البناية شرح الهداية

باب طلاق المريض إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب طلاق المريض] [طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة]
م: (باب طلاق المريض)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام طلاق المريض، ولما فرغ من بيان طلاق الصحيح شرع في بيان طلاق المريض، لأن المرض عارض، والأصل عدمه، والمرض معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثته) ش: أي ورثت المرأة زوجها المطلق ميراثها الشرعي م: (وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ش: في هذه أربعة عشر قولاً:
الأول: أنه يقع طلاقه، وعزاه ابن حزم إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
الثاني: يقع طلاقه وترثه بشرط قيام العدة، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال المغيرة، والنخعي، وابن سيرين، وعروة، والشعبي، وشريح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطاوس، والأوزاعي، وابن شبرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وحماد بن أبي سليمان والحارث العكلي.
الثالث: ترثه ما لم تتزوج زوجاً آخر، وإن انقضت عدتها، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
الرابع: ترثه، وإن تزوجت عشرة أزواج، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والليث في رواية عنه، وذكره ابن رشيد في " الفوائد ".
الخامس: ترثه ويرثها، وبه قال الحسن البصري.
السادس: إن صح منه، ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا. وقال الزهري والثوري والأوزاعي وزفر وأحمد وإسحاق: ترثه إن مات قبل انقضاء عدتها منه، ذكره عنهم ابن حزم في " المحلى ".
السابع: ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة، وهو قول عروة بن الزبير.
الثامن: ترثه وتنتقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح، وبه قال الشعبي.
التاسع: تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض أو أربعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.

(5/439)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ترث في الوجهين، لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب، ولهذا لا يرثها إذا ماتت، ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله، فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها، وقد أمكن؛ لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العاشر: ترثه قبل الدخول، وعليها العدة، وهو قول الحسن وإسحاق وأبي عبيد (....) .
الثاني عشر: لو خيرها فطلقت نفسها ثلاثاً أو اختلعت منه أو حلف بطلاقها على دخولها الدار، وهو صحيح عند الحلف مريض عند الدخول أو قال وهو صحيح: إن قدم فلان، فأنت طالق ثلاثاً فقدم وهو مريض طلقت ثلاثاً، لا ترثه عندنا وعند مالك: ترثه في الكل.
الثالث عشر: يجب الصداق لها كاملاً، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وبه قال جابر بن زيد.
الرابع عشر: لا ترثه أصلاً قبل الدخول وبعده، وهو قول الظاهرية وأبي ثور، واختاره ابن المنذر في الأشراف، وهو الجديد للشافعي. وفي القديم: الزوج فار والميراث فيه ثلاثة أقوال:
الأول: مثل قولنا. الثاني: مثل قول أحمد. والثالث: مثل قول مالك أبداً.

م: (وقال الشافعي: لا ترث في الوجهين) ش: أي قبل العدة وبعدها. وفي شرح الأقطع والشافعي أقوال: أحدها: أنها لا ترث في الوجهين، سواء مات في العدة أو بعد العدة، والآخر: أنها ترث ما لم تتزوج بزوج آخر، وإن انقضت العدة، وهو قول مالك. والآخر: أنها ترث وإن تزوجت بزوج آخر، وهو قول ابن أبي ليلى م: (لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض) ش: أي بعارض الطلاق البائن م: (وهي السبب) ش: أي الزوجية هي سبب الميراث.
م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: لأن الزوجية بطلت بهذا العارض م: (لا يرثها إذا ماتت) ش: لأن سبب الإرث قد زال، فلا يثبت الحكم بلا سبب.
م: (ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله) ش: أي إبطال إرثها (فيرد عليه قصده) ش: أي يرد على الزوج قصده، وهو قصد إبطال الإرث م: (بتأخير عمله) ش: أي عمل الطلاق م: (إلى زمان انقضاء العدة دفعاً للضرر عنها) ش: أي لأجل دفع الضرر عن المرأة، وكأن الطلاق لم يوجد في حق الإرث م: (وقد أمكن) ش: جواب عما يقال: إن كان سبب تأخير العمل دفع الضرر عنها، وجب أن يستوي في ذلك الموطوءة وغيرها وما قبل انقضاء العدة وما بعدها، فأجاب بقوله: وقد أمكن دفع الضرر، وتقديره إنما يصح توريثها منه إذا أمكن تأخير عمل الطلاق، ليكون السبب وهو النكاح قائماً، وقد أمكن ذلك إلى زمان انقضاء العدة.
م: (لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار) ش: من حرمة التزويج وحرمة الخروج

(5/440)


فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه، بخلاف ما بعد انقضاء العدة، لأنه لا إمكان، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها، فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والبروز، وحرمة نكاح الأخت ونكاح أربعة سواها م: (فجاز أن يبقى في حق إرثها منه) ش: دفعاً للضرر عنها م: (بخلاف ما بعد انقضاء العدة؛ لأنه لا إمكان) ش: أي لا إمكان لتأخير عمل الطلاق، لعدم بقاء النكاح أصلاً م: (والزوجية في هذه الحالة) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذه لا يرثها إذا ماتت أي الزوجة فيما إذا كان الزوج مريضاً مرض الموت م: (ليست بسبب لإرثه عنها) ش: لأنه لم يتعلق حقه بمالها لكونها صحيحة (فتبطل في حقه) ش: قال السغناقي: فيبطل بالنصب لأنه جواب النفي. وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين بالرفع لا غير، ولكل منهما وجه خلا قوله: لا غير، فإنه لا وجه له، انتهى.
قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في شرحه: فقوله يبطل في حقه بالرفع لا غير، أي فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما، فلا يرثها إذا ماتت لبطلان الزوجية أصلاً، بخلاف ما إذا مات الزوج حيث ترثه المرأة، لأن الزوجية وإن بطلت بالطلاق البائن حقيقة جعلت باقية في حقها دفعاً للضرر عنها، لأنه قصد إبطال حقها. ولا يجوز أن يقال بالنصب جواباً للنفي، لأنه حينئذ ينعكس الغرض، لأنه يكون معناه: لو كانت الزوجية سبب إرث الزوج عنها لبطلت، ولكنها ليست بسبب، فإذا لم تبطل الزوجية يجب أن يرثها ولا يقول به أحد لا نحن ولا الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والذي وقع في بعض الشروح بنصب اللام سهواً، انتهى.
قلت: الكاكي تبع السغناقي فقال: فيبطل بالنصب، لأنه جواب النفي، والذي قاله الأكمل هو الوجه، فافهم.
م: (خصوصاً إذا رضي به) ش: أي لا سيما أن الزوج إذا رضي بحرمانه من الإرث، حيث أقدم على الطلاق.
واعلم أن أصحابنا استدلوا في هذا الباب بالنقل والعقل، وصاحب الهداية لم يذكر شيئاً من النقل، فنقول بإجماع الصحابة توريث امرأة الفار، بيانه أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق امرأته تماضر في مرض موته فورثها عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحل محل الإجماع.
فإن قلت: لا نسلم الإجماع، لأنه روي عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في حديث تماضر أنه قال: لو كان الأمر إلي لما ورثتها.
قلت: أجيب: بأنه قد صح عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال هذا الكلام في وقت إمارته بعد سبق الإجماع، والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع السابق، ولئن سلمنا أنه قاله

(5/441)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقت توريث تماضر، فنقول: ما ورثها لخفاء وجه الاستحسان عليه، أو نقول: كانت تماضر سألت الطلاق فاعتقد ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سؤالها يسقط الإرث، وبه نقول، ولكن عثمان إنما ورثها عند وجود سؤال الطلاق فعند عدمه أولى. انتهى.
وفي السروجي: وأجابوا عن قول ابن الزبير في خلافته: لو كنت أنا لم أقل بتوريثها إن لم يكن في ذلك الوقت من الفقهاء. وفي " البدائع ": وكان الإجماع قد انعقد على ذلك، وخلافه بعد وقوع الإجماع من الصحابة لا يقدح فيه، لأن انقراض العصر ليس بشرط لصحة الإجماع، أو خالفه لتوريثه بعد سؤالها، وقد روي ذلك، ولعل عثمان كان يرى أن ذلك لا يسقط إرثها، وفي " الجوهر " و" المحلى " في رواية كان توريث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد انقضاء العدة، وروى هشام عن أبي مسلم عن أبيه أنه كان بعد العدة، وروى عنه أبو عمر أنه كان في العدة، وقال ابن حزم وعمر: هذا ضعيف، لكن ثبت من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير قال: طلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنت الأصبع الكلبية فبتها، ثم مات في العدة فورثها عثمان، رواه عنه الحجاج بن المنهال وسعيد بن منصور، وقد اتفقا على أن توريثها كان في العدة، وهو قول الجمهور.
ويحتمل قول من قال: إنه ورثها بعد انقضاء العدة مع ضعفه أنه كان تأخير المخاصمة والقسمة وقع بعد العدة، وكان موته قبل انقضاء العدة يدل عليه قوله: فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، وتماضر بضم التاء المثناة من فوق، وتخفيف الميم، وكسر الضاد المعجمة في آخره، بنت عمر بن الشريد السلمية. قال أبو عمر: وهي الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن جفاف بن امرئ القيس بن نهبة بن سليم قدمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع قومها فأسلمت فذكروا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستشهد بها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده، وهو يقول فيه بأجناس ويومئ بيده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقالوا: اسم الخنساء تماضر، وكانت حضرت حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، واستشهد الأربعة فيها، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وفي السروجي: وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قضى بتوريثها قال: فر من كتاب الله، وروي عنه أنه قال: ما فررت من كتاب الله أي ما قصدت الفرار، وحصل لها بالصلح عن ربع سهمها ثمانون ألفاً. وذكر بعض أهل الحديث أنها كانت دنانير. وذكر عبد المغني في الأربعين أن ورثته كانوا يقطعون مسائل الذهب بالقوس ويقتسمونها.
ومن الدليل في هذا الباب ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: جاء عروة البارقي إلى

(5/442)


وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها اختاري، فاختارت نفسها، أو اختلعت منه، ثم مات وهي في العدة لم ترثه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شريح من عند عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بخمس خصال منهن: إذا طلق المريض امرأته ثلاثاً ورثته إذا مات وهي في العدة. وعن الشعبي: أن أم البنين بنت عيينة بن حصن كانت تحت عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فارقها بعدما حوصر فجاءت إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخبرته بذلك، فقال: تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها، فورثها منه، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أن امرأة الفار ترث. ثم اعلم أن الذي ذكره صاحب " الهداية " مع الخلاف فيه أنه إذا كان طلاق المريض بائناً، كما إذا صرح به، وأما إذا كان رجعياً فبالأولى أن ترث، لأن حكم النكاح قائم.
فإن قلت: على ما ذكرت كان ينبغي أن الإرث أيضاً في البائن.
قلت: زمن مرض الموت زمن تعلق حق الوارث بمال الموروث. ولهذا يمنع من التبرع بما زاد على الثلث، فبقي النكاح في حق الإرث.
فإن قلت: يمنع النكاح أصلاً، ولهذا ثمه يجب عليه الحد إذا وطئها ولا ترث إذا كان الزواج برضاها، وكذلك إذا كان الطلاق قبل الدخول، وكذا الإرث إذا مات بعد انقضاء العدة، وكذا لا ترث إذا برأ ثم مات وهي في العدة.
قلت: أجيب: أن وجوب الحد باعتبار ارتفاع الحل، ولم يدل على ارتفاع النكاح أصلاً، بل هو قائم من وجه، ولهذا لا يجوز للمعتدة أن تتزوج بزوج آخر، وأن الطلاق برضاها يبطل حقها، والإقرار منه، وأن الطلاق قبل الدخول باعتبار عدم وجوب العدة، فلم يمكن إبقاء النكاح حكماً، وأن انقضاء العدة يمكنها من التزوج بزوج آخر، فوجد المنافي للنكاح الأول، فلم يجعل قائماً حكماً، وإن في البراءة لم يكن حقها متعلقاً بمال الزوج زمان الطلاق، ولم يوجد قصد إبطال الحق، وإن موت المرأة لا يبقي الزوجية في حقه لا حقيقة ولا حكماً.
وفي " مختصر الكافي ": وإن كانت المرأة أمة أو يهودية أو نصرانية فأبانها في مرضه بغير أمرها، ثم أعتقت الأمة وأسلمت الكافرة ثم مات، وهي في العدة، فلا ميراث لها منه، لأنه لم يكن فاراً من ميراثها يوم طلق، لأنه لم يتعلق حقها بماله.

[قالت له طلقني ثلاثا فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته]
م: (وإن طلقها ثلاثاً بأمرها) ش: أي قالت له: طلقني ثلاثاً فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته م: (أو قال لها: اختاري) ش: أي أو خيرها في مرض موته م: (فاختارت نفسها) ش: أي قالت: اخترت نفسي م: (أو اختلعت منه) ش: أي أو اختلعت المرأة من الزوج م: (ثم مات) ش: أي الزوج والحال أنها في العدة، وهو معنى قوله م: (وهي في العدة لم ترثه) ش: جواب المسائل الثلاث، أي

(5/443)


لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير لحقها. وإن قالت طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثته؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها.
وإن قال لها في مرض موته: قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته، ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يجوز وصيته وإقراره لها، وإن طلقها ثلاثا في مرضه بأمرها، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم ترث الزوج م: (لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير) ش: أي تأخير عمل الطلاق في بطلان إرثها، أي انقضاء عدتها م: (لحقها) ش: وقد رضيت سقوطه.
وفي " المحيط ": لو جاءت الفرقة من قبلها في مرضه لم ترث منه، لأنها باشرت سبب بطلان حقها. ولو جاءت الفرقة منها في مرضها ورثها الزوج. قيل: ينبغي أن يرثها لأنا جعلنا قيام العدة كقيام النكاح في حقها، ولا عدة هاهنا عند موتها فلم يبق النكاح كما بعد العدة. قيل في جوابه: لما صارت محجورة عن إبطال حقه أيقنا النكاح في حق الإرث دفعاً للضرر عنه أو رداً لقصدها إبطال حقه كما حكمنا في مستعجل الإرث بحرمانه رداً لقصده. وكذا لو حصلت الفرقة بسبب الجب والعنة، وخيار البلوغ والعتق في مرضه لا يرث لرضاها بالمبطل، فإن كانت مضطرة، لأن سبب الإضرار لم يكن من جهة الزوج فلم يكن جانياً في الفرقة. وفي " الجامع ": لو فارقته في مرضها في خيار العتق والبلوغ ورثها الزوج لأنها جاءت من قبلها، ولهذا لم يكن طلاقها. وفي " الينابيع " جعل هذا قول أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإن قالت: طلقني للرجعة فطلقها ثلاثاً ورثته، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها) ش: والسؤال مصدر سأله الشيء، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول متروك، أي بسؤال المرأة الطلاق الرجعي، وفي بعض النسخ: بسؤاله بتذكير الضمير المضاف إليه، وهو من إضافة المصدر المضاف إلى المفعول والفاعل متروك، أي بسؤال الطلاق الرجعي كذا قرره الأترازي والتقدير على هذا الوجه بسؤال المرأة إياه الطلاق الرجعي.

[قال لامرأته في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته]
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال الرجل لامرأته م: (في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته) ش: أي المرأة صدقت زوجها بذلك، ولا ميراث لها أن الثابت بالتصادق كالثابت بالبينة م: (ثم أقر لها بدين) ش: بأن قال لها في ذمتي كذا وكذا، وربما مثلاً م: (أو أوصى لها بوصية) ش: من تركته م: (فلها الأقل من ذلك) ش: أي من المقربة والوصية م: (ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يجوز وصيته وإقراره لها) ش: يعني لها جميع ما أقر لها وأوصى لها، سواء كان أقل من الميراث أو أكثر.
م: (وإن طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها) ش: بأن قالت له طلقني وهو مريض فطلقها ثلاثاً م: (ثم

(5/444)


أقر لها بدين، أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعا إلا على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن لها جميع ما أوصى وما أقر به؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية. وجه قولهما في المسألة الأولى أنهما لما تصادقا على الطلاق وانقضاء العدة صارت أجنبية عنه، حتى جاز له أن يتزوج أختها، وانعدمت التهمة؛ ألا ترى أنه تقبل شهادته لها، ويجوز وضع الزكاة فيها، بخلاف المسألة الثانية لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة، ولهذا يدار على النكاح والقرابة، ولا عدة في المسألة الأولى. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألتين أن التهمة قائمة؛ لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها، فيزيد حقها، والزوجان قد يتواضعان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه. وفي " الجامع ": جعل هذا قول أبي حنيفة وحده م: (إلا على قول زفر، فإن لها جميع ما أوصى به وما أقر؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية) ش: ولا ميراث لها، لأنها أسقطته بسؤالها.
م: (وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (في المسألة الأولى) ش: أي فيما إذا قال لها في مرضه كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته م: (أنهما) ش: أي الزوجين م: (لما تصادقا على الطلاق) ش: أي على وقوعه م: (وانقضاء العدة) ش: أي وعلى انقضاء العدة م: (صارت أجنبية عنه) ش: أي عن الزوج.
م: (حتى جاز له أن يتزوج أختها وانعدمت التهمة) ش: لوجود التصادق م: (ألا ترى) ش: إيضاح لانعدام التهمة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (تقبل شهادته لها ويجوز وضع الزكاة إليها) ش: لأن إقراره صار كإقراره لسائر الأجانب، وكذا وصيته لعدم التهمة، فهذه الأحكام م: (بخلاف المسألة الثانية) ش: وهي ما إذا طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها.
م: (لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة) ش: أي الحكم يترتب على دليل التهمة ويثبت به م: (ولهذا) ش: أي ولكون الحكم دائراً على دليل التهمة م: (يدار على النكاح) ش: حيث لا يجوز شهادة أحد الزوجين للآخر للتهمة م: (والقرابة) ش: حيث لا يجوز شهادة القريب للقريب، يعني قرابة الولاد، لأنه يجوز شهادة الأخ للأخ لانعدام التهمة، هكذا أطلقوا، والمراد إذا لم يكن الأخ في عيال أخيه م: (ولا عدة في المسألة الأولى) ش: لتصادقهما على انقضاء العدة، وليس فيها دليل التهمة.
م: (ولأبي حنيفة في المسألتين أن التهمة قائمة) ش: بسبب التواضع م: (لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها) ش: أي على المرأة، وهو يتعلق بقوله لينفتح م: (فيزيد حقها) ش: بالرفع لأنه فاعل م: (والزوجان قد يتواضعان) ش: من التواضع، وهو عبارة عن وضع الشخصين

(5/445)


على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة، فرددناها ولا تهمة في قدر الميراث، فصححناه، ولا مواضعة عادة في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام.
قال: ومن كان محصورا أو في صف القتال، فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه، وإن كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص، أو رجم؛ ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رأيهما على شيء واحد، وكذا المواضعة م: (على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة) ش: أي لأجل الزيادة م: (على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة فرددناها) ش: أي الزيادة م: (ولا تهمة في قدر الميراث فصححناه) ش: أي قدر الميراث.
م: (ولا مواضعة عادة) ش: جواب عن مسألة أيهما، بيانه أن المواضعة عادة لا تكون م: (في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام) ش: لأن الإقرار وتهمة الإثمار يتحقق في حق الإرث لا في حق هذه الأحكام، فاعتبرت في حق الإرث دون غيره. وفي " الذخيرة ": لا بد من تحكيم الحال إذا كان حال خصومة وغضب يقع الطلاق عليها بهذا الإقرار، وإن لم يكن كذلك لم يقع.

م: (قال: ومن كان محصوراً) ش: وفي أكثر النسخ أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن كان محصراً هذا لبيان أن حكم الفرار غير منحصر في المرض، بل قال: كل شيء يقربه إلى الهلاك غالباً، فهو في معنى مرض الموت م: (أو في صف القتال) ش: أي لو كان في صف القتال في الحرب م: (فطلق امرأته ثلاثاً لم ترثه) ش: أي لم ترث المرأة زوجها م: (وإن كان) ش: أي الذي في صف القتال م: (قد بارز رجلاً) ش: من المبارزة في الحرب، وهي الخروج من الصف لطلب القتال م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول، أي أو قدم الرجل م: (ليقتل في قصاص) ش: كلمة في هاهنا للتعليل، أي لأجل قصاص نحو قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] (يوسف: الآية32) ، وفي الحديث: أن «امرأة دخلت النار في هرة» أي لأجل هرة م: (أو رجم) ش: أي أو قدم لأجل رجم بسبب الزنا.
م: (ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل) ش: أي أو قتل بسبب آخر، وفيه دليل على أنه لا فرق بينهما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل، هذا ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهو المذكور في " مختصر الكافي " " والمبسوط " و" الشامل ". وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": كان عيسى بن أبان يقول: لا ميراث لها لأن مرض الموت ما يكون سبباً للموت، ولما مات بسبب آخر علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت. ولنا أن الموت اتصل بالمرض والسبب الآخر يكون متمماً له، ولا منافاة فيثبت الفرار فترث.

(5/446)


وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا، وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله، وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا، كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء، وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب، وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار، فالمحصور والذي في صف القتال الغالب منه السلامة، لأن الحصن لدفع بأس العدو،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[امرأة الفار طلقها في مرض الموت]
م: (وأصله) ش: أي أصل ثبوت حكم الفرار م: (ما بينا) ش: أي في أول الباب م: (أن امرأة الفار ترث استحساناً) ش: لا قياساً كما هو أحد أقوال الشافعي، لأن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت ولم يوجد لارتفاعه بالطلقات، والحكم لا يثبت بدون السبب. وجه الاستحسان ما مر وهو اتفاق الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ذلك كما ذكرناه مفصلاً.
م: (وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله) ش: أي بمال الزوج م: (وإنما يتعلق) ش: أي الفرار م: (بمرض يخاف منه الهلاك غالباً كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه) ش:
كالذهاب إلى المسجد وإلى قضاء حاجته. وعن شمس الأئمة السرخسي: أن المعتبر في حق الفقيه أن لا يقدر على الخروج إلى المسجد، وفي السوق أن لا يقدر على الخروج إلى الدكان. 50 وفي المرأة: أن لا يخرج إلى السطح، ولو كان المريض يقوم بحوائجه في البيت كالمشي إلى الخلاء ولا يقوم بحوائجه خارج البيت على التفصيل الذي ذكرنا فهو في حكم مرض الموت عند عامة مشايخ البخاري. وعند عامة مشايخ بلخ هو في حكم الصحيح.
وقال بعض المشايخ من المتأخرين: إذا كان بحال يمكنه أن يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بغيره، فهو بمنزلة الصحيح، وهذا ضعيف، فإن المريض جداً لا يعجز عن هذا، وقيل:
الذي يتعذر عليه أداء الصلاة جالساً. وقيل: الذي لا يقدر أن يقوم إلا أن يقيمه إنسان. وقيل: أن لا يقدر على الشيء إلا أن يهادى بين اثنين. وفي المرأة أن تعجز عن القيام بمصالح بيتها. والمرأة في حال الطلاق في حكم المرض.
م: (كما يعتاده الأصحاء) ش: أي من القيام بحوائجه، والأصحاء جمع صحيح م: (وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب) ش: فيكون ذلك سبباً في حكم مرض الموت، فالآن يوضحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
م: (وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار) ش: وإن كان يخاف منه الهلاك، فلا يعطي له حكم المرض م: (فالمحصور) ش: إلى قوله: ولهذا أخوات إيضاح لما قبله، وبيان له، فلذلك ذكره بالفاء والمحصور هو المحبوس يقال حصره إذا حبسه م: (والذي في صف القتال) ش: أي في الصف للقتال م: (الغالب منه السلامة) ش: أي في كل واحد من المحصور والذي في صف القتال السلامة غالباً، وإن كان يمتنع الهلاك نادراً م: (لأن الحصن لدفع بأس العدو) ش: وهذا تعليل

(5/447)


وكذا المنعة فلا يثبت به حكم والفرار الذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك، فيتحقق به الفرار، ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف. وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل، دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل،
وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح. إذا جاء رأس الشهر، أو إذا دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار، فأنت طالق، فكانت هذه الأشياء والزوج مريض لم ترث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمحصور، لأن الغالب الذي في الحصن يأمن من شدة العدو.
م: (وكذا المنعة) ش: تعليل للذي في صف القتال، لأن حوله من يمنع كل من العدو، والمنعة بالفتحات، ويقال: فلان في منعة من قومه، أي في عز وأمن م: (فلا يثبت به حكم الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (والذي بارز) ش: أي الذي خرج للمبارزة م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول م: (ليقتل) ش: في قصاص أو رجم م: (الغالب منه الهلاك) ش: والخلاص نادر م: (فيتحقق به الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (ولهذا) ش: أي ولهذه الصورة المذكورة م: (أخوات) ش: يعني من الصورة الأخرى م: (تخرج على هذا الحرف) ش: أي على هذا الأصل المذكور وحرف كل شيء حده وناحيته، والأصل المذكور هو ثبوت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب وعدم ثبوته فيما كان الغالب منه السلامة، فمن الأول النازل في السبعة والراكب في السفينة وبقي على لوح، وكذا في " المحيط ". وفي " جوامع الفقه " كان في سفينة فاضطربت الأمواج، وكان الغالب منه الغرق فهو كمرض الموت، وكذا الواقع في فم السبع والمسلول والمفلوج والمقعد ما دام يزاد ما به فهو من الثاني وإلا فهو من الأول، وصاحب جرح وقرحة أو وجع لم يصبه على الفراش بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير " م: (إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب.

[قال لامرأته إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق]
م: (وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه صحيح م: (إذا جاء رأس الشهر أو إذا) ش: أي أو قال لها إذا م: (دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار) ش: وهذه أربع صور تعليقه وقوله م: (فأنت طالق) ش: جوابها، أي طالق بائن لأن حكم الفرار يثبت بالبائن م: (فكانت) ش: أي وجدت وحدثت فكانت تامة م: (هذه الأشياء) ش: أي مجيء رأس الشهر، ودخول المرأة الدار، وصلاة فلان الظهر، ودخول فلان الدار م: (والزوج مريض) ش: أي والحال أن الزوج كان مريضاً وقت وجود هذه الأشياء م: (لم ترث) ش: جواب إذا في الصور المذكورة إلا في صورة المستثناة، على ما يجيء الآن. وقال زفر: ترث، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط. قلنا: لا ترث، لأنه لم يوجد منه الفرار، فلا ترث بيانه أنه كان حين

(5/448)


وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار، وهذا على وجوه أربعة: إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت، أو بفعل الأجنبي، أو بفعل نفسه، أو بفعل المرأة، أو كل وجه، على وجهين، أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كلاهما في المرض، أما الوجهان الأولان، وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال إذا دخل فلان الدار أو صلى فلان الظهر فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز فكان إيقاعا في المرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علق صحيحا ولم يكن حق المرأة متعلقا بماله، فلم يوجد الفرار، وحين وجد الشرط لم يوجد فعل من الزوج، لأن الشرط أمر سماوي أو فعل الأجنبي، والزوج ليس بقادر على إبطال التعليق، ولا على منع الفعل السماوي، ولا منع الأجنبي من إيجاد الشرط، فلم يكن قادرا فلم ترث لعدم قصد العدوان من الزوج.
م: (وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار) ش: هذه الصورة المستثناة من الصور الأربعة المذكورة م: (وهذا) ش: إشارة إلى المذكور من الصور المذكورة، منها: أي من قوله: إذا دخلت الدار، الخطاب إلى المرأة أو إلى نفسه م: (على وجوه أربعة) ش: الأول: هو قوله م: (إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت) ش: بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، والثاني: هو قوله م: (أو بفعل الأجنبي) ش: بأن قال: إذا صلى فلان الظهر أو إذا دخل فلان هذه الدار. والثالث: هو قوله م: (أو بفعل نفسه) ش: بأن قال: إذا دخلت هذه الدار بالإخبار عن نفسه، والرابع: هو قوله م: (أو بفعل المرأة) ش: بأن قال مخاطبا لها: إن دخلت هذه الدار م: (أو كل وجه) ش: أي من الوجوه المذكورة.
م: (على وجهين) ش: أحدهما قوله: م: (أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض) ش: والآخر هو قوله م: (أو كلاهما) ش: أي التعليق والشرط وجدا كلاهما م: (في المرض. أما الوجهان الأولان وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال: إذا دخل فلان الدار، أو صلى فلان الظهر، فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه) ش: أي من الزوج م: (بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله) ش: وهو حال المرض الذي يخاف منه الهلاك، ولهذا لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.
م: (وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فكان إيقاعا في المرض) ش: أي فكان المعلق بالشرط

(5/449)


ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا، ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه.
وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كانا في المرض والفعل، ومما له منه بد، أو لا بد له منه، فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها. وأما الوجه الرابع وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه لم ترث، لأنها راضية بذلك، وإن كان الفعل لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إيقاعا في المرض.
م: (ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا) ش: يعني من حيث الحكم لا من حيث القصد، يعني يسلم قول زفر يصير كالمنجز لكن حكما لا قصدا، ولهذا لو كان عاقلا عند التعليق ومجنونا عند الشرط يقع الطلاق. فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط لما ارتفع لعدم القصد منه، وكذا لو حلف بعد التعليق بأن لا يطلق ثم وجد الشرط لم يحنث، فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط ينبغي أن يحنث م: (ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه) ش: لأنه علق ولم يتعلق حقها بماله، فلم يوجد من جهته منع بعد وجود الشرط، ولا يقدر على إبطال التعليق ولا على منع الأجنبي عن إيجاد الشرط.

م: (وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، أو كانا) ش: أي أو كان التعليق والشرط م: (في المرض والفعل، مما له منه بد) ش: أي الفعل شيء للزوج من ذلك الشيء بد، ككلام زيد مثلا م: (أو لا بد له منه) ش: أي أو الفعل شيء لا بد للزوج منه، كالأكل والصلاة ونحو ذلك م: (فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها) ش: أي عن المرأة.
م: (وأما الوجه الرابع: وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل) ش: أي أو كان الفعل م: (مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه) ش: مثل دخول الدار م: (لم ترث، لأنها راضية بذلك) ش: أي بإسقاط حقها، حيث باشرت الشرط م: (وإن كان الفعل) ش: مما ليس لها منه بد. وفي أكثر النسخ، فإن كان الفعل م: (لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر) ش: قال الأترازي: تقييد صلاة الظهر اتفاقي لا احترازي، لأن الحكم في سائر المكتوبات كذلك، وتخصيصها باعتبار أنها أسبق في الظهر، بحيث الأولية، لأنها أول صلاة فرضت، قلت: هذه الوجه ذكره السغناقي.

(5/450)


وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا أو في العقبى، ولا رضاء مع الاضطرار. وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد، فلا إشكال أنه لا ميراث لها، وإن كان مما لا بد لها منه، فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر، لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة فينتقل الفعل إليه، كأنها آلة له كما في الإكراه.
قال: وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض، ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث لأنه قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض، وقد مات وهي في العدة، ولكنا نقول المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا) ش: كالأكل، فإن لم تأكل تخاف على نفسها الهلاك في الدنيا م: (أو في العقبى) ش: أي العقوبة في الآخرة م: (ولا رضاء مع الاضطرار، وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد فلا إشكال أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا ميراث لها وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لا ميراث لها م: (وهو قول زفر) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول زفر أيضاً.
م: (لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة) ش: أي إلى جعل فعلها الذي لا بد لها منه علة لإسقاط حقها م: (فينتقل الفعل إليه) ش: أي كأن المرأة م: (آلة له كما في الإكراه) ش: يعني إذا أكره زيد عمرا على إتلاف مال الغير فأتلفه عمرو يضمن زيد، لأن المكره بفتح الراء صار كأنه آلة للمكره بكسر الراء، فانتقل فعل المكره إلى المكره، فكذا فيما نحن فيه، فلما كانت المرأة مضطرة انتقل فعلها إلى الزوج، فصار كأنه فعل الشرط في مرض موته فورثت لكونه فارا.

[طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات والحال أنه مريض]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": وليس في كثير من النسخ لفظ قال: م: (وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض) ش: أي وإذا طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات، والحال أنه مريض م: (ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث) ش: ولم يذكر في " الجامع الصغير " خلافا زفر، وكذا لم يذكر في الأصل، ولا ذكره الحاكم في مختصره، وإنما ذكره شمس الأئمة السرخسي في " شرح المختصر "، وبقول زفر قال الثوري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق بن راهويه. ودليل زفر هو قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض وقد مات) ش: والحال أنه قد مات م: (وهي في العدة) ش: ولا يعتبر البرء المتخلل، فكأنه لم يبرأ بين الطلاق والموت م: (ولكنا نقول: المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض

(5/451)


الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا.

ولو طلقها فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه، وهي في العدة لم ترث، وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت. ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا، ولا بقاء له بدون الأهلية، وبالمطاوعة ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي، بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب، وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا) ش: قيل: هذا إذا كان به حمى ربع، وصاحب فراش، فانقطعت وصح منها، ثم مات بحمى غب أو غيرهما من الأمراض، أما لو صح من حمى الربع ثم عادت حمى ربع، ومات يجعل الثاني عين الأول، ولا يحكم بزوالها، فينبغي أن ترثه على هذا، وفيه نظر، لأنه لو حكم بزوالها لم يحكم لما بقي تعلق حقها بماله فلا يتحقق قصد الفرار.

م: (ولو طلقها) ش: أي ثلاثا أو بائنا م: (فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (لم ترث) ش: لأن الردة منافية للإرث م: (وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت، ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا ولا بقاء له) ش: أي للإرث م: (بدون الأهلية، وبالمطاوعة) ش: أي بمطاوعة ابن زوجها م: (ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي) ش: أي الإرث هو الباقي.
م: (بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب) ش: أي سبب الإرث وهو النكاح م: (وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها) ش: أي لتقدم الطلقات على المطاوعة يعني أهلية الإرث لم تثبت بالمطاوعة فأمكن إبقاء النكاح في استحقاق الإرث في هذه الحالة كما كانت.
فإن قيل: ينبغي أن لا ترث لأنا تيقنا النكاح حكما في حق الإرث والنكاح الباقي حقيقة يبطل بالمحرمية، فهذا أحق وصار كما إذا طاوعت ابن زوجها قبل الطلاق كالمسألة الأولى. أجيب: بأن الردة تنافي نفس الحق وهو الإرث كما أن المرتد لا يرث أحدا، فلم يتصور بقاء النكاح بدون الأهل، فأما المحرمية فإنها يبطل بها الإرث بسبب بطلان النكاح مضافا إليها، ولم يوجد، لأن النكاح قد يبطل بالثلاث، وإنما بقي في حق الإرث خاصة، وبالمطاوعة في حال قيام النكاح تقع الفرقة مضافا إليها فلا يجب إبقاء النكاح في حق الاستحقاق نظرا لها مع رضاها ببطلان السبب، كذا في " الكافي ".

(5/452)


فافترقا، ومن قذف امرأته وهو صحيح، لاعن في المرض ورثت. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث، وإن كان القذف في المرض ورثته - وفي قولهم جميعا - وهذا ملحق بالتعليق بالفعل لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها، وقد بينا الوجه فيه.
وإن آلى من امرأته وهو صحيح ثم بانت بالإيلاء وهو مريض لم ترث، وإن كان الإيلاء أيضا في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت، وقد ذكرنا وجهه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فافترقا) ش: وارتداد المرأة بعد للإبانة، حيث لم ترث في الأولى، وورثت في الثانية.
م: (ومن قذف امرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه في الصحة م: (ولاعن في المرض ورثت) ش: منه م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث) ش: وبه قال زفر لعدم الفرار لأن سبب الفرقة قذف الرجل ولم يكن قذفه في زمان تعلق حقها بماله م: (وإن كان القذف في المرض ورثته - في قولهم جميعا - وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (ملحق بالتعليق بالفعل الذي لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة) ش: يعني مضطرة إليها م: (لدفع عار الزنا عن نفسها) ش: فلم تكن راضية ببطلان حقها، فجعل الزوج مطلقا في المرض حكما باعتبار الشرط، فكان لها الميراث لوجود الفرار منه بالطلاق في المرض م: (وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه هذه المسألة في التعليق بفعل لا بد لها منه عند قوله: وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد ... إلى آخره.

[آلى من امرأته وهو صحيح وبانت بالإيلاء وهو مريض]
م: (وإن آلى من امرأته وهو صحيح) ش: أي وإن آلى رجل من امرأته والحال أنه صحيح م: (ثم بانت بالإيلاء) يعني تمت الأربعة الأشهر م: (وهو مريض) ش: أي والحال أنه مريض م: (لم ترث) ش: لأن البينونة مضافة إلى إيلاء الزوج وقد وقع ذلك في حال الصحة، ولم يوجد من الزوج في المرض شيء آخر من مباشرة علة أو شرط، فلا يكون فارا، وهو فرع التعليق بمجيء الوقت.
م: (وإن كان الإيلاء أيضاً في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت) ش: فإن قيل: لا نسلم أن الإيلاء نظير تعليق الطلاق بمجيء الوقت إن كان الإيلاء في الصحة لما أنه ممكن من إبطال الإيلاء بالنفي، وإذا لم يبطل في حالة المرض صار كأنه إنشاء الإيلاء في المرض وهناك ترث، فكذلك هنا. فكان نظير من وكل وكيلا بالطلاق في صحته، فطلقها الموكل في المرض، فكان فارا لتمكنه من العزل، فإذا لم يعزل يجعل كأنه ألجأه، فكذلك هاهنا. أجيب: بأن الفرق بينهما ثابت وهو أنه لا يمكنه إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه، فلم يكن ممكنا مطلقا، بخلاف مسألة الوكالة م: (وقد ذكرنا وجهه) ش: أي وجه التعليق بمجيء الوقت.

(5/453)


قال - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه لما بينا أنه لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب قائما. قال: وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات وهي في العدة، وقد بيناه، والله تعالى أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه) ش: أي في جميع الصور، سواء نجز أو علق بالوجوه الأربعة المذكورة في التعليق م: (لما بينا) ش: فيما مضى م: (أنه) ش: أي أن الطلاق الرجعي م: (لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب) ش: أي سبب الإرث م: (قائما) ش: وهو النكاح حكما م: (وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات) ش: أي الزوج م: (وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (وقد بيناه) ش: في أول الباب بقوله: وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها.

(5/454)