البناية شرح الهداية

باب نكاح أهل الشرك وإذا تزوج الكافر بغير شهود، أو في عدة كافر آخر، وذلك في دينهم جائز، ثم أسلما؛ أقرا عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النكاح فاسد في الوجهين، إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام، والمرافعة إلى الحكام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب نكاح أهل الشرك] [تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر آخر ثم أسلما]
م: (باب نكاح أهل الشرك)
ش: أي هذا باب في بيان نكاح أهل الشرك، وهم الذين لا كتاب لهم. م: (وإذا تزوج الكافر بغير شهود، أو في عدة كافر آخر، وذلك) ش: أي التزوج بغير شهود، أو في عدة الكافر م: (في دينهم جائز، ثم أسلما أقرا) ش: على صيغة المجهول م: (عليه) ش: أي على نكاحهما المذكور، قيد بعدة كافر، لأنه لو كان في عدة مسلم كان التزوج فاسدا بالإجماع، كذا قالوا، وفيه نظر؛ لأن كلامنا في أهل الشرك، ولا يجوز للمسلم نكاح المشركة، حتى يكون في عدة، كذا قاله الأكمل، ثم قال: ويجوز أن تصور بأن أشركت بعد الطلاق - والعياذ بالله تعالى - في عدة المسلم.
م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال الأترازي: إنما قال: وهذا عند أبي حنيفة، ولم يقل: ابتداء عند أبي حنيفة بدون ذكر هذا، لأن مسألة القدوري ليس فيها ذكر الخلاف، فقال صاحب " الهداية ": وهذا عند أبي حنيفة كشفا لموضع الخلاف، ولكن من حق المسألة أن يصفها في الفصل المتقدم على باب الرقيق؛ لأن ذلك الفصل هو المشتمل على نكاح الذمي.
وقد أراد بالكافر هاهنا الذمي، بدليل ما ذكره في بيان الدليل، وإنما لا يتعرض بهم لذمتهم، والمشرك لا ذمة له، ولأنه قال: إن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليه، فكانوا ملتزمين لها، والمشرك لا يلتزم أحكامنا أصلا، فعلم أن المراد من الكافر المذكور في المسألة المذكورة هو الذمي، وكان ينبغي أن يذكره في بابه، لا في باب المشرك الذي لا كتاب له، انتهى.
قلت: فعلى هذا لا مطابقة بين ترجمة هذا الباب وباب نكاح أهل الشرك، وبين المسألة التي صدر بها الكتاب.
م: (وقال زفر: النكاح فاسد في الوجهين) ش: أي في النكاح بغير شهود، وفي النكاح في عدة الكافر م: (إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام، والمرافعة) ش: أي وقبل المرافعة م: (إلى الحكام) ش: إنما يتعرض لهم إعراضا عنهم، لا تقربوا على صنعهم الفاحش القبيح، وترك التعرض لا يدل على الحرمة، كما في عبادة الأوثان والنيران، فإذا أسلموا أو ترافعوا إلينا وجب التفريق دفعا للحرمة القائمة.

(5/233)


وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الوجه الأول كما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الوجه الثاني: كما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له أن الخطابات عامة على ما مر من قبل، فتلزمهم، وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا، لا تقريرا. فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق. ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها، فكانوا ملتزمين لها. وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها، ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوقه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال أبو يوسف ومحمد في الوجه الأول) ش: أي في النكاح بغير شهود م: (كما قال أبو حنيفة، وفي الوجه الثاني) ش: أي في النكاح في عدة الكافر م: (كما قال زفر) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (له) ش: أي لزفر م: (أن الخطابات عامة) ش: مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) .
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] (المائدة: الآية 49) .
وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» م: (على ما مر من قبل) ش: إشارة إلى ما قال في أول الفصل، الذي فيه تزويج النصراني بقوله: وهذا الشرع وقع عاما، فثبت الحكم على العموم، م: (فتلزمهم) ش: أي الخطابات، أي مقتضاها يلزمهم.
م: (وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم) ش: أي لأجل كونهم التزموا عقد الذمة م: (إعراضا) ش: عنهم م: (لا تقريرا) ش: على فعلهم الباطل م: (فإذا ترافعوا) ش: إلى الحكام م: (أو أسلموا، والحرمة قائمة) ش: أي ثابتة، والجملة حالية م: (وجب التفريق) ش: بين من كان منهم من الأزواج والزوجات.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها) ش: أي معتدة الغير أجمعوا على حرمتها، سواء كان الغير مسلما أو كافرا م: (فكانوا ملتزمين لها) ش: أي خلافا باطلا في حقهم أيضا؛ لأنهم أتباع لنا، ولكنا لا نتعرض بعقد الذمة، فلما ترافعا، أو أسلما وجب الحكم بما هو حكم الإسلام.
م: (وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها) ش: بين العلماء؛ فإن مالكا وابن أبي ليلى وعثمان يجوزونه م: (ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات) ش: ولكن عدم تعرضنا لأجل عقد الذمة م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوقه) ش: أي بحقوق الشرع، ولهذا لا يتعرض لهم في الخمر والخنزير، بخلاف الربا؛

(5/234)


ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج؛ لأنه لا يعتقده، بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم؛ لأنه يعتقده، وإذا صح النكاح فحالة المرافعة، والإسلام حالة البقاء، والشهادة ليست شرطا فيها، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة. فإذا تزوج المجوسي أمه، أو ابنته ثم أسلما فرق بينهما؛ لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما ذكرنا في المعتدة، ووجب التعرض بالإسلام فيفرقا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه مستثنى بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من أربى، فليس بيننا وبينه عهد» م: (ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج؛ لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (لا يعتقده) ش: أي لا يعتقد وجوب العدة م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي الذمية م: (تحت مسلم لأنه) ش: أي لأن المسلم م: (يعتقده) ش: أي يعتقد وجوب العدة.
م: (وإذا صح النكاح) ش: بينهما م: (فحالة المرافعة) ش: إلى الحاكم م: (والإسلام) ش: وقوله: فحالة المرافعة مرفوع بالابتداء وقوله: م: (حالة البقاء) ش: خبره م: (والشهادة ليست شرطا فيها) ش: أي في حالة البقاء، ولهذا لو مات الشهود لم يبطل النكاح م: (وكذا العدة لا تنافيها) ش: أي لا تنافي حالة البقاء م: (كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة) ش: يجب عليها العدة صيانة لحق الوطء، ولا يبطل النكاح القائم.
م: (فإذا تزوج المجوسي أمه، أو ابنته، ثم أسلما فرق بينهما) ش: بإجماع الأئمة الأربعة م: (لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، لأن الخطاب بحرمه هذه الأنكحة شائع في ديارنا، وهم من أهل دارنا، فثبت الخطاب في حقهم، إذ ليس في وسع المتتبع التبليغ إلى الكل، بل في وسعه جعل الخطاب شائعاً، فيجعل شيوع الخطاب كالوصول إليهم، ألا ترى أنهم لا يتوارثون بهذه الأنكحة.
فلو كان صحيحاً في حقهم لتوارثوا م: (كما ذكرنا في المعتدة) ش: أشار إلى ما ذكر في المسألة المتقدمة بقوله: ولهذا أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها، فكانوا ملتزمين.
م: (ووجب التعرض بالإسلام فيفرقا) ش: لأن الإسلام ينافيه، ولما أسلما دخلا في حكم الإسلام فيفرق بينهما، وفي " العناية " إذا أسلم أحدهما فرق بينهما القاضي سواء وجد الترافع، أو لم يوجد.
وقال محمد: إذا وجد الرفع من أحدهما يفرق، وإلا فلا، على ما يجيء الآن، وفي " المبسوط " لو تزوج الذمي محرمه لا يتعرض له، وإن علم القاضي ما لم يرافعا إليه إلا في

(5/235)


وعنده له حكم الصحة في الصحيح، إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح فيفرق، بخلاف العدة؛ لأنها لا تنافيه، ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما، وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده، خلافا لهما. والفرق أن استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة صاحبه، إذ لا يتغير به اعتقاده، أما اعتقاد المصر بالكفر لا يعارض إسلام المسلم، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول أبي يوسف الآخر أنه يفرق بينهما إذا علم ذلك، لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كتب إلى عماله أن فرقوا بين المجوس ومحارمهم.
قلنا: هذا غير مشهور، وإنما المشهور ما كتب عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى الحسن البصري قال: ما بال الخلفاء الراشدون تركوا أهل الذمة، وما هم عليه من نكاح المحارم، وإفشاء الخمور والخنازير، فكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا ما يعتقدون، وإنما أنت متبع، ولست بمبتدع والسلام، ولأن الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد منهم بذلك، مع علمهم بمباشرتهم ذلك، فحل محل الإجماع.
م: (وعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (له حكم الصحة) ش: أي لنكاح المحارم حكم الصحة م: (في الصحيح) ش: احترز به عن قول مشايخ العراق: إن حكم البطلان في حقهم كقول أبي يوسف ومحمد، فلا يتعرض لهم لعقد الذمة. وجه الصحيح أن الخطاب في حقهم كأنه غير نازل؛ لأنهم يكذبون المبلغ، ويزعمون عدم رسالته، وولاية الإلزام بالسيف والمحاجة، وقد انقطعت بعقد الذمة وقصر حكم الخطاب عنهم، وشيوع الخطاب إليهم إنما يعتبر في حق من يعتقد رسالة المبلغ، فإذا اعتقدها بالإسلام ظهر حكم الخطاب.
م: (إلا أن المحرمية) ش: جواب عن هذا التشكيك، ووجها المحرمية م: (تنافي بقاء النكاح فيفرق) ش: بينهما كما لو اعترضت المحرمية على نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة م: (بخلاف العدة؛ لأنها لا تنافيه) ش: أي لأن العدة لا تنافي بقاء النكاح م: (ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما) ش: بالاتفاق م: (وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده) ش: أي لا يفرق بينهما عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
م: (والفرق) ش: يعني بين التفريق بإسلام أحدهما، وعدم التفريق بمرافعة أحدهما م: (أن استحقاق أحدهما) ش: بواجب النكاح وحقوقه م: (لا يبطل بمرافعة صاحبه، إذ لا يتغير به اعتقاده) ش: يعني اعتقاده بمرافعة صاحبه، وهذا المعنى موجود فيما إذا أسلم أحدهما أيضا، لكن يترجح الإسلام، فيفرق بينهما بإسلام أحدهما، وهو معنى قوله: م: (أما اعتقاد المصر) ش: على دينه الباطل م: (لا يعارض إسلام المسلم؛ لأن الإسلام يعلو) ش: على كل شيء م: (ولا يعلى) ش: أي لا يعلى م: (عليه) ش: شيء، فلا يعارضه إصرار الآخر على دينه.

(5/236)


ولو ترافعا يفرق بالإجماع، لأن مرافعتهما كتحكيمهما.
ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة؛ لأنه مستحق للقتل، والإمهال ضرورة التأمل، والنكاح يشغله عنه، فلا يشرع في حقه، وكذا المرتدة لا يتزوجها مسلم، ولا كافر؛ لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه، ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح، والنكاح ما شرع لعينه، بل لمصالحه. فإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو ترافعا) ش: يعني ترافع كلاهما إلى الحاكم م: (يفرق بينهما بالإجماع؛ لأن مرافعتهما كتحكيمهما) ش: يعني إذا حكما رجلا وطلبا منه حكم الإسلام له أن يفرق بينهما، فالقاضي أولى بذلك لعموم ولايته.

[زواج المرتد]
م: (ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة، ولا كافرة ولا مرتدة، لأنه مستحق للقتل) ش: أي لأن المرتد مستحق للقتل بنفس الردة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غير دينه فاقتلوه» ، فلا ينتظم نكاحه مصالحة من السكن والازدواج والتناسل؛ لأن ذلك للبقاء، وهو مستحق للقتل، فصار كالميت.
فإن قيل: يرد عليه مستحق القتل قصاصا، فإنه يجوز له التزوج.
قلت: العفو مندوب إليه فيه، بخلاف المرتد؛ لأنه لا يرجع غالبا، إذ قد نزل بعد اطلاعه على محاسن الإسلام، فيكون ارتداده عن شبهة قوية عنده. وقال السروجي: يرد عليه ما لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، فإن هذا النكاح غير مستقر، ولا تنتظم به المصالح، لأنه يقع به الطلاق الثلاث عقيب النكاح، وثبوت النسب مشترك، وقال الكاكي: ولا يقال: مشركو العرب لا ملة لهم، فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وقد صحت المناكحة فيما بينهم، لأنا نقول: لهم ملة، لأنا نعني بالملة دينا يعتقد الكافر صحته، ولم يكن أقر ببطلانه وقد وجب الحد فيهم.
م: (والإمهال لضرورة التأمل) ش: هذا جواب سؤال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يمهل المرتد، لأنه مستحق للقتل، فأجاب بقوله: والإمهال أي إمهال المرتد ثلاثة أيام لضرورة التأمل، ليتأمل فيما عرض له من الشبهة ففيما وراء ذلك جعل كأنه لا حياة له حكما م: (والنكاح يشغله عنه) ش: أي عن التأمل م: (فلا يشرع في حقه، وكذا المرتدة لا يتزوجها مسلم ولا كافر؛ لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه؛ ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح، والنكاح ما شرع لعينه بل لمصالحه) ش: أي لمصالح النكاح من السكن، والازدواج، والتناسل، والتوالد، فإذا فاتت المصالح بالردة لم يشرع أصلا.
م: (فإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه) ش: أي على دين الإسلام بإجماع الأئمة الأربعة، ولا يتصور فيما إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة، بل هذا في حالة البقاء،

(5/237)


وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولد صغير صار ولده مسلما بإسلامه؛ لأن في جعله تبعا له نظرا إليه.
ولو كان أحدهما كتابيا، والآخر مجوسيا فالولد كتابي؛ لأن فيه نوع نظر له، إذ المجوسية شر. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه للتعارض، ونحن بينا الترجيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن أسلمت المرأة، ولم يعرض الإسلام على زوجها فولدت قبل العرض م: (وكذلك إن أسلم أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (وله ولد صغير) ش: الواو فيه للحال م: (صار ولده مسلما بإسلامه) ش: أي بإسلام أحد الزوجين م: (لأن في جعله تبعا له) ش: أي لأن جعل الصغير تبعا للذي أسلم منهما م: (نظرا إليه) ش: أي للصغير، أي نظر يكون أعظم من الإسلام.
وفي " الينابيع ": يريد به إذا كان الصغير مع من أسلم في دار واحدة، وإن كان الصغير في دار الإسلام، ومن أسلم منهما في دار الحرب، وإن كان في دار الإسلام والصغير في دار الحرب لا يصير مسلما.
م: (ولو كان أحدهما كتابيا) ش: أي ولو كان أحد الزوجين من أهل الكتاب م: (والآخر مجوسيا) ش: أو وثنيا، والحاصل أن الآخر ليس من أهل الكتاب م: (فالولد كتابي) ش: حتى يجوز للمسلم مناكحته وتحل ذبيحته؛ م: (لأن فيه نوع نظر له) ش: لأن في جعل الصغير كتابيا نوع نظر له م: (إذ المجوسية شر) ش: من الكتابية م: (والشافعي يخالفنا فيه) ش: أي في جعل الولد تبعا للكتابي م: (للتعارض) ش: لأن جعله تبعا للكتابي يوجب حل الذبيحة والنكاح، وجعله تبعا للمجوسي لا يوجب ذلك، فوقع التعارض، إذ الكفر كله ملة واحدة، والترجيح للمحرم م: (ونحن بينا الترجيح) ش: وهو قوله: لأن فيه نظرا له من حيث حل الذبيحة وجواز النكاح.
فإن قلت: على ما ذكرت كل واحد منا ومن الخصم ذهب إلى نوع ترجيح، فمن أين تقوم الحجة؟
قلت: ترجيحنا بدفع التعارض، وترجيحه بدفعه بعد وقوعه، والدفع أولى من الرفع، لأن حكم من دافع لا يرفع. ثم اعلم أن للشافعي فيما إذا كان الأب كتابيا قولان: أحدهما: أنه تبع له حتى يحل ذبيحته، ومناكحته، وبه قال أحمد تغليبا للتحريم. ولو كانت الأم كتابية، والأب مجوسيا يجعل تبعا له قولا واحدا، حتى لا تحل مناكحته وذبيحته، وبه قال، وفي " الرافعي ": يتبع الأب إذا كان مجوسيا، وإن كانت الأم مجوسية قولان: وفي " البسيط ": في المتولد بين اليهودي والمجوسي قولان: أحدهما التحريم، والثاني هو الأصح: النظر إلى الأب، وتغليب جانب النسب.
وفي " الجواهر ": إن أسلم الزوج تقر الكتابية على نكاحها، ويعرض إليها الإسلام، فإذا أبت

(5/238)


وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى فرق بينهما، وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة بينهما طلاقا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين، أما العرض فمذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعرض الإسلام؛ لأن فيه تعرضا لهم، وقد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم إلا أن ملك النكاح قبل الدخول غير متأكد، فينقطع بنفس الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقعت الفرقة قبل الدخول وبعده، وقال أشهب: تعجيل الفرقة قبل الدخول، كقول الشافعي، وأحمد، وينتظم فراغ العدة بعده كقولهما، وإن أسلمت المرأة قبل الزوج وقعت الفرقة قبل الدخول، وبعده تقف على انقضاء العدة. وفي " التمهيد " قال مالك: إذا أسلم بعد انقضائها في غيبته، فإن نكحت قبل أن يقدم أوسعها إسلامه فلا سبيل له عليها، وإن أدركها قبل أن تنكح فهو أحق بها، وقال ابن قدامة: يعرض عليها الإسلام إن كانت حاضرة، وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة.
وعن أحمد روايتان في اعتبار العدة، إحداهما: هو أحق قبل انقضاء عدتها، وفي الأخرى: تعجيل الفرقة، واختارها الخلال، وصحبه أبو بكر، وهو قول طاوس وعكرمة وقتادة والحكم وعمر بن عبد العزيز، ويروى عن ابن عباس، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هو أحق إذا أسلم ما دامت في دار هجرتها، وعن الشافعي هو أحق بها ما دامت في المصر، وعن إبراهيم يقران على نكاحهما.

[أسلمت المرأة وزوجها كافر]
م: (وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر) ش: الواو فيه للحال، وأطلق الكفر في قوله كافر لعدم بقاء المسلمة مع الكافر، أي كافر كان م: (عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى) ش: أي الزوج عن الإسلام م: (فرق بينهما، وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة، ومحمد) ش: لا فسخا؛ لأنه فات الإمساك بالمعروف من جانبه، فتعين التسريح بالإحسان، فإن طلق وإلا فالقاضي نائب منابه.
م: (وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليه الإسلام) ش: وقيد بالمجوسية؛ لأنها إن كانت كتابية فلا عرض، ولا تفريق م: (فإن أسلمت فهي امرأته، وإذا أبت فرق القاضي بينهما، ولم تكن الفرقة بينهما طلاقا. وقال أبو يوسف: لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين) ش: أي لا يكون التفريق طلاقا عنده، سواء كان بإباء الزوج أو بإباء المرأة، بل يكون فسخا، وفائدته أنه لا ينقص من عدد الطلاق شيء. م: (أما العرض) ش: أي عرض الإسلام م: (فمذهبنا، وقال الشافعي: لا يعرض الإسلام لأن فيه) ش: أي لأن في العرض م: (تعريضا لهم، وقد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم، لأن ملك النكاح) ش: أي غير أن ملك النكاح م: (قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس الإسلام

(5/239)


وبعده متأكد، فيتأجل إلى انقضاء ثلاث حيض، كما في الطلاق. ولنا أن المقاصد قد فاتت، فلا بد من سبب تبنى عليه الفرقة، والإسلام طاعة لا يصلح سببا لها، فيعرض الإسلام لتحصل المقاصد، بالإسلام، أو تثبت الفرقة بالإباء. وجه قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الفرقة بسبب يشترك فيه أحد الزوجان، فلا تكون طلاقا كالفرقة بسبب الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبعده) ش: أي بعد الدخول م: (متأكد) ش: فلا يرتفع بنفس اختلاف الدين م: (فيتأجل) ش: أي التفريق م: (إلى انقضاء ثلاث حيض) ش: قال الشراح قوله: ثلاث حيض ليس بصواب بل الصواب ثلاثة أطهار؛ لأن العدة عنده بالأطهار، وقيل: معناه كان الشافعي يقول: ينبغي أن يتأجل عندكم إلى انقضاء ثلاث حيض.
م: (كما في الطلاق) ش: يريد أن نفس الطلاق قبل الدخول يرفع النكاح، وبعده لا يرفع إلا بعد انقضاء العدة، وبقول الشافعي قال أحمد، وقال أحمد في رواية: يفسخ النكاح في الحال، وقال مالك: إن أسلمت الزوجة أولا فالحكم على ما ذكره الشافعي، وإن أسلم الزوج أولا، فإن أسلمت في الحال يقيما على نكاحهما، وإلا فسخ نكاحهما.
م: (ولنا أن المقاصد) ش: بالنكاح من السكن والازدواج م: (قد فاتت، فلا بد من سبب تبنى عليه الفرقة، والإسلام طاعة لا يصلح سببا لها) ش: للفرقة م: (فيعرض الإسلام) ش: على الزوج م: (لتحصل المقاصد بالإسلام) ش: إن أسلم م: (أو تثبت الفرقة بالإباء) ش: أي بإباء الزوج عن الإسلام، أي بامتناعه عنه ومذهبنا مروي عن عمر، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فإن دهقانة في نهر الملك أسلمت، فأمر عمر 0 - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بعرض الإسلام على زوجها، فقال: إن أسلم، وإلا فرق بينهما.
ويروى أن دهقانا أسلم في عهد علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فعرض الإسلام على امرأته فأبت، ففرق بينهما، كذا في " المبسوط "، والدهقان: كل سيد من العجم، والذال لغة فيه، ونهر الملك على طريق الكوفة إلى بغداد وقد طول الأكمل هنا.
حاصله أن سبب الفرقة الإباء عن الإسلام، لأن الإسلام لا يصح سببا لما ذكرنا ولا كفر من بقي عليه، لأنه موجود قبل هذا، فلم يصلح سببا إلا الإباء؛ لأنه صالح بسبب النعم، وإذا أضيف القول إليه أضيف ما يستلزمه الفوات، وهو الفرقة، فكانت الفرقة مضافة إلى الإباء.
ولما فرغ المصنف من البحث مع الشافعي شرع في البحث مع أبي يوسف وهو قوله: م: (وجه قول أبي يوسف: أن الفرقة بسبب) ش: وهو الإباء م: (يشترك فيه الزوجان) ش: على معنى أنه متحقق من كل منهما م: (فلا تكون) ش: أي الفرقة م: (طلاقا) ش: بل تكون فسخا عند الشافعي بسبب اختلاف الدين، وذلك متحقق في كل منهما م: (كالفرقة بسبب الملك) ش: بأن ملك أحد الزوجين الآخر، إذ الطلاق لا يتصور منهما، فكل سبب يتصور منهما لا يكون طلاقا.

(5/240)


ولهما أن بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف، مع قدرته عليه بالإسلام، فينوب القاضي منابه في التسريح، كما في الجب والعنة، أما المرأة فليست بأهل للطلاق، فلا ينوب القاضي منابها عند إبائها. ثم إذا فرق القاضي بينهما بإبائها فلها المهر إن كان دخل بها لتأكده بالدخول، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها؛ لأن الفرقة من قبلها، والمهر لم يتأكد، فأشبه الردة والمطاوعة،
وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر، أو أسلم الحربي وتحته مجوسية لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيض، ثم تبين من زوجها، وهذا لأن الإسلام ليس سببا للفرقة، والعرض على الإسلام متعذر لقصور الولاية، ولا بد من الفرقة دفعا للفساد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن بالإباء) ش: أي إباء الزوج عن الإسلام م: (امتنع عن الإمساك بالمعروف، مع قدرته عليه) ش: أي على الإمساك م: (فينوب القاضي منابه في التسريح) ش: بالإحسان م: (كما في الجب، والعنة) ش: أي كما إذا وجدت زوجها مجبوباً، وهو مقطوع الذكر والخصيتين، ووجدته عنيناً، فإن القاضي يفرق بينهما عند طلب المرأة.
م: (أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب القاضي منابها عند إبائها) ش: لعدم تصور التسريح منها م: (ثم إذا فرق بينهما بإبائها فلها المهر إن كان دخل بها لتأكده) ش: أي لتأكد المهر م: (بالدخول) ش: فيكون لها كمال المهر م: (وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، لأن الفرقة من قبلها، والمهر لم يتأكد) ش: لعدم الدخول م: (فأشبه الردة) ش: يعني كما إذا ارتدت قبل الدخول والعياذ بالله م: (والمطاوعة) ش: وأشبه المطاوعة أيضاً، بأن مكنت نفسها من ابن زوجها قبل الدخول، فلا يجب عليه لها المهر قبل الدخول، ولا نفقة العدة بعد الدخول.
وقال الأترازي: المطاوعة بفتح الواو لا كسرها، لأنه مصدر، أي مطاوعة المرأة ابن زوجها. قلت: يجوز كسر الواو أيضاً، ويكون اسم الفاعل من طاوع، ويكون المعنى ما يشبه المرأة المطاوعة لابن زوجها في تمكين نفسها منه، بل هذا الوجه من الفتح لا يخفى على أهل المذاق.

م: (وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر، أو أسلم الحربي، وتحته مجوسية لم تقع الفرقة) ش: بينهما في الصورتين م: (حتى تحيض ثلاث حيض) ش: وإن لم تكن ممن تحيض فثلاثة أشهر، ثم بعد ثلاث حيض، أو شهور تقع الفرقة، ثم لا بد من ثلاث حيض، أو شهور أخرى للعدة م: (ثم تبين من زوجها) ش: أي بعد ثلاث حيض كما ذكرنا.
م: (وهذا) ش: أشار به إلى أنه لا بد للفرقة من سبب الإسلام، أو كفر المصر، واختلاف الدين لا يصلح أن يكون موجباً للفرقة، كما مر في المسألة المتقدمة، وبين ذلك بقوله: م: (لأن الإسلام عاصم، والعرض على الإسلام متعذر لقصور الولاية) ش: لانعدام يد أهل الإسلام عن دار الحرب.
م: (ولا بد من الفرقة دفعاً للفساد) ش: وهو كون المسلم تحت الكافر. قوله: والعرض على الإسلام متعذر من باب نحو عرضت الناقة على الحوض، والأصل أن يقال: وعرض الإسلام على

(5/241)


فأقمنا شرطها، وهو مضي الحيض مقام السبب، كما في حفر البئر. ولا فرق بين المدخول بها، وغير المدخول بها. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفصل بينهما، كما مر له في دار الإسلام. وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية فلا عدة عليها، وإن كانت هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما، وسيأتيك إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكافر متعذر، إلا أنه قلب الكلام لعدم الالتباس، كما في قولك: أدخلت الخاتم في الإصبع، والأصل أدخلت الإصبع في الخاتم، ولما تعذر تقدير السبب أضيف الحكم إلى الشروط، وهو معنى قوله: م: (فأقمنا شرطها، وهو مضي الحيض مقام السبب) ش: لأن الشرط يضاف إليه الحكم عند تعذر الإضافة إلى العلة والسبب م: (كما في حفر البئر) ش: على قارعة الطريق، فإن وقع فيها إنسان فإن الضمان على الحافر، فلا يمكن إضافته إلى العلة والسبب لما عرف، فأضيف إلى الشرط وهو الحفر. وتحقيق هذا أن علة الوقوع ثقل الواقع، فلا يصلح سبباً لعدم التعدي، لأنه أمر طبيعي لا صنع للواقع فيه، وسبب الوقوع مشتبه، فلا يصلح سبباً لإضافة الحكم إليه، لأنه مباح، فأضيف إلى صاحب الشرط وهو الحافر؛ لأن إزالة سكنة الأرض بالحفر، فإذا كان كذلك، فوقعت الفرقة لانقضاء مدة العدة، أعني ثلاث حيض إن كانت ممن تحيض، أو مضي ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض وبه صرح الكرخي في "مختصره " وذلك لأن الطلاق سبب البينونة، وانقضاء العدة شرطها.
م: (ولا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها، والشافعي يفصل بينهما) ش: حيث يقول: إن كان قبل الدخول تقع الفرقة في الحال، وإن كان بعد الدخول يتوقف على انقضاء ثلاث حيض م: (كما مر له) ش: أي للشافعي م: (في دار الإسلام) ش: من قوله: فإن كان قبل الدخول، بالتفصيل المذكور الآن، وبقوله قال مالك، وأحمد.
م: (وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية) ش: أي والحال أن المرأة حربية م: (فلا عدة عليها) ش: أي على الحربية بالإجماع، لأن حكم الشرع لا يثبت في حقها، ذكره في " شرح الطحاوي "، سواء كان قبل الدخول أو بعده م: (وإن كانت هي) ش: أي الحربية م: (المسلمة فكذلك) ش: لا عدة عليها بعد الدخول م: (عند أبي حنيفة، خلافاً لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد، وهذه متعلقة بما قبلها. بيانه أن أحد الزوجين إذا أسلم في دار الحرب تقع الفرقة بانقضاء ثلاث حيض، وبعد ذلك لا تلزم العدة على المرأة، سواء كانت مدخولاً بها أو لاً، وإن كانت غير حربية، أعني مجوسية أو وثنية، فلا عدة عليها أيضاً، كما ذكرنا. وإن كانت غير حربية، أعني مجوسية أو وثنية، فلا عدة عليها أيضاً، كما ذكرنا. وإن كانت مسلمة فلا عدة عليها عند أبي حنيفة، لأنه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربي، وأصل المسألة في المهاجرة إلى دار الإسلام، فإنها إذا هاجرت إلينا مسلمة أو ذمية لم يلزمها العدة في قول أبي حنيفة، إلا أن تكون حاملاً، فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها. م: (وسيأتيك بيانه إن شاء الله تعالى) ش: أي في مسألة المهاجرة. قال الأترازي: بعد ثلاث عشر خطأ، وقال الكاكي في باب العدة: والأول هو الأصوب.

(5/242)


وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما، لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء، فلأن يبقى أولى. قال وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلما وقعت البينونة بينهما. وقال الشافعي: لا تقع. ولو سبي أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، وإن سبيا معا لم تقع الفرقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقعت، فالحاصل أن السبب هو التباين دون السبي عندنا، وهو يقول بعكسه له أن التباين أثره في انقطاع الولاية، وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن، أما السبي فيقتضي الصفاء للسابي، ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أسلم زوج الكتابية]
م: (وإذا أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما؛ لأنه يصح بينهما النكاح ابتداء، فلأن يبقى أولى) ش: لأن البقاء أسهل من الابتداء، فكم من شيء يتحمل من النكاح حالة البقاء، وإن لم يتحمل في الابتداء، ألا ترى أن المنكوحة إذا وطئت بشبهة يعتد له، وتبقى منكوحة، ولا يجوز نكاح المعتدة من وطء بشبهة ابتداء.
م: (وإذا خرج أحد الزوجين إلينا) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: وإذا خرج) ش: أي قال القدوري: وإذا خرج أحد الزوجين م: (إلينا) ش: أي إلى دار الإسلام م: (من دار الحرب) ش: حال كونه م: (مسلماً) ش: غير مراغم، حتى إذا خرج مراغماً تقع الفرقة بالإجماع، أما عندنا فلتباين الدارين، وأما عنده في الرغم والقهر، كزوجته كذا في " مبسوط البزدوي " م: (وقعت البينونة بينهما. وقال الشافعي: لا تقع) ش: وقال شمس الأئمة السرخسي: ويستوي في وقوع الفرقة بتباين الدارين أن يخرج أحدهما مسلماً أو ذمياً، أو خرج مستأمناً، ثم أسلم أو صار ذمياً، لأنه صار من أهل دارنا، وفائدة وقوع البينونة حل وطء تلك الأمة لمن وقعت في سهمه بعد الاستبراء، وإن كان الخارج الرجل يجوز له أن يتزوج أربعاً سواها أو أختها إن كانت في دار الإسلام.
م: (ولو سبى أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما) ش: اتفاقاً م: (وإن سبيا معاً) ش: أي الزوجان م: (لم تقع الفرقة. وقال الشافعي: وقعت. فالحاصل أن السبب) ش: أي سبب وقوع البينونة م: (عندنا هو التباين) ش: أي تباين الدارين م: (دون السبي) ش: وجد أو لم يوجد م: (وهو بعكسه) ش: أي الشافعي بعكس ما قلنا، حيث يقول: إن السبي هو سبب البينونة لا التباين، وبه قال مالك وأحمد، حتى لو خرج أحد الزوجين إلينا مسلما، لا تقع الفرقة عندهم على أصلهم.
م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن التباين أثره في انقطاع الولاية) ش: وهو سقوط مالكيته عن نفسه وماله م: (وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن) ش: أشار إلى انقطاع النكاح، كالحربي المستأمن، يعني إذا دخل دارنا بأمان انقطعت ولايته، ولا تقع الفرقة بينه وبين امرأته م: (أما السبي فيقتضي الصفاء) ش: بالمد، أي الخلوص، أي يقتضي صفاء السبي م: (للسابي) ش: ولا يصفى الملك في المسبي للسابي م: (ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح) ش: الزوج عن المسبية م:

(5/243)


وهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي. ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم المصالح، فشابه المحرمية، والسبي يوجب ملك الرقبة، وهو لا ينافي النكاح ابتداء، فكذلك بقاء، فصار كالشراء، ثم هو يقتضي الصفاء في محل عمله، وهو المال لا في محل النكاح. وفي المستأمن لم تتباين الدارين حكما لقصده الرجوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وهذا) ش: إيضاح لقوله: يقتضي الصفاء م: (يسقط الدين) ش: الذي للكفار م: (وعن ذمة المسبي) ش: يصفي المسبي السابي.
م: (ولنا أن مع التباين حقيقة وحكماً) ش: أي من حيث الحقيقة، ومن حيث الحكم. أما حقيقة فبأن يكون أحدهما في دار الحرب حكماً، لأنه فيه الرجوع. وأما حكماً فبأن لا يكون في الدار التي دخلها على سبيل الرجوع، بل يكون على سبيل القرار والسكنى، وفي " النهاية ": وفي قوله: حكماً، جواب عن قوله: كالحربي المستأمن، والمسلم المستأمن؛ لأن الحربي المستأمن وإن كان في دار الإسلام حقيقة، ولكن هو في دار الحرب حكماً؛ لأنه على نية الرجوع، فكذلك لم يترتب عليه حكم التباين، وكذلك المسلم المستأمن، حتى لو انقطعت نية الرجوع كان حكم التباين ثابتاً في حقه م: (لا تنتظم المصالح) ش: والنكاح شرط للمصالح، لا بعينه م: (فشابه المحرمية) ش: أي فشابه التباين المحرمية، يعني إذا اعترضت المحرمية على النكاح، فإنه لا يبقى معها لفوات انتظام المصالح، كذا هذا التباين.
م: (والسبي يوجب ملك الرقبة) ش: هذا رد دليل الخصم، تقديره: أن السبي يوجب ملك الرقبة م: (وهو) ش: أي ملك الرقبة م: (لا ينافى النكاح ابتداء) ش: بأن زوج أمته لغيره م: (فكذلك) ش: لا ينافيه م: (بقاء) ش: بأن اشترى منكوحة الغير م: (فصار) ش: أي السبي م: (كالشراء) ش: أي كالشراء من غيره، من حيث إن النكاح لا يفسد بالشراء، فكذلك بالسبي لعدم المنافاة، وكذلك الصدقة والهبة.
م: (ثم هو) ش: أي السبي م: (يقتضي الصفاء) ش: يعني مسلماً أن السبي يقتضي الصفاء لكن م: (في محل عمله، وهو المال لا في محل النكاح) ش: وهو منافع البضع باعتبار كونها آدمية، وذلك ليس محل عمله، لأن ذلك من الخصائص الإنسانية لا المالية، وقد اندرج في هذا الكلام الجواب عن قوله: وهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي؛ لأن الدين في الذمة، وهو محل عمله؛ لأنها في الرقبة.
وقوله: وفي المستأمن: جواب عن قوله: كالحربي المستأمن أو المسلم المستأمن، وكان قد احترز بقوله: وحكماً عن ذلك، فإن التباين وإن وجد في المستأمن حقيقة لكنه لم يوجد حكماً، وهو معنى قوله: م: (وفي المستأمن لم تتباين الدارين حكماً لقصده الرجوع) ش: إلى دار الحرب. والرجوع منصوب على أنه مفعول المصدر، والمصدر يعمل عمل فعله.

(5/244)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بقضية زينب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها هاجرت من مكة إلى المدينة، وخلفت زوجها أبا العاص بمكة فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الأول، فعلم أن التباين لا يوجب الفرقة.
قلت: ردها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الجديد، يعني قوله: بالنكاح الأول، أي بحرمة النكاح الأول، وقد صح في " السنن " عند الترمذي، وابن ماجه، وأحمد أنها ردت بعد ست سنين في رواية، وفي رواية أخرى بعد سنتين، وعند الخصم تثبت الفرقة بانقضاء العدة، وإن لم يثبت التباين، فكيف يحتج به علينا؟
فإن قلت: استدل أيضاً بحديث أبي سفيان، فإنه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر النكاح بينه وبين امرأته هند، ولما فتح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكة هرب عكرمة بن أبي جهل، وحكيم بن حزام حتى أسلمت امرأة كل منهما، وأخذت الأمان لزوجها، وذهبت فجاءت به، ولم يجدد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النكاح بينهما.
قلت: الصحيح أن أبا سفيان لم يحسن إسلامه يومئذ، وإنما أجازه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لشفاعة عمه العباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وعكرمة وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل، وكانت من حدود مكة، فلم يوجد تباين الدارين. وقد قال الزهري: إن دار الإسلام تتميز من دار الحرب بعد فتح مكة، ولم يوجد تباين الدارين يومئذ.
فإن قلت: قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، عدد المنكوحات من المحرمات، ثم استثنى المملوكات ملك اليمين مطلقاً، ولم يفصل بينهما إذا كان تزوج المسبية معها، أو لم يكن، والمطلق يجري على إطلاقه عندكم، فكيف لا تجوزون وطء المسبية إن سبي معها زوجها.
روي في "السنن" مسنداً إلى أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في سبايا أوطاس: "ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» " ولا فصل فيه أيضاً.

(5/245)


وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة جاز أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليها العدة، لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام، فيلزمها أحكام الإسلام. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها أثر النكاح المتقدم وجبت إظهارا لخطره، ولا خطر لملك الحربي، ولهذا لا تجب العدة على المسبية. وإن كانت حاملا لم تزوج حتى تضع حملها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح النكاح، ولا يقربها زوجها حتى تضع حملها، كما في الحبلى من الزنا. وجه الأول أنه ثابت النسب، فإذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أما الآية فإن قَوْله تَعَالَى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] عام خص منه البعض، فيخص التنازع بما إذا اشترى الأمة مع زوجها لا يجوز للمشتري أن يطأها بالإجماع، مع وجوب ملك اليمين، فكذا إذا سبى الأمة وزوجها كان مسلماً، أو ذمياً لا يجوز للسابي وطأها مع وجود ملك اليمين، فلما كان البعض مخصوصاً، حملنا الآية على ما إذا سبيت المرأة وحدها، وحصل بين الزوجين تباين حكماً.
والجواب عن سبايا أوطاس: فإنهن كن سبين وحدهن، دون أزواجهن، فإن الرجال كانوا قد خرجوا للقتال، وخلفوا النساء، والذراري في الحصن، فلما انهزموا استولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحصن، وسبوا النساء دون الأزواج، وأوطاس اسم موضع بقرب مكة على ثلاث مراحل من مكة والله أعلم.

[عدة المهاجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام]
م: (وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة) ش: أي حال كونها مهاجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، سواء كانت مسلمة أو ذمية م: (جاز أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة) ش: إلا أن تكون حاملاً.
م: (وقالا: عليها العدة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: عليها أن تعتد، ولا يجوز لها التزوج إلا بعد العدة م: (لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام، فيلزمها حكم الإسلام) ش: لأنها حرة فارقت زوجها بعد الإصابة، فتلزمها العدة، كالمطلقة في دارنا، وبه قال جمهور العلماء.
م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي أن العدة م: (أثر النكاح المتقدم وجبت إظهاراً لخطره، ولا خطر لملك الحربي، ولهذا) ش: أي ولأجل أن ليس لملك الحربي خطر م: (لا تجب) ش: أي م: (العدة على المسبية) ش: بالاتفاق م: (وإن كانت) ش: أي المرأة المهاجرة المذكورة م: (حاملاً لم تزوج حتى تضع حملها) ش: للنص م: (وعن أبي حنيفة) ش: رواه عنه الحسن م: (أنه يصح النكاح، ولا يقربها الزوج حتى تضع حملها، كما في الحبلى من الزنا) ش: لا يصح الوطء حتى تضع حملها.
م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا تتزوج حتى تضع حملها م: (أنه ثابت النسب) ش: من الغير م: (فإذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا) ش: في باب النسب، كأم الولد حبلت من مولاها لا يتزوجها حتى تضع.

(5/246)


قال: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بغير طلاق، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق هو يعتبره بالإباء، والجامع بينهما ما بيناه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على ما أصلنا له في الإباء. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرق بينهما. ووجهه أن الردة منافية للنكاح؛ لكونها منافية للعصمة، والطلاق رافع، فتعذر أن تجعل طلاقا، بخلاف الإباء، لأنه يفوت الإمساك بالمعروف، فيجب التسريح بالإحسان على ما مر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ارتد أحد الزوجين عن الإسلام]
م: (قال: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام) ش: - والعياذ بالله تعالى - م: (وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: سواء دخل بها، أو لم يدخل، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق وإن كانت منها فهو كما قالا.
وفي " مغني" الحنابلة " إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم، وحكي عن داود الأصفهاني: أنه لا ينفسخ بالردة، وإن كانت الردة بعد الدخول فكذلك في أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وأبي حنيفة، ومالك، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر.
وفي الرواية الثانية: يقف على انقضاء العدة، وهو قول الشافعي، وإسحاق، ثم من المالكية من جعل الردة فسخاً، ومنهم من جعلها طلقة بائنة. ومنهم من جعلها طلقة رجعية. ومنهم من قال: لو أسلم يعود إلى زوجته كانت بغير طلاق ولا بفسخ، كما يعود المرتد إلى ماله، على المعروف من كل مذهب، وعند ابن أبي ليلى لا تقع الفرقة بالردة قبل الدخول وبعده، لكن يستتاب المرتد، فإن تاب فهي امرأته، وإن مات على الردة، أو قتل ورثته امرأته.
م: (هو) ش: أي محمد م: (يعتبره بالإباء) ش: أي يعتبر الردة بالإباء م: (والجامع بينهما ما بيناه) ش: وما ذكره قبل هذا قريباً من الورقة بقوله لها، أي بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه، فينوب القاضي منابه في التسريح، فكذلك بالردة امتنع عن الإمساك، فناب القاضي منابه م: (وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء) ش: وهو أن الفرقة سبب يشترك فيه الزوجان، فلا يكون طلاقاً كالفرقة بسبب الملك، وهذا ينتقض بالخلع.
م: (وأبو حنيفة فرق) ش: أي بين الإباء والردة م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن الردة منافية للنكاح لكونها) ش: أي لكون الردة م: (منافية للعصمة) ش: لبطلان العصمة عن نفسه، وإملاكه بها فيترك ملك النكاح بها، ولأنها موت حكماً م: (والطلاق رافع) ش: للنكاح، وليس بمناف له م: (فتعذر أن تجعل طلاقاً بخلاف الإباء، لأنه يفوت به الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان على ما مر) ش: لأن الإباء امتناع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته على الإسلام، فينوب القاضي منابه في التسريح.

(5/247)


ولهذا تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء، ولا تتوقف بالردة، ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها، وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها لا مهر لها، ولا نفقة، لأن الفرقة من قبلها. قال: وإذا ارتدا معا، ثم أسلما معا فهما على نكاحهما استحسانا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل؛ لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتهما ردة أحدهما. ولنا ما روي أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بتجديد الأنكحة، والارتداد منهم واقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: توضيح لكون الردة منافية للطلاق دون الإباء، أي لأجل ذلك م: (تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء) ش: أي على حكم الحاكم؛ لأنها ليست للمنافاة، فتوقف حكمه على القضاء م: (ولا تتوقف) ش: على القضاء م: (بالردة) ش: لأن النافي لا يتوقف حكمه على القضاء كالمحرمية م: (ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها) ش: بالنص م: (وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، ولا نفقة؛ لأن الفرقة من قبلها) ش: فلذلك يسقط المهر، والنفقة كالناشزة لا نفقة لها.
م: (قال ارتدا معاً) ش: أي ارتد الزوجان معاً م: (ثم أسلما معاً فلهما نكاحهما استحساناً) ش: أي من الاستحسان م: (وقال زفر: يبطل) ش: وهو القياس وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد م: (لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتها ردة أحدهما) ش: إذا كانت منافية للنكاح، فردتها بالطريق الأولى.
م: (ولنا ما روي) ش: وهو وجه الاستحسان م: (أن بني حنيفة) ش: وهم حي من العرب م: (ارتدوا، ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بتجديد الأنكحة) ش: قال مخرج الأحاديث: هذا غريب. قال الأترازي: وجه الاستحسان ما روى أصحابنا في " المبسوط " وغيره أن بني حنيفة ارتدوا لمنع الزكاة، وبعث إليهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجيوش حتى أسلموا، ولم يأمرهم بتجديد الأنكحة، ولا أحد من الصحابة، وإجماعهم حجة يترك به القياس.
فإن قلت: من الجائز أنهم ارتدوا على التعاقب، فمن أين يعرف أنهم ارتدوا جميعاً، بل الغالب التعاقب في الردة، وهو الظاهر.
قلت: ترك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن تجديد الأنكحة دليل على عدم التعاقب؛ لأنه لو كان ارتدادهم على التعاقب لأمروا بتجديد الأنكحة، لأن السكوت عن الحق لا يليق بجنابهم.
م: (والارتداد منهم واقع معاً) ش: هذا جواب عما يقال: إن ارتداد بني حنيفة ما وقع جملة حتى يستقيم التعلق به، فأجاب بقوله: م: (والارتداد منهم) ش: أي من بني حنيفة م: (واقع) ش: منهم

(5/248)


معا لجهالة التاريخ. ولو أسلم أحدهما بعد الارتداد فسد النكاح بينهما، لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه مناف كابتدائها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جميعاً م: (لجهالة التاريخ) ش: لهيئة ارتدادهم، فيجعل كأنه وجد جملة كالغرقى، والحرقى، والهدمى م: (ولو أسلم أحدهما) ش: أي أحد الزوجين المرتدين م: (بعد الارتداد) ش: قبل الآخر م: (فسد النكاح بينهما) ش: يعني تقع الفرقة بينهما بإجماع علمائنا م: (لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه) ش: أي لأن إصراره على الردة م: (مناف) ش: أي للنكاح م: (كابتدائها) ش: أي كإفسادها، حتى لا يجب لها شيء إن كان المسلم هو الزوج قبل الدخول.
وإن كانت هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق، وإن وجد الدخول فلها المهر كاملاً في الوجهين؛ لأن المهر يستقر بالدخول، ويصير ديناً في ذمة الزوج، والديون لا تسقط بالردة، وعند زفر والشافعي ومالك وأحمد: إسلام أحدهما لا يؤثر في الفرقة الواقعة بارتدادهما، والله أعلم.

(5/249)