البناية
شرح الهداية باب الأيمان في الطلاق وإذا أضاف الطلاق
إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو كل
امرأة أتزوجها فهي طالق. فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الأيمان في الطلاق]
[أضاف الطلاق إلى النكاح]
م: (باب الأيمان في الطلاق) ش: أي هذا باب في بيان حكم الأيمان في الطلاق.
ولما فرغ من ذكر الطلاق بالتخيير بالصريح والكناية، شرع في ذكره بسبيل
التعليق قدم التخيير، لأنه هو الأصل والتعليق مركب من ذكر الطلاق، وحرف
الشرط والمركب فرع المفرد، ثم اليمين يقع على الحلف بالله حقيقة، ويقع على
التعليق مجازاً، لأن اليمين لغة القوة، قال الشاعر:
إن المقادير بالأوقات نازلة ... ولا يمين على دفع المقادير
أي لا قوة، واليمين في الطلاق عبارة عن تعليقه بأمر يدل على معنى الشرط،
فهو في الحقيقة شرط وجزاء، سميا يميناً مجازاً، لما فيه من معنى التشبيه،
وإضافة ما يحتمل التعليق في الشرط كالطلاق والعتاق والظهار إلى المالك
جائزة، سواء كانت على الخصوص كما إذا قال لامرأته: إذا تزوجتك فأنت طالق أو
على العموم، كقوله: كل امرأة تزوجتها فهي طالق.
فإن قلت سميت اليمين بالله يميناً لزيادة القوة، لأن الإنسان منقلب البال،
فربما لا يثبت على ما يقصده، فيذكر اسم الله تعالى على وجه الحمد أو المنع
فيتقوى بذلك على ما يريده، فما معنى اليمين في ذكر الشرط والجزاء.
قلت وفيه معنى الحمد أو المنع، فسمي لذلك فافهم.
م: (وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة: إن
تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق) ش: وبه قال عمر بن الخطاب
وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو بكر بن عمرو بن حزم وأبو بكر بن
عبد الرحمن وشريح والزهري وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي ومكحول وسالم بن
عبد الله وعطاء وحماد بن أبي سليمان في آخرين، وهو قول مالك وربيعة
والأوزاعي والقاسم وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى، لكن قالوا: هذا إذا
لم يعين بل عين امرأة أو قال: كل امرأة أتزوجها من بني تميم أو بني أسد.
فإن عين قبيلة أو بلدة م: (فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع) ش:
وبه قال أحمد، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمْ -، وهو قول الظاهرية، وفيه قول آخر، وهو أنه إذا نكح لم
يؤمر به، قاله أبو عبيد، وفيه قول آخر، وهو أنه يصح تعليق العتق بالملك دون
الطلاق، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح»
(5/410)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن هشام بن سعيد عن الزهري عن عروة
عن المسور ابن مخرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل ملك» وضعفه ابن عدي، وقال: رواه الزهري عن
عروة مرة مرفوعاً، ومرة عن عروة مرسلاً.
وفي هذا الباب روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
- وهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، ومعاذ،
وجابر، وابن عباس، وأبو ثعلبة، الخشني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
- أجمعين -، فحديث علي عند ابن ماجه من رواية جويبر عن الضحاك عن النزال بن
سبرة عن علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل
نكاح» . وجويبر هو ابن سعيد أبو القاسم الأزدي الخراساني البلخي ضعفه علي
بن المديني ويحيى بن سعيد. وقال أحمد: لا يشتغل بحديثه. وقال يحيى بن معين:
ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك.
وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عند
الدارقطني في "سننه " عن أبي خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن
جبير عن ابن عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل
عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك» . قال صاحب
التنقيح: هذا حديث باطل، وأبو سعيد الواسطي هو عمرو بن خالد، وهو وضاع.
وقال أحمد ويحيى: كذاب.
وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي داود والترمذي
وابن ماجه عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا
عتق له فيما لا يملك» .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
(5/411)
ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط
والجزاء، فلا يشترط لصحته قيام الملك في الحال؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قال ابن العربي: أخبارهم ليس لها أصل في الصحة، فلا يشتغل بها، ولئن
صح فهو محمول على التخيير، ولا يلزم من بطلان التخيير بطلان التعليق، ولم
يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تعليق طلاقاً. فإن قالوا: هو
مضمر، فنقول: الأصل عدم الإضمار. وقال صاحب " الاستذكار ": روي من وجوه إلا
أنها عند أهل الحديث معلولة.
فإن قلت: قال البخاري: هذا الحديث أصح ما في الباب.
قلنا: تركه إياه وعدم تخريجه في " الصحيح " يرد ما ذكر عنه من هذا.
وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عند الدارقطني من رواية
الوليد بن سلمة الأزدي عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «بعث
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا سفيان بن حرب، فكان فيما
عهد إليه أن لا يطلق الرجل ما لم يتزوج ولا يعتق ما لم يملك» . قال الأزدي
وابن حبان: الوليد بن سلمة: كان يضع الحديث على الثقات، لا يجوز الاحتجاج
به. وقال: هو كذاب.
وحديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند الدارقطني من
رواية عبد المجيد، وهي ابن داود عن ابن جرير عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن
معاذ بن جبل أو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا
طلاق قبل نكاح، ولا نذر فيما لا يملك» ، ورواه أيضاً من رواية يزيد بن عياض
عن الزهري عن سعيد بن المسيب وطاوس عن معاذ بن جبل مرسلاً، وكذا سعيد بن
المسيب، ورواه أيضاً ابن عدي في "الكامل " من رواية عمرو بن عمرو عن أبي
فاطمة النخعي وعمرو بن عمرو يروي الموضوعات، وأبو فاطمة مجهول لا يعرف.
وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الحاكم عن أيوب بن سليمان
الجريري عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
مرفوعاً. وقال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده ضعيف، وسليمان بن أبي سليمان
شيخ ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء.
وحديث أبي ثعلبة الخشني عند الدارقطني من رواية بقية بن الوليد عن ثور بن
يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال لي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث، وفيه: «لا طلاق إلا بعد نكاح» .
م: (ولنا أن هذا) ش: أي التعليق بالشرط م: (تصرف يمين) ش: من الحالف في ذمة
نفسه م: (لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط) ش: وهو التعليق م: (لصحته قيام
الملك في الحال) ش: كاليمين
(5/412)
لأن الوقوع عند الشرط، والملك متيقن به
عنده، وقيل ذلك أثره المنع وهو قائم بالتصرف. والحديث محمول على نفي
التنجيز، والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري وغيرهما.
وإذا أضافه إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار
فأنت طالق، وهذا بالاتفاق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالله تعالى، والنذر المعلق بالعتق م: (لأن الوقوع عند الشرط) ش: أي لأن
وقوع الطلاق عند وجود الشرط لا يقع قبل وجوده، فحين وجود الشرط يحصل ملك
الطلاق، لأن التزوج سبب لملك الطلاق وذمة الحال كافية لصحة اليمين لأهليته
م: (والملك متيقن به عنده) ش: أي عند الشرط، ويصح مع احتمال الملك عند
الشرط، فمع المتيقن بالملك أولى، وبيانه أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار،
وإن احتمل عند وجود الشرط بأن تصير مطلقة فلأن يصح هنا هو التيقن أولى.
م: (وقيل ذلك أثره المنع) ش: أي قبل وجود الشرط أثر الشرط لم يمنع السبب من
أن يتصل بالمحل م: (وهو قائم بالتصرف) ش: أي تصرف اليمين الحلف قائم
بالمتصرف، ولا حاجة إلى اشتراط المحل، بل ذمة الحالف كافية م: (والحديث) ش:
أي الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن معه المذكور م:
(محمول على نفي التنجيز) ش: أي لا طلاق قبل النكاح منجزاً، والمنجز هو
الطلاق حقيقة لا المعلق. وتحقيقه أنهم سألوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن كون ذلك الطلاق، فقال: لا طلاق قبل النكاح وليس الكلام فيه،
وإنما الكلام في تعليق الطلاق بالنكاح جائز أو ليس بجائز، وليس في الحديث
ما يدل على نفيه أم إثباته.
م: (والحمل) ش: أي حمل الحديث على التخيير م: (مأثور عن السلف) ش: أي مروي
عنهم م: (كالشعبي) ش: هو عامر بن شراحيل من كبار التابعين نسبته إلى شعيب
الأصغر بطن بالكوفة م: (والزهري) ش: هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد
الله بن شهاب، ونسبته إلى م: (غيرهما) ش: أي غير الشعبي والزهري مثل سالم
والقاسم وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز والأسود وأبي بكر بن عبد
الرحمن ومكحول. فإن أبا بكر بن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج عن
هؤلاء في "مصنفه" في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق أو يوم أتزوجها فهي
طالق، قالوا: هو كما قال. وفي لفظ: يجوز ذلك عليه.
[أضاف الرجل الطلاق إلى شرط]
م: (وإذا أضافه) ش: أي أضاف الرجل الطلاق م: (إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل
أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق) ش: لأن المعلق بالشرط كالمنجز
عند وجود الشرط م: (وهذا بالاتفاق) ش: احترز به عن المسألة المتقدمة أعني
قوله: إن تزوجتك فأنت طالق، لأن فيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
كما مر.
قال الأترازي: يجوز أن يكون احترازاً عن المسألة التي بعد هذه، أعني قوله
لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق، لأن فيها
خلاف ابن أبي ليلى، فعنده
(5/413)
لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه
إلى وقت وجود الشرط فيصح يمينا أو إيقاعا.
ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكا، أو يضيفه إلى ملكه، لأن
الجزاء لا بد أن يكون ظاهرا ليكون مخيفا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تطلق.
م: (لأن الملك قائم في الحال) ش: هذا جواب عما يقال: سلمنا أن الطلاق يقع
عقيب الشرط إذا كان الملك حينئذ قائماً، أما إذا زال فلا ينبغي أن يصح
يمينه أصلاً لاحتمال زوال الملك، فأجاب بقوله: لأن الملك قائم في الحال
لكونه تحققاً في الحال م: (والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط) ش: لأن الأصل
في كل ثابت استمراره، خصوصاً النكاح الذي هو عقد العمر، ومجرد احتمال
الزوال لا يلتفت إليه، لأنه ليس بناشئ عن الدليل، فلما صح تعليقه بالنظر
إلى بقاء الملك ظاهراً وقع كلامه المعلق يميناً على أصلنا، لأن التعليقات
ليست بإثبات في الحال عندنا، وإنما تنقلب أسباباً عند الشرط، وعلى أصل
الشافعي إيقاعاً لأن للتعليقات أسباباً عنده في الحال والملك في الحال
موجود.
م: (فيصح) ش: أن تعليقه على الأصلين م: (يميناً) ش: أي من حيث أنه يمين
عندنا م: (أو إيقاعاً) ش: أي أو صح من حيث الإيقاع عنده. وقال الكاكي:
مستدلاً لأصحابنا في هذه المسألة، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» وقد صح سنده، فلا
يخرج ذلك من العموم بما لا يثبت، فإن أحاديثهم ضعيفة، وقد ضعفها ابن حنبل
والقاضي أبو بكر بن العربي الأشبيلي، فقال أبو بكر: أحاديثهم ليس لها أصل
في الصحة فلا يشتغل بها، ولهذا ما عمل بها مالك وربيعة والأوزاعي من أهل
الحديث انتهى.
قلت: هذا الحديث ذكره المصنف في فصل بعد طلاق السنة، وهذا حديث غريب، وكيف
يقول الكاكي وقد صح سنده، وأعاده المصنف أيضاً في باب الحجر بلفظ المعتوه
عوض المجنون.
وأخرج الترمذي عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل طلاق جائز
إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله» . وقال هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا
من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث.
[قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق]
م: (ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكاً) ش: يعني إلا إذا حلف
في الملك م: (أو يضيفه) ش: أي أو يضيف الطلاق م: (إلى ملكه؛ لأن الجزاء لا
بد أن يكون ظاهراً) ش: أي ظاهر الوجود أو غالب الوجود م: (ليكون) ش: أي
الجزاء م: (مخيفاً) ش: أي بوقوع الجزاء فيما إذا كان
(5/414)
فيتحقق معنى اليمين وهو القوة والظهور بأحد
هذين، والإضافة إلى سبب الملك بمنزلة الإضافة إليه؛ لأنه ظاهر عند سببه.
فإن قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق؛
لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المقصود منه المنع بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فعلى تقدير الإقدام
على دخول الدار يقع الطلاق، لأنه دار نفقتها وكفايتها، فكان وقوعه مطلقاً
لها، فأما إذا كان للحمل بحرف الشرطية يدخل على المنهي، كما في قوله: إن لم
تدخلي الدار فأنت طالق.
فإن قيل: لو قال لها إن حضت فأنت طالق يصح مع أنه لا يكون فيها فائدة
اليمين، وهو المنع لما أنها غير قادرة على منع حيضها. قيل: الاعتبار للغالب
لا للنادر، لأن الكلام في الكليات لا في الأفراد والتخلف في الأفراد لا
يضرنا، قيل فيه نظر، لأن الكلي ينبغي أن يكون شاملاً للأفراد، فإذا لم
يشملها لا يكون كلياً، انتهى.
قلت: السؤال والجواب للكاكي، والنظر للأترازي، ولكن فيه نظر لا يخفى على
المتأمل.
م: (فيتحقق معنى اليمين) ش: بالنصب عطفاً على قوله ليكون م: (وهو القوة) ش:
أي قوة خوف نزول الجزاء والخوف إنما يحصل بكون الجزاء غالب الوجود عند
الشرط م: (الظهور) ش: أي ظهور الجزاء م: (بأحد هذين) ش: وهو كون الحالف
مالكاً أو مضيفاً إلى الملك م: (والإضافة إلى سبب الملك) ش: أي إضافة
الطالق إلى سبب الملك وهو التزوج م: (بمنزلة الإضافة إليه) ش: أي إلى
الملك، وذلك فيما إذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق.
وهو بمنزلة إضافة الطلاق إلى الملك، لأن الجزاء جزء من الوجود عند وجود
الشرط فيصير قوله: إن تزوجتك بمنزلة قوله: إن ملكتك بالتزويج م: (لأنه) ش:
أي لأن الجزاء م: (ظاهر عند سببه) ش: أي عند سبب الملك.
م: (فإن قال لأجنبية) ش: هذا تفريع على ما مهد من الأصل، يعني إذا قال
الرجل لامرأة أجنبية: م: (إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار
لم تطلق؛ لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من
واحد منهما) ش: يعني الحالف في هذه المسألة لم يكن مالكاً ولا مضيفاً إلى
الملك وسببه، ولا بد منهما.
وقال ابن أبي ليلى: يقع التزوج إذا دخلت بعد التزوج، قيل كان ينبغي أن يقع
الطلاق في هذه الصورة، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده.
أجيب: بأن المعلق إنما يكون كالمنجز إذا صح التعليق، ولم يصح في هذه
الصورة، ولا يقدر في تصحيح كلامه إن تزوجتك ودخلت الدار فأنت طالق؛ لأن
كلامه صحيح بدون تقدير التزوج، ولا يخفى ذلك.
(5/415)
وألفاظ الشرط إن وإذا، وإذا ما، وكل،
وكلما، ومتى، ومتى ما؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ألفاظ الشرط في تعليق الطلاق]
م: (وألفاظ الشرط) ش: إنما لم يقل حروف الشرط، لأن كلمة "إن" هو الحرف
وحده، والباقي أسماه وكلمة م: (إن) ش: وهو الأصل في باب الشرط لدخوله على
الفعل، وفيه حظر، بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على الاسم وليس فيه حظر،
فيرد لثلاثة معان أخرى:
الأول: معنى المعنى نحو {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك:
20] (الملك: الآية 20) .
الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة نحو {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ
لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] (الأعراف: الآية 102) .
الثالث: أن تكون زائدة نحو إن طبا حين.
م: (وإذا) ش: اعلم أن إذا ترد على وجهين.
أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجملة الاسمية، نحو خرجت فإذا زيد.
والأخرى: أن يكون ظرفاً للمستقبل متضمنة معنى الشرط، فيختص بالجملة
الفعلية، ويكون الفعل بعدها ماضياً كثيراً أو مضارعاً دون ذلك.
م: (وإذا ما، ومتى) ش: متى ترد على أربعة أوجه استفهام نحو {مَتَى نَصْرُ
اللَّهِ} [البقرة: 214] (البقرة: الآية 214) ، واسم شرط كقوله متى أضع
العمامة تعرفوني، واسم مرادف للوسط، يقال وضعت متى كمي أوسط كمي.
وحرف بمعنى من أدنى، وذلك في لغة هذيل، ويقولون أخرجها متى كمه، أي منه م:
(ومتى ما) ش: دخلت ما في متى وكلاهما يلزمان م: (وكل) ش: لفظية "كل" اسم
موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (آل عمران: الآية 185) .
والمعرف المجموع نحو قَوْله تَعَالَى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95]
(مريم: الآية 95) ، وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن م: (وكلما) ش: وقد
ذكر المصنف ألفاظ الشرط هنا سبع كلمات.
وفي " جوامع الفقه " حروف الشرط: إن، وإذا، ومتى، ومتى ما، ولولا. وقال ابن
نفيس في " شرح المفصل ": الأسماء التي يجازى بها إحدى عشر: من، وما ومهما،
وأي، والظروف: أين، وإن، ومتى، ومتى ما، وحيثما، وإذا، وإذا ما. زاد عليها
في " المحلل في شرح الجمل " أيا وكيفما عند الكوفيين، ولم يذكروا كلاً
وكلما. وجميعاً يجزم مثل أن.
وفي الروضة للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الألفاظ التي تعلق بها الطلاق
بالشرط من وإذ وإذا ومتى ومتى ما وكيفما وأي، وليس فيها ما يقتضي التكرار
إلا كلما، وإنما لم يذكر المصنف كلمة
(5/416)
لأن الشرط مشتق من العلامة
وهذه الألفاظ مما تليها أفعال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لو مع أنه للشرط وضعاً، ذكر في شرح المفصل باعتبار أنه يعمل عمل الشرط معنى
لا لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً ومعنى حتى يجزم في مواضع
الجزم، وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهن.
م: (لأن الشرط مشتق من العلامة) ش: هذا الكلام لا يستقيم، لأن معنى
الاشتقاق هو أن ينتظم الصيغتان معنى واحداً من لفظ الشرط ومن لفظ العلامة،
غير أن الشراح تكلفوا وقالوا الشرط بالتحريك العلامة، فتقدير كلامه الشرط
مشتق من العلامة، أي من الشرط الذي هو بمعنى العلامة.
ثم اعلم أن الشرط مشتق من أشرط بفتح الراء الذي بمعنى العلامة، لا من شرط
الحاكم وشرط اليمين فإنه بسكون الراء على شروط في الكثرة، وأشرط في القلة
كفلوس وأفلس في جمع فلس.
وأما الشرط بالتحريك فيجمع على أشراط، ومنه ذكر أشراط الساعة، أي علامتها،
والشرط هنا عبارة عن أمر منتظر على حظر الوجود يقصد نفيه وإثباته، كقولك إن
زرتني أكرمتك، وإن لم تشمتني أجبتك، فمن هذا يعرف أن كلمة إن هي الأصل في
باب الشرط لدخولها على الفعل، وفيه حظر بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على
الاسم، وليس فيها حظر وإنما لمجازاة باعتبار تضمنها معنى إن، فكان ينبغي
على هذا أن لا تستعمل كل في مجازاة الدخول على الاسم خاصة، إلا أن الاسم
الذي يتعقبه يوصف بفعل لا محالة، فيكون ذلك الفعل في معنى الشرط، كقولك: كل
عبد اشتريته فهو حر، وكل امرأة تزوجتها فهي طالق، فألحق كل بحرف الشرط.
ثم اعلم أن الشروط شرعية وعقلية وعرفية ولغوية.
فالشريعة كالضوء للصلاة، والعقلية كالحياة مع العلم، يلزم من وجود العلم
وجود الحياة دون العكس. والعرفية، ويقال لها الشروط العادية أيضاً، كالسلم
مع صعود السطح يلزم من وجود صعود السطح وجود نصب السلم.
واللغوية مثل التعليقات كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه يلزم من
وجود الشرط وجود المشروط، فيلزم من دخول الدار وقوع الطلاق.
م: (وهذه الألفاظ) ش: أي إن وإذا...... إلى آخرها م: (مما تليها أفعال) ش:
يستثنى منها كلمة كل، لأنها ليست شرطاً حقيقة، لأن ما يليها اسم الشرط
يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق
الفعل بالاسم الذي يليها مثل: كل عبد اشتريته، وكل امرأة
(5/417)
فتكون علامات على الحنث، ثم كلمة إن حرف
للشرط؛ لأنه ليس فيها معنى الوقت، وما وراءها ملحق بها، وكلمة "كل" ليست
شرطا حقيقة؛ لأن ما يليها اسم، والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق
بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها، مثل قولك:
كل عبد اشتريته فهو حر. قال: ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين
وانتهت؛ لأنها غير مقتضية للعموم، والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم
الشرط، ولا بقاء لليمين بدونه، إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم
الأفعال، قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56]
الآية (النساء: الآية 56) ، ومن ضرورة التعميم التكرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أتزوجها، ولهذا لم يذكره النحاة في أدوات الشرط م: (فيكون علامات على
الحنث) ش: أي فتكون الأفعال علامات على الحنث، أي على الجزاء.
م: (ثم كلمة "إن" حرف للشرط) ش: أي خالص الشرط م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن
م: (ليس فيها معنى الوقت) ش: لكونها أصلاً في باب الشرط بدخولها على الفعل
وفيه حظر.
فإن قلت: قد جاء دخولها على الاسم أيضاً كقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] (التوبة: الآية 6) ، وقَوْله
تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] (النساء: الآية 176) ،
فينبغي أن يكون أصلاً.
قلت: الفعل فيه مضمر يفسره الظاهر تقديره إن استجارك أحد، إن هلك امرؤ،
وإنما حذف لئلا يلزم الجمع بين المفسر والمفسر.
م: (وما وراءها) ش: أي ما وراء كلمة إن م: (ملحق بها) ش: أي بأن باعتبار
تضمنها معنى إن م: (وكلمة "كل" ليست شرطاً حقيقة؛ لأن ما يليها) ش: أي لأن
الذي يليها م: (اسم) ش: ولا يليها فعل م: (والشرط ما يتعلق به الجزاء،
والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل) ش: أي لملازمة
الفعل م: (بالاسم الذي يليها، مثل قولك كل عبد اشتريته فهو حر) ش: وكذا إذا
قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ففي هذه
الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين وانتهت؛ لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ،
أي إن وما ذكر معها م: (غير مقتضية للعموم والتكرار لغة، فبوجود الفعل مرة
يتم الشرط ولا بقاء لليمين بدنه) ش: أي بدون الشرط، وذلك لأن اليمين تعليق
جزاء معدوم، والشرط إذا انتهى بوجوده مرة، لعدم دلالة اللفظ على التكرار،
لا يبقى اليمين لا محالة م: (إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم
الأفعال) ش: وفي بعض النسخ: تعميم الأفعال م: (قال الله تعالى {كُلَّمَا
نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] ... الآية (النساء: الآية 56) ، م:
(ومن ضرورة التعميم التكرار) ش: بخلاف سائر ألفاظ الشرط، فإنها تدل على جنس
الفعل لا التكرار، وجنس الفعل يتحقق في المرة الواحدة، فإذا وجد الفعل مرة
انحلت اليمين، ولا يقع الجزاء إذا وجد الفعل ثانياً لارتفاع اليمين.
(5/418)
قال فإن تزوجها بعد ذلك- أي بعد زوج آخر-
وتكرر الشرط لم يقع شيء، لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا
النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء اليمين به وبالشرط، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى. ولو دخلت على نفس التزوج، بأن
قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، يحنث بكل مرة، وإن كان بعد زوج آخر؛ لأن
انعقادها باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج، وذلك غير محصور. قال:
وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تزوجها بعد زوج آخروتكررالشرط]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فإن تزوجها بعد
ذلك- أي بعد زوج آخر- وتكرر الشرط) ش: أي الدخول م: (لم يقع شيء؛ لأن
باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء
اليمين به وبالشرط) ش: أي بالجزاء وبالشرط؛ لأن اليمين ذكر شرط وجزاء.
وفي " المنتقى " عن أبي يوسف لو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها مرة
طلقت، ولو تزوجها ثانياً لا تطلق ولا يحنث، وفي هذا مرتين، كما في قوله:
المرأة التي أتزوجها طالق.
فالحاصل أن عند أبي يوسف أن كلما إذا دخلت على المعينة فوجب التكرار، وفي
غير المعينة لا تقتضي، واستدل على ذلك بما لو قال كلما اشتريت هذا الثوب
فهو صدقة في كذا، وسكنت هذه الدار فعلي صدقة، كذا يلزمه لكل مرة.
ولو قال كلما اشتريت ثوباً أو ركبت دابة فعلي صدقة، كذا لا يلزمه إلا مرة،
ذكره في " الذخيرة ".
م: (وفيه خلاف زفر) ش: أي فيما إذا تزوجها بعد زوج آخر وتكرار الشرط خلاف
زفر فعنده يقع الطلاق، وهو بناء على التخيير في مطلق التعليق عندنا، خلافاً
له، وبه قال مالك والشافعي في "الجديد" وأحمد م: (وسنقرره من بعد إن شاء
الله تعالى) ش: أي سنقرر خلاف زفر بعد، في قوله وإن قال لها إن دخلت الدار
لم يقع شيء.
م: (ولو دخلت) ش: أي لفظة كلما م: (على نفس التزوج، بأن قال كلما تزوجت
امرأة فهي طالق يحنث بكل مرة) ش: لوجود الشرط أبدا م (وإن كان بعد زوج آخر)
ش: وهذا واصل بما قبله م: (لأن انعقادها) ش: أي انعقاد اليمين م: (باعتبار
ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج) ش: أي بسبب التزوج م: (وذلك غير محصور)
ش: ٍأي التزوج غير محصور، فلا يكون الطلاق محصوراً أيضاً، لأن وجود السبب
متكرر يقتضي وجود المسبب متكرراً، بخلاف كلمة كل لأنه يوجب تعميم الأسماء
بالأفعال.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وزوال الملك
بعد اليمين) ش: أي زوال ملك الرجل عن عصمة امرأته بأن طلقها بائنة بعد
اليمين م: (لا يبطلها) ش: أي لا يبطل اليمين
(5/419)
لأنه لم يوجد الشرط، فبقي والجزاء باق
لبقاء محله، فبقي اليمين. ثم إن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين ووقع
الطلاق؛ لأنه وجد الشرط، والمحل قابل للجزاء، فينزل الجزاء ولا تبقى اليمين
لما قلنا. وإن وجد في غير الملك انحلت اليمين لوجود الشرط، ولم يقع شيء
لانعدام المحلية.
وإن اختلفا في الشرط فالقول قول الزوج، إلا أن تقيم المرأة البينة؛ لأنه
متمسك بالأصل، وهو عدم وجود الشرط، ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك
والمرأة تدعيه. وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق
نفسها، مثل أن يقول إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت: قد حضت طلقت هي ولم
تطلق فلانة، ووقوع الطلاق استحسان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صورته: قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم أبانها تبقى اليمين م: (لأنه لم
يوجد الشرط، فبقي) ش: أي اليمين م: (والجزاء باق لبقاء محله) ش: لأن الثلاث
لم توجد م: (فبقي اليمين) ش: كما كان في ذمة الحالف.
م: (ثم إن وجد الشرط) ش: وهو دخول الدار م: (في ملكه) ش: يعني بعد أن
تزوجها ثانياً. م: (انحلت اليمين) ش: لأن اللفظ لا يدل على التكرار، فبوجود
الشرط مرة انتهت اليمين، بخلاف كلمة كلما م: (ووقع الطلاق؛ لأنه وجد الشرط،
والمحل قابل للجزاء) ش: المحل هي المرأة والملك فيها موجود والجزاء ووقوع
الطلاق م: (فينزل الجزاء ولا يبقى اليمين) ش: لأنها انتهت لعدم دلالة اللفظ
على التكرار م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله فبوجود الفعل مرة يتم الشرط
م: (وإن وجد) ش: أي الشرط، وهو دخول الدار م: (في غير الملك) ش: يعني بعد
زوال الملك قبل التزوج ثانياً م: (انحلت اليمين لوجود الشرط ولم يقع شيء)
ش: من الطلاق م: (لانعدام المحلية) ش: أي محل الطلاق لعدم الملك.
[اختلف الزوج والزوجة في وجود الشرط في الطلاق]
م: (وإن اختلفا في وجود الشرط) ش: بأن قال الزوج لم يوجد الشرط ولم يقع
الطلاق، وقالت الزوجة: قد وجد الشرط ووقع الطلاق، م: (فالقول قول الزوج) ش:
لأن الأصل عدم الشرط والقول لمن يتمسك بالأصل م: (إلا أن تقيم المرأة
البينة) ش: على وجود الشرط حينئذ يكون القول قولها م: (لأنه) ش: أي لأن
الزوج م: (متمسك بالأصل وهو عدم وجود الشرط) ش: لدلالة الظاهر على ملك
كالمدعى عليه إذا أنكر المال.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة
تدعيه) ش: أي تدعي وقوع الطلاق، فالقول قول الزوج إلا إذا أقامت المرأة
البينة م: (وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها، فالقول قولها في حق نفسها)
ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه، ثم أوضح الذي لا يعلم إلا
من جهتها بقوله م: (مثل أن يقول) ش: أي الزوج م: (إن حضت فأنت طالق وفلانة)
ش: يعني ضرتها م: (فقالت: قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، ووقوع الطلاق
استحسان،
(5/420)
والقياس أن لا يقع؛ لأنه شرط فلا تصدق، كما
في الدخول وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها، إذ لم يعلم ذلك إلا من
جهتها، فيقبل قولها كما يقبل في حق العدة والغشيان، لكنها شاهدة في حق
ضرتها، بل هي متهمة فلا يقبل قولها في حقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقياس أن لا يقع ش: أي الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن الحيض م: (شرط فلا
تصدق) ش: أي المرأة م: (كما في الدخول) ش: أي في دخول الدار، فكان ينبغي أن
يكون القول قول الزوج، ولا يقع الطلاق لأنه ينكر وقوعه متمسكاً بالأصل.
م: (وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها) ش: لأن النساء أمينات بإظهار ما
في أرحامهن مأمورات بذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ
يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة:
الآية 228) ، م: (إذا لم يعلم ذلك إلا من جهتها) ش: لأنه لم يعلم الحيض إلا
منها م: (فيقبل قولها) ش: في حقها م: (كما يقبل في حق العدة) ش: أي في
انقضائها م: (والغشيان) ش: أي وكما قيل قولها في الغشيان، وإذا قالت أنا
حائض حيث يجب الزوج عن غشيانها، وهو كناية عن الوطء.
م: (لكنها) ش: أي لكن المرأة م: (شاهدة في حق ضرتها) ش: بوقوع الطلاق عليها
م: (بل هي متهم) ش: لأنها ليست بأمينة في حق ضرتها م: (فلا يقبل قولها في
حقها) ش: لأن شهادة المتهم مرودة، وهذا إذا كذبها الزوج.
أما إذا صدقها يقع الطلاق على ضرتها أيضاً، قيل فيه بحث، وهو أن المرأة لا
تخلو من الحيض وعدمه، والحال شمول طلاقها، وشمول عدمه لأنها إن كانت حائضة
فقد وجد الشرط، ويقع طلاقها وإن لم تحض لم يوجد الشرط فلا يقع طلاق واحدة
منهما. فأما أن يوجد الحيض في حقها دون ضرتها فإنه يستلزم كون الشيء
موجوداً معدوماً في حالة واحدة وهو محال.
وأجيب: بأن الشرع أثبت بقولها حضت في هذه الصورة وصفين متعاقدين الأمانة
والشهادة، ورتب على ذلك حكمين بحسب اقتضائهما.
وليس ذلك ببدع في الشرع، فإنه رتب على النكاح، وهو أمر واحد الحل للزوج
والحرمة لغيره، وفيه نظر لأن الحل والحرمة لا يقتضي أحدهما الوجود والآخر
العدم بخلاف ما نحن فيه.
والجواب أن اقتضاء الوجود والعدم إنما هو بالنسبة إلى الحيض بعينه، وليس
الكلام فيه لأنه أمر خفي لا يطلع عليه، وإنما الكلام في الأمر الدال عليه،
وهو قولها: حضت وليس فيه اختلاف في مقتضى وجوده وعدمه، انتهى.
قلت: هذا ذكره الأكمل ناقلاً عن كلام السغناقي، وهذا تطويل كان يكتفى عنه
بشيء مختصر، بأن يقال الحيض أمر خفي لا يطلع عليه إلا الله تعالى، والمرأة
هنا متهمة، والشرع رتب عليه الحكم بحسب ما يقتضيه ظاهر الحال.
(5/421)
وكذا لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في
نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر، فقالت أحبه، أو قال إن كنت تحبيني فأنت طالق
وهذه معك، فقالت أحبك. طلقت هي ولم يعتق العبد ولا تطلق صاحبتها، لما بينا
ولا يتيقن بكذبها، لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخليص منه بالعذاب، وفي
حقها أن تعلق الحكم بإخبارها وإن كانت كاذبة ففي حق غيرها بقي الحكم على
الأصل وهو المحبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم]
م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم في أن القول قول المرأة في حقها دون حق غيرها
م: (لو قال) ش: الزوج لامرأته: م: (إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم
فأنت طالق وعبدي حر فقالت: أحبه) ش: فالقول قولها في حق نفسها فتطلق ولا
يقبل في حق غيرها، فلا يعتق العبد.
م: (أو قال) ش: أي أو قال زوج لامرأته: م: (إن كنت تحبيني) ش: يجوز بنون
العماد وبتركه أيضاً لأنه ليس بلازم في المضارع الذي في آخره نون الإعراب
م: (فأنت طالق وهذه معك) ش: وأشار بهذه إلى ضرتها وعبدي حر م: (فقالت:
أحبك، طلقت هي) ش: أي المرأة المخاطبة ولم يعتق العبد ولم تطلق صاحبتها)
وهي ضرتها، أطلق عليها صاحبتها باعتبار الظاهر.
وفي الحقيقة هي عدوتها م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله أمينة في حق نفسها،
شاهدة في حق ضرتها.
م: (ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه) ش: أي زوجها، والبغض ضد الحب
واستعمل بمعنى الإبغاض، حيث ذكر له مفعولاً، وهو قوله: إياه، أي لشدة إبغاض
المرأة زوجها.
م: (قد تحب التخليص منه) ش: أي من الزوج م: (بالعذاب) ش: أي بعذاب نار
جهنم، لأن الجاهل قد يختار عذاب الآخرة على صحبته من بغضه فلم يتيقن بكذبها
م: (وفي حقها) ش: أي وفي حق المرأة المخاطبة م: (أن تعلق الحكم بٍإخبارها)
ش: أن بفتح الهمزة يجوز أن تكون زائدة كما في قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا
أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ} [يوسف: 96] (يوسف: الآية96) .
ويقال: لما أن جاء أكرمته، ويجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون مخففة من
الثقيلة على أن ضمير الشأن فيها مستتر.
م: (وإن كانت كاذبة) ش: كلمة إن هذه بالكسر واصلة بما قبله م: (ففي حق
غيرها بقي الحكم على الأصل، وهو) ش: أي الأصل م: (المحبة) .
ش: وبقولنا قال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه، وعنه إن كذبها لا يقع. ولو
قال لها: إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق، فقالت أحبك بقلبي، أو قالت أحبك،
وكذبها الزوج طلقت عندهما.
وقال محمد: إن كانت كاذبة فيما بينها وبين الله تعالى لا تطلق.
(5/422)
وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم
لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضا.
فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت؛ لأنه بالامتداد عرف أنه من
الرحم فكان حيضا من الابتداء.
ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها؛ لأن الحيضة
- بالهاء - هي الكاملة منها، ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا قال لها إذا حضت فأنت طالق، فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر
بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضاً) ش: لأن ما دون ثلاثة
أيام لا يكون حيضاً م: (فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت
لأنه) ش: أي لأن الذي رأته عن الدم م: (بالامتداد عرف أنه من الرحم فيكون
حيضاً من الابتداء) ش: أي من أول الأمر، وفائدته تظهر في غير الموطوءة،
فإنها لما رأت دماً وتزوجت بزوج آخر فاستمر بها الدم ثلاثة أيام، كان
النكاح صحيحاً، ويظهر فيما إذا قال إن حضت فعبدي حر. والمسألة بحالها كان
العبد حراً من حين رأت الدم، ويظهر في حق الجناية من العبد، وقيل يجب على
المفتي أن يجيب بقوله كانت مطلقة من أول ثلاثة أيام إذا سئل بعد الاستمرار،
ولا يقول يقع الطلاق لوهم فهم الحال والاستقبال.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو انقضى يوم وليلة يقع الطلاق وفيه وجه
مشهور أنه يقع من أول الرواية، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال ابن المنذر: لا يعلم أحد قال غير ذلك إلا مالكاً وابن القاسم حيث قال
فتنجيزه قبل الحيض، ولو كانت حائضاً لم يقع حتى تطهر ثم تحيض، وكذا لو قال
للطاهرة: أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وبه قال الشافعي
وأحمد - رحمهما الله- ذكره في " المغني ".
[قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق]
م: (ولو قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها، لأن
الحيضة بالهاء هي الكاملة منها) ش: أي من الحيضة، لأن الفعلة بالفتح للمرة،
والمرة من الحيض لا يكون إلا بكماله وكماله بانتهائه وانتهاؤه بالطهر م:
(ولهذا) ش: أي ولأجل أن الحيضة بالهاء هي الشيء الكامل أو الدم الكامل من
الحيضة م: (حمل عليه) ش: أي على الكامل م: (في حديث الاستبراء) ش: أي قوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن،
ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» .
رواه أبو داود في "سننه " عن شريك عن قيس بن وهب عن أبي الدرداء عن أبي
سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع
ولا
(5/423)
وكمالها بانتهائها، وذلك بالطهر،
وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوما طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي
تصوم فيه؛ لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار، بخلاف ما إذا
قال لها إذا صمت لأنه لم يقدره بمعيار، وقد وجد الصوم بركنه. ومن قال
لامرأته إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة، وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال صحيح على
شرط مسلم، وأعله ابن القطان في كناية شريك، وقال: إنه مدلس وهو ممن ساء
حفظه بالقضاء. وروى أبو داود أيضاً من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى
يستبرئها بحيضة» .
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن
توطأ الحامل حتى تضع، أو الحامل حتى تستبرأ بحيض» انتهى.
والأوطاس واد في بلاد هوازن وهو موضع حرب حنين.
م: (وكمالها) ش: أي وكمال الحيضة م: (بانتهائها وذلك) ش: أي الانتهاء م:
(بالطهر) ش: لأن الشيء ينتهي بضده، ثم الطهارة عن الحيض تثبت بالانقطاع عن
العشرة بمضي العشرة، وفيما دونها تثبت بالاغتسال أو بمضي وقت صلاة، فما لم
يثبت، أحدهما، لم يثبت الانقطاع، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، ولهذا
قالوا لو كان الطلاق في الأولى بدعياً. وكان في الثانية: سبباً لوقوعه في
الطهر بعد الحيض، ذكره التمرتاشي.
[قال لها أنت طالق إذا صمت يوما]
م: (وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوماً، طلقت حين تغيب الشمس في اليوم
الذي تصوم فيه، لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار) ش:
والصوم فعل ممتد م: (بخلاف ما إذا قال: لها صمت) ش: يعني من غير زيادة عليه
فإنها إذا شرعت في الصوم يقع الطلاق بمجرد الشروع م: (لأنه لم يقدره
بمعيار) ش: أي لأن الزوج لم يقدر الصوم باليوم، والمراد من المعيار الوقت
المثبت لقدر الفعل، حيث يطول بطوله ويقصر بقصره.
ووقت الصوم للصوم معيار لا ظرف بخلاف الصلاة، فإن وقتها ظرف لا معيار كما
ذكر في الأصول م: (وقد وجد الصوم بركنه) ش: وهو الإمساك عن المفطرات الثلاث
نهاراً وركنه، وهو النية والطهارة من الحيض والنفاس.
م: (ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاماً فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت
طالق ثنتين،
(5/424)
فولدت غلاما وجارية ولا يدري أيهما أول
لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه تطليقتان وانقضت العدة؛ لأنها لو ولدت
الغلام أولا وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية ثم لا تقع أخرى به؛ لأنه
حال انقضاء العدة ولو ولدت الجارية أولا وقعت تطليقتان، وانقضت عدتها بوضع
الغلام، ثم لا يقع شيء آخر به؛ لما ذكرنا أنه حال الانقضاء، فإذا في حال
تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان، فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال. والأولى
أن يأخذ بالثنتين تنزها واحتياطا، والعدة منقضية بيقين لما بينا.
وإن قال لها: إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثا، ثم طلقها واحدة
فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق
ثلاثا مع الواحدة أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فولدت غلاماً وجارية، ولا يدري أيهما أول) ش: أي ولم يعلم أي الولدين ولد
أولا.
الغلام: اسم لذكر لم يبلغ، فإذا بلغ صار شاباً، والجارية اسم لأنثى لم
تبلغ، وقد سمى الجارية غلاماً م: (لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه) ش:
التباعد عن السوء والتورع عن مظان الحرمة؛ لأن ترك وطء امرأة بحل وطأها خير
من أن يطأ امرأة محرمة عليه حتى لو كانت عنده بتطليقتين لا تتزوج إلا بعد
زوج آخر احتياطاً، كذا في " المبسوط ".
م: (تطليقتان) ش: أي لزمه تطليقتان م: (وانقضت العدة) ش: بالولد الأخير م:
(لأنها لو ولدت الغلام أولاً وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية، ثم لا
تقع أخرى به؛ لأنه حال انقضاء العدة) ش: والطلاق لا يقع مع انقضاء العدة،
لأنه حال الزوال والمزيل لا يعمل حال الزوالٍ.
م: (ولو ولدت الجارية أولاً وقعت تطليقتان وانقضت عدتها بوضع الغلام، ثم لا
يقع شيء آخر به)
ش: أي بوضع الغلام م: (لما ذكرنا أنه حال الانقضاء) ش: أي انقضاء العدة م:
(فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان فلا تقع الثانية بالشك
والاحتمال، والأولى أن يأخذ) ش: على صيغة المعلوم، أي أن يأخذ الزوج، أو أن
يأخذ القاضي أو يأخذ المفتي.
م: (بالثنتين تنزهاً) ش: أي تورعاً م: (واحتياطاً) ش: واقتضاء فيها على
التعليل.
فقال الأترازي: ويجوز أن يقال بناء الغائب على صيغة المجهول بإسناد الفعل
إلى الجار والمجرور م: (والعدة منقضية بيقين لما بينا) ش: أي لأنها لو ولدت
الغلام؛ أولا تنقضي عدتها بوضع الجارية، ولو وضعت الجارية أولا تنقضي عدتها
بوضع الغلام؛ لأنها الحامل عدتها بوضع الحمل بالنص.
[الملك شرط لوقوع الطلاق]
م: (وإذا قال إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها واحدة
فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق
ثلاثاً مع الواحدة الأولى) ش: أي الطلقة الأولى التي تنجزها بعد التطليق.
(5/425)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع.
وهذه على وجوه، أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق وهذا ظاهر، أو
وجدا في غير الملك فلا يقع في الملك والثاني في غير الملك، فلا يقع أيضا؛
لأن الجزاء لا ينزل على غير الملك فلا يقع، أو وجد الأول في غير الملك،
والثاني في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية، له اعتبار الأول بالثاني إذ
هما في حكم الطلاق كشيء واحد.
ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير
الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا يقع، وهذه) ش: أي هذه المسألة م: (على وجوه)
ش: الأولى: هي قوله م: (أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق، وهذا
ظاهر) ش: أي وقوع الطلاق ظاهر لوجود الشرط في الملك، وهذا لا خلاف فيه.
والثانية: هي قوله م: (أو وجدا) ش: أي الشرطان م: (في غير الملك فلا يقع)
ش: أي الشرط الأول م: (في الملك والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في
غير الملك فلا يقع) ش: أي الطلاق م: (أيضاً؛ لأن الجزاء) ش: وهو الطلاق م:
(لا ينزل على غير الملك فلا يقع) ش: لأنه غير محل، وفيها خلاف ابن أبي
ليلى، ذكره في " المبسوط ".
والرابعة: وهي قوله م: (أو وجد الأول) ش: أي الشرط الأول م: (في غير الملك
والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية)
ش: بيننا وبين زفر م: (له) ش: أي لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م:
(اعتبار الأول بالثاني) ش: أي اعتبار الوصف الأول بالوصف الثاني، كذا فسره
الأترازي، ثم قال: بيانه أن الوصف الثاني لو وجد في غير الملك لا ينزل
الجزاء، فكذا إذا وجد الأول في غير الملك ينبغي أن لا ينزل الجزاء، لأن
كلام أحدهما بعد الشرط كلام الآخر، وفي أحدهما يشترط الملك، فكذا في الآخر.
وقال تاج الشريعة: قوله اعتبار الأول بالثاني، يعني أن الملك شرط لوقوع
الطلاق عند وجود الشرط الثاني، فكذلك عند وجود الشرط الأول م: (إذ هما) ش:
أي الشرطان م: (في حكم الطلاق كشيء واحد) ش: من حيث إنه لا يقع إلا بهما.
م: (ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم) ش: أي صحة هذا الكلام الذي هو
اليمين بأهلية المتكلم، وهو كونه عاقلاً بالغاً، وهي قائمة به فيكون صحة
الكلام قائمة به، ومحله الذمة، فإذا كان كذلك كان ينبغي أن لا يشترط الملك
وقت التعليق، فأجاب عن ذلك بقوله م: (إلا أن الملك يشترط حالة التعليق
ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال) ش: لأن استصحاب الحال عبارة عن
إبقاء ما كان على ما كان لعدم الدليل المزيل، فإذا كان الملك باقياً عند
وجود الشرط بالنظر إلى الاستصحاب ينزل الجزاء عنده غالباً، لأن الأصل في كل
ثابت دوامه.
(5/426)
فيصح اليمين، وعند تمام الشرط لينزل
الجزاء؛ لأنه لا ينزل إلا في الملك، وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين
فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله وهو الذمة،
وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر
فدخل بها، ثم عادت إلى الأول، فدخلت الدار. طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وأبي
يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي طالق ما بقي من
الطلاق وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما
دون الثلاث عندهما، فتعود إليه بالثلاث. وعند محمد وزفر - رحمهما الله- لا
يهدم ما دون الثلاث فتعود إليه بما بقي من الطلاق، وسنبين من بعد إن شاء
الله تعالى. وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم قال لها: أنت
طالق ثلاثا فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول فدخلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كان يحتمل الملك الزوال حينئذ، فإذا كان كذلك م: (فيصح اليمين) ش: لأن
الجزاء الذي هو غالب الوجود يتحقق حينئذ فيحصل اليمين وهو القوة.
م: (وعند تمام الشرط) ش: أي شرط بقاء الملك أيضاً عند تمام الشرط م: (لينزل
الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك) ش: ولا ينزل في غير الملك م: (وفيما بين
ذلك الحال) ش: أي بين حالة التعليق، وتمام الشرط م: (حال بقاء اليمين
فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه) ش: أي بقاء اليمين م: (بمحله وهو الذمة)
ش: أي ذمة الحالف، وإنما ذكر الضمير الراجع إلى اليمين، وإن كانت مؤنثة على
تأويله التعليق، لأن تعليق الطلاق والعتاق بين عند الفقهاء.
[قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا]
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق
ثلاثاً فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر ودخل بها ثم عادت إلى الأول) ش: أي
الزوج الأول م: (فدخلت الدار طلقت ثلاثاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما
الله-) ش: قال ابن المنذر هذا قول ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -، وبه قال عطاء وشريح والنخعي. وفي " المبسوط ": وهو وقول ابن
مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقال محمد هي طالق ما بقي من الطلاق، وهو قول زفر) ش: وهو قول جماعة من
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين، وبه قال مالك
والشافعي وأحمد وأصحابهم- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وأصله) ش: أي أصل هذا
الخلاف م: (أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما) ش: أي عند أبي
حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (فتعود إليه بالثلاث) ش: أي فتعود
المرأة إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات م: (وعند محمد وزفر لا يهدم ما دون
الثلاث، فتعود إلى ما بقي من الطلاق وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى) ش:
أي في آخر فصل مما تحل به المطلقة.
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق
ثلاثاً، ثم قال له أنت طالق ثلاثاً فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى
الأول) ش: أي إلى الزوج الأول م: (فدخلت
(5/427)
الدار لم يقع شيء. وقال زفر والشافعي يقع
الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق لإطلاق اللفظ، وقد بقي احتمال وقوعها، فيبقى
اليمين. ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك؛ لأنها هي المانعة؛ إذ الظاهر عدم
ما يحدث واليمين تنعقد للمنع أو للحمل، وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات
بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية، فلا تبقى اليمين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدار لم يقع شيء) ش: عند علمائنا الثلاثة.
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الجديد" على لمنصوص، ومالك
وأحمد.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ذلك.
م: (وقال زفر والشافعي) ش: في قوله م: (يقع الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق)
ش: لأنه الثلاث المملوكات، فيتناول ثلاث طلقات مطلقاً، سواء كانت مملوكة في
الحال أو مستحدثة في المآل م: (وذلك لإطلاق اللفظ) ش: واللفظ المطلق لا
يتناول المقيد، لأنه ضده حكماً م: (وقد بقي احتمال وقوعها) ش: أي احتمال
طلقات ثلاث مطلق م: (فتبقى اليمين)
ش: فإذا وجد المحل يقع الجزاء، والدليل على أنه لم يصرف إلى الطلقات الثلاث
المملوكات مسألة الهدم، فلو انصرف إلى الملك قائم يوقع بما بقي، وكما لو
قال كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً فتزوجها بعد زوج آخر يبقى اليمين.
وبدليل: ولو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار
يعتق، فلو تقيد الجزاء بهذا الملك لما عتق، ولهذا لو قال إن دخلت الدار
فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثاً ثم عادت إليه بعد زوج آخر يكون مظاهراً
عنها، وكيف يبطل التطليق التخيير، لأن ما صادفه التخيير طلاق، وما صافه
التعليق ما يصير طلاقاً.
م: (ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك) ش: بدلالة الحال م: (لأنها) ش: أي لأن
طلقات هذا الملك. م: (هي المانعة إذا الظاهر عدم ما يحدث) ش: وكل ما كان
مانعاً من وجود الشرط وحاملاً عليه فهو الجزاء م: (واليمين تنعقد للمنع أو
للحمل) ش: وهنا عقدت للمنع، فيكون الجزاء هذا الملك.
م: (وإذا كان الجزاء ما ذكرناه) ش: وهو قوله إن طلقات هذا الملك إلى آخره
م: (وقد فات) ش: أي والحال أن الجزاء قد فات م: (بتنجيز الثلاث المبطل
للمحلية) ش: يعني لا يبقى محلاً للطلاق.
م: (فلا تبقى اليمين) ش: لأن بفوات محل الجزاء يبطل اليمين لفوات محل الشرط
بأن قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، ثم جعلت الدار بستاناً لا يبقى
اليمين، فهذا مثله.
فإن قلت: انعقاد اليمين لو انحصر في المنع والحمل لم يصح أن يقال إن حضت
فأنت طالق، لأنه لا يتصور فيه منع ولا حمل لكون الحيض عارضاً سماوياً.
(5/428)
بخلاف ما إذا أبانها لأن الجزاء باق لبقاء
محله.
ولو قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها، فلما التقى الختانان
طلقت ثلاثا، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر، وإن أخرجه ثم أولجه وجب عليه
المهر. وكذا إذا قال لأمته: إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضا لوجود الجماع بالدوام عليه،
إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أجيب: بأن الاعتبار للغالب الشائع دون النادر، وفيه نظر، لأن السؤال
لم ينحصر في صورة الحيض حتى يكون نادراً، وإنما هو في الوجه كالمحبة
والكراهة والجزع وغيره.
والصواب: أن يقال إن الشرط في مثل ذلك هو إخبارها عن ذلك المحل، والمنع فيه
متصور.
م: (بخلاف ما إذا أبانها) ش: يتعلق بقوله - وقد فات بتخيير الثلاث - أي فات
الجزاء بتخيير الثلاث المبطل للمحلية، بخلاف ما إذا أبانها بطلقة أو
بطلقتين م: (لأن الجزاء باق لبقاء محله) ش: أي محل الجزاء، ولهذا إذا عادت
إليه بعد زوج آخر عادت بطلقات ثلاث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الهدم، لأن في صورة الإبانة
طلقة أو طلقتين يزول الحل لا الملك. والدليل على بقاء الملك أن الزوج الأول
تزوجها بلا تحليل زوج آخر.
والجواب عن مسألة الهدم أن اليمين بقيت ببقاء الجزاء، لأن اليمين لا ينقسم
على الجزاء كما لا ينقسم على الشرط، ولما بقيت اليمين بالملكية صار كأنه
قائل عند الدخول أنت طالق ثلاثاً، وهو يملك الثلاث فيقع. وعن مسألة العبد
أن تعليق عتقه إنما لا يبطل اليمين بعد البيع، لأن محلية العتق لم تبطل
بالبيع، وقد كان محلاً للعتق بصفة الرق، والرق باق بعد البيع، حتى إذا
أعتقه لا يبقى اليمين لفوات المحل، وعن مسألة الظهار أن محل الظهار لم يفت
بتنجيز الطلقات الثلاث، لأن حرمة الظهار غير الطلاق، لأن الأولى متناهية
بالتكفير، والثانية بالزوج الآخر، وإنما لا يصير مظاهراً بعد التطليقات
الثلاث، لأن الظهار تشبيه المحللة بالمحرمة ولا يتحقق ذلك إلا بالتزوج.
[قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا
فجامعها]
م (ولو قال لامرأته: إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثاً فجامعها، فلما التقى
الختانان طلقت ثلاثاً، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر) ش: أي العقر، وهو
مهر المثل م: (وإن أخرجه ثم أولجه) ش: من الإيلاج وهو الإدخال م: (وجب عليه
المهر، وكذا) ش: أي وكذا لا يجب المهر باللبث والمكث م: (إذا قال لأمته:
إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضاً)
ش: وهو ما إذا لبث ساعة بعد الإدخال م: (لوجود الجماع بالدوام عليه) ش: أي
على اللبث، ومعناه أنه جعل الدوام على اللبث بعد الدخول بمنزلة الدخول
الابتدائي م: (إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد) ش: أي لاتحاد الإيلاج
الحال مع اللبث الحرام من حيث المقصود، وهو قضاء الشهوة، فكان الجماع
واحداً من وجه، وأوله غير موجب للحد، فسقط الحد ووجب العقر، لأنه الوطء
المحرم
(5/429)
وجه الظاهر أن الجماع إدخال الفرج في الفرج
ولا دوام للإدخال، بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج؛ لأنه وجد الإدخال بعد
الطلاق، إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد بالنظر إلى المجلس والمقصود،
وإذا لم يجب الحد وجب العقر، إذ الوطء المحرم لا يخلو عن أحدهما. ولو كان
الطلاق رجعيا يصير مراجعا باللباث عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا
لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود المساس، ولو نزع ثم أولج صار مراجعا
بالإجماع لوجود الجماع، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يخلو عن عقر أو حد، وعلى هذا الخلاف إذا قال لأمته إن جامعتك فأنت حرة.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن الجماع إدخال الفرج في الفرج)
ش: ولم يوجد ذلك بعد الطلقات والعتق م: (ولا دوام للإدخال) ش: حتى يكون
لدوامه حكماً لابتداء، كمن حلف أن لا يدخل هذه الدار هو فيها لا يحنث
باللبث ساعة، وكذا لو حلف لا يدخل فرسه الاصطبل وهو فيها فأمسكها فيه لا
يحنث م: (بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج، لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق، إلا أن
الحد لا يجب بشبهة الاتحاد) ش: أي بين الإخراج والإبلاج م: (بالنظر إلى
المجلس) ش: أي بالنظر م: (والمقصود) ش: هو قضاء الشهوة.
م: (وإذا لم يجب الحد وجب العقر) ش: أي مهر المثل. وفي ديوان الأدب: العقر
مهر المرأة إذا وطئت على شبهة، والمراد منه المثل، وبه فسر العتابي العقر
في " شرح الجامع الصغير " م: (إذ الوطء المحرم) ش: أي لأن الوطء المحرم م:
(لا يخلو عن أحدهما) ش: أي عن أحد العقر والحد.
م: (ولو كان الطلاق رجعياً يصير مراجعاً باللباث) ش: أي باللبث والمكث م:
(عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لمحمد) ش: فإنه لا يصير مراجعاً
عنده، لأنه نظير الدخول والدوام على المدخول ليس بدخول م: (لوجود المساس)
ش: وهو دليل أبي يوسف، وأي المقصود المساس بشهوة م: (ولو نزع ثم أولج صار
مراجعا بالإجماع لوجود الجماع) ش: النزع: الإخراج والإيلاج: الإدخال، قال
الله تعالى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي
اللَّيْلِ} [لقمان: 29] (لقمان: الآية29) .
فروع: لو قال أنت طالق إن دخلت الدار، كان شرطاً مثل "إن" عند أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ذلك عن أبي يوسف، وقيل لا يتعلق لأنها للمضي، كأنه
قال أمس. وفي " جوامع الفقه " لا يقع. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - يقع في الحال، ولا يتعلق. وكذا لو قال أنت طالق لولا دخولك الدار
لا يقع. وفي " المغني " قال: أنت طالق أو دخلت الدار يقع وأو للمضي، ويحتمل
أن لا يقع كقوله أمس، وعندنا يقع فيهما. وفي " جوامع الفقه " قال: ادخلي
الدار وأنت طالق تطلق، لأن جواب الأمر كالشرط بالفاء.
وفي " المبسوط " والذخيرة " قال: أدي إلى الفاء وأنت طالق لا يقع حتى تؤدي،
لأنه جواب الأمر. وفي " المبسوط " لأن الواو للحال. ولو قال: أدي الفاء
فأنت طالق يقع في الحال،
(5/430)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن الفاء للتعليل. ولو قال إن وطئتك فيمينه على الجماع.
وقال ابن قدامة: وعن محمد بن الحسن: يمينه على الوطء بالقدم. ولو قال أردت
به الجماع لم يقبل، وقد غلط ابن قدامة في النقل عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -، فإن محمداً ذكر في " الجامع ": ولو قال لها إن وطئتك فهو على
الجماع في فرجها بذكره، ولو نوى الدوس بالقدم لا يصدق في الصرف عن الجماع
ويحنث بالدوس بالقدم أيضاً لاعترافه به على نفسه.
ولو قال: إن وطئت من غير ذكر امرأة فهو على الدوس بالقدم وهو اللغة والعرف،
وذلك باتفاق أصحابنا، ولو قال رجل لامرأة غيره إذا دخلت الدار فأنت طالق
فبلغ الزوج فأجازه صح، حتى لو دخلت بعد الإجازة تطلق وبعدها لا.
(5/431)
فصل في الاستثناء وإذا قال الرجل لامرأته
أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا لم يقع الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الاستثناء]
[قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى
متصلا]
م: (فصل في الاستثناء) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الاستثناء وهو التكلم
بالباقي بعد الاستثناء وهو الاستفعال من المثنى وهو العرف، يقال ثنيته أي
عطفته، وألحق الاستثناء بالتعليق، لأنها في بيان التفسير، ولأن الشرط يمنع
كل الكلام، والاستثناء بعضه، والجزء مقدم على الكل.
م (وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً لم يقع الطلاق) ش:
قيل: كان ينبغي أن يذكر هذه المسألة في الفصل المتقدم، لأنها ليست
باستثناء، بل هي تعليق.
وأجيب: بأن التعليق - بمشيئة الله تعالى - شبهاً قوياً بالاستثناء بمنع حكم
صدر الكلام عما كان قبل الاستثناء بحيث لا يتوقف وجوده على وجود الشرط،
فكذا حكم صدر الكلام يمتنع أصلا في التعليق بمشيئة الله تعالى، ولا يتوقف
على وجود الشرط، فلهذه المناسبة ذكر التعليق بالمشيئة في فصل الاستثناء.
قوله: متصلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولاً متصلاً، والمراد من
الاتصال أن لا يقطع قوله إن شاء الله تعالى قبل قوله أنت طالق بكلام آخر أو
سكوت.
وأما الفصل لانقطاع النفس فلا عبرة به لعدم إمكان التحرز عنه. ولو أتى
بحروف الاستثناء بحيث لا يسمع يقع الاستثناء صحيحاً، وهو اختيار الكرخي،
لأن السماع ليس بشرط صحة الكلام، ولهذا يصح استثناء الأصم، وإن لم يسمع هو
أيضاً، وعلى شرط الاتصال جمهور العلماء، وهو قول الأئمة الأربعة، ومنهم من
جوز الاستثناء ما لم يقم من المجلس، وبه قال الحسن البصري، وطاوس وعن ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوازه إلى مدة سنة، وعنه جوازه أبداً.
وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. وقال قتادة: بعد سنتين. وقال أحمد: له
الاستثناء ما دام في ذلك الأمر. ولو جرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد
لا يقع طلاقه، لأن الاستثناء وجد حقيقة، وهو صريح في بابه، والصريح لا
يفتقر إلى النية كقوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك، وفيه خلاف الشافعية.
قوله: لم يقع الطلاق به قال طاوس وإبراهيم النخعي والحكم والشافعي وإسحاق
وأبو عبيد وأبو ثور، وهو قول عطاء ومجاهد والزهري والشعبي وحماد وعبد
الرزاق وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعثمان البتي، وبه قالت الظاهرية وأبو
سليمان.
وقال مالك ومكحول وقتادة وغيره قال أصحابنا: لا شيء عليه، وبه قال الشعبي
وابن أبي
(5/432)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «من حلف بطلاق أو عتاق وقال إن شاء الله تعالى متصلا به فلا حنث عليه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليلى وإسحاق وأبو عبيد.
وقال مالك: لا استثناء في الطلاق والعتاق والصدقة ويعتبر اليمين والنذر.
وعند أحمد لا يرفع الطلاق خاصة ويرفع العتاق والأيمان، ثم اختلفوا في عمله
أي في عمل الاستثناء فقال أبو يوسف إبطال، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال
محمد: تعليق. وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق،
فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لإبطال الكلام، سواء قدم أو أخر
بحرف الفاء أو بغيره. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع، لأنه للتعليق،
فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق نفي الطلاق بلا شرط، كذا في "
الجامع الكبير " لقاضي خان. وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي
يوسف، وذكر في " الإيضاح " الاختلاف على العكس.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الطلاق المقرون بالاستثناء في
موضع يقع الاستثناء هل يكون يمينا؟ قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -:
يكون يمينا، حتى لو قال لها: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها: أنت
طالق - إن شاء الله - يحنث في يمينه عند أبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا يكون يميناً ولا يحنث ولا يقع الطلاق، وكذا العتاق لو قال
لعبده: إن حلفت بعتقك فأنت حر، ثم قال: أنت حر إن شاء الله تعالى.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من حلف بطلاق أو عتاق
وقال: إن شاء الله تعالى متصلا فلا حنث عليه) ش: أي لقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى أصحاب
السنن الأربعة من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» بلفظ الترمذي وقال:
هذا حديث حسن.
(5/433)
ولأنه أتى بصورة الشرط، فيكون تعليقا من
هذا الوجه، ولأنه إعدام قبل الشرط، والشرط لا يعلم هاهنا، فيكون إعداما من
الأصل، ولهذا يشترط أن يكون متصلا به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد روي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفاً. وروي عن
سالم عن ابن عمر موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير أيوب السختياني، وقال
إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب أحياناً يرفعه، وأحياناً لا يرفعه، ولفظ أبي
داود فيه: فقد استثنى.
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن
أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سليمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: لأطوفن الليلة به". وفيه لو قال: إن شاء الله تعالى لكان كما قال» .
وروى ابن عدي في " الكامل" عن إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن عبد العزيز بن
أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمْ -: من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله، أو لغلامه أنت حر أو علي
المشي إلى بيت الله إن شاء الله فلا شيء عليه، وهو معلول بإسحاق الكعبي.
فإن قلت: ليس في الحديث الذي رواه أصحاب "السنن" متصلاً به، وقد روي أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأغزون قريشاً " ثم قال
بعد سنة: "إن شاء الله تعالى» .
قلت أجيب: بمنع صحة هذا وبعد التسليم بصحته نقول: إن الاستثناء كان من قوله
لأغزون قريشاً الذي سبق قبل سنة، لأنه يحتمل أن الاستثناء كان منه، لكن لا
نسلم أن قصد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من قوله:
"لأغزون" الاستثناء فلم يجز أن يكون قصده الاستدراك المأمور به الثابت من
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}
[الكهف: 23] {إلا أن يشاء الله} [الكهف: 24] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا
نَسِيتَ} [الكهف: 24] (الكهف: الآيتان 23، 24) .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المستثني بكسر النون م: (أتى بصورة الشرط) ش: أي
بحرف صريح دون حقيقة الشرط، لأن حقيقة الشرط عبارة عما يكون على خطر وتردد
ومشيئة الله تعالى ليست كذلك لثبوتها قطعا أو انتفائها كذلك، وما هو كذلك
م: (فيكون تعليقاً من هذا الوجه) ش: يعني من حيث الصورة م: (ولأنه) ش: أي
قوله: إن شاء الله تعالى م: (إعدام) ش: للعلية م: (قبل) ش: وجود م: (الشرط،
والشرط) ش: وهو مشيئة الله تعالى م: (لا يعلم هاهنا) ش: أي في صورة التعليق
بمشيئة الله تعالى لأنا لا نطلع عليها م: (فيكون إعداماً) ش: أي للجزاء م:
(من الأصل) ش: أي من ابتداء العدم العلم بالمشيئة، فصار كأنه لم يقل أنت
طالق أصلاً، فكان إبطالاً للكلام.
م: (ولهذا) ش: أي ولأن في الاستثناء معنى الشرط م: (يشترط أن يكون متصلاً
به) ش: وعليه
(5/434)
بمنزلة سائر الشروط.
ولو سكت يثبت حكم الكلام الأول، فيكون الاستثناء أو ذكر الشرط بعده رجوعا
عن الأول. قال: وكذا إذا ماتت قبل قوله إن شاء الله تعالى، لأن بالاستثناء
خرج الكلام من أن يكون إيجابا، والموت ينافي الموجب دون المبطل، بخلاف ما
إذا مات الزوج، لأنه لا يتصل به الاستثناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جمهور العلماء، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب م: (بمنزلة سائر الشروط) ش:
لكونه بيان تغيير، وشرطه هو الاتصال.
[قدر النفس بين قوله أنت طالق وبين قوله إن شاء
الله]
م: (ولو سكت) ش: أي المتكلم زيادة على قدر النفس بين قوله: أنت طالق وبين
قوله: إن شاء الله م: (يثبت حكم الكلام الأول) ش: وهو وقوع الطلاق، لأنه لا
يصح الاستثناء المنفصل على مذهب الجمهور م: (فيكون الاستثناء) ش: على قول
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والاستثناء بالنصب، لأنه يكون بالتعليق بمشيئة
الله تعالى استثناء عن الكلام الأول، ويجوز بالرفع على أن تكون تامة أو
ناقصة يكون خبرها الجار والمجرور، أعني قوله عن الأول م: (أو ذكر الشرط) ش:
على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي ويكون ذكر الشرط وهو قوله: إن
شاء الله م: (بعده) ش: أي بعد قوله: أنت طالق م: (رجوعاً عن الأول) ش: أي
عن الكلام الأول. وإنما قلنا لكون الاستثناء على قول محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - والشرط على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن محمداً يقول:
إن قوله إن شاء الله إعدام، لأنه بمنزلة الاستثناء. وأبو يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يقول: إنه شرط، ولهذا قال في " الفتاوى الصغرى " أنت طالق إن شاء
الله فهو يمين عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لو قال لامرأته إن
حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله يحنث عند أبي
يوسف، وعند محمد لا يكون يميناً حتى لا يحنث به عنده.
م: (قال: وكذا إذا ماتت) ش: وفي بعض النسخ وكذا إن ماتت، وليس فيه لفظ قال:
وهو معطوف على قوله: لم يقع في أول الفعل، يعني إذا ماتت المرأة بعد قوله:
أنت طالق م: (قبل قوله: إن شاء الله تعالى) ش: أي لا يقع الطلاق م: (لأن
بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجاباً) ش: فإذا بطل الإيجاب بطل الحكم
م: (والموت ينافي الموجب) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: الموت
ينافي قوله: أنت طالق حتى لا يقع الطلاق به بعد موتها، فينبغي أن يكون
منافياً للاستثناء وهو المبطل، فيقع الطلاق. فأجاب بقوله: الموت ينافي
الموجب، وهو قوله: أنت طالق م: (دون المبطل) ش: وهو الاستثناء، أعني قوله:
إن شاء الله، لأن الموجب يستدعي المحل، ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق
واحدة كانت قبل قوله واحدة لا يقع، لأن الموت ينافي المحلية، والاستثناء
يبطل، وأنه يستدعي صحة الإيجاب الذي يقوم بالزوج، والموت يلائمه في
الإبطال.
م: (بخلاف ما إذا مات الزوج لأنه لا يتصل به الاستثناء) ش: أي بخلاف ما إذا
مات الزوج قبل
(5/435)
وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت
ثنتين، وإن قال إلا ثنتين طلقت واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله إن شاء الله، حيث يقع الطلاق، لأنه لم يتصل المغير وهو الاستثناء بأول
كلامه فإنما يعلم إرادة الاستثناء بقوله قبل ذلك: إني أطلق امرأتي وأستثني.
[قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة]
م: (ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال: إلا ثنتين)
ش: أي وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين م: (طلقت واحدة) ش: وفي ذكر
المثالين إشارة إلى القليل والكثير سواء، خلافاً للفراء، فإنه لا يجوز
الأكثر ويدعي أنه لم تتكلم به العرب. وفي " الغاية ": ذهب النحاة من أهل
الكوفة والبصرة إلى أن استثناء الأكثر غير جائز، واختلفوا في جواز استثناء
النصف، وتبعه أحمد فيها، وذهب بعض المالكية إلى هذا أيضاً، وفي " البدائع "
" والميزان " روي عن أبي يوسف وهو قول الفراء أنه لا يجوز استثناء الأكثر
من الأقل، وصوابه من الكل. وفي " الإسبيجابي " روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لا يجوز استثناء الأكثر وهو الصواب، وزعموا أن العرب لم يوجد في
كلامهم له (علي عشرة إلا تسعة) ، ولم تتكلم به، ولا يصح استثناء الكل من
الكل، وذكر ابن طلحة في مختصره المعروف " بالمدخل " قولين في جواز استثناء
الكل من الكل.
وقال الأموي: منع بعض أهل اللغة استثناء العقد، ولا يقال: له علي مائة إلا
عشرة إلا خمسة. وذكر أبو بكر من الحنابلة أن الاستثناء لا يكون في الطلاق،
فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وقع الثلاث وهذا باطل. ولو قال: أنت
طالق أربعاً إلا ثلاثاً صح الاستثناء ويقع واحدة.
وفي " المحيط ": لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثنتين إن نوى استثناء
الأولى والأخيرة لا يصح، لأنه استثنى الكل فيقع الثلاث، وإن نوى واحدة من
الأولى وواحدة من الثانية صح ويقع ثنتان، وكذا عند عدم النية، خلافاً لزفر
وأحمد - رحمهما الله -، وفي " الذخيرة ": وهذا قول أبي يوسف.
وروى هشام عن محمد: لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثاً يقع الثلاث،
لأنه نوى استثناء الكل. ولو قال: ثلاثاً إلا نصفا يقع ثنتان عند أبي يوسف،
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولو قال: أنت طالق واحدة ونصفا إلا واحدة ونصفا يقع
ثنتان عند أبي يوسف، وهو رواية عن محمد، وعنه يقع واحدة. وفي " الذخيرة "
قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة بطل الاستثناء ووقع الثلاث عند أبي
حنيفة، وعندهما يقع ثنتان. وعن أبي يوسف يقع واحدة. ولو قال: أنت طالق
واحدة وواحدة وواحدة إلا ثلاثاً بطل الاستثناء. ولو قال: أنت طالق ثنتين
وواحدة وواحدة وثنتين إلا ثنتين فهي ثلاث.
ولو قال: أنت طالق واحدة وثنتين إلا واحدة يقع ثنتان، ويصير مستثنياً
الواحدة من الثنتين. ولو قال: ثنتين وأربعاً إلا خمسا يقع الثلاث، ذكره
القدوري.
وفي " المنتقى " قال: أنت طالق ثلاثاً وثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عند أبي
حنيفة، ويرى عن
(5/436)
والأصل أن الاستثناء تكلم حاصل بعد الثنيا
هو الصحيح، ومعناه أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين قول القائل لفلان
علي درهم وبين قوله عشرة إلا تسعة، فيصح استثناء البعض من الجملة لأنه يبقى
التكلم بالبعض بعده، ولا يصلح استثناء الكل من الكل لأنه لا يبقى بعده شيء
ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد ويصير قوله: وثلاثاً ثانياً لغوا فاصلا. وقال أبو يوسف: تطلق ثنتين،
وهو الظاهر من قول محمد. ولو قال: أنت طالق عشراًِ إلا أربعا إلا تسعا يقع
واحدة. ولو قال: إلا ثمانيا يقع ثنتان، ولو قال إلا سبعا يقع الثلاث، ولو
قال هذه طالق وهذه طالق إلا هذه كان الاستثناء باطلاً. ولو قال: أنت طالق
خمساً إلا واحدة يقع الثلاث. وفي وجه للحنابلة يقع ثنتان.
[قال كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وبكرة
وسلمى]
م: (والأصل أن الاستثناء تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: بضم الثاء المثلثة
وسكون النون وهو اسم بمعنى الاستثناء، ومعناه إن صدر الكلام بعد الاستثناء
يصير عبارة عما وراء الاستثناء يدل عليه قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] (العنكبوت:
الآية14) ، معناه: لبث فيهم تسع مائة وخمسين عاماً م: (هو الصحيح) ش: احترز
عما قال البعض: إنه إخراج، وفيه معنى المعارضة، وهو صفة الأصول.
م: (ومعناه) ش: أي معنى الثنيا م: (أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين
قول القائل لفلان علي درهم، وبين قوله عشرة إلا تسعة فيصح استثناء البعض من
الجملة، لأنه يبقى التكلم بالبعض بعده ولا يصح استثناء الكل من الكل، لأنه
لا يبقى بعده شيء ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه) ش: الضمير في: بعده،
يرجع إلى استثناء الكل، وفي: به يرجع إلى شيء، وكذا في: إليه وهذا كما إذا
قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً تطلق ثلاثاً لبطلان الاستثناء.
وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": وعن بعض مشايخنا أن استثناء الكل
رجوع، وأن الرجوع عن الطلاق باطل، وليس كذلك لأنه يبطل استثناء الكل من
الوصية، مع أن الوصية تحتمل الرجوع.
وذكر المصنف في "زياداته" إذا استثنى الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان
بمعنى ذلك اللفظ، وأما إذا استثنى بغير ذلك اللفظ فيصح، وإن كان استثناء
الكل من الكل من حيث المعنى، فإنه لو قال: كل نسائي طوالق إلا كل نسائي لا
يصح الاستثناء، بل يطلق كلهن. ولو قال: كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة
وبكرة وسلمى لا تطلق واحدة منهن، وإن كان هو استثناء الكل من الكل، وهذا
لأن الاستثناء تصرف لفظي، فيصح فيما صح فيه اللفظ كلما استثنى الجزء عن
الكل، وصح لفظاً، فكذا فيما بقي، فلو كان الاستثناء يتبع الحكم الشرعي لما
صح في قوله: أنت طالق عشراً إلا تسعاً، لأنه لا يزيد على الثلاث شرعاً وهو
الصحيح بلا خلاف.
(5/437)
وإنما صح الاستثناء إذا كان موصولا به كما
ذكرنا من قبل، وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول بقي منه "ثنتان" فيقعان، وفي
الثاني "واحدة" فتقع واحدة، ولو قال إلا ثلاثا يقع الثلاث لأنه استثناء
الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإنما صح) ش: أي الاستثناء م: (إذا كان موصولاً به) ش: أي بالاستثناء
م: (لما ذكرنا من قبل) ش: أي في قوله: أنت طالق إن شاء الله يعني كما لا
يصح قوله: إن شاء الله إلا متصلاً، لا يصح قوله: أنت طالق إلا واحدة،
وقوله: إلا ثنتين إلا متصلاً.
م: (وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول) ش: أراد به استثناء الواحدة من الثلاث
م: (بقي منه) ش: أي بقي من المستثنى منه م: (ثنتان فيقعان، وفي الثاني) ش:
أي في الفصل الثاني، أراد به استثناء الثنتين من الثلاث م: (واحدة فتقع
واحدة. ولو قال: إلا ثلاثاً يقع الثلاث) ش: يعني إذا قال: أنت طالق ثلاثاً
إلا ثلاثاً يقع الثلاث م: (لأنه استثناء الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء)
ش: لعدم بقاء شيء بعد الاستثناء، ويصير الكلام عبارة عنه، والله أعلم.
(5/438)
|