البناية شرح الهداية

فصل ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا، ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل من يقع طلاقه ومن لا يقع] [طلاق الصبي والمجنون والنائم]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل. لما ذكر طلاق السنة لأنه الأصل، وذكر ما يقابله من طلاق البدعة، شرع في بيان من يقع طلاقه ومن لا يقع.
م: (ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغًا عاقلًا) ش: وهذا بالإجماع م: (ولا يقع طلاق الصبي) ش: وفي " المغني " للحنابلة: إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه، وهو أكثر الروايات عن أحمد، واختاره أبو بكر والخرقي وابن حامد، وزعموا أن ذلك مروي عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي وإسحاق وروى أبو الحارث عنه إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين العشر إلى ثنتي عشرة. وفي " الجامع ": إذا كان الصبي مجبوبًا وفرق بينهما بالجب، يكون طلاقًا على المذهب، وإن لم يقع طلاق الصبي ومنهم من جعله فسخًا.
م: (والمجنون) ش: من جن الرجل وأجنه الله فهو مجنون، ولا تقل مجين، وقيل الفاصل بين المجنون والمعتوه والعاقل أن العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله، والمجنون ضده، والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء.
وقيل: المجنون من يفعل ما يفعله المجانين أحيانًا عن قصد، والعاقل ما يفعله المجانين أحيانًا لا عند قصد، على ظن الصلاح. والمعتوه يفعل ما يفعله المجانين عن قصد مع ظهور الفساد.
وفي " الصحاح " المعتوه: الناقص العقل. وفي " الذخيرة " من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعله المجنون.
م: (والنائم) ش: وفي " الذخيرة " وطلاق النائم غير واقع ولا موقوف وإن أجاز بعد ما انتبه ولو قال النائم أوقعت ما تلفظت به في النوم لا يقع. وفي " المحيط ". إن أجازه بعد بأن قال: أجزت الطلاق يقع م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» هذا حديث غريب، وذكر المصنف أيضًا في الحجة لكن بلفظ المعتوه عوض المجنون.
وأخرج الترمذي عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله»

(5/298)


ولأن الأهلية بالعقل المميز وهما عديما العقل، والنائم عديم الاختيار، وطلاق المكره واقع خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار، وبه يعتبر التصرف الشرعي، بخلاف الهازل، فإنه مختار في التكلم بالطلاق؛ ولنا: أنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته فلا يعرى عن قضيته دفعا لحاجته اعتبارا بالطائع، وهذا لأنه عرف الشرين واختار أهونهما وهذا آية القصد والاختيار إلا أنه غير راض بحكمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا من حديث عطاء، وهو ضعيف ذاهب الحديث وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا يجوز طلاق الصبي وفي " شرح الطحاوي "، ولو أن الصبي والمجنون طلق امرأته لم يقع طلاقه، وكذا المغمى عليه ( ... ) والمدهوش والنائم والمعتوه، والذي يشرب الدواء مثل البنج ونحوه فتغير عقله إذا طلق واحد من هؤلاء زوجته لم يقع طلاقه م: (ولأن الأهلية بالعقل والتميز وهما) ش: أي الصبي والمجنون م: (عديما العقل والنائم عديم الاختيار) ش: وشرط التصرف الشرعي إنما هو بالاختيار م: (وطلاق المكره واقع) ش: وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال الشعبي وابن جبير والنخعي والزهري وسعيد بن المسيب وشريح القاضي وأبو قلابة عبد اله بن زيد الجرمي التابعي الكبير، وقتادة والثوري م: (خلافًا للشافعي) ش فإنه يقول: لا يقع طلاق المكره، وبه قال مالك وأحمد، ويروى عن ابن عباس، وابن عمر وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ومن التابعين الحسن وعطاء والضحاك.
م: (هو) ش: أي الشافعي م: (يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار وبه) ش: أي وبالاختيار م: (يعتبر التصرف الشرعي) ش: ولا اعتبار في التصرف إلا باختيار م: (بخلاف الهازل، فإنه مختار في التكلم بالطلاق) ش: واستدل الشافعي أيضًا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه» .
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المكره م: (قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته) ش: أي في حال عقله وتمييزه وكونه مخاطبًا، وبالإكراه لا يخرج عن ذلك م: (فلا يعرى عن قضيته) ش: أي عن حكمه، لئلا يلزم تخلف الحكم عن علته م: (دفعًا لحاجته) ش: أي لحاجة المكره وحاجته أن يتخلص عما توعد به من القتل والجرح ونحو ذلك م: (اعتبارًا بالطائع) ش: وفي وقوع طلاقه دفعًا لحاجته م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله والطلاق م: (لأنه عرف الشرين واختار أهونهما) ش: أي أهون الشرين وهو الطلاق م: (وهذا آية القصد) ش: أي علامة القصد م: (والاختيار) ش: وهذا جواب عن قوله: الإكراه لا يجامع الاختيار م: (إلا أنه) ش: أي غير أن المكره م: (غير راض بحكمه) ش: الضمير يرجع إلى إيقاع الطلاق وحكمه وقوع الطلاق وهذا جواب عما يقال: لو كان المكره مختارًا لما كان له اختيار فسخ العقد الذي باشره مكره من البيع والشراء والإجارة وغيرها وليس

(5/299)


وذلك غير مخل به كالهازل.
وطلاق السكران واقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك. وتقريره أنه غير راض بحكمه م: (وذلك) ش: أي عدم الرضى بحكم الطلاق م: (غير مخل) ش: أي بحكمه م: (كالهازل) ش: فإنه يقع طلاقه مع عدم الرضى بوقوعه.
وأصحابنا استدلوا أيضًا بما روي عن علي وابن عباس وابن مسعود أنهم قالوا: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي. وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أيضًا الذي رواه الترمذي وقد ذكرناه. والجواب عن الحديث الذي استدل به الشافعي أنه لا حجة له لأن التجاوز والعفو عن الطلاق والعتاق لا يصح لأنه غير مذنب فلم يدخل تحت الحديث.

[طلاق السكران]
م: (وطلاق السكران واقع) ش: وكذا يصح إعتاقه وخلعه، وبه قال الشافعي في المنصوص والأصح، وهو قول الثوري ومالك وأحمد في رواية وفي " المبسوط " المنصوص للشافعي جديدًا وقديمًا وقوع طلاق السكران، ونص في الظهار على قولين، فمنهم من نقل من الظهار قولًا إلى الطلاق، ومعظم العلماء صاروا إلى وقوع طلاق السكران. وفي " المغني ": وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي وميمون بن مهران والحكم وشريح وسليمان بن يسار ومحمد بن سيرين وابن شبرمة وسليمان بن حرب وابن عمر وعلي وابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال قتادة، وحميد، وجابر بن زيد، وابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز والحسن بن حميد.
وقال ابن حزم: أجاز مالك جميع تصرفاته الأربعة لقول أصحابنا وروى ابن وهب عنه أنه يجوز طلاقه دون نكاحه. وقال صاحب مطرف بن عبد الله لا يلزمه شيء من تصرفاته الأربعة، الطلاق والعتق والقتل والقذف. وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع طلاقه، وبه قال طاوس والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة وعبد الله بن الحسن والليث بن سعد وإسحاق وأبو ثور والمزني وأبو سليمان وابن شريح وأبو طاهر الزيادي وأبو سهل الصعلوكي وابن سهل من الشافعية وزفر بن هذيل وأبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي وقال عثمان البتي: لا يلزمه منه عقد ولا بيع ولا نكاح ولا حد إلا حد الخمر فقط.
وقال الليث: لا يلزمه شيء بقوله، وأما ما عمل بيده من قتل أو سرقة أو زنى فإنه يقام عليه. وفي الذخيرة ": طلاق السكران واقع إذا سكر من الخمر والنبيذ، ولو أكره على الشرب فسكر أو شرب للضرورة فذهب عقله يقع طلاقه. وفي جوامع الفقه عن أبي حنيفة: يقع، وبه أخذ شداد ولو ذهب عقله بدواء أو أكل البنج لا يقع.
وذكر عبد العزيز الترمذي أنه قال: سئل أبو حنيفة وسفيان الثوري عن رجل شرب البنج فارتفع إلى رأسه فطلق، قالا: إن كان يعلم حين شرب ما هو؟ يقع وإلا لا يقع. ولو شرب الخمر ولم يوافقه فصعد منه فزال عقله وقع طلاقه. ولو سكر من الأنبذة المتخذة من الحبوب والعسل لا

(5/300)


واختيار الكرخي والطحاوي - رحمهما الله - أنه لا يقع وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل العقل، فصار كزواله بالبنج والدواء. ولنا: أنه زال بسبب هو معصية، فجعل باقيا حكما زجرا له،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقع طلاقه عندهما، وعند محمد يقع.
وفي الينابيع: لو سكر بالبنج والدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، كالنائم بخلاف ما لو شرب رأسه حتى زال عقله، فإنه لا ينفذ تصرفاته ولا يجعل عقله باقيًا، وإن كان زوال بمعصية لنذوره ولهذا لا يشرع فيه حد. ذكره في المحيط بخلاف زواله بالخمر ونحوه أي فاعتبر عقله باقيًا، ووجب عليه الفرائض زجرًا له.
م: (واختيار الكرخي والطحاوي أنه) ش: أي طلاق السكران م: (لا يقع وهو أحد قولي الشافعي لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل فصار كزواله بالبنج والدواء) ش:، أي كزوال العقل باستعمال البنج وشرب الدواء، فإن فيهما لا يقع الطلاق بالاتفاق. وكذا إذا أكل الأفيون أو شرب لبن الرمكة فسكر به، والبنج تعريب - بنك - قال في المغرب: وهو نبت له حب يسكر، وقيل: يثبت ورقه وقشره وبزره. وفي " القانون ": هو سم يخلط العقل ويبطل الذكر ويحدث جنونًا وخناقًا.
م: (ولنا أنه زال بسبب هو معصية فجعل) ش: أي عقله م: (باقيًا حكمًا زجرًا له) ش: أي عقوبة عليه. قيل في كلامه تسامح، لأنه جعل العقل زائلًا بالسكر وليس كذلك عندنا لأنه مخاطب ولا خطاب بلا عقل بل هو مغلوب.
وأجيب: بأن المغلوب كالمعدوم، فلذلك أطلق عليه الزوال. ويقال: ولئن سلمنا أنه زوال ولكنه حاصل بسبب هو معصية فلم يؤثر في إسقاط ما بني على التكليف، بل يجعل باقيًا زاجرًا وتنكيلًا، ألا ترى أنه ألحق بالصاحي في حق وجوب القصاص، وحد القذف حتى لو قتل أو قذف في هذه الحالة يجب القصاص وحد القذف، فلأن يلحق بالصاحي فيما لا يسقط بالشبهة أولى. واعترض بوجهين أن شرب المسكر كسفر المعصية فما بال السفر صار سببًا للتخفيف دون شرب المسكر. والثاني: أنه لما جعل العقل باقيًا في الطلاق حكمًا زاجرًا له كانت الردة والإقرار بالحدود أولى لأن الزجر والعقوبة هناك أتم.
وأجيب عن الأول: بأن الشراب نفسه معصية ليس فيه إن كان انفصال ولا جهة إباحة يصلح لإضافة التخفيف. وعن الثاني: بأن الركن في الردة الاعتقاد، والسكران غير معتقد لما يقول فلا نحكم بردته، لانعدام ركنها للتخفيف عليه بعد تقرر السبب، وأما الإقرار بالحدود فإن السكران لا يثبت على شيء مما أقر به، فيؤثر فيما يحتمل الرجوع.

(5/301)


حتى لو شرب فصدع وزال عقله بالصداع نقول إنه لا يقع طلاقه
وطلاق الأخرس واقع بالإشارة، لأنها صارت معهودة، فأقيمت مقام العبارة دفعا للحاجة، وستأتيك وجوهه في آخر الكتاب إن شاء الله. وطلاق الأمة ثنتان، حرا كان زوجها أو عبدا، وطلاق الحرة ثلاث، حرا كان زوجها أو عبدا. وقال الشافعي - رحمه لله -: عدد الطلاق معتبر بحال الرجال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حتى لو شرب فصدع وزال عقله بالصداع، نقول: إنه لا يقع طلاقه) ش: لأن حكمه يصير كحكم الإغماء.

[طلاق الأخرس]
م: (وطلاق الأخرس واقع بالإشارة) ش: إن كانت له إشارة تعرف في نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشرائه يقع استحسانًا، سواء قدر على الكتابة أم لا. وبه قال الشافعي ومالك لأنه يحتاج إلى ما يحتاج إليه الناطق، ولو لم يجعل إشارته كعبارة الناطق لأدى إلى الحرج وهو مدفوع شرعًا.
وقال شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": وإن كان الأخرس لا يكتب وكانت له إشارة في الأشياء التي ذكرناها فهو جائز استحسانًا، وفي القياس: لا يقع شيء من ذلك بإشارته لا يستبين من إشارة الأخرس حروف منظومة، فبقي مجرد قصد الإيقاع، وبهذا لا يقع. وإن لم يكن له إشارة معلومة تعرف ذلك منه أو يشك فيه فهو باطل، لعدم الوقوف على مراده.
وفي " الينابيع ": هذا إذا ولد أخرس أو طرأ عليه ودام، وإن لم يدم لم يقع طلاقه. وقال قتادة: يطلق ولي الأخرس ومثله عن الحسن البصري.
م: (لأنها) ش: أي لأن إشارة الأخرس م: (صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعًا للحاجة) ش: أي لأجل دفع حاجته م: (وستأتيك وجوهه) ش: أي وجوه طلاق الأخرس م: (في آخر الكتاب) ش: أي في آخر كتاب " الهداية " لا في آخر كتاب الطلاق.
م: (وطلاق الأمة ثنتان) ش: أنث الطلاق باعتبار التطليق م: (حرًا كان زوجها أو عبدًا. وطلاق الحرة ثلاث حرًا كان زوجها أو عبدًا) ش: وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رواه ابن حزم في " المحلى "، فقال: ولا يثبت ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقال الشافعي عدد الطلاق معتبر بحال الرجال) ش: والعدة بالنساء، وبه قال مالك في " الموطأ "، وعند أصحابنا عدة الطلاق معتبرة بالنساء وكذا العدة، وبه قال سفيان وأحمد وإسحاق. وثمرة الخلاف تظهر في حرة تحت عبد، أو في أمة تحت حر، ولا خلاف في حرة تحت حر أو في أمة تحت عبد، وقال السروجي: قال داود وهمام وقتادة ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وعكرمة ونافع وعبيدة السليماني ومسروق وحماد بن أبي سليمان والحسن بن جني والثوري والنخعي والشعبي: يطلق العبد الحرة ثلاثًا، وتعتد بثلاث حيض، ويطلق الحر الأمة

(5/302)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطلاق بالرجال والعدة بالنساء» ، ولأن صفة المالكية كرامة، والآدمية مستدعية لها، ومعنى الآدمية في الحر أكمل، فكانت مالكيته أبلغ وأكثر. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثنتين وتعتد بحيضتين، وعند الأئمة الثلاث مالك والشافعي وأحمد: يطلق الحر الأمة ثلاثًا وتعتد بحيضتين، ويطلق العبد الحرة ثنتين وتعتد بثلاث حيض، حرر ذلك الرافعي وصاحب " الأنوار " وابن حزم عنهم.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطلاق بالرجال والعدة بالنساء» هذا الحديث غريب مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفًا على ابن عباس، ورواه الطبراني في " معجمه " موقوفًا على ابن مسعود. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفًا على عثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وجه الاستدلال به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قابل الطلاق بالعدة على وجه يختص كل واحد منهما بجنس على حدة، ثم اعتبار العدة بالنساء من حيث القدر، فيجب أن يكون اعتبار الطلاق بالرجال من حيث القدر، وتحقيقًا للمقابلة.
وأشار المصنف إلى تعليله بقوله م: (لأن صفة المالكية) ش: أي كون الشخص مالكًا م: (كرامة، والآدمية مستدعية لها) ش: أي الكرامة بتكريم الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] (الإسراء: الآية 70) م: (ومعنى الآدمية في الحر أكمل) ش: فإن العبد يشتمل على جهة الآدمية والمالكية، ولهذا يباع في الأسواق كما تباع الدواب والثياب، وتجب القيمة في قتله، كما في البهيمة م: (فكانت مالكيته أبلغ وأكثر) ش: وقال الأكمل: فإن قلت: الدليل أخص من المدعي إذ المدعي أن الطلاق بالزوج حرًا كان أو عبدًا، والدليل يدل على أن الزوج إذا كان حرًا كان مالكًا.
قلت: إذا ثبت ذلك للحر ثبت للعبد لعدم القائل بالفصل.
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان» : ش: وهذا الحديث روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أخرجه الترمذي وابن ماجه.

(5/303)


ولأن حل المحلية نعمة في حقها وللرق أثر في تنصيف النعم، إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكامل عقدتان. وتأويل ما روى أن الإيقاع بالرجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أبو داود بعد أن أخرجه: هذا الحديث مجهول، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. ونقل الذهبي في " ميزانه " تضعيف مظاهر عن أبي عاصم النبيل ويحيى بن معين وأبي حاتم والرازي والبخاري، ونقل توثيقه عن ابن حبان.
قلت: التوثيق أقوى لأن الأصل في الراوي العدالة.
وأخرج ابن ماجه هذا الحديث عن ابن عمر مرفوعًا نحوه سواء، ورواه البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه " والدارقطني في سننه ". وقال الدارقطني: تفرد به عمر بن مسيب وهو ضعيف لا يحتج بروايته والصحيح ما رواه نافع وسالم عن ابن عمر من قوله، وأخرج الحاكم هذا من حديث ابن عباس، وقال: الحديث صحيح ولم يخرجاه. وقال ذلك بعد أن خرج حديث عائشة، وقال: مظاهر بن أسلم شيخ من البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا.
وجه الاستدلال بهذا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكر الأمة بلام التعريف ولم يكن ثمة معهود، فكان للجنس، وهو يقتضي أن يكون طلاق هذا الجنس اثنتين، فلو كان اعتبار الطلاق بالرجال لكان بعض الإماء ثنتين، ولم تبق اللام للجنس.
فإن قيل: يجوز أن يكون المراد بها الأمة تحت العبد علمًا بالحديثين.
أجيب: بأنه يقتضي أن تكون الهاء في عدتها عائدًا لها، فيكون تخصيصًا لها بكون عدتها حيضتين، إذ لا مرجع للضمير سواها، وليس كذلك، فإن عدة الأمة حيضتين سواء كان حرًا أو عبدًا بالاتفاق، وفيه نظر لجواز أن يكون من باب الاستخدام، ويكون المراد بالأمة أمة تحت عبد، والضمير عائد إلى مطلق الأمة. والجواب أن ذلك خطابية لا يجري في مقام الاستدلال.
م: (ولأن حل المحلية) ش: أي حل أن تكون المرأة محلًا للنكاح م: (نعمة في حقها) ش: أي في حق المرأة، لأنها تتوصل بذلك إلى دور النفقة والسكنى والازدواج وتحصين الفرج وغيرها م: (وللرق أثر في تصنيف النعم) ش: فيكون للحر أزيد منه للعبد ولا يملك العبد من التزوج أكثر من اثنتين، فكذا في حق النساء، فإنه لا يتزوج مع الحرة ولا بعد هذا، كأنه جواب عما يقال لما كان حل المحلية نعمة في حق الحرة وجب تنصيفه في حق الأمة بتطليقة ونصف، فأجاب بقوله م: (إلا أن العقدة) ش: أي التطليقة م: (لا تتجزأ) ش: أي لا يمكن تجزئتها م: (فتكامل عقدتين) ش: أي تطليقتين.
م: (وتأويل ما روى) ش: أي الشافعي م: (أن الإيقاع بالرجال) ش: يعني قوله الطلاق بالرجال

(5/304)


وإذا تزوج العبد امرأة بإذن مولاه وطلقها وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته، لأن ملك النكاح حق العبد فيكون الإسقاط إليه دون المولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي إيقاع الطلاق بالرجال، فإن قيل: هذا معلوم فلا يحتاج إلى ذكره.
أجيب: بل كان إلى ذكره حاجة لأن المرأة في الجاهلية إذا كرهت الزوج غيرت البيت، وكان ذلك طلاقًا منها، فرفع ذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطلاق بالرجال» .
م: (وإذا تزوج العبد امرأة بإذن مولاه وطلقها وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته، لأن ملك النكاح حق العبد فيكون الإسقاط إليه دون المولى) ش: لأن ملك النكاح من خواص الآدمية والعبد فبقي فيها على أصل الحرية، فكان يجب أن يملك النكاح بدون إذن مولاه، لكن لو قلنا به لتضرر المولى فتركناه.

(5/305)