البناية شرح الهداية

باب إيقاع الطلاق الطلاق على ضربين: صريح وكناية. فالصريح قوله: أنت طالق، ومطلقة، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي، لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره، فكان صريحا، وأنه يعقب الرجعة بالنص، ولا يفتقر إلى النية، لأنه صريح فيه، لغلبة الاستعمال. وكذلك إذا نوى الإبانة لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه. ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يديّن في القضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب إيقاع الطلاق] [أنواع الطلاق]
م: (باب إيقاع الطلاق) ش: (أي هذا باب في بيان إيقاع الطلاق. ولما ذكر أصل الطلاق ووصفه شرع في بيان تنوعه من حيث الإيقاع على ما يجيء بيانه مفصلًا إن شاء الله تعالى.
م: (الطلاق) ش: أي التطليق م: (على ضربين: صريح) ش: أي أحدهما: صريح وهو ما ظهر المراد به ظهورًا بينًا، بحيث يسبق إلى فهم السامع مراده م: (وكناية) ش: أي والثاني كناية وهي ما لا يظهر المراد منه إلا بنية. ثم الطلاق لا يقع بمجرد العزم والنية عند أئمة العرب وأصحابهم، وقال الزهري: يقع بمجرد العز والنية من التطليق.
م: (فالصريح قوله) ش: أي قول الرجل لامرأته م: (أنت طالق ومطلقة وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي) ش: أي الطلاق الرجعي م: (لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحًا وأنه يعقب الرجعة بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] (البقرة: 228) سماه بعلًا فدل على أن الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية.
فإن قلت: لفظ الرد يدل على زوال ملكه.
قلت: أطلق اسم الرد بعد انعقاد سبب زوال الملك، فيكون رد السبب من إثبات زوال الملك، ويكون فسخًا للسبب، ويطلق الرد على الفسخ كما يقال: رده بالعيب وأنه فسخ.
م: (ولا يفتقر إلى النية لأن صريح فيه لغلبة الاستعمال) ش: أي على الطلاق ولا دلالة على البينونة، وهذا بإجماع الفقهاء. وقال داود: يفتقر الصريح إلى النية لاحتمال غير الطلاق.
قلت: هذا الاحتمال مرجوح، فلا يعتبر نفي الاستعمال في الطلاق والنية في تعيين المبهم والإبهام فيه م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون معقبًا للرجعة م: (إذا نوى الإبانة) ش: بلفظ الصريح م: (لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه) ش: كالوارث إذا قتل مورثه يحرم الميراث، لأنه قصد تعجيل ما أخره الشرع.
م: (ولو نوى الطلاق عن وثائق) ش: بفتح الواو وكسرها لغتان، والأفصح الفتح، يعني لو نوى الطلاق عن قيد م: (لم يدين في القضاء) ش: يعني لم يصدق قضاء. وفي المغرب: قولهم

(5/306)


لأنه خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله. ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد وهو غير مقيد بالعمل. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص. ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا. قال: ولا يقع به إلا واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يدين أي يصدق م: (لأنه خلاف الظاهر) ش: أي لأن نية الطلاق عن وثائق خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء م: (ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه) ش: أي لأن كلامه م: (يحتمله) ش: والله مطلع على نيته م: (ولو نوى به) ش: بقوله طالق م: (الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد، وهو غير مقيد بالعمل) ش: بالتذكير. قال الأكمل: وهو قيد بتأويل الشخص أو الذات، وليس بشيء، بل الضمير يعود إلى القيد الذي يرفعه الطلاق وهو النكاح.
وقال الأترازي: وهو غير مقيد بالعمل بالنكاح فلا يصح بنية الطلاق عن العمل أصلًا، لا قضاء ولا ديانة. والمعنى أي الزوج غير مقيد المرأة بالعمل فلا تصح نية الطلاق عن العمل أصلًا.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن يدين فيما بينه وبين الله تعالى) ش: هذه رواية رواها الحسن عن أبي حنيفة م: (لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (يستعمل للتخليص) ش: فكان معناه أنت مخلصة عن العمل، وهذا إذا لم يصرح بذكره. أما إذا قال: أنت طالق من عمل كذا موصولًا صدق ديانة وقضاء رواية واحدة.
م: (ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقًا إلا بالنية، لأنها غير مستعملة فيها عرفًا، فلم يكن صريحًا) ش: إذا لم يكن صريحًا كان كناية لعدم الواسطة، والكناية تحتاج إلى النية. ولو قال بالطاء أي طالق لا يقع وإن نوى. ولو قال: أنت طالق من هذا القيد لم تطلق لأنه لم يرد به قيد النكاح.
ولو قال: أنت طالق ثلاثًا من هذا القيد طلقت ثلاثًا ولا يصدق في القضاء في ترك الطلاق لأنه لا يتصور رفع هذا القيد ثلاث مرات، وإنما يرتفع ثلاث مرات قيد النكاح.
وفي " الذخيرة ": لو قال: أنت طالق من قيد أو غل أو عمل ذكر هذه المسألة في موضعين، فأجاب في أحدهما: أن لا يقع في القضاء، وأجاب في الأخرى أنه يقع في القضاء. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لو قال: أنت طالق من هذا القيد أو من هذا العمل لم تطلق، وإن قال: ثلاثًا تطلق ثلاثًا كما تقدم.
م: (قال: ولا يقع به إلا واحدة) ش: هذا من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - متصل بقوله: فهذا يقع به الطلاق الرجعي: أي لا تقع بكل واحد من الألفاظ الثلاث المذكورة إلا واحدة.

(5/307)


وإن نوى أكثر من ذلك، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع ما نوى، لأنه محتمل لفظه. فإن ذكر الطالق ذكر للطلاق لغة؛ كذكر العالم ذكر للعلم، ولهذا يصح قران العدد به فيكون نصبا على التمييز. ولنا أنه نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان، وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد، لأنه ضده وذكر الطالق ذكر للطلاق هو صفة للمرأة لا الطلاق والطلاق هو تطليق، والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف، معناه طلاقا ثلاثا، كقوله: أعطيته جزيلا، أي عطاء جزيلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن نوى أكثر من ذلك) ش: كلمة إن واصلة بما قبله وهذا قول الحسن البصري وعمرو بن دينار والأوزاعي والثوري وأبي سليمان وأبي ثور.
م: (وقال الشافعي: يقع ما نوى) ش: من ثنتين أو ثلاث، وبه قال مالك، والليث وزفر وأحمد في رواية وهو مذهب الظاهرية، وهو قول أبي حنيفة الأول، ولم يرتضيه ورجع عنه، ذكره في " المبسوط ".
وفي " البدائع ": وهو غير ظاهر الرواية، م: (لأنه محتمل لفظه فإن ذكر الطالق) ش: يعني لفظ الطالق م: (ذكر للطلاق لغة) ش: لكون لفظ الطالق نعته وهو لا يتحقق بدون المشتق منه م: (كذكر العالم ذكر للعلم) ش: لأن ذكر النعت يقتضي وصفًا ثابتًا بالموصوف لغة، فإن ذكر العالم ذكر لعلم قام بالموصوف لا بالواصف.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه محتمل لفظه م: (يصح قران العدد به) ش: أي بقوله: أنت طالق م: (فيكون) ش: أي العدد م: (نصبًا على التمييز) ش: والتمييز من محتملات اللفظ لما صح التمييز.
م: (ولنا أنه) ش: أي قوله: أنت طالق م: (نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد) ش: أي النعت الفرد لا يحتمل العدد م: (لأن الضد لا يحتمل الضد، وذكر الطالق) ش: جواب عن قوله: فإن م: (ذكر الطالق ذكر للطلاق) ش: لغة، وتقديره بأن ذكر الطلاق م: (هو صفة للمرأة) ش: لأنه نعت من الثلاثي، وهو يدل على طلاق يكون صفة للمرأة م: (لا للطلاق) ش: يعني ليس بصفة الطلاق م: (هو تطليق) ش: يعني الطلاق الذي هو بمعنى التطليق كسلام بمعنى التسليم، ومحل النية هو الثاني لأنه فعل الرجل دون الأول لأنه وصف ضرورة تتصف به المرأة ليس بفعل الزوج، لكنه يقتضي الثاني تصحيحًا له، فكان ثابتًا ضرورة صحة الكلام مقتضى، ولا عموم له.
م: (والعدد الذي يقترن به) ش: جواب عن قوله: ولهذا يصح قران العدد به: تقريره أن العدد الذي يقرن، أي بقوله: أنت طالق م: (نعت لمصدر محذوف معناه طلاقًا ثلاثًا) ش: يعني أنت طالق طلاقًا ثلاثًا، فلا يدل على وقوع الثلاث إلا لمصدر المحذوف الموصوف بالثلاثة لا قوله: أنت طالق، ثم مثل لوقوع المصدر المحذوف المنعوت بقوله م: (كقوله) ش: أي كقول القائل م: (أعطيته جزيلًا أي عطاء جزيلًا) ش: فالذي دل على هذا، كثرة العطاء هو المصدر المحذوف المنعوت، لا

(5/308)


ولو قال: أنت الطلاق، أو أنت طالق الطلاق، أو أنت طالق طلاقا، فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة أو ثنتين فهي واحدة رجعية، وإن نوى ثلاثا فثلاث. ووقوع الطلاق باللفظة الثانية والثالثة ظاهر، لأنه لو ذكر النعت وحده يقع به الطلاق، فإذا ذكره وذكر المصدر معه وأنه يزيده وكادة أولى وأما وقوعه باللفظة الأولى فلأن المصدر قد يذكر ويراد به الاسم، يقال: رجل عدل: أي عادل، فصار بمنزلة قوله: أنت طالق، وعلى هذا لو قال: أنت طلاق يقع الطلاق به أيضا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله أعطيته لأنه لا يدل إلا على مجرد الإعطاء فافهم.

[قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقًا]
م: (ولو قال: أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقًا، فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة) ش: أي أو نوى بواحد من هذه الألفاظ الثلاث طلقة واحدة م: (أو اثنتين) ش: أي أو نوى طلقتين م: (فهي) ش: أي الطلقة بهذه الألفاظ طلقة م: (واحدة رجعية) ش: فوقع الطلاق بهذه الألفاظ ظاهرًا لأنها صريحة في الطلاق لغلبة الاستعمال فيه م: (وإن نوى ثلاثًا) ش: أي ثلاث طلقات طلقة م: (فثلاث. ووقوع الطلاق باللفظة الثانية) ش: وهو قوله أنت طالق الطلاق م: (والثالثة) ش: أي وقوع الطلاق باللفظة الثالثة، وهو قوله: أنت طالق طلاقًا م: (ظاهر) ش: بالرفع خبر لقوله ووقع الطلاق.
م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل م: (لو ذكرت النعت) ش: أي الصفة م: (وحده يقع به الطلاق فإذا ذكره) ش: أي فإذا ذكر النعت م: (وذكر المصدر معه) ش: أي مع النعت م: (وأنه) ش: أي والحال أن ذكر المصدر مع النعت م: (يزيده وكادة) ش: أي يزيد المصدر وكادة، أي تأكيدًا كقولك قمت قيامًا، وقعدت قعودًا، وقوله م: (أولى) ش: جواب إذا.
م: (أما وقوعه باللفظة الأولى) ش: وهو قوله أنت الطلاق م: (فلأن المصدر قد يذكر ويراد به الاسم، يقال: رجل عدل، أي عادل) ش: للمبالغة م: (فصار) ش: أي قوله: أنت الطلاق م: (بمنزلة قوله أنت طالق) ش: م: (وعلى هذا لو قال: أنت طلاق، يقع الطلاق به أيضًا) ش: لأنه بمعنى طالق، والخلاف في قوله أنت الطلاق صريح أو كناية، فعندنا ومالك والشافعي في قول صريح.
وقال الشافعي: أنها كناية، وبه أخذ القفال.
فإن قلت: أنت الطلاق لو كان بمنزلة أنت طالق لما صح فيه نية الثلاث، كما لا يصح في أنت طالق.
قلت: أجيب: بأن نية الثلاث إنما لا يصح في طالق، لأنه نعت فرد كما تقدم، وأما الطلاق فهو مصدر في أصله، وإن وصفت به يلمح فيه جانب المصدرية، وصحت نية الثلاث.
وقال الطحاوي في " مختصره ": فلو قال: أنت طالق لم يكن أكثر من واحدة وإن نوى أكثر منها، وفرق بينه وبين أنت الطلاق للتعريف، وليس ذلك بمشهور بين أصحابنا.

(5/309)


ولا يحتاج فيه إلى النية، ويكون رجعيا لما بينا أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه، وتصح نية الثلاث، لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة لأنه اسم جنس فيعتبر كسائر أسماء الأجناس، فيتناول الأدنى مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: إن الثنتين بعض الثلاث فلما صحت نية الثلاث، صحت نية بعضها ضرورة، ونحن نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسا حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية، أما الثنتان في حق الحرة عدد، واللفظ لا يحتمل العدد، وهذا لأن معنى التوحد مراعى في ألفاظ الوحدان، وذلك إما بالفردية أو الجنسية، والمثنى بمعزل منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا يحتاج فيه إلى النية، ويكون رجعيًا لما بينا، أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه، وتصح نية الثلاث لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة لأنه اسم جنس) ش: يتناول القليل والكثير م: (فيعتبر كسائر أسماء الأجناس فيتناول الأدنى) ش: وهو الواحد م: (مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها خلافًا لزفر) ش: فإنه يقول: يصح نية الثنتين وبه قال الشافعي ومالك.
م: (هو) ش: أي زفر م: (يقول: إن الثنتين بعض الثلاث، فلما صحت نية الثلاث) ش: بالإجماع م: (صحت نية بعضها ضرورة) ش: لأن المصدر يحتمل الواحدة والاثنين، ولهذا يصح أن يوصف به، فتصح النية، لأنه يحتمل لفظه.
ويقول زفر: قال مالك والشافعي م: (ونحن نقول) ش: يعني في جواب زفر م: (نية الثلاث إنما صحت لكونه جنسًا) ش: أي لكون الثلاث جنسًا للطلاق من حيث العددية م: (حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية في حقها) ش: لأن ذاك جنس طلاقها م: (أما الثنتان في حق الحرة عدد) ش: أي عدد محض لا واحد حقيقة، ولا واحد اعتبارًا م: (واللفظ) ش: أي لفظ الاثنين م: (لا يحتمل العدد) ش: لعدم صدق حد العدد عليه. م: (وهذا) ش: أي كون اللفظ لا يحتمل العدد م: (لأن معنى التوحد مراعى في ألفاظ الوحدان) ش: بضم الواو جمع واحد، قال الجوهري: الواحد أصل العدد، والجمع وحدان مثل شاب وشبان، ومراعاة التوحد إما باعتبار الذات كزيد وإما باعتبار النوع كرجل، وإما باعتبار الجنس كالحيوان، ولا تنوع في لفظ الطلاق. فلا بد من مراعاة التوحد فيه.
م: (وذلك) ش: أي مراعاة التوحد يكون بأحد الأمرين م: (إما بالفردية) ش: بطريق الحقيقة أو بطريق الاعتبار، وأشار إليه بقوله م: (أو الجنسية) ش: وهو بطريق الاعتبار كما قلنا إن صحة النية في الثلاث بقوله أنت طالق باعتبار أن الثلاث جنس طلاقها وهو واحد اعتبارًا عند تعدد الأجناس، فصحت النية بالثلاث باعتبار أن الثلاث واحد لا باعتبار أنها عدد م: (والمثنى بمعزل منهما) ش: أي الاثنان بمعزل من الفردية والجنسية، لأنه لم يوجد فيه معنى التوحيد لا بحسب الذات ولا بحسب الجنسية، ومعنى بمعزل بعيد عنه. وقال ابن دريد: يقال أنا عن هذا الأمر

(5/310)


ولو قال: أنت طالق الطلاق، وقال أردت بقولي طالق واحدة، وبقولي: الطلاق أخرى يصدق، لأن كل واحد منهما صالح للإيقاع، فكأنه قال: أنت طالق، وطالق فتقع رجعيتان. إذا كانت مدخولا بها، وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها، أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق، لأنه أضيف إلى محله، وذلك مثل أن يقول أنت طالق، لأن التاء ضمير المرأة، أو يقول: رقبتك طالق، أو عنقك طالق، أو رأسك طالق، أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك؛ لأنة يعبر بها عن جميع البدن، أما الجسد والبدن فظاهر، وكذا غيرهما. قال الله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: 92) وقال: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] (الشعراء: 4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بمعزل أي متنح.

[قال أنت طالق الطلاق وقال أردت بقولي طالق واحدة]
م: (ولو قال: أنت طالق الطلاق، وقال: أردت بقولي طالق واحدة، وبقولي الطلاق أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (يصدق لأن كل واحد منهما) ش: أي من قوله: طالق ومن قوله: الطلاق م: (صالح للإيقاع) ش: بإضمار أنت م: (فكأنه قال: أنت طالق وطالق فتقع رجعيتان) ش: أي طلقتان رجعيتان م: (إذا كانت مدخولًا بها) ش: وإن كانت غير مدخول بها ألغي الثاني، وهو قياس قول الشافعي.
وقال الأترازي: هكذا نقله في " شرح الجامع الصغير " عن الفقيه أبي جعفر، وذلك مروي عن أبي يوسف ومنعه فخر الإسلام البزدوي لأن طالق نعت وطلاقًا مصدره، فلا يقع إلا واحدة، وكذا في أنت طالق الطلاق.
م: (وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها) ش: أي إلى جملة المرأة مثل قوله: أنت طالق، لأن التاء ضمير المرأة م: (أو إلى ما يعبر به عن الجملة) ش: أي أو أضاف الطلاق إلى ما يعبر به عن الجملة مثل قوله: رقبتك طالق م: (وقع الطلاق لأنه أضيف إلى محله) ش: أي لأن الطلاق أضيف إلى محله وهي المرأة، لأن التاء ضمير المخاطبة وهي عبارة عن المرأة م: (وذلك) ش: إشارة إلى قوله: لأنه أضيف إلى محله.
م: (مثل أن يقول: أنت طالق لأن التاء ضمير المرأة) ش: وهي عبارة عنها كما ذكر م: (أو يقول) ش: بالنصب عطفًا على قوله أن يقول (رقبتك طالق أو عنقك طالق، أو رأسك طالق، أو روحك أو بدنك أو فرجك أو جسدك أو وجهك لأنه يعبر بها) ش: أي بهذه الألفاظ م: (عن جميع البدن أما الجسد والبدن فظاهر) ش: لأنهما عبارة عن جملة المرأة م: (وكذا غيرهما) ش: أي غير الجسد والبدن من الألفاظ المذكورة ظاهر. ثم شرع في بيان ذلك ويوضحه بقوله: (قال الله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ش: أي تحرير مملوك ولم يرد الرقبة بعينها م: (وقال الله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ش: (الشعراء: الآية4) وأراد بالأعناق الذوات، ولهذا لم يقل: خاضعة ولو

(5/311)


وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لعن الله الفروج على السروج " ويقال: فلان رأس القوم ويا وجه العرب، وهلك روحه بمعنى نفسه. ومن هذا القبيل الدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أريد بها حقيقة العنق لقيل خاضعة م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الفروج على السروج» وأراد بالفروج النساء، وهذا الحديث غريب جدًا.
وقال مخرج الأحاديث ولهذا بعد شيخنا علاء الدين حيث استشهد بحديث أخرجه ابن عدى في " الكامل " قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذوات الفروج أن يركبن السروج» فإن المصنف استدل بالحديث المذكور على أن الفروج هي الأعضاء التي يعبر بها عن جملة المرأة كالوجه والعنق بحيث يقع الطلاق باستناده إليه.
وحديث ابن عدي أجنبي عن ذلك، وأخرج ابن عدي أيضًا عن علي بن علي المزني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذوات الفروج أن يركبن السروج» ، وضعفه يعلى بن أبي علي، وقال: إنه مجهول.
م: (ويقال: فلان رأس القوم) ش: أي كبيرهم، وليس المراد به العضو، بل الشخص وكذا يقال: فلان أعتق كذا وكذا رأسًا، ويقال: أمري حسن ما دام رأسك سالمًا.
لكن هذا فيما إذا تكلم بإضافة الرأس: أما إذا قال: رأسك طالق والرأس منك طالق، ووضع يده على رأسها، وقال: هذا العضو منك طالق، فقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": لا يقع بشيء ووجهه أن لا يراد به الذات م: (ويا وجه العرب) ش: أي أنت وجه، لأن الاستعمال شائع بين العرب بقول بعضهم لبعض: يا وجه، ويريدون به الذات، وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي ذاته م: (وهلك روحه بمعنى نفسه) ش: أراد به الذات. وفي " الينابيع ": أي أن إضافة إلى العضو لا يبقى الإنسان بفقده يقع وإن كان يبقى بفقده ولا يقع، ومثله في العتق لا يبقى الإنسان بفقده وقيل يرد عليه القلب، قال المرغيناني: لا رواية في القلب.
وفي " المحيط ": وإن كان عضو لا يعبر به عن البدن لا يقع، وإن نوى ولو قال بعضك طالق ذكر شمس الأئمة السرخسي أنها لا تطلق، وذكر شمس الأئمة الحلواني أنها تطلق، وفي " الزيادات " لو قال: وبرك طالق لا يقع، وفي خزانة الأكمل: لو قال: إستك طالق يقع عند أبي يوسف كما لو قال فرجك.
وفي " الروضة ": لو قال: إستك طالق يقع ولم يحك خلافًا، ولا قول لأحمد، ولو قال: خرتك طالق، أو بلغمك أو ظفرك أو إصبعك أو شعرك لا يقع م: (ومن هذا القبيل الدم) ش: أي مما يعبر به عن جملة البدن الدم، بأن قال: دمك طالق أنه يقع في رواية هي رواية كتاب الكفالة،

(5/312)


في رواية، يقال: دمه هدر ومنه النفس وهو ظاهر، وكذا إن طلق جزءا شائعا منها مثل أن يقول نصفك طالق أو ثلثك طالق، لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره، فكذا يكون محلا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق، فيثبت في الكل ضرورة.
ولو قال: يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يقع، وكذا الخلاف في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإنه لو غل بدم الإنسان يصح وأشار في كتاب العتاق أن إضافة الطلاق إلى الدم لا تصح فإنه لو قال: دمك حر لا يعتق، وإنما قال من هذا القبيل لأن القدوري لم يذكر هذا.
م: (يقال دمه هدر) ش: يراد به أن نفسه هدر م: (ومنه) ش: أي ومن هذا القبيل م: (النفس وهو ظاهر) ش: لأن النفس عبارة عن الذات م: (وكذا) ش: أي وكذا يقع الطلاق م: (إن طلق جزءًا شائعًا منها مثل أن يقول: نصفك طالق أو ثلثك طالق لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره) ش:.
نحو الوصية م: (فكذلك يكون محلًا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق فيثبت في الكل) ش: أي يثبت الطلاق في كل المرأة م: (ضرورة) ش: أي لأجل الضرورة، وهو عدم إمكان التجزؤ.

[قال يدك طالق أو رجلك طالق]
م: (ولو قال: يدك طالق أو رجلك طالق، لم يقع الطلاق، وقال زفر والشافعي: يقع) ش: وبه قال مالك وأحمد. وفي السروجي: ولو أضاف الطلاق إلى يديها أو رجليها يقع عند بعض أصحابنا، بخلاف اليد الواحدة، وقال القاضي: الأشبه بمذهب أصحابنا أنه لو أراد باليد جميع البدن يقع.
وقال شمس الأئمة سبط بن الجوزي في " الإنصاف ": لو نوى باليد جميع البدن يقع م: (وكذا الخلاف) ش: أي بيننا وبين زفر والشافعي م: (في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن) ش: كالأصبع واليد والرجل، وقد بقيت أعضاء لم تذكر وهي الأذن والحاجب والأنف والخد والصدر والثدي والسن والكتف والخاصرة والجنب والركبة والقدم والرئة والمرارة وغيرها مما يشبهها، ويؤخذ حكمها مما تقدم.
وعند زفر والأئمة الثلاثة: يقع الطلاق في جميع ذلك إلا عند أحمد لا يقع في السن والظفر والشعر كقولنا، وفي البسيط: لا يقع بالإضافة إلى الجنين وفضلاتها كالبول والمني واللبن والمخاط والدمع والعرق، وفيه وجه أنه يقع إلا في الجنين، والدمع قيل كالفضلات ومنهم من قطع بالوقوع به وفي الأعضاء الباطنة كالكبد والرئة والقلب ونحوها يقع، وفي حياتها وروحها: يقع، وسمنها وشحمها تردد ولا حياة في الشحم، وفي الصفات كالحسن والقبح واللون لا يقع ولم يذكر الطول والعرض والقصر.

(5/313)


لهما أنه جزء مستمتع بعقد النكاح، وما هذا حاله يكون محلا لحكم النكاح فيكون محلا للطلاق فيثبت الحكم فيه قضية للإضافة ثم يسري إلى الكل، كما في الجزء الشائع، بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح لأن التعدي ممتنع إذ الحرمة في سائر الأجزاء تغلب الحل في هذا الجزء وفي الطلاق الأمر على القلب. ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو ظفرها، وهذا لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد، لأنه ينبئ عن رفع القيد، ولا قيد في اليد ولهذا لا تصح إضافة النكاح إليه، بخلاف الجزء الشائع، لأنه محل للنكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه، فكذا يكون محلا للطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي م: (أنه) ش: أي أن الجزء المعين م: (جزء مستمتع بعقد النكاح وما هذا حاله) ش: أي الذي يكون الاستمتاع بعقد النكاح حاله م: (يكون محلًا لحكم النكاح) ش: وكل ما كان الشيء محلًا للنكاح.
م: (فيكون محلًا للطلاق فيثبت الحكم) ش: أي حكم الطلاق م: (فيه) ش: أي في الاستمتاع م: (قضية للإضافة) ش: أي توقية لإضافة الطلاق فيه م: (ثم يسري إلى الكل) ش: أي إلى كل المرأة م: (كما في الجزء الشائع) ش: يسري إلى الكل م: (بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح) ش: هذا جواب عما يقال لو كان الجزء المعين محلًا لحكم النكاح، لانعقد النكاح إذا أضيف إليه، ثم يسري إلى الكل. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح.
م: (لأن التعدي) ش: أي السراية م: (ممتنع إذ لحرمة في سائر الأجزاء تغلب الحل في هذا الجزء) ش: فيمنع من السريان م: (وفي الطلاق الأمر على القلب) ش: يعني مضي الطلاق على غلبة الحرمة في هذا الجزء تغلب الحل في سائر الأجزاء.
م: (ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو) ش: يعني لا يقع م: (كما إذا أضافه) ش: أي الطلاق م: (إلى ريقها) ش: بأن قال: ريقك طالق م: (أو ظفرها) ش: بأن قال ظفرك طالق م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد لأنه) ش: أي الطلاق.
م: (ينبئ عن رفع القيد ولا قيد في اليد) ش: لأنه عبارة عن المنع مع القدرة عليه، واليد لا توصف بكونها قادرة عليه، فلا توصف بالقيد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم معنى القيد فيها م: (لا تصح إضافة النكاح إليها) ش: فلو قال: نكحت يدك وقبلت المرأة لا ينعقد النكاح م: (بخلاف الجزء الشائع لأنه محل النكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه) ش: أي إضافة النكاح إلى الجزء الشائع م: (فكذا يكون محلًا للطلاق) ش: وقد مر عن قريب.
فإن قيل: قد جاء في الآية والحديث أن اليد تطلق على كل البدن، قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]

(5/314)


واختلفوا في الظهر والبطن، والأظهر أنه لا يصح لأنه لا يعبر بهما عن جميع البدن.
وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلثها كانت طالقا تطليقة واحدة لأن الطلاق لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل، وكذا الجواب في كل جزء سماه لما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(المسد: الآية1) أي نفسه. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» فلم لا يقع الطلاق باعتبار أنه يعبر عن الكل. قلنا: قد ذكر في " الإسراء " " والمبسوط " أراد به صاحب اليد على حذف المضاف، وفي الآية أضاف الهلاك إلى اليد لأنه أراد رمي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحجر، فكان ذلك دليلًا على أن المراد به جميع البدن. ولو كان في عرف القوم عبارة عن البدن يقع الطلاق بإضافته إلى اليد. والطلاق يبنى على العرف، حتى لو لم يكن في بلاد ذلك العرف لا يقع. ولهذا لو طلق النبطي بالفارسية يقع، والعربي إذا تكلم به وهو لا يدري ما هو لم تطلق. وهو باب لا مناقشة فيه. م: (واختلفوا في الظهر والبطن) ش: يعني إذا قال ظهرك طالق أو بطنك طالق، لأن الظهر والبطن في معنى الأصل، إذ لا يتصور النكاح بدونهما، ويعبر بالظهر عن الكل كما يقال فلان يقوي ظهرك، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» م: (والأظهر أنه لا يصح الطلاق) ش: أي لا يقع الطلاق م: (لأنه لا يعبر بهما) ش: أي الظهر والبطن م: (عن جميع البدن) ش:. ولو قال: ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرًا.

[طلقها نصف تطليقة]
م: (وإن طلقها نصف تطليقة) ش: بأن قال: أنت طالق نصف تطليقة م: (أو ثلثها) ش: أي أو قال أنت طالق ثلث تطليقة م: (كانت طالقًا تطليقة واحدة لأن الطلاق لا يتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل) ش: هذا قول عامة العلماء. وقال ثقات القياس وربيعة الرأي لا يقع شيء بذلك النصف والجزء ثلث من ألف جزء من الطلاق م: (وكذا الجواب في كل جزء سماه) ش: يعني يقع واحدة، وذلك كالعفو عن بعض القصاص يكون عفوًا عن الكل م: (لما بينا) ش: وهو أنه لا يتجزأ وذكر بعضه كذكر كله. ولو قال: أنت طالق نصفي تطليقة يقع واحدة لأنه أوقع أجزاء تطليقة واحدة، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. ولو قال لموطوءته أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وربع تطليقة يقع ثلاث لأنه أوقع من كل تطليقة واحدة جزء، فإنه نكر التطليقة في كل كلمة، والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى، وفي غير الموطوءة يقع واحدة لأنها بانت بالأولى، كما لو قال: أنت طالق وطالق، ولو قال نصف تطليقة وثلثها وربعها يقع واحدة لأنه أضاف الأجزاء إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح.

(5/315)


ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثا لأن نصف التطليقتين تطليقة، فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تطليقتين تكون ثلاث تطليقات ضرورة. ولو قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان، لأنها طلقة ونصف فيتكامل. وقيل يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسها، فتصير ثلاثا. ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين فهي واحدة، ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الأولى: يقع ثنتان، وفي الثانية ثلاث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأولى لا يقع شيء، وفي الثانية تقع واحدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال بعض المشايخ: يقع ثنتان وبه قال الشافعي في أحد قوليه. ولو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة طلقت كل واحدة منهن تطليقة واحدة، وبه قال الشافعي. وكذلك بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع، إلا إذا نوى أن كل تطليقة بينهن جميعًا يقع على كل واحدة منهن ثلاث تطليقات، إلا أن التطليقتين. فإنه يقع على كل واحدة منهن تطليقتان، وإن قال بينكن خمس تطليقات ولا نية له طلقت كل تطليقتين، وكذا ما زاد إلى ثمان. فإن زاد من الثمان فقال تسع طلقت كل واحدة منهن ثلاثًا، فإن زاد على الثمان فكل واحدة منهن طالق ثلاثًا.

[قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين]
م: (ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثة. لأن نصف التطليقتين تطليقة، فإن جمع بين ثلاثة أنصاف تطليقتين تكون ثلاث تطليقات ضرورة) ش: وهذه من خواص " الجامع الصغير " وهو ظاهر م: (ولو قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان) ش: وهذا هو المنقول في " الجامع الصغير " عن محمد، وإليه ذهب الناطقي في الأجناس والعتابي في شرح " الجامع الصغير ".
وقال العتابي: هو الصحيح؛ م: (لأنها طلقة ونصف فيتكامل) ش: أي النصف فيصير تطليقتين. م: (وقيل: يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسها فتصير ثلاثًا) ش: أي ثلاث تطليقات. م: (ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة) ش: أي لو قال: أنت طالق ما بين واحدة م: (إلى ثنتين فهي واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان) ش: أي طلقتان م: (وهذا) ش: أي المذكور في الحكم م: (عند أبي حنيفة. وقالا في الأولى) ش: أي من المسألة الأولى م: (يقع ثنتان) ش: أي طلقتان م: (وفي الثانية) ش: أي في المسألة الثانية م: (ثلاث) ش: أي يقع ثلاث تطليقات.
م: (وقال زفر: في الأولى لا يقع شيء، وفي الثانية تقع واحدة) ش: هذا الكلام مشتمل على الغايتين فعندهما تدخل الغايتان وعند زفر لا يدخلان، وعند أبي حنيفة يدخل الابتداء دون الانتهاء - والقسم الرابع هو أن يدخل الانتهاء دون الابتداء ولم يقل به أحد، واختلفوا فيه؛ قال: من واحدة إلى واحدة، والصحيح أنه يقع واحدة ويلغو آخر كلامه، ذكره قاضي خان،

(5/316)


وهو القياس لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية كما لو قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط. وجه قولهما، وهو الاستحسان، أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف يراد به الكل، كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة. وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المراد بمثله الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين وما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعلل بأن الشيء الواحد حدًّا ومحدودًا، فيلغو آخر كلامه ويبقى قوله أنت طالق. وقال السروجي: فيه نظر لأن إلى واحدة نكرة، وهي غير الواحدة بالأولى فلا تكون الواحدة حدًا ومحدودًا.
ومن جوامع الفقه من واحدة إلى واحدة ولم يحك خلافًا، ومن واحدة إلى أخرى وإلى الثانية: واحدة عنده، وعندهما ثنتين ومن ثنتين إلى ثنتين اثنتان عندهما. وعنده ثلاث. في " المبسوط " ما بين واحدة إلى أخرى على قياس قول زفر لا يقع شيء. وعند أبي حنيفة يقع واحدة، وعندهما ثنتان. ومن واحدة إلى واحدة قيل على الخلاف وقيل تقع واحدة بالاتفاق، وتلغو الغاية وفيه ما بين واحدة إلى الثلاث أو من واحدة إلى الثلاث فهو واحدة في القياس، وبه قال زفر، وعندهما ثلاث وعند أبي حنيفة ثنتان.
م: (وهو القياس) ش: أي قول زفر هو القياس م: (لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية) ش: أي تحت الشيء التي تضرب له الغاية، وهو المعنى لأن الغاية إنما تذكر للفصل بينها وبين المضروب، فينبغي أن لا يدخل تحته ليحصل الفصل بينهما كما في الممسوحات، كذا في " جامع البرهاني " م: (كما لو قال: بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط) ش: لا يدخل الجدار في البيع.
م: (وجه قولهما) ش: أي وجه قول أبي يوسف ومحمد م: (وهو الاستحسان) . أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف) ش: أي في عرف الناس م: (يراد به الكل، كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة) ش: كان له أن يأخذ المائة، وكذا لو قال كل من الملح إلى الحلو يريد به تعميم الإذن، وكذا لو اشتر لي هذا العبد من مائة إلى ألف يكون له إذن بالشراء. بألف، إذ مطلق الكلام يحمل على المتعارف.
م: (وجه قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى - عنه أن المراد بمثله) ش: أي بمثل هذا الكلام بحسب العادة، وهو أيضًا يحتج بالعادة م: (الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر) ش: وهو ما بينهما م: (فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين أو ما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرناه) ش: يعني الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر. قال الأترازي: فيه نظر لأنه لا يتمشى من واحدة إلى ثنتين.
وأجيب: بأنه يتمشى أيضًا لأن الأكثر فيه الثلاث، والأقل فيه الواحد والأكثر من الأقل، والأقل من الأكثر الثنتان. وقيل هذا ليس بشيء، لأن قوله لأن الأكثر فيه يعني في الطلاق -

(5/317)


وإرادة الكل فيما طريقه طريق الإباحة كما ذكر، والأصل في الطلاق هو الحظر ثم الغاية الأولى لا بد أن تكون موجودة لتترتب عليها الثانية ووجودها بوقوعها بخلاف البيع لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع، ولو نوى واحدة يدين ديانة لا قضاء، لأنه محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في الأقل والأكثر من كلام المتكلم، والثلاث غير مذكورة فيه وقال الأكمل: قوله: أن المراد به الأكثر من الأقل إذا كان بينهما وذلك في قوله - من واحدة إلى ثلاث وقوله والأقل من الأقل معناه إذا لم يكن بينهما، وذلك كما في قوله من واحدة إلى ثنتين - وعلى هذا سقط الاعتبار، انتهى. وقد حاج أبو جعفر زفر حيث قال له كم سنك، فقال سني ما بين ستين إلى سبعين، فقال له أنت إذًا ابن تسع سنين، فتحير زفر. وقال فخر الإسلام حاج الأصمعي زفر على باب الرشيد، فقال له ما قولك في رجل قيل له ما سنك فقال ما بين ستين إلى سبعين أن يكون ابن تسع سنين. وقال: استحسن في مثل هذا ما ذكر لأبي يوسف ومحمد. وقال: الأترازي وجوابه أن المراد في العرف والعادة من قول الرجل سني ما بين العددين الذكورين، ولا شك أن العدد الذي بينهما أكثر من ستين، وما كان أكثر من ستين كيف يكون تسعة، ولا يصح سؤال الأصمعي، وكذا يقول زفر في قوله ما بين واحد إلى ثلاث أن المراد ما بين العددين، وهذا ما ساعد به خاطري زفر في هذا العلم.
م: (وإرادة الكل) ش: جواب عن قولهما يراد به الكل كما في قوله خذ من درهم إلى مائة، تقديره أن إرادة الكل م: (فيما طريقه طريق الإباحة كما ذكر) ش: أي أبو يوسف ومحمد في قوله خذ من مالي م: (والأصل في الطلاق الحظر) ش: فلا يراد الكل حتى لا ينسد باب التدارك.
م: (ثم الغاية الأولى) ش: جواب عن قول زفر، ووجهه أنه لا تدخل الغايتان، تقديره أن الغاية الأولى وهي الواحدة م: (لا بد أن تكون موجودة لتترتب عليها الثانية) ش: أي الغاية الثانية، لأنه لا ثانية إلا بعد الأولى م: (ووجودها بوقوعها) ش: حاصله أن القياس ما قاله زفر أن الغاية لا تدخل تحت المغيا، إلا أنه لا بد من إدخال الأولى، لأنه أوقع الثانية قبل الأولى، فدعت الضرورة إلى وجودها، ووجودها بوقوعها. أما إيقاع الثانية يصح بلا إيقاع الثالثة، فأخذنا فيه بالقياس.
م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قول زفر أن الحدين لا يدخلان في المحدود، كما في قوله بعت من هذا الحائط، فأجاب بقوله بخلاف البيع م: (لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع) ش: فلم تقع الضرورة إلى إدخال الغاية في المغيا، فبقيت الغاية خارجة عن المغيا على أصل القياس م: (ولو نوى واحدة) ش: يعني في قوله ما بين واحدة إلى ثلاثة، أو في قوله من واحدة إلى ثلاث م: (يدين ديانة) ش: يعني يصدق ديانة م: (لا) ش: يصدق م: (قضاء لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف الظاهر) ش: لما ذكرنا أن مثل هذا الكلام يستعمل لإرادة الأقل من الأكثر إلى آخره.

(5/318)


ولو قال: أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب، أو لم تكن له نية فهي واحدة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقع ثنتان لعرف الحسّاب وهو قول الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها، فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث، لأنه يحتمله، فإن حرف الواو للجمع، والظرف يجمع المظروف، ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة كما في قوله واحدة وثنتين، وإن نوى واحدة مع ثنتين تقع الثلاث، لأن كلمة (في) تأتي بمعنى (مع) كما في قَوْله تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر الآية: 29) أي مع عبادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية]
م: (ولو قال: أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية فهي واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وقال زفر تقع ثنتان لعرف الحساب) ش: بضم الحاء وتشديد السين جمع حاسب، يعني هو معروف عندهم أن واحدة في ثنتين ثنتان م: (وهو) ش: أي قول زفر م: (قول الحسن بن زياد) ش: ومالك والشافعي في وجه.
م: (ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب) ش: أي فيما ليس له طول وعرض وعمق، أما في الممسوحات يعني فيما له طول وعرض، يكون لبيان تكثير المضروب، فإنه لو زاد بالضرب في نفسه لم يبق أحد في الدنيا فقير لأنه يضرب ما مسكه من درهم في مائة ويضرب المائة في ألف، فيصير مائة ألف. وقال الأكمل: الغرض إزالة كسر يقع عن القسمة، فمعنى واحدة في ثنتين واحدة ذات جزأين. وقال الأترازي: وجه قول أصحابنا، والضرب أثره في تكثير أجزاء المضروب لا في زيادة العدد، والطلاق الذي له أجزاء كثيرة مثل الطلاق الذي له أجزاء قليلة، ولهذا لو قال: لها أنت طالق نصف تطليقة وسدسها وثلثها لم يقع إلا واحدة، وعلى هذا الخلاف إذا أقر وقال لفلان على عشرة دراهم في عشرة دراهم ونوى الحساب والضرب فعندنا يلزمه عشرة وعند زفر يلزمه مائة، إلا أن ينوي الواو أو مع، فحينئذ يلزمه جميع ذلك، ويحلف بالله ما أردت الإقرار بذلك كله إذا كان الخصم يدعيه.
م: (وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها) ش: كما لو قال: أنت طالق طلقة ونصفها وربعها وثمنها لم يقع إلا واحدة م: (فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لأنه يحتمله، فإن حرف الواو للجمع والظرف بجمع المظروف) ش: لأن بينهما اتصالًا م: (ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (كما في قوله واحدة وثنتين) ش: أي كما يقع واحدة في قوله لغير المدخول بها أنت طالق واحدة وثنتين.
م: (وإن نوى واحدة مع ثنتين) ش: يعني قوله أنت طالق واحدة في ثنتين م: (تقع الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لأن كلمة م: (في) ش: تأتي بمعنى م: (مع) ش: كما في قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر الآية: 29) م: (أي مع عبادي) ش: ويقال دخل الأمير في جنده، أي مع

(5/319)


ولو نوى الظرف تقع واحدة لأن الطلاق لا يصلح ظرفا فيلغو ذكر الثاني. ولو قال: اثنتين في اثنتين ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث، لأن قضيته أن يكون أربعا لكن لا مزيد في الطلاق على الثلاث. وعندنا الاعتبار للمذكور الأول على ما بيناه، ولو قال أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة يملك الرجعة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول؛ قلنا: لا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع في مكان وقع في الأماكن كلها. ولو قال: أنت طالق مكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد وكذلك لو قال: أنت طالق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جنده. وقال صاحب " الكشاف " لا تكون (في) بمعنى مع هاهنا، إذ لو نوى كذلك لما قيل وادخلي جنتي، وقال: على الحقيقة، أي ادخلي في جملة عبادي.
م: (ولو نوى الظرف تقع واحدة، لأن الطلاق لا يصلح ظرفًا) ش: لأن أحد العددين لا يصلح ظرفًا للآخر، وبين الظرف والمظروف من الهيئة فاستعير له، ولو نوى الظرف يقع واحدة، لأن الطلاق معنى فقهي لا يصلح أن يكون ظرفًا للغير م: (فيلغو ذكر الثاني، ولو قال اثنتين في اثنتين) ش: أي لو قال: أنت طالق اثنتين في اثنتين م: (ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان) ش: وبه قال الشافعي في الأظهر م: (وعند زفر ثلاث) ش: يعني يقع ثلاث طلقات، وبه قال الحسن ومالك والشافعي في وجه وأحمد م: (لأن قضيته أن يكون أربعًا) ش: بعرف الحساب م: (لكن لا مزيد في الطلاق على الثلاث، وعندنا الاعتبار للمذكور الأول على ما بيناه) ش: يعني أن الضرب في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب، وعلى هذا الخلاف مسائل الإقرار بأن قال عشرة في عشرة، أو درهم في دينار، أو كر حنطة في كر شعير لم يكن عليه إلا المذكور أولًا عندنا، إلا أن يقول الواو أو حرف مع فيلزمه جميع ذلك، فحلفه القاضي بأنه ما أراد الجمع إذا ادعى الخصم الجميع، كذا في " المبسوط ".
م: (ولو قال: أنت طالق من هنا إلى الشام) ش: قال الأترازي: الشأم بسكون الهمزة ناحية بلد. قلت: ليس كذلك بل هو اسم لصقع يجمع بلادًا كثيرة وأعظمها دمشق م: (فهي واحد يملك الرجعة. وقال زفر: هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول) ش: هذا التفصيل فيه نظر، فإنه لو قال: أنت طالق تطليقة واحدة ونص على الطول تقع رجعية عنده، فيحتمل أن يكون عنه روايتان في المسألة، ويحتمل أن يستفاد من قوله - هاهنا إلى الشأم - المبالغة في الطول والزيادة فيه. م: (قلنا: لا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع في مكان وقع في الأماكن كلها) ش: فلما خصه ببعض الأماكن يكون وصفًا له بالقصر، والطلاق لا يحتمل الطول والقصر حقيقة، وإنما يحتمل ذلك حكمًا، والقصر من حيث الحكم هو الرجعي.
م: (ولو قال أنت طالق بمكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد، وكذا لو قال أنت طالق

(5/320)


في الدار، لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان. وإن عني به إذا أتيت مكة يصدق ديانة لا قضاء، لأنه نوى الإضمار وهو خلاف الظاهر. وكذا إذا قال: أنت طالق وأنت مريضة، وإن نوى إن مرضت لم يدين في القضاء ولو قال: أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة لأنه علقه بالدخول. ولو قال أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل لمقارنته بين الشرط والظرف، فحمل عليه عند تعذر الظرفية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الدار، لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان لأن المطلقة في مكان مطلقة في كل مكان م: (وإن عني به) ش: أي وإن قصد بقوله: أنت طالق بمكة م: (إذا أتيت مكة يصدق ديانة) ش: يعني بينه وبين الله تعالى م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق في الحكم م: (لأنه نوى الإضمار م: (خلاف الظاهر) ش: فلا يصدق القاضي لما فيه نوع تخفيف على نفسه.
م: (ولو قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل، لأنه علقه بالدخول) ش: أي بقوله - إذا دخلت مكة - لا صريح بالتعليق فيعلق بالدخول م: (ولو قال: أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل) ش: أي يتعلق الطلاق بفعل الدخول م: (لمقارنته بين الظرف والشرط) ش: لأن الظرف يسبق المظروف، كما أن الشرط يسبق المشروط م: (فحمل عليه) ش: أي على الشرط م: (عند تعذر الظرفية) ش: لأن الفعل لا يصلح ظرفًا لأنه عرض فلا يقوم بنفسه فلا يصلح الدخول ظرفًا للطلاق. وفي " المبسوط " وكذا الحكم في ذهابك إلى مكان كذا أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل.

(5/321)


فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان ولو قال أنت طالق غدا، وقع عليها الطلاق بطلوع الفجر، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه، ولو نوى به آخر النهار يصدق ديانة لا قضاء لأنه نوى التخصيص في العموم وهو يحتمله لكنه يخالف الظاهر ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم فإنه يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به، فيقع في الأول في اليوم، وفي الثاني في الغد لأنه لما قال اليوم كان منجزا، والمنجز لا يحتمل الإضافة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان] [قال أنت طالق غدا]
م: (فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان) ش: أي هذا فصل في بيان حكم إضافة الطلاق إلى الزمان، ذكر هنا فصولًا مترادفة بحسب إضافة الطلاق وتنويعه وتشبيهه، وإضافة الطلاق تأخير حكمه عن وقت الحكم إلى زمان يذكر بعده بغير كلمة الشرط.
م: (ولو قال: أنت طالق غدًا وقع عليها الطلاق بطلوع الفجر، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه) ش: أي من الغد وهو طلوع الفجر، لأن الغد يتحقق في ذلك الوقت م: (ولو نوى به) ش: أي بقوله غدًا م: (آخر النهار يصدق ديانة) ش: أي لاحتمال كلامه ذلك م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق قضاء في الحكم.
م: (لأنه نوى التخصيص في العموم، وهو يحتمله) ش: أي يحتمل الخصوص فيصدق ديانة، كما لو قال لا أكل طعامًا ونوى طعامًا دون طعام م: (لكنه يخالف الظاهر) ش: لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أوله، وفيه تخفيف عليه فلا يصدقه القاضي.
ولقائل أن يقول العام ما يتناول أفراد متفقة الحدود ولفظ الغد ليس كذلك، وما يتوهم فيه من الطول والوسط، والآخر فهو من أجزائه لا من أفراده، وحينئذ لا تكون النية آخر النهار، فلا عموم ولا تخصيص. والجواب أن المراد الحقيقة والمجاز، فإن إطلاق لفظ الكل وإرادة الجزء مجاز لا محالة.
م: (ولو قال: أنت طالق اليوم غدًا، أو غدًا اليوم يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به) ش: أي تكلم به م: (فيقع في الأول) ش: أي في الوجه الأول، وهو قوله أنت طالق اليوم غدًا م: (في اليوم وفي الثاني) ش: وهو قوله أنت طالق غدًا اليوم.
م: (في الغد، لأنه لما قال اليوم كان منجزًا، والمنجز لا يحتمل الإضافة) ش: فكان قوله غدًا لغوًا، وبقولنا قال الشافعي، وحكي عنه في قوله أنت طالق غدًا اليوم وجهان، أصحهما، أنه لا يقع في الحال شيء ويقع واحدة غدًا، كقولنا. والثاني أن الحكم فيه كما لو قال أنت طالق اليوم غدًا.

(5/322)


ولو قال غدا كان إضافة، والمضاف لا ينجز لما فيه من إبطال الإضافة فلغا اللفظ الثاني في الفصلين. ولو قال أنت طالق في غد، وقال نويت آخر النهار دين في القضاء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يدين في القضاء خاصة، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، فصار بمنزلة قوله غدا؛ على ما بيناه، ولهذا يقع في أول جزء منه عند عدم النية، وهذا لأن حذف (في) وإثباته سواء، لأنه ظرف في الحالين. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نوى حقيقة كلامه، لأن كلمة (في) للظرف، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب وتعيين الجزء الأول ضرورة عدم المزاحم فإذا عين آخر النهار كان التعيين القصدي أولى بالاعتبار من الضروري، بخلاف قوله غدا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو قال: غدًا كان إضافة، والمضاف لا ينجز لما فيه من إبطال الإضافة، فلغا اللفظ الثاني في الفصلين) ش: في قوله أنت طالق اليوم غدًا، وقوله غدًا اليوم، فإن قيل لم لم يجعل غدًا ظرفًا لطلاق آخر.
وأجيب: بأنه يحتاج إلى تقدير أنت طالق، والأصل خلافه فلا يصار إليه في غير موضع الضرورة، وفيه نظر، لأن صون كلام العاقل عن الإلغاء نوع ضرورة، والأولى أن يقال وصفها بالطلاق اليوم وغدًا، وبالطلقة الواحدة يحصل هذا المقصود، فلا حاجة إلى غيرها، فعلى هذا كان كلامه مصونًا عن الإلغاء.
فإن قيل هذا لا يتم في الصورة الثانية وهو قوله أنت طالق غدًا اليوم، لأنه وصفها بالطلاق غدًا، والموصوف به غدًا لا يكون موصفًا به اليوم. أجيب: بأن إيقاع الثانية فيها مفض إلى المكروه، وهو إيقاع الطلقتين دفعة واحدة، لا ينتفي لإثباتها، فيكون الثاني لغوًا.
م: (ولو قال: أنت طالق في غد، وقال: نويت آخر النهار دين في القضاء عند أبي حنيفة، وقالا يدين في القضاء خاصة، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، فصار بمنزلة قوله غدًا على ما بيناه) ش: هو أنه تخصيص العموم، وهو خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء ويصدق ديانة، م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه وضعها بالطلاق في جميع الغد م: (يقع) ش: أي الطلاق م: (في أول جزء منه) ش: أي من الغد م: (عند عدم النية وهذا) ش: أي وقوع الطلاق في أول جزء منه عند عدم النية م: (لأن حذف م: (في) ش: وإثباته سواء لأنه ظرف في الحالين) ش: أي: الحذف والإثبات. م: (ولأبي حنيفة أنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأنه لما قال في الغد جعل الغد ظرفا م: (لأن كلمة م: (في) ش: للظرف، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب) ش: أي استيعاب المظروف، كقولنا: زيد في الدار يقتضي وجوده في جزء من أجزاء الظرف، وقد يشغل جميع المظروف، فكان كلامه محتملًا للوجهين م: (وتعيين الجزء الأول ضرورة عدم المزاحم، فإذا عين آخر النهار كان التعيين القصدي) ش: من المعين م: (أولى بالاعتبار من الضروري، بخلاف قوله غدًا) ش: يعني إذا قال غدًا بدون ذكر كلمة (في)

(5/323)


لأنه يقتضي الاستيعاب حيث وصفها بهذه الصيغة مضافا إلى جميع الغد نظيره إذا قال: والله لأصومن عمري، ونظير الأول: والله لأصومن في عمري، وعلى هذا الدهر وفي الدهر.
ولو قال: أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم لم يقع شيء لأنه أسنده إلى حالة معهودة منافية لمالكية الطلاق، فليلغو كما إذا قال أنت طالق قبل أن أخلق، ولأنه يمكن تصحيحه إخبارا عن عدم النكاح أو عن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج. ولو تزوجها أول من أمس وقع الساعة، لأنه ما أسنده إلى حالة منافية، ولا يمكن تصحيحه إخبارا أيضا، فكان إنشاء، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة. ولو قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء لأنه سنده إلى حالة منافية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه يقتضي الاستيعاب حيث وصفها) ش: أي وصف المرأة م: (بهذه الصيغة) ش: يعني بصيغة الطلاق حال كون الصيغة م: (مضافًا إلى جميع الغد) ش: فلا يصدق ديانة في نيته آخر النهار وقضاء، م: (نظيره) ش: أي نظير حكم هذا المذكور بدون ذكر كلمة في م: (إذا قال: والله لأصومن عمري، ونظير الأول) ش: وهو المذكور بكلمة (في) م: (والله لأصومن في عمري) ش: فإن الأول يتناول جميع عمره حتى لا يبر في يمينه إلا بصوم جميع العمر، وفي الثانية وهو قوله لأصومن في عمري يتناول ساعة من عمره، حتى لو صام ساعة يبر في يمينه م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى الحكم المذكور م: (الدهر وفي الدهر) ش: يعني لو قال لأصومن الدهر، أو قال لأصومن في الدهر، ففي الأول لا يبر حتى يصوم الدهر كله، وفي الثاني لو صام ساعة منه يبر في يمينه.

[قال أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم]
م: (ولو قال: أنت طالق أمس وقد تزوجها) ش: أي والحال أنه قد تزوجها م: (اليوم) ش: بالنصب، أي في اليوم الذي قال أنت طالق م: (لم يقع شيء، لأنه أسنده) ش: أي أسند كلامه م: (إلى حالة معهودة) ش: أي معلومة م: (منافية لمالكية الطلاق فيلغو) ش: كلامه فلا يقع شيء م: (كما إذا قال: أنت طالق قبل أن أخلق) ش: أو قبل أن تخلقي، ولا خلاف فيه للفقهاء، وذلك لأنه وصفها بالطلاق في وقت لم تكن هي في ملكه م: (ولأنه يمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح هذا الكلام م: (إخبارًا عن عدم النكاح أو عن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج) ش: أي: أو يكون إخبارًا عن كون هذه المرأة مطلقة بتطليق غيره من الأزواج، وهذا لا يستقيم إن كانت المرأة بكرًا أو ثيبًا بغير نكاح أو متوفى عنها زوجها، ولا يستقيم الكلام إلا في التعليل الأول، وهذا التعليل أيضًا في نفس الأمر تكرار، لأن عدم النكاح يصدق على هذا، فافهم. م: (ولو تزوجها أول من أمس وقع الطلاق الساعة، لأنه ما أسنده إلى حالة منافية، ولا يمكن تصحيحه إخبارًا أيضًا) ش: أي كما في المسألة السابقة، فلما لم يكن تصحيحه إخبارًا م: (فكان إنشاء، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة) ش: لأن الإنشاء إيجاب أمر لم يكن، والإيجاب في الماضي إنشاء في الحال فيكون طلاقًا في الحال. م: (ولو قال أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء، لأنه أسنده إلى حالة منافية) ش: لأنه أضاف الطلاق إلى زمان مناف للطلاق، لأنه لا وجود للطلاق قبل النكاح فلا يقع

(5/324)


فصار كما إذا قال: طلقتك وأنا صبي أو نائم أو يصح إخبارا على ما ذكرناه
ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك، وسكت طلقت؛ لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق وقد وجد حيث سكت، وهذا لأن كلمة " متى " و " متى ما " صريح في الوقت لأنهما من ظروف الزمان، وكذا كلمة " ما " للوقت، قال الله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم الآية: 31) ، أي وقت الحياة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: طلقتك وأنا صبي أو نائم) ش: لأنه أسنده إلى حالة غير معهودة، فلا يعتبر قوله في الإضافة.
م: (أو يصح إخبارًا) ش: يعني يجعل قوله أنت طالق، إخبارًا عن عدم النكاح قبل التزوج في قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك م: (فلا يقع) ش: أي فصار حكم هذا قبل أن أتزوجك لأن حقيقة الصفة للإخبار، وأمكن العمل بها فلا يجعل إنشاء م: (على ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله - لأنه يمكن تصحيحه إخبارًا عن عدم النكاح، وعن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج.

[قال أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك]
م: (ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت، لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق، وقد وجد حيث سكت) ش: وهذا باتفاق الفقهاء م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن كلمة " متى " و " متى ما " صريح في الوقت، لأنهما من ظروف الزمان) ش: إذا متى فإنها لمبهم في الوضع، ولكن لما كان الفعل يليها دون الاسم جعلت للشرط والإبهام فيما دخل عليه يعني بين أن يوجد وبين أن لا يوجد، فصحت المجازاة بها مع قيام معنى الوقت به، فإذا قال لامرأته أنت طالق متى لم أطلقك يقع الطلاق عقيب اليمين وجود وقت لم يطلقها فيه بعد كلامه ولم يقتصر على المجلس، لأنه باعتبار إبهام فيه يعم جميع الأزمنة، وأما متى ما فإنه أيضًا متى في الأصل، فزيدت فيه كلمة ما فإنها تستعمل للوقت لا محالة فترجحت جهة الوقت.
م: (وكذا كلمة ما) ش: أي تستعمل في الوقت كما ذكرناه. م: (قال الله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم الآية: 31) م: (أي وقت الحياة) ش: وقال الله تعالى حكاية عن عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أي مدة دوامي حيًا. قلت: شرطية أيضًا، قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] (فاطر الآية: 2) ، فينبغي أن لا تقع إلا إذا كانت للوقت دون الشرط، وهي تكون شرطية من غير وقت، وللوقت بلا شرط، بخلاف متى ومتى (ما) ، فإنها إذا كانت للمجازاة فلا ينفك عن الوقت.
فإذا قلت: متى القتال؟ كانت للاستفهام عن زمان القتال، وليس فيه شرط، وإذا قلت متى تقسم أقم معك كانت ظرفًا تضمنت معنى الشرط، وكذا متى ما.

(5/325)


ولو قال: أنت طالق إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، لأن العدم لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة، وهو الشرط كما في قوله: إن لم آت البصرة، وموتها بمنزلة موته، هو الصحيح. ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تطلق حين سكت، لأن كلمة إذا للوقت، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] (التكوير الآية1) : " وقال قائل:
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال أنت طالق إن لم أطلقك]
م: (ولو قال: أنت طالق إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، لأن العدم) ش: أي عدم التطليق م: (لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة، وهو الشرط) ش: أي اليأس عن الحياة هو الشرط، فإذا انتهى إلى الموت وقد وجد اليأس فوجد الشرط، والمحل قائم والملك باق، فوقع قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف باتفاق الفقهاء، ثم إن كان دخل بها فلها الميراث بحكم القرار عندنا خلافًا للشافعي، وإن لم يدخل بها فلا ميراث لها م: (كما في قوله: إن لم آت البصرة) ش: يعني كما إذا قال لها أنت طالق إن لم آت البصرة لا يقع الطلاق، حتى يقع الإياس عن الإتيان، فإذا انتهى إلى الوقت فقد وقع اليأس فوجد الشرط فوقع.
م: (وموتها بمنزلة موته) ش: أي موت الزوج يعني يقع الطلاق قبل موتها أيضًا م: (هو الصحيح) ش: احترازًا عن رواية النوادر، فإنه قال فيها لا يقع الطلاق بموتها، وفائدة وقوع الطلاق عليها بعد موتها أن لا يرث الزوج منها، لأنها بانت قبل الموت فلا تبقى بينهما واجبته عند الموت، وشرط التوريث هذا وقد عدم.
م: (ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (وقالا تطلق حين سكت) ش: وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن كلمة " إذا " للوقت، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] ش: (التكوير) استدلالهم بهذه الآية ضعيف، فإن إذا فيها للشرط، ولهذا أتى فيها بالجواب، وهو قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] (الانفطار: الآية 5) والشمس مرفوعة بالفاعلية رافعة فعل مضمر، تفسيره كورت بكذا، ذكره الزمخشري، ورفعه بالفاعلية مذهبه، وغيره يرفعه بالفعل المقدر أو المفسر على أنه مفعول ما لم يسم فاعله.
وقال قائل:
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... إذا يُحاسُ الحيس يدعى جندب
ولم يبين المصنف قائل هذا البيت من هو، وعزاه الكاكي إلى عنترة العبسي وليس بصحيح، وعزاه سيبويه إلى رجل من مذحج، وقال أبو رياش: قائله همام بن مرة أخو جناس بن مرة قاتل كليب، وزعم ابن الأعرابي أنه لرجل من بني عبد مناف قبل الإسلام بخمسمائة عام، وذكر هذا

(5/326)


فصار بمنزلة " متى " و" متى ما "، ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق إذا شئت لا يخرج الأمر من يدها بالقيام من المجلس كما في قوله متى شئت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تستعمل في الشرط أيضا. قال قائلهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأن البيت من قصيدة من الكامل مع بيان لغاتها وإعرابها في الكتاب الذي صنفته وسميته " بالمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية ". وقال الكاكي أول الشعر:
بل في القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتموا فأنا البعيد الأجنب
قلت: ليس كذلك، بل أوله:
يا ضمر أخبرني وليس بكاذب ... والقول ما فعل الذي لا يكذب
أمن السوية إن إذا استغنيتم ... وأمنتموا فأنا البعيد الأجنب
وإذا الشدائد بالشدائد مرة ... أسجتكم فأنا المحب الأقرب
ولجندب سهل البلاد وعذبها ... وإلى الملاح وحزنهن المجذب
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا وجدكم الصغار بعينه ... لا أم لي إذا كان ذاك ولا أب
عجبًا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم إلى تلك القضية أعجب
قوله: يا ضمر، أراد: " يا ضمرة؛ فرخم. قوله: أسجتكم - من السجأة إذا غضبه. قوله: الملاح - بضم الميم وبتشديد اللام - نبات الحمص، والحزن بالفتح: ما حزن من الأرض، وفيها غلاظة. قوله: وإذا يحاس الحيس - وهو تمر يخلط بسمن وأقط ثم يدلك حتى يختلط. قوله: وجدكم - الواو فيه للقسم، أي وحق حظكم ... وسعدكم. والصغار - بالفتح - الذلة.
م: (فصار) ش: أي إذا م: (بمنزلة متى ومتى ما) ش: يعني في عدم سقوط معنى الوقت عند استعماله شرطًا واستوضح كونه بمعنى متى بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه بمعنى متى م: (لو قال لامرأته: أنت طالق إذا شئت لا يخرج الأمر من يديها بالقيام من المجلس؛ كما في قوله: متى شئت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستعمل في الشرط أيضًا) .
م: (وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو) ش: الكوفيون يقولون: إن إذا قد تستعمل للشرط أيضًا، وقد تستعمل للوقت على السواء، وإذا كان بمعنى الشرط يسقط عنه معنى الوقت أصلًا كحرف أن، وهو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى، وعند البصريين حقيقة للوقت وللشرط يستعمل مجازًا ولا يسقط منه معنى الشرط م: (قال قائلهم) ش: أي قائل الجمع الذين قالوا: إنه

(5/327)


واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل
فإن أريد بها الشرط لم تطلق في الحال، وإن أريد بها الوقت طلقت فلا تطلق بالشك والاحتمال، بخلاف مسألة المشيئة؛ لأنه على اعتبار أنه للوقت لا يخرج الأمر من يدها، على اعتبار أنه للشرط يخرج، وكان الأمر بيدها، فلا يخرج بالشك والاحتمال، وهذا الخلاف فيما إذا لم تكن له نية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستعمل للشرط
واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل
ومعنى قوله: (وإذا تصبك) بالجزم، فلو كان لها الجزم لدخل الفاء في جوابه، وهو محتمل، والبيت لعبد قيس بن خفاق، وهو من الكامل من قصيدة مشهورة في المعلقات وما قبله
أبني إن أباك حارب يومه ... وإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
الله فاتقه وأوف ينذره ... وإذا حلفت مماريًا فتحلل
واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل
قوله: أبني: أي: يا بني. قوله: خصاصة؛ أي: مجاعة بالجيم، وهو أكل المر وهو الشحم المذاب، والمراد الاكتفاء والقناعة بأدنى شيء، لأنه إذا كانت مشتركة لم يجز استعمالها فيهما دفعة.
م: (فإن أريد بها الشرط لم تطلق في الحال، وإن أريد بها الوقت طلقت، فلا تطلق بالشك والاحتمال) ش: فإن قيل: النظر إلى الشرطية يقتضي بقاء النكاح والحل والنظر إلى الوقتية يوجب الطلاق والحرمة فاجتمعت الحرمة والحل، فينبغي أن ترجح الحرمة كما عرف. قلنا: هذا متروك في جميع صور التردد، فإنه لو شك في الانتقاض بعد الطهارة، فإن بقاءها يوجب إباحة الصلاة بالنظر إلى الانتقاض بحرم أداؤها، مع هذا لا يترجح الحرمة، وإن كان مبنى الصلاة على الاحتياط لأن الشك لا يحدث شيئًا، فلا يكون من قبيل تعارض دليل الحرمة من دليل الحل، كذا قيل.
م: (بخلاف مسألة المشيئة) ش: جواب عن قولهما كما في قوله متى شئت، وتقديره قوله: م: (لأنه على اعتبار أنه) ش: أي أن إذا م: (للوقت) ش: أي لمعنى الوقت م: (لا يخرج الأمر من يدها، وعلى اعتبار أنه للشرط يخرج، الأمر بيدها) ش: بيقين م: (فلا يخرج بالشك والاحتمال) ش: لأن الشك لا يعارض اليقين، م: (وهذا الخلاف) ش: أي المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا لم تكن له نية) ش: في قوله أنت طالق إذا لم أطلقك.

(5/328)


أما إذا نوى الوقت يقع في الحال، ولو نوى الشرط يقع في آخر العمر لأن اللفظ يحتملهما.
ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك، أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة، معناه: قال ذلك موصولا به، والقياس أن يقع المضاف فيقعان إن كانت مدخولا بها، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه، وإن قل وهو زمان قوله: أنت طالق، قبل أن يفرغ منها. وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى عن اليمين بدلالة الحال، لأن البر هو المقصود، ولا يمكنه تحقيق البر إلا أن يجعل هذا القدر مستثنى، وأصله من حلف لا يسكن هذه الدار فاشتغل بالنقلة من ساعته وأخواته على ما يذكر في الأيمان إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأما إذا نوى الوقت يقع) ش: الطلاق م: (في الحال ولو نوى الشرط يقع في آخر العمر) ش: يموت أحدهما م: (لأن اللفظ يحتملهما) ش: أي يحتمل الوقت والشرط، فإذا احتملهما على السواء يقع ما نوى بالإجماع، وقيل: إذا تستعمل للشرط مجازًا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وكذا عندهما فينبغي أن لا يصدقه القاضي فيما إذا نوى به معنى إن؛ لأن فيه تخفيفًا على نفسه. قيل في جوابه لما كثر استعماله في معنى الشرط فصار كالظاهر في حقه، فجاز أن يصدقه القاضي، مع أنه قيل حقيقة فيهما عنده، وفيه نوع تأمل.

[قال أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق]
م: (ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة) ش: أي التطليقة الأخيرة المضافة إلى المعلقة بعدم التطليق م: (معناه) ش: أي معنى ما قاله محمد أو القدوري م: (قال ذلك موصولًا به) ش: قيد به لأنه لو قال مفصولًا يقعان بالإجماع قياسًا واستحسانًا، لأنه وجد الزمان الخالي عن التطليق م: (والقياس أن يقع المضاف) ش: وهو قوله ما لم أطلقك م: (فيقعان) ش: أي المضاف والتطليقة الأخيرة م: (إن كانت مدخولًا بها وهو) ش: أي القياس م: (قول زفر، لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه وإن قل وهو زمان قوله أنت طالق قبل أن يفرغ منها) ش: بيانه أنه وجد ما بين اليمين، ووقوع الطلاق مقدار ما يقع فيه ستة أحرف، وشرط الحنث يستوي فيه القليل والكثير.
م: (وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى عن اليمين به لدلالة الحال) ش: لأن الحالف إنما يحلف ليبر في يمينه ولم يمكنه البر في هذه إلا أن يجعل الساعة التي تشتغل بالإيقاع فيها مستثنى، فيصير هذا القدر مستثنى من اليمين بدلالة الحال م: (لأن البر هو المقصود، ولا يمكنه تحقيق البر، إلا أن يجعل هذا المقدار) ش: أي مقدار ما تشتغل بالإيقاع فيه م: (مستثنى) ش: عن اليمين م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف الذي وقع بيننا وبين زفر مسألة كتاب الإيمان، وأشار إليها بقوله: م: (من حلف لا يسكن هذه الدار فاشتغل بالنقلة من ساعته) ش: فإنه لا يحنث استحسانًا وعند زفر يحنث قياسًا م: (وأخواته) ش: أي وأخوات من حلف، وهي قوله لا تلبس هذا الثوب وهو لابسه، فنزعه في الحال، ولا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لا يحنث، خلافًا لزفر م: (على ما يذكر في الإيمان إن شاء الله تعالى) ش: أي على ما يذكر أصل هذه المسألة وأخواتها في

(5/329)


ومن قال لامرأة: يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار، فيحمل عليه إذا قرن بفعل يمتد كالصوم، والأمر باليد لأنه يراد به المعيار، وهو أليق به ويذكر ويراد به مطلق الوقت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16) ، والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه إذا قرن بفعل لا يمتد، والتزوج من هذا القبيل فينتظم الليل والنهار، ولو قال: عنيت به بياض النهار خاصة دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه والليل لا يتناول إلا السواد، والنهار لا يتناول إلا البياض خاصة وهو اللغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كتاب الإيمان إن شاء الله عز وجل. م: (ومن قال لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلًا) ش: أي في الليل م: (طلقت، لأن اليوم يذكر ويراد بياض النهار، فيحمل عليه) ش: أي على بياض النهار م: (إذا قرن) ش: أي اليوم م: (بفعل يمتد كالصوم) ش: فإنه يمتد م: (والأمر باليد) ش: كما في قوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان م: (لأنه يراد به المعيار) ش: أي أراد باليوم المعيار إذا الفعل ممتد، والمراد بالمعيار أن يكون مقدارًا بقدر الفعل كالصوم في اليوم م: (وهو أليق به) ش: أي كون المعيار مرادًا من اليوم أليق بالفعل الممتد؛ لأن الفعل الممتد يحتاج إلى وقت مؤبد وهو بياض النهار الذي صار المعيار عبارة عنه، بخلاف ما إذا لم يكن الفعل ممتدًا، حيث لا يحتاج إلى وقت مديد بل يكفيه مطلق الوقت.
م: (ويذكر) ش: أي اليوم م: (ويراد به مطلق الوقت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16) ، م: (والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه) ش: أي على مطلق الوقت م: (إذا قرن بفعل لا يمتد والتزوج من هذا القبيل) ش: أي مما لا يمتد إذ لا يقال تزوجتك شهرًا وسنة، فلو قال ذلك يتأبد ويمتد، وفي أكثر النسخ م: (والطلاق من هذا القبيل) ش: قال الإمام حميد الدين: هذا يدل على أن المعتبر جانب الشروط، وفي النسخة التي فيها الطلاق قال الإمام ظهير الدين: هذا يدل على أن المعتبر في الامتداد وعدمه جانب الجزاء لا جانب الشرط.
وقال الأترازي: اختلفوا في الفعل الذي لا يمتد، قال صاحب " الهداية ": أي أنه الطلاق، لأنه قال والطلاق من هذا القبيل، أي مما لا يمتد أبدًا، قال شمس الأئمة السرخسي وقال فخر الإسلام البزدوي والصدر الشهيد العتابي أنه التزوج م: (فينتظم الليل والنهار) ش: ويقع الطلاق إذا قدم ليلًا أو نهارًا في قوله - أنت طالق يوم يقدم فلان - وبه قال الشافعي في وجه، وفي الأصح عنده لا يتناول الليل فلا يقع الطلاق إذا قدم ليلًا.
م: (ولو قال: عنيت به بياض النهار خاصة دين) ش: أي صدق م: (في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأن النهار بياض النهار خاصة، والليل للسواد خاصة، واليوم يستعمل في بياض النهار، ومطلق الوقت الاشتراط عند البعض، والصحيح بطريق المجاز م: (والليل لا يتناول السواد والنهار يتناول البياض خاصة وهو اللغة) ش: يعني حقيقتهما اللغوية.

(5/330)


فصل ومن قال لامرأته: أنا منك طالق فليس بشيء وإن نوى طلاقا، ولو قال: أنا منك بائن أو عليك حرام ينوي الطلاق فهي طالق، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع الطلاق في الوجه الأول أيضا إذا نوى؛ لأن ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى تملك المطالبة بالوطء كما يملك هو المطالبة بالتمكين، وكذا الحل مشترك بينهما، والطلاق وضع لإزالتهما فيصح مضافا إليه كما يصح مضافا إليها، كما في الإبانة والتحريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل إضافة الطلاق إلى النساء] [قال لامرأته أنا منك طالق]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في إضافة الطلاق إلى النساء. ولما كانت هذه مخالفة لإضافة الطلاق إلى الرجال ذكرها في فصل على حدة. وقال الأكمل: ذكر فيه مسائل أخر متنوعة، وكان حقها أن يذكرها في مسائل شتى.
قلت: ليس من حقها ما ذكره، لأن الذي ذكره في هذا الفصل كله من أنواع الطلاق، والمناسب ذكرها كلها في فصول الطلاق.
م: (ومن قال لامرأته أنا منك طالق فليس بشيء وإن نوى طلاقًا) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه عن محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، في رجل يقول لامرأته أنا منك طالق، ينوي الطلاق، قال لا يكون طلاقًا، انتهى. وهذا معنى قول المصنف فليس قوله - وإن نوى طلاقًا - واصل بما قبله.
م: (ولو قال: أنا منك بائن أو عليك) ش: أي أو قال أنا عليك م: (حرام) ش: حال كونه م: (ينوي الطلاق فهي طالق) ش: هاتان الصورتان من تتمة مسائل " الجامع الصغير " المذكورة: الأولى: أنا منك بائن ينوي الطلاق كانت طلاقًا، الثانية: قوله أنا عليك حرام ينوي الطلاق كانت طلاقًا، وبقولنا قال أحمد.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقع الطلاق في الوجه الأول أيضًا إذا نوى) ش: الوجه الأول هو قوله أنا منك طالق م: (لأن ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى تملك) ش: أي المرأة م: (المطالبة) ش: أي مطالبة زوجها م: (بالوطء كما يملك هو) ش: أي الزوج م: (المطالبة) ش: أي مطالبة المرأة م: (بالتمكين) ش: أي تمكين نفسها من الزوج م: (وكذا الحل مشترك بينهما) ش: أي بين الزوجين وذلك محل استمتاع كل منهما بصاحبه ولانتهاء النكاح بموت كل منهما وتسمية كل واحد ناكحًا م: (والطلاق وضع) ش: أي شرعًا م: (لإزالتهما) ش: أي لإزالة الحل والتمكين، وكل ما وضع كذلك م: (فيصح مضافًا إليه) ش: أي على الزوج م: (كما يصح مضافًا إليها) ش: أي إلى المرأة م: (كما في الإبانة والتحريم) ش: أي كما يصح في قوله أنا منك بائن، وأنا عليك حرام.

(5/331)


ولنا أن الطلاق لإزالة القيد وهو فيها دون الزوج، ألا ترى أنها هي الممنوعة عن التزوج بزوج آخر والخروج، ولو كان لإزالة الملك فهو عليها لأنها مملوكة، والزوج مالك ولهذا سميت منكوحة، بخلاف الإبانة لأنها لإزالة الوصلة وهي مشتركة بينهما، وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو مشترك بينهما فصحت إضافتهما إليهما، ولا تصح إضافة الطلاق إليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا التعليل الذي علل به الشافعي مرضي عند أكثر أصحابه فقالوا لو كان كذلك لما احتاج إضافة الطلاق إليه، أي إلى النية كما لا يحتاج الإضافة إليها، أي إلى النية، بل المختار عند أصحابه أن على الزوج حجرًا من جهتها من حيث إنه لا ينكح أختها ولا أربعًا سواها فيصح إضافته إليه باعتبار رفع القيد؛ لأن الإضافة إلى الزوج غير معهودة، فاحتيج إلى النية، كذا في كتبهم.
م: (ولنا أن الطلاق لإزالة القيد) ش: أي القيد الحاصل بالنكاح م: (وهو) ش: أي القيد م: (فيها) ش: أي في المرأة م: (دون الزوج) ش: يعني القيد للنكاح حصل للرجل على المرأة لا للمرأة على الرجل، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي المرأة م: (هي الممنوعة عن التزوج بزوج آخر والخروج) ش: أي وممنوعة من الخروج والبروز، والرجل ينطلق حيث شاء، ويريد ويستمتع بإمائه وإن كثرت وبثلاث سواها.
م: (ولو كان) ش: أي الطلاق م: (لإزالة الملك) ش: كما قال الشافعي م: (فهو عليها) ش: أي فالكل عليها م: (لأنها مملوكة والزوج مالك) ش: وهذا جواب عما قاله الشافعي بطريق التسليم بعد المنع، فإن الطلاق لإزالة الملك، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونها مملوكة م: (سميت منكوحة) ش: ولما ملك بضعها وجب عليه المهر والنفقة وبمقابلته تملكه م: (بخلاف الإبانة) ش: أي بخلاف قوله - أنا منك بائن - م: (لأنها) ش: أي لأن الإبانة م: (لإزالة الوصلة وهي مشتركة بينهما) ش: أي بين الزوجين، ولهذا جاز إضافتها إلى كل واحد منهما ألا ترى أنه يقال بان عنها، كما يقال بانت عنه.
م: (وبخلاف التحريم) ش: أي وبخلاف قوله - أنا عليك حرام - م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ حرام م: (لإزالة الحل وهو) ش: أي الحل م: (مشترك) ش: أي م: (بينهما فصحت إضافتهما) ش: أي إضافة الحرام والإبانة م: (إليهما) ش: أي إلى الزوجين، ألا ترى أنه يقال حرم عليها كما يقال حرمت عليه م: (ولا تصح إضافة الطلاق إليها) ش: أي إلى المرأة، لأن الطلاق زوال القيد، ولما لم يكن القيد على الرجل لم يصح إضافة الطلاق إليه، ولأن الطلاق لو وقع على المرأة لا يخلو، إما أن يثبت ابتداء أو بناء على ثبوته في الرجل، فلا يجوز الأول لعدم إضافة الطلاق إليها، ولا يجوز الثاني أيضًا، لأن الرجل ليس طالقًا عن المرأة عدم القيد فيه، فلغي قوله - أنا منك طالق - كما إذا قال لعبده أنا منك حر، حيث لا يعتق. فإن قيل لا نسلم عدم القيد في

(5/332)


ولو قال: أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكر في " الجامع الصغير " من غير خلاف، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا. وعلى قوله محمد وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا تطلق واحدة رجعية، ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة، أو لا شيء، ولا فرق بين المسألتين، ولو كان المذكور هاهنا قول الكل، فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان: له أنه أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة أو بينها وبين النفي فيسقط اعتبار الواحدة، ويبقى قوله: أنت طالق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرجل، ولهذا لا يجوز له أن يتزوج أربعًا سواها عليها وأختها وابنة أخيها، قيل له ذلك باعتبار عدم المشروعية لا باعتبار أن القيد واقع على الرجل.

[قال أنت طالق واحدة أو لا]
م: (ولو قال: أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء) ش: هذه مسألة " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رجل قال لامرأته أنت طالق واحدة أو لا قال ليس بشيء، انتهى، وكذا لو قال: أنت طالق أو لا أو غير طالق لا يقع شيء وبه قال الشافعي وأحمد ومالك على هذا الخلاف لو قال أنت طالق ثلاثًا أو لا شيء.
م: (قال) ش: هكذا ذكره، أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (كذا ذكر هذا في الجامع الصغير) وقال في الأصل وإن قال أنت طالق واحدة أو لا شيء فهي طالق واحدة رجعية في قول محمد وقول أبي يوسف الأول، ولم يذكر قول أبي حنيفة في الأصل كما ترى. ونقل صاحب الأجناس عن كتاب الطلاق إملاء أبي سليمان قال أبو حنيفة لا يقع الطلاق، ثم قال صاحب الأجناس وكذا ذكره عن أبي حذيفة في " الجرجانيات " م: (وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف آخرًا) ش: أي المذكور من قوله أنت طالق واحدة أو لا شيء.
م: (وعلى قول محمد وهو قول أبي يوسف أولًا يطلق واحدة رجعية، ذكر قول محمد في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة أو لا شيء، ولا فرق بين المسألتين) ش: أي من قوله أنت طالق واحدة أو لا، ومن قوله أنت طالق واحدة أو لا شيء، لأنهما في المعنى واحد، يعني لا فرق بينهما في حق التردد في الإيقاع أو في الوضع م: (ولو كان المذكور هاهنا قول الكل فعن محمد روايتان) ش: أي لو كان المذكور في " الجامع الصغير " قول الثلاث فيكون عن محمد روايتان، لأنه ذكر قول الثلاثة عن محمد في طلاق " المبسوط " أنه يقع واحدة رجعية ليذكر الخلاف في " الجامع الصغير "، وهذا يستلزم ورود الروايتين عنه. م: (له) ش: أي لمحمد (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أنه) ش: أي أن الرجل الذي قال لامرأته أنت طالق واحدة أو لا شيء م: (أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة م: (أو) ش: بينها) ش: أي بين الواحدة م: (وبين النفي) ش: وهو قوله لا شيء م: (فيسقط اعتبار الواحدة ويبقى قوله: أنت طالق) ش: سالمًا من الشك، فتقع طلقة

(5/333)


بخلاف قوله: أنت طالق أو لا لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع شيء، ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد ألا ترى أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا، ولو كان الوقوع بالوصف للغا ذكر الثلاث، وهذا لأن الواقع في الحقيقة إنما هو المنعوت المحذوف، معناه أنت طالق تطليقة واحدة، على ما مر. وإذا كان الواقع ما كان العدد نعتا له كان الشك داخلا في أصل الإيقاع، فلا يقع شيء.
ولو قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك فليس بشيء، لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له، لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي الحلية، فلا بد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحدة رجعية م: (بخلاف قوله: أنت طالق أو لا، لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع شيء) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الوصف) ش: وهو قوله أنت طالق م: (متى قرن بالعدد) ش: مثل أن يقول أنت طالق واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا م: (كان الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق م: (بذكر العدد) ش: وهو قوله واحدة، إنما أطلق العدد على الواحد مجازًا من حيث إنه أصل العدد م: (ألا ترى أنه) ش: توضيح لما قبله، أي ألا ترى أن الرجل م: (لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثًا تطلق ثلاثًا) ش: بالاتفاق، فعلم أن الوقوع بالعدد م: (ولو كان الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق م: (بالوصف للغا ذكر الثلاث) ش: يعني لو كان بقوله أنت طالق لما وقع الثلاث، فعلم أن الوقوع بالعدد لا بالوصف.
م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله ولو كان الوقوع بالوصف م: (لأن الواقع في الحقيقة إنما هو المنعوت المحذوف، معناه أنت طالق تطليقة واحدة على ما مر) ش: أراد بقوله أن الوقوع بالعدد لا بالصفة وهي طالق، لكن العدد وقع نعتًا لمحذوف، أي تطليقة واحدة، فالمنعوت هو الواقع في الحقيقة فافهم م: (وإذا كان الواقع ما كان العدد نعتًا له كان الشك داخلًا في أصل الإيقاع فلا يقع شيء) ش: الضمير في له يرجع إلى الموصول وهو قوله ما هو عبارة عن التطليقة المحذوفة، وأراد بقوله العدد الواحد وقوله كان الشك إلى آخره جواب قوله إذا كان.

[قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك]
م: (ولو قال: أنت طالق مع موتي أو مع موتك) ش: أي أو قال أنت طالق مع موتك م: (فليس بشيء) ش: أي هذا القول ليس بشيء حتى لا يقع به طلاق، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وهذه من مسائل " الجامع الصغير " وليس فيه خلاف، وكذا إذا قال أنت طالق بعد موتي أو بعد موتك بل أولى م: (لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له) ش: أي للطلاق م: (لأنه موته) ش: أي لأن موت الرجل م: (ينافي الأهلية) ش: أي للطلاق م: (وموتها) ش: أي موت المرأة م: (ينافي المحلية) ش: أي كونه محلًا للطلاق م: (فلا بد منهما) ش: أي فلا بد لوقوع الطلاق من الأهلية والمحلية، لأن الطلاق معلق لوجود الموت، فصار الموت شرطًا كما لو قال أنت طالق مع دخولك الدار والجزاء يعقب الشرط، فكان هذا إيقاعًا له بعد الموت ولا ملك بعد الموت، ولأن النكاح

(5/334)


وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصا منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصا منه وقعت الفرقة للمنافاة بين الملكين، أما ملكها إياه فللاجتماع بين المالكية والمملوكية، وأما ملكه إياها فلأن ملك النكاح ضروري، ولا ضرورة مع قيام ملك اليمين فينتفي النكاح، ولو اشتراها ثم طلقها لم يقع شيء؛ لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موقت بحياتهما، فموت أحدهما ينتهي لوجود غايته، والحكم لا يبقى بعد الغاية. وفي " الجامع " قال: والله لا أقربك حتى تموتي أو أموت صار موليًا، فكأنه قال: والله لا أقربك ما دام النكاح بيننا.

[ملك الرجل امرأته أو ملكت المرأة زوجها]
م: (وإذا ملك الزوج امرأته) ش: أي إذا ملك الرجل امرأته بشراء أو إرث أو بهبة أو صدقة م: (أو شقصًا منها) ش: أي أو ملك الرجل شقصًا من امرأته، والشقص بالكسر السهم، قال ابن دريد: م: (أو ملكت المرأة زوجها) ش: يعني بشراء أو نحوه كما ذكرنا م: (أو شقصًا منه) ش: أي وملكت المرأة شقصًا من الزوج م: (وقعت الفرقة) ش: جواب إذا، يعني يرتفع النكاح من بينهما بالفسخ وهذا قول الجمهور، وبه قالت الأئمة الثلاثة والظاهرية. وفي " التمهيد " عن عبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو ملكت زوجها فأعتقته حين ملكته كأنما على نكاحهما لو ملكها الزوج ووطئها بملك اليمين بعده، ولو ملك بعضها ينفسخ النكاح، ولا يطأها.
وقال قتادة: لم يردد منها الأقرباء ويطؤها بنكاحه وهو شذوذ م: (للمنافاة بين الملكين) ش: وهما ملك النكاح والملك بالشراء ونحوه.
م: (أما ملكها إياه) ش: أي أما ملك المرأة زوجها م: (فللاجتماع بني المالكية والمملوكية) ش: وهو مستحيل. لأن ملك النكاح الرقبة يقتضي أن يكون خادمًا، وملك النكاح يقتضي أن يكون مخدومًا فاستحال اجتماعهما.
م: (وأما ملكه إياها) ش: أي وأما ملك الرجل امرأته م: (فلأن ملك النكاح ضروري) ش: بيانه أن إثبات الملك على الحر على خلاف القياس، وإنما يثبت ضرورة الحل لبقاء النسل م: (ولا ضرورة مع قيام ملك اليمين) .
لأنه لما طرأ عليه ملك اليمين وهو الحل القوي م: (فينتفي) ش: الحل الضعيف، وفي تملك الشقص وإن كان لا يثبت الحل ولكن يثبت الملك، فقام مقام الحل، لأنه دليل عليه، بخلاف المكاتب إذا اشترى منكوحة حيث لا يبطل النكاح، لأن الثابت في كسبه حق الملك، وحق الملك لا يمنع حق النكاح.
م: (ولو اشتراها) ش: أي ولو اشترى الزوج امرأته الأمة م: (ثم طلقها لم يقع شيء، لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له) ش: أي للنكاح م: (مع المنافي) ش: وهو ملك اليمين م: (لا

(5/335)


من وجه ولا من كل وجه وكذا إذا ملكته أو شقصا منه لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقع لأن العدة واجبة بخلاف الفصل الأول، لأنه لا عدة هنالك حتى حل وطؤها له وإن قال لها وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها مولاها ملك الزوج الرجعة؛ لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق، لأن اللفظ ينتظمهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من وجه) ش: العدة، لأنها أثر من آثاره، فلا يحنث مع وجود المنافي، وإلا لكان ملك النكاح باقيًا من وجه (ولا من كل وجه) متعلقًا بقوله ولا بقاء. وقال الأكمل: وقيل لا من وجه يعني إذا ملك الشقص لا من كل وجه، يعني إذا ملك اليمين الجمع، وعلى هذا يتعلق بقوله مع المنافي، انتهى.
قلت: هذا القول الذي أشار إليه الأكمل بقوله وقيل هو قول الأترازي، هكذا فسره في شرحه، م: (وكذا إذا ملكته) ش: أي وكذا لا يقع الطلاق إذا ملكت المرأة الحرة زوجها وهو عبد بميراث أو غيره م: (أو شقصًا منه) ش: أي أو ملكت شقصًا من زوجها م: (لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة) ش: بين المالكية والمملوكية.
م: (وعن محمد أنه يقع) ش: أي الطلاق في الصورة الثانية لوجوب العدة عليها، والطلاق يعتمد ملك النكاح أو قيام العدة، ولهذا تجب العدة، ولهذا لا يحل له وطؤها م: (لأن العدة واجبة بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا ملك الزوج امرأته م: (لأنه لا عدة هنالك، حتى حل وطؤها له) ش: أي لا عدة في حق مولاها الذي يملكها.
وفي " الكافي " فإن قيل أليس أنه لا يجوز له التزويج، وهذا دليل على الوجوب. قلنا: قد قالوا لا عدة عليها بدليل أنه لو زوجها من آخر جاز، والصحيح أنه لا يجوز تزويجها من آخر فعلم أنه لا تجب العدة عليها في حق من استبرأها، وفي حق غيره روايتان، وهذا لأن العدة إنما تجب لاستبراء الرحم من الماء، ويستحيل استبراء رحمها من ماء نفسه مع بقاء السبب الموجب لحل الوطء. م: (وإن قال لها) ش: أي ولو قال رجل لامرأته م: (وهي أمة لغيره) ش: أي والحال أنها أمة لغيره.
م: (أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك) ش: أي إعتاق مولاك إياك فاستعير الحكم لعلة، لأن العتق حكم الإعتاق، والدليل عليه أنه قال بعده علق التطليق بالإعتاق أو بالعتق، لأن الإعتاق يضاف حقيقة إلى المولى لا العتق م: (فأعتقها) ش: يعني م: (مولاها ملك الزوج الرجعة، لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق) ش: أي بالعتق الحاصل بإعتاق المولى م: (لأن اللفظ) ش: وهو قوله مع عتق مولاك م: (ينتظمهما) ش: أي ينتظم الإعتاق والعتق على طريق البدل لا الشمول، لا ضيق المسافة لاستحالة الحقيقة والمجاز مرادين، ولهذا يندفع قول الأترازي. ولنا في قوله: لأن اللفظ ينتظمهما نظر، لأنه حينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.

(5/336)


والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وللحكم تعلق به، والمذكور بهذه الصفة والمعلق به التطليق لأن في التعليقات يصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا،
وإذا كان التطليق معلقا بالإعتاق، أو لعتق يوجد بعده، ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرا عن العتق، فيصادفها وهي حرة فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشرط ما يكون معدومًا على خطر الوجود) ش: أي وقد علم أن الشرط ما يكون معدومًا، ويكون على خطر الوجود والعتق والإعتاق بهذه المثابة شرط على خطر الوجود م: (وللحكم تعلق به) ش: أي وقد علم أيضًا أن للحكم تعلقًا بالشرط؛ لأنه موقوف على وجود الشرط م: (والمذكور) ش: أي العتق م: (بهذه الصفة) ش: يعني معدوم على خطر الوجود وللحكم تعلق به، فيكون شرطًا لأنه جعل التطليق متصلًا بالعتق، وذلك التعلق إما أن يكون تعلق العلة بالمعلول أو الشرط بالمشروط، والإعتاق والعتق لا يكون علة لتطليق الزوج، وكذا تطليق الزوج لا يكون علة لإعتاق المولى والعتق الحاصل به والطلاق تعلق به، وهو معنى قوله م: (والمعلق به) ش: أي العتق م: (التطليق) ش: لا الطلاق عندنا لما تقرر في الأصول أن أثر التطليق في منع السبب لا في منع الحكم.
م: (لأن في التعليقات يصير التصرف معلقًا عند الشرط عندنا) ش: بناء على أن الشرط عندنا غلبة العلة إلى زمان وجوده كما عرف في الأصول. وقال تاج الشريعة: قوله - لأن في التعليقات ... إلى آخره - يعني أن المعلق بالشرط عندنا لا ينعقد سببًا، والشرط يمنع الانعقاد، وعند الشافعي يؤخر الحكم.

[التطليق بعد الإعتاق أو العتق]
م: (وإذا كان التطليق معلقًا بالإعتاق أو العتق يوجد بعده) ش: أي يوجد التطليق بعد الإعتاق أو العتق، لأن المشروط مع الشرط يتعاقبان م: (ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرًا عن العتق) ش: بالضرورة م: (فيصادفها) ش: أي يصادف الطلاق المرأة م: (وهي حرة) ش: أي والحال أنها حرة عند المصادفة م: (فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين) ش: أي التطليقتين. وعند الشافعي العتق والطلاق وقعا معا فلم يكن رجعيا في أظهر قوليه بعد وقوع الطلاق لكن عنده صورة المسألة فيما إذا قال العبد لامرأته أنت طالق مع عتق مولاي إياي؛ لأن عنده اعتبار الطلاق بالرجال. وبه قال مالك وأحمد. وفي قول عنه يحرم حرمة غليظة؛ لأن العتق لو تقدم وقوع الطلاق، فصار كما لو طلقها اثنتين ثم عتق. وفي " الكافي " وذكر في " الهداية " لأنه علق التطليق بالعتق إلى آخره، وهو مشكل، لأنه أريد به الإعتاق هاهنا، فاستعير الحكم عن علته، ألا ترى إلى قوله: إياك - ولا تستعمل ذلك إلا في الفعل المتعدي، قيل في جوابه ليس بمشكل، لأنه لما علق التطليق بالإعتاق يلزم منه تعليقه بالعتق الحاصل من الإعتاق وقد بينا أن كل واحد يصلح شرطًا إذ كل منهما على خطر الوجود، ويكون قوله مع عتق مولاك إياك مع العتق الحاصل من إعتاق مولاك إياك، فلهذا أول المصنف قوله علق العتق بالإعتاق أو العتق.

(5/337)


يبقى شيء، وهو أن كلمة " مع " للقران، قلنا قد تذكر للتأخر كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] الشرح الآية: 6 فحمل عليه بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط.
ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين، وقال المولى: إذا جاء غد فأنت حرة، فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: كيف سمى المصنف إضافة الطلاق إلى زمان الإعتاق تعليقًا، والمعلق غير مضاف. قلت: أجيب: بأنه سماها تعليقًا مجازًا لا حقيقة، لأن التعليق توقيف الأمر على أمر بحرف الشرط، فلما وجد توقف الطلاق على العتاق سماه تعليقًا، وإن لم يذكر لحوق الشرط فصار كأنه قال أنت طالق إن أعتق مولاك.
م: (يبقى شيء) ش: أي إشكالًا م: (وهو أن كلمة " مع " للقران) ش: عند أرباب اللسان، حاصل هذا أنه اعتذار عما ورد على كلامه، حيث قال يكون الطلاق متأخرًا عن العتق فورد عليه بأن قال لا نسلم أنه متأخر عنه، لأن كلمة مع للقران والصحبة، فقال: سلمنا ذلك لكن م: (قلنا: قد تذكر) ش: أي لفظ مع م: (للتأخر) ش: مجازًا، م: (كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ش: (الشرح: 5، 6) ، لأنه لا يمكن المعية بين العسر واليسر للتضاد بينهما، فيحمل على التأخير، وتحقيقه أن كلمة مع قد تذكر للاقتران في زمان الوجود، وقد تذكر للاقتران في أصل الوجود كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: 44] (النمل: 44) ، وكما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] (الشرح: 6) ، فلو كان المراد هو الأول يحرم حرمة غليظة، ولو كان المراد هو الثاني لا يحرم، والحرمة الغليظة لم تكن ثابتة فلا يثبت بالشك والاحتمال.
فإن قيل: ينقض هذا بما ذكر في " الجامع " بقوله لامرأته أنت طالق مع نكاحك، حيث لم يصح ولم يصر معنى الشرط، فينبغي أن يكون كذلك، كما في قوله مع عتق مولاك - إلى آخره - بأن العدول عن حقيقة معنى القران باعتبار أنه ملك للتطليق تخييرًا تعليقًا، فكان من ضرورة كلامه أن يحمل على معنى الشرط، أما هاهنا لم يملك الطلاق، والطلاق مع النكاح متنافيان، فلا يلزم العدول عن معنى القران، فيلغو ضرورة.
وقال الكاكي: وهذا الجواب لم يتضح لي لأنه تمليك بتعليق الطلاق بالنكاح، فيمكن تصحيح كلامه على اعتبار معنى الشرط فينبغي أن يحمل عليه.
م: (فيحمل عليه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيحمل لفظ مع على التأخر، كما في الآية الكريمة م: (بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط) ش: لضرورة تصحيح الكلام.

[قال الرجل لامرأته الأمة إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين]
م: (ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين) ش: أي ولو قال الرجل لامرأته الأمة إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين م: (وقال المولى: إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره

(5/338)


وعدتها ثلاث حيض، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زوجها يملك الرجعة عليها؛ لأن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى العتق، وإنما ينعقد المعلق سببا عند الشرط والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته أصله علته، أصله الاستطاعة مع الفعل فيكون التطليق مقارنا، للعتق ضرورة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأنها حرمت عليه حرمة غليظة م: (وعدتها ثلاث حيض) ش: أي عدة الحرائر.
وهذه المسألة لا خلاف فيها على رواية أبي سليمان الجرجاني، وفيها الخلاف على رواية أبي حفص الكبير، أشار إليه بقوله م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد زوجها يملك الرجعة) ش: يعني لا تحرم حرمة غليظة. وللشافعي قولان، لكن صورة المسألة عنده في العبد كما ذكرنا م: (لأن الزوج قرن الإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (بإعتاق المولى، حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى) ش:، وذلك أن الزوج أضاف الطلاق إلى زمان أضاف إليه المولى الإعتاق وهو مجيء الغد.
م: (وإنما ينعقد المعلق سببًا عند الشرط) ش: يعني المعلق إنما يكون سببًا للإيقاع عند وجود الشرط، فكأنا مقترنين في السببية فحكمه أيضًا كذلك م: (والعتق يقارن الإعتاق لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (علته) ش: أي علة العتق، والعلة مع المعلول يقترنان عند الجمهور. وعند البعض يتعاقبان في العلة الشرعية، والتصرفات الشرعية بمنزلة الجواهر م: (أصله الاستطاعة مع الفعل) ش: يعني الاستطاعة التي يحصل بها الفعل لا تسبق الفعل، لأن الفعل معلول لها، فيقترنان في الحكم، لأنها لو سبقت لا يخلو إما أن تبقى إلى زمان وجود الفعل أولًا، فيلزم في الأول قيام العرض بالعرض، وفي الثاني يلزم حصول الفعل بلا قدرة، وهو محال، فكذا الإعتاق لا يستبق العتق، لأن العتق معلوله.
م: (فيكون التطليق مقارنًا للعتق ضرورة) ش: لأن الإعتاق أيضًا مقارن بمجيء الغد، لأن المقارن لمقارن الشيء مقارن لذلك الشيء لا محالة، فالطلاق بعد العتق فاسد، لأن الطلاق حكم التطليق لا يتأخر عنه، والتطليق يقارن الإعتاق، والإعتاق يقارن العتق، والطلاق يقارن العتق، كان المقارن للمقارن للشيء مقارن لذلك الشيء، فكيف يقع بعده، انتهى.
وقال الكاكي: لا يتضح قول محمد إلا أن يوصف حكم العلة بتأخر عن العلة كما هو مذهب البعض كما وصفه شمس الأئمة في مسألة أنت طالق مع عتق مولاك إياك ... إلى آخره.
وقال تاج الشريعة: اختلف المشايخ في جواز تأخير المعلولات عن العلل الشرعية، بعضهم قالوا لا يجوز ذلك، وبعضهم جوزه، لأن العلل الشرعية بمنزلة الجواهر على ما عرف، فمحمد أخذ في الطلاق بجواز التأخر، وفي العتق بالمقارنة.

(5/339)


فتطلق بعد العتق. فصار كالمسألة الأولى، ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض. ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق، ثم العتق يصادفها وهي أمة، وكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة، بخلاف المسألة الأولى، لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه، بخلاف العدة لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ووجه ذلك أن الطلاق مختص ببطء الثبوت لتحققه مع المنافي، والإعتاق مختص بسرعة الثبوت، لكنه على وفاق الدليل فيقدم على الطلاق فيصادفها الطلاق وهي حرة، فيملك الرجعة، ولهذا يتأخر الملك في البيع الفاسد عن البيع إلى زمان القبض، بخلاف البيع الصحيح لما ذكرنا أن أحدهما على وفق الدليل، والآخر على خلافه، انتهى.
وعلل ركن الإسلام القاضي أبو الحسن السعدي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العتق وإن كان يقارن الإعتاق، لكن العتق لا يزول ما لم يزل الرق مع العتق، لا يجتمعان في محل واحد، فيكون نزول العتق بعد زوال الرق فكان الطلاق بعد الحرية.
وقيل في الجواب أنه يجوز أن يكون مراده بقوله بعد العتق أي معه كما أن مراده بقوله عتق مولاك وإياك، أي بعد عتق مولاك إياك، وقيل المعلق بالشرط كالمرسل عنده فيكون قول المولى عند الشرط عند حرة، وقال الزوج طالق مقترنين في زمان واحد ويتأخر ثنتين عن الحرية ضرورة فيقعان عليها، وهي حرة.
م: (فصار كالمسألة الأولى) ش: وهي قوله أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك م: (ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض) ش: هذا إيضاح لقوله م: (لتطلق بعد العتق) ش:، بيانه أن الطلاق صادف الحرية، ولهذا تعتد بثلاث حيض، فلو صادف الأمة لزمها الاعتداد بالحيضتين، هكذا شرحه الأترازي، ثم قال: وعلى هذا الاستدلال الذي أورده صاحب " الهداية " نظر، لأن الاعتداد بثلاث حيض باعتبار أنها حرة زمان وجوب العدة كما في المسألة الأولى، باعتبار أن الطلاق صادف الحرية، انتهى.
قلت: هذا الاستدلال هو الذي ذكره ثم نسبه لصاحب " الهداية " ثم نظر فيه، ولم يذكره صاحب " الهداية " هنا على ما لا يخفى.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي الزوج م: (علق الطلاق بما علق به المولى العتق) ش: وهو مجيء الغد م: (ثم العتق يصادفها وهي أمة) ش: أي والحال أنها أمة م: (وكذا الطلاق) ش: مصادفها وهي أمة م: (والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة) ش: فلا يملك الرجعة م: (بخلاف المسألة الأولى، لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه) ش: أي في المسألة الأولى، وهو أن الشرط مقدم على المشروط م: (بخلاف العدة لأنه) ش:

(5/340)


يؤخذ فيها بالاحتياط، وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط، ولا وجه إلى ما قال، لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته، فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي لأن الشأن م: (يؤخذ فيها بالاحتياط) ش: صيانة لأمر الدين م: (وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط) .
م: (ولا وجه إلى ما قال) ش: أي محمد م: (لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته) ش: أي لأن الإعتاق علة العتق م: (فالطلاق يقارن التطليق، لأنه علته) ش: أي لأن التطليق علة الطلاق م: (فيقترنان) ش: أي الإعتاق والتطليق، يعني كما أن الإعتاق يصادفها، وهي أمة فكذلك التطليق.

(5/341)


فصل في تشبيه الطلاق ووصفه ومن قال لامرأته أنت طالق، هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى، فهي ثلاث لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه] [قال لامرأته أنت طالق هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى]
م: (فصل في تشبيه الطلاق ووصفه)
ش: أي هذا فصل في بيان تشبيه الطلاق. ولما ذكر أصل الطلاق شرع يذكر وصفه وتنويعه في فصل على حدة، لكونه تابعًا.
م: (ومن قال لامرأته أنت طالق، هكذا يشير) ش: أي حال كونه يشير م: (بالإبهام والسبابة والوسطى، فهي ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات، وقد طعن بعض الجهال على محمد في قوله: والسبابة لأنه ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " هكذا، وقال: إنه اسم جاهل في الاسم الشرعي المسبحة، وورد عليه بأن السبابة وردت أيضًا في الشرع، وقد روى الطحاوي من حديث موسى ابن أبي عامر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلًا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال كيف الطهور؟ فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بماء فتوضأ فأدخل إصبعيه أذنيه فمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه» . انتهى. على أن في النسخ السباحة، فكأن السبابة والسباحة أيضًا وردت بالحديث.
وقد روى النسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلًا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، بالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء أو ظلم وأساء» .
وقال الأترازي: المعتبر في اللغات استعمال م: (العرب العرباء لاستعمال) ش: أهل الحضر والمولدين، فاستعمال السبابة أولى لكونها لغة العرب الفصيح، وعدم النهي عن التكلم بها. انتهى.
قلت: لا فائدة في هذا الذي قاله أصلًا، لأن كل واحدة من السباحة والسبابة استعملت في الشرع كما ذكرنا، وأيضًا دعواه الأولوية في السبابة غير موجهة على ما لا يخفى.
م: (لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت) ش: أي الإشارة

(5/342)


بالعدد المبهم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث. وإن أشار بواحدة فهي واحدة، وإن أشار بثنتين فهي ثنتان لما قلنا، والإشارة تقع بالمنشورة منها، وقيل إذا أشار بظهورها فبالمضمونة منها، وإذا كان تقع الإشارة بالمنشورة منها فلو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بالعدد المبهم) ش: وهو أن يقول هكذا.
وقال العتابي في شرحه قوله يشير بالإبهام والسبابة والوسطى يريد به الإشارة بالأصابع التي اعتاد الناس الإشارة بها وبين الأصابع الأخر.
وقال تاج الشريعة: يعني يشير بالثلاثة بمرة واحدة، وفي " المغني " قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاثة يقع واحدة وإن قال هكذا، وأشار بها وقع الثلاث.
م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث روي عن ابن عمر وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وحديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم في الصوم، قال: «قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا وحبس الإبهام في الثالثة» . وحديث سعد أخرجه مسلم عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «ضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده على الأخرى، وقال الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وأمسك في الثالثة إصبعًا» . وحديث عائشة رواه الحاكم في " المستدرك " عنها أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أقسم أنه لا يدخل عليها شهرًا فغاب عنها تسعة وعشرين يومًا، ثم دخل عليها في الثلاثين، فقلت له إنك حلفت أن لا تدخل علينا شهرًا فقال: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وأمسك في الثالثة الإبهام» ، وقال: صحيح على شرط البخاري.
قوله: وحبس، أي وقبض والاحتباس: الانقباض، وفي " المبسوط " قوله وحبس في المرة الثالثة إبهامه، بيان منه أن الشهر تسعة وعشرين يومًا ولا خلاف في هذه المسألة، والإشارة تقع بالمنشورة منها لا بالمضمونة لاعتبار العرف والعادة، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حبس إبهامه في المرة الثالثة، وفهم منه تسعة وعشرون يومًا، ولو اعتبر المقبوض لكان المفهوم أحد وعشرين يومًا.
م: (وإن أشار بواحدة) ش: يعني وإن أشار بأن واحدة وقال أنت طالق م: (فهي واحدة) ش: أي فهي تطليقة واحدة. م: (وإن أشار بثنتين) ش: أي بإصبعين وقال أنت طالق هكذا م: (فهي ثنتان) ش: أي تطليقة ثنتان يعني يقع تطليقتان م: (لما قلنا) ش: يريد به قوله لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت بالعدد المبهم م: (والإشارة تقع بالمنشورة) ش: أي الأصابع المنشورة م: (منها) ش: أي من أصابع اليد ولا تقع بالمضمومة باعتبار العرف والعادة.
م: (وقيل إذا أشار بظهورها) ش: أي بظهور الأصابع إلى المرات م: (فبالمضمومة منها) ش: أي فيقع الطلاق حينئذ بالمضمومة من الأصابع لا بالمنشورة. م: (وإذا كان تقع الإشارة بالمنشورة فلو

(5/343)


نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء، وكذا إذا نوى الإشارة بالكف حتى تقع في الأولى ثنتان ديانة، وفي الثانية واحدة، لأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر ولو لم يقل هكذا يقع واحدة لأنه لم يقترن بالعدد المبهم فبقي الاعتبار بقوله: أنت طالق،
وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة كان بائنا مثل أن يقول: أنت طالق بائن أو البتة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء) ش: وبه قال الشافعي لأنه كما وجدت الإشارة بالمنشورة وجدت بالمعقودة، إلا أنه خلاف الظاهر، لأن الإشارة المعهودة فيما بين الناس في بيان العدد المبهم بالأصابع المنشورة لا بالمحبوسة ولا بالكف، فإذا ادعى خلافه فلا يصدق في القضاء، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".
م: (وكذا إذا نوى الإشارة بالكف) ش: وصورة الإشارة بالكف أن تكون جميع الأصابع منشورة، يعني أشار إليها بالأصابع المنشورة وبطونها إلى المرات وقال أنت طالق هكذا، ثم قال عنيت بها الإشارة بالكف لا بالأصابع. يصدق ديانة لا قضاء م: (حتى تقع في الأولى) ش: أي في المضمومتين م: (ثنتان) ش: أي طلقتان ديانة لا قضاء م: (ولي الثانية) ش: أي الإشارة بالكف م: (واحدة) ش: يعني يصدق ديانة حتى تقع واحدة لا قضاء حتى ثلاثًا في القضاء، لأنه أشار إليها بأصابعه الثلاث المنشورة. وفي " المبسوط " وبعض المتأخرين قالوا: لو جعل ظهر الكف إلى نفسه وبطون الأصابع إليها لا يصدق في القضاء، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". وكذا إذا نوى الإشارة بالكف وصورة الإشارة بالكف أن يكون جميع الأصابع منشورة، يعني أشار إليها بالأصابع المنشورة وبطونها إلى المرأة وقال أنت طالق هكذا، ثم قال عنيت بها الإشارة بالكف لا بالأصابع يصدق ديانة لا قضاء حتى يقع في الأولى، أي في المضمومتين، وذكر الإمام التمرتاشي قيل لو كان باطن كفه إلى السماء فالعبرة للنشر، وإن كان ضمًا عن نشر فالعبرة للضم وقيل: إن كان نشرًا عن ضم فالعبرة للنشر، وإن كان ضمًا عن نشر فالعبرة للضم للعادة.
م: (لأنه يحتمله) ش: أي لأن قوله نويت الإشارة بالكف يحتمل ما نوى م: (لكنه خلاف الظاهر) ش: فلا يصدق قضاء م: (ولو لم يقل هكذا) ش: يعني إذا أشار إليها بالأصابع المنشورة، وقال أنت طالق لكنه لم يقل لفظ هكذا م: (يقع واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (لأنه) ش: أي لأن قوله عند الإشارة بدون لفظ هكذا م: (لم يقترن بالعدد المبهم) ش: فاعتبر وجود الإشارة كعدمها م: (فبقي الاعتبار بقوله أنت طالق) ش: فلا يقع به إلا واحدة، وإن نوى الثلاث عندنا وبه قال الشافعي عند عدم النية.

[يقول أنت طالق بائن أو البتة]
م: (وإذا وصف الطلاق بضرب) ش: أي بنوع م: (من الشدة والزيادة كان) ش: أي الطلاق م: (بائنًا مثل أن يقول أنت طالق بائن أو البتة) ش: أي وأنت طالق البتة أي القطع.

(5/344)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة، فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو، كما إذا قال: أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك ولنا أنه وصفه بما يحتمله لفظه، ألا ترى أن البينونة قبل الدخول وبعد العدة تحصل به، فيكون هذا الوصف لتعيين أحد المحتملين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقع رجعيًا) ش: أي طلاقًا رجعيًا م: (إذا كان بعد الدخول) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الطلاق شرع معقبًا للرجعة، وكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو) ش: أي وصفه بالبينونة م: (كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك، ولنا أنه) ش: أي أن الزوج م: (وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (بما يحتمله) ش: وهو البينونة، ولهذا ثبتت البينونة به قبل الدخول، وبعد انقضاء العدة بالطلاق.
فإن قيل ينتقض بما إذا قال أنت طالق ونوى البينونة إلى الثلاث حيث لا يصح بالإجماع، فينبغي أن يصح لأنه محتمل كلامه، قلنا: النية تصح للملفوظ والبينونة ما صارت ملفوظة بقوله أنت طالق، بخلاف قوله أنت طالق بائن، فإن البينونة ملفوظة.
وقال الكاكي: في هذا الجواب نوع ضعف، لأنه ذكر في " المبسوط " قوله أنت طالق يحتمل المبين وغير المبين، فكان قول بائنًا تعيين أحد محتمليه، إلا أن يقول لا يحتمله بطريق الحقيقة لكنه يحتمله بطريق المجاز فلا بد للمجاز من نيته، ولهذا لا يندفع السؤال.
فإن قيل: بائن صفة المرأة لا صفة الطلاق، فكيف واصفًا للطلاق بالبينونة، كذا قيل وقال الكاكي وفيه نوع تأمل، انتهى.
قلت: قوله بائن صفة لطلاق، أو خبر بعد خبر، وليس صفة الطلاق وإنما يكون صفة الطلاق لو قال أنت طالق بائنًا.
م: (ألا ترى أن البينونة قبل الدخول وبعد العدة تحصل به) ش: أي بقوله أنت طالق م: (فيكون هذا الوصف) ش: أي وصف المرأة بقوله - أنت طالق بائن - م: (لتعيين أحد المحتملين) ش: وهو البينونة. وقال الأترازي: هو بفتح الميم، وأراد بهما الرجعي البائن وفيه نظر لأن الرجعي ليس يحتمل الطلاق بل هو البائن. وقال الأكمل ملخصًا من كلام السغناقي، واعترض بأنه لو قال مختلًا لما جاز نيته فيقع بقوله أنت طالق واحدة بائنة، إذا نوى وليس كذلك، وأجيب: بأن النية إنما تعمل إذا لم تكن مغيرة للمشروع ونية البائن من قوله أنت طالق مغيرة، لأن الطلاق شرع معقبًا للرجعة. ورد بأنه تسليم لدليل الخصم ومخرج إلى الفرق بين عدم جواز كون النية مغيرة، وجواز كون الوصف مغيرًا للمشروع.
وأجيب: بأن الفرق بينهما أن الوصف الملفوظ أقوى في اعتبار الشرع من النية، بدليل أنه لو قال أنت طالق، ولم يتقدم له تطليق، اعتبر الشارع ذلك طلاقًا، ولو نوى طلاقًا ولم يتلفظ بلفظ

(5/345)


ومسألة الرجعة ممنوعة فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين، أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من قبل، ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: بائن أو البتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يعتبره طلاقًا لئلا يتغير المشروع، وهو شرعية الوقوع بألفاظ الطلاق.
م: (ومسألة الرجعة ممنوعة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي كما إذا قال: أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك، يعني لا نسلم أنه لا يقع بائنًا بل يقع واحدة بائنة، وهو معنى قوله م: (فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين) ش: أي الطلقتين م: (أما إذا نوى الثلاث) ش: أي الطلقات الثلاث م: (فثلاث) ش: أي يقع ثلاث طلقات م: (لما مر من قبل) ش: أي في باب إيقاع الثلاث بقوله، ونحن نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا آخر.
وقال الكاكي: مسألة الرجعة ممنوعة يعني تقع واحدة بائنة فيها، ولئن سلم فالفرق في قوله أن لا رجعة صرح بنفي الشروع وفي مسألتنا وصف البينونة، وما نفى الرجعة صريحًا، ولكن يلزم منها نفي الرجعة ضمنًا، وكم من شيء يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا، كذا سمعته من شيخي العلامة.
وذكر الأكمل هذا برمته، قال: كذا قال شيخي العلامة وشيخه هو قوام الدين الكاكي وشيخ قوام الدين هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري أي الإمام البحر في الفقه والأصول شارح البزدوي، وكان وضع كتابًا على " الهداية " بسؤال قوام الدين المذكور إياه حين اجتمع به بترمذ، وتفقه عليه، ووصل إلى كتاب النكاح واخترمته المنية برد الله مضجعه.
م: (ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: بائن أو البتة أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (تقع تطليقتان بائنتان) ش: وقياس قول الشافعي تطليقتان رجعيتان. وقال في " فتاوى " الولوالجي وقيل: الأول يقع رجعيًا. وقال الأترازي: أقول هذا أصح عندي، لأن قوله: بائن في قوله: أنت طالق بائن، وقع خبرًا بعد خبر للمبتدأ، كما في قولهم: زيد عالم عامل، أي جامع لهذين الوصفين، فثبت لكل واحد منهما موجبه، وموجب الطلاق ثبوت الرجعة، وموجب البائن ثبوت البينونة، ولا معنى لثبوت التطليقتين البائنتين، ولا يلزم من كون الثاني بائنًا كون الأول بائنًا، انتهى.
قلت: هذا كله مبادر من غير تأمل، ولا يخلو عما هو قصر، لأن قوله: خبر بعد خبر لا يصل أن يكون مصححًا لكلامه بل هو يرد كلامه، لأن معناه كأنه قال أنت طالق أنت بائن نعم، كان قوله أنت طالق يقتضي أن يكون رجعيًا ابتداء، إلا أنه جعل بائنًا لعدم الإمكان، لأن الثاني يكون بائنًا لا محالة عندنا فيكون الأول بائنًا أيضًا ضرورة، إذ لا يتصور بقاء الأول رجعيًا إذا صار الثاني بائنًا.

(5/346)


لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع. وكذا إذا قال أنت طالق أفحش الطلاق؛ لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره، وهو البينونة في الحال، فصار كقوله: بائن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: ومن الناس من ذهب إلى أن الأول يقع رجعيًا بأن أراد ما ذكرناه يعني قوله أن الأول يقع رجعيًا ابتداء، فينقلب بائنًا لوقوع الثاني بائنًا لعدم تصور بقائه رجعيًا، فهذا صحيح ظاهر، وإن أراد بقاؤه رجعيًا فليس بصحيح.
م: (لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع) ش: أراد بالوصف لفظ بائن والبتة، وأنه يصلح للإيقاع ابتداء، بأن قال أنت بائن، أو أنت طالق البتة، ونوى به الطلاق يصح ويقع، وكذا إذا نوى بلفظ البتة تطليقة أخرى.
وقال الأترازي: وقوع الثنتين في قوله أنت طالق البتة فيه نظر عندي، لأن قوله: البتة ذكر منصوبًا، وهو من حيث العربية لا يصح إذا جعل صفة لمصدر محذوف بأن يراد أنت طالق البتة، والطلقة للمرة الواحدة ولا دلالة فيها على التكرار، وأما إذا لم ينوه فظاهر، كذا إذا نواه، لأن الطلقة مصدر وقع تأكيدًا لما دل عليه قوله طالق، فلا يثبت بها شيء آخر على سبيل الأصالة انتهى.
قلت: هذا أيضًا فيه ما فيه، لأن المصدر المحذوف المؤكد بكسر الكاف لما قبله صفة في نفس الأمر وصف بها لفظ طالق بلفظ الشدة، فلا ينافي أن يكون له معنى زائدًا يقع طلقة أخرى، فافهم.
م: (وكذا) ش: أي وكذا تقع التطليقة البائنة، وهذا معطوف على قوله أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة وهو قوله فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين.
ولو نوى الثلاث فثلاث، ولو نوى بقوله أنت طالق واحدة، وبقوله أفحش الطلاق أخرى تقع تطليقتان، وكذا الجواب عن قوله أخبث الطلاق أو أشره أو أشده أو أكبره م: (إذا قال: أنت طالق أفحش الطلاق، لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره) ش: أي أثر الطلاق باعتبار ذاته م: (وهو البينونة في الحال، فصار كقوله: بائن) ش: إنما قلنا لا باعتبار ذاته، لأن ذاته لا توصف بهذه الأوصاف أعنى الفحش، والشر، والشدة والخبث والعظمى والكبر، لأن الطلاق ليس بمحسوس، ولا هذي هيئته، حتى يكون وصفًا لذاته، وغير المحسوس يعرف بأثره، فتكون هذه الأوصاف لأثره. ومن شدة أثره وفحشه وخبثه وكبره وعظمه أن يكون قاطعًا للنكاح في الحال، فصار كأنه بلفظ البائن، لأن أفعل التفضيل لبيان أصل التعارف، وذلك في الواحدة البائنة لأنها أشد حرمة حكمًا وأفحش من الرجعية، وقد يذكر لبيان نهاية التعارف وذلك في الثلاث. فإن نوى الثلاث، فقد نوى محتمل كلامه فصحت، وإن لم تكن له نية يصرف إلى الأدنى، لأنه المتيقن.

(5/347)


وكذا إذا قال: أخبث الطلاق أو أسوؤه؛ لما ذكرنا، وكذا إذا قال: طلاق الشيطان، أو طلاق البدعة، لأن الرجعي هو السنة، فيكون طلاق البدعة وطلاق الشيطان بائنا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله أنت طالق لبدعة أنه لا يكون بائنا إلا بالنية، لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة حيض فلا بد من النية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال: أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا؛ لأن هذا الوصف قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض فلا تثبت البينونة بالشك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل أفحش أفعل التفضيل، فيقتضي أن يكون هناك فاحشًا. قلت: هذا الوزن مشترك بين التفضيل وبين الإثبات، لأن طالقًا لا يحتمل طالقان، ولأن مجرد هذا متيقن، هذا في " الفوائد الظهيرية ".

[قال أنت طالق أخبث الطلاق]
م: (وكذا إذا قال: أخبث الطلاق) ش: أي وكذا الجواب إذا قال أنت طالق أخبث الطلاق م: (أو أسوؤه) ش: أو قال طالق أسوأ الطلاق م: (لما ذكرنا) ش: من قوله لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره، وذكر ابن سماعة في نوادره أنه إذا قال أنت طالق أقبح الطلاق، فإن نوى ثلاثًا فثلاث، وإن نوى واحدة فهي واحدة رجعية، عند أبي يوسف، بائنة عند محمد.
وفي " الكافي " للحاكم الشهيد، وإن قال أنت طالق أكثر الطلاق فهي ثلاث لا يدين إذا قال نويت واحدة، وإن قال أنت طالق أكمل الطلاق وأشر الطلاق، فهي واحدة رجعية، وإن قال أنت طالق طول كذا وكذا أو عرض كذا وكذا فهي واحدة بائنة وإن قال أنت طالق خير الطلاق أو أعدله أو أحسنه أو أفضله فهي طالق للسنة في وقت السنة، وإن نوى ثلاثًا فهي ثلاث للسنة.
وقال الطحاوي في " مختصره ": ولو قال لها أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة كانت طالقًا تطليقة يملك فيها الرجعة، كانت حائضًا أو غير حائض، ولم تكف هذه التطليقة للسنة، ثم قال: وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أنها طالق تطليقة للسنة كما إذا قال أنت طالق أحسن الطلاق.
م: (وكذا إذا قال: طلاق الشيطان أو طلاق البدعة) ش: أي وكذا يقع البائن إذا قال أنت طالق طلاق الشيطان أو طلاق البدعة، أي أو قال أنت طالق طلاق البدعة م: (لأن الرجعي هو السنة فيكون طلاق البدعة وطلاق الشيطان بائنًا، وعن أبي يوسف في قوله أنت طالق للبدعة أنه لا يكون بائنًا إلا بالنية، لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة الحيض، فلا بد من النية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيًا، لأن هذا الوصف) ش: أي وصف البدعة والشيطان م: (قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض، فلا تثبت البينونة بالشك) ش: هذا الذي ذكره المصنف عن محمد هو رواية هشام عنه.

(5/348)


وكذا إذا قال: كالجبل لأن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة وذلك بإثبات زيادة الوصف، وكذا إذا قال مثل الجبل لما قلنا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجعيّا لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيها به في توحيده.
ولو قال: لها أنت طالق أشد الطلاق، أو كألف، أو ملء البيت؛ فهي واحدة بائنة، إلا أن ينوي ثلاثا؛ أما الأول: فلأنه وصفه بالشدة، وهو البائن لأنه لا يحتمل الانتقاض والارتفاض أما الرجعي فيحتمله؛ وإنما تصبح نية الثلاث لذكره المصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م:) وكذا إذا قال: كالجبل) ش: أي وكذا يكون بائنًا إذا قال أنت طالق كالجبل وهذا قول أبي حنيفة ومحمد م: (لأن التشبيه به) ش: أي بالجبل م: (يوجب زيادة) ش: وهي البينونة، لأنه لا يحتمل الزيادة من حيث العدد، لأنه ليس بذي عدد لكونه واحدًا في الذات، فيحمل على الزيادة التي ترجع إلى الوصف. م: (وكذا إذا قال: مثل الجبل) ش: أي وكذا يكون بائنًا إذا قال أنت طالق مثل الجبل م: (لما قلنا) ش: يريد وسع المسافة به قوله أن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة.
م: (وقال أبو يوسف: يكون) ش: أي الطلاق م: (رجعيًا) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيهًا في توحيده) ش: أي توحيد الجبل وهو مزيد عن الوصف والعدد، ويحتمل التشبيه في العظم فلا تقع البينونة بالشك. ولو قال أن طالق كالصخرة أو كالفل فإنه رجعي وبائن عند محمد، ذكره المرغيناني.
وفي " الذخيرة " لو قال أنت طالق مثل التراب أو الأساطير. تقع واحدة رجعية عندهما. وعند أبي حنيفة وزفر تقع واحدة بائنة.

[قال لها أنت طالق أشد الطلاق]
م: (ولو قال لها: أنت طالق أشد الطلاق " أو كألف " أو ملء البيت؛ فهي واحدة بائنة، إلا أن ينوي ثلاثًا) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير " ويقع بهذه الألفاظ طلقة واحدة بائنة نواها أو لم ينو. فلو نوى ثلاثًا فثلاث م: (أما الأول) ش: وهو قوله أنت طالق أشد الطلاق، وفيه البينونة م: (فلأنه وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (بالشدة وهو البائن) م: (لا يحتمل الانتقاض) ش: أي النقض م: (والارتفاض) ش: من الرفض، ولهذا لا يحل له فيه إلى التزوج الجديد.
م: (أما الرجعي) ش: أي الطلاق الرجعي م: (فيحتمله) ش: أي فيحتمل الانتقاض م: (ولهذا) ش: أي في الطلاق الرجعي لأن يراجعها بقول أو فعل ولا يحتاج فيه إلى رضاها، وإنما صح نية الثلاث لذكره المصدر، هذا جواب عما يقال سلمنا أن قوله أنت طالق أشد الطلاق يقتضي الإبانة بواحدة بوصفه الطلاق بالشدة فمن أين تصح نية الثلاث؟ فأجاب بقوله: م: (وإنما تصح نية الثلاث لذكره بالمصدر) ش: وهو اسم جنس يحتمل الثلاث بلا وصف الشدة، وهاهنا أولى. فإن قيل هذا ينبغي أن يتيقن الثلاث بلا نية، لأنه لو قال أنت طالق شديد، يقع البائن وأشد أقوى منه فينبغي أن يصرف إلى الثلاث. قلنا: الجواب عندما ذكرناه عند قوله: أفحش

(5/349)


وأما الثاني: فلأنه قد يراد بهذا التشبيه في القوة تارة، وفي العدد أخرى يقال: هو كألف رجل، ويراد به القوة فتصح نية الأمرين، وعند فقدانها يثبت أقلهما. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد يراد به التشبيه في العدد ظاهرا، فصار كما إذا قال طالق كعدد ألف.
وأما الثالث: فلأن الشيء قد يملؤه البيت لعظمة في نفسه، وقد يملؤه لكثرته وأي ذلك نوى صحت نيته، وعند انعدام النية يثبت الأقل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطلاق وهو أن المراد من أفعل التفضيل هنا مجرد الإثبات لا إثبات التفضيل فلا يجوز حمل مطلق اللفظ مع الاحتمال على الثلاث.
م: (وأما الثاني) ش: وهو قوله كألف م: (فلأنه) ش: أي فلأن الشأن م: (قد يراد بهذا) ش: أي بقوله: كألف م: (التشبيه في القوة تارة وفي العدد أخرى) ش: أي ويراد التشبيه في العدد مرة أخرى م: (يقال: هو كألف رجل) ش: أي فلان كألف رجل، يعني يعد كألف رجل م: (ويراد به القوة) ش: يقال فلان كألف رجل في القوة م: (فتصح نية الأمرين) ش: يعني إذا وسع المسافة نوى الواحدة يقع البائن باعتبار التشبيه في القوة. وإذا نوى الثلاث يقع أيضًا باعتبار التشبيه في العدد م: (وعند فقدانها) ش: أي عند فقدان النية م: (يثبت أقلهما) ش: أي أقل الأمرين وهو الواحد البائن، لأن الأقل متيقن.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقع الثلاث عن عدم النية لأنه عدد) ش: أي لأن الألف عدد م: (يراد به التشبيه في العدد ظاهرًا) ش: هذه رواية عن محمد وذكرها الولوالجي وغيره م: (فصار) ش: أي فصار الحكم في هذا م: (كما إذا قال: طالق كعدد ألف) ش: وهذا لا خلاف فيه، لأنه نص على العدد. ولو قال أنت طالق واحدة كألف فهي واحدة بائنة، ولا تكون ثلاثًا، لأن الواحدة لا تحتمل العدد فيكون التشبيه لزيادة القوة.

[قال أنت طالق مثل الجبل أوملء البيت]
م: (وأما الثالث) ش: وهو قوله ملء البيت م: (فلأن الشيء قد يملأ البيت لعظمة في نفسه، وقد يملؤه لكثرته، وأي ذلك نوى صحت نيته) ش: فالعظم في الطلاق بالإبانة والكثرة بالثلاث، فأيهما نوى صح م: (وعند انعدام النية يثبت الأقل) ش: وهو الإبانة، لأن الأقل متيقن. وروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عن أبي يوسف ومحمد في غير ظاهر الرواية إذا قال أنت طالق مثل الجبل أو ملء البيت أو ملء الكوز، يكون رجعيًا. وفي شرح الأقطع لو قال: أنت طالق تطليقة تملأ الكوز كان بائنًا في قولهم جميعًا، لأنه صفة للطلاق يقتضي زيادة عظم، وليس ذلك إلا بالبينونة.
وفي " الروض " مختصر الرافعي قال: أنت طالق ملء البيت أو البلد أو السماء والأرض أو أعظم من الجبل أو أكثر الطلاق أو أعظمه أو أشده أو أطوله أو أعرضه، أو طلقة كبيرة أو عظيمة يقع واحدة رجعية وتلغو هذه كلها.
وهكذا في " مغني " الحنابلة. وهكذا لو قال: ملء الدنيا يقع واحدة رجعية، كقول الشافعي

(5/350)


ثم الأصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه متى شبه الطلاق بشيء يقع بائنا أي شيء كان المشبه به، يذكر العظم أو لم يذكر؛ لما مر أن التشبيه يقتضي زيادة وصف، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن ذكر العظم يكون بائنا وإلا فلا أي شيء كان المشبه به. لأن التشبيه قد يكون في التوحيد على التجريد، أما ذكر العظم فللزيادة لا محالة، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس يقع بائنا وإلا فهو رجعي. وقيل: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبيانه في قوله: مثل رأس الإبرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأقصى الطلاق وأكثره واحدة رجعية وهو المذهب، ويحتمل الثلاث في أقصاه، قال السروجي: هذا الاحتمال هو الحق والمذهب ضعيف جدًا. ولو قال: أنت طالق عدد التراب يقع واحدة عند أبي يوسف، واختاره البغوي وأحمد. وفي جوامع الفقه عن محمد عدد الرمل ثلاث، لأنه ذو عدد، بخلاف التراب روايتان عنه. ولو قال: أنت طالق واحدة مائة مرة لم يقع إلا وحدة قاله المتولي عن الشافعية وهو بعيد جدًا.
وفي المرغيناني قال: أنت طالق كثلاث فهي واحدة بائنة عند أبي يوسف، وثلاث عند محمد كما لو قال كعدد ثلاث. ولو قال كعدد الشمس أو القمر فهي واحدة بائنة عند أبي حنيفة ورجعية عند أبي يوسف، وعن محمد كالنجوم واحدة، وكعدد النجوم ثلاث. وفي المرغيناني وغيره قال: أنت طالق كعدد كل شعرة على جسد إبليس - لعنه الله - يقع واحدة حتى يعلم عدد شعره، أو هل له شعر. وذكر الكرخي: لو قال: أنت طالق عدد شعر رأسي وعدد شعر ظهر كفي، وقد طلقت ثلاثًا، لأن الشعر ذو عدد، وإن لم يكن موجودًا. وإن قال كالثلج فهو بائن.
م: (ثم الأصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أراد بهذا بيان الأصل الذي يبنى عليه أقوال الإمام وصاحبيه وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى م: (أنه) ش: أي أن الرجل م: (متى شبه الطلاق بشيء) ش: من الأشياء م: (يقع الطلاق بائنًا، أي شيء كان المشبه به يذكر العظم أو لم يذكر لما مر) ش: عن قريب م: (أن التشبيه يقتضي زيادة وصف) ش: وزيادة الوصف توجب البينونة.
م: (وعند أبي يوسف أن ذكر العظم يكون بائنًا، وإلا فلا أي شيء كان المشبه به) ش: يعني سواء كان صغيرًا أو كبيرًا م: (لأن التشبيه قد يكون في التوحيد على التجريد) ش: أي من وصف العظم م: (أما ذكر العظم فللزيادة لا محالة) ش: وذلك بالبينونة م: (وعند زفر إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس يقع بائنًا وإلا فهو رجعي) ش: سواء ذكر العظم أو لم يذكر م: (وقيل محمد مع أبي حنيفة، وقيل محمد مع أبي يوسف) ش: أشار بهذا إلى أن قول محمد مضطرب. وفي " الذخيرة " عند أبي يوسف ومحمد أن ذكر العظم كان بائنًا، وإن كان المشبه به حقيرًا. وإن لم يذكر العظم وإن كان له حد يقع بائنًا وإلا يكون رجعيًا.
م: (وبيانه) ش: أي بيان هذا الخلاف م: (في قوله: مثل رأس الإبرة) ش: أي في قوله أنت

(5/351)


مثل عظم رأس الإبرة، ومثل الجبل مثل عظم الجبل. ولو قال: أنت طالق تطليقة شديدة، أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة، لأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن، وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقع بها رجعية، لأن هذا الوصف لا يليق به فيلغو
ولو نوى الثلاث في هذه الفصول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طالق مثل رأس الإبرة، أي في قوله: م: (مثل رأس عظم الإبرة، مثل الجبل) ش: أي في قوله - أنت طالق م: (مثل عظم الجبل) ش: - ففي قوله مثل رأس الإبرة بائن عند أبي حنيفة ومحمد لمكان التشبيه رجعي عند أبي يوسف لأنه لم يذكر العظم، وكذا زفر، لأنه المشبه به مما لا يوصف بالعظم والشدة. وفي قوله: مثل عظم رأس الإبرة، يكون بائنًا عند أبي حنيفة ومحمد للتشبيه، وكذا عند أبي يوسف لذكر العظم.
وعند زفر رجعي، لأن الإبرة لا توصف بالعظم والشدة. وفي قوله: مثل الجبل، بائن عند أبي حنيفة ومحمد للتشبيه، ورجعي عند أبي يوسف لعدم ذكر العظم، وبائن عند زفر لأن الجبل يوصف بالعظم عند الناس، وفي مثل عظم الجبل يكون بائنًا عند الكل للتشبيه عندهما وذكر العظم عند أبي يوسف وكون المشبه به عظيمًا عند زفر، ولو قال مثل السمسم أو مثل حبة الخردل وقع رجعيًّا عن الثلاث وعند أبي حنيفة.
م: (ولو قال: أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة) ش: أي فهي طلقة واحدة بائنة وفيه خلاف زفر وقد ذكرناه م: (لأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه) ش: أي على الزوج م: (وهو البائن) .
لأن شدة الشيء وقوته لا يحتمل الاعتراض عليه بالانتقاض، وذلك في الطلاق البائن، وهو معنى قوله: وهو البائن الضمير يرجع إلى كلمة ما في قوله ما لا يمكن م: (وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض) ش: ويقال هذا أمر شديد وطويل وعريض.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه يقع بها) ش: أي بهذه الألفاظ م: (رجعية) ش: أي طلقة رجعية م: (لأن هذا الوصف) ش: أي ولو وصف الطلاق بالشدة والطول والعرض م: (لا يليق به) ش: أي بالطلاق، لأن هذه الأوصاف من صفات الأجسام م: (فيلغو) ش: أي يصير ذكره لغوًا فلا يعمل به. وقال الأترازي: وصف الطلاق بالشدة والطول والعرض ليس يمكن للزوم قيام العرض بالعرض، وجوابه أنا لا نسلم أن قيام العرض بالعرض يجوز، لكن نقول للأحكام الشرعية حكم الجواهر، فيجوز حينئذ. أو نقول: سلمنا أنه لا يجوز حقيقة، ولكن لا نسلم أنه لا يجوز مجازًا.

[قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة]
م: (ولو نوى الثلاث) ش: أي الطلقات الثلاث م: (في هذه الفصول) ش: أي في فصل قوله أنت طالق بائن أو البتة أو أنت طالق أفحش الطلاق، وفصل قوله: أخبث الطلاق وأسوؤه،

(5/352)


كلها صحت نيته، لتنوع البينونة على ما مر، والواقع بها بائن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وطلاق الشيطان، وطلاق البدعة، وفصل قوله أشد الطلاق، أو كألف أو ملء البيت أو مثل رأس الإبرة أو مثل أذن رأس الإبرة، ومثل الجبل، ومثل عظم الجبل. وفصل قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة، ففي هذه الفصول م: (كلها صحت نيته) ش: وتقع الثلاث إذا نواها عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنها بائن عنده، والبائن على نوعين خفيفة وغليظة، فإذا نوى الثلاث فقد نوى أغلظ النوعين وأعلاهما فصح أعلاهما.
وذكر الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير " مثل ما ذكر صاحب " الهداية " في صحة نية الثلاث في الفصول كلها، ولكن الإمام الزاهد العتابي، قال في شرحه " للجامع الصغير ": والصحيح أنه لا يصح في أنت طالق تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة، لأنه نص على التطليقة، وإنها تتناول الواحدة، ثم قال هكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي.
قال الأترازي: هذا هو الأصح عندي، لأن النية إنما تصح فيما يحتمل اللفظ ذكر ذلك، والباء موصوفة للوحدة فلا يحتمل غير ذلك، فلا تصح نية الثلاث، انتهى. قلت: كون الباء للوحدة لا تنافي نية الثلاث، لأنه وصفها بالشدة والطول والعرض، وصحة نية الثلاث تؤخذ من الوصف.
م: (لتنوع البينونة) ش: أي غليظة وخفيفة م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله ( ... ) وتقع واحدة بائنة إذا لم يكن له نية أو نوى الثنتين. أما إذا نوى الثلاث فثلاث م: (والواقع بها) ش: أي بهذه الألفاظ المذكورة م: (بائن) ش: لما ذكرنا عند قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة.
فروع: لو قال لامرأته والحجر أو بهيمة إحداكما طالق، أو قال: هذه وهذه طلقت امرأته عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا يقع للشك، وإن قال لامرأته ورجل إحداكما طالق، أو هذه لا يقع عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يقع ولو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق، أو قال هذه أو هذه لا تطلق زوجته إلا بالنية، وفي " المبسوط " حلف أنه لم ينوها، وعند الشافعي وأحمد يقع على زوجته إلا النية وإن قال أردت الأجنبية قيل في الصحيح على المنصوص ذكر في " الإملاء "، وعند مالك لا يقبل منه، ذكر في " الجواهر ". ولو قال: إحدى امرأتي طالق وليس له إلا امرأة واحدة يقع عليها ذكره الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ".

(5/353)


فصل في الطلاق قبل الدخول وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا قبل الدخول بها وقعن عليها، لأن الواقع مصدر محذوف لأن معناه طلاقا ثلاثا؛ على ما بيناه، فلم يكن قوله: أنت طالق إيقاعا على حدة فيقعن جملة. فإن فرق الطلاق، وبانت بالأولى ولم تقع الثانية، ولا الثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الطلاق قبل الدخول] [طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها]
م: (فصل في الطلاق قبل الدخول)
ش: أي هذا فصل في الطلاق قبل الدخول على المرأة لما كان وضع النكاح للدخول كان الطلاق قبله من العوارض، والعارض يذكر بعد الأصل وهو الطلاق بعد الدخول.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها وقعن عليها) ش: عند عامة العلماء، وهو مذهب عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن مسعود وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعكرمة وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير والحكم وابن أبي ليلى والأوزاعي وسفيان الثوري. وقال ابن المنذر: وبه أقول ذكر أبو بكر بن أبي شيبة أنه قول عائشة وأم سلمة وخالد بن محمد ومكحول وحميد بن عبد الرحمن، وكان طاوس وابن الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة. وفي " مصنف " ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد وطاوس وعطاء أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها فهي واحدة، وفي " المبسوط " وهو قول الحسن البصري، م: (لأن الواقع مصدر محذوف) ش: وهو الطلاق الذي قام صفة، وهو الثلاث مقامه م: (لأن معناه طلاقًا ثلاثًا؛ على ما بيناه) ش: إشارة إلى ما ذكره في الفصل المتقدم على فصل تشبيه الطلاق بقوله: ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد إلى آخره م: (فلم يكن قوله: أنت طالق إيقاعًا على حدة فيقعن جملة) ش: يعني إذا كان الواقع مصدرًا محذوفًا لم يكن قوله أنت طالق إيقاعًا على حدة، وإلا زاد عدد الطلاق وهو غير مشروع، فيقعن جملة، وصار الكلام واحدًا ولا يفصل بعضها عن بعض، فإن إيقاع الطلاق لا يتأتى بلفظ أو جزء منه، بخلاف قوله: أنت طلاق وطالق وطالق، حيث انفصلت الثانية والثالثة لأنها كلمات متفرقة، فوقعت الأولى.
م: (فإن فرق الطلاق) ش: بأن يقول أنت طالق طالق طالق على ما يجيء الآن م: (بانت بالأولى) ش: أي باللفظ الأول، وهو قوله: أنت طالق، وتبين لا إلى عدة، لأنها غير مدخولة م: (ولم تقع الثانية ولا الثالثة) ش: لأنه لا يبقى لوقوعها محل، فيلغو كلاهما. وحكي عن الشافعي القديم أنها تطلق ثلاثًا ثلاثًا. وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: هذا قول آخر، وبه قال ابن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد وربيعة ومالك. وقال أحمد: لو ذكر بالواو تطلق ثلاثًا، وبغير الواو لا تطلق لمذهب العلماء، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق طالق وطالق إن دخلت الدار، حيث يقع الثلاث جملة إذا وجد الدخول لوجود المعين في الآخر.

(5/354)


وذلك مثل أن يقول: أنت طالق طالق طالق؛ لأن كل وحدة إيقاع على حدة إذا لم يذكر في آخر كلامه ما يغير صدره حتى يتوقف عليه، فتقع الأولى في الحال وتصادفها الثانية وهي مباينة، وكذا إذا قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت واحدة؛ لما ذكرنا أنها بانت بالأولى.

ولو قال لها أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة كان باطلا لأنه قرن الوصف بالعدد فكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو الشرط.
وإذا قدم الشرط فعند أبي حنيفة تقع الواحدة، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط.
فإن قيل: الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فلو قال لها أنت طالق ثلاثًا يقع الثلاث، فينبغي أن يقع الثلاث أيضًا إذا قال لها أنت طالق وطالق وطالق.
أجيب: بأنه مسلم ولكن إذا وقعت الأولى فلا توقف لعدم المغير في الآخر بانت بها، ولم يبق محل للثانية ولا للثالثة.
فإن قيل: ينبغي أن تقع الثلاث تحقيقًا لمعنى الجمع في الواو، أجيب: بأنه حينئذ تكون الواو للمقاربة ولا دلالة لها عليها لأنها للجمع المطلق.
فإن قيل: يلزم الترتيب على ما قلتم، والواو لم توضع له. أجيب: بالمنع لأنه إنما يلزم إذا كان وقوع الثانية والثالثة متحققًا فلا وقوع ولا ترتيب.
م: (وذلك) ش: أي التفريق م: (مثل أن يقول أنت طالق طالق طالق) ش: ذكر المصنف صورة التفريق بدون حرف الواو، والحكم فيما إذا ذكره بحرف الواو كذلك، ولهذا إذا قال لها: أنت طالق وطالق وطالق تبين بواحدة لا إلى عدة، قاله الأترازي م: (لأن كل واحدة إيقاع على حدة إذا لم يذكر في آخر كلامه ما يغير صدره) ش: أي صدر الكلام كالشرط والاستثناء م: (حتى يتوقف عليه) ش: أي على ما يغير صدره م: (فتقع الأولى) ش: في لفظ أنت طالق. م: (في الحال وتصادفها) ش: أي تصادف الأولى م: (الثانية) ش: أي اللفظة الثانية وهي طالق م: (وهي مباينة) ش: أي والحال أنها مباينة فلا يبقى للثانية محل ولا للثالثة.
م: (وكذا إذا قال) ش: أي وكذا تقع واحدة إذا قال م: (أنت طالق واحدة وواحدة وقعت واحدة لما ذكرنا أنها بانت بالأولى) ش: يعني لما سبقت الأولى في الوقوع صادفتها الثانية وهي مباينة.

[قال لها أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة]
م: (ولو قال لها: أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة كان باطلًا) ش: يعني لا يقع شيء وكذا إذا قال أنت طالق ثنتين فماتت قبل أن يقول: ثنتين، أو قال: أنت طالق ثلاثًا فماتت قبل أن يقول ثلاثًا، أو قال أنت طالق إن شاء الله تعالى فماتت قبل أن يقول إن شاء الله تعالى لم تطلق شيئًا م: (لأنه قرن الوصف) ش: وهو الطلاق م: (بالعدد) ش: وهو واحدة أو ثنتين أو ثلاثة م: (فكان

(5/355)


الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد فات المحل قبل الإيقاع فبطل، وكذا لو قال أنت طالق ثنتين أو ثلاثا لما بينا، وهذه تجانس ما قبلها من حيث المعنى. ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد) ش: فهو واحدة أو ثنتين أو ثلاث، فكان الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد م: (فات المحل قبل الإيقاع فبطل) ش: كلامه فلا يقع شيء.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يبطل كلامه م: (لو قال: أنت طالق ثنتين أو ثلاثًا) ش: أي أو قال أنت طالق ثلاثًا، فماتت قبل أن يقول ثلاثًا م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأنه قرن الوصف بالعدد فكان الواقع هو العدد م: (وهذه) ش: أي هذه المسائل الثلاثة المذكورة هي قوله أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة، وقوله أنت طالق ثنتين فماتت قبل قوله أنت طالق ثنتين، وقوله أنت طالق ثلاثًا، فماتت قبل أن يقول ثلاثًا م: (تجانس) ش: أي تشاكل وتماثل م: (ما قبلها) ش: أي المسألة التي قبلها م: (من حيث المعنى) ش: وهي ما إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها.
بيانه أن المعتبر في الوصفين في الإيقاع هو العدد لا الوصف، فكانت هذه المسائل مماثلة للمسألة المتقدمة من حيث المعنى، لا بينهما تفاوتًا في الحكم وهو أن الطلاق واقع في المسألة المتقدمة لأن العدد صادفها وهي منكوحة وهاهنا لم يقع شيء لأن العدد صادفها وهي ميتة ليست بمحل لوقوع الطلاق.
ثم لأصحاب الشافعي فيما إذا ماتت قبل ذكر العدد ثلاثة أوجه:
أحدها: هو اختيار المزني أنه يقع واحدة في المسألة الأولى، وفي قصد الثنتين ثنتين وفي قصد الثلاث ثلاث.
الثاني: أنه يقع واحدة.
والثالث: أنه لا يقع شيء كقولنا. م: (ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة) ش: هذه المسألة مذكورة في " الجامع الصغير " والقدوري جميعًا، وعندنا في صورة قبل معتبرًا بكنايته وبعد الكناية يقع واحدة وفي قبل بهاء الكناية وبعد بغير الكناية يقع واحدة كما في قبل بغير الكناية فعنده يقع في الصور الأربع إلا واحدة.
وفي " الروضة " للنووي قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة، بانت بالأولى. وإن قال بعد طلقة أو قبلها طلقة ففيه ثلاثة أوجه، أصحها يقع واحدة، والثاني لا يقع شيء، والثالثة يقع ثنتان ويلغو قوله قبلها. وإن قال أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة فوجهان، أصحهما وقع الثنتين، والثاني واحدة.
وإن قال: أنت طالق طلقة تحت طلقة أو تحتها طلقة أو فوق طلقة أو فوقها طلقة فثنتان، وفيه

(5/356)


والأصل أنه متى ذكر شيئين أدخل بينهما حرف الظرف إن قرنها بهاء الكتابة كان صفة للمذكور آخر؛ كقوله: جاءني زيد قبله عمرو، وإن لم يقرنها بهاء الكناية كان صفة للمذكور أولا كقوله جاءني زيد قبل عمرو.
وإيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال؛ لأن الإسناد ليس في وسعه، فالقبلية في قوله أنت طالق واحدة قبل واحدة صفة للأولى، فتبين بالأولى فلا تقع الثانية، والبعدية في قوله بعدها واحدة صفة للأخيرة فحصلت الإبانة بالأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجه أنه طلقة كما في الإقرار فإنه لا يلزمه إلا درهم واختاره ابن كج والحناطي.
وقال إمام الحرمين والغزالي حكمه حكم مع، وفي كلام المتولي ما يقتضي أنه لا يقع في غير المدخول إلا واحدة.
وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة أو بعدها طلقة وذلك قبل الدخول فوجهان:
أحدهما: يقع واحدة.
والثاني: لا يقع شيء. وفي " المغنى " يقع واحدة، وهو ظاهر قول الشافعي. وقال السروجي: هو أحد قولي الشافعي ولا قول له فيه. وقال أبو بكر من الحنابلة يقع ثنتان كقول أصحابنا ويلغو قوله وبعدها. وفي المدخول بها يقع الثلاث، وفي " الجواهر " قال: أنت طالق طلقة مع طلقة أو معها طلقة أو فوقها طلقة أو تحتها طلقة وقعت طلقتان.
م: (والأصل) ش: أي في المسائل المذكورة م: (أنه) ش: أي أن الرجل م: (متى ذكر شيئين أدخل بينهما حرف الظرف) ش: وهو قبل وبعد م: (إن قرنها بهاء الكناية كان) ش: أي الظرف م: (صفة للمذكور آخرًا كقوله جاءني زيد قبله عمرو) ش: وتكون القبلية صفة لزيد.
وليس المراد بالصفة مصطلح النحاة، بل المراد الصفة المعنوية كيف كانت م: (وإن لم يقرنها بهاء الكتابة كان صفة للمذكور أولًا كقوله: جاءني زيد قبل عمرو) ش: فتكون القبلية صفة لزيد، وهذا الذي ذكره هو أحد الفصلين اللذين بنى عليهما الفصول الثلاثة، وهي قبل وبعد وكلمة تا والأصل الثاني هو قوله:

[قوله أنت طالق واحدة بعدها واحدة]
م: (وإيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال، لأن الإسناد ليس في وسعه) ش: لأن الطلاق وضع لرفع الاستباحة، وما مضى من الاستباحة لا يمكن رفعه، فيقع في الحال، لأنه يملكه فيثبت ما أمكن صونًا لكلامه عن الإلغاء م: (فالقبلية في قوله أنت طالق واحدة قبل واحدة صفة للأولى) ش: هذا تفريع الأصل الأول، ولهذا ذكره بالفاء وأراد بالأولى لفظة واحدة الأولى م: (فتبين بالأولى) ش: أي فتبين المرأة بالواحدة الأولى م: (فلا تقع الثانية) ش: لعدم بقاء المحل لوقوعها.
م: (والبعدية في قوله بعدها واحدة) ش: أي قوله أنت طالق واحدة بعدها واحدة م: (صفة للأخيرة) ش: أي صفة للواحدة الأخيرة، وهي الثانية م: (فحصلت الإبانة بالأولى) ش: أي بالواحدة

(5/357)


ولو قال أنت طالق واحد قبلها واحدة تقع ثنتان لأن القبلية صفة للثانية لاتصالها بحرف الكناية، فاقتضى إيقاعها في الماضي إيقاع الأولى في الحال، في غير أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال أيضا، فيقترنان فيقعان جميعا. كذا إذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة يقع ثنتان؛ لأن البعدية صفة للأولى، فاقتضى إيقاع الواحدة في الحال، وإيقاع الأخرى قبل هذه فتقترنان. ولو قال أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة أنه تقع ثنتان، لأن كلمة "مع " للقران. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله معها واحدة أنه تقع واحدة، لأن الكناية تقتضي سبق المكني عنه لا محالة. وفي المدخول بها يقع ثنتان في الوجوه كلها لقيام المحلية بعد وقوع الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى لما ذكرنا.
م: (ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة تقع ثنتان) ش: أي طلقتان م: (لأن القبلية صفة للثانية) ش: أي للواحدة الثانية م: (لاتصالها بحرف الكناية فاقتضى إيقاعها في الماضي إيقاع الأولى في الحال أيضًا فيقترنان) ش: أي الإيقاعان يقترنان في الوقوع م: (فيقعان جميعًا، وكذا إذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة) ش: أي وكذا م: (يقع ثنتان لأن البعدية صفة للأولى) ش: أي للواحدة الأولى م: (فاقتضى إيقاع الواحدة في الحال وإيقاع الأخرى قبل هذه فيقترنان) ش: في الوقوع.
م: (ولو قال: أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة) ش: أي أو قال أنت طالق واحدة معها واحدة م: (تقع ثنتان) ش: أي طلقتان، وهذا الفصل الثالث من الفصول الثلاثة، وهي قبل وبعد ومع.
ولما ذكر الفصلين الأولين وهما القبلية والبعدية ذكر الفصل الثالث، وهو فصل كلمة مع م: (لأن كلمة " مع " للقران) ش: أي للمقارنة فتتوقف الأولى على الثانية تحقيقًا لمراده فوقعتا معًا.
م: (وعن أبي يوسف في قوله معها واحدة أنه تقع واحدة، لأن الكناية تقتضي سبق المكني عنه لا محالة) ش: فيقتضي أن لا يقع السابق فلا يقع ثنتان. وعلل ابن قدامة له أن الطلقة إذا وقعت لا يمكن أن يقع معها غيرها، والتعليل الصحيح هو الأول، وبقول أبي يوسف قال الشافعي في وجه، وهو اختيار المزني م: (وفي المدخول بها تقع ثنتان في الوجوه كلها) ش: أي في قوله قبل واحدة أو قبلها واحدة وبعد واحدة أو بعدها واحدة أو مع واحدة أو معها واحدة م: (لقيام المحلية بعد وقوع الأولى) ش: لأنها في العدة وهي محل الإيقاع.
وقال الكاكي: قبل هذا الجواب مشكل في وقوله - أنت طالق واحدة قبل واحدة، فإن كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير، ثم قال وجوابه مذكور في أصول " الجامع الكبير "، انتهى.
قلت: هذا تعليق فيه تسويف، وجوابه أن اللفظ أشعر بالوقوع وهو ظاهر فيه، والعمل

(5/358)


ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة، وواحدة فدخلت الدار وقعت عليها واحدة، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تقع ثنتان. ولو قال لها أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار فدخلت طلقت ثنتين بالاتفاق. لهما أن حرف الواو للجمع المطلق فيقعن جملة كما إذا نص على الثنتين وأخر الشرط. وله أن الجمع المطلق يحتمل القران والترتيب، فعلى اعتبار الأول تقع ثنتان، وعلى اعتبار الثاني لا يقع إلا واحدة، كما إذا أنجز بهذه اللفظة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالظاهر واجب كما لو قال أنت طالق، فإن الطلاق الثاني يقع أيضًا كالأول، وإن احتمل الخير والتأكيد لكونه غالبًا في الإنشاء ظاهرًا فيه.

[قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة]
م: (ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة، فدخلت الدار؛ وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي في وجه.
وقال أبو نصر من أصحابه: وهو أقيس م: (وقالا يقع ثنتان) ش: وبه قال الشافعي في وجه، وهو اختيار القاضي أبي الطيب، وهو قول مالك وأحمد وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى؛ لأن حرف الجمع كلفظ الجمع عندهم.
م: (ولو قال لها أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار، فدخلت الدار طلقت ثنتين بالاتفاق) ش: هذه من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وفيها أخر الشرط فوقعت طلقتان، لأن صدر الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجبه فوجد الشرط فوقع جميع ذلك بخلاف المسألة الأولى التي فيها قدم الشرط حيث يقع واحدة، لأن المعلق بالشرط بالمنجز عند وجوده، فلما طلقت واحدة لغت الثالثة، لأنها صادفتها وهي أجنبية، وإن كانت المرأة مدخولًا بها وقع الجميع بلا خلاف، قدم الشرط أو أخره؛ لأن الثانية صادفتها وهي في العدة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن حرف الواو لجمع المطلق فيقعن جملة) ش: كلاهما به بغير جماعة النساء على إسناد الفعل إلى المطلقات، وهي غير مذكورة أي المطلقات جملة، وكان ينبغي أن يقول فيتعلقان أو يقعان بالتثنية، لأن الواحدة ذكرت مرتين لا ثلاث مرات كما إذا نص على الثلاث كان ينبغي أن يقول هنا أيضًا م: (كما إذا نص على الثنتين) ش: على ما لا يخفى م: (وأخر الشرط) ش: أي كما لو أخر الشرط كما في قوله أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار حيث يقع ثنتان كما مر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن الجمع المطلق يحتمل القران والترتيب) ش: لأن تحققه في الخارج لا يمكن إلا بأحد الوجهين م: (فعلى اعتبار الأول) ش: أي على اعتبار القران م: (يقع ثنتان وعلى اعتبار الثاني) ش: أي على اعتبار الترتيب م: (لا يقع إلا واحدة) ش: لكونه غير المدخول بها فلا يقع على ما زاد على الواحدة بالشك م: (كما إذا أنجز بهذه اللفظة) ش: بأن قال

(5/359)


فلا يقع الزائد على الواحدة بالشك، بخلاف ما إذا أخر الشرط لأنه يغير صدر الكلام، فيتوقف الأول عليه فيقعن جملة، ولا مغير فيما إذا قدم الشرط فلم يتوقف، ولو عطف بحرف الفاء فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب وهو الأصح.
وأما الضرب الثاني وهو الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنت طالق واحدة واحدة حيث لا يقع إلا واحدة بالاتفاق لعدم المحلية للثانية م: (فلا يقع الزائد على الواحد بالشك، بخلاف ما إذا أخر الشرط لأنه) ش: أي لأن الشرط م: (يغير صدر الكلام فيتوقف الأول عليه) ش: أول الكلام على الشرط م: (فيقعن جملة) ش: كان ينبغي أن يقول يقعان جملة م: (ولا مغير فيما إذا قدم الشرط فلم يتوقف) ش: فيقع على الترتيب فتبين بالأولى ولا تقع الثانية لعدم المحلية.
م: (ولو عطف بحرف الفاء) ش: بأن قال: أنت طالق واحدة فواحدة إن دخلت الدار م: (فهو على هذا الخلاف) ش: يعني عند أبي حنيفة ثنتان، وعندهما واحدة م: (فيما ذكره الكرخي) ش: فإن جعل العطف بالفاء والواو سواء.
وقال: إن حرف العطف يجعلها كلامًا واحدًا فتعلقتا كما في صورة الواو سواء قدم الشرط أو أخره عندهما خلافًا له. وفي " المبسوط ": الطحاوي مكان الكرخي.
م: (وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب) ش: فتقع الأولى ولا محل للثانية م: (وهو الأصح) ش: أي الاتفاق أصح؛ لأن الفاء للعطف على التعقيب لغة لا مطلق العطف، فيقتضي التعليق على التعقيب فينزمن كما علقت بالأولى تبين، فلا تقع الثانية، كذا في المبسوط، وفيه لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق في المدخول بها تعلقت الأولى ووقعت الثانية، لغت الثالثة عند أبي حنيفة، ولو أخرت الشرط وقعت الأولى والثانية في الحال تعلقت الثالثة في المدخولة وغير المدخولة يقع واحدة في الحال، وبلغو ما سوى ذلك عنده وعندهما، وللشافعي ومالك وأحمد يتعلق الثالث بالشرط سواء قدم أو أخر في المدخولة وغيرها، وعند وجود الشرط إن كانت مدخولة يقع الثلاث وإلا تطلق واحدة.

[وقوع الطلاق بالكناية]
م: (وأما الضرب الثاني وهو الكنايات) ش: هذا عطف على ما ذكر بقوله فالصريح مثل قوله أنت طالق في أول باب إيقاع الطلاق؛ لأنه قسم الطلاق ثمة إلى صريح وكناية، وقد فرغ من بيان الصريح، والآن شرع في بيان الكتابة.
والصريح ما هو المشكوف المراد، والكناية ما هو مستتر المراد من قولهم كنيت أو كنوت الشيء إذا سترته م: (لا يقع بها) ش: أي الكناية م: (الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال) ش: إذ هي دليل على المراد كما في البيع بالدراهم المطلقة يصرف إلى غالب نقد البلد، وكذا لو أطلق النية في الحج

(5/360)


لأنها غير موضوعة للطلاق، بل تحتمل الطلاق وغيرها، فلا بد من التعيين أو دلالته. قال: وهي على ضربين: منها ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي ولا تقع بها إلا واحدة، وهي قوله: اعتدّي واستبرئي رحمك، أنت واحدة. أما الأولى: فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى. فإن نوى الأولى تعين بنيته فيقتضي طلاقا سابقا، والطلاق يعقب الرجعة، وأما الثانية فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد لأنه صريح بما هو المقصود منه فكان بمنزلته وتحتمل الاستبراء لتطليقته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصرف إلى الفرض بدلالة الحال، ولهذا جعل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دلالة الحال مقام النية في جميع الكنايات في حالة الغضب وغيره بلا نية من الزوج.
وقال الشافعي: لا يقع الطلاق بشيء من الكنايات في حالة الغضب وغيره بلا نية من الزوج ومن المرأة، وعندنا يكفي نية الزوج، لاحتمال إرادة غير الطلاق فيها في جميع الأمور. وقال مالك: يقع الطلاق بلا نية في الكنايات الظاهرة، كقوله: بائن، بتة، حرام. فإذا قال ما نويت الطلاق لا يصدق؛ لأن ظاهرها في الطلاق.
م: (لأنها) ش: أي لأن الكنايات م: (غير موضوعة للطلاق بل تحتمل الطلاق وغيرها فلا بد من التعيين) ش: بالنية م: (أو دلالة) ش: أي أو دلالة معنى التعيين، ويجوز أن يرجع الضمير إلى الحال؛ لأن الحال مما يذكر ويؤنث ودلالة الحال بأن تكون في مذكرة الطلاق، وكان اللفظ لا يصلح ردًا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وهي على ضربين) ش: أي نوعين؛ وأراد بهما الرجعي والبائن، أجمل أولًا ثم فصل ذلك بقوله م: (منها) ش: أي من الكنايات م: (ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي ولا يقع بها إلى واحدة، وهي قوله: اعتدى، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة أما الأولى) ش: وهي لفظة اعتدى م: (فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى، فإذا نوى الأولى تعين بنيته) ش: أي نية الأولى، ويجوز أن يقال بنية الزوج م: (فيقتضي طلاقًا سابقًا، والطلاق يعقب الرجعة) .
م: (وأما الثانية) ش: هي لفظة استبرئي رحمك م: (فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد؛ لأنه صريح بما هو المقصود منه) ش: أي من الاعتداد م: (فكان بمنزلته) ش: أي بمنزلة الاعتداد، أي في حق إثبات الرجعة لا في حق احتمال الاعتداد بنعم الله تعالى م: (وتحتمل الاستبراء لتطليقته) ش: والاستبراء طلب براءة الرحم من الولد، كذا في " المغرب "، وإنما يحتاج إلى النية؛ لأن قوله استبرئي رحمك يحتمل أن يكون معناه اطلبي براءة رحمك حتى تعلمي أنها فارغة عن الولد أم لا، فلو كانت فارغة أطلقك، وإلا فلا، فلو كانت نيته هكذا لا يقع الطلاق، ولو كانت نيته الاعتداد عن النكاح يقع الطلاق سابقًا كما في قوله اعتدى، فلذلك احتاج إلى النية.

(5/361)


وأما الثالثة فلأنها تحتمل أن تكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله. والطلاق يعقب الرجعة، وتحتمل غيره وهو أن يكون واحدة عنده أو عند قومها. ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره يحتاج فيه إلى النية ولا يقع بها إلا واحدة؛ لأن: قوله أنت طالق منها مقتضى أو مضمر. ولو كان مظهرا لا تقع بها إلا واحدة، فإذا نوى مضمرا أولى، وفي قوله " واحدة " وإن صار المصدر مذكورا، لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأما الثالثة) ش: أي لفظ أنت واحدة م: (فلأنها تحتمل أن تكون نعتًا لمصدر محذوف، معناه تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله) ش: أي قال مصدرًا محذوفًا م: (والطلاق يعقب الرجعة) ش: أراد بهذا أنه طلاق رجعي، والطلاق من الرجعي فيه الرجعة م: (ويحتمل غيره) ش: أي غير ما ذكر م: (وهو أن يكون واحدة عنده) ش: أراد بها اعتدِّي واستبرئي رحمك وأنت واحدة م: (الطلاق وغيره يحتاج فيه إلى النية) ش: لأجل التمييز م: (ولا يقع بها إلا واحدة؛ لأن قوله: أنت طالق منها مقتضى) ش: في قوله اعتدي واستبرئي رحمك م: (أو مضمر) ش: في قوله أنت واحدة كان تقديره أنت طالق طلقة واحدة، وعند الشافعي لا يقع شيء بقوله أنت واحدة وإن نوى، لأنه نعت المرأة وليس فيه معنى احتمال الطلاق أصلًا.
قلنا: إذا نوى يقع؛ لأنه أمكن حمل كلام العاقل على الفائدة فيحمل عليه. وعند زفر يقع بائنًا بقوله أنت واحدة كما في سائر الكنايات.
وبعض المشايخ جعل الطلاق في اعتدي بعد الدخول بالاقتضاء، وقبله بطريق الاستعارة المحضة.
فإن قبل: قلت: الأمر بالاعتداد إنما يصح بعد وقوع الطلاق، فكيف يكون قبله؟
قلت: قوله اعتدي قبل الدخول جعل مستعارًا عن الطلاق، لأن الطلاق سبب لوجوب العدة على ما هو الأصل، إذ الطلاق قبل الدخول إنما وقع لعارض أن النكاح لم يوضع لهذا والعوارض غير داخلة ي القواعد، فيكون الطلاق سببًا لوجوب العدة، فاستعير الحكم لسببه.
م: (ولو كان مظهرًا) ش: يعني لو كان الطلاق وقال أنت طالق م: (لا تقع بها) ش: يعني بلفظة أنت طالق م: (إلا واحدة) ش: أي إلا طلقة واحدة م: (فإذا نوى) ش: أي الطلاق م: (مضمرًا) ش: في قوله أنت واحدة م: (أولى) ش: أن لا يقع إلا واحدة، وذلك أن الأصل في الكلام الصريح لكونه أولى على المراد، بخلاف المضمر لأن فيه قصورًا، ولهذا لا يثبت حكمه إلا بالنية.
م: (وفي قوله واحدة وإن صار المصدر مذكورًا) ش: هذا سؤال بيانه أن يقال لما المصدر مذكورًا ينبغي أن يصح نية الثلاث، فأجاب بقوله م: (لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث) ش: بيانه أن نية الثلاث لا تصح، وقوله أنت واحدة وإن ذكر المصدر بأن قيل أنت طالق واحدة؛

(5/362)


ولا يعتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ وهو الصحيح؛ لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب. قال: وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا كانت ثلاثا، وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة، وهذا مثل قوله: أنت بائن، وبتة، وبتلة، وحرام، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وخلية، وبرية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث للمنافاة بين الواحد والعدة فلا يحتمل لفظًا لا حقيقة؛ لأنه ليس بموضوع له ولا مجازًا للمنافاة. م: (ولا يعتبر إعراب الواحدة عند عامة المشايخ) ش: يعني سواء قال أنت واحدة بالرفع أو بالنصب أو بالسكون م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ المذكور في شرح " الجامع الصغير " أنه إذا أعرب الواحدة بالرفع لم يقع شيء، وإن نوى لأنها صفة شخصها، إذا أعرب بالنصب يقع من غير نية، لأنه نعت مصدر محذوف، وإن سكن ولم يحرك يحتاج إلى النية، وإن نوى كان على الاختلاف، يعني عندنا يقع واحدة رجعية، وعند الشافعي لا يقع شيء.
وقيل: عدم الوقوع في الرفع قول محمد. والصحيح أن الكل سواء، فلا اعتبار للإعراب م: (لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب) ش: فلا يحتاج إلى التفصيل.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وبقية الكنايات) ش: أراد بها ما سوى الألفاظ الثلاثة المذكورة م: (إذا نوى بها) ش: بلفظ فيها م: (الطلاق كانت واحدة بائنة) ش: أي طلقة واحدة بائنة م: (وإن نوى ثلاثًا) ش: أي ثلاث تطليقات م: (وإن نوى ثنتين) ش: أي طلقتين م: (كانت واحدة) ش: أي كانت الطلقة واحدة.
وقال زفر ومالك والشافعي يقع ما نوى. وقال أحمد: هو عندي ثلاث لكني أكره. م: (وهذه) ش: أي المذكور من بقية الكنايات م: (مثل قوله) ش: أي قول الزوج م: (أنت بائن) ش: أي من البينونة وهو القطع، وهو نعت للمرأة، ويحتمل أن يكون استبرئي عن النكاح وعن المعاصي وعن الخيرات ونحو ذلك م: (وبتة) ش: من البت وهو القطع أيضًا، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وبتلة) ش: أي بتلت الشيء إذا ابتله عن غيره، ويه الاحتمالات المذكورة م: (وحرام) ش: أصله المصدر كالحرمة، ويراد به النعت ومعناه الممنوع، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وحبلك على غاربك) ش: وهو استعارة عن التخلية، والغارب بالغين المعجمة ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق فيحتمل الخلو من الخيرات لكونك غير مطيعة ويحتمل الخلو عن قيد النكاح لكونك بائنة.
م: (والحقي بأهلك) ش: الحقي: أمر من لَحِقَ، من حَدِّ علم، وفتح الألف وكسر الحاء خطأ فإنه يصير من الإلحاق وهو فعل متعد، والصحيح أن يجعل من اللحوق فيحتمل لأني طلقتك الحقي بأهلك، ويحتمل سيري بسير أهلك م: (وخلية) ش: من الخلو، بضم الخاء من حد دخل، فيحتمل الخلو عن الخيرات أو عن قيد النكاح م: (وبرية) ش: من البراءة من حد علم، فيحتمل

(5/363)


ووهبتك لأهلك، وسرحتك، وفارقتك، وأمرك بيدك، واختاري، وأنت حرة، وتقنعي، وتخمري، واستتري، واغربي، واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البراءة عن حسن الثناء أو عن قيد أهلك، م: (ووهبتك لأهلك) ش: لأني طلقتك م: (وسرحتك) ش: يحتمل التسريح بالطلاق أو بغيره م: (وفارقتك) ش: تحتمل المفارقة بالطلاق أو بغيره.
قال الشافعي: هما صريحان لا يحتاجان إلى الطلاق، فيكون تفويضًا له إليها، ويحتمل غيره في تصرف آخر.
م: (وأمرك بيدك، واختاري) ش: يحتمل اختيار نفسها بالفراق من النكاح أو في أمر آخر، وفي هذين اللفظين لا تطلق حتى تطلق نفسها م: (وأنت حرة) ش: يحتمل عن حقيقة الرق أو رق النكاح م: (وتقنعي) ش: هذا أمر بأخذ القناع على وجهها، فيحتمل لأنك بتت مني بالطلاق وحرم علي نظرك أو عن الأجنبي لأنظر إليك م: (وتخمري) ش: هو أمر بأخذ الخمار، فيحتمل ما يحتمله تقنعي م: (واستتري) ش: هو أمر بالسترة، فيحتمل ما احتمل تخمري م: (واغربي) ش: هو بالغين المعجمة والراء المهملة، أي تباعدي عني لأني طلقتك.
واغربي لزيارة أهلك، ويروى اعربي بالعين المهملة، والثاني من العروبة وهو النقد م: (واخرجي) ش: يحتمل اخرجي من عندي لأني طلقتك، واخرجي أمر لشيء آخر م: (واذهبي، وقومي، وابتغي الأزواج) ش: أي اطلبيهم، فيحتمل لأني طلقتك، أو ابتغي الأزواج من النساء؛ لأن لفظ الأزواج مشترك بين الرجال والنساء، وهذه اثنتان وعشرون لفظًا.
وفي شرح " الأسبيجابي " " وجوامع الفقه " هي كنايات ومدلولات. وفي " الينابيع " ثلاث كنايات ومدلولات وتفويضات، أما الكنايات فقوله أنت بائن وبتة وخلية وبرية وحرام. وما الحق بها القاضي أبو يوسف في رواية الطحاوي وهي أربعة ذكرها السروجي في " المبسوط " وقاضي خان ي " الجامع الصغير "، وهي لا سبيل لي عليك، لا ملك لي عليك، خليت سبيلك وفارقتك، خرجت عن ملكي.
قالوا: هو بمنزلة خليت سبيلك. وفي " الينابيع " وألحق أبو يوسف بالخمسة ستة أخرى، وهي الأربعة المتقدمة، وزاد خالعتك، والحقي بأهلك.
وقال السروجي: ينبغي أن يزاد فيها: أنت بتلة، ولا سلطان لي عليك، فتصير ثلاثة عشر. أما المدلولات، قيل: قومي واذهبي واخرجي وتقنعي وتخمري واستبرئي والحقي وانتقلي واغربي وابتغي الأزواج، لا نكاح بيني وبينك، وحبلك على غاربك ووهبتك لأهلك، وما أنا بزوج لك، وبنت مني.
ولو قال فسخت نكاحك أو النكاح الذي بيني وبينك، وأنا بريء من نكاحك ونجوت مني أو

(5/364)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تخلصت أو نزلت لك طلاقًا يقع بالنية.
وفي " التكملة " تحرمي ونوى به الطلاق كانت طلقة بائنة إذا لم ينو ثلاثًا.
وفي " المرغيناني " قال أنا براء من نكاحك يقع، وأطلق في الكتاب وهو محمول على النية. ولو قال ابتداء وهبت لك طلاقك أو وقعت به يقع بالنية عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال أبو يوسف هو تمليك إن نوى بها تمليكًا كان تمليكًا بلا خلاف.
وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا قال لها وهبتك لأهلك أو لأبيك أو لأمك أو لابنك أو للأزواج فهو طلاق بالنية. وإن قال: وهبتك لأختك أو لعمتك أو لخالتك وما أشبه ذلك فليس بطلاق، وإن نواه، ولا يشرط القبول لوقوع الطلاق عندنا، ولو قال: اذهبي ألف مرة ونوى به الطلاق فثلاث.
ولو قال: خذي طلاقك فقالت أخذت يقع، كذا اخرجي إن شئت، ونوى فقالت شئت يقع. ولو قال: تزوجي زوجًا ليحلك فهو إقرار بالثلاث.
وأما التفويضات فقوله أمرك بيدك، والطلاق إليك - بخلاف الطلاق منك فإنه كناية يقع بالنية. وفي " البدائع ": أو أنت طالق إن شئت أو طلقي نفسك. ولو قال: لم أتزوجك أو لم تكوني بامرأة، وما أنت بامرأة إلي، أو نوى، لا يقع، وكذا لو قال له لك امرأة فقال لا لم يقع.
وأجمعوا على أنه لو قال لم أتزوجك أو لم يكن بيننا لا يقع وإن نوى، وإن قال لا نكاح بيننا يقع إذا نوى، قال المرغيناني: ولو قال لم يبق بيني وبينك شيء ونوى لا يقع.
وفي " الفتاوى " لم يبق بيني وبينك ونوى يقع. ولو قال لها أعرتك طلاقك، وأنا بريء من طلاقك. أو بريت لك من طلاقك، أو أعرضت أو صفحت عن طلاقك لا يقع، وإن نوى.
وفي " الحاوي " قال: بريت إليك من طلاقك الأصح أنه يقع بالنية. وفي المرغيناني قال أعرتك طلاقك صار بيدها. وعن أبي حنيفة يقع. وعن محمد ولو قال: أقرضتك طلاقك يقع ولو قال: رهنتك، قال المتأخرون لا يقع، وقيل يقع، ولو قال: بعتك طلاقك فقالت: اشتريت يقع رجعيًا، وبه قال مالك. وقال أحمد وإسحاق: لا يقع، ونحن نعتبر بالهبة، ولو قال: أبحتك طلاقك لا يقع، وبمهرك بائن، وكذا بعتك نفسك، ولو زوج امرأته من غيره لا يكون طلاقًا، قاله أبو حامد وغيره.
وقال أبو جعفر ( ... ) وأنى يقع إن نواه. ولو أراد أن يطلقها فقالت: هب لي طلاقي فقال: وهبت لا يقع، ولو قال: أربع طرق مفتوحة لك لا يقع وإن نوى ما لم يقل: خذي أو اذهبي أيها شئت. وفي " المبسوط " اذهبي وبيعي ثوبك ونوى الطلاق لا يقع عند أبي يوسف،

(5/365)


لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلا بد من النية. قال إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سوى بين هذه الألفاظ، وقال: ولا يصدق في القضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعند زفر يقع، وبه قال الشافعي، ولو قال لآخر: أحل إليها طلاقها أو أخبرها به طلقت فيه الحال.
وقال في " المبسوط ": لو قال لها: أنت علي كالميتة أو كالخمر أو كلحم الخنزير ونوى الطلاق وقع، وبه قال الشافعي. وفي الكافي قال لامرأته هذه أختي أو بنتي أو أمي من الرضاع وثبت عليه فرق بينهما. ولو قال أخطأت أو وهمت أو نسيت لم يصدق قياسًا لأنه أقر بالتحريم ويصدق استحسانًا، لأن هذا إيجاب بالتحريم فلا يقع إلا بقرينة، وهي الدوام بأن يقول ما قلت حق.
ولو قال طلقك الله، أو لعبده أعتقك الله وقعا بلا نية، وبه قال الشافعي. ولو قال طلاقك علي واجب، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وفي قوله: لازم واجب تطلق عند الجميع، وقيل: لا يقع شيء، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقيل يقع عند أبي حنيفة خلافًا لهما إلا في قوله: لازم، فإنه يقع به.
وقال أكثر أصحاب الشافعي يقع بلا نية بمنزلة الصريح، ومع النية يقع عند جميعهم، وبه قال مالك وأحمد، وقيل على عكسه. وقيل في قوله: واجب يقع بلا نية، والصحيح أنه يقع في الكل، بخلاف ما لو قال لعبده: عتقك علي لازم أو واجب لا يعتق، ولو قال لها: قولي أنا طالق تطلق إذا قالت، وإذا لم تقل لا. ولو قال: نساء أهل الري، أو قال نساء أهل الدنيا أو عبيد أهل الدنيا أحرار يقعان بالنية، وبه أخذ عصام بن يوسف، وعليه الفتوى، وعن محمد يقعان بلا نية، وبه أخذ الشافعي، ولو قال: أنت طالق ونوى يقع، وإلا فلا. ولو قال: يا طال بكسر اللام تقع بقرينة، وهذا كله في حالة الرضاء، وفي حالة الغضب. وفي مذاكرة الطلاق يقع، وإن لم يذكر اللام مكسورًا.
م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ م: (تحتمل الطلاق وغيره، فلا بد من النية) ش: لأجل التعيين م: (إلا أن يكون) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: إلا أن يكون) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن يكون أي المتكلم بهذه الألفاظ م: (في حالة مذاكرة الطلاق) ش: وفي بعض النسخ م: (إلا أن يكونا) ش: بضمير الاثنين، أي إلا أن يكون الزوجان، وهو استثناء من قوله وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة إلا في حال مذاكرة الطلاق م: (فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن ينويه) ش: أي الطلاق.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (سوى) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (بين هذه الألفاظ وقال: لا يصدق في القضاء) ش: يعني سوى القدوري بين هذه الألفاظ

(5/366)


إذا كان في حال مذاكرة الطلاق وهذا فيما لا يصلح ردّا، والجملة في ذلك أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة، وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وحالة الغضب.
والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جوابا وردّا، وما يصلح جوابا لا ردّا لا غير، وما يصلح جوابا ويصلح سبّا وشتيمة، ففي حالة الرضا لا يكون شيء منها طلاقا إلا بالنية، والقول قوله في إنكار النية لما قلنا، وفي حالة مذاكرة الطلاق لم يصدق فيما يصلح جوابا ولا يصلح ردّا في القضاء مثل قوله خلية وبرية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري، لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق ويصدق فيما يصلح جوابا وردّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في وقوع الطلاق بلا نية في م: (حال مذاكرة الطلاق وهذا) ش: أي الذي قاله من التسوية م: (فيما لا يصلح ردًّا) ش: إذا سوى للمرأة ثم شرع يبين تفصيل ذلك بقوله م: (والجملة في ذلك) ش: أي في بيان ذلك م: (أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة وهي حالة الرضا) ش: وهي حالة ابتداء الزوج بالطلاق، وليست بحالة مذاكرة الطلاق ولا حالة الغضب م: (وحالة مذاكرة الطلاق) ش: وهي أن تسأل المرأة أو غيرها طلاقها زوجها م: (وحالة الغضب) ش: وهو الغضب من الجانبين.

[أقسام الكنايات في الطلاق]
م: (والكنايات ثلاثة أقسام) .
الأول: م: (ما يصلح جوابًا وردًّا لا غير) ش: أي جوابًا لسؤال المرأة الطلاق وردًّا لكلامها عند سؤالها.
الثاني: م: (وما يصلح جوابًا لا ردًّا) ش: أي لا يصلح ردًّا.
الثالث: م: (وما يصلح جوابًا ويصلح سبًّا وشتيمة) ش: فإذا عرف هذا يعرف حكم هذه الأقسام م: (ففي حال الرضا لا يكون شيء منها) ش: أي من هذه الألفاظ م: (طلاقًا إلا بالنية) ش: للاحتمال وعدم دلالة الحال: (والقول قوله) ش: أي قول الزوج: م: (في إنكار النية لما قلنا) ش: إشارة غلى قوله لأنها غير متنوعة للطلاق بل يحتمله وغيره.
م: (وفي حال مذاكرة الطلاق لم يصدق) ش: أي الزوج م: (فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في القضاء) ش: يتعلق بقوله يصدق، أي لا يصدق قضاء في أنه لم ينو الطلاق م: (مثل قوله خلية برية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري) ش: هذه ثمانية ألفاظ ومثله يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في حال مذاكرة الطلاق، وقد ذكرنا معانيها عن قريب م: (لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق) ش: لأن كلامه جواب لسؤالها الطلاق والسؤال يصلح مفادًا في الجواب، والقاضي مأمور باتباع الظاهر م: (ويصدق فيما يصلح جوابًا وردًّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى) ش: أراد ما يصلح جوابًا وردًّا كالألفاظ المذكورة، وفي قوله: اغربي واستبرئي.

(5/367)


لأنه يحتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه، وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك لاحتمال الرد والسب إلا فيما يصلح للطلاق، ولا يصلح للرد والشتم كقوله: اعتدي واختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها؛ لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك، أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول مذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع بها رجعي؛ لأن الواقع بها طلاق، لأنها كنايات عن الطلاق؛ ولهذا تشترط النية وينتقض بها العدد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال شمس الأئمة في " المبسوط ": لو قال: اذهبي ونوى به الطلاق كان طلاقًا موجبًا للبينونة، لأنه لا يلزمها الذهاب إلا بعد زوال الملك م: (لأنه يحتمل الرد، وهو الأدنى فحمل عليه) ش: أي على الأدنى، لأن الأدنى متيقن، وذلك لأن الرد رافع، والجواب رافع، لأن الطلاق رافع لقيد النكاح والدفع أسهل من الرفع فيكون الرد أدنى في الجواب.
م: (وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك) ش: أي فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا، وفيما يصلح جوابًا وردًّا م: (لاحتمال الرد) ش: في السبعة المذكورة مثل اخرجي ... إلى آخره.
م: (والسب) ش: أي لاحتمال السب في الخمسة المذكورة في أوائل الثمانية، وهي خلية ... إلى آخره م: (إلا فيما يصلح للطلاق ولا يصلح للرد والشتم) ش: الاستثناء في قوله: يصدق في جميع ذلك م: (كقوله: اعتدي، اختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها) ش: أي في هذه الثلاثة م: (لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق) ش: ألا ترى أنه من قال لغيره في حالة الرضا لا يكون قاذفًا، ولو قال حالة الغضب يكون قاذفًا.
م: (وعن أبي يوسف في قوله: لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك؛ أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب) ش: لأن معنى لا ملك لي عليك لأنك أدون من أن تملك ومعنى لا سبيل لي عليك لسوء خلقك واجتماع أنواع الشر فيك.
ومعنى فارقتك أي في المسكن اتقاء لشرك م: (ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول) ش: وهي المذكورة في أول الكنايات بقوله اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة م: (مذهبنا) ش: وهو مذهب عامة الصحابة. كذا في الحصر؛ منهم علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
م: (وقال الشافعي: يقع بها) ش: أي بالكنايات م: (رجعي) ش: أي طلاق رجعي، وهو مذهب عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وبه قال أحمد في رواية وفي أخرى كقولنا، وبه قال مالك م: (لأن الواقع بها) ش: أي بألفاظ الكنايات م: (طلاق؛ لأنها كنايات عن الطلاق، ولهذا تشترط النية) ش: أي ولكونها كناية عن الطلاق يشترط النية في وقوع الطلاق م: (وينتقض بها العدد)

(5/368)


والطلاق معقب للرجعة كالصريح. ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله مضافا إلى محله عن ولاية شرعية، ولا خفاء في الأهلية والمحلية، والدلالة على الولاية أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك ولا يقع في عدتها بالمراجعة من غير قصد وليست بكنايات على التحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي ينتقض عدد الطلاق بوقوع واحدة منها م: (والطلاق معقب للرجعة كالصريح) ش: أي كما هو معقب للرجعة في الطلاق الصريح.
م: (ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله) ش: وهو الزوج، لأنه يملك تصرف البينونة، ولهذا إذا أخذ العوض يقع البائن بالإجماع فعلم أن الإبانة مملوكة للزوج وإلا لم يجز الاعتياض عنه م: (مضافًا إلى محله) ش: أي محل التصرف وهو المرأة م: (عن ولاية شرعية) ش: لأن الشارع جعل ولاية الطلاق إليه م: (ولا خفاء في الأهلية) ش: أي في أهلية الزوج م: (والمحلية) ش: أي محلية المرأة للبينونة اللفظية بالاتفاق م: (والدلالة على الولاية) ش: وهذا جواب عما يقال لم قلتم إن له ولاية شرعية في تصرف الإبانة؟ فأجاب بقوله والدلالة على الولاية م: (أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك) ش: قال بعض الشراح أي التدارك بإيقاع الثلاث، والأوجه ما قاله صاحب " النهاية " تدارك دفع المرأة عن نفسه، وذلك لأنه لو لم تقع البينونة عند نيته فتثبت الرجعة والزوج يريد فراقها.
م: (ولا يقع) ش: بالنصب عطفًا على قوله - كيلا ينسد - م: (في عدتها) ش: وفي بعض النسخ في عهدتها م: (بالمراجعة من غير قصد) ش: فيقع في فرطها بالمراجعة إذا كانت فاجرة أو بها سلاطة، وما رأيت شارحًا حرر هذا الموضع كما ينبغي، غير أن الأكمل تعرض لكلام الصنف بغير جدوى، حيث قال ما ملخصه أن هاهنا وجهين، وأراد بهما قوله: والدلالة على الولاية - إلى قوله: التدارك-.
وقوله: ولا يقع ... إلى آخره - وقد جعلهما واحدًا، لأن الأول بعينه تفسير الوجه الثاني، وإن جعل الثاني تفسير الأول فلا يستقم، لأن وقوع المراجعة من غير قصد لا يستقيم على مذهبه، وإذا فسد التفسير فسد المفسر، والحال الكلام فيه ويراد دعواه للوجهين، لأن قوله - لا يقع.. إلى آخره - تتمة الكلام الذي قبله وإيضاح له، وقوله: لا يستقيم، غير مستقيم، لأن الطلاق الرجعي يعقب الرجعة، والرجعة أعم من أن تكون بالقول أو بالفعل ووقوع نظره إلى داخل فرجها فعل منه فتقع به الرجعة.
م: (وليست بكنايات على التحقيق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي أنها كنايات، فأجاب بالمنع بأنا لا نسلم أن ألفاظ الكنايات على التحقيق، أي على الحقيقة لأنها معلومة المعاني، ولا استتار في حقائقها وإنما سميت كنايات مجازًا للاستتار فيما يتصل بهذه الألفاظ لا للاستتارة في

(5/369)


لأنها عوامل في حقائقها والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق وانتقاص العدد لثبوت الطلاق بناء على زوال الوصلة، وإنما تصح نية الثلاث فيها لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة، وعند انعدام النية يثبت الأدنى، ولا تصح نية الثنتين عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عدد، وقد بيناه من قبل،
وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، وقال: نويت بالأولى طلاقا، وبالباقي حيضا دين في القضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفسها، فلما زال ذلك الاستتار بينة الطلاق عملت في حقائقها وهو معنى قوله م: (لأنها) ش: أي لأن الكنايات م: (عوامل في حقائقها) ش: لانعدام مضي التردد بنية الطلاق، فاللفظ هو عامل في حقيقة موجبته حتى تحصل به الحرمة والبينونة.
م: (والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق) ش: هذا جواب عن قوله ولهذا تشترط النية، أي نية الطلاق، تقرير اشتراط النية لو كان لأجل الطلاق كان دليلًا على ما ذكرتم، وليس كذلك، بل هو لتعيين أحد نوعي البينونة الغليظة والخفيفة لا للطلاق، يعني النية شرط للطلاق البائن لا للطلاق المجرد م: (وانتقاص العدد) ش: جواب عن قول الشافعي وينتقص به العدد، تقرير أن انتقاص العدد من الطلاق م: (لثبوت الطلاق) ش: في ضمن البينونة م: (بناء على زوال الوصلة) ش: أي على وصلة النكاح. ومنه يلزم وقوع الطلاق ولا منافاة بين نقص العدد والطلاق البائن، فكان النقص من حيث كونه طلاقًا بائنًا م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: هذا جواب عما يقال إن البائن لو كان عاملًا بنفسه ينبغي أن لا تصح نية الثلاث.
م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (فيها) ش: أي في الكنايات م: (لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة) ش: فالخفيفة هي الطلقة الواحدة البائنة والغليظة هي الطلقات الثلاث م: (وعند انعدام النية) ش: أي نية الثلاث م: (يثبت الأدنى) ش: وهي الواحدة البائنة لأنها متيقنة م: (ولا تصح نية الثنتين) ش: أي الطلقتين م: (عندنا خلافًا لزفر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في الكنايات الخفيفة م: (لأنه عدد) ش: أي لأن الثنتين عدد، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور، أو باعتبار لفظ الخبر وهذا دليلنا، لأن الثنتين عدد في حق الحرة.
وقوله: أنت بائن لا يحتمل العدد، لأنه فرد إلا إذا كانت المرأة أمة لأنه جنس طلاقها م: (وقد بيناه من قبل) ش: يعني في أوائل باب إيقاع الطلاق، وهو وقوله ونحن نقول نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا إلى آخره.

[قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات]
م: (وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي) ش: أي قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات م: (وقال نويت بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى من قوله اعتدي ثلاث مرات م: (طلاقًا وبالباقي) ش: وهو الثنتان الباقيان م: (حيضًا دين في القضاء) ش: يعني يصدق في قوله في الحكم، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: مثل اللفظة الثانية والثالثة، ونوى محتمل

(5/370)


لأنه نوى حقيقة كلامه، ولأنه يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق، وكان الظاهر شاهدا له، وإن قال: لم أنو بالباقيتين شيئا فهي ثلاث؛ لأنه لما نوى بالأولى الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية، بخلاف ما إذا قال: لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء، لأنه لا ظاهر يكذبه، وبخلاف ما إذا قال: نويت بالثالثة الطلاق دون الأوليين حيث لا يقع إلا واحدة ولأن الحال عند الأوليين لم تكن حال مذاكرة الطلاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كلامه بالأولى، لأن لفظة اعتدي تحتمل معنيين، أحدهما اعتدي لا في طلقتك، والأخرى اعتدي نعمي عليك أو نعم الله تعالى عليك، أو اعتدي خباياتك تهديدًا لها.
وفي اللفظ المحتمل لا يتعين الطلاق إلا بالنية أو بما يدل عليه من غضب أو مذاكرة الطلاق، وهاهنا قد صرح بأنه نوى الطلاق باللفظة الأولى وبالباقيتين الحيض فيصدق لما ذكرنا م: (ولأنه) ش: دليل آخر لتصديقه، أي ولأن الرجل م: (يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق وكان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدًا له) ش: فيما يقول.
م: (وإن قال لم أنو بالباقيتين شيئًا فهي ثلاث) ش: أي ثلاث طلقات م: (لأنه لما نوى بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى م: (الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة ش: أي بدلالة الحال لأنها حال مذاكرة الطلاق م: (فلا يصدق في نفي النية) ش: أي في قوله لم أنو بالباقي شيئًا م: (بخلاف ما إذا قال لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء لأنه لا ظاهر بكذبه، وبخلاف ما إذا قال نويت بالثالثة الطلاق دون الأولين حيث لا يقع إلا واحدة؛ لأن الحال عند الأوليين لم تكن حالة مذاكرة الطلاق) .
ش: قال الإمام السرخسي وقاضي خان المسألة على اثني عشر وجهًا، أحدها: أن يقول: لم أنو الطلاق بشيء، فالقول قوله مع اليمين، وبه قال الشافعي وأحمد.
والثاني: قال نويت بالأولى ولم أنو بالباقي شيئًا فهي ثلاث.
الثالث: قال لم أنو بالثالثة شيئًا فهي ثلاث، وفيه خلاف زفر والشافعي ومالك، فعندهم واحدة.
الرابع: قال: نويت بكلها الطلاق فهي ثلاث بالإجماع.
الخامس: قال: نويت بالأولى والثانية الطلاق، وبالثالثة الحيض فهو يدين قضاء أيضًا بالإجماع. (....
....
) .
والسابع: قال: نويت بالأولى الطلاق، وبالثالثة الحيض، ولم أنو بالثانية شيئًا فإنها تطلق ثنتين، وبه قال أحمد، وعن الشافعي ومالك وزفر واحدة.

(5/371)


وفي كل موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره والقول قول الأمين مع اليمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثامن: من قال: نويت بالأولى الطلاق وبالثانية ولم أنو بالثالثة شيئًا فإنها تطلق طلقتين أيضًا.
والتاسع: أن يقول: لم أنو بالأولى والثانية شيئًا، ونويت بالثالثة الطلاق يقع واحدة بالإجماع.
والعاشر: قال: لم أنو بالأولى شيئًا، ونويت بالثانية طلاقًا وبالثالثة حيضًا فهي طلقة واحدة.
الحادي عشر: قال: لم أنو الأولى شيئًا ونويت بالثانية الطلاق ولم أنو بالثالثة شيئًا فهو ثنتان عندنا وعند أحمد وزفر والشافعي ومالك يقع واحدة.
والثاني عشر: لو قال: اعتدي ثلاثًا، وقال: نويت بقولي اعتدي طلاقًا وبالثلاث ثلاث حيض فهو كما قال بالإجماع.
وزاد السرخسي الثالثة عشر: قال: اعتدي اعتدي اعتدي فنوى واحدة فهي كذلك ديانة ولا يصدق قضاء. وفي " المبسوط " قال لها: اعتدي فاعتدي أو اعتدي واعتدي، أو قال اعتدي اعتدي ونوى به الطلاق يقع ثنتان في القضاء.
وقال زفر: تعمل نية الواحدة في القضاء. وعن أبي يوسف في قوله: اعتدي فاعتدي كذلك، بخلاف الواو، لأن الفاء للوصل، فيكون معناه فاعتدي بذلك الإيقاع، والواو للعطف، فكان الثاني غير الأول، وفي " مصنف " ابن أبي شيبة أن اعتدي طلقة عند ابن مسعود وعطاء ومكحول والنخعي والأوزاعي، وقال أبو حنيفة: واحدة رجعية إذا نوى الطلاق، وبه قال الشعبي والثوري وأحمد. وقال الحسن والشعبي هو على ما نوى إلا أن يقول لم أنو شيئًا فهي واحدة. وإن قال اعتدي اعتدي اعتدي قال قتادة: ثلاث، وبه قال الحسن والشعبي. وقال أحمد والحكم هي واحدة. ولو قالت أنت طالق يقع واحدة رجعية، فإن قال: واعتدي، ثنتان عندنا.
م: (ثم في كل موضع يصدق الزوج على نفي النية) ش: أي يصدق م: (وإنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين) ش: لنفي التهمة عنه، وبه قال الشافعي، وقال مالك وأحمد في الكنايات الخفية كذلك لا في الظاهر، واشتراط اليمين لأن في قوله إلزامًا على الغير وفيه ضعف، فاحتيج إلى المؤكد وهو اليمين.

(5/372)