذ المتعارف هو الاختلاف في الألوف. وقيل إن "
المبسوط " صنف أولاً، ثم " الجامع الصغير "، فيكون المذكور في " المبسوط "
كالمعهود فيحمل عليه، وقيل في المسألة روايتان.
[الزوجان إذا اختلفا في مقدار المهرقبل الطلاق]
م: (وشرح قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة ومحمد م: (فيما إذا اختلفا) ش: أي
الزوجان م: (في حال قيام النكاح) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة
بالمسألة المذكورة، وهو أن
(5/194)
أن الزوج إذا ادعى الألف والمرأة الألفين،
فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فالقول قوله، وإن كان ألفين أو أكثر فالقول
قولها، وأيهما أقام البينة في الوجهين تقبل بينته، وإن أقاما البينة في
الوجه الأول تقبل بينتها لأنها تثبت الزيادة، وفي الوجه الثاني بينته لأنها
تثبت الحط، وإن كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة تحالفا. وإذا حلفا يجب ألف
وخمسمائة، هذا تخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكرخي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: يتحالفان في الفصول الثلاثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزوجين إذا اختلفا في مقدار المهر قبل الطلاق م: (أن الزوج إذا ادعى
الألف، والمرأة الألفين فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فالقول قوله) ش: أي
مع اليمين؛ لأن الظاهر شاهد له، لأن في الدعاوى القول لمن يشهد له الظاهر.
م: (وإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (ألفين أو أكثر فالقول قولها) ش: أي قول
المرأة مع يمينها م: (وأيهما) ش: أي أيما الزوجين م: (أقام البينة في
الوجهين) ش: أي فيما إذا كان مهر مثلها ألفين أو أكثر م: (تقبل بينته، وإن
أقاما البينة في الوجه الأول تقبل بينتها؛ لأنها تثبت الزيادة، وفي الوجه
الثاني) ش: أي فيما إذا كان مهر مثلها ألفين أو أكثر تقبل م: (بينته؛ لأنها
تثبت الحط) ش: أي حط أحد الألفين، والأصل في هذا هو البينة تثبت ما ليس
ثابتا ظاهرا م: (وإن كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة) ش: هذا وجه آخر من
الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة م: (تحالفا) ش: لأن المرأة تدعي الزيادة
عليه وهو ينكر، والزوج يدعي عليها الحط عن مهر المثل وهي تنكر، وينبغي أن
يقرع القاضي في البداية بالحلف، ذكره في " جامع قاضي خان " والقرعة مستحبة،
ولكن يبدأ بأيهما شاء، وذكر الإمام المحبوبي يبدأ بيمين الزوج؛ لأنه
أثبتهما إنكارا. وقال مالك بكليهما على المشهور.
م: (فإذا حلفا يجب ألف وخمسمائة) ش: يجب ألف بطريق التسمية، لا يخير الزوج
فيها لاتفاقهما على تسمية الألف، ويجب خمسمائة باعتبار مهر المثل يخير فيها
الزوج، وأيهما أقام البينة قبلت بينته، وإن أقاما يقضي بالألف وخمسمائة،
ألف بطريق التسمية وخمسمائة باعتبار مهر المثل، لأن البينتين بطلتا لمكان
التعارض، ونص محمد في هذا الفصل: أن بينة المرأة أولى لإثباتها الزيادة.
م: (هذا تخريج الرازي) ش: أي وجوب التحالف في فصل واحد، وهو ما إذا خالف
مهر المثل قولهما هو تخريج الرازي، أي وجوب التحالف في فصل واحد هو ما إذا
خالف مهر المثل قولهما هو تخريج الشيخ أبي بكر الجصاص أحمد بن علي الرازي
من كبار علماء العراقيين صاحب التصانيف م: (يتحالفان) .
م: (قال الكرخي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو الشيخ أبو الحسن الكرخي
أستاذ المحققين، وهو أستاذ أبو بكر الرازي، ولد سنة ستين ومائتين ومات سنة
ثمانين وثلاثمائة. وقال الفائق: ولد سنة خمس وثلاثمائة، ومات سنة سبعين
وثلاثمائة م: (في الفصول الثلاثة)
(5/195)
ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك. ولو كان
الاختلاف في أصل المسمى يجب مهر المثل بالإجماع؛ لأنه هو الأصل عندهما،
وعنده تعذر القضاء بالمسمى، فيصار إليه، ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما
فالجواب فيه كالجواب في حال حياتهما لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت
أحدهما. ولو كان الاختلاف بعد موتهما في المقدار فالقول قول ورثة الزوج،
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يستثني القليل. وعند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - القول قول الورثة إلا أن يأتوا بشيء قليل، وعند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب فيه كالجواب في حالة الحياة، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي فيما إذا كان مهر المثل ألفا أو أقل، أو ألفين أو أكثر ألفا وخمسمائة
م: (ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك) ش: لأنهما لما حلفا تعذرت التسمية، فيحكم
بمهر المثل، قيل: قول أبي بكر أصح.
م: (ولو كان الاختلاف في أصل المسمى) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة
بالمسألة المذكورة، أي ولو كان اختلاف الزوجين في أصل المسمى بأن يدعي
أحدهما التسمية وينكر الآخر م: (يجب مهر المثل بالإجماع) ش: لأنه لا يتمكن
المصير إلى المسمى مع وجود الشك، ولو كان قبل الدخول تجب المتعة بالإجماع،
وهكذا علله بعضهم، وعلل المصنف بقوله: م: (لأنه هو الأصل عندهما) ش: أي لأن
مهر المثل هو الأصل عند أبي حنيفة ومحمد.
م: (وعنده) ش: أي وعند أبي يوسف م: (تعذر القضاء بالمسمى) ش: مع وجود الشك
في وجوده م: (فيصار إليه) ش: أي إلى مهر المثل، وتعليل المصنف:
م: (ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما) ش: أي بعد موت أحد الزوجين وهذا أيضا
وجه من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة، وصورته: اختلف الحي منهما مع
ورثة الميت م: (فالجواب فيه) ش: أي في هذا الوجه م: (كالجواب في حال
حياتهما) ش: أي حال قيام النكاح في الأصل والمقدار. وفي الأصل يجب مهر
المثل.
م: (لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما) ش: أي أحد الزوجين، كما في
المفوضة، وهي التي زوجت نفسها من رجل بغير مهر إذا كان أحدهما يجب مهر
المثل بالإجماع. بأن اختلف ورثتهما م: (في المقدار) ش: أي في مقدار المسمى
م: (فالقول قول ورثة الزوج عند أبي حنيفة) ش: مع اليمين لإنكارهم الزيادة
في المقدار، أي في مقدار المسمى فالقول قول ورثة الزوج أيضا، إلا أن يأتوا
بشيء م: (ولا يستثني القليل) ش: أي على المذهب أبي حنيفة، بل يصدق ورثته
وإن ادعوا شيئا قليلاً.
م: (وعند محمد الجواب فيه) ش: أي في هذا الوجه م: (كالجواب في حالة الحياة)
ش: يعني أن القول قول ورثة المرأة على مهر المثل، وفيما زاد على ذلك القول
قول ورثة الزوج م: (وإن
(5/196)
كان في أصل المسمى فعند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - القول قول من أنكره. فالحاصل أنه لا حكم لمهر المثل
عنده بعد موتهما على مهر مسمى على ما نبينه من بعد إن شاء الله.
وإذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا فلورثتها أن يأخذوا ذلك من ميراث الزوج،
وإن لم يسم لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقالا: لورثتها المهر في الوجهين، معنى المسمى في الوجه الأول ومهر المثل
في الوجه الثاني. أما الأول: فلأن المسمى دين في ذمته، وقد تأكد بالموت
فيقضى من تركته إلا إذا علم أنها ماتت أولا فيسقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان) ش: أي اختلاف الورثة م: (في أصل المسمى) ش: بأن ينكر أحدهما المسمى م:
(فعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - القول قول من أنكره)
ش: أي من أنكر أصل المسمى، ولا يقضي بشيء؛ لأنه لا يقضي بمهر المثل بعد
موتهما عنده، وعندهما يقضي بمهر المثل، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد،
وعليه الفتوى، ولكن الشافعي يقول: بعد التحالف، وعندنا، ومالك، وأحمد لا
يجب التحالف.
م: (والحاصل أنه لا حكم لمهر المثل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (بعد
موتهما) ش: أي بعد موت الزوجين، استدل في الأصل، وقال الأترازي: إن ورثة
علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لو ادعوا على ورثة عمر
بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مهر أم كلثوم بنت علي بن أبي
طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لم أقض ذلك في ميراث عمر إلا أن
تقوم البينة م: (على مهر مسمى على ما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش:
أشار به إلى دليل أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في المسألة
التي تلي هذه المسألة، وهذا أيضا وجه من الوجوه المتعلقة بالمسألة
المذكورة.
[مات الزوجان وقد سمى لها مهرا]
م: (وإذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا) ش: أي والحال أن الزوج قد سمى
للمرأة مهرا م: (فلورثتها أن يأخذوا ذلك) ش: أي المسمى م: (من ميراث الزوج)
ش: إنما يأخذ الورثة جميع المسمى من ميراث الزوج إذا ماتا معا، أو لم يعلم
سبق أحدهما، أو علم أن الزوج مات أولا، لأن المسمى دين في الذمة وقد تقرر
بالموت، وإن علم أن المرأة ماتت أولا يسقط من المهر قدر نصيب الزوج من
التركة؛ لأنه ورث دينا على نفسه على ما يجيء الآن.
م: (وإن لم يكن سمى لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وقالا: لورثتها المهر في الوجهين) ش: أي فيما
إذا سمى، وفيما إذا لم يسم م: (معنى المسمى) ش: أي معنى قولهما بحسب المسمى
م: (في الوجه الأول) ش: أي فيما إذا سمى م: (ومهر المثل) ش: أي ويجب مهر
المثل م: (في الوجه الثاني) ش: أي فيما إذا لم يسم.
م: (أما الأول) ش: وهو وجوب المسمى م: (فلأن المسمى دين في ذمته وقد تأكد
بالموت فيقضي من تركته إلا إذا علم أنها ماتت أولا) ش: الاستثناء من قوله:
ويقضي من تركته م: (فيسقط
(5/197)
نصيبه من ذلك. وأما الثاني: فوجه قولهما أن
مهر المثل صار دينا في ذمته كالمسمى فلا يسقط بالموت، كما إذا مات أحدهما،
لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن موتهما يدل على انقراض أقرانهما، فبمهر
من يقدر القاضي مهر المثل.
ومن بعث إلى امرأته شيئا، فقالت: هو هدية، وقال الزوج: هو من المهر فالقول
قوله لأنه هو المتملك، فكان أعرف بجهة التمليك كيف وأن الظاهر أنه يسعى في
إسقاط الواجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نصيبه من ذلك) ش: أي نصيب الزوج أي من مهر المثل الذي عليه قدر نصيبه من
تركة المرأة وقد ذكرناه الآن.
م: (وأما الثاني) ش: وهو وجوب مهر المثل م: (فوجه قولهما: أن مهر المثل صار
دينا في ذمته كالمسمى، فلا يسقط بالموت، كما إذا مات أحدهما) ش: ففيه لا
يسقط بالاتفاق.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن موتهما يدل على انقراض أقرانهما
فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل) ش: أراد أن بانقراض الأقران لا يجد القاضي
امرأة من أقرانها حتى يقدر مهر مثلها بتلك المرأة. وقيل: إذا لم يتقادم
العهد ومرور الزمان الطويل حتى لو لم يتقادم العهد يتضمن بمهر مثلها عنده
أيضاً.
قال السروجي: والتعليل الذي قبل هذا يدل على سقوط مهر المثل بموتهما تقادم
أو لا. وفي " المناهج ": اختلفا في قدر المهر، وفي صفته تحالفا، ويفسخ
المهر ويجب المثل، وكذا لو أنكر التسمية على الأصح لو اختلفت ورثتهما، أو
وارث أحدهما مع الآخر.
وفي " المغني ": لو قال: لم يكن لها صداق فالقول قولها قبل الدخول وبعده ما
ادعت مهر المثل، وبه قال ابن جبير، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، وابن حنبل،
وابن راهويه، وهو قول الشعبي، والثوري، والشافعي.
وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أن بعد الزفاف القول قوله - والدخول يقطع
الصداق - وبه قال أصحابه: كانت العادة بالمدينة تعجيل الصداق.
وفي " الجواهر ": لو اختلفا بعد زوال العصمة بطلاق، أو فسخ، أو موت، فالقول
قول الزوج مع يمينه، ولو ادعت التسمية وأنكر فالقول قوله.
[بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقال الزوج
هو من المهر]
م: (ومن بعث إلى امرأته شيئا فقالت: هو هدية، وقال الزوج: هو من المهر
فالقول قوله؛ لأنه هو المتملك) ش: على صيغة اسم الفاعل من التمليك م: (فكان
أعرف بجهة التمليك كيف) ش: أي كيف لا يكون القول قول الزوج م: (وأن الظاهر
أنه يسعى في إسقاط الواجب) ش: عن ذمته فيكون القول قول من يشهد له الظاهر،
والواو في - وإن الظاهر - للحال وإن بكسر الهمزة وأنه بفتح الهمزة.
(5/198)
قال: إلا في الطعام الذي يؤكل، فإن القول
قولها، والمراد منه ما يكون مهيأ للأكل؛ لأنه يتعارف هدية. فأما في الحنطة
والشعير فالقول قوله لما بيناه، وقيل: فلا يجب عليه من الخمار والدرع وغيره
ليس له أن يحتسبه من المهر؛ لأن الظاهر يكذبه، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (إلا في الطعام الذي يؤكل)
ش: كالجدي المشوي والدجاجة المشوية، والحلوى، والخبيصة، والخبز، واللحم،
وسائر الأطعمة، والفواكه الرطبة وما لا بقاء له م: (فإن القول قولها) ش:
وكذا ذكره المرغيناني، وفي " قاضي خان " وفي "المهيأ" للأكمل: وما لا يدخر
فالقياس كما تقدم، وفي " الأسبيجابي ": القول قولها فيه م: (والمراد منه)
ش: أي المراد من الطعام الذي يؤكل م: (ما يكون مهيأ للأكل) ش: أي معدل
للأكل ما يتسارع إليه الفساد م: (لأنه يتعارف هدية) ش: أي لأن مثل هذه
الأشياء عرفت هدية، فالقول قولها فيها.
م: (فأما الحنطة والشعير فالقول قوله) ش: فيها وكذا في الدقيق والشاة الحية
والسمن والعسل وما له بقاء م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: - وإن
الظاهر أنه يسعى في إسقاط حقه م: (وقيل) ش: قائله أبو القاسم الصفار.
م: (فلا يجب عليه) ش: أي في الشرع على الزوج م: (من الخمار والدرع وغيره)
ش: كمتاع البيت م: (ليس له) ش: أي للزوج م: (أن يحتسبه) ش: بضم السين،
فقال: حسبته أي عددت عليه حسبانا بفتح العين في الماضي، وضمها في المستقبل
م: (من المهر؛ لأن الظاهر يكذبه) ش: والملاءة لا تجب عليه؛ لأنه ليس عليه
أن يهيئ لها أمر الخروج.
وقال المرغيناني: عليه [ ... ] امرأة لخروجها. وفي " قنية المنية " دفع
إليها مالا، فقالت: كان من مهري، وقال الزوج: كان وديعة عندك، وإن كان
المدفوع من جنس مهرها فالقول قولها، وإن كان من خلاف جنسه فالقول قول
الزوج. وفي " الإشراف ": بعث إليها بثوب فقال: هو من الكسوة، وقالت الزوجة:
بل هو هبة، فالقول قول الزوج مع يمينه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو
ثور، قال أبو بكر بن المنذر وبه أقول.
وفي " القنية ": بعث إلى امرأته متاعا، وبعث أبو المرأة إليه متاعاً، ثم
ادعى الزوج أنه كان من الصداق فالقول قوله مع يمينه، فإن حلف والمتاع قائم
فللمرأة أن ترد وترجع بمهرها، وإن كان هالكا لا ترجع بالمهر، وما بعث إليه
أبوها إن كان هالكا لم يكن على الزوجة شيء، وإن كان قائما وبعث من مال نفسه
يرجع. وإن كان من مال الزوجة برضاها لا يرجع؛ لأن الزوجة لا ترجع فيما وهبت
لزوجها، بعث إليها بهدايا وعوضت، ثم زفت إليه، ثم فارقها وادعى أن ذلك كان
عارية، فالقول قوله، فإذا استرده فلها أن تسترد ما عوضه عن ذلك، قيل: لا
يرجع كل واحد بما فرق على الناس من ذلك بإذن صاحبه صريحا، أو دلالة، ولا
بالمأكولات
(5/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الأطعمة والفواكه الرطبة.
وفي " الذخيرة ": جهز بنته وزوجها ثم زعم أن الذي دفعه إليها ماله، وكان
على وجه العارية عندها، قالت: هو ملكي جهزتني به، أو قال الزوج كذلك بعد
موتها فالقول قولهما دون الأب، لأن الظاهر شاهد بملك البنت والعادة دفع ذلك
إليها بطريق الملك، وحكي عن ركن الإسلام ابن الحسن السعدي أن القول قول
الأب؛ لأن ذلك يستفاد من جهته وبه أخذ بعض المشايخ.
وقال الصدر الشهيد [في] واقعاته " المختار للفتوى ": إن كان العرف ظاهرا في
الجهاز بمثل ذلك كما في ديارنا فالقول قول الزوج، وإن كان مشتركا فالقول
قول الأب.
(5/200)
فصل وإذا تزوج النصراني نصرانية على ميتة،
أو على غير مهر، وذلك في دينهم جائز، ودخل بها، أو طلقها قبل الدخول بها،
أو مات عنها؛ فليس لها مهر، وكذا الحربيان في دار الحرب، وهذا عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قولهما في الحربيين، وأما في الذمية فلها
مهر مثلها إن مات عنها، أو دخل بها، والمتعة إن طلقها قبل الدخول بها. وقال
زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها مهر المثل في الحربيين أيضا. له أن الشرع ما
شرع ابتغاء النكاح إلا بالمال، وهذا الشرع وقع عاما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل تزوج النصراني نصرانية على ميتة أو على
غير مهر]
م: (فصل) ش: لفظ فصل مهما يكتب هكذا لا يكون معربا؛ لأن الإعراب يقتضي
التركيب، ومهما وصل بشيء مما بعد يكون معربا. ولما فرغ من بيان أنكحة
المسلمين شرع في بيان أنكحة أهل الذمة.
م: (وإذا تزوج النصراني نصرانية) ش: هذا القيد اتفاقي، لأن الحكم في كل أهل
الذمة هكذا، ولهذا ذكر في " المبسوط " بلفظ الذمي م: (على ميتة، أو على غير
مهر) ش: أي وتزوجها على غير مهر، وكذا لو تزوج على دم.
م: (وذلك) ش: أي وتزوجها على هذا الوجه والواو للحال م: (في دينهم جائز،
ودخل بها، أو طلقها قبل الدخول بها، أو مات عنها؛ فليس لها مهر) ش: أي مهر
المثل، حتى لو ترافعا إلى القاضي لا يقضي بشيء.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم إذا زوج م: (الحربيان في دار الحرب، وهذا) ش: أي
عدم وجوب المهر م: (عند أبي حنيفة وهو) ش: أي عدم وجوب المهر م: (قولهما)
ش: أي قول أبي يوسف، ومحمد، أي قولهما.
م: (في الحربيين) ش: كقول أبي حنيفة م: (وأما في الذمية) ش: أي وأما الحكم
في الذمية إذا تزوجت ذميا م: (فلها مهر مثلها) ش: أي عندهما م: (إن مات) ش:
أي الذي م: (عنها، أو دخل بها. والمتعة) ش: أي ولها المتعة.
م: (إن طلقها قبل الدخول بها) ش: يعني إذا ترافعا إلينا، أو أسلما، وبه قال
الشافعي ومالك وأحمد م: (وقال زفر: لها مهر المثل في الحربيين أيضا. له) ش:
أي لزفر م: (أن الشرع ما شرع ابتغاء النكاح إلا بالمال) ش: قال الله تعالى:
{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، م:
(وهذا الشرع) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا} [النساء: 24] م:
(وقع عاما) ش: لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث إلى الكل.
(5/201)
فيثبت الحكم على العموم. ولهما أن أهل
الحرب غير ملتزمين أحكام الإسلام، وولاية الإلزام منقطعة لتباين الدارين،
بخلاف أهل الذمة؛ لأنهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالربا
والزنا، وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدار. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أن أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات، وفيما يعتقدون
خلافه في المعاملات، وولاية الإلزام متحققة بالسيف وبالمحاجة، وكل ذلك
منقطع عنهم باعتبار عقد الذمة، فإنا أمرنا بأن نتركهم وما يدينون فصاروا
كأهل الحرب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] (الأعراف: الآية 158) . وقال - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت إلى الأسود والأحمر» ، أي العرب
والعجم، ولأن هذا الدين ناسخ الأديان كلها م: (فيثبت الحكم على العموم) ش:
لأن النكاح من باب المعاملات، والكفار مخاطبون بالمعاملات.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن أهل الحرب غير ملتزمين أحكام
الإسلام) ش: لأن الالتزام بعقد الذمة قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذا قبلوا عقد الذمة فلهم ما للمسلمين» م: (وولاية الإلزام
منقطعة لتباين الدارين) ش: أي دار الإسلام، ودار الكفر ولا إلزام إلا
بالولاية م: (بخلاف أهل الذمة؛ لأنهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى
المعاملات كالزنا والربا) ش: فإنهم ينهون عن ذلك، ويقام عليهم الحد.
م: (وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدار، ولأبي حنيفة أن أهل الذمة لا
يلتزمون أحكامنا في الديانات) ش: أي لا يلزم أهل الذمة المعاملات، أي وكذا
لا يلزمون أحكامنا.
م: (وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات) ش: كالنكاح بغير شهود وبيع الخمر
والخنزير، والضمير في خلافه يرجع إلى ما يعتقدون، أي لا يلزمون أحكامنا في
الشيء الذي يعتقدون خلاف ذلك الشيء لما أنا نفتقد حرمة النكاح بغير شهود،
وهم يعتقدون خلاف ذلك.
م: (وولاية الإلزام) ش: هذا جواب في قولهما وولاية الإلزام م: (متحققة) ش:
بيانه: أن ولاية الإلزام إنما تتحقق م: (بالسيف بالمحاجة) ش: ليست بموجودة
م: (وكل ذلك ينقطع عنهم باعتبار عقد الذمة، فإنا أمرنا أن نتركهم وما
يدينون فصاروا كأهل الحرب) ش: وفي عدم الالتزام
(5/202)
بخلاف الزنا لأنه حرام في الأديان كلها،
والربا مستثنى من عقودهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من أربى فليس
بيننا وبينه عهد» . وقوله في الكتاب: أو على غير مهر يحتمل نفي المهر
ويحتمل السكوت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وانقطاع الولاية.
م: (بخلاف الزنا؛ لأنه حرام في الأديان) ش: جواب عن قولهما كالزنا، بيانه
أن القياس عليه غير صحيح، لأنه حرام في الأديان م: (كلها) ش: فلم يكن دينهم
خاصة حتى يتركون عليه، م: (والربا) ش: كذلك جواب عن قولهما: والربا بيانه
أن الربا م: (مستثنى من عقودهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إلا من أربى فليس بيننا
وبينه عهد» ش: هذا حديث غريب، وذكره الأكمل، وسكت عنه غير أنه قال: " إلا "
حرف تنبيه، لا حرف الاستثناء، كذا في السماع والنسخ.
قلت: هذا عجيب منه؛ لأن من ذكر أنه حرف استثناء حتى يرده مؤكدا بقوله: وكذا
السماع والنسخ؟! وأعجب منه أيضا قول الأترازي: هو حرف تنبيه لا حرف
استثناء، كذا وقع السماع مراراً بفرغانة وبخارى، وكذا سكت عنه بقية الشراح،
وهما أيضاً لو سكتا لكان أوجه.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " - في باب ذكر أهل نجران - حدثنا غيلان،
حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا خالد بن سعيد، عن الشعبي قال: كتب رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى نجران وهم نصارى: «من باء
منكم بالربا فلا ذمة له» ، وهو مرسل، وروى أبو عبيد في كتاب " الأموال "
بإسناده، عن أبي المليح الهذلي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صالح أهل نجران ... الحديث وفيه: " لا يأكل الربا، فمن أكل
منهم الربا فمتى يلزم يريد ".
م: (وقوله:) ش: أي قول محمد م: (في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير "، أي
على غير مهر هذا قد مضى في أول الفصل، وإنما ذكره لبيان أن المسألة من
مسائل " الجامع الصغير "، ولبيان التفصيل في قوله: م: (أو على غير مهر؛
لأنه يحتمل نفي المهر ويحتمل السكوت) ش: بأن يعقد أن يسكتا عن ذكر المهر.
وقال صدر الشهيد: في " شرح الجامع الصغير ": فالنفي على الاختلاف لا محالة،
فأما السكوت فإنه يرجع فيه إلى دينهم، فإن دانوا أنه لا يجب إلا بالنص عليه
كان على الاختلاف، وإن دانوا أنه يجب إلا أن ينفي فإنه يجب عند السكوت
بالإجماع.
(5/203)
وقد قيل في الميتة والسكوت روايتان، والأصح
أن الكل على الخلاف.
فإن تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو أسلم أحدهما فلها الخمر
والخنزير، ومعناه إذا كانا بأعيانهما والإسلام قبل القبض، وإن كانا بغير
أعيانهما فلها في الخمر القيمة، وفي الخنزير مهر المثل، وهذا عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها مهر المثل
في الوجهين، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها القيمة في الوجهين. وجه
قولهما: أن القبض يؤكد الملك في المقبوض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال فخر الإسلام البزدوي: والمتزوج بالميتة بمنزلة النفي؛ لأنه لا قيمة له
عند أحد، وألحق شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط " الدم بالميتة؛ لأنه لا
يتمولها المسلمون.
م: (وقد قيل: في الميتة والسكوت روايتان) ش: أي عن أبي حنيفة في رواية: يجب
مهر المثل كما قالا. وفي رواية لا يجب شيء م: (والأصح أن الكل على الخلاف)
ش: رواية واحدة، فعنده لا يجب شيء لها، وعندهما لها مهر المثل.
[تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو
أسلم أحدهما]
م: (فإن تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو أسلم أحدهما فلها
الخمر والخنزير) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير " م: (ومعناه) ش: أي معنى
قول محمد فلها الخمر والخنزير م: (إذا كانا) ش: أي الخمر والخنزير م:
(بأعيانهما) ش: إذا كانا معينين م: (والإسلام) ش: أي إسلامهما، أو إسلام
أحدهما كان م: (قبل القبض) ش: أي قبض الخمر والخنزير م: (وإن كانا بغير
أعيانهما) ش: يعني كانا دينا في الذمة م: (فلها في الخمر القيمة، وفي
الخنزير مهر المثل، وهذا) ش: أي هذا كله سواء كانا عينين أو دينين م: (عند
أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لها مهر المثل في الوجهين) ش: أي في العين وغير
العين، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
م: (وقال محمد: لها القيمة في الوجهين. وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف
ومحمد إنما جمع بين قوليهما وإن كانا مختلفين فيما بينهما حيث قال أبو يوسف
بمهر المثل فيهما، ومحمد قال فيهما بالقيمة، ومهر المثل غير قيمة الخمر
والخنزير؛ لأنهما متفقان في أنهما لا يوجبان عين الخمر والخنزير.
م: (أن القبض) ش: أي قبض المهر المعين م: (يؤكد الملك في المقبوض) ش: ولهذا
لو هلك قبل القبض هلك من الزوج، وعليه مثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان
قيما وبعد القبض يهلك من المرأة وينصف بالطلاق قبل الدخول إن لم يكن
مقبوضا. وبعد القبض لا يعود إلى ملك الزوج شيء إلا بالرضا أو بالمسمى، وإذا
مر يوم الفطر والصداق بعد غير مقبوض ثم طلقها قبل الدخول بها لا يجب صدقة
الفطر عليها بخلاف ما بعد القبض، ولا تجب الزكاة عليها عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المهر قبل القبض بخلاف ما يعود.
(5/204)
فيكون له شبه بالعقد، فيمتنع بسبب الإسلام
كالعقد، وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما، وإذا التحقت حالة القبض بحالة
العقد؛ فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لو كانا مسلمين وقت العقد يجب
مهر المثل، فكذا هاهنا، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: صحت التسمية لكون
المسمى مالا عندهم، إلا أنه امتنع التسليم بالإسلام، فتجب القيمة، كما إذا
هلك العبد المسمى قبل القبض. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الملك في
الصداق المعين يتم بنفس العقد، ولهذا تملك التصرف فيه، وبالقبض ينتقل من
ضمان الزوج إلى ضمانها، وذلك لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب،
وفي غير المعين القبض يوجب ملك العين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيكون له شبهة بالعقد) ش: أي يكون للقبض شبهة بالعقد من حيث إنه مؤكد
م: (فيمتنع بسبب الإسلام) ش: أي يمتنع القبض بسبب الإسلام كالعقد أي كما لو
ابتدأ التمليك بالعقد بعد الإسلام م: (وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما) ش:
لأن القبض فيه كالقبض فيما إذا كان بغير أعيانها في إفادة ما لم يكن والقبض
فيما إذا كان بغير أعيانهما منع عن تسليم نفسها فكذلك إذا كانا بأعيانهما
كالعقد.
م: (وإذا التحقت حالة القبض بحالة العقد، فأبو يوسف يقول: لو كانا مسلمين
وقت العقد يجب مهر المثل، فكذا هاهنا، ومحمد يقول: صحت التسمية) ش: حالة
العقد؛ لأنهما كانا كافرين م: (لكون المسمى مالا عندهم) ش: أي عند أهل
الذمة م: (إلا أنه امتنع التسليم بالإسلام فتجب القيمة، كما إذا هلك العبد
المسمى قبل القبض) ش: فوجب القيمة.
م: (ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد، ولهذا تملك
التصرف فيه) ش: أي في المعين كيف شاءت ببدل، وبغير بدل، فلو هلك على ملكهما
دخل ما يتم بنفس العقد لا يحتاج فيه إلى القبض للتمليك، قوله: وبهذا إيضاح
لتمام الملك بنفس العقد في الصداق المعين.
م: (وبالقبض ينتقل) ش: أي الملك م: (من ضمان الزوج إلى ضمانها، وذلك) ش: أي
انتقال الضمان م: (لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب) ش: يعني
الذمي إذا غصب منه الخمر، ثم أسلم له أن يسترده من الغاصب، وكذلك المسلم
إذا تخمر عصيره، وهذا لأنه صورة اليد، فلا يحصل به ملك الرقبة، ولا ملك
التصرف، وصورة اليد لا تمنع بالإسلام.
وفي " الحواشي " ولأبي حنيفة: أن الملك نوعان: ملك الرقبة، وملك التصرف،
وكلاهما ثابت للزوجة قبل القبض، والفائت لها صورة اليد ولا يمتنع ذلك
بالإسلام كالمسلم إذا تخمر عصيره.
م: (وفي غير المعين القبض يوجب ملك العين) ش: لأن حقها كان في الدين وإنما
يثبت في
(5/205)
فيمتنع بالإسلام، بخلاف المشتري؛ لأن ملك
التصرف إنما يستفاد فيه بالقبض وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب
القيمة في الخنزير؛ لأنه من ذوات القيم، فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه، ولا
كذلك الخمر؛ لأنه من ذوات الأمثال، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة قبل الإسلام
تجبر على القبول في الخنزير دون الخمر، ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب
مهر المثل أوجب المتعة، ومن أوجب القيمة أوجب نصفها، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العين ابتداء بالقبض م: (فيمتنع بالإسلام) ش: وفي " الأسرار ": ولئن سلمنا
أن القبض يؤكد الملك في المقبوض، ولكن لا نسلم أن الإسلام يمنع تأكد الملك
بدليل أن من باع عبداً بخمر وقبض الخمر، فإن الملك فيه والجواز أن يهلك
العين عنده قبل التسليم إليه، فالتسليم يقرر الملك، وهذا التسليم غير ممتنع
بالإسلام، وإن كان قبضها كذا الملك في الخمر.
وإذا اشترى خمرا وقبضها، ثم أسلم ربها يجب، فإنه سقط خيار الرد، وإن كان في
سقوطه تأكيد في الخمر، ومع هذا لم يمتنع بالإسلام، فعلم أن الإسلام لا يمنع
تأكد الملك في الخمر، وبخلاف المشتري متصل بقوله: إن الملك في الصداق
المعين يتم بالقبض، يعني بخلاف ما إذا باع الخمر والخنزير، أو اشترى ثم
أسلم قبل القبض، فإنه لا يجوز القبض بل يفسخ العقد. وقال الأترازي: م:
(بخلاف المشتري) ش: يجوز بفتح الراء وكسرها فعلى الأول يكون معناه أن
الخنزير المشترى أو الخمر المشترى لا يجوز قبض ذلك بعد الإسلام وعلى الثاني
أن المشتري الخمر والخنزير ليس له أن يقبضهما بعد الإسلام م: (لأن ملك
التصرف إنما يستفاد فيه) ش: أي في البيع م: (بالقبض) ش: والإسلام مانع منه.
م: (وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في الخنزير؛ لأنه من ذوات
القيم) ش: أي لأن الخنزير من ذوات القيم؛ لأنه لا مثل له من جنسه م: (فيكون
أخذ قيمته) ش: أي قيمة الخنزير م: (كأخذ عينه) ش: فكان فيه تقرير حكم عقد
باشراه في الكفر لا على وجه الشرع م: (ولا كذلك الخمر؛ لأنه) ش: أي لأن
الخمر، قال الكاكي: ذكره على تأويل المذكور، وقال الأترازي: على تأويل
الشراب، وهي من الأسماء المؤنثة السماعية م: (من ذوات الأمثال) ش: لأن لها
من جنسها.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي الزوج م: (لو جاء بالقيمة
قبل الإسلام تجبر) ش: أي المرأة م: (على القبول في الخنزير دون الخمر) ش:
كما لو أتى بالعين فيما إذا تزوج امرأة على خنزير، ولو تزوجها على خمر لا
يجبر بين إعطاء القيمة وبين إعطاء العين.
م: (ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل مطلقاً) ش: هو أبو يوسف
م: (أوجب المتعة، والذي أوجب القيمة) ش: مطلقاً م: (أوجب نصفها) ش: أي نصف
القيمة. أما محمد وأبو حنيفة أوجبا في الخنزير مهر المثل وفي الخمر القيمة.
(5/206)
|