البناية شرح الهداية

باب الرجعة وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) من غير فصل. ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك ألا ترى أنه سمي إمساكا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الرجعة] [مراجعة من طلق امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين]
م: (باب الرجعة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجعة. ولما كانت الرجعة متأخرة عن الطلاق طبعا أخره وضعا، ليناسب الوضع الطبع من قولهم: رجع يرجع رجعا ورجوعا ورجعته إلى أهله، أي ردته إليهم. ويقال: إلى الله مرجعك ورجوعك ورجعاك، وربما قالوا: رجعناك، وطلق فلان امرأته بملك الرجعة والرجعة قاله ابن دريد.
قلت: يعني بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح، وفي المنافع: رجع يستعمل لازما ومتعديا، فالرجوع مصدر اللازم، كالقعود والجلوس والدخول، فمن اللازم قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: 8] (المنافقون: الآية 8) ، {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف: 63] (يوسف: الآية 63) ، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] (البقرة: الآية 156) ، ومن المتعدي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] (التوبة: الآية 83) {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: 4] (الملك: الآية 4) .
والرجع مصدر المتعدي، وهي في الشريعة استدامة ملك النكاح، ولها شرائط، أحدها: تقديم صريح لفظ الطلاق وبعض ألفاظ الكناية كما تقدم. والثانية: أن لا يكون بمقابلة مال. والثالثة: أن لا يستوفي الثلاثة من الطلاق. والرابعة: أن لا تكون المرأة مدخولا بها. والخامسة: أن تكون العدة قائمة، ولا خلاف لمشروعيتها لأحد لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض) ش: وهذا بإجماع أهل العلم م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] ش: م: (البقرة: الآية 231) ش: الإمساك هو الإبقاء، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] يعني إذا بلغن منتهى عدتهن، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك من غير ضرار، وإن شئتم فالمفارقة من غير ضرار، وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم راجعها. وفي حديث ابن عمر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "مر ابنك فليراجعها» ... " الحديث متفق عليه م: (من غير فصل) ش: يعني أن إطلاق النص لم يفصل بين رضا المرأة وعدمه، بل أثبت الرجعة مطلقا.
م: (ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك) ش: ولا ملك بعد انقضاء العدة م: (ألا ترى أنه سمي إمساكا) ش: توضيح لما قبله، بيانه إن شاء الله تعالى سمى الرجعة إمساكا، وذلك بإجماع

(5/455)


وهو الإبقاء، وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها. والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي، وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه بين الأئمة.
قال: أو يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أهل التفسير م: (وهو الإبقاء) ش: أي الإمساك م: (وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها) ش: فإذا انتقضت العدة لم يبق محل الإمساك والطلاق والرجعي في الحال سبب لزوال الملك عند انقضاء العدة، والزوال محل حل المحلية عند استيفاء عدد الطلاق.
م: (والرجعة أن يقول) ش: أي كيفية الرجعة أن يقول للذي طلقها طلقة أو تطليقتين م: (لامرأته: راجعتك) ش: بالخطاب لها م: (أو راجعت امرأتي) ش: أي أو يقول: راجعت امرأتي بالغيبة م: (وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه) ش: أي في هذا يعني بالقول م: (بين الأئمة) ش: أراد أن الرجعة بالقول تصح بالإجماع. وفي " المحيط ": وكذا إذا قال: ارتجعتك أو رجعتك أو رددتك أو مسكتك، وهذه الألفاظ صريحة في الرجعة غير مفتقرة إلى النية. ومن الكنايات في الرجعة: أنت عندي كما كنت، أو قال: أنت امرأتي ونوى به الرجعة صار مراجعا، ذكره في " الذخيرة ".
وفي " الحاوي ": عزاه إلى محمد بن مقاتل الرازي قاضي قضاة بغداد، وفي " الروضة ": في حصول الرجعة ب راجعتك بلا نية قولان لمالك، كنكاح الهازل، واختلفوا في الإمساك والنكاح والتزوج. وفي " الذخيرة ": لو قال راجعتك بمهر ألف درهم وقبلت صحت، وإلا فلا، لأنها زيادة في المهر، ويشترط قبولها. وفي " المرغيناني " و " الحاوي ": راجعتك على ألف، قال أبو بكر: لا يجب الألف ولا يصير زيادة في المهر، كما في "الإقالة".

[يطأ التي طلقها أو يقبلها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أو يطأها) ش: أي أو يطأ التي طلقها م: (أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة) ش: وفي " المبسوط " و " الذخيرة " والتقبيل بشهوة والنظر إلى داخل فرجها بشهوة رجعة، ولم يقيد الشهوة في التقبيل في الكتاب. وفي البدائع: وهو قول محمد المرجوع إليه. وأما النظر إلى موضع الجماع من دبرها فليس برجعة، واختلفوا في الدبر، قيل ليس برجعة، إليه أشار القدوري، والفتوى على أنه رجعة. م: (وهذا عندنا) ش: أي كون الرجعة بالوطء أو بالمس بالشهوة أو بالنظر إلى فرجها بالشهوة عند أصحابنا الحنفية، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وطاوس وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وجابر والشعبي وسليمان التيمي. وقال مالك وإسحاق: إن أراد به الرجعة فهو رجعة.
م: (وقال الشافعي: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه) ش: أي على القول بأن لم يكن

(5/456)


لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده حتى يحرم وطؤها، وعندنا هي استدامة النكاح على ما بيناه، وسنقرره إن شاء الله تعالى. والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار والدلالة فعل يختص بالنكاح، وهذه الأفاعيل تختص به، خصوصا في حق الحرة، بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما، والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخرس أو معتقل اللسان، أما إذا كان كذلك فيصح بالإشارة، وبه قال أبو ثور والظاهرية، وقول أحمد مضطرب. وفي " الحلية ": هو رجعة كقولنا م: (لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده) ش: أي عند الشافعي م: (حتى يحرم وطؤها) ش: أي عنده م: (وعندنا هي) ش: أي الرجعة. وفي بعض النسخ: هو على تأويل الرجوع، وتذكير المؤنث على التأويل سائغ، كما في قوله: ولا أرض أثقل أثقالها، أي ولا مكان م: (استدامة النكاح على ما بيناه) ش: أي قوله ألا ترى أنه سمي إمساكا م: (وسنقرره إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر هذا الباب عند قوله: والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء م: (والفعل) ش: نحو اللمس.
م: (قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار) ش: فإن باعه على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم وطئها في مدة الخيار يكون وطؤها دليلا على استدامة الملك، فيسقط الخيار، فكذلك في الطلاق الرجعي يدل الوطء على استدامة النكاح، بل أولى، لأن هناك يحتاج إلى فسخ السبب المزيل وهو البيع، وهنا لا يحتاج إلى فسخ السبب المزيل، وهو الطلاق، لأنه لا يقبل الفسخ. م: (والدلالة فعل يختص بالنكاح) ش: أي الدلالة تتحقق بفعل مخصوص بالنكاح لا بكل فعل م: (وهذه الأفاعيل) ش: أي النظر إلى الفرج الداخل بشهوة والمس بشهوة والتقبيل بشهوة م: (تختص به) ش: أي بالنكاح فيقع دلالة م: (خصوصا في حق الحرة) ش: قيد بالحرة احترازا عن الأمة، لأن الحرة لا تحل هذه الأفاعيل بلا ثبوت نكاح، فكانت مختصة بالنكاح، فدلت على استدامة ملك النكاح، بخلاف الأمة، فإن هذه الأفاعيل تحل فيها بملك المتعة، وملك اليمين أيضا.
م: (بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما) ش: مثل الختانة والشاهد في الزنا إذا احتاج إلى تحمل الشهادة م: (والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان) ش: أي لو كانت هذه الأفاعيل من غير شهوة م: (رجعة لطلقها) ش: لأنه لا يريدها لتخلف الواقع م: (فتطول العدة عليها) ش: وفيه ضرر بالمرأة، فلا يجوز لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) .
فإن قلت: قد ذكر هنا تقبيل الرجل ومسه إياها بشهوة ونظره إلى فرجها بشهوة، فإن قبلته

(5/457)


قال ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: لا تصح، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) ، والأمر للإيجاب. ولنا أن الطلاق المنصوص عربي عن قيد الأشهاد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرأة بشهوة أو لمسته أو نظرت إلى فرجه بشهوة كيف يكون حكمه؟
قلت: قال شمس الأئمة في " المبسوط ": تثبت الرجعة عندهما، ولا تثبت عند أبي يوسف؛ لأن هذا الفعل من الزوج دليل استبقاء الملك، وليس لها ولاية استبقاء الملك، ولا يكون فعلها به رجعة، وهما يقولان فعلها به كفعله بها، فإن الحل مشترك بينهما، ولهذا تثبت المصاهرة بفعلها بهذه الأشياء، فكذلك الرجعة.

[الإشهاد على الرجعة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين) ش: صورة الإشهاد أن يقول لاثنين من المسلمين اشهدوا أني قد راجعت امرأتي. وفي " المبسوط " استحباب الإشهاد على الرجعة قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمار م: (فإن لم يشهد صحت الرجعة) ش: وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تصح) ش: أي لا تصح الرجعة بلا إشهاد، وهو قوله القديم، وقوله الجديد: أن الإشهاد مستحب فيها كقولنا، ذكره في " المبسوط " وفي " الروضة " الإشهاد ليس بشرط على الأظهر.
وفي " المحيط ": الإشهاد لازم عند الشافعي، ولا يصح بمهر عنده.
وفي " المبسوط ": وفي أحد قولي الشافعي الإشهاد واجب، وعن أحمد روايتان في الإشهاد، وذكرهما في " المغني " ولا يفتقر إلى ولي لا مهر ولا رضاها، وهو إجماع.
وقال ابن حزم: الإشهاد عند الرجعة شرط، وإذا رجع ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها حتى انقضت عدتها بانت منه.
وفي " الأشراف ": لم يختلف أهل العلم أن الإشهاد فيه سنة، وأن الرجعة إلى الرجل ما دامت في عدتها وإن كرهت، وذلك بغير مهر ولا عوض.
م: (وهو قول مالك) ش: أي قول الشافعي، وهو قول مالك، وقد ذكرنا أن قول مالك كقولنا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) والأمر للإيجاب) ش: في الحقيقة الاستدلال بهذه الآية للظاهرية ومن تابعهم، لأن مذهب الشافعي في الأظهر وأحمد ومالك كقولنا إلا في رواية عن أحمد كقولهم.
م: (ولنا أن الطلاق المنصوص عري عن قيد الإشهاد) ش: المنصوص في قَوْله تَعَالَى

(5/458)


ولأنه استدامة للنكاح والشهادة ليست بشرط فيه في حالة البقاء، كما في الفيء في الإيلاء، إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها، وما تلاه محمول عليه، ألا ترى أنه قرنها بالمفارقة، وهو فيها مستحب،
ويستحب أن يعلمها كيلا تقع في المعصية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مر ابنك فليراجعها» قاله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين طلق ابنه عبد الله امرأته وكل هذا عارية عن قيد الإشهاد.
وفي " الكافي " وفي اشتراط الإشهاد زيادة على النص المطلق، وهي فسخ فلا يجوز.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرجعة ذكر الضمير باعتبار الرجوع م: (استدامة للنكاح) ش: أي طلب الدوام للنكاح م: (والشهادة ليست بشرط فيه) ش: أي في النكاح م: (في حالة البقاء) ش: أي بقاء النكاح م: (كما في الفيء في الإيلاء) ش: حيث يصح بلا إشهاد م: (إلا أنها) ش: أي إلا أن الشهادة م: (تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها) ش: أي في الرجعة م: (وما تلاه) ش: الشافعي وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) م: (محمول عليه) ش: أي على الاستحباب.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي أن الله تعالى م: (قرنها) ش: أي قرن الرجعة م: (بالمفارقة) ش: حيث قال الله تعالى: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] (البقرة: الآية 231) ، اعترض بأن القران في التكلم لا يوجب القران في الحكم، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) .
وأجيب: بأن ذلك فيما إذا حكم على إحدى الجملتين المتقاربتين بحكم الجملة الأخرى، وما نحن فيه ليس كذلك بل فيه كل من الجملتين مستقل بحكمها، وإنما يعقبا جملة أخرى تعلقت بهما أو إحداهما، فتقتضي تعلقها بها من حيث الاستحباب، فكذلك الأخرى لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنيين مختلفين م: (وهو فيها مستحب) ش: أي الإشهاد يستحب في الرجعة، وهو من وجه تكرار، لأنه علم مما قبله.

[إعلام المرأة بالرجعة]
م: (ويستحب أن يعلمها) ش: أي يعلم المرأة بالرجعة م: (كيلا تقع في المعصية) ش: وذلك أن المرأة إذا لم تعلم بالرجعة ربما تتزوج على زعمها أن زوجها لم يراجعها، وقد انقضت عدتها ويطأها الزوج، فكانت عاصية وزوجها يكون مسيئا بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحت الرجعة، لأنها استدامة القائم، وليست بإنشاء، فكان الزوج متصرفا في خالص حقه، وتصرف الإنسان في خالص حقه لا يتوقف على علم الغير للغير، قال: فإن قيل: كيف تكون

(5/459)


وإذا انقضت العدة فقال كنت راجعتك في العدة فصدقته فهي رجعة، وإن كذبته فالقول قولها، لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال، فكان متهما إلا أن بالتصديق ترتفع التهمة ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، وقد مر في كتاب النكاح.
وإذا قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تصح لأنها صادفت العدة، إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر وقد سبقته الرجعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عاصية بغير علم؟
أجيب: بأنها إذا تزوجت بغير سؤال وقعت في المعصية، لأن التقصير جاء من جهتها.
م: (وإذا انقضت العدة) ش: أي عدة المرأة المطلقة بالطلاق الرجعي م: (فقال) ش: أي الزوج: م: (كنت راجعتك في العدة فصدقته) ش: أي فصدقت المرأة زوجها في ذلك م: (فهي رجعة) ش: أي مقالة الزوج بذلك، وتصديق المرأة إياه تكون رجعة لظهورها بتصادقها م: (وإن كذبته فالقول قولها، لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال) ش: لأن العدة منقضية م: (فكان متهما) ش: في دعوى الرجعة م: (إلا أن بالتصديق) ش: أي بتصديق المرأة إياه م: (ترتفع التهمة) ش: وهذا كالوكيل إذا قال بعد العزل: قد كنت بعت حيث لا يقبل قوله، بل يكون القول قول الموكل إلا إذا صدقه الموكل، بخلاف ما إذا قال في العدة قد كنت راجعتك أمس فأنكرت المرأة حيث يكون القول قوله، لأنه أخبر بما يملك إنشاءه في الحال، فإذا لم تثبت الرجعة في الأمس يصير كأنه راجعها في الحال.
م: (ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة وقد مر في كتاب النكاح) ش: لم يبين هذه المسألة في كتاب النكاح، بل قال في مسألة دعوى السكوت على البكر، فلا يمين عليها عن أبي حنيفة، وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، ثم قال: وسيأتيك في الدعوى، ومثل هذا لا يقال مر لأنه لم يكن ثمة للرجعة أثر.

[قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي]
م: (وإذا قال الزوج: قد راجعتك في العدة، فقالت مجيبة له) ش: أي للزوج م: (قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا قالت متصلا بكلام الزوج حتى لو سكتت ساعة ثم قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج مجيبا لها موصولا: راجعتك لا تصح الرجعة بالاتفاق، ذكره في " شرح الطحاوي "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد.
م: (وقالا: تصح الرجعة لأنها صادفت العدة) ش: أي زمان العدة م: (إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر) ش: أي المرأة عملا باستصحاب الحال، والرجعة في العدة صحيحة م: (وقد سبقته الرجعة) .

(5/460)


ولهذا لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي يقع الطلاق، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها صادفت حالة الانقضاء، لأنها أمينة في الإخبار عن الانقضاء، فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله حال قول الزوج. ومسألة الطلاق على الخلاف، ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء والمراجعة لا تثبت به. وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها: قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي وقد سبقت أخبارها الرجعة بانقضاء العدة، فصحت الرجعة وسقطت العدة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل سبق إخبارها م: (لو قال لها طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي يقع الطلاق) ش: لسبق إخبارها، وقيل مثله الطلاق على الخلاف، والأصح أنه يقع لإقرار الزوج بالوقوع، كما لو قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتها في العدة، كان مصدقا بخلاف الرجعة. وفي " الروضة ": لو اتفقا على انقضاء العدة، واختلفا في الرجعة، والصحيح أن القول لها، وعليه الجمهور، ولو اتفقا على الرجعة يوم الجمعة، وقالت: انقضت عدتي يوم الخميس، وقال الزوج: يوم السبت قيل يصدق بيمينه أم هي أم السابق بالدعوى فيه ثلاثة أوجه: الصحيح الأول. ولو كانت العدة باقية فالصحيح أن القول قوله، لأنه يملك الإنشاء فلا تهمة في الإخبار، وقيل: القول قولها.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي الرجعة م: (صادفت حالة الانقضاء) ش: أي صادفت زمان انقضاء العدة، فلا تصح الرجعة زمان الانقضاء م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (أمينة في الإخبار عن الانقضاء) ش: أي أمينة في الإخبار عما في أرحامهن، قال الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) م: (فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله) ش: أي أقرب أحوال الانقضاء م: (حال قول الزوج) ش: لأن الإخبار يقتضي سبق المخبر عنه، ولا دليل على مقدار معين، فيعتبر حال قول الزوج، بخلاف ما إذا سكتت ساعة، فإن أقرب أحوال الانقضاء حال السكوت.
م: (ومسألة الطلاق على الخلاف) ش: هذا منع لاستشهادهما بما لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، يقع الطلاق، يعني: لا نسلم أن مسألة الطلاق على الخلاف ثم أشار إلى الجواب بطريق التسليم بقوله م: (ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء) ش: أي بعد انقضاء العدة إن طلقها في العدة م: (والمراجعة لا تثبت به) ش: أي أو بالإقرار بعد الانقضاء، فإن فيه تهمة، لأنه تصرف على حق الغير.

[قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة]
م: (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها) ش: أي قول الأمة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر والشافعي ومالك

(5/461)


وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له، فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج، فشابه الإقرار عليها بالنكاح، وهو يقول حكم الرجعة يبتني على العدة، والقول في العدة قولها، فكذا فيما يبتني عليها، ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى، وكذا عنده في الصحيح، لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى، فلا يقبل قولها في إبطاله، بخلاف الوجه الأول، لأن المولى بالتصديق في الرجعة مقر بقيام العدة عندها، ولا يظهر ملكه مع العدة.
وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج والمولى لم تنقض عدتك فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك، إذ هي العالمة به.
وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأحمد وأبو ثور.
م: (وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له) ش: أي للمولى م: (فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج) ش: فلا مرد له م: (فشابه الإقرار عليها بالنكاح) ش: أي شابه إقرار المولي على الأمة بالنكاح بأن قال: زوجت أمتي من فلان حيث يكون القول قوله م: (وهو يقول) ش: أي أبو حنيفة م: (حكم الرجعة يبتني على العدة) ش: إبقاء وانقضاء م: (والقول في العدة قولها) ش: دون قول المولى م: (فكذا فيما يبتني عليها) ش: أي على العدة ولم يذكر الجواب عن الإقرار بالتزويج لظهوره.
م: (ولو كان على القلب) ش: أي لو كان الأمر أو الخلاف على القلب بأن صدقته الأمة وكذبه المولى م: (فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (القول قول المولى، وكذا عنده) ش: أي وكذلك القول قول المولى عند أبي حنيفة م: (في الصحيح) ش: من الرواية عنه م: (لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى) ش: لأن منافع بضعها في الحال خالص حق المولى م: (فلا يقبل قولها في إبطاله) ش: أي في إبطال حق المولى م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو الوجه الذي فيه صدق المولى الزوج وكذبته الأمة حيث يكون القول فيه قولها.
م: (لأن المولى بالتصديق في الرجعة) ش: أي بتصديقه الزوج في الرجعة م: (مقر بقيام العدة عندها) ش: أي عند الرجعة م: (ولا يظهر ملكه) ش: أي ملك المولى م: (مع العدة) ش: فلا يعتبر قوله م: (وإن قالت) ش: أي الأمة م: (قد انقضت عدتي، وقال الزوج والمولى: لم تنقض عدتك، فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في قولها قد انقضت عدتي م: (إذ هي العالمة به) ش: أي لأن الأمة هي العالمة بالانقضاء، وهو تعليل لكونها أمينة، فيقبل قولها: انقضت عدتي.

م: (وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل) ش: لأن انقطاع الرجعة تعلق بانقضاء العدة، وهو تعلق بالخروج عن الحيضة الثالثة، وهو تعلق بشرط حصول الطهارة، فإن كان أيام حيضها عشرا تحصل الطهارة بمجرد الانقطاع، لأن الحيض لا يحتمل الزيادة على العشرة، فلما حصلت الزيادة انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل. وقال أبو بكر

(5/462)


وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة، فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة، وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم، فلا بد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة، بخلاف ما إذا كانت كتابية، لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفي بالانقطاع، وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وهذا استحسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي في باب العدة: وقد روي عن عمر وعلي وعبد الله وآخرين من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم اعتبار الغسل من الحيضة الثالثة.
م: (وإن انقطع) ش: أي الحيض م: (لأقل من عشرة أيام لم تنقطع) ش: أي الرجعة م: (حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل) ش: بالرفع، لأنه صفة الوقت. وفي " الينابيع ": أو يمضي عليها وقت أقرب الصلاة مع القدرة على الاغتسال م: (لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: هذا تعليل لانقطاع الدم من الحيضة لعشرة أيام، أي لأن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، لأن ما زاد على العشرة استحاضة، إلا إذا كان لها عادة تزيد على أيام عادتها، فيجوز أن تنقضي عدتها على العشرة إذا لم ينقطع على العشرة.
م: (فبمجرد الانقطاع) ش: أي بمجرد انقطاع الحيض لعشرة أيام م: (خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة) ش: لأنها تنقضي بخروجها من الحيضة الثالثة وانقطعت الرجعة لعدم بقاء المحلية م: (وفيما دون العشرة) ش: أي انقطاع الحيض فيما دون العشرة أيام م: (يحتمل عود الدم) ش: لأنه في مدة الحيض م: (فلا بد أن يعتضد الانقطاع) ش: أي يبرأ م: (بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات) ش: وهو وجوب الصلاة م: (بمضي وقت الصلاة) ش: يعني أن الوقت إذا مضى صارت الصلاة فرضا في زمنها، وهو من أحكام الطاهرات مع القدرة على الاغتسال، وفيه خلاف زفر.
م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي المرأة م: (كتابية) ش: نصرانية أو يهودية م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يتوقع في حقها) ش: من التوقع عبارة عن انتظار وقوع أمر عن م: (أمارة زائدة) ش: بفتح الهمزة، أي أمارة زائدة على انقطاع حقها عند تمام مدة حيضها م: (فاكتفي بالانقطاع) ش: أي بمجرد الانقطاع، لأنها لا تتكلف بالاغتسال ولا تجب عليها الصلاة م: (وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت) ش: يعني إذا انقطع دم المعتدة لأقل من عشرة أيام، فتيممت وصلت مكتوبة أو تطوعا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان) ش: أي قولهما: استحسان يعني الانقطاع لا يكون إلا بالتيمم والصلاة أيضاً.

(5/463)


وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا تيممت انقطعت، وهذا قياس، لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته. ولهما أنه ملوث غير مطهر، وإنما اعتبر طهارة ضرورة لا تتضاعف الواجبات، وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية، ثم قيل تنقطع بنفس الشروع عندهما، وقيل: بعد الفراغ، ليتقرر حكم جواز الصلاة: وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[انقطاع الرجعة للمطلقة]
م: (وقال محمد: إذا تيممت انقطعت) ش: أي بمجرد التيمم تنقطع الرجعة عنده، وبه قال زفر وأحمد م: (وهذا قياس) ش: أي قول محمد هو القياس م: (لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة) ش: لأنه يقوم مقام الماء عند عدمه م: (حتى يثبت) ش: بالرفع لأن حتى هذه ليست للغاية م: (به) ش: أي بالتيمم م: (من الأحكام) ش: نحو دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف وجواز أداء الصلاة م: (ما يثبت بالاغتسال) ش: أي الذي يثبت به وهو فاعل يثبت الذي بعد حتى م: (فكان) ش: أي التيمم م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الاغتسال.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي التيمم م: (ملوث غير مطهر) ش: يعني حقيقة لا شرعا، وإنما قال: ملوث بحسب الغالب، وإن كان يجوز بالحجر الأملس عند أبي حنيفة، والرمل بالاتفاق ولا غبار ثم ولا تلويث م: (وإنما اعتبر طهارة) ش: أي وإنما يعتبر التيمم طهارة شرعا م: (ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات) ش: أي لأجل ضرورة تضاعف الواجبات، لأنه لو لم يعتبر حتى يجد الماء لكان يمضي أوقات صلاة متعددة فيحصل الضرر م: (وهذه الضرورة) ش: أي الضرورة المذكورة م: (تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات) ش: أي لا يتحقق فيما قبل حال أداء الصلاة قد يكون قبلها طهارة يتعلق بها انقطاع الرجعة.
م: (والأحكام الثابتة أيضاً ضرورية اقتضائية) ش: هذا جواب عن حرف محمد، يعني الأحكام التي ذكرها محمد أيضاً ضرورية تثبت اقتضاء، لأن الضرورية إذا تثبت تثبت بجميع لوازمها، ومن لوازم ثبوت الصلاة عند أدائها انقطاع الحيض، ومن لوازم انقطاعه مضي العدة، ومن لوازم مضيها انقطاع الرجعة ولازم اللازم لازم، فيثبت عند ثبوته. وأما الجواب عن جعل أبي حنيفة وأبي يوسف التيمم، هذا طهارة ضرورية. وفي باب الأمة طهارة مطلقة، وجعل محمد بالعكس فقد مضى هناك مستوفى م: (ثم قيل: تنقطع) ش: أي الرجعة م: (بنفس الشروع) ش: في الصلاة م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقيل بعد الفراغ) ش: أي من الصلاة م: (ليتقرر حكم جواز الصلاة) ش: وهو الصحيح، لأن الحال بعد الشروع فيها كالحال قبله، ألا ترى أنه لو رأى الماء في الصلاة لا يبقى لتيممه أثر بخلاف ما بعد الصلاة، كذا في المبسوط.
م: (وإذا اغتسلت) ش: أي إذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة م: (ونسيت شيئا من بدنها لم

(5/464)


يصبه الماء فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضو انقطعت. قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان

والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر، والقياس فيما دون العضو أن تبقى، لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ. ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه، فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج أخذا بالاحتياط فيهما، بخلاف العضو الكامل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصبه الماء، فإن كان عضوا) ش: أي فإن كان الذي لم يصبه الماء عضوا م: (فما فوقه) ش: أي فما فوق العضو م: (لم تنقطع الرجعة) ش: استحسانا م: (وإن كان أقل من عضو) ش: قال في المحيط: نحو الأصبع، وكذا بعض الساعد وبعض العضو دون العضو الكامل نحو اليد والرجل م: (انقطعت) ش: أي الرجعة.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان) ش: أي قال المصنف: هذا المذكور استحسان.
اعلم أن محمداً لم يذكر في كتبه موضع القياس هل هو العضو فما فوقه أو ما هو دونه. وروي عن أبي يوسف في العضو فما فوقه بأن القياس أن تنقطع الرجعة، وفي الاستحسان أن لا تنقطع، وعند محمد فيما دونه، فإن القياس يبقى الرجعة. وفي الاستحسان أن تنقطع، فعلم أن على كل منهما قياسا واستحسانا، فانظر الآن في عبارة المصنف كيف يفهم منها كل ذلك، وهذا يدل على قوة حذقة، وغاية إدراكه - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

م: (والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر) ش: أي أكثر البدن وللأكثر حكم الكل، فكأنها غسلت جميع البدن م: (والقياس فيما دون العضو أن تبقى) ش: أي الرجعة م: (لأن حكم الجنابة والحيض مما لا يتجزأ) ش: بأن يكون البعض بحكم الجواز والبعض بعدمه.
م: (ووجه الاستحسان وهو الفرق) ش: بين العضو الكامل وما دونه م: (أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه) ش: وفي المحيط: حتى لو تيقنت بعدم وصول الماء إليه م: (فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج) ش: بزوج آخر م: (أخذا بالاحتياط فيهما) ش: أي في انقطاع الرجعة والتزوج م: (بخلاف العضو الكامل لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة، فافترقا) ش: أي العضو الكامل وما دونه.
م: (وعن أبي يوسف: أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل) ش: والواو في قوله: والاستنشاق بمعنى أو، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، بيان ذلك: إذا اغتسلت عن الحيضة الثالثة فيما دون العشر لكنها تركت المضمضة أو الاستنشاق، فعن أبي يوسف روايتان في رواية هشام عنه لا تنقطع الرجعة، أشار بقوله: كترك عضو كامل، حيث

(5/465)


لأنه لا يتسارع إليه الجفاف، ولا يغفل عنه عادة فافترقا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل وعنه وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيتهما اختلافا، بخلاف غيره من الأعضاء.
ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها فله الرجعة، لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تنقطع الرجعة فيه.
وفي رواية أخرى رواها الكرخي تنقطع، أشار إليها بقوله: م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (وهو) ش: أي ترك المضمضة والاستنشاق، ولفظه هو في محل الرفع على الابتداء م: (وهو قول محمد) ش: جملة معترضة بينه وبين خبره، وهو قوله م: (بمنزلة ما دون العضو) ش: أي بمنزلة ترك ما دون العضو، حيث إذا تركه تنقطع الرجعة م: (لأن في فرضيتهما) ش: أي فرضية المضمضة والاستنشاق في الغسل م: (اختلافا) ش: فإن عند مالك والشافعي هما سنتان في الغسل، وفي الوضوء أيضاً، وعندنا واجبان في الغسل وسنتان في الوضوء، وعند ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق فرضان فيهما جميعا، لكن قال أحمد: الاستنشاق آكد من المضمضة فإذا كان فيهما اختلاف في فرضيتهما فالاحتياط في انقطاع الرجعة م: (بخلاف غيره من الأعضاء) ش: فإنه لا خلاف لأحد في فرضيته.

[طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها]
م: (ومن طلق امرأته وهي حامل) ش: أي والحال أنها حامل م: (أو ولدت منه) ش: أي والحال أنها ولدت منه في نكاحها قبل الطلاق م: (وقال: لم أجامعها فله الرجعة) ش: ولا يعتبر قوله: لم أجامعها م: (لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه) ش: لأنها إذا كانت حاملا يوم الطلاق وظهر ذلك بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فصار النسب ثابتاً منه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الولد للفراش» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الأئمة الستة من حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وفي لفظ البخاري: «الولد لصاحب الفراش» وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرجه الستة إلا الترمذي من حديث عروة عنها قالت: «اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن زمعة في غلام ... الحديث الولد للفراش» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قام رجل فقال: يا رسول الله
الحديث، وفيه: الولد للفراش وللعاهر الحجر» . وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه أبو داود أيضاً فيه طول وفيه «الولد للفراش» وعن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الترمذي عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا

(5/466)


وذلك دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد من جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة، ويبطل زعمه بتكذيب الشرع، ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى،
وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق، لأنها لو ولدت بعده تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة. قال: فإن خلا بها وأغلق بابا، أو أرخى سترا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
م: (وذلك) ش: أي جعل العمل منه م: (دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد منه جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك، والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة ويبطل زعمه) ش: بفتح الزاي وضمها لغتان فصيحتان، قاله ابن دريد، وأكثر ما يقع الزعم على الباطل م: (بتكذيب الشرع) ش: إياه وفيه بحث من وجهين، أحدهما: أن النسب يثبت دلالته وقوله: لم أجامعها صريح، والصريح يفوق الدلالة، والثاني: أنه أقر بقوله: لم أجامعها سقوط حق مستحق له وتكذيب الشرع لم يرده كما لو أقر يعني لإنسان ثم اشتراها ثم استحقت في يده ثم وصلت إليه، أمر بالتسليم إلى المقر له وإن صار مكذباً شرعاً. وأجيب عن الأول بأن الدلالة من الشارع، والصريح من العبد ودلالة الشرع أقوى لاحتمال الكذب من العبد دون الشارع. وعن الثاني: بأن لم يتعلق بإقراره هاهنا حق الغير والموجب للرجعة هو الطلاق بعد الدخول ثابت فيترتب عليه الحكم لثبوت المقتضى وانتفاء المانع، بخلاف المسر المستشهد به، فإن المانع ثمة موجود وهو تعلق حق الغير.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى) ش: بيان الأولوية أن الإحصان له مدخل في وجوب العقوبة، ومع هذا يثبت بهذا الوطء فلا تثبت به الرجعة التي ليست فيها جهة العقوبة أولى، ولأنه لا يلزم من ثبوت الرجعة ثبوت الإحصان كالأمة النصرانية.

م: (وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق) ش: قال الأترازي: هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ولو تبع المصنف لفظ محمد في " الجامع الصغير "، وجعله كما هو لا يحتاج إلى التأويل، وصورته في " الجامع الصغير ": روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل تزوج امرأة ثم طلقها، وهي حامل، فقال: لم أجامعها، قال له: عليها الرجعة، وكذلك إن كانت ولدت قبل ذلك.
م: (لأنها لو ولدت بعد الطلاق تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة) ش: لفوات المحل م: (قال فإن خلا بها) ش: أي بالمرأة م: (إذا أغلق باباً أو أرخى ستراً) ش: ذكر وأرخى ستراً، وذكر في كتاب الطلاق أو أرخى بكلمة أو، وهو الصحيح، لأن أحد الأمرين من إغلاق الباب

(5/467)


أو قال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه، والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا، بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل لا على القبض، بخلاف الفصل الأول،
فإن راجعها معناه بعد ما خلا بها وقال لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم صحت تلك الرجعة، لأنه يثبت النسب منه، إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة، فأنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله، فيحرم الوطء، والمسلم لا يفعل الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإرخاء الستر كاف في ثبوت الخلوة الصحيحة م: (وقال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه) ش: فيصدق في حقه إذا قال لم أجامعها.
م: (ولم يصر مكذبا شرعا) ش: جواب عما يقال قد صار مكذباً شرعاً، ولا يجب المهر كاملاً إلا إذا كان الطلاق بعد الدخول، وأجاب بقوله: ولم يصر مكذباً شرعاً م: (بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل) ش: أي البضع م: (لا على القبض) ش: أي قبض المبدل وهو الوطء يعني إن تأكد المهر بالخلوة الصحيحة لم يدل على كون الرجل واطئاً حكماً، لأن المهر يتأكد بتسليم البضع ولا يتوقف على الوطء فلم يلزم ثبوت الوطء بثبوت كمال المهر، وذلك أن المرأة قادرة على تسليم نفسها، وليست بقادرة على جعل الرجل واطئاً، فتأكد المهر بالتسليم دفعاً للضرر عنها.
م: (بخلاف الفصل الأول) ش: مرتبط بقوله: ولم يصر مكذباً، والفصل الأول هو ثبوت النسب فبظهور الحمل حالة الطلاق أو بالدلالة قبل الطلاق صار مكذباً شرعاً في قوله: لم أجامعها حيث جعله الشرع واطئاً حكماً، لأن الرجعة تنبئ عن الدخول، وقد ثبت النسب فتثبت الرجعة، لأنه لا نسب بلا ماء، ولا ماء بلا دخول، فتثبت الرجعة لوجود الدخول

[قال رجل لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر]
م: (فإن راجعها) ش: معناه بعد ما خلا بها م: (وقال: لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم) ش: أي من يوم الطلاق لا من يوم الرجعة م: (صحت تلك الرجعة) ش: أي الرجعة السابقة م: (لأنه يثبت النسب منه) ش: فيثبت الدخول لا محالة، والطلاق بعد الدخول معقب للرجعة.
م: (إذ هي) ش: أي لأن المرأة م: (لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة) ش: ولا يكون ذلك إلا بالدخول م: (فأنزل واطئاً قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني) ش: وهو كونه واطئاً بعد الطلاق، لأن المذكور الأول هو كونه واطئاً قبل الطلاق م: (يزول الملك بنفس الطلاق) ش: إلى عدة م: (لعدم الوطء قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (فيحرم الوطء) ش: لأنه أنكره بعد الخلوة م: (والمسلم لا يفعل الحرام) ش: ولا يرضاه لغيره فيحمل على الدخول قبل الطلاق حملاً لأمر المسلم على الصلاح.

(5/468)


فإن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر فهي رجعة، معناه من بطن آخر، وهو أن يكون بعد ستة أشهر، وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة؛ لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة، فيصير مراجعا.
وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة، فالولد الأول طلاق، والولد الثاني رجعة، وكذا الثالث؛ لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة، وبالثاني صار مراجعا؛ لما بينا قبل أنه يجعل العلوق بوطء حادث في العدة ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة "كلما" ووجبت العدة وبالولد الثالث صار مراجعا لما ذكرنا وتقع الطلقة الثالثة بولادة الثالث ووجبت العدة بالإقراء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن قال لها) ش: أي إن قال رجل لامرأته م: (إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولداً، ثم أتت بولد آخر) ش: لأقل من سنتين بيوم أو أكثر م: (فهي رجعة) ش: أي الولادة الثانية رجعة م: (معناه من بطن آخر وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة) ش: كلمة أن للوصل، يعني لما كان بين الولدين ستة أشهر لا يتفاوت بعد ذلك بين أن تكون الولادة الثانية في أقل من سنتين، وبين أن يكون في أكثر من ثبوت الرجعة م: (لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه) ش: أي من الزوج حال كونه م: (في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة فيصير مراجعاً) ش: لأن العلوق الحادث بعد الطلاق في العدة معقب للرجعة.
فإن قيل: ذكر في كتاب الدعوى أن المطلقة طلاقاً رجعياً لو ولدت لأقل من سنتين بيوم لا تكون رجعة، وفي الأكثر من سنتين تكون رجعة لاحتمال العلوق قبل الطلاق في الأول دون الثاني.
قلنا: قد سقط هذا الاحتمال هنا لأنهما إذا كانا من بطنين كان الثاني من علوق حادث ضرورة، ولا يصار مع الولد الأول من بطن واحد والاتحاد لا يثبت بالشك.

[قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة]
م: (وإن قال: كلما ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فالولد الأول طلاق) ش: المراد من البطون المختلفة أن يكون بين الولدين ستة أشهر فصاعداً م: (والولد الثاني رجعة، وكذلك الثالث، لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة) ش: لأن العدة تعقب الطلاق م: (وبالثاني) ش: أي وبالولد الثاني م: (صار مراجعاً لما بينا قبل أن يجعل العلوق بوطء حادث في العدة، ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة كلما) ش: وهي تقتضي تكرار الجزاء عند تكرار الشرط، م: (ووجبت العدة، وبالولد الثالث صار مراجعاً لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول ... إلى آخره م: (وتقع الطلقة الثالثة بولادة الولد الثالث، ووجبت العدة بالأقراء) ش: أي بالحيض.

(5/469)


لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق. والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين؛ لأنها حلال له، إذ النكاح قائم بينهما،
ثم الرجعة مستحبة، والتزين حامل له عليها، فيكون مشروعا.
ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق) ش: وذوات الحيض عدتها بالحيض، ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد يقع عليها طلقتان لا غير، وتنقضي العدة بوضع الولد الثالث، لأن شرط الطلاقين وجد في الملك موقوفاً، بخلاف الطلاق الثالث، فإن شرطه وجد في غير الملك لعدم الرجعة، قيل ذلك، لأنهم ولدوا في بطن واحد فلم يقع لوقوعه في غير الملك وانقضت العدة بالولد الثالث، لأنها وضعت جميع ما في بطنها الآن، ولو ولدت ولدين في بطن واحد تطلق بالولد الأول واحدة، وتنقضي العدة بالولد الثاني، ولا يقع به الطلاق، لأنها حينئذ ليست بمنكوحة ولا معتدة.
م: (والمطلقة الرجعية تتشوف) ش: لفظ محمد في الأصل والمعتدة من الطلاق الرجعية تتشوف لزوجها م: (وتتزين) ش: وقال ابن دريد: شفت الشيء أشوفه شوفاً إذا جلوته، ومنه قوله تتشوف المرأة إذا تزينت، وفي ديوان الأدب: رأيت النساء يتشوفن، أي ينظرن، أي يتطاولن، وقيل التشوف: التزين، لكنه خاص بالوجه والتزين عام يستعمل في الوجه وغيره.
قلت: إذا كان التشوف والتزين بمعنى واحد يكون قوله وتتزين عطف تفسيري، وإذا كان التزين عاماً يكون عطف العام على الخاص م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (حلال له) ش: أي للزوج م: (إذ النكاح قائم بينهما) ش: أي لأن النكاح قائم بين الزوجين حتى يجري التوارث بينهما، وكذا جميع أحكام النكاح، ويدخل في قوله كل امرأة لي طالق.

[حكم الرجعة]
م: (ثم الرجعة مستحبة) ش: لما جاء في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، قال لعمر: «مر ابنك فليراجعها» . متفق عليه. وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة ثم راجعها» .
وجاء فيه أحاديث أخرى تدل كلها على مشروعية الرجعة واستحبابها م: (والتزين حامل له عليها) ش: أي على الرجعة، لأن نظره إليها ليس بمحرم، فربما إذا نظر إلى زينتها رغب فيها وراجعها م: (فيكون مشروعاً) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فيكون التزين مشروعاً بخلاف المعتدة من طلاق بائن، حيث لا تتشوف له، لحرمة النظر إليها وعدم مشروعية الرجعة.
م: (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها) ش: أي على التي طلقها زوجها م: (حتى يؤذنها) ش:

(5/470)


أو يسمعها خفق نعليه، معناه إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون مجردة، فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول عليها العدة. وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ذلك لقيام النكاح، ولهذا له أن يغشاها عندنا ولنا قَوْله تَعَالَى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) . ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة،
فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له، فتبين أن المبطل عمل عمله من وقت وجوده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي يعلمها بالتخلخ ونحوه م: (أو يسمعها خفق نعليه) ش: أي صوتهما حين يدخل من الباب، وهو من خفق التراب خفقاً إذا اضطرب وهو لفظ مشترك، يقال خفق النجم يخفق خفوقاً إذا ضاء وطلع، ومن خفق النجم والقمر إذا انحطا وغربا، وخفق القلب خفقاناً وخفق الرجل خفقة إذا نعس ثم انتبه م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعاً) ش: وهو الفرج، لأنه إذا وقع نظره على فرجها يكون مراجعاً م: (ثم يطلقها) ش: بأن لم يكن من قصده أن يراجعها م: (فتطول عليها العدة) ش: فيحصل عليها الأذى بذلك، لأن فيه استئناف العدة. وقال محمد في المبسوط: أكره أن يراها متجردة إذا كان لا يريد رجعتها، وإن رآها لم يكن عليه شيء، لأن ما فوق الرؤية وهو الوطء حلال، فالرؤية أولى.
م: (وليس له أن يسافر بها) ش: أي بالمطلقة الرجعية م: (حتى يشهد على رجعتها، وقال زفر: له ذلك) ش: أي للزوج أن يسافر بها م: (لقيام النكاح) ش: ما لم تنقض العدة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام النكاح م: (له أن يغشاها عندنا) ش: أي له أن يجامعها. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الآية، (الطلاق: الآية 1) ش: وجه الاستدلال أن الآية نزلت في الطلاق الرجعي بالنقل عن أئمة التفسير، أي لا تخرجوهن حتى تنقضي عدتهن من بيوتهن من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بها من حيث السكنى، فدلت أن إخراجهن للأزواج لا يحل، وكذا خروجهن بأنفسهن قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسها.
م: (ولأن تراخي عمل المبطل) ش: هذا دليل عقلي على جواز عدم المسافرة بها قيل الرجعة، بيانه أن تراخي عمل المبطل الذي هو الطلاق م: (لحاجته) ش: أي لحاجة الزوج م: (إلي المراجعة) ش: إذ الطلاق يعني أن الطلاق معطل لملك النكاح، فكان ينبغي أن يبطل النكاح زمان وجود الطلاق، لأن حكمه تأخر إلى وجود الشرط، وهو انقضاء العدة لحاجة الزوج إلى الرجعة.

م: (فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له) ش: أي إلى الرجعة م: (فتبين أن المبطل للنكاح عمل عمله من وقت وجوده) ش: أي وجود المبطل، فمنع لذلك كالبيع الذي فيه الخيار

(5/471)


ولهذا تحتسب الأقراء من العدة، فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج، وقوله "حتى يشهد على رجعتها" معناه الاستحباب على ما قدمناه.
والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحرمه، لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع، وهو الطلاق. ولنا أنها قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها؛ لأن حق الرجعة ثبت نظرا للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتأخر عمل البيع في اللزوم، ثم بالإجازة يعمل من وقت البيع، ولهذا يملك الزوائد الحاصلة في مدة الخيار م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن عمل المبطل من وقت وجود المبطل م: (تحتسب الأقراء من العدة) ش: أي الأقراء الماضية قبل انقضاء العدة تحتسب من العدة، فلو كان عمل المبطل مقتصراً على انقضاء العدة لا تحتسب الأقراء الماضية من العدة، كما لا تحتسب في قوله إذا حضت فأنت طالق، فإن تلك الحيضة غير محتسبة من العدة، لأنه شرط وقوع الطلاق، فإذا كان كذلك م: (فلم يملك الزوج الإخراج) ش: أي إخراجها إلى السفر، لأنه عمل المبطل لما لم يكن مقتصراً على الانقضاء كانت المرأة كالمبتوتة، فلا يملك إخراجها كالمبتوتة تحقيقاً.
م: (إلا أن يشهد) ش: الزوج م: (على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج) ش: فلم يكره السفر.
فإن قيل: السفر بها دلالة الرجعة فتثبت الرجعة أشهد أو لم يشهد. أجيب: بأن كلامنا في رجل ينادي صريحا بأنه لا يراجعها، ولا عبرة للدلالة مع وجود الصريح، ثم كما لا يباح إخراجهن وخروجهن إلى السفر لا يباح أيضاً إلى ما دون السفر لإطلاق النص المحرم.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ": م: (حتى يشهد على رجعتها معناه الاستحباب) ش: يعني لا يريد به أن الإشهاد على الرجعة واجب، بل الإشهاد مستحب عندنا م: (على ما قدمناه) ش: يعني في أوائل الباب عند قوله ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، وإن لم يشهد صحت الرجعة.

[الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء]
م: (والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي: يحرمه) ش: وبه قال أحمد: في رواية، وقال الثوري: والأظهر أنه ليس بشرط على الأظهر م: (لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق) ش: قال أبو نصر: قال الشافعي: فإن وطئها قبل الرجعة فعليه المهر م: (ولنا أنها) ش: أي الزوجية م: (قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها، لأن حق الرجعة ثبت نظراً للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم) ش: وإليه أشار الله تعالى بقوله {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) .
قال الزمخشري: الأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى: فطلقوهن

(5/472)


وهذا المعنى يوجب استبداده وتفرده به، وذلك يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء، إذ الدليل ينافيه، والقاطع أخر عمله إلى مدة إجماعا أو نظرا له على ما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعدتهن وأحصوا العدة لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون.
م: (وهذا المعنى) ش: أي ثبوته نظراً للزوج م: (يوجب استبداده) ش: أي استقلاله م: (وتفرده به) ش: أي بحق الرجعة م: (وذلك) ش: أي تفرد الزوج بحق الرجعة م: (يؤذن) ش: أي يعلم م: (بكونه) ش: أي بكون حق الرجعة م: (استدامة) ش: أي طلب دوامه كما كان م: (لا إنشاء) ش: أي ليس بإنشاء نكاح جديد م: (إذ الدليل ينافيه) ش: أي لأن الدليل الدال على استبداده ينافي الإنشاء، إذ لو كانت الرجعة إنشاء لم ينفرد الزوج بالرجعة بلا رضا المرأة أو رضا وليها.
م: (والقاطع أخر عمله إلى مدة) ش: جواب عن قول الشافعي أن الزوجية زائلة لوجود القاطع، تقريره أن وجود القاطع لا ينافي قيام الزوجية بأن أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (إجماعا) ش: بدليل أن الرجعة بالقول تصح بلا رضا المرأة عند الشافعي أيضاً م: (أو نظراً له) ش: أي أو أن القاطع أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (على ما تقدم) ش: بيانه وهو قوله تثبت نظراً للزوج ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم.

(5/473)


فصل فيما تحل به المطلقة وإذا كان الطلاق بائنا دون الثلاث، فله أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها؛ لأن حل المحلية باق؛ لأن زواله متعلق بالطلقة الثالثة، فينعدم قبلها، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب ولا اشتباه في إطلاقه.
وإن كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها، ثم يطلقها، أو يموت عنها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل فيما تحل به المطلقة]
م: (فصل فيما تحل به المطلقة)
ش: أي هذا فصل في بيان ما تحل به المرأة المطلقة. ولما فرغ من بيان ما يتدارك به الطلاق الرجعي، شرع في بيان ما يتدارك به غيره من الطلقات، ففي الحرة فيما دون الثلاث التدارك نكاح جديد. وفي الثلاث بإصابة الزوج الآخر بعد نكاحه، وكذا التدارك في الأمة في الشين بإصابة الزوج الآخر.
م: (وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث) ش: بأن كانت واحدة بائنة أو ثنتين م: (فله) ش: أي للزوج م: (أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها، لأن حل المحلية باق) ش: أي لأن حل المحل باق، لأن محل النكاح أنثى من بنات آدم مع انعدام المحرمية والشرك والعدة عن الغير م: (لأن زواله) ش: أي زوال المحل م: (متعلق بالطلقة الثالثة) ش: وإذا وجدت الطلقة الثالثة م: (فينعدم قبلها) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، أي فإن طلق الثالثة م: (ومنع الغيرة في العدة) ش: أي غير الزوج عن النكاح في العدة م: (لاشتباه النسب) ش: لأجل اشتباه النسب صيانة م: (ولا اشتباه في إطلاقه) ش: أي لا اشتباه في إطلاق الشارع الزوج في نكاح معتدته.
هكذا فسره الأترازي والأحسن أن يقال: ولا اشتباه في إطلاقه، أي في تجويز نكاح معتدته إذ الاشتباه إنما يكون عند اختلاف المياه، وذلك إنما يكون في معتدة الغير.
قال الأكمل: واعترض عليه بالصغيرة والآيسة وعدة المياه قبل الدخول ومعتدة الصبي والحيضة الثانية والثالثة فإنه لا اشتباه في هذه المواضع، ولا يجوز التزوج في هذه المواضع في العدة.
وأجيب: بأن ذلك بيان الحكمة، والحكم يرى في الجنس لا في كل فرد، لبيان العدة لوجود التخلف فيما ذكر من المواضع، انتهى.
قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي ملخصاً.

[كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة]
م: (وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها) ش: أي الطلقة الثالثة لا بنكاح ولا بملك يمين حتى

(5/474)


والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) والمراد الطلقة الثالثة، أو الثنتان في حق الأمة كالثلاث في حق الحرة؛ لأن الرق منصف لحل المحلية على ما عرف، ثم الغاية نكاح الزوج مطلقا، والزوجية المطلقة إنما تثبت بنكاح صحيح، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح على الوطء حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة، إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تنكح زوجاً غيره، وأطلق الزوج ليشمل البالغ وغيره والمجنون وغيره، إذا كان يجامع مثله. وبذلك صرح في شرح الطحاوي ويذكر عن قريب ما فيه من المذهب والأقوال، وإنما قيد بالنكاح الصحيح، لأن الزوج الثاني إذا تزوجها نكاحاً فاسداً لا تحل للأول، سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل، لأنه عز وجل قال: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] والزوج المطلق هو الذي صح نكاحه.
م: (والأصل فيه) ش: أي الأصل في هذه المسألة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ش: أي وإن طلقها الطلقة الثالثة بعد التطليقتين المذكورتين في قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أي مرة بعد أخرى م: (والمراد الطلقة الثالثة) ش: كما ذكرنا هذا في حق الحرة. م: (والثنتان) ش: أي الطلقتان م: (في حق الأمة كالثلاث) ش: أي كالطلقات الثلاث م: (في حق الحرة، لأن الرق منصف لحل المحلية) ش: إضافة التنصيف إلى الرق مجاز لمعنى أن الرقية سبب لتنصيف حل المحلية، لكونه نعمة، والطلقة الواحدة لا تتجزأ فكملت، وقد مر بيانه قبيل باب الطلاق في فصل المحرمات أيضاً م: (على ما عرف) ش: أي في الأصول م: (ثم الغاية) ش: أي الغاية بكلمة حتى في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (نكاح الزوج مطلقاً) ش: يعني ذكر من غير قيد نصفه م: (والزوجية المطلقة) ش: أي الكاملة م: (إنما تثبت بنكاح صحيح) ش: لأن الوطء يحرم في الفاسد، ويجب التفريق.
م: (وشرط الدخول) ش: هذا جواب عما يقال المشروط في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، مطلق النكاح، فمن أين شرط الدخول؟ فأجاب بقوله: وشرط الدخول م: (ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح) ش: في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (على الوطء حملاً للكلام على الإفادة دون الإعادة) ش: يعني لو حملنا النكاح على العقد في الآية يلزم ذكر العقد مرتين م: (إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج) ش: في قَوْله تَعَالَى: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وأيضاً في حمل النكاح على العقد يكون ذلك تأكيداً، والتأسيس أولى من التأكيد.
فإن قيل: يلزم أن تكون المرأة واطئة على هذا التقدير، والمرأة موطوءة وليست بواطئة. أجيب: بجواز إضافة الوطء إليها، ولهذا تسمى زانية، والزنا هو الوطء الحرام، إلا أنه لا يشتهر استعماله. والحاصل أن المصنف استدل هاهنا في شرط الدخول بوجهين:
أحدهما: بإشارة نص الكتاب على ما قررناه.

(5/475)


أو يزاد على النص بالحديث المشهور، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر» ، روي بروايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والآخر: بقوله م: (أو يزاد على النص) ش: أي على قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (بالحديث المشهور) ش: وقد عرف جواز الزيادة على النص بالحديث المشهور كما عرف في الأصل م: (وهو) ش: أي الحديث المشهور هو م: (قوله) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر) .
ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل طلق زوجته فتزوجت زوجاً غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» .
م: (روي بروايات) ش: أي روي هذا بروايات مختلفة، فروى الجماعة إلا أبا داود عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ فقالت: نعم، قال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» .
وفي لفظ الصحيحين: أنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات...... الحديث، وفي لفظ البخاري: «كذبت يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فإن كان كذلك فلن تحلين له حتى يذوق من عسيلتك
» الحديث.
وروى مالك في موطئه عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: «فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها فنهاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: لا يحل له حتى يذوق العسيلة» .
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط " من حديث هشام بن عروة عن أبيه قالت: «كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها وتزوجها رفاعة رجل من قريظة ثم فارقها فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير فقالت: والله يا رسول الله ما هو منه إلا هدبة ثوبي، قال: والله يا تميمة لا ترجعين إلى عبد الرحمن حتى يذوق عسيلتك رجل غيره» ، وهذا المتن عكس متن الصحيح.

(5/476)


ولا خلاف لأحد فيه سوى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقوله غير معتبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو موسى محمد الحافظ بن أبي بكر المديني في كتاب الأماني بإسناده إلى مقاتل بن حيان قال: «قوله - عز وجل - {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت تحت رفاعة بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقاً بائناً، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها، فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إن زوجي عبد الرحمن طلقني قبل أن يمسني فأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لا، حتى يكون مس"، فلبثت ما شاء الله أن لبثت ثم رجعت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله إن زوجي الذي كان تزوجني بعد زوجي الأول كان قد مسني، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذبت بقولك الأول، فلن فلن أصدقك في الآخر، فلبثت ثم قبض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقالت: يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرجع إلى زوجي الأول قد مسني، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: قد عهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال لك وسمعته حين أتيته وعلمت ما قال لك، فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أتت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لها: لئن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك» .
واختلف في رفاعة، قيل إنه رفاعة بن شموال، وقيل: رفاعة بن وهب، وفرق بينهما أبو جعفر بن أحمد بن عثمان بن أحمد المروزي المعروف بابن شاهين، والظاهر أنها واحدة. وكذا اختلف في اسم المرأة، فقيل اسمها سهيمة وتميمة والرميصاء والغميصاء.
م: (ولا خلاف لأحد فيه) ش: أي في شرط الدخول م: (سوى سعيد بن المسيب) ش: بن حزن ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أبي محمد المديني سيد التابعين ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن خمس وسبعين سنة.
روى عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وكان زوج ابنته وأعلم الناس بحديثه وعائشة وأم سلمة وخولة بنت حكيم وفاطمة بنت قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - وروى عن أبيه المسيب بن حزن وله صحبة. وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أمثل من سعيد بن المسيب وهو أثبتهم في أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقول صاحب الهداية، ولا خلاف فيه سوى سعيد بن المسيب ليس على إطلاقه، لأنه تبعه في هذا بشر المريسي وداود الظاهري والشيعة والخوارج، ولكن لا يلتفت إلى هذا. قال المصنف: م: (وقوله غير معتبر) ش: لأنه خلاف الإجماع، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قال من أهل العلم بقوله إلا الخوارج ولا أسوغ لأحد المصير إليه. وقال أبو بكر الرازي: لا أعلم أحداً قال بقوله، وقوله غير

(5/477)


حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ،
والشرط الإيلاج دون الإنزال لأنه كمال ومبالغة فيه وإكمال قيد زائد والصبي المراهق في التحليل كالبالغ لوجود الدخول في نكاح صحيح، وهو الشرط بالنص، ومالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يخالفنا فيه، والحجة عليه ما بيناه. وفسره في الجامع الصغير وقال: غلام لم يبلغ ومثله يجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معتبر حتى لا يجوز لأحد أن يأخذ بقوله لمخالفة الحديث المشهور. ولو أفتى مفت بقوله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ذكره في الخلاصة م: (حتى لو قضى القاضي به) ش: أي يقول سعيد بن المسيب في هذا م: (ولا ينفذ) ش: ويرد عليه ويبطل. وذكر قاضي خان لا ينفذ قضاؤه.
وفي " القنية " فقيهه بمذهبه يعزر، قال المتكلم: والقاضي بديع يحتال في التطليقات ويأخذ الرشى ويزوجها للأول بدون دخول الثاني هل يصح النكاح؟ قال: وما جزاء من يفعل ذلك؟ قالوا: يسود وجهه ويعزر. وفي فتاوى النضر بن سعيد: رجع عن مذهبه هذا، وقال: لعله لم يبلغه الحديث المشهور.

[شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول]
م: (والشرط) ش: أي شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول م: (الإيلاج) ش: أي الإدخال م: (دون الإنزال) ش: يعني إنزال المني م: (لأنه كمال) ش: لأن الإنزال كمال في الإيلاج م: (ومبالغة فيه) ش: أي في الإيلاج م: (وإكمال قيد زائد) ش: يعني قيد للنص المطلق، فلا يجوز ولا يثبت إلا بدليل، ولا دليل عليه، والدليل يدل على عدمه، لأنه ذكر العسيلة وهو تصغير العسلة وهي كناية عن إصابة حلاوة الجماع وهي تحصل بالإيلاج، فكان التصغير وإلا على عدم التبع بالإنزال فاللذة بالجماع قبل الإنزال، وبالإنزال تزول اللذة وتفتر الرغبة فلا يشترط الإنزال وشذ الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واشترط الإنزال بظاهر الحديث. م: (والصبي المراهق في التحليل كالبالغ) ش: وبه قال عطاء والشافعي وابن المنذر م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح وهو) ش: أي النكاح الصحيح م: (وهو الشرط بالنص) ش: لأن الشرع علق حلها للزوج الأول بنكاح زوج آخر، ووطئه وحصل ذلك م: (ومالك يخالفنا فيه) ش: أي في المراهق، فإن عنده إنزاله شرط ولم يوجد، وبه قال حماد والحسن البصري كما ذكرنا م: (والحجة عليه) ش: أي على مالك م: (ما بيناه) ش: وهو قوله إن الإنزال كمال ومبالغة فيه وهو قيد لا دليل عليه، وقال الأترازي: والحجة عليه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة الآية: 230) والمراهق يسمى زوجاً إذا وجد شرط النكاح وقال الكاكي: والحجة عليه ما بيناه وهو الحديث المذكور، وما ذكرناه هو الأنسب.
م: (وفسره) ش: أي فسر محمد المراهق م: (في الجامع الصغير، وقال: غلام لم يبلغ، ومثله بجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول) ش:، وهذا كله تفسير محمد في المراهق، وفي الجامع قال محمد: أودع صبياً يعقل ابن اثنتي عشرة سنة.
قلت: هذا ليدل على أن المراهق ينبغي أن يكون ابن اثنتي عشرة، وكذا قال القاضي من

(5/478)


ومعنى هذا الكلام أن تتحرك آلته ويشتهي، وإنما وجب الغسل عليها لالتقاء الختانين، وهو سبب لنزول مائها، والحاجة إلى الإيجاب في حقها، أما لا غسل على الصبي وإن كان يؤمر به تخلقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحنابلة،: يشترط أن يكون ابن اثنتي عشرة سنة.

م: (ومعنى هذا الكلام) ش: أي الكلام الذي نقله عن محمد في المراهق م: (أن تتحرك آلته ويشتهي) ش: أي الشرط أن تتحرك آلة المراهق ويشتهي الجماع، وإنما شرط ذلك لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شرط الذوق من الطرفين م: (وإنما وجب الغسل عليها) ش: هذا جواب عما يقال إذا لم يكن الإنزال شرطاً، فلم يجب الغسل على المرأة، فأجاب بقوله، إنما وجب الغسل عليها - أي على المرأة م: (لالتقاء الختانين وهو سبب لنزول مائها) ش: فأقيم السبب الظاهر مقام السبب الباطن وهو الإنزال، فيجب الغسل.
فإن قيل: لا نسلم أنه سبب ظاهر، وإنما يكون كذلك إذا كان الشخص بالغاً، وكلامنا في غير البالغ. وأجيب: بأن كلامنا فيما إذا كان الصبي تتحرك آلته ويشتهي الجماع لا فيما دون ذلك.
م: (الحاجة إلى الإيجاب في حقها) ش: أي الحاجة إلى إيجاب الغسل في حق المرأة، لأن أمر الغسل مبني على الاحتياط وجماع مثله سبب ظاهر لإنزال مائها فيجب الغسل عليها.
م: (أما لا غسل على الصبي) ش: لعدم الخطاب م: (وإن كان) ش: واصل بما قبله، أي وإن كان الصبي م: (يؤمر به) ش: أي بالغسل م: (تخلقاً) ش: أي من حيث التخلق ليتعود به ويصير له نتيجة قبل بلوغه حتى لا يشق عليه عند بلوغه فروعه.
وفي " الجواهر " للمالكية: لا يحل وطء صبي وإن كان يقوى على الجماع، وهو قول أبي عبيد، ويروى عن الحسن. وفي البسيط: وأجمعوا على أنه يحصل بوطء الصبي ويحصل باستدخال المرأة ذكر زوجها وهو نائم ولا يشترط الانتشار. وفي المحيط وطء الصبي والمجنون يحلها إلا إذا حبلت.
وفي المبسوط في رواية أبي حفص: إن كان المجبوب لا ينزل لا يحلها ولا يثبت نسب الولد منه، لأنه إذا جف ماؤه صار كالصبي أو دونه. وقيل: هذا إذا جب ذكره في الأصل، ولو بقي بقدر الحشفة يولج في فرجها تحل. وذكر الإسبيجابي: أنه لو كان خصياً يجامع مثله حلت.
وفي المفيد: وكذا المسلول، وفي المدونة: إن علمت بأنه خصي فوطئها حلت للأول وثبت إحصانها وإن لم تعلم لا يحلها ولا يثبت إحصانها، وإن تزوجت شيخا فلم تنتشر آلته فأدخلته في فرجها بإصبعها إن انتعش وعمل حلت وإلا فلا. ولو لف آلته بخرقة وهي لا تمنع من وجود حرارة فرجها إلى ذكره يحل، ذكره المرغيناني. ولو كانت المرأة مفضاة وحبلت من الثاني حلت

(5/479)


قال: ووطء المولى أمته لا يحلها؛ لأن الغاية نكاح الزوج، وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للأول: لوقوع الوقائع في قبلها. ووطء النائمة والمغمى عليها يحل عندنا، وفي أحد قولي الشافعي ذكره الثوري، والوطء في الدبر لا يحل، ولو ادعت وصول المحلل صدقت، ووطء الذمي الذمية يحلها للأول عندنا والشافعي وأحمد، وبه قال الحسن والزهري والثوري وأبو عبيد. وقال مالك وربيعة: لا يحلها، ولو خلا بها الزوج الثاني أو مات عنها لا يحل.

[تزوجها بشرط التحليل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ووطء المولى أمته لا يحلها) ش: بأن طلق رجل امرأته ثنتين وهي أمة للغير فوطئها المولى بعد انقضاء العدة لم تحل للأول م: (لأن الغاية نكاح الزوج) ش: أي لأن غاية الحرمة نكاح الزوج، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، لم يوجد، لأن المولى لا يسمى زوجاً وقال في " شرح الأقطع " روي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سئل عن ذلك، وعنده علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فرخص ذلك عثمان وزيد، وقالا: هو زوج، فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مغضباً كارهاً لما قالا، وقال: ليس بزوج.
م: (وإذا تزوجها بشرط التحليل) ش: بأن قال تزوجتك على أن أحللك أو قالت هي ذلك م: (فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لعن الله المحلل والمحلل له» .
ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» وفي لفظ أبي داود

(5/480)


وهذا هو محموله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه شك، فقال: أراه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو معلول بالحارث.
قلت: الحارث هو ابن عبد الله الأعور الخارفي الكوفي قال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال ابن المديني: الحارث كذاب. وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر نحوه سواء. وعن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن الليث بن سعد قال لي أبو مصعب: مشرح بن هاعان قال عقبة بن عامر: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» .
قال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده حسن. وقال الترمذي: في "علله الكبرى " الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان شيئاً، ولا روى عنه وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم من حديث المقبري عن أبي هريرة نحوه.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن عكرمة نحوه سواء، م: (وهذا هو محموله) ش: يعني الحديث هو الكراهية، وقد استدل المصنف بهذا الحديث على كراهية النكاح المشروط به التحليل وظاهره يقتضي التحريم، وهو مذهب أحمد، ولكن يقال لما سماه محللاً دل على صحة النكاح، لأن المحلل هو المثبت للحل، فلو كان فاسداً لما سماه محللاً.
فإن قلت: لم لعن مع حصول التحليل.
قلت: لأن التماس ذلك هتك للمروءة وإعارة التيس في الوطء لعرض الغير رذيلة، فإنه إنما يطأها ليعرضها لوطء الغير، وهو قلة حمية، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "هو التيس المستعار"، وإنما يكون مستعاراً إذا سبق التماس من المطلق.
وقال السروجي: واختلف العلماء في معناه، فقيل: أراد به طالب الحل من نكاح المتعة والمؤقت، وسماه محللاً، وإن كان لم يحلل، لأنه يعتقده ويطلب الحل منه، وأما طالب الحل من طريقة لا يستوجب اللعن. وقيل: هو التزوج بلفظ الإحلال والتحليل. وفي الإسبيجابي: لو تزوجها بنية التحليل من غير شرط حلت للأول، ولا يكره، والنية ليست بشيء.
وقال بعض مشايخنا: لو تزوجها ليحللها للأول، فهو مثاب مأجور في ذلك، حكاه المرغيناني وغيره، لكن يرد عليهم أن المعروف كالمشروط، ولا خلاف في كراهية المشروط. وفي الجواهر: المعتبر نية المحلل دون المرأة والزوج الأول، فيصير كاشتراطه في العقد، فيفسد العقد، ولو نكح بشرط الطلاق فسد العقد، ولم تحل، ويفسد بشرط عدم الوطء، فإذا فسد فرق قبل:

(5/481)


فإن طلقها بعد ما وطئها حلت للأول لوجود الدخول في نكاح صحيح؛ إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفسد النكاح؛ لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح النكاح لما بينا، ولا يحلها على الأول، لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البناء وبعده بطلقة بائنة، ولها المسمى في الأظهر في " البسيط "، وإن شرط فيه طلاق قيل يبطل العقد كالمؤقت. ومنهم من قال: يلغو الشرط، ولا خلاف في أنه لو قال زوجتك بشرط أن لا تتزوج عليها أو لا تتسرى أو لا تسافر بها، فالنكاح لا يفسد بذلك كله.
ولو قال: بشرط أن لا تطأها اختلفوا فيه وذكر التمرتاشي لو خافت أن لا يطلقها الثاني فتقول زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد، ويقول تزوجت أو قبلت جاز النكاح، وصار الأمر في يدها.

م: (فإن طلقها) ش: أي فإن طلقها محلل المرأة م: (بعد ما وطئها حلت للأول) ش: أي حلت المرأة للزوج الأول م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح، إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وبه قال الحكم وعطاء وزفر.
م: (وعن أبي يوسف أنه يفسد النكاح، لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده) ش: وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وبكر بن عبد الله المزني وقتادة. وقال ابن المنذر: روينا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محللة إلا رجمتهم، وقال ابن عمر: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة. وعن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: ذلك السفاح، وممن قال: ولا يصح في ذلك إلا نكاح رغبة لا رهبة، عن مالك والليث وابن حنبل وإسحاق وأبو عبيد.
م: (وعن محمد أنه يصح النكاح لما بينا) ش: أراد به قوله إذ النكاح لا يبطل بالشرط م: (ولا يحلها على الأول) ش: أي لا يحل المحلل المرأة على الزوج الأول م: (لأنه استعجل ما أخره الشرع) ش: وذلك لأن النكاح عقد عمر وشرط الطلاق خلافه م: (فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث) ش: كما إذا قتل شخص مورثه، فإنه يحرم الميراث، لأنه استعجل ما أخره الشرع. وذكر الترندويشي في الروضة: أنها لو قالت أنا أزوجك نفسي لتجامعني ثم طلقني لأكون حلاً لزوجي الأول. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النكاح جائز والشرط جائز، فإن امتنع من تطليقها أجبره الحاكم على ذلك، وتحلل للأول. وفي المرغيناني: فالشرط يكره للأول والثاني مع جوازهما عند أبي حنيفة وزفر، وعند أبي يوسف النكاح باطل ولا تحل للأول، وعند محمد تحل للثاني، ولا تحل للأول. وفي المفيد والمزيد: قول محمد النكاح صحيح، ولا تحل للأول ولا يظهر له وجه.

(5/482)


وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يهدم ما دون الثلاث، لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت، ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللا، وهو المثبت للحل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[طلق الحرة تطليقة أوتطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول]
م: (وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث) ش: والمراد بقوله يهدم الزوج إلى آخره أن المرأة بعده تصير بحالة لا تحرم حرمة غليظة م: (كما يهدم الثلاث) ش: أي كما يهدم الزوج الثاني ثلاث طلقات جميعاً أو فرادى م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وهو قول ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي وعطاء وشريح وميمون بن مهران.
م: (وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث) ش: يعني أنها تصير بحالة تحرم حرمة غليظة لما بقي من الطلقات الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن حصين وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، والمسألة مختلفة بين الصحابة كما ترى.
وقال شمس الأئمة السرخسي: في شرح الكافي أخذ الكبار من الفقهاء بقول الكبار من الصحابة م: (لأنه) ش: أي لأن نكاح الزوج الثاني م: (غاية للحرمة بالنص) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، لأن حتى حرف موضوع للغاية والمغيا ينتهي بالغاية م: (فيكون) ش: أي الزوج الثاني م: (منهياً) ش: وهو بضم الميم اسم فاعل من الإنهاء.
م: (ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت) ش: أي لا يكون بوطء الزوج الثاني عبرة قبل التطليقات الثلاث، لأن الحرمة غير ثابتة، ولا شيء معها، لأنه لا يتجزأ ثبوتها فلا حرمة قبل الثلاث، فلا يكون الوطء غاية لها، وهذا كقوله والله لا أكلم فلاناً في رجب حتى أستشير فلاناً فاستشاره قبل رجب لم يعتبر في حق اليمين، إذ اليمين أوجب تحريم الكلام بعد رجب إلى غاية الاستشارة فقبل رجب لا حرمة فلا تكون الاستشارة غاية لها.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللاً) ش: أي سماه الشارع محللاً، أي جاعل المحلل حلالاً لا يكون إلا بإثبات الحل فيه م: (وهو المثبت للحل) ش: أي للزوج الثاني هو مثبت للحل، يعني الحل الجديد، لأنه لا يجوز أن يكون المراد الحل السابق، لأنه تحصيل الحاصل وهو فاسد، لأن الحل السابق موجود فيما دون الثلاث فصارت المرأة بالزوج الثاني ملحقة بالأجنبية فلم تحرم على الزوج الأول إلا بثلاث تطليقات، لأن حكم الحل الجديد هذا وقد ذكر الأترازي أسئلة وأطال الكلام فيه

(5/483)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ملخص كلامه في:
السؤال الأول: منع كون المراد بالمحلل هو الزوج الثاني لعدم ما يدل عليه، ويجوز أن يكون المراد نكاح المتعة بقرينة اللعن، لأنه كان مشروعاً ثم انتسخ.
والجواب: أن الذين نقلوا هذا الحديث ثقات حكما فكما يقبل نقلهم في نقل الحديث، فكذا يقبل نقلهم فيمن جاء فيه الحديث، وقد أورده في باب ما جاء في الزوج الثاني.
السؤال الثاني: منع كون المراد بالمحلل الزوج الثاني مطلقاً، لأنه أريد به قبل الطلاق الثلاث، فهو ممنوع، لأنه غير محلل قبله لوجود الحل، وإن أريد بعد الثلاث فمسلم لكنه لا يفيد، لأن النزاع فيما دون الثلاث.
والجواب: أن المراد به الزوج الثاني مطلقا عملا بإطلاق الحديث، ولا نسلم نفي كونه محللا، قبل الطلاق الثلاث، لأنه يثبت حلا جديدا، بحيث لا يحرم عليه إلا بثلاث تطليقات مستقلات، فلا يلزم تحصيل الحاصل.
السؤال الثالث: أن الحديث متروك العمل بالظاهر، لأن الزوج الثاني بعد الطلقات الثلاث لا يثبت الحل، ما لم توجد الإصابة. والحديث يثبته مطلقا، فكانت الإصابة هي المثبتة للحل دون الزوج الثاني.
والجواب: منع كونه من باب ترك العمل بظاهره، لأنه من باب التخصيص، لأن ما قبل الإصابة خرج عن عمومه بحديث العسيلة، فبقي الثاني على عمومه فيما دون الثلاث.
والسؤال الرابع: أن الحديث إذا كان مقتضيا للحل الجديد يلزم المعاوضة بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، لأنه يقتضي الحل مطلقا في عموم الأوقات بالحرمة التي تثبت بثلاث تطليقات مغياة إلى غاية الزوج الثاني، فإذا انتهت به ثبت الحل الأصلي بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ.
والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ.
والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق عند انتهاء الحرمة من كل بد لجواز ثبوته بسبب آخر إذا دل الدليل عليه، وقد دل إذ لو كان ثبوت الحل بالسبب السابق لم يكن الزوج الثاني محللاً، وقد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محللاً.
وهاهنا سؤال آخر ذكره تاج الشريعة مع جوابه، وهو أن المحلل هو الذي يثبت الحل، وإثبات الحل يقتضي عدمه، إذ إثبات الثابت محال.

(5/484)


وإذا طلقها ثلاثا: فقالت: قد انقضت عدتي، وتزوجت، ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج الأول أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة لأنه معاملة أو أمر ديني لتعلق الحل به، وقول الواحد فيهما مقبول، وهو غير مستنكر إذا كانت المدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب: أن إثبات الثابت إنما لا يعتبر إذا لم يفد، أما إذا أفاد فيعتبر، ألا ترى أن بيع الإنسان ماله بماله لا يفيد، وكذا شراؤه بماله، أما إذا أفاد فيعتبر كما إذا اشترى ماله من المضارب قبل أن يظهر فيه ربح، وإن كان ماله لما أنه يفيد ملك التصرف.

م: (وإذا طلقها ثلاثاً فقالت قد انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والمراد من قوله: ودخل بي الزوج الثاني والمدة التي تحتمل ذلك تأتي عن قريب م: (جاز للزوج الأول) ش: جواب إذا م: (أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة) .
ش: قال الأترازي: كلامه يوهم بأن إخبارها مقبول وإن لم تكن عدلاً، لأنه أطلق في التعليل، وليس الأمر كذلك، فإن الرواية منصوصة في آخر كتاب " الإحسان "، بأن الزوج الأول لا بأس عليه أن يتزوجها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة، انتهى.
قلت: استدلاله برواية كتاب " الاستحسان " يرد عليه قوله: وليس الأمر كذلك، لأنه ذكر فيه كونها ثقة أو وقوع صدقها في قلبه، وقد صرح بذلك القدوري بقوله: إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة، وتعليله مقيد بهذا الوجه، وليس بمطلق حتى يترتب عليه الوهم الذي ذكره.
م: (لأنه) ش: أي لأن النكاح م: (معاملة) ش: لكون البضع متقوما عند الدخول، وإذا كان معاملة فخبر الواحد مقبول فيها بشرط التمييز كالولايات والمضاربات والإذن في التجارة م: (أو أمر ديني لتعلق الحل به) ش: أي بالنكاح، ويقبل قولها فيه أيضاً كما أخبرت بنجاسة الماء وطهارته وروت حديثاً م: (وقول الواحد فيهما مقبول) ش: أي في المعاملة والأمر الديني، أما في الديانات فلأن الصحابة كانوا يقبلون خبر العدل من غير اشتراط العدد، وأما في المعاملات فعلى نوعين:
الأول: هي التي ليس فيها معنى الإلزام كالوكالات ونحوها كما ذكرنا، فيعتبر فيها خبر مميز عدلاً كان أو فاسقاً، صبياً كان أو بالغا، مسلماً كان أو كافراً، حراً كان أو عبداً، ذكراً كان أم أنثى من غير اشتراط العدد والعدالة دفعاً للضرورة.
النوع الثاني: الذي فيه إلزام من حقوق العباد، فيشترط فيه العدد والعدالة وتعيين لفظ الشهادة، لأنها تبنى على المنازعة فاحتيج إلى زيادة التوكيد دفعاً للتزوير والحيل.
م: (وهو غير مستنكر) ش: أي إخبار المرأة المذكورة غير أمر مستنكر فيه م: (إذا كانت المدة

(5/485)


تحتمله.

واختلفوا في أدنى هذه المدة، وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تحتمله) ش: أي إذا كانت المدة التي ذكرتها تحتمل ذلك؛ لأن القول قول الأمين فيما لا يستنكر

[أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة]
م: (واختلفوا في أدنى هذه المدة) ش: أي اختلف أبو حنيفة وصاحباه في أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة.
واعلم أن الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم اختلفوا في المدة التي تصدق المرأة في انقضاء عدتها على أقوال:
الأول: قال أبو حنيفة: أقلها شهران وثلاث حيض بشهر وطهران بشهر وثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً وثلاث حيض بخمسة عشر يوماً كل حيضة خمسة أيام.
الثاني: قال أبو يوسف ومحمد: تسعة وثلاثون يوماً طهران بثلاثين وثلاث حيض بتسعة اعتبارا لأقل الحيض.
الثالث: قال شريح: لو ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر أو في خمسة وثلاثين يوماً فجاءت ببينة من النساء العدل من بطانة أهلها أنها رأت الحيض وتغتسل عند كل صلاة وتصلي فقد انقضت عدتها.
الرابع: قال الشافعي: إنها تصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوماً، هذا مذهبه أو قول منه ذكره ابن المنذر.
الخامس: قال أبو ثور: لا تصدق في أقل من سبعة وأربعين يوماً على أن أقل الحيض يوم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً.
السادس: قال مالك: أربعون يوماً، ذكره في " الجواهر ".
السابع: قال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد: إن لها أقراء معلومة يعرفها بطانة أهلها تصدق على ما تشهد به وإلا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر.
الثامن: قال الحنابلة: أقله تسعة وعشرون يوماً قالوا هذا إن قلنا أقل الطهر عشرة أيام.
فإن قلنا: خمسة عشر يوماً يزاد أربعة أيام فيكون ثلاثة وثلاثين. وإن قلنا: أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً يزاد على ذلك أربعة أيام فيصير اثنين وثلاثين وصارت الأقوال فيه إحدى عشر يوماً.
م: (وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين تلك العدة في باب العدة. وقال الأترازي: هذا وعد لم يتحقق بالإنجاز. وقال السغناقي: في الحوالة وقعت غير رابحة، لأنه ما قال في عدة هذا الكتاب حتى تقع الحوالة غير رابحة. قال الأكمل في رد كلام السغناقي في الحوالة ورد من حيث اللفظ والمعنى. أما الرد فلأن مثل هذا يسمى وعداً لا حوالة، فكان ينبغي

(5/486)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن يقول: وعد غير منجز، وأما المعنى فإنه لم يقل في باب العدة من هذا الكتاب، فيجوز أن يكون وعده منجزا في باب العدة من كتاب آخر، انتهى.
قلت: الذي من جهة المعنى أخذه من شيخه الكاكي، ومع هذا لم يجب أحد منهم عن هذا، ويمكن أن يقال: إنه وعد، ولكنه ذهل عن وفائه بسبب اشتغاله بغيره من الكتب.

(5/487)