البناية
شرح الهداية كتاب الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الطلاق]
[باب طلاق السنة]
[الطلاق الحسن والأحسن]
م: (كتاب الطلاق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الطلاق، وفي " المغرب ":
الطلاق مصدر بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم، والكلام بمعنى التكليم،
وهو مصدر طلقت زوجته بالفتح والضم.
وقال الأخفش: لا يقال بالضم، وامرأة طالق، وجاء طالقة، والطلق وجع الولادة،
من طلقت بضم الطاء فهي مطلوقة، إذا أخذها الطلق والوجع؛ طلق اللسان وطليقة،
والطليق الأسير إذا أطلق، وطلق امرأته تطليقًا وطلقت هي طلاقًا. ورجل طلاق
وطلقة، أي كثير الطلاق للنساء.
والطلاق لغة: رفع القيد، وشرعًا رفع قيد النكاح من أهله في محله.
وقيل الطلاق: عبارة عن حكم شرعي يرفع القيد للنكاح بألفاظ مخصوصة، وسببه
الحاجة المحوجة إليه. وشرطه كون المطلق عاقلًا بالغًا، والمرأة في النكاح
أو في العدة التي يحصل بها محلًا للطلاق، وحكمه زوال الملك عن المحل،
وأقسامه ما ذكر في الكتاب.
وإيقاع الطلاق مباح وإن كان متبغضًا في الأصل عند عامة العلماء، ومنهم من
يقول لا يباح إيقاعه للضرورة، وذلك إما كبر السن أو الربيبة، لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله كل ذواق مطلاق» وقال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير
نشوز فعليها لعنة الملائكة والناس أجمعين» .
وروى الترمذي من حديث ثوبان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة سألت زوجها من غير بأس فحرام عليها رائحة
الجنة» ، وقال: حديث حسن.
(5/280)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أيضًا عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«المختلعات هن المنافقات» .
المناسبة بين كتاب النكاح وكتاب الطلاق ظاهرة لأن النكاح قيد شرعي، والطلاق
رفعه، والمناسبة الخاصة بينه وبين الرضاع أن كلًّا منهما محرم.
(5/281)
باب طلاق السنة قال: الطلاق على ثلاثة
أوجه: حسن، وأحسن، وبدعي، فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في
طهر لم يجامعها فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي
العدة، وأن هذا أفضل عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة، ولأنه
أبعد من الندامة، وأقل ضررا بالمرأة ولا خلاف لأحد في الكراهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (باب طلاق السنة) ش: أي هذا باب في بيان طلاق السنة، وفي " المبسوط "
الطلاق نوعان: سني وبدعي، والسني نوعان: سني من حيث العدد، وسني من حيث
الوقت. والبدعي نوعان: بدعي يعود إلى العدد، وبدعي بمعنى يعود إلى الوقت،
والسني من حيث العدد نوعان: حسن وأحسن، أما المصنف ذكر كله مفرقًا على ما
تقف عليه.
م: (قال: الطلاق على ثلاثة أوجه: حسن وأحسن وبدعي، فالأحسن أن يطلق الرجل
امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، لأن
الصحابة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كانوا يستحبون أن لا يزيدوا
في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة) ش: أخرج هذا ابن أبي شيبة في " مصنفه
": حدثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يستحبون أن
يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض.
م: (وأن هذا) ش: أي الاقتصار على تطليقة واحدة م: (أفضل عندهم) ش: أي عند
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (من أن يطلق الرجل ثلاثًا
عند كل طهر واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (ولأنه) ش: أي ولأن إيقاع الواحدة
م: (أبعد من الندامة) ش: حيث أبقى لنفسه ممكنة التدارك، بأن يراجعها في
العدة، وبعدها بتجديد النكاح من غير تزوج آخر وإبقاء ممكنة التدارك مندوب
إلى الله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
[الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) .
م: (وأقل ضررًا بالمرأة) ش: حيث لم تبطل محليتها نظرًا إليه، لأن اتساع
المحلية نعمة في حقهن، فلا يتكامل ضرر الإيحاش.
م: (ولا خلاف لأحد في الكراهة) ش: أي لا خلاف في عدم الكراهة، يعني لم يقل
أحد بكراهة إيقاع الواحد، بخلاف الحسن، فإن فيه خلاف فيكون هذا حسن.
قلت: هكذا فسر الشراح كلهم هذا اللفظ، وظاهره يقتضي خلافه على ما لا يخفى
على المتأمل.
(5/282)
والحسن هو طلاق السنة، وهو أن يطلق المدخول
بها ثلاثا في ثلاثة أطهار. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه بدعة ولا
يباح إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق هو الحظر والإباحة لحاجة الخلاص، وقد
اندفعت بالواحدة. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها
لكل قرء تطليقة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والحسن هو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهار.
وقال مالك: إنه بدعة) ش: أي أن الطلاق المفرق على ثلاثة أطهار في المدخول
بها بدعة. وفي " المغرب ": البدعة اسم من ابتداع الأمر إذا ابتدأه وأحدثه،
ثم غلب على ما هو زيادة في الدين ونقصان منه.
وقيل البدعة: إحداث أمر لم يكن من عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - م: (ولا يباح إلا واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (لأن الأصل في
الطلاق هو الحظر) ش: أي المنع، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «تزوجوا ولا تطلقوا» رواه أبو داود.
م: (والإباحة) ش: أي إباحة الطلاق م: (لحاجة) ش: الناس إلى م: (الخلاص وقد
اندفعت) ش: أي الحاجة م: (بالواحدة) ش: أن بالطلقة الواحدة فلا يباح غيرها.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا - «إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالًا فتطلقها لكل قرء
تطليقة» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه من حديث يعلى بن منصور،
حدثنا شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال: «حدثنا عبد الله
بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها طلقتين أخرتين
عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فقال: " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله، قد أخطأت، السنة، والسنة أن تستقبل
الطهر وتطلق لكل قرء، فأمرني فراجعتها، فقال: " إذا طهرت فطلق عند ذلك أو
أمسك، فقلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا، أكان يحل لي أن أراجعها
فقال: " لا، كانت تبين منك، وكانت معصية» .
وذكره عبد الحق في " أحكامه " وأعله بعطاء الخراساني وقال: إنه أتى في هذا
الحديث بزيادات لم يتابع عليها وهو ضعيف في الحديث لا يقبل ما تفرد به.
ورواه الطبراني في " معجمه ". وقال " صاحب التنقيح ": عطاء الخراساني، قال
ابن حبان: كان صالحًا غير أنه كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فبطل الاحتجاج
وأحسن من هذا ما رواه النسائي بإسناده عن
(5/283)
ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو
الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر الخالي عن الجماع
فالحاجة كالمتكررة نظرا إلى دليلها، ثم قيل: الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى
آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة والأظهر أن يطلقها كما طهرت لأنه لو أخر
ربما يجامعها، ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع.
وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد، فإذا فعل
ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«عبد الله، قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة، وهي طاهرة من غير جماع، فإذا
حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة، فأخبر أنه طلاق السنة، وهي
سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
م: (ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة) ش: لا على حقيقة الحاجة، لأن تباين
الأخلاق وتنافر الطباع أمر باطن لا يمكن الوقوف عليها، فأقيم السبب الظاهر،
وهو الإمساك بالمعروف مقام دليل الحاجة م: (وهو الإقدام على الطلاق في زمان
تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع) ش:، لأنه زمان رغبة فيها طبعًا
وشرعًا، فلا يختار فراقها إلا لحاجة م: (فالحاجة كالمتكررة نظرًا إلى
دليلها) ش: أي دليل الحاجة، فأصل المعنى كلما تكرر جعل كأن الحاجة إلى
الطلاق تكررت، فأبيح تكرار الطلاق بالتفريق على الأطهار.
م: (ثم قيل: إن الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، احترازًا عن تطويل
العدة) ش: أشار بهذا إلى اختلاف المشايخ في الطلاق السني، فقال بعضهم
الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، لأنه إذا لم يؤخر تتضرر المرأة بكون
عدتها ثلاثة أطهار وثلاث حيض كوامل، فتطول عدتها لا محالة، وهو في الخلاصة
رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة.
م: (والأظهر أن يطلقها كما طهرت، لأنه لو أخرها ربما يجامعها) ش: لأن الطهر
زمان تجدد الرغبة م: (ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع) ش: أي إيقاع
الطلاق م: (عقيب الوقاع) ش: أي الجماع، فيكون الطلاق بدعيًّا، وإنما قال
المصنف والأظهر لأن محمدًا قال في الأصل، فإذا أراد أن يطلقها ثلاثًا طلقها
واحدة إذا طهرت من الحيض.
[طلاق البدعة]
م: (وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثة بكلمة واحدة، أو ثلاثًا) ش: أي أو يطلقها
ثلاث تطليقات م: (في طهر واحد، فإذا فعل ذلك) ش: أي الطلاق والتطليق بثلاث
تطليقات بكلمة واحدة، أي في طهر واحد م: (وقع الطلاق) ش: وبانت منه وحرمت
حرمة مغلظة م: (وكان عاصيًا) ش: لأنه ارتكب حرامًا، وقالت الظاهرية
والشيعة: لا يقع الطلاق في حالة الحيض، والثلاث بكلمة واحدة. وعند
الإمامية: لا يقع شيء أصلًا، وبه قال المريسي، وعند الزيدية منهم يقع
واحدة، ويزعمون أنه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «كان الطلاق على عهد
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدًا» وكذا في زمن أبي
بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -, وثلاثًا من مدة عمر - رضي
الله تعالى
(5/284)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل
طلاق مباح لأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به الحكم والمشروعية لا تجامع الحظر،
بخلاف الطلاق في حالة الحيض، لأن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه -، رواه البخاري ومسلم، وفي المغني: وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير
وعمرو بن دينار وأبو الشعثاء يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة، وقال
القاضي أبو يوسف: كان الحجاج بن أرطاة يقول: طلاق الثلاث ليس بشيء، قال
محمد بن إسحاق واحدة كقول الشيعة.
م: (وقال الشافعي كل الطلاق مباح) ش: وبه قال أبو ثور وداود الظاهري وابن
حبيب من المالكية وأحمد في رواية عند إرسال الثلاث مباح م: (لأنه) ش: أي
لأن الطلاق م: (تصرف مشروع حتى يستفاد منه الحكم) ش: بضم الدال لأنه حال،
أي مستفاد بالطلاق الحكم، وهو قوله م: (والمشروعية لا تجامع المحظور) ش:
وكل ما هو مشروع لا يكون محظورًا م: (بخلاف الطلاق في حالة الحيض) ش: هذا
جواب عما يقال كيف يصح العموم والطلاق في حال الحيض حرام، فأجاب بقوله:
بخلاف الطلاق في حالة الحيض.
م: (لأن المحرم) ش: بكسر الراء المشددة، أي المحرم للطلاق ويجوز فتحها بأن
يقال: إن المحظور م: (تطويل العدة عليها لا الطلاق) ش: أي لا نفس الطلاق
وتطويل العدة، كما إذا طلقها في حالة الحيض، لأن الحيض الذي وقع فيه الطلاق
ليس بمحسوب في العدة بالإجماع أو يلتبس أمر العدة عليها كما إذا طلقها في
طهر جامعها فيه، لأنا لا ندري أنها حامل فتعتد بالأقراء، أو حامل فتعتد
بوضع الحمل، والحاصل في هذه المسألة أن عندنا يعتبر في طلاق السنة التفريق
والوقت.
وعند مالك يعتبر الواحدة والوقت، وعند الشافعي يعتبر الوقت، ولا يلتفت إلى
العدد، والشافعي يستدل أيضًا بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، وهذا لأنه
مطلق، فيتناول الجمع والتفريق بما «روي عن عويمر العجلاني أنه لما لاعن
امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إن أمسكتها فهي طالق ثلاثًا» فلم ينكر عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إيقاع الثلاث جملة "، وهذا الحديث متفق عليه، وبما
ورد عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه طلق
امرأته تماضر في مرض الموت، وبما روي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا - «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني وبت وقت
طلاقي» ولم ينكر متفق عليه. وبما روي من حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل
إليها بثلاث تطليقات.
والجواب عن الآية قد خص عنها الطلاق حالة الحيض والطلاق في طهر جامعها فيه
فيخص المتنازع، وهو الجمع. والجواب عن حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وما شابه أنه محمول على خلاف السنة، بأن قال:
أنت طالق للسنة، لأنه أليق بحالهم أن يعملوا
(5/285)
ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه
من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية والإباحة للحاجة
إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث وهي في المفرق على الأطهار ثابتة
نظرا إلى دليلها، والحاجة في نفسها باقية فأمكن تصوير الدليل عليها
والمشروعية في ذاته من حيث إنه إزالة الرق لا تنافي الحظر لمعنى في غيره،
وهو ما ذكرناه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على وفاق الكتاب والسنة، ولأن تقليد الصحابي ليس بحجة عنده، فكيف يحتج بفعل
الصحابي علينا. والجواب عن حديث رفاعة أنه ليس فيه طلقها ثلاثًا بكلمة
واحدة، ويجوز أن يكون مفرقًا على الأطهار. والجواب عن حديث فاطمة بنت قيس "
أن زوجها أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس
بتطليقة كانت بقيت من طلاقها " رواه مسلم.
م: (ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به
المصالح الدينية) ش: من تحصين الفرج عن الزنا المحرم في جميع الأديان م:
(والدنيوية) ش: من السكن والازدواج واكتساب الولد، وكل ما هو كذلك ينبغي أن
لا يجوز وقوعه في الشرع م: (والإباحة للحاجة إلى الخلاص) ش: يعني إباحة
الطلاق إنما كانت للحاجة إلى الخلاص عن عهدة المرأة م: (ولا حاجة إلى الجمع
بين الثلاث) ش: لحصول الخلاص بما دونه.
م: (وهي في المفرق على الأطهار ثابتة) ش: هذا جواب عما يقال، فكما لا حاجة
إلى الجمع بين الثلاث، فكذا لا حاجة إلى المتفرق على الأطهار. فأجاب بقوله:
وهي أي الحاجة إلى الجمع بين الثلاث، إذ لا حاجة إلى الطلاق المتفرق ثابتة
م: (نظرًا إلى دليلها) ش: وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو
الطهر والحكم يدار على دليل الحاجة لكونها أمرًا باطنًا كما تقدم.
م: (والحاجة في نفسها باقية) ش: هذا جواب عما يقال دليل الحاجة إنما يقام
مقام الحاجة فيما يتصور وجودها، وهاهنا لا يتصور، لأن الحاجة إلى الخلاص عن
عهدة الطلاق في الطهر الثاني والثالث مع ارتفاع النكاح بالأولى. فأجاب
بقوله: والحاجة في نفسها أي في ذاتها باقية م: (فأمكن تصوير الدليل عليها)
ش: لأن الإنسان قد يحتاج إلى جهة باب النكاح لبنائه فيها، أو لحاجة أخرى.
م: (والمشروعية في ذاته) ش: هذا جواب عن قوله: والمشروعية لا يجامع الحظر،
فأجاب بقوله: والمشروعية في ذاته م: (من حيث إنه إزالة الرق) ش: أي إزالة
قيد النكاح م: (لا تنافي الحظر لمعنى في غيره) ش: تقريره أن يقال يجوز أن
يكون الطلاق باعتبار قطع النكاح المسنون محظورًا في جامع المشروعية،
كالصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع في وقت النداء، فإنهما مشروعان بذاتهما
محظوران لغيرهما، ولا منافاة لاختلاف الجهة، فلم يلزم من إثبات المشروعية
انتفاء الحظر م: (وهو ما ذكرناه) ش: من فرق المصالح الدينية والدنيوية.
(5/286)
وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة
لما قلنا. واختلفت الرواية في الواحدة البائنة. قال في الأصل: إنه أخطأ
السنة، لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي البينونة وفي
الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا
والسنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في العدد
يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، وقد ذكرناها، والسنة في الوقت
تثبت في المدخول بها خاصة، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأن
الداعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر
الخالي عن الجماع. أما زمان الحيض فزمان النفرة وبالجماع مرة في الطهر تفتر
الرغبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا) ش: أنه لا حاجة إلى
الجمع بين الثلاث م: (واختلفت الرواية) ش: عن أصحابنا فيما إذا طلق الرجل
امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة بائنة.
م: (قال في الأصل) ش: أي " المبسوط " في كتاب الطلاق: م: (إنه أخطأ السنة)
ش: فيكره م: (لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي) ش: أي الصفة
الزائدة م: (البينونة) ش: لأن الحاجة إلى الطلاق للحاجة، ولا حاجة إلى صفة
زائدة.
م: (وفي الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزًا) ش: أي في الحال،
وقال الأترازي: ينبغي أن يقول: وفي " زيادات الزيادات "، لأن محمدًا -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه المسألة فيها لا في " الزيادات "، فيحتمل أنه
وقع سهوًا من الكاتب، أو يحتمل أنه إنما قال كذلك، لأن " زيادات الزيادات "
من تتمة الزيادات "، كأنها مسألة الزيادات.
[السنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت وسنة
في العدد]
م: (والسنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في
العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، وقد ذكرناها) ش: يعني في
أول الباب يعني أن السنة في الطلاق من حيث العدد أن يطلقها واحدة، ويترك
حتى تنقضي عدتها، وإنما سمي الواحد عددًا تجوزًا، لأن أصل العدد ليس هو
بعدد حقيقة، لأن العدد ما يوازي نصف حاشيته عن بعد سواء، وليس للواحد إلا
حاشية واحدة.
م: (والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة) ش: قال الشافعي ومالك
وأحمد: والخلوة كالدخول عندنا في حكم العدد ومراعاة وقت السنة في الطلاق
لأجل العدد مقام الخلوة فيه أيضًا مقام الدخول، كذا في " المبسوط " م: (وهو
أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأن الداعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على
الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر الخالي عن الجماع، أما زمان الحيض
فزمان النفرة، وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة) ش: فلم يكن فيها دليل
الحاجة، لقيامه مقامه، وقال الكاكي: قوله في طهر واحد لم يجامعها فيه، ولم
يسبق طلاق في حيض ذلك الطهر لم يكن الطلاق في ذلك سنيًّا، وإن لم يجامعها
فيه، وكذا لو وطئها حالة الحيض، لم يكن
(5/287)
وغير المدخول بها يطلقها في حالة الطهر
والحيض، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقيسها على المدخول بها. ولنا
أن الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقل بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها.
وفي المدخول بها تتجدد بالطهر. قال: وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو
كبر فأراد أن يطلقها ثلاثا للسنة طلقها واحدة، فإذا مضى شهر طلقها أخرى،
لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض، قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
[الطلاق: 4] (4: الطلاق) ،
والإقامة في حق الحيض خاصة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطلاق فيه سنيًّا في الذخيرة والزيادات.
م: (وغير المدخول بها يطلقها في حالة الطهر والحيض، خلافًا لزفر) ش: فإنه
يكره طلاقها في الحيض م: (وهو) ش: أي زفر م: (يقيسها) ش: أي يقيس غير
المدخول بها م: (على المدخول بها. ولنا أن الرغبة في غير المدخول بها
صادقة) ش: لأن الرغبة فيها لا تعتبر بحيضها ورغبته بعد الحيض، كما كانت
قبله، لأن مقصوده لم يحصل منها، فكان إقدامه على الطلاق لحاجة إليه لنفرته
عنه ورغبته م: (لا تقل بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها) .
م: (وفي المدخول بها يتجدد) ش: أي الرغبة م: (بالطهر. قال: وإذا كانت
المرأة لا تحيض من صغر أو كبر، فأراد أن يطلقها ثلاثًا للسنة طلقها واحدة،
فإذا مضى شهر طلقها أخرى، لأن الشهر في حقها) ش: أي في حق الصغيرة والكبيرة
التي لا تحيض م: (قائم مقام الحيض) ش: وكذا إذا كانت لا تحيض بالحمل عندنا
لأن الحامل لا تحيض، وعند الشافعي: وإن كانت الحامل تحيض فطلاقه في حالة
الحيض ليس ببدعة، وقال ابن ( ... ) من أصحابه: بدعة، ولا يتأتى هذا خلاف
الشافعي، لأن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة غير بدعة عنده، ولكن الأولى التفريق
على الأشهر، وفي الأشهر، وفي " البسيط ": ليس في طلاق الصغيرة والآيسة سنة
ولا بدعة، وبه قال أحمد، وكذا الحامل عندهم.
م: (قال الله عز وجل {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
[الطلاق: 4] (4: الطلاق) أورد هذه الآية الكريمة دليلًا على أن الأشهر تقوم
مقام الحيض في حق هاتين الطائفتين، قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ
يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي الصغائر اللاتي لم يبلغن، أو اللاتي بلغت بغير
حيض كذلك يعتدون بثلاثة أشهر، كذا في التيسير.
وعن العلامة حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنما قال: لم
يحضن، وما قال: لا يحضن، لأنه لو قال: لا يحضن يمكن أن لا ترى الحيض في هذا
الزمان، ويمكن أنها قد كانت رأت قبل هذا الزمان، فقال: لم يحضن، يعني لا
يرين أصلًا، وقَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]
(4: الطلاق) مبتدأ، وخبره محذوف، أي واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر.
م: (والإقامة في حق الحيض خاصة) ش: أي إقامة الشهر مقام الحيض خاصة، واحترز
به عن
(5/288)
حتى يقدر الاستبراء في حقها بالشهر وهو
بالحيض لا بالطهر، ثم إن كان الطلاق في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة،
وإن كان في وسطه فبالأيام في حق التفريق وفي حق العدة، كذلك عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يكمل الأول بالأخير، والمتوسطان بالأهلة،
وهي مسألة الإجارات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول بعض مشايخنا، حيث قالوا: الشهر في التي لا تحيض يقوم مقام الحيض والطهر
جميعًا، وإليه ذهب " صاحب الينابيع " وغيره، وقال شمس الأئمة: ظن بعض
أصحابنا أن الشهر في حق التي لا تحيض بمنزلة الحيض، والطهر في حق التي
تحيض، وليس كذلك، بل الشهر في حقها بمنزلة الحيض في حق التي تحيض م: (حتى
يقدر الاستبراء في حقها بالشهر) ش: أي في حق الأمة التي لا تحيض من صغر أو
كبر.
م: (وهو) ش: أي الاستبراء م: (بالحيض لا بالطهر) ش: وقال الكاكي وغيره:
اختلاف أصحابنا يظهر في حق إلزام الحجة على البعض بإجماعهم، لأن الاستبراء
يكتفي بالحيض، وعلى أن الشهر يقوم مقام الحيض، إذ التبع خلف الأصل بحاله لا
بذاته.
فإن قيل: لما قام الشهر مقام الحيض ينبغي أن يكون الطلاق الثاني في الشهر
الثاني في حالة الحيض.
قلنا: قد ذكرنا أن الخلف يتبع الأصل بحاله لا بذاته، وذات الشهر طهر،
والشهر أقيم الحيض في حكم خاص، وهو انقضاء العدة لا في جميع الأحكام، ألا
ترى أن الطلاق بعد الجماع في ذوات الأقراء حرام، والآيسة والصغيرة لا تحرم،
وكذا الطلاق الثاني.
م: (ثم إن كان الطلاق في أول الشهر) ش: يعني إن كان إيقاع الطلاق في أول
الشهر م: (تعتبر الشهور بالأهلة) ش: أي يعتبر الشهور القائمة مقام الحيض
بالأهلة كاملة كانت أو ناقصة م: (وإن كان) ش: أي الإيقاع م: (في وسطه) ش:
أي في وسط الشهر م: (فبالأيام) ش: أي فيعتبر بالأيام م: (في حق التفريق) ش:
أي في تفريق الطلاق على الأشهر بالإجماع، فيحتسب كل شهر ثلاثون يومًا في حق
إيقاع الطلاق.
م: (وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة) ش: لا يحكم بانقضاء العدة إلا بتمام
تسعين يومًا من وقت الطلاق م: (وعندهما يكمل الشهر الأول بالأخير) ش: أي
يكمل الشهر الأول بالشهر الأخير بالأيام م: (والمتوسطان بالأهلة) ش: أي
ويكمل المتوسطان وهما ما بين الأول والأخير بالأهلة، لأن الأصل في الأشهر
الأهلة م: (وهي مسألة الإجارات) ش: أي المسألة المذكورة مثل مسألة الإجارات
على الخلاف المذكور إذا استأجر دارًا شهورًا معلومة أو سنة في خلال الشهر،
فعند أبي حنيفة تكون السنة ثلاثمائة وستين يومًا، وعندهما يكمل الأول
بالأخير وما بينهما معتبر بالأهلة، وعلى هذا الأجل في البيع.
(5/289)
قال: ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها
وبين طلاقها بزمان. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفصل بينهما بشهر
لقيامه مقام الحيض. ولأن بالجماع تفتر الرغبة، وإنما تتجدد بزمان وهو
الشهر. ولنا أنه لا يتوهم الحبل فيها، والكراهية في ذوات الحيض باعتباره،
لأن عند ذلك يشتبه وجه العدة، والرغبة وإن كانت تفتر من الوجه الذي ذكر لكن
تكثر من وجه آخر، لأنه يرغب في وطء غير معلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: ويجوز أن يطلقها) ش: أي ويجوز أن يطلق الآيسة أو الصغيرة م: (ولا
يفصل بين وطئها وبين طلاقها بزمان) ش: يعني لا يشترط الفصل بشهر بين وطئها
وطلاقها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وأبي عبيد، وهو قول الحسن
وابن سيرين وطاوس وحماد بن سليمان وربيعة.
وقال شمس الأئمة: كان شيخنا يقول: هكذا إذا كانت الآيسة لا يرجى منها الحيض
والحبل، وأما إذا كانت صغيرة لا يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل الفصل بين
جماعها وطلاقها بشهر، ولا منافاة بينه وبين قول المصنف، لأن الأفضلية لا
تنافي الجواز.
م: (وقال زفر: يفصل بينهما بشهر لقيامه مقام الحيض) ش: فيمن تحيض، وفيها
يفصل بين طلاقها ووطئها بحيضة، فكذا هنا بشهر م: (ولأن بالجماع تفتر
الرغبة) ش: فكانت بمنزلة ذات الأقراء إذا جومعت في الطهر م: (وإنما تتجدد)
ش: أي الرغبة م: (بزمان) ش: فلا بد منه، وهو الشهر.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا يتوهم الحبل فيها) ش: أي في التي نحن
فيها من الآيسة والصغيرة م: (والكراهية) ش: أي كراهية الطلاق بعد الجماع م:
(في ذوات الحيض باعتباره) ش: أي باعتبار الحبل م: (ولأن عند ذلك) ش: أي
كراهية الطلاق بعد الجماع م: (في ذوات الحيض باعتباره) ش: أي باعتبار الحبل
م: (ولأن عند ذلك) ش: أي عند توهم الحبل م: (يشتبه وجه العدة) ش: أي وجه
عدتها، فلا يدري أنها حامل فتعتد بالقراء، أو حامل فتعتد بوضع الحمل.
م: (والرغبة وإن كانت تفتر من الوجه الذي ذكر) ش: هذا جواب عن قول زفر،
وإنما تتجدد الرغبة وإن كانت تفتر من وجه. فأجاب بقوله: والرغبة وإن كانت
تقل، من القلة من الوجه الذي ذكره زفر، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أي
من الوجه الذي ذكره الآن م: (لكن تكثر من وجه آخر) ش: أي ولكن تكثر الرغبة
من وجه آخر لا يقال إذا تعارض دليل كثرة الرغبة مع دليل فتور الرغبة،
يتساقطان لأنا نقول: لا يلزم من زوال كثرة الرغبة زوال أصل الرغبة فيكون
الإقدام على الطلاق في زمان الرغبة.
والذي يظهر لي أن المصنف أجاب عنه بقوله م: (لأنه يرغب في وطء غير معلق) ش:
أنه يترجح جهة الرغبة بكون الوطء غير معلق، بضم الميم وسكون العين المهملة
وكسر اللام،
(5/290)
فرارا من مؤن الولد، فكان الزمان زمان
رغبة، فصار كزمان الحبل
وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة، وزمان
الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق، أو يرغب فيها لمكان ولده منها،
فلا تقل الرغبة بالجماع. ويطلقها للسنة ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر،
عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وزفر: لا يطلقها للسنة إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق الحظر، وقد ورد
الشرع بالتفريق على فصول العدة والشهر في حق الحامل ليس من فصولها، فصار
كالممتد طهرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبالقاف من أعلق المرأة إذا أحبلها وثلاثية علق، يقال: علقته المرأة إذا
حبلت علوقًا م: (فرارًا) ش: أي لأجل الفرار م: (عن مؤن الولد) ش: بضم الميم
وفتح الهمزة جمع مؤنة م: (فكان الزمان زمان رغبة، فصار كزمان الحبل) ش: وفي
الذخيرة قيل: إذا كانت صغيرة يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل أن يفصل
بينهما بشهر.
[طلاق الحامل عقيب الجماع]
م: (وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة،
وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه) ش: أي لكون الوطء م: (غير معلق)
ش: أي غير محبل م: (أو يرغب فيها) ش: عطف على قوله في الوطء، والضمير يرجع
إلى الحامل يعني أن زمان الحبل زمن الرغبة في الوطء، لأنه في حالة الحبل
غير معلق، وهو زمان الرغبة في الحامل م: (لمكان ولده منها) ش: أي لأجل حصول
ولده من الحامل م: (فلا تقل الرغبة بالجماع) ش: لأن الولد داع إلى رغبة
الرجل في أمه، ولما كان زمان الرغبة لا يقع طلاقها عقيب الجماع.
م: (ويطلقها) ش: أي الحامل م: (للسنة ثلاثًا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند
أبي حنيفة وأبي يوسف) .
م: (وقال محمد وزفر: لا يطلقها للسنة إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق
الحظر، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية1) ، وقال ابن
عباس: أي الأطهار عدتهن، ففي ذوات الأقراء ترقب على الأقراء، وفي حق الآيسة
والصغيرة على الأشهر، لأن كل شهر فصل من فصول العدة في حقهن، كالقرء في
ذوات الأقراء م: (والشهر في حق الحامل ليس من فصولها) ش: أي من فصول العدة،
لأن مدة الحمل، وإن طالت فهي طهر وحيض واحد حقيقة وحكمًا، ألا ترى أن
انقضاء العدة لا يتعلق.
م: (فصار كالممتد طهرها) ش: فلا يكون محلًا لتفريق الثلاث، لأن شهورها وإن
امتدت فهو فصل واحد، ولا تفرق التطليقات فيه. وقال محمد: بلغنا عن ابن
مسعود وجابر بن عبد الله والحسن البصري أن الحامل لا تطلق أكثر من واحدة
للسنة، وقول الصحابي إذا كان فقيهًا يقدم على القياس، هكذا في " المبسوط "
وبقول محمد قال الشافعي ومالك وأحمد.
(5/291)
ولهما أن الإباحة لعلة الحاجة والشهر
دليلها، كما في حق الآيسة والصغيرة، وهذا لأنه زمان تجدد الرغبة على ما
عليه الجبلة السليمة، فصلح علما ودليلا، بخلاف الممتد طهرها لأن العلم في
حقها إنما هو الطهر، وهو مرجو فيها في كل زمان، ولا يرجى مع الحبل.
وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق، لأن النهي عنه لمعنى في
غيره، وهو ما ذكرناه فلا تنعدم مشروعيته، ويستحب له أن يراجعها لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الإباحة) ش: أي إباحة الطلاق
م: (لعلة الحاجة) ش: أي باعتبار الحاجة م: (والشهر دليلها) ش: أي دليل
الحاجة في حق الحامل م: (كما في حق الآيسة والصغيرة) ش: أي كما أنها دليل
الحاجة في حقهما، لأن مدة الحمل مدة كاملة، ولهذا يلزمها الحد وأحكام
العدة، فكانت كالشهور في حقهما م: (وهذا) ش: أي كون الشهر دليلًا في حق
الآيسة والصغيرة م: (لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (زمان تجدد الرغبة على ما
عليه الجبلة السليمة) ش: إنما قال هذا لأن الشخص ربما لا يرغب في المرأة في
أكثر من شهرين أو ثلاث بآفة عارضة في ذاته. أما الشخص السليم عن الآفة فلا
بد أن يجدد الرغبة في المرأة في شهر فصلح للشهر دليلًا على الحاجة.
م: (فصلح) ش: أي الشهر م: (أن يكون علمًا ودليلًا) ش: على وجود الحاجة
والحكم يدار على دليلها، فإذا وجد وجه على ما أبيح لأجله الطلاق، فيكون
نكاحًا مباحًا م: (بخلاف الممتد طهرها) ش: هذا جواب عن قياس قول محمد،
بيانه هو قوله م: (لأن العلم في حقها) ش: أي لأن العلم على الحاجة في حقها
م: (هو الطهر) ش: بعد الحيض، يعني تجدد طهر يعقبه الحيض م: (وهو) ش: أي
تجدد الطهر م: (مرجو فيها في كل زمان) ش: لأنه يمكن أن تحيض فتطهر، لأنها
ليست يائسة ولا صغيرة م: (ولا يرجى) ش: أي تجدد الطهر م: (مع الحمل) ش: لأن
الحامل لا تحيض، فإذا رأت دمًا لا يعتبر حيضها.
[طلق الرجل امرأته في حالة الحيض]
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق) ش: ويأثم بإجماع
الفقهاء، وعند الشيعة وابن علية وهشام بن الحكم والظاهرية لا يقع م: (لأن
النهي عنه) ش: أي عن الطلاق في حالة الحيض م: (المعنى في غيره، وهو ما
ذكرناه) ش: وهو تطويل العدة ولاشتباه أمر العدة أوصله بالتدارك م: (فلا
تنعدم مشروعيته) ش: لأن النهي إذًا لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية كما
عرف في الأصول، قيل: المراد بالنهي هاهنا المستفاد من ضد الأمر المذكور من
قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق:
الآية 1) ، أي لإظهار عدتهن. وقيل: المراد بالنهي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231)
.
م: (ويستحب) ش: أي للرجل الذي طلق امرأته في حالة الحيض م: (أن يراجعها) ش:
هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وقال محمد في " الأصل ":
وينبغي أن يراجعها م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
(5/292)
لعمر: «مر ابنك فليراجعها» ، وقد طلقها في
حالة الحيض، وهذا يفيد الوقوع والحث على الرجعة، ثم الاستحباب. وقول بعض
المشايخ. والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر رفعا للمعصية بالقدر الممكن
برفع أثره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لعمر - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مر ابنك فليراجعها) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة
الستة «عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه طلق
امرأته وهي حائض، فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ". م: (فإن
بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله
تعالى.»
وفي لفظ البخاري ومسلم «أنه طلق امرأته تطليقة واحدة وهي حائض» . قوله: مره
أي مر من أمر يأمر أمرًا، بهمزتين، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل
للاستثقال، واستغنى عن همزة الوصل فحذفت أيضًا، فصار مر على وزن عل والكاف
في قوله: ابنك خطابًا لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وابنه عبد الله.
م: (وقد طلقها) ش: الواو للحال، أي والحال أن ابن عمر قد كان طلق امرأته م:
(في حالة الحيض) ش: وكان طلقها واحدة كما في الذي ذكرناه م: (وهذا) ش:
إشارة إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فليراجعها " م:
(يفيد الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق إذ لا يتصور الرجعة بدون الوقوع م:
(والحث) ش: أي ويفيد الحث م: (على المراجعة) ش: أي على أن يراجعها.
م: (ثم الاستحباب) ش: أي استحباب الرجعة م: (وقول بعض المشايخ) ش: وبه قال
الشافعي وأحمد م: (والأصح أنه) ش: أي أن المراجعة أو الرجعة ذكر الضمير على
تأويل الرجوع م: (واجب عملًا بحقيقة الأمر) ش: لأن مطلق الأمر للوجوب
حقيقة. قال الأترازي: قال " صاحب الهداية " والأصح أنه واجب، ولأن فيه نظر
محمدًا لم يذكر في الأصل لفظ الوجوب، بل قال: ينبغي له أن يراجعها.
قال في " الأصل ": وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة، والطلاق
واقع عليها، فينبغي أن يراجعها، وشمس الأئمة نقل في " المبسوط " لفظ محمد
كذلك، ولم يذكر الوجوب، ثم قال الأترازي: نعم يحتمل أن تكون الرجعة واجبة،
لأن الأمر بالمراجعة مطلق، ومطلق الأمر يدل على الوجوب انتهى، قلت: أراد
الأترازي بقوله: التصرف فقط، إذ لا حاجة للتنظير فيه ولا للاعتذار بعد ذلك.
م: (ورفعًا للمعصية) ش: أي ولأجل رفع المعصية لأن إيقاع الطلاق في الحيض
معصية والسبيل في رفع المعاصي برفعها م: (بالقدر الممكن) ش: أي بقدر ما
أمكن كالبيع الفاسد، والنكاح الفاسد م: (برفع أثره) ش: أي يرفع أثر
المعصية، وذكر الضمير على تأويل العصيان والمعصية
(5/293)
وهو العدة، ودفعا لضرر تطويل العدة. قال:
فإذا طهرت وحاضت ثم طهرت فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، قال - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: وهكذا ذكر في " الأصل "، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الأولى. قال أبو الحسن
الكرخي ما ذكر الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكر في " الأصل " قولهما ووجه
المذكور في " الأصل " أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة، والفاصل هاهنا
بعض الحيضة، فتكمل بالثانية ولا تتجزأ، فتتكامل. وجه القول الآخر أن أثر
الطلاق قد انعدم بالمراجعة، فصار كأنه لم يطلقها في الحيض، فيسن تطليقها في
الطهر الذي يليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطلاق في حالة الحيض م: (وهو) ش: أي أثره هو م: (العدة) ش: أي أثر الطلاق
الذي هو سببه هو العدة م: (ودفعًا لضرر تطويل العدة) ش: أي ولأجل رفع الضرر
بطول العدة عليها يرفعها بالمراجعة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فإذا طهرت) ش:
أي بعد المراجعة م: (وحاضت ثم طهرت، فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها قال) ش:
أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكر في الأصل) ش: أي هكذا ذكر
محمد في " المبسوط "، لأنه قال فيه: فإذا طهرت من حيضة أخرى طلقها واحدة
قبل الجماع. وهذا يدل على أن الطهر الذي يقع في الطلاق هو الطهر الذي بعد
حيضة أخرى، لا الطهر بعد حيضة أوقع فيها الطلاق. قال المصنف: م: (وذكر
الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الأولى. قال أبو الحسن الكرخي
ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكره في الأصل قولهما) ش: أي قول أبي
يوسف ومحمد. وفي " الكافي ": هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وبه قال
الشافعي في المشهور عنه ومالك وأحمد، وما ذكره الطحاوي برواية عن أبي
حنيفة. وبه قال الشافعي في وجه.
م: (ووجه المذكور في الأصل أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة، والفاصل
هاهنا بعض الحيضة فتكمل بالثانية ولا تتجزأ) ش: أي الحيضة الثانية م:
(فتتكامل. وجه القول الآخر) ش: أراد به ما ذكره الطحاوي م: (أن أثر الطلاق
قد انعدم بالمراجعة، فصار كأنه لم يطلقها في الحيض، فيسن تطليقها في الطهر
الذي يليه) ش: أي يلي الحيض.
واعلم أن المصنف بين وجه القولين المذكورين بالمعاني الفقهية، ولم يرجع إلى
الحديث المروى في الباب، لأن كل واحدة من الروايتين مروية في الحديث. فروى
البخاري بإسناده إلى نافع «عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مر ابنك فليراجعها ... » الحديث، وقد
ذكرناه عن قريب، وهذا يدل على رواية الأصل. وروى الترمذي في " جامعه "
بإسناده إلى سالم «عن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: مره
فليراجعها»
الحديث.
(5/294)
ومن قال لامرأته: وهي من ذوات الحيض وقد
دخل بها، أنت طالق ثلاثا للسنة، ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة لأن
اللام فيه للوقت ووقت السنة طهر لا جماع فيه. وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة
أو عند رأس كل شهر واحدة فهو على ما نوى، سواء كانت في حالة الحيض أو في
حالة الطهر. وقال زفر: لا تصح نية الجمع لأنه بدعة وهي ضد السنة. ولنا أنه
يحتمل لفظه لأنه سني وقوعا من حيث إن وقوعه بالسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد ذكرناه أيضًا، وهذا يدل على رواية الطحاوي فلأجل التعارض بينهما لم
يذكرهما المصنف واكتفى بما ذكره في الكتاب.
[قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثًا للسنة ولا نية
له]
م: (ومن قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثًا للسنة
ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة) ش: هذا إذا لم يجامعها وهي طاهرة،
ولو جامعها فيه لا يقع حتى تحيض وتطهر إذا لم ينو شيئًا أو نوى عند كل طهر
تطليقة وعند الشافعي ورواية عن أحمد يقع الثلاث في الحال إذا لم يجامعها
وهي طاهرة. ولو جامعها في ذلك الطهر لا تطلق الثلاث حتى تحيض وتطهر، لأن
عنده لا سنة ولا بدعة في العدد حتى ولو نوى تفريق الثلاث على الأطهار لا
يقبل قوله في المشهور عنه. وعن بعض أصحابه يقبل وقال مالك: لا أعرف المباح
من الطلاق إلا واحدة، فيكون الثلاث بدعيًّا عنده، وقيد به وقد دخل بها لأن
غير المدخول بها تطلق ثلاثًا في الحال بالإجماع.
م: (لأن اللام فيه) ش: أي في قوله للسنة م: (للوقت) ش: بأن يستعار الوقت
فكأنه قال: وقت السنة م: (ووقت السنة) ش: في الطلاق م: (طهر لا جماع فيه)
ش: أي طهر خال عن الجماع.
م: (وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند رأس كل شهر واحدة فهو على ما نوى
سواء كانت) ش: أي تلك الساعة م: (في حالة الحيض أو في حالة الطهر. وقال
زفر: لا تصح نية الجمع لأنه) ش: أي لأن الجمع بين الثلاث م: (بدعة وهي) ش:
أي البدعة م: (ضد السنة) ش: والشيء لا يحتمل ضده، فقد نوى ما لا يحتمل لفظه
فيلغو.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الجمع م: (يحتمل لفظه) ش: وهو السنة من حيث الوقوع
م: (لأنه سني وقوعًا) ش: أي من حيث الوقوع م: (من حيث أن وقوعه) ش: أي وقوع
الثلاث جملة عرف م: (بالسنة) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من طلق
امرأته ألفًا بانت منه بثلاث، والباقي رد عليه» .
(5/295)
لا إيقاعا فلم يتناوله مطلق كلامه وينتظمه
عند نيته. وإن كانت آيسة أو من ذوات الأشهر وقعت الساعة واحدة وبعد شهر
أخرى، لأن الشهر في حقها دليل الحاجة كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما
بيننا.
وإن نوى أن يقع الثلاث الساعة، وقعن عندنا لما قلنا بخلاف ما إذا قال: أنت
طالق للسنة ولم ينص على الثلاث حيث لا تصح نية الجمع فيه لأن نية الثلاث
إنما صحت فيه من حيث إن اللام فيه للوقت، فيفيد تعميم الوقت ومن ضرورته
تعميم الواقع فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لا إيقاعًا) ش: لأن إيقاع الثلاث جملة مكروه م: (فلم يتناوله مطلق
كلامه) ش: لأن المطلق ينصرف إلى الكامل وذا في السني وقوعًا وإيقاعًا.
فإن قيل: الوقوع بدون الإيقاع محال لأنه انفعال فإذا صح الوقوع صح الإيقاع،
فكان سنيًّا وقوعًا وإيقاعًا، وليس كذلك. أجيب: بأن الوقوع لا يوصف
بالحرمة، لأنه ليس فعل مكلف، ولأنه حكم شرعي وهو لا يوصف بالبدعة، والإيقاع
يوصف بهما لكونه فعل المكلف، فكان أشبه بالسنة المرضية، فكذلك قال سني
وقوعًا.
م: (وينتظمه) ش: أي ينتظم الجمع م: (عند نيته) ش: لأنه سني من وجه، فكان
محتمل لفظ السنة، وفيه تشديد على نفسه على ذلك، فصح نيته كما لو قال: كل
مملوك لي حر لا يتناول المكاتب لقصور الملك يدًا. ولو نواه يصح ويعتق، وكذا
لو حلف لا يأكل لحمًا لا يتناول لحم السمك لقصوره في اللحمية، ولو نواه صح
ويحنث بأكله م: (وإن كانت آيسة أو من ذوات الأشهر) ش: يعني صغيرة مدخولًا
بها، فقال: أنت طالق ثلاثًا للسنة م: (وقعت الساعة) ش: بالنصب على أنها ظرف
م: (واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وبعد شهر أخرى) ش: أي يقع بعد شهر طلقة
أخرى م: (لأن الشهر في حقها دليل الحاجة) ش: كما تقدم وأن الشهر في حقها
قائم مقام الحيض م: (كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما بينا) ش: إشارة إلى
ما ذكر في التعليل قريبًا من ورقة بقوله: لأن الشهر في حقها قائم مقام
الحيض.
م: (وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة وقعن عندنا خلافًا لزفر لما بينا) ش:
إشارة إلى قوله: لأنه سني وقوعًا م: (بخلاف ما إذا قال: أنت طالق للسنة،
ولم ينص على الثلاث، حيث لا تصح نية الجمع فيه) ش: قيل: هكذا ذكر فخر
الإسلام، والصدر الشهيد، وصاحب " المختلفات "، وعلاء الأئمة السمرقندي م:
(لأن نية الثلاث إنما صحت فيه من حيث إن اللام فيه للوقت فيفيد تعميم
الوقت، ومن ضرورته تعميم الواقع) ش: أي ومن ضرورة تعميم الوقت الذي هو ظرف
الوقوع تعميم الواقع فيه م: (فيه) ش: أي يلزم من ضرورة تعميم الوقت يعمم
الواقع فيه أي في الوقت، لأنه جعل الوقت ظرفًا للواقع، وقد تكرر الظرف،
فيتكرر المظروف.
(5/296)
فإذا نوى الجمع بطل تعميم الوقت فلا تصح
نية الثلاث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإذا نوى الجمع، بطل تعميم الوقت) ش: فيبطل تعميم الواقع فيه، لأن
بطلان المقتضى يوجب بطلاق المقتضى م: (فلا تصح نية الثلاث) ش: بخلاف ما إذا
ذكر ثلاثًا، لأن الثلاث مذكور صريحًا، فتصح نيته. وقال الأترازي بعد قوله:
ومن ضرورة تعميم الواقع فيه: ولنا فيه نظر، لأن تعميم الوقت لا يستلزم
تعميم الواقع فيه ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق كل يوم ولم تكن له
نية لا تقع إلى طلقة واحدة عندنا، خلافًا لزفر، لأن الوقت عام كما ترى من
لفظ العموم، ولم يلزم منه عموم الواقع انتهى. ودفع نظره بأن المراد من
تعميم الوقت تعميم وقت السنة لا مطلق الوقت، فيلزم من تعميمه تعميم الواقع.
(5/297)
|