البناية شرح الهداية

باب نكاح الرقيق لا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب نكاح الرقيق] [نكاح المملوك بغير إذن سيده]
م: (باب نكاح الرقيق)
ش: أي هذا باب في بيان حكم نكاح الرقيق، أي المملوك، وقد يطلق على الواحد والجمع، كذا في " الصحاح ".
وفي " المغرب ": الرقيق العبد، وقد يقال للعبيد، ومنه: هؤلاء رقيقي. وفي " النهاية ": الرقيق المملوك فعيل بمعنى مفعول. قيل: كأنه نظر إلى معناه الذي هو المملوك، فإنه مفعول؛ لأنه من فعل متعد، والأظهر أن الرقيق معنى فاعل؛ لأن الرق هو الضعف وهو لازم، وفيه تأمل.
وقال الأترازي: إنما أخر هذا الباب عن فصل النصراني والنصرانية لما أن الرقيق لا ينفذ نكاحه أصلاً إلا إذا أذن له مولاه، بخلاف أهل الكتاب، فإن لهم ولاية النكاح بأنفسهم، فلما ذكر من لهم ولاية النكاح وهم المسلمون وأهل الكتاب ألحق بهم من ليس لهم النكاح بأنفسهم وهم الأرقاء.
وقدم هذا الباب على باب نكاح أهل الشرك؛ لأن الرق يتحقق في المسلم بقاء، ولم يتحقق ابتداء، والرقيق المسلم خير من المشرك الحر، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، هذا ما عندي من وجه المناسبة: وقال بعض الشارحين: إنما أخره عن فصل النصراني لأن الرق من آثار الكفر، والأثر يعقب المؤثر؛ لأنه يقتضي أن يكون وضع هذا بعد باب نكاح أهل الشرك لما قال في المعنى، انتهى.
قلت: أراد بعض الشارحين صاحب "النهاية" السغناقي؛ فإنه ذكر في كتابه هكذا، وفي كلام الأترازي أيضاً نظر، لأن المناسبة لا تراعى إلا بين الأبواب دون الفصول، وفصل النصراني والنصرانية داخل في ضمن باب المهر، وليس بباب بالاستقلال وينبغي أن يذكر المناسبة بين باب المهر، وباب نكاح الرقيق قد صدر بنكاح الرقيق، والرقيق يكون مهراً، إنما تزوج رجل امرأة على رقيق، فإذا تزوج الرقيق بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه.
م: (لا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما) ش: لا يجوز أي لا يعقد، كما في نكاح الفضولي، كذا نقل عن العلامة مولانا حافظ الدين. وقال السروجي: وكذا قال في " البدائع " و" المفيد ": لا يجوز نكاح المملوك بغير إذن سيده، وصوابه لا ينفذ، فإنه جائز صحيح، لكنه غير نافذ بل نفاذه موقوف إلى إجازة المولى، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن، وإبراهيم النخعي، ومنصور والحكم، رواه عنهم ابن أبي شيبة، قال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(5/207)


وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز للعبد لأنه يملك الطلاق، فيملك النكاح. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعالى -: وهو قول أهل الرأي، ومالك فيما حكى الخطابي عنهم.
وفرق الرافعي بين قول أبي حنيفة ومالك، فقال: قال مالك: يصح وللسيد فسخه. وقال أبو حنيفة: موقوف على إجازة السيد. وقال شيخنا أيضا لما روى حديث الباب: فيه حجة على أن نكاح العبد بغير إذن سيده غير صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم حماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد وإسحاق، انتهى.
قلت: فعلى قول صاحب " الهداية " لا يجوز هو الصواب، وكذا قال القدوري بلفظ: لا يجوز.
فإن قلت: يؤيد هذا ما رواه أبو داود: «وإذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل» .
قلت: هذا الحديث ضعيف وهو معروف عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
م: (وقال مالك: يجوز للعبد؛ لأنه يملك الطلاق فيملك النكاح) ش: قيد بالعبد؛ لأنه لا يجوز للأمة بالإجماع، لأن النكاح من خواص الإنسان فيبقى على أصل الحرية، إذ هو مملوك للمولى من حيث إنه آدمي، ألا ترى أنه يملك الطلاق وهو أثر النكاح فيملك سببه وهو النكاح؛ لأن من ملك رفع شيء يملك وضعه، ولكن ذكر في " الجواهر " للمالكية: لا ينكح العبد إلا بإذن سيده، فإن عقد بغير إذن سيده صح، وللسيد أن يطلق عليه بخلاف الأمة فإن العقد عليها بغير إذنه باطل، ولا يصح بإجازته، وعنه للسيد فسخه أو تركه نكاح العبد، وهي شاذة، والمهر والنفقة لازمان له، متعلقان بما يتحصل في يده من غير خراجه، ولا من كسبه.
وقال أبو عمر في "التمهيد ": نكاحه موقوف على إجازة السيد، وإن طلقها العبد قبل إجازة سيده لكان طلاقا لا يحل إلا بعد زوج.
وفي " الأشراف ": لا حد عليه في الوطء، وفيه روي ذلك عن الشعبي، والنخعي، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وابن حنبل. وقال داود وأصحابه: يحد بالوطء حد الزاني إذا علم بالنهي، وهو مذهب ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، قال: فكان ابن عمر يرى نكاحه زناً، ويرى عليه الحد، وبه قال أبو ثور.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» ش: هذا الحديث رواه الترمذي من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» . وقال: حديث حسن

(5/208)


ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما، إذ النكاح عيب فيهما، فلا يملكانه بدون إذن مولاهما. وكذلك المكاتب؛ لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صحيح، ورواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وروى ابن ماجه من رواية مندل، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهراً» وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله - عاهر - أي زان، قاله الخطابي وغيره.
م: (ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما) ش: ولهذا لو اشترى عبدا أو أمة فوجده من زوجها فله أن يرده م: (فلا يملكانه) ش: أي فلا يملك العبد والأمة النكاح م: (بدون إذن مولاهما) ش: قال الأكمل: وفي هذا التعليل جواب لمالك؛ لأن مذهبه ليس كما نقله المصنف وقد بيناه.
وقال الأكمل أيضاً: واستشكل بجواز إقراره بالحدود والقصاص؛ فإن وجوب قطع اليد في السرقة، ووجوب القصاص عيب فيهما على قولهما، وأما على قول أبي حنيفة بمنزلة الاستحقاق، وهو أيضا أقوى العيوب فولايته على هذا التعيب يزيل هذه النكتة.
وأجيب: بأن الرق في حدود الله تعالى باق على حريته، والرق لا يؤثر فيهما، وإن لزم من ذلك تعييب فهو ضمني، لا يعتبر به، انتهى.
قلت: هذا كله من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (وكذلك المكاتب) ش: لا يجوز تزويجه بغير إذن مولاه م: (لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب) ش: فينال بذلك شرف الحرية، والنكاح ليس من باب الكسب م:

(5/209)


فيبقى في حق النكاح على حكم الرق، ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده، ويملك تزويج أمته؛ لأنه من باب الاكتساب، وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى، وتملك تزويج أمتها لما بينا، وكذا المدبرة وأم الولد؛ لأن الملك فيهما قائم. وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه، لأن هذا دين وجب في رقبة العبد، لوجود سببه من أهله، وقد ظهر في حق المولى لصدور الإذن من جهته، فيتعلق برقبته دفعا للمضرة عن أصحاب الديون، كما في دين التجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فيبقى في حق النكاح على حكم الرق) ش: يعني تبقى رقبته موقوفة في حق النكاح، كما كان.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل بقائه في حكم النكاح على حكم الرق م: (لا يملك المكاتب تزويج عبده) ش: لأنه ليس بكسب في حق الزوج م: (ويملك تزويج أمته؛ لأنه) ش: أي لأن تزويج أمته م: (من باب الاكتساب) ش: إذ به يحصل المهر والنفقة، إذ كل مهر وجب للأمة بعقد، أو دخول فهو للمولى.
م: (وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى، وتملك تزويج أمتها لما بينا) ش: إشارة إلى قوله - لأنه من باب الاكتساب - م: (وكذلك) ش: أي وكذلك لا يجوز نكاح م: (المدبرة، وأم الولد؛ لأن الملك فيهما قائم) ش: ولهذا يعتقان إذا قال المولى: كل مملوك لي حر، وفي " المبسوط ": الأب والجد، والقاضي، والوصي، والمكاتب والمضارب والشريك والمفاوض يملكون تزويج الأمة.
م: (وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته، يباع فيه) ش: وكذا النفقة دين في رقبته حتى لو مات العبد سقط المهر والنفقة، لأن محل الاستيفاء قد فات، كذا ذكره التمرتاشي، وبه قال أحمد، وبعض أصحاب الشافعي م: (يباع فيه) ش: أي المهر م: (لأن هذا دين وجب في رقبة العبد لوجود سببه من أهله) ش: هذا دليل لقوله: م: (يباع فيه) ش: دون ما قبله لئلا يلزم المصادرة على المطلوب، تقديره: هذا الدين وجب في الرقبة تباع الرقبة فيه.
أما أصل الوجوب فلتحقق المقتضى، وهو وجود السبب من أهله، أي من أهل التزوج، والسبب هو الفعل والبلوغ، أما أنه وجب في رقبته فلدفع الضرر عن أصحاب الديون، وانتفاء المانع من جهة المولى، لوجود الإذن من جهة الإشارة إليه بقوله.
م: (وقد ظهر في حق المولى لصدور الإذن من جهته، فيتعلق برقبته دفعا للمضرة عن أصحاب الديون) ش: يعني النساء م: (كما في دين التجارة) ش: أي كما يباع في دين التجارة، قياسا على دين الاستهلاك، والجامع دفع الضرر عن الناس، وإنما قيد التزوج بإذن المولى، لأن العبد، أو المدبر، أو المكاتب إذا تزوج بغير إذن المولى، ودخل بها، ثم فرق بينهما المولى فلا مهر عليه حتى يعتق، وهذا مذهب الثلاثة، هذا ما ذكر في كتبهم، ففي " المنهاج " للشافعية:

(5/210)


والمدبر والمكاتب يسعيان في المهر ولا يباعان فيه؛ لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك، مع بقاء الكتابة والتدبير، فيؤدى من كسبهما لا من نفسهما. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه، فقال المولى: طلقها أو فارقها، فليس هذا بإجازة، لأنه يحتمل الرد، لأن رد هذا العقد ومتاركته يسمى طلاقا ومفارقة، وهو أليق بحال العبد المتمرد إذ هو أدنى، فكان الحمل عليه أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السيد إذا أذنه لا يضمن نفقته، ولا مهرا في الجديد، وهنا في كسبه بعد النكاح، فإن كان مأذونا له في التجارة ففيما في يده من المال، وكذا في رأس المال في الأصح. وفي " المبسوط " لهم: الأصح ليس في رأس المال، فإن لم يكن مأذونا له ولا مكتسبا ففي ذمته، وفي قول: على السيد، وفي " الجواهر " للمالكية: النفقة، والمهر لازمان له، متعلقان لما يحصل له في يده لما ليس من خراجه، ولا من كسبه.
وفي " المغني " للحنابلة: المهر يتعلق برقبته، ويباع فيه إلا أن يفسد المولى، وهذا تقييد قولنا. وفي " شرح الوجيز " للشافعية: دين المهر، والنفقة يتعلق بذمة العبد، ويثبت الخيار للمرأة في القول الأصح. وفي قول: يجب على المولى، لأن الإذن في النكاح في عبد لا يكتسب التزاما للمؤنات، وهذا في عبد لم يكن له كسب، فلو كان مكتسبا يجوز في كسبه بعد النكاح، حتى لو حبسه المولى، واستخدمه في زمان كسبه غرم للمرأة المهر والنفقة. وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة، فيه قولان، انتهى.
لأن العبد إذا بيع في مهرها ولم يف الثمن لا يباع ثانيا، لأنه بيع في جميع المهر، ويطالب بالباقي بعد العتق. وفي دين النفقة يباع مرة أخرى؛ لأنه يجب شيئا فشيئا، كذا ذكره التمرتاشي، ولو زوج عبده أمته لا مهر لها، وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد.

[تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال المولى طلقها أو فارقها]
م: (والمدبر والمكاتب يسعيان في المهر، ولا يباعان فيه، لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك مع بقاء الكتابة والتدبير، فيؤدى من كسبهما لا من أنفسهما) ش: لتعذر الاستيفاء من الرقبة.
م: (وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه، فقال المولى: طلقها أو فارقها فليس هذا بإجازة) ش: وقال ابن أبي ليلى: يكون إجازة. وعند الشافعي، ومالك، وأحمد لا ينعقد هذا العقد أصلا، ويصير لغوا لا تلحقه الإجازة. ولو قال له: طلقها فيما إذا بلغه الخبر أن الفضولي زوجه يكون إجازة م: (لأنه) ش: أي لأن كلام المولى طلقها أو فارقها م: (يحتمل الرد، لأن رد هذا العقد ومتاركته يسمى طلاقا ومفارقة، وهو أليق بحال العبد المتمرد) ش: أي الرد أليق بحال العبد المتمرد أي: المارد الخارج عن الطاعة م: (إذ هو أدنى) ش: أي: الرد أدنى لأنه منع من الثبوت والطلاق موقع بعده، والدفع أسهل من الرفع.
م: (فكان الحمل عليه) ش: أي على الدفع م: (أولى) ش: بخلاف مسألة الفضولي، لأن الزوج يملك التطليق بالإجازة، فثبت ضمنا له، لأن فعل الفضولي إعانة له، فلا يحمل على

(5/211)


وإن قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة، لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح، فتتعين الإجازة.
لو قال لعبده: تزوج هذه الأمة فتزوجها نكاحا فاسدا، ودخل بها؛ فإنه يباع في المهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يؤخذ منه إذا عتق، وأصله أن الإذن في النكاح ينتظم الفاسد والجائز عنده، فيكون هذا المهر ظاهرا في حق المولى. وعندهما ينصرف إلى الجائز لا غير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرد.
فإن قلت: الطلاق في الحقيقة لإبطال تمليك النكاح في الرد مجاز، والعمل بالحقيقة مجاز.
قلت: الحقيقة تدرك بدلالة الحال، وهي افتئات على رأي المولى.
م: (وإن قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة، لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح، فتتعين الإجازة) ش: وكذا قال: أوقع عليها تطليقة.
فإن قيل: إذا قال المولى لعبده: كفر يمينك بالمال، أو تزوج أربعا من النساء لا يثبت به العقد، وإن كان التكفير بالمال، وتزوج أربعا من النساء لا يكون إلا بعد الحرية.
أجيب: بأن ما كان أصلا في إثبات الأهلية في التصرفات الشرعية لا يثبت اقتضاء، كالإيمان في خطاب الكفار بالشرائع. وفي الإثبات عتق ذلك بخلاف ما نحن فيه، فإن النكاح ليس بأصل في إثبات الأهلية.

[قال لعبده تزوج هذه الأمة فتزوجها نكاحا فاسدا ودخل بها]
م: (ولو قال لعبده: تزوج هذه الأمة) ش: لا فائدة فيه، لأنه لو قال هذه الحرة، فعلى هذا الخلاف، وكذلك لا فائدة في ذكر الإشارة في التعيين، لأن الحكم في غير المعين كذلك م: (فتزوجها نكاحا فاسدا، ودخل بها، فإنه يباع في المهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يؤخذ منه إذا عتق) ش: ولفظ الأصل، وإذا أذن له أن يتزوج واحدة فتزوجها نكاحا فاسدا، فدخل بها أخذ المهر في حال الرق في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء عليه حتى يعتق، وعند الشافعي: في ذمته كقولهما، وفي قول في رقبته. وفي " المغني ": وفي تناوله الفاسد احتمال.
م: (وأصله) ش: أي أصل أبي حنيفة م: (أن الإذن في النكاح ينتظم الفاسد والجائز عنده) ش: أي يشملهما عند أبي حنيفة م: (فيكون هذا المهر ظاهرا في حق المولى) ش: بسبب إذنه فيباع.
م: (وعندهما ينصرف) ش: أي الإذن م: (إلى الجائز) ش: أي النكاح الجائز م: (لا غير)

(5/212)


فلا يكون ظاهرا في حق المولى، فيؤاخذ به بعد العتاق. لهما أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف، والتحصين، وذلك بالجائز، ولهذا لو حلف لا يتزوج ينصرف إلى الجائز، بخلاف البيع، لأن بعض المقاصد حاصل، وهو ملك التصرفات. وله أن اللفظ مطلق، فيجري على إطلاقه، كما في البيع، وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل كالنسب، ووجوب المهر والعدة على اعتبار وجود الوطء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني ولا ينتظم، وبه قال الشافعي في أظهر قوليه، وقد ذكرناه م: (فلا يكون ظاهرا في حق المولى) ش: ولا يؤاخذ به العبد في الحال م: (فيؤاخذ به بعد العتاق. لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف) ش: أي تحصيل العفة م: (والتحصين) ش: أي تحصين النفس عن الحرام م: (وذلك) ش: أي الإعفاف لا يكون إلا م: (بالجائز) ش: أي النكاح الجائز قيد بالمستقبل، لأن مراده في النكاح في الماضي تحقق المخبر عنه فحسب، لا بالتحصين لاستحالته.
م: (ولهذا) ش: أي لأجل كون المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف م: (لو حلف لا يتزوج ينصرف) ش: يمينه م: (إلى الجائز) ش: ولا ينصرف إلى الفاسد، فلا يحنث بالفاسد. ولو حلف أنه ما تزوج، وقد كان تزوج فاسداً يحنث في يمينه لما ذكرنا أن مقصوده تحقق المخبر عنه، التحصين، كذا في " المبسوط ".
م: (بخلاف البيع) ش: يعني لو أمره بالبيع ينتظم الفاسد والصحيح م: (لأن بعض المقاصد) ش: وهو الإعتاق والهبة ونحو ذلك من التصرفات م: (حاصل) ش: وفسر قوله: بعض المقاصد بقوله: م: (وهو ملك التصرفات) ش: وقد ذكرناه م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن اللفظ) ش: تزوج م: (مطلق فيجري على إطلاقه) ش: ولا يقيد بالصحة، لأن الصحة والفساد، وصفتا العقد، والإذن من المولى في أصل العقد، فكذا يتقيد بصفة دون صفة م: (كما في البيع) ش: أي كما أن الأمر بالبيع مطلق ينتظم الفاسد والصحيح م: (وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل) ش: كان هذا جواباً عما يقال لا شيء يقصد به في النكاح الفاسد، فأجاب بقوله - وبعض المقاصد حاصل.
م: (كالنسب) ش: أي كثبوت النسب م: (ووجوب المهر والعدة) ش: أي وجوب العدة بشرط الدخول، أشار إليه بقوله: م: (على اعتبار وجود الوطء) ش: وكذا سقوط الحد من بعض المقاصد. وفي " قاضي خان " العبد أهل لمباشرة النكاح، وإنما يشترط رضا المولى عنه لتعلق المهر بماليته، وفي هذا لا فرق بين الصحيح والفاسد.
وفي " البدائع ": لو أذن له في النكاح الفاسد أيضاً، ودخل بها فيه يلزمه المهر في رقبته للحال بالاتفاق، ولو دخل في الموقوف، ثم أجازه المولى ففي القياس يلزمه مهران، مهر

(5/213)


ومسألة اليمين ممنوعة على هذه الطريقة.
ومن زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة جاز، والمرأة أسوة للغرماء في مهرها، ومعناه إذا كان النكاح بمهر المثل، ووجهه أن سبب ولاية المولى ملك الرقبة على ما نذكره والنكاح لا يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصودا، إلا أنه إذا صح النكاح وجب الدين بسبب لا مرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدخول ومهر بالقصد بالإجازة، وفي الاستحسان يلزمه مهر واحد. م: (ومسألة اليمين ممنوعة على هذه الطريقة) ش: يعني طريقة إجراء اللفظ المطلق على الإطلاق، ولئن كان قول الكل فالعذر لأبي حنيفة أن مبنى الإيمان على العرف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هذه طريقة أخرى. وفي المسألة طريقتان: إحداهما ذكرت في المتن.
الثانية: أن الحاجة إلى إذن المولى لشغل رقبته بالمهر، لا بتمليك البضع، لأن العبد في حقه يبقى على أصل الحرية، ومسألة اليمين ممنوعة على الطريقة الأولى، لا على الطريقة الثانية، على ما لا يخفي. وثمرة اختلافهم في هذه المسألة تظهر فيما إذا جدد العقد عليها بشرائط الصحة بلا إذن، وتزوج امرأة أخرى صحيحاً بغير إذن لا يجوز عند أبي حنيفة، لانتهاء الأمر بالفاسد، وعندهما يجوز لعدم الانتهاء، لأنه لا يتناول الفاسد، كذا ذكر في " المبسوط ".

[زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة]
م: (ومن زوج عبداً مأذوناً له مديوناً امرأة جاز) ش: المراد بالمأذون المديون، صرح به في " الكافي " وجاز النكاح، والمهر في رقبته م: (والمرأة أسوة للغرماء في مهرها) ش: وقال الشافعي: المهر والنفقة يتعلقان بربح على ما في يده الحاصل بعد النكاح، وفي أظهر قوليه الربح سواء حصل بعد النكاح أو قبله، وهل يتعلق برأس المال فيه وجهان. أظهرهما لا يتعلق.
م: (ومعناه) ش: أي معنى قولنا: والمرأة أسوة للغرماء م: (إذا كان النكاح بمهر المثل) ش: تضرب المرأة في ثمن العبد بمهرها، وتضرب الغرماء على قدر ديونهم، وذلك كما إذا استهلك العبد مال إنسان يكون صاحب المال أسوة الغرماء.
م: (ووجه ذلك) ش: أي وجه كون المرأة أسوة للغرماء من حيث م: (أن سبب ولاية المولى) ش: للإنكاح م: (ملك الرقبة على ما نذكره) ش: أي فيما بعد هذه المسألة بقوله: - ولنا أن النكاح إصلاح ملكه - لأن في تحصينه عن الزنا الذي هو سبب الهلاك م: (والنكاح لا يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصوداً) ش: قيد بقوله - مقصوداً - لأن المانعية إنما تتحقق بذلك، وأما إذا كان خفياً فلا يعتبر به، وهاهنا كذلك، لأن محلية النكاح للآدمية، وحق الغرماء لا يلاقيها.
م: (إلا أنه إذا صح النكاح) ش: فولاية المولى تحصينا لملكه م: (وجب الدين بسبب لا مرد

(5/214)


له فشابه دين الاستهلاك، وصار كالمريض المديون إذا تزوج امرأة، فمهر مثلها أسوة للغرماء.
/
ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج، ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها؛ لأن حق المولى في الاستخدام باق، والتبوئة إبطال له، فإن بوأها معه بيتا فلها النفقة والسكنى، وإلا فلا؛ لأن النفقة تقابل الاحتباس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
له) ش: لعدم انفكاك النكاح عن ثبوت المال، وإن كان كذلك م: (فشابه دين الاستهلاك) ش: فإن العبد المأذون المديون إذا استهلك مال إنسان صار صاحب المال أسوة الغرماء م: (وصار) ش: أي العبد المأذون والمديون م: (كالمريض المديون إذا تزوج امرأة، فمهر مثلها أسوة للغرماء) ش: أي وارد بالأسوة المساوية في طلب الحق - أي غرماء الصحة، وإذا كان مهر المثل أكثر منه، فلا تساويهم، بل تؤخر إلى استيفائهم مهر مثلها حقهم، كدين الصحة مع دين المرض.
فإن قلت: المهر يتعلق بمالية رقبته، وفيه إضرار بالغرماء فوجب أن لا يصح.
قلت: لا نسلم ذلك، فالنكاح لا تعلق له بمالية رقبته، وهذا يصح نكاح الحر، ولا مالية في رقبته، والأخ والعم يزوجان الصغيرة، وليس لهما ولاية التصرف في المال، وحق الغرماء يتعلق بالمالية، فلم يلاق وجوب المهر حقهم، فيصح بالمهر.

[استخدام الأمة بعد زواجها]
م: (ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج) ش: يقال: بوأه منزلا، وبوأه له إذا أسكنه إياه، ولا خلاف فيه لأحد الفقهاء، ولكن قال الشافعي، وأحمد: يستخدمها بالنهار ويسلمها ليلا إلى زوجها.
وقال مالك: يسلمها إليه ليلة بعد ثلاث، ويأتيها زوجها فيما بين ذلك عند أهلها. وفي " الجواهر " للمالكية: استخدام الأمة لا يبطل بالتزويج، ويحرم على السيد الاستمتاع بها، وليس عليه أن يبوئها منزلا، إلا أن يشترط ذلك في العقد، وبه قال أحمد بن حنبل، وعندنا شرط ذلك باطل، لا يمنعه من استخدامها، لأن الحق للزوج حل الوطء في النكاح لا غير.
م: (ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج متى ظفرت بها وطئتها؛ لأن حق المولى في الاستخدام باق، والتبوئة إبطال له) ش: أي لحق المولى م: (فإن بوأها معه) ش: أي مع الزوج م: (بيتا، فلها النفقة، والسكنى) ش: على الزوج، م: (وإلا فلا) ش: إن لم يبوئها معه فلا يلزم النفقة، والسكنى على الزوج.
م: (لأن النفقة تقابل الاحتباس) ش: يعني جزاء الاحتباس، ولم يوجد، لكن هذا في غير المكاتبة، لأن المكاتبة لها النفقة والسكنى، وإن لم توجد التبوئة، وبه صرح في شرح كتاب النفقات للخصاف، والفرق بينها وبين الأمة والمدبرة، وأم الولد أن المولى لا يملك استخدام المكاتبة، فلا يحتاج إلى تبوئة المولى بخلافهن، فإن للمولى استخدامهن.

(5/215)


ولو بوأها بيتا ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك، لأن الحق باق لبقاء الملك، فلا يسقط بالتبوئة، كما لا يسقط بالنكاح،
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر تزويج المولى عبده وأمته، ولم يذكر رضاهما، وهذا يرجع إلى مذهبنا لأن للموالي إجبارهما على النكاح. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا إجبار في العبد، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو بوأها بيتاً ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك، لأن الحق باق لبقاء الملك، فلا يسقط بالتبوئة، كما لا يسقط بالنكاح) ش: وظهر، أي ثم ظهر للمولى، أي كما لا يسقط حق المولى بإنكاحه إياها، لأن المستحق للزوج ملك النكاح لا غير.
فإن قلت: ينبغي أن لا تسقط النفقة بالاستخدام بعد التبوئة كالحرة إذا منعت نفسها لاستيفاء الصداق.
قلت: القياس غير صحيح، لأن المقيس عليه وجد التفويت من قبل الزوج، فكان امتناعها بحق، فلم تسقط نفقتها، وفيما نحن فيه لم يوجد التفويت، والنفقة جزاء الاحتباس ولم يوجد فسقطت النفقة.
فإن قلت: ينبغي أن يجب عليه التبوئة، لأنه لما ملك الزوج منافع بعضها يجب عليه تسليمها، والتبوئة من التسليم.
قلنا: التبوئة أمر زائد على التسليم، فإن التسليم يتحقق بدون التبوئة، بأن قال له: متى ظفرت بها وطئتها فلا يلزمه التبوئة جمعاً بين الحقين بقدر الإمكان، ولو جاءت الأمة بولد، فنفقة ولدها على مولاها، لأنه مالكه لا على الأب، وذكر في " الجواهر ": أن للزوج المسافرة بها، ويخرج معها، والنفقة عليه إذا بوأها بيتاً، والمهر للأمة مال من مالها، فلم ينزعه السيد وفي " المغني " إذا أراد الزوج المسافرة بها فليس له ذلك، وإن أراد السيد السفر بها، قال ابن حنبل: لا أدري.

[تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما]
م: (قال:) ش: أي المصنف م: (ذكر) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (تزويج المولى عبده وأمته، ولم يذكر رضاهما) ش: يعني لم يقل: إن رضاهما شرط لصحة النكاح أم لا م: (وهذا يرجع إلى مذهبنا) ش: وهو تزويجه بلا رضاها، وهو معنى قوله: م: (لأن للمولى إجبارهما على النكاح) ش: قال في " شرح الطحاوي ": للمولى أن يزوج أمته على كره منها، صغيرة كانت أو كبيرة، بالإجماع. وأما في العبد إذا كان صغيراً فكذلك، وإن كان كبيراً فكذلك عندنا في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف أنه قال: لا يجوز إلا برضا العبد، وهو قول الشافعي المشار إليه بقوله:
م: (وعند الشافعي لا إجبار للعبد) ش: وبه قال أحمد م: (وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: قال الوبري: هو رواية الطحاوي، عن أبي حنيفة، وهي رواية شاذة، وقال الشافعي - في

(5/216)


لأن النكاح من خصائص الآدمية والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال، فلا يملك إنكاحه، بخلاف الأمة؛ لأنه مالك منافع بضعها فيملك تمليكها. ولنا أن الإنكاح إصلاح لملكه؛ لأن فيه تحصينه عن الزنا، الذي هو سبب الهلاك أو النقصان فيملكه اعتبارا بالأمة، بخلاف المكاتب والمكاتبة، لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا، فيشترط رضاهما.
قال: ومن زوج أمته، ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج فلا مهر لها، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القديم -، ومالك وأحمد - في رواية - كقولنا، وهذا الخلاف في العبد، أما في الأمة يجوز عقده، عليها بغير رضاها بالإجماع ولا يجوز تزويج المكاتب والمكاتبة جبرا بالإجماع، وكذا في المستسعاة عند أبي حنيفة، والشافعي، ومالك وأحمد.
م: (لأن النكاح من خصائص الآدمية، والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال، فلا يملك إنكاحه، بخلاف الأمة، لأنه مالك منافع بضعها، فيملك تمليكها) ش: بلا رضاها؛ لكونه تصرفا في خالص ملكه. م: (ولنا أن الإنكاح إصلاح لملكه) ش: يعني أن مملوكه [ ... ] رقبته، فيملك كل تصرف يشعر بصيانة ملكه فيه، والنكاح منه م: (لأن فيه تحصينه عن الزنا، الذي هو سبب الهلاك أو النقصان) ش: إذ بالجلد ربما يهلك لخرق الجلد أو الجرح، فالنقصان لازم، ألا ترى أنه لو اشترى عبدا حد في الزنا، فله الرد، فكان في النكاح صونه عنهما م: (فيملكه) ش: بلا رضاه.
م: (اعتبارا بالأمة) ش: والجامع قيام سبب الولاية، وهو ملك الرقبة وتحصين ملكه عن الزنا الموجب للهلاك والنقصان، وليس المناط في جواز إنكاح الأمة جبرا تملك منافع بضعها؛ لأنه لا يطرد مع الإجبار ولا ينعكس، فإن الزوج يملك منافع بضع المرأة ولا يقدر تزويجها، والمولى يملك تزويج الصغيرة، ولا يملك منافع بضعها، فكان التعديل به فاسدا.
م: (بخلاف المكاتب والمكاتبة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان الإجبار باعتبار تحصين الملك لجاز في المكاتب والمكاتبة، ولم يجز، فأجاب بقوله: بخلاف المكاتب والمكاتبة.
م: (لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا) ش: أي من حيث التصرف، ففي ملك السيد نظر لهما، لقصور ملكه فيهما؛ لأنهما مالكان يدا؛ فيكون في تزويجهما تفويت لملك التصرف عليهما فإذا كان كذلك م: (فيشترط رضاهما) ش: أي إذا أراد المولى تزويجهما.

[زوج أمته ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج]
م: (قال: ومن زوج أمته، ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج فلا مهر لها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (وقالا: عليه المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها) ش: أي على الزوج المهر لمولى الأمة التي قتلها، قيد بقوله: - ثم قتلها -؛ لأنه إذا قتلها أجنبي لا يسقط المهر بالاتفاق، وقيد بقوله: - قبل أن يدخل الزوج بها -؛ لأنه إذا قتلها بعد الدخول لا

(5/217)


وهذا لأن المقتول ميت بأجله، فصار كما إذا قتلها أجنبي. وله أنه منع المبدل قبل التسليم، فيجازى بمنع البدل، كما إذا ارتدت الحرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يسقط بالاتفاق، وإذا غيبها المولى بمكان لا يقدر عليه الزوج لا يطالبه بالمهر بالاتفاق، وكذا إذا غابت في مكان لا يقدر عليها، أو باعها من سلطان، أو غيره، فذهب بها من المصر فإنه يسقط المطالبة بالمهر عن الزوج، وكذا لو أعتقها قبل الدخول، فاختارت نفسها.
وإذا ارتدت الأمة، أو الحرة قبل الدخول يسقط المهر بالاتفاق، والحرة إذا قتلت نفسها فيه روايتان عن أبي حنيفة. وفي " المنهاج ": لو قتلت المرأة نفسها أو قتلها أجنبي لا يسقط مهرها عند الشافعي قبل الدخول لا يسقط بالاتفاق. والأمة إذا قتلت نفسها، أو قتلها أجنبي لا يسقط مهرها عند الشافعي، وفي " الجواهر ": لو قتل الأمةَ سيدها أو أجنبي أو قتلت نفسها، أي قياسها على موتها حتف أنفها، قال في " المغرب ": قولهم: - مات حتف أنفه - إذا مات على الفرش، قيل: هذا في حق الآدمي، ثم عمر في كل حيوان إذا مات.
وقال ابن الأثير: مات على حتف أنفه كأنه سقط لأنفه فمات والحتف الهلاك، كانوا يتخيلون أن روح المؤمن تخرج من أنفه، فإذا جرح خرجت من جراحته.
م: (وهذا) ش: أي اعتبار قتلها بموتها حتف أنفها م: (لأن المقتول ميت بأجله) ش: لا أصل له سوى هذا عند أهل السنة والجماعة م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قتلها أجنبي) ش: حيث لا يسقط.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الولي م: (منع المبدل) ش: وهو البضع م: (قبل التسليم) ش: أي قبل تسليمه إلى الزوج م: (فيجازى بمنع البدل) ش: وهو المهر م: (كما إذا ارتدت الحرة) ش: حيث يسقط مهرها مجازاة لفعلها، فكذلك هاهنا مجازاته تمنع البدل.
وقال الكاكي: إذا كان من أهل المجازاة تحقيقا للمساواة، ثم قال: وإنما قيدنا بقولنا: إذا كان من أهل المجازاة، لأن الصغيرة لو ارتضعت من أم زوجها أو المجنونة قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول، حتى بانتا لم يسقط المهر؛ لأنهما ليسا من أهل المجازاة بخلاف المولى، فإنه من أهل المجازاة، حتى يجب عليه الكفارة.
ولو كان المولى صبيا قالوا: يجب أن لا يسقط المهر على قول أبي حنيفة، بخلاف الصغيرة إذا ارتدت حيث يسقط مهرها بالارتداد؛ لأن الارتداد محظور في حقها، ولهذا يحرم عن الميراث، وإنما قيدنا بالارتداد بالحرة؛ لأن في ارتداد الأمة هل يسقط مهرها؟ لا رواية عن أصحابنا فيه، واختلف المشايخ فيه، قيل: لا يسقط، وقيل: يسقط.

(5/218)


والقتل في أحكام الدنيا جعل إتلافا حتى وجب القصاص والدية، فكذا في حق المهر.
وإن قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها فلها المهر، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالردة، وبقتل المولى أمته، والجامع ما بيناه. ولنا أن جناية العبد على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا، فشابه موتها حتف أنفها، بخلاف قتل المولى أمته، لأنه معتبر في أحكام الدنيا، حتى تجب الكفارة عليه.

وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والقتل في أحكام الدنيا) ش: هذا جواب عن قولهما: لأن المقتول ميت بأجله، بيانه: أن القتل مؤقت في الحقيقة بأجل عند الله تعالى، ولكن في أحكام الدنيا م: (جعل إتلافا حتى وجب القصاص) ش: في العمد م: (والدية) ش: في الخطأ، هذا لا يجب القصاص على المولى لاستحالة أنه يجب عليه له، لكن عليه الإثم م: (فكذا في حق المهر) ش: يعني أن القتل جعل إتلافا في حق القصاص والدية، فكذا جعل إتلافا في حق المهر، وجعل كأنه غير الموت، يعني كما أن القتل جعل إتلافا.

[قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها]
م: (وإن قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها فلها المهر، خلافا لزفر) ش: وبه قال الشافعي، وفي شرح " الكافي ": " خلافا للشافعي " مكان " خلافا لزفر "، ثم قال: وفي " المبسوط " قال: " الشافعي " مكان " زفر "، وفي " الكافي " ذكرهما، وهذا قول من الشافعي، وفي " الحلية ": المنصوص أنه لا يسقط مهر مثلها، وفي " شرح الوجيز ": للأصحاب فيه طريقان، أشهرهما: أن المسألة على قولين، بالنقل والتخريج، أحدهما: أنه يسقط كما قال زفر، والثاني: لا يسقط، وهو اختيار المزني.
م: (وهو يعتبره بالردة) ش: أي زفر يقيس حكم هذه المسألة على حكم الردة يعني إذا ارتدت الحرة قبل الدخول بها م: (وبقتل المولى أمته) ش: أي ويعتبر أيضا بقتل المولى أمته م: (والجامع) ش: أي الجامع بين المقيس، وهو قتل الحرة نفسها، وبين المقيس عليه، وهو ردة الحرة قبل الدخول، وقتل المولى أمته م: (ما بيناه) ش: وهو أن من له حكم منع المبدل يجازى بمنع البدل، وقياس زفر قتل المولى أمته، إنما يصح على قول أبي حنيفة؛ لأن أبا يوسف ومحمد لا يقولان بسقوط المهر في قتل المولى أمته.
م: (ولنا أن جناية العبد على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا) ش: لهذا قال أبو حنيفة ومحمد: إنها تغسل ويصلى عليها م: (فشابه) ش: أي قتلها نفسها م: (موتها حتف أنفها) ش: فإنها إذا ماتت حتف أنفها لا يسقط مهرها بالاتفاق م: (بخلاف قتل المولى أمته) ش: جواب عن قوله: ويقتل المولى أمته م: (لأنه يعتبر في حق أحكام الدنيا، حتى تجب الكفارة عليه) ش: يعني إذا قتلها خطأ، وكذلك يجب الضمان على المولى إن كان عليها دين.

[العزل عن الأمة]
م: (وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل) ش: وهو أن يطأها ويعزل شهوته عنها، كي لا يتولد

(5/219)


إلى المولى، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أن الإذن إليها لأن الوطء حقها حتى تثبت لها ولاية المطالبة، وفي العزل ينقص حقها، فيشترط رضاها كما في الحرة، بخلاف الأمة المملوكة؛ لأنه لا مطالبة لها، فلا يعتبر رضاها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولد م: (إلى المولى عند أبي حنيفة) ش: العزل في الأمة المملوكة حلال بإجماع العلماء، وفي الأمة المنكوحة يجوز عند الشافعي في الأصح بغير الرضا وبالإذن يجوز عندنا، وللشافعي وجه، ومالك وأحمد، ولكن ولاية الإذن للمولى عند أبي حنيفة.
م: (وعن أبي يوسف ومحمد أن الإذن إليها) ش: أي الأمة، قاله الأترازي.
وفي بعض نسخ " الهداية ": وعن أبي يوسف ومحمد: أن الإذن إليها وهو أصح؛ لأن هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير " وصورتها فيه، روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل زوج أمته، فأراد أن يعزل عنها، قال: الإذن في العزل إلى المولى، ولم يذكر الخلاف، فدل أن ظاهر الرواية عنهما، كما قال أبو حنيفة، ولهذا قال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف ومحمد أن العزل إليها قلت: وفي " خير المطلوب: ولم يذكر عنهما خلافا، وفيه عنهما بالإذن إليها.
وفي " ملتقى البحار ": الأمة تحت حر وعبد، لا يعزل الزوج عنها إلا بإذن المولى عند أبي حنيفة رضيت الأمة أو لم ترض، وهكذا في " البدائع " و" قاضي خان ".
وقال ابن حزم في " المحلى ": لا يحل العزل عن الحرة، ولا عن الأمة، وقال ابن المنذر في " الأشراف ": رخص في العزل عن جارية جماعة من الصحابة علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس، وأبي، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال سعيد بن المسيب، وطاوس، وعن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عمر، كراهته.
م: (لان الوطء حقها) ش: أي حق الأمة المنكوحة م: (حتى تثبت لها ولاية المطالبة) ش: فلا يجوز بغير رضاها م: (وفي العزل ينقص حقها فيشترط رضاها كما في الحرة) ش: أي كما يشترط الرضا في الحرة؛ لأن لها مطالبة الزوج بالوطء بالإجماع، لأن النكاح صيانة لها عن السفاح، وذا بقضاء الوطء.
م: (بخلاف الأمة المملوكة) ش: حيث يجوز لمولاها أن يعزل رضيت أم لم ترض م: (لأنه لا مطالبة لها) ش: أي للأمة المملوكة م: (فلا يعتبر رضاها) ش: والمكاتبة كالأمة عند الجمهور، وقال: له قوله: تخيير المكاتبة، وصح ذلك عن الحسن، وهو قول الحسن، وأبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي.

(5/220)


وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل بمقصود الولد، وهو حق المولى فيعتبر رضاه وبهذا فارقت الحرة. وإن تزوجت أمة بإذن مولاها، ثم أعتقت فلها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبريرة حين أعتقت: "ملكت بضعك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال سفيان الثوري: إن تزوجها بعد الكتابة فلا خيار لها، وإن تزوجها قبل الكتابة فلها الخيار، وقال قوم: إنها تخير تحت العبد، ولا تخير تحت الحر، وهو قول الحسن، والزهري، وأبي قلابة، وعطاء، وعروة، ونسب ذلك إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وهو قول ابن أبي ليلى، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وابن راهويه، وأبي سليمان، وداود الطائي.
م: (وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل بمقصود الولد، وهو حق المولى، فيعتبر رضاه) ش: ولا حق للأمة في قضاء الشهوة، لأن النكاح لم يشرع لها ابتداء، وبقاء، لهذا لا تتمكن من مطالبة مولاها بالتزويج، ويعذر الزوج على إبطال نكاحها بلا استطاعة رأيها، وإنما كانت الكراهة للولد، والولد حق المولى، فيشترط رضاه لا رضاها.
وفي " جامع المحبوبي " على هذا الخلاف حق الخصومة لو وجدت زوجها عنيناً فعنده يكون للمولى، وعندهما لها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، والأصل فيه ما روي أن الصحابة استأذنوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العزل فأذن لهم وقد جاء عن بعض المفسرين في قَوْله تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] (البقرة: الآية 223) إن شئتم عزلاً، وإن شئتم غير عزل، لما أن اليهود يكرهون العزل، ويقولون: هو الموءودة الصغرى، فنزلت فأجمعوا في الحرة أن العزل لا يجوز بغير رضاها لكن ذكر في " الفتاوى ": إن خاف الولد السوء في الحرة يسعه العزل في الحرة بغير رضاها لفساد الزمان، وكذا يسعها المعالجة لإسقاط ما لم يستبن شيء من خلقه ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن، ثم ظهر بها حمل هل يحل نفيه؟ قالوا: إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود يحل النفي، وإن لم يبل لا يحل النفي، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وبهذا فارقت الحرة) ش: أي بتعليلنا أن العزل يحل بمقصود الولد، وهو حق المولى فارقت الأمة المنكوحة الحرة، لأن لها الحق في الولد دون الأمة، فلما وجد الفارق بطل القياس.
م: (وإن تزوجت أمة بإذن مولاها، ثم أعتقت فلها الخيار، حراً كان زوجها) ش: يعني لها الخيار سواء كان زوجها حال الإعتاق حرا أو عبداً، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت اختارت نفسها ففارقته، ولا مهر لها إن لم يدخل بها الزوج، وإن كان دخل بها فالمهر واجب لسيدها، وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها، دخل الزوج بها أو لم يدخل.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لبريرة حين أعتقت: "ملكت بضعك

(5/221)


فاختاري» فالتعليل بملك البضع صدر مطلقا، فينتظم الفصلين. وهو محجوج به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاختاري") » ش: هذا أخرجه الدارقطني عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبريرة: "اذهبي فقد عتق معك بضعك» ".
ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبريرة لما أعتقت: "قد عتق بضعك معك، فاختاري» وهذا مرسل، وروى البخاري ومسلم، عن القاسم، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن ... إلى آخر الحديث، وفيه: وعتقت، فخيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من زوجها فاختارت نفسها» .
م: (فالتعليل بملك البضع صدر مطلقاً) ش: يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل علة ثبوت الخيار ملك البضع، ولم يفصل بينهما إذا كان زوجها حراً أو عبداً. م: (فينتظم الفصلين) ش: أي: فيشمل الفصلين، وهو ما إذا كان زوجها حرا أو عبدا، حيث لا يثبت لها الخيار إذا كان زوجها حراً، وبه قال مالك وأحمد م: (وهو محجوج به) ش: أي الشافعي محجوج بهذا الحديث، لأن التعليل بملك البضع مطلقاً ينتظم الفصلين.
واختلفت الروايات في زوج بريرة، هل كان حراً أو عبداً حين خيرت، فإن أصحابنا لا يفرقون بين الحر والعبد في ثبوت الخيار لها، والشافعي يقول: لها الخيار في العبد دون الحر، فمن أحاديث أنه كان حراً، ورواه الجماعة إلا مسلماً من حديث إبراهيم عن الأسود «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها ... الحديث، وفي آخره قال الأسود: فكان زوجها حراً» .
وقال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبداً أصح، وأخرجه البخاري أيضاً عن الحكم عن إبراهيم، وفي آخره قال الحكم: «وكان زوجها حراً» قال البخاري: وقول الحكم مرسل.
ومن أحاديثه أنه كان عبداً ما رواه الجماعة إلا مسلماً «عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن زوج بريرة كان عبداً أسود، يقال له: مغيث» ... الحديث، ومنها ما رواه مسلم وأبو داود من حديث هشام بن عروة «عن عائشة محيلاً على ما قبله في قصة بريرة وزاد وقال: وكان زوجها عبداً، فخيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها» .

(5/222)


ولأنه يزداد الملك عليها عند العتق، فيملك الزوج بعده ثلاث تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة. وكذلك المكاتبة يعني إذا تزوجت بإذن مولاها، ثم أعتقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه «عن عائشة: "أن بريرة خيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان زوجها عبداً» " ومنها ما أخرجه البيهقي عن نافع، «عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبداً» وقال: إسناده صحيح، وقال الطحاوي: إذا اختلفت الآثار وجب التوفيق بينها فنقول: إنا وجدنا الحرية تعقب الرق، ولا ينعكس فيحمل على أنه كان حراً عندنا ما خيرت عبداً قبله، وإن ثبت أنه عبد ولا يبقى الخيار لها يجب إذا لم يخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إنما خيرها لكونه عبداً، انتهى.
وقال الكاكي: ولو تعارضت الروايات بقي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ملكت بضعك فاختاري» م: (ولأنه يزداد الملك) ش: دليل معقول، فنقول: بيانه أن ملك الزوج يزداد م: (عليها) ش: أي على الأمة م: (عند العتق) ش: أي عند عتقها، يعني عند عتق مولاها إياها، لأنها كانت تخلص من زوجها قبل العتق بطلاقين، فبعد العتق لا تخلص منه إلا بثلاث، وهي معنى قوله: م: (فيملك الزوج بعده) ش: أي بعد العتق م: (ثلاث تطليقات) ش: فيزداد ملك الزوج عليها بسبب العتق بتطليقة، فيملك ثلاث تطليقات. ثم هي لا تملك دفع تلك الزيادة إلا برفع أصل النكاح، م: (فتملك رفع أصل العقد رفعاً للزيادة) ش:، فأثبت الشارع لها الخيار، فلا يتمكن من ذلك إلا برفع أصل النكاح، فصار هذا كعبد بين اثنين كاتبه أحدهما فلان حرائر والكل، لأن له أن يرد نصيبه ولا يمكن ذلك إلا برد الكل، ولهذا لو اختارت نفسها كان فسخاً لا طلاقاً كخيار البلوغ، لأن سبب هذا الخيار يعني في جانبها وهو ملكها أمر نفسها، وكل فرقة كانت بسبب جهة المرأة لا يكون طلاقاً، ثم خيارها يقتصر على المجلس عندنا.
وعند الشافعي: في الأصح على الفور، وفي قول: على التراخي، وفي التراخي قولان: في قول إلى ثلاث أيام، وفي قول إلى أن يمكنه من وطئها، وإن اختارت نفسها، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، لأن فسخ النكاح جاء من قبلها وبعده، فالمهر لسيدها، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (وكذلك المكاتبة) ش: هذا لفظ القدوري، وفسره المصنف بقوله م: (يعني إذا تزوجت بإذن مولاها، ثم أعتقت) ش: بأداء بدل الكتابة كان لها الخيار، سواء كان زوجها حراً أو عبداً لزيادة الملك عليها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.

(5/223)


وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خيار لها، لأن العقد نفذ عليها برضاها، وكان المهر لها، فلا معنى لإثبات الخيار، بخلاف الأمة، لأنه لا يعتبر رضاها. ولنا أن العلة ازدياد الملك، وقد وجدناها في المكاتبة، لأن عدتها قرءان وطلاقها ثنتان
وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها، ثم أعتقت صح النكاح، لأنها من أهل العبادة، وامتناع النفوذ لحق المولى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا خيار لها، لأن العقد نفذ عليها) ش: أي على المكاتبة م: (برضاها، وكان المهر لها، فلا معنى لإثبات الخيار) ش: وتحقيق كلام زفر وثبوت الخيار من الأمة لنفوذ العقد عليها بغير رضاها، وسلامة المهر لمولاها، وهذا غير موجود هنا، لأن المهر لها ولا ينفذ نكاحها إلا برضاها، وقال ابن أبي ليلى: إن أعانها على بدل الكتابة لا خيار لها، وإن لم يعنها فلها الخيار م: (بخلاف الأمة، لأنه لا يعتبر رضاها) ش: في التزويج وقد ذكرناه.
م: (ولنا أن العلة) ش: أي علة إثبات الخيار للأمة بعد العتق، م: (ازدياد الملك عليها، وقد وجدناها) ش: أي العلة، وهي ازدياد الملك عليها م: (في المكاتبة) ش: والدليل على ذلك قوله م: (لأن عدتها) ش: أي عدة المكاتبة م: (قرءان) ش: أي حيضتان م: (وطلاقها ثنتان) ش: وكذا إيلاؤها شهران، فازداد كل ذلك بالعتق، كما في الأمة إذا أعتقت، فيكون لها الخيار، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خير بريرة، وهي مكاتبة، ولو قيل: يحتمل أنها لم تكن مكاتبة وقت النكاح، وحينئذ لم يكن نفوذ نكاحها برضاها، قلنا: الظاهر أنها كانت مكاتبة وقت النكاح، لأن الحال يدل على ما قبله، على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رتب الخيار على ملك بضعها، فكانت علة لثبوت الخيار والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فإن قيل: المكاتبة مالكة لبضعها قبل العتق، ولهذا يكون البدل لها، ولم يحل للمولى وطؤها، فلم يتناول النص، قلنا: إنها ليست بمالكة لبضعها، لأنها لا تملك نفسها، وبضعها جزؤها، فلا تملكه، وإن وجب البدل لها لأنها أحق باكتسابها، ولم يحل وطؤها، لأنه من منافعها.

[تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت]
م: (وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها، ثم أعتقت صح النكاح) ش: وفي " المبسوط ": وكذا الحكم في العبد لو تزوج بغير رضا المولى، وكذا لو باعه ثم أجاز المشتري، فكان التخصيص بالأمة لها مسألة تمليكها، وهي المسألة المتعلقة بالخيار، وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا يصح لأنه نكاح الفضولي، وبعبارة النساء فلا تنعقد أصلاً عندهم.
وفي " المبسوط ": وعن زفر أنه يبطل النكاح م: (لأنها) ش: أي لأن الأمة م: (من أهل العبادة) ش: حتى لو أقرت بدين صح، وتطالب بعد العتق، وأهلية العبادة من خواص العبادة، وهي فيها ميقات على أهل الحرية، فينعقد نكاحها.
م: (وامتناع النفوذ لحق المولى) ش: هذا جواب عما يقال: إذا كان الأمر كما ذكرت فلم لا

(5/224)


وقد زال. ولا خيار لها، لأن النفوذ بعد العتق، فلا تتحقق زيادة الملك، كما إذا زوجت نفسها بعد العتق، فإن كانت تزوجت بغير إذنه على ألف، ومهر مثلها مائة، فدخل بها زوجها ثم أعتقها مولاها فالمهر للمولى، لأنه استوفى منافع مملوكة المولى، وإن لم يدخل بها حتى أعتقها فالمهر لها، لأنه استوفى منافع مملوكة لها، والمراد بالمهر الألف المسمى، لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العقد، فصحت التسمية ووجب المسمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينفذ نكاحها؟ فأجاب بأن امتناع النفوذ أي نفوذ النكاح لحق المولى م: (وقد زال) ش: أي حقه بالعتق، م: (ولا خيار لها، لأن النفوذ بعد العتق فلا يتحقق زيادة الملك) ش: للمولى م: (كما إذا زوجت نفسها بعد العتق) ش: حيث يسقط حق المولى، ويتم النكاح فعادت الحرية من جهتها.
م: (فإن كانت تزوجت بغير إذنه على ألف درهم، ومهر مثلها مائة فدخل بها زوجها، ثم أعتقها مولاها فالمهر لمولاها) ش: والنكاح صحيح، ولا خيار لها، وفي نفاذ النكاح، خلاف زفر كما في المسألة المتقدمة، إنما قال: والحال أن مهر مثلها مائة، ليعلم أن المسمى، وإن زاد على مهر المثل فهو للمولى، إذا كان الدخول قبل العتق، وإنما كان المهر كله للمولى م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (استوفى منافع مملوكة المولى) ش: فيجب البدل به.
م: (وإن لم يدخل بها حتى أعتقها فالمهر لها، لأنه استوفى منافع مملوكة لها) ش: فيجب البدل لها م: (والمراد بالمهر الألف المسمى) ش: هذا جواب عما يقال: كان ينبغي أن يكون للمولى مهر المثل بالدخول قبل العتق بالغاً ما بلغ، كما قال الشافعي وغيره وهو القياس، فأجاب بقوله: والمراد بالمهر المذكور بقوله: فالمهر للمولى، وفي قوله: بالمهر لها هو الألف المسمى، لا مهر المثل.
م: (لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العقد) ش: لأن وجوب العقد بالدخول، إنما يكون باعتبار العقد م: (فصحت التسمية ووجب المسمى) ش: للمولى إذا أعتقها بعد الدخول، وللأمة إذا أعتقها قبله، فإن قيل: كيف يسند الجواز إلى وقت العقد، والمانع من الإسناد قائم، لأن المانع من الجواز هو الملك، والملك قد زال بالعتق مقتصر، ألا ترى أن الأمة إذا حرمت حرمة غليظة على زوج كان لها، قبل ذلك، وتزوجت بغير إذن المولى فدخل بها فأعتقها المولى لا تحل على الزوج الأول باعتبار العتق غير معتبر في حق هذا الدخول الذي كان قبل العتق.
أجيب: بأن ما ذكرته قياس، لأن القياس هو أن يلزمه مهران، مهر بالدخول قبل نفاذ النكاح، وهو مهر المثل، ومهر بالنكاح وهو المسمى لما ذكرت من وجود المانع عن الاسترداد، إلا أنهم استحسنوا فقالوا يلزمه مهر واحد، وهو المسمى وقت العقد، لأنه لو وجب مهراً بالدخول لوجب بحكم العقد، إذ لولاه لوجب الحد، فكان المهر واجباً بالدخول مضافاً إلى

(5/225)


ولهذا لم يجب مهر آخر بالوطء في نكاح موقوف، لأن العقد قد اتحد باستناد النفاذ، فلا يوجب إلا مهرا واحدا.
ومن وطئ أمة ابنه، فولدت منه فهي أم وولد له، وعليه قيمتها ولا مهر عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد بإيجاب مهر آخر بالعقد، جمع بين المهرين بعقد واحد وهو ممتنع. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل نفاذ العقد مسنداً إلى وقت وجوب العقد، وصحة التسمية، (لم يجب مهر آخر بالوطء في النكاح الموقوف لأن العقد قد اتحد باستناد النفاذ) ش: إلى أصله م: (فلا يوجب) ش: أي العقد المتحد م: (إلا مهراً واحداً) ش: لأنه لا يجوز أن يكون في العقد الواحد مهران.

[وطئ أمة ابنه فولدت منه]
م: (ومن وطئ أمة ابنه فولدت منه فهي أم ولد له) ش: أي للأب، وهذا إذا ادعاه الأب، وثبت النسب منه، وإنما يثبت إذا كانت الأمة في ملك الابن من وقت العلوق، إلى وقت الدعوى م: (وعليه قيمتها) ش: أي على الأب قيمة الجارية م: (ولا مهر عليه) ش: أي الأب أي العقر إذا ادعى الولد، سواء صدقه الابن، أو لم يصدقه، وتصير أمته أم الولد للأب وبه قال أحمد والشافعي في الصحيح، وقال المزني: لا تصير أم ولد له، روي ذلك عن مالك، لأنها ليست ملكاً له وقت الإحبال.
وفي " المبسوط " وغيره: العقر عبارة عن مهر المثل، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": ينظر إلى هذه المرأة بكم كانت تستأجر للزنا مع جمالها، وجاز الاستئجار على الزنا، فالقدر الذي يستأجر على الزنا يجعل مهراً.
وقال السروجي بعد قوله ولا مهر عليه: وقال زفر والشافعي وابن حنبل: يجب المهر، وفي " المنهاج ": يجب به عليه مهر ولا حد على الغاصب، وفي القديم يجب به عليه مهر ولا حد على الغاصب، وفي القديم يجب الحد، فإن أحبلها فالولد حر نسباً، والجارية تصير أم ولد في الأظهر إذا لم تكن أم ولد ابنه وعليه قيمتها مع المهر، لا قيمة ولده في الأصح.
وفي " المغني " إن علقت منه صارت أم ولده، وهو قال الثوري وإسحاق، ذكره ابن المنذر، وقال أبو ثور: إن علم أنها لا تحل له يجب الحد ولا يلزم الأب قيمة الجارية، ولا عقرها ولا قيمة الولد عند أحمد، قال وقال الشافعي: يلزمه ذلك إن حكم بأنها أم ولده، وقال ابن قدامة في " المغني " وقال أبو حنيفة: يلزمها قيمتها، لأنها حرمت على الابن فوطأها كالأم. وقال السروجي: وغلط في النقل، وهو كثير الخطأ والغلط في نقل مذهبنا، ولو كان الابن زوجها إياه جاز النكاح عندنا، وهو قال أهل العراق، وعند أهل الحجاز لا يجوز، وهو قول ابن حنبل.
وفي " المبسوط " لا يجوز للأب أن يتزوج بجارية ابنه عند الشافعي، واعلم أن جارية الابن لا تحل عند عامة العلماء، وقال ابن أبي ليلى: لا بأس به إذا احتاج إليها، وهو مذهب أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قياساً على الطعام، ومن الصحيحة قول العامة، قال السروجي:

(5/226)


ومعنى المسألة أن يدعيه الأب، ووجهه: أن له ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء، فله تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء، غير أن الحاجة إلى إبقاء نسله دونها إلى إبقاء نفسه، فلهذا يتملك الجارية بالقيمة، والطعام بغير القيمة، ثم هذا الملك يثبت قبل الاستيلاد، شرطا له، إذ الصحيح حقيقة الملك أو حقه، وكل ذلك غير ثابت للأب فيها، حتى يجوز له التزوج بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجمعوا على أن الأب يحرم عليه وطء أمة ابنه، وذكر التمرتاشي أن العبد لو كان عبداً أو مكاتباً أو كافرا لم تجز دعوته، لعدم الولاية، والأب كالجد عند عدمه، وأما أب الأم فلا ولاية بحال، كذا في " جامع المحبوبي ".
م: (ومعنى المسألة أن يدعيه الأب) ش: إنما فسر المسألة بهذا، لأنها من مسائل " الجامع الصغير " ولم يذكر فيه الدعوى، بل قال: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل وطئ جارية ابنه فولدت منه، قال: هي أم ولده، وعليه قيمتها، ولا مهر عليه، وإنما ذكر القدوري الدعوة في باب الاستيلاد، فقال: إذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه، ثبت نسبه، وصارت أم ولده، وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها.
م: (ووجهه) ش: أي وجه ما قلنا م: (أن له) ش: أي أن للأب م: (ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء) ش: أي صيانة نفسه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» م: (فله) ش: أي فللأب م: (تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء) ش: لأن الماء حرموه، فوجب صون ماله عن الضياع بمال الابن، وذلك تمليك جاريته لتصحيح فعل الاستناد، إذ الاستناد إذا خلا عن الملك لغي، وإذا تملكها غرم قيمتها لابنه، لأن حاجته ليست بكاملة، لأنها ليست من ضرورات البقاء. م: (غير أن الحاجة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كانت صيانة الماء لبقاء الأصل لما وجب عليه القيمة، كما في الطعام، فأجاب بقوله: غير أن الحاجة م: (إلى إبقاء نسله) ش: ولهذا لا يجبر الولد على إعطاء جارية والده للاستيلاد لكونه غير ضروري م: (فلهذا يتملك الجارية بالقيمة، والطعام بغير القيمة) ش: لأنه ضروري.
م: (ثم هذا الملك) ش: أي للأب هذا جواب عما يقال بطريق المعاوضة، فإن الاستيلاد يعتمد الملك كما في المملوكة، أو حق الملك، كما في المكاتبة وليس بشيء من ذلك وجود، فأجاب بقوله: ثم هذا الملك، م: (يثبت قبل الاستيلاد شرطاً له) ش: أي حال كونه شرطاً للاستيلاد م: (إذ الصحيح) ش: يعني الاستيلاد م: (حقيقة الملك) ش: كما في المملوكة م: (أو حقه) ش: كما في المكاتبة م: (وكل ذلك) ش: أي حقيقة الملك أو حق الملك م: (غير ثابت) ش: للأب فيها، حتى يجوز له التزوج بها ش: برفع يجوز، كقولهم: مرض فلان، حتى لا يرجونه وهو نتيجة لعدم ثبوت حقيقة الملك، وحق في جارية الابن للأب، يعني جاز للأب التزوج

(5/227)


فلا بد من تقديمه، فتبين أن الوطء يلاقي ملكه، فلا يلزمه العقر. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يجب المهر، لأنهما يثبتان الملك حكما للاستيلاد، كما في الجارية المشتركة، وحكم الشيء يعقبه والمسألة معروفة. قال: ولو كان الابن زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له، ولا قيمة عليه، وعليه المهر، وولدها حر، لأنه صح التزويج عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لخلوها عن ملك الأب، ألا ترى أن الابن ملكها من كل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بجارية الابن، فلو كان فيها حق لم يجز.
م: (فلا بد من تقديمه) ش: أي تقديم الملك على الوطء كي لا يقع فعله حراما، أو لكونه شرطاً لصحة الاستيلاد، وشرط الشيء يسبقه م: (فتبين أن الوطء يلاقي ملكه) ش: أي كأن الوطء وقع في ملكه م: (فلا يلزمه العقر) .
م: (وقال زفر، والشافعي: يجب المهر، لأنهما) ش: أي لأن زفر والشافعي م: (يثبتان الملك حكماً للاستيلاد) ش: فإنه سقط الإحصان بهذا الوطء، ولو كان في الملك لما سقط وحد قاذفه م: (كما في الجارية المشتركة) ش: فإنه إذا استولدها أحدهما، وادعى ولده فإنه يثبت نسبه، ويجب عليه نصف العقر م: (وحكم الشيء يعقبه) ش: لأن الأثر بعد المؤثر، وحكم الشيء الأثر الثابت به فالملك، أو شبهة الملك، ألا ترى أن هذا الوطء يثبت الإحصان بالإجماع، حتى لو قذفه إنسان يجب على قاذفه حد القذف، وعليه شمس الأئمة السرخسي.
أما في الجارية المشتركة الملك موجود قبل الوطء، فلا يحتاج إلى تقديم التمليك لصحة الاستيلاد، ولكن ملكه ناقص، فيجب نصف العقر بمصادفة الوطء لملك الغير من وجه.
فإن قيل: من العجب أن الجارية لو كانت مشتركة بين الأب والابن وولدت وادعاه الأب يثبت النسب ويجب العقر إجماعاً قلنا: العقر لأن الوطء فيما نحن فيه صادف المحل الخالي عن الملك وشبهه فلا يحتاج إلى إثبات الملك في الكل، فيجب نصف العقر، كما في المشتركة بين الوطء، وبين أجنبي، كذا في " جامع المحبوبي ".
م: (والمسألة معروفة) ش: أي في " الجامع الصغير " وغيره. م: (قال: ولو كان الابن زوجها أباه فولدت منه) ش: أي من الأب م: (لم تصر أم ولد له) ش: أي للأب م: (ولا قيمة عليه، وعليه) ش: أي للأب م: (المهر، وولدها حر، لأنه صح التزويج عندنا خلافاً للشافعي) ش: فعنده لا يجوز تزويجه جارية الابن، لأن للأب حق الملك في مال ولده، حتى لو وطئ جاريته عالماً بحرمتها عليه لم يلزمه الحد، وكل من له حق الملك في جارية لا يجوز تزويجه إياها، كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه، لأن حق الملك من مال ولده ظاهر، ألا ترى أن استيلاده في جارية ابنه صحيح، واستيلاد المولى أمة مكاتبة غير صحيح. ولنا ما ذكره المصنف بقوله: م: (لخلوها) ش: أي لخلو الجارية م: (عن ملك الأب، ألا ترى أن الابن ملكها من كل

(5/228)


وجه، فمن المحال أن يملكها الأب من وجه، وكذا يملك من التصرفات ما لا يبقى معها ملك الأب لو كان، فدل ذلك على انتفاء ملكه، إلا أنه يسقط الحد للشبهة، فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصوناً، فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له، ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها، لأنه لم يملكهما، وعليه المهر، لالتزامه بالنكاح، وولدها حر، لأنه ملكه أخوه فيعتق عليه بالقرابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجه) ش: بدلالة حل الوطء ونفاذ الإعتاق م: (فمن المحال أن يملكها الأب من وجه) ش: لأن الجمع بين الملكين لشخصين في محل واحد، في زمان واحد ممتنع، ولو كان للأب فيها حق ملك لم يحل للابن وطؤها كالمكاتب لا يحل له وطء أمته.
م: (وكذلك يملك الابن من التصرفات) ش: كالوطء والبيع والتزويج والهبة والإعتاق والإجارة وغيرها م: (ما لا يبقى معها) ش: أي مع هذه التصرفات م: (ملك الأب لو كان) ش: أي ملك الأب م: (فدل ذلك على انتفاء ملكه) ش: أي ملك الأب م: (إلا أنه يسقط الحد) ش: هذا جواب عما يقال من جهة الخصم، يعني ينبغي أن يجب الحد بالوطء، ثم يثبت للأب حق الملك، فأجاب بقوله: إلا أنه يسقط الحد عن الأب م: (للشبهة) ش: أي لشبهة الملك بظاهر الحديث: «أنت ومالك لأبيك» .
م: (فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصوناً به) ش: أي النكاح م: (فلم يثبت ملك اليمين) ش: لعدم الحاجة إليه م: (فلا تصير أم ولد له) ش: لأنه لو استولدها فيجوز، صارت أم ولد له، فبالنكاح أي شبهة النكاح أولى أن تصير أم ولد له، لأنه لو استولدها فلا يحتاج إلى ملك اليمين لم يكن إثباته إلا لصيانة الماء م: (ولا قيمة عليه فيها) ش: أي ولا قيمة واجبة على الأب في الجارية م: (ولا في ولدها) ش: أي ولا عليه قيمته في ولد الجارية.
م: (لأنه) ش: أي لأن الأب م: (لم يملكهما) ش: أي لم يملك الجارية والابن م: (وعليه المهر لالتزامه) ش: أي لالتزام الأب م: (بالنكاح) ش: أي بسبب النكاح التزام المهر م: (وولدها حر لأنه ملكه أخوه، فيعتق عليه) ش: وبه قال مالك، وقال الشافعي: لا عتق في ملك غير الوالدين والمولودين، على ما يجيء في الإعتاق.
وعن حميد الدين الضرير: فيه اختلاف عند البعض يعتق قبل الانفصال، وثمرته تظهر في الإرث، حتى لو مات المولى وهو الابن يرث الولد على قول من قال: يعتق قبل الانفصال وعلى قول من قال: لا يعتق قبل الانفصال لا يرث.
وأما إذا مات المولى، لأن الرق مانع من الإرث، قيل: الوجه هو الأول، لأن الولد حدث على ملك الأخ من حيث العلوق، فلما ملكه عتق عليه م: (بالقرابة) ش: بالحديث.

(5/229)


قال: وإذا كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاه: أعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يفسد، وأصله أنه يقع العتق عن الآمر عندنا، حتى يكون الولاء له. ولو نوى به الكفارة يخرج عن العهدة، وعنده يقع عن المأمور؛ لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه، وهذا محال؛ لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم، فلم يصح الطلب، فيقع العتق عن المأمور. ولنا أنه أمكن تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء، إذ الملك شرط لصحة العتق عنه، فيصير قوله "أعتق" طلب التمليك منه بالألف، ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه، وقوله "أعتقت" تمليكا منه، ثم الإعتاق عنه، وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاه أعتقه عني بألف ففعل]
م: (قال) ش: محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الحرة تحت عبد، فقالت لمولاه: أعتقه عني بألف ففعل) ش: أي ما قالته م: (فسد النكاح) ش: أي انفسخ، وبه قال الشافعي، وللمولى على الزوجة ألف.
م: (وقال زفر: لا يفسد وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أنه يقع العتق عن الآمر عندنا حتى يكون الولاء له، ولو نوى به الكفارة) ش: أي ولو نوى بعتقه الكفارة التي عليه، أي كفارة كانت م: (يخرج عن العهدة، وعنده) ش: أي عند زفر م: (يقع عن المأمور، لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنده، وهذا محال؛ لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فلم يصح الطلب، فيقع العتق عن المأمور) ش: أي لم يصح طلب العتق عن الآمر، فوقع عن المأمور.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الشأن م: (أمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح طلب الإعتاق منه م: (بتقديم الملك بطريق الاقتضاء) ش: وهو جعل غير المنطوق منطوقاً بصحة المنطوق، وزفر لا يقول بالاقتضاء م: (إذا الملك شرط لصحة العتق عنه، فيصير قوله: "أعتق" طلب التمليك منه بالألف، ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه) ش: فيصير كأنه قال: العبد الذي كان لك الآن ملك لي بألف وأعتقه عني.
فإن قيل: كيف يصح هذا ولو صرح به بأن قال: ملكه عبدك عني، ثم كن وكيلاً بالإعتاق لا يصح؟ قلنا: كم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً.
م: (وقوله: أعتقت تمليكاً منه) ش: أي من المولى، وهو المأمور م: (منه) ش: أي من الآمر م: (ثم الإعتاق عنه) ش: بالنصب على أنه خبر صار أي من المولى، ثم يصير قول المأمور: أعتقت إعتاقاً عن الآمر م: (وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين) ش: أي بين ملك الرقبة وملك المتعة، قال الأترازي: وقال الكاكي: بين ملك اليمين وملك النكاح.
فإن قيل: ينبغي أن لا يفسد النكاح، لأن الملك ثبت ضرورة العتق وما يثبت بالضرورة يتقدر بقدرها، والضرورة في ثبوت العتق عن الأمر، لا في فساد النكاح.

(5/230)


ولو قالت: أعتقه عني ولم تسم مالا لم يفسد النكاح، والولاء للمعتق، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا والأول سواء، لأنه يقدم التمليك بغير عوض تصحيحا لتصرفه، ويسقط اعتبار القبض، كما إذا كان عليه كفارة ظهار، فأمر غيره أن يطعم عنه. ولهما أن الهبة من شرطها القبض بالنص، فلا يمكن إسقاطه، ولا إثباته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا: الشيء إنما ثبت بلوازمه، وضروراته من لوازم ثبوت الملك العاري عن تعلق حق الغير به فساد النكاح.
فإن قيل: أليس أنه إذا قال لعبده: كفر يمينك بالمال عنه لا يعتق، فينبغي أن يثبت عتقه اقتضاء، لأنه لا يتمكن من التكفير بالمال إلا بالعتق.
قلنا: الحرية لا تصلح أن تثبت اقتضاء، لأن الثابت بالاقتضاء ثابت بالحرية، يصير أهلاً للتكفير بالمال، فكانت الحرية أصلاً فلا تثبت اقتضاء. م: (ولو قالت: أعتقه عني، ولم تسم مالاً لا يفسد النكاح) ش: يعني لو قالت الحرة المذكورة لمولى العبد: أعتقه عني ولم تذكر مالاً لا يفسد النكاح.
م: (والولاء للمعتق) ش: وتسقط الكفالة عنه إذا نوى، ولا يلزم الألف.
وقال زفر: يقع العتق عن المأمور، حتى يكون الولاء له، وتسقط الكفارة عنه إذا نوى، ولا يلزم الألف على الأمر م: (وهذا) ش: الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة، ومحمد وقال أبو يوسف: هذا والأول سواء) ش: أي عدم ذكر المبدل مع ذكر البدل سواء، يعني يقع العتق عن الأمر في الصورتين عند أبي يوسف.
وبه قال الشافعي م: (لأنه) ش: أي لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (يقدم التمليك بغير عوض) ش: يعني بطريق الهبة م: (تصحيحاً لتصرفه) ش: أي لتصرف الآمر، لما أن تصحيح كلام العاقل واجب مهما أمكن، وقد أمكن هنا بقوله: م: (ويسقط اعتبار القبض) ش: لأنه شرط، وقد أمكن ذلك بإسقاط القبول الذي هو ركن فلا يملك بإسقاط الشرط أولى فكان م: (كما إذا كان عليه كفارة ظهار، فأمر غيره أن يطعم عنه) ش: يعني إذا أمر المظاهر غيره، وقال: أطعم عني ستين مسكيناً، ففعل المأمور يقع الإطعام عن الآمر، وإن لم يوجد القبض.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - م: (أن الهبة من شرطها القبض بالنص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تصح الهبة إلا مقبوضة» م: (فلا يمكن إسقاطه) ش: جواب عن قول أبي يوسف: إن القبض شرط، فيسقط تبعاً كالركن، فأجاب بقوله: م: (فلا يمكن إسقاطه) ش: جواب عن قول أبي يوسف م: (ولا إثباته) ش: أي إثبات القبض م:

(5/231)


اقتضاء، لأنه فعل حسي، بخلاف البيع، لأنه تصرف شرعي، وفي تلك المسألة الفقير ينوب عن الآمر في القبض. فأما العبد فلا يقع في يده شيء لينوب عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(تبعاً له، لأنه فعل حسي) ش: يعني ليس من جنس القولي، فلا يتضمن الشيء أقوى منه م: (بخلاف البيع لأنه تصرف شرعي) ش: يعني الإيجاب والقبول قولي فجاز أن يتضمنه القول، وهو قوله: أعتق عبدك عني بألف، مع أن الركن في البيع يحتمل السقوط، كما في التعاطي.
فإن قيل: لو قال الآخر: أعتق عبدك عني بألف رطل من خمر ففعل فإنه يصح، ويعتق عنه، وإن لم يوجد القبض، والبيع الفاسد كالهبة في اشتراط القبض.
قلنا: قد ذكر الكرخي أن العتق يقع على المأمور هنا على قولهما، والمذكور قول أبي يوسف، ولئن سلم فالبيع الفاسد ملحق بالصحيح، ويأخذ الحكم منه، فاحتمل سقوط القبض كالصحيح، لأن حكمه يعرف في الصحيح.
م: (وفي تلك المسألة) ش: أي مسالة الكفارة م: (الفقير ينوب عن الآمر في القبض، فأما العبد فلا يقع في يده شيء) ش: بالإعتاق، لأن الإعتاق إزالة الملك وإتلاف المالية، ولا يقع في يده شيء م: (لينوب عنه) ش: أي لينوب عن العبدين الآمر.

(5/232)