البناية
شرح الهداية باب الإيلاء إذا قال الرجل لامرأته: والله
لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الإيلاء]
[قال الرجل لامرأته والله لا أقربك]
م: (باب الإيلاء) ش: أي هذا الباب باب في حكم الإيلاء، وهو مصدر من آلى
يولي إيلاء، أي حلف، والاسم الألية. قال الكاكي: الإيلاء والألية اليمين
لغة، ( ... ) وجمع الألية أليات كركبة ركبات. وقال الجوهري: الإيلاء لا
يرد، بمعنى حلف، والألية اليمين لغة على فعيلة، والجمع الإلياء، وكذلك
الألؤة بتثليث الهمزة: قلت: أصل الإيلاء الأولاء قلبت الواو ياء لسكونها
وانكسار ما قبلها. وفي المرغيناني: الحلف على الامتناع والحلف اليمين على
الفعل والقسم اليمين فيهما.
ثم للإيلاء تفسير شرعاً وهو الحلف على ترك قربان المنكوحة، أربعة أشهر
فصاعدا، وشرط: وهو كون اليمين معقودا على المنكوحة وأهل: وهو أن يكون من
أهل الطلاق، وحكم: وهو تعلقه بالحنث المتعلق بالكفارة، ومدة: وهي أربعة
أشهر عند الجمهور، على ما يأتي الخلاف فيه، وسبب: هو قيام المشاجرة وعدم
الموافقة كما في سبب الطلاق الرجعي.
وقال الأترازي: كان القياس أن يذكر الخلع قبل الإيلاء، لأن الخلع نوع من
الطلاق، إلا أنه لما كان لغرض تباعد عن الطلاق فأخر عن الإيلاء، وقدم الخلع
عن الظهار، لأن الظهار منكر من القول وزور، وليس الخلع كذلك، ثم قدم الظهار
على اللعان، لأن الظهار أقرب إلى الإباحة من اللعان، بدليل أن سبب اللعان
وهو القذف بالزنا لو أضيف إلى غير الزوجة يجب الحد، والموجب للحد معصية
محضة بلا شائبة لأحد.
م: (إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة
أشهر فهو مول) ش: أصله مولي فأعل إعلال قاض، وهنا صورتان، وهما: قوله:
والله لا أقربك أبداً ففيها هو مول إجماعاً، والثاني قوله: لا أقربك أربعة
أشهر ففيها هو مول عندنا، خلافاً للشافعي ومالك وأحمد وإسحاق، فإن عندهم لا
يكون مولياً حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر بناء على أن الفيء عندهم بعد
أربعة أشهر فلا بد من مدة زائدة على أربعة أشهر حتى يزيد يوما عند مالك
ولحظة عند الشافعي، ويرد قولهم ظاهر القرآن حيث لم يجعل التربص أكثر من
أربعة أشهر وعشرا في عدة الوفاة وثلاثة قروء في عدة الطلاق، فلا يجوز
الزيادة في هذين التربصين، فكذا في مدة الإيلاء.
ثم اعلم أن عند الأئمة الأربعة وأصحابهم والجمهور الإيلاء لا يكون بغير
يمين ولا تعليق، وعند ابن المسيب ويزيد بن الأصم من ترك جماع امرأته بغير
يمين يصير موليا، نقله الرازي في " أحكام القرآن " وعن بعض العلماء لو حلف
لا يكلمها يكون مولياً، وهذا كله شاذ مخالف
(5/488)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: للذين يؤلون من
نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا ... الآية (البقرة: الآية 226) ،
فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة، لأن الكفارة
موجب الحنث. وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث، وإن لم يقربها حتى مضت
أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
تبين منه بتفريق القاضي؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للنص.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] الآية
(البقرة: الآية 226) ش: أي اقرءوا، تمام الآية وهو {فإن الله غفور رحيم}
[البقرة: 226] وبعدها: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
[البقرة: 226] وبعدها: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] قال الواحدي في كتاب " أسباب نزول القرآن "
بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: كان
إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين أو أكثر من ذلك فوقته الله تعالى أربعة
أشهر، فمن كان إيلاءه أقل من أربعة أشهر فليس فليس بإيلاء، ثم حكى عن ابن
المسيب أنه قال: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة
ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، وكان تركها كذلك لا
أيماً ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الأجل به ما عند الرجل في المرأة أربعة
أشهر، وأنزل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ...
الآية.
[آلى من زوجته ووطئها في الأربعة أشهر]
م: (فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة) ش: أي كفارة
اليمين م: (لأن الكفارة موجب الحنث) ش: والإيلاء حلف، وقد حنث فيه فتلزمه
الكفارة في " المبسوطين ". قال الشافعي: لا كفارة عليه، ويحنث في يمينه،
لأن الله تعالى وعد المغفرة وفعل ما صار مغفوراً لا تجب (فيه) الكفارة.
قلنا: المغفرة في الآخرة، فلا ينافي وجوب الكفارة في الدنيا، ولكن هذا في
قوله القديم، وفي الجديد تجب الكفارة وهو الأصح كمذهبنا، وبه قال مالك
وأحمد والجمهور. وقال الحسن البصري: لا كفارة عليه في ذلك، وقال قتادة:
خالف الحسن الناس.
م: (وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث) ش: وهذا بالإجماع م: (وإن لم
يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة) ش: وهو قول جابر بن زيد
ومسروق وشريح وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعبد
الرحمن الأوزاعي وسفيان الثوري وقبيصة بن ذؤيب وعكرمة وعلقمة وابن جريج
وابن أبي ليلى. وفيهم من قال: يقع طلقة رجعية، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول والزهري، هكذا في " الأشراف "
وفي " المحلى ": هذا عن ثلاثة لا غير، وهم الزهري ومكحول وأبي بكر المذكور.
م: (وقال الشافعي: تبين منه بتفريق القاضي) ش: يعني يتوقف بعد مضي المدة،
وإذا أبى من الفيء والفرقة فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة كان تفريقها
تطليقة رجعية، وفي " المبسوط ": تطليقة بائنة. قال الكاكي: وما وجدت ذلك في
كتبهم إلا عند مالك لا رجعة له عليها إلا أن
(5/489)
لأنه مانع حقها في الجماع، فينوب القاضي
منابه في التسريح كما في الجب والعنة. ولنا أنه ظلمها بمنع حقها فجازاه
الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة، وهو المأثور عن عثمان، وعلي،
والعبادلة الثلاثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يطأها، ولا يطلقها الحاكم ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح. وقال أحمد:
للحاكم أن يطلقها رجعية أو بائنة أو ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح،
والمختار عنده أن يطلقها رجعية كما قال الشافعي ومالك، وقالت الظاهرية: لا
يطلق الحاكم تطليقة بائنة، ولكن يجبره بسوط ويحبسه إلى أن يفيء ويطلقها،
وبه قال الشافعي في القديم، وقال أبو ثور: يطلقها الحاكم طلقة بائنة إذ لا
فائدة في الرجعة، فإنه لا يراجعها ويعود الأمر فصار كفرقة العنة.
م: (لأنه) ش: أي لأن المولي م: (مانع حقها في الجماع) ش: أي ثبوت الإيلاء
بقصده الإضرار والتعنت منع حقها في الجماع م: (فينوب القاضي منابه في
التسريح) ش: بالإحسان م: (كما في الجب والعنة) ش: أي ينوب القاضي منابه في
التفريق فيما إذا وجدت زوجها مجبوبا أو عنينا. وجه القياس: دفع الضرر عنها
عند فوت الإمساك بالمعروف.
م: (ولنا أنه ظلمها بمنع حقها) ش: والمستحق عليه وهو الوطء في المدة م:
(فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة) ش: تخليصا لها عن ضرر
التعليق ولا يجعل التخلص بالرجعي فوقع بائنا، ولأن الإيلاء كان طلاقا بائنا
على الفور في الجاهلية، بحيث لا يقربها الزوج بعد الإيلاء أبدا فجعله الشرع
مؤجلا بقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلى
انقضاء المدة، فحصلت الإشارة إلى أن الواقع بالإيلاء بائن لكنه مؤجل.
م: (وهو المأثور) ش: أي مذهبنا، وهو وقوع البينونة بعد مضي مدة الإيلاء
مروي م: (عن عثمان وعلي) ش: أما المأثور عن عثمان فقد رواه عبد الرزاق في
مصنفه حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عثمان بن
عفان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كانا يقولان في
الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة، وهي أحق بنفسها، وتعتد عدة
المطلقة م: (والعبادلة الثلاثة) ش: وهم عند الفقهاء عبد الله بن مسعود وعبد
الله بن عباس وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعن
المحدثين هم أربعة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو، ولم
يذكروا فيهم عبد الله بن مسعود، لأنه من كبار الصحابة، فلا يدخل فيهم، كذا
في " المغرب ".
وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن مالكاً حدث في " الموطأ " عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول:
إذا آلى رجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق. فإن مضت الأربعة الأشهر حتى
توقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء، وكذلك روى البخاري في " الصحيح " أنه لا
يقع الطلاق، حتى يطلق، ونقل ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر
(5/490)
وزيد بن ثابت - رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وكفى بهم قدوة، ولأنه كان طلاقا في الجاهلية،
فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة.
فإن كان حلف على أربعة أشهر. فقد سقطت؛ لأنها كانت مؤقتة به. وإن كان حلف
على الأبد فاليمين باقية؛ لأنها مطلقة ولم يوجد الحنث لترتفع به، إلا أنه
لا يتكرر الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأبي الدرداء وعائشة، واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلم أن عثمان وعلي وابن عمر ليس كما قال صاحب "
الهداية "، على ما قال البخاري. انتهى. قلت: روى ابن أبي شيبة في مصنفه،
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وقالا: إذا آلى فلم يف حتى مضت
أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وأخرج نحوه عن ابن الحنفية، والشعبي،
والنخعي، ومسروق، والحسن، وابن سيرين، وقبيصة، وسالم، وأبي سلمة - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، انتهى.
قلت: قد علم أن الذي قاله صاحب " الهداية " عن ابن عمر مثل ما قاله، وكذلك
الذي قاله عن عثمان وعلي مثل ما قاله، كما مر الآن عن عبد الرزاق.
م: (وزيد بن ثابت) ش: وقد مر الآن عن عبد الرزاق الذي رواه زيد بن ثابت بن
الضحاك الأنصاري كاتب وحي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م:
(وكفى بهم قدوة) ش: أي وكفى بهم قدوة، أي كفى بالمذكورين من عثمان وعلي
والعبادلة وزيد بن ثابت اقتداء، وكذلك غيرهم من الصحابة والتابعين على
أصحابنا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإيلاء م: (كان طلاقاً في الجاهلية، فحكم الشرع
بتأجيله إلى انقضاء المدة) ش: المذكورة في النص، فإن فاء في المدة حنث في
يمينه وتلزمه الكفارة وإلا تقع طلقة بائنة بمضي المدة كما مر بيانه.
[الرجل حلف وقال لزوجته والله لا أقربك أربعة
أشهر]
م: (فإن كان حلف على أربعة أشهر) ش: أي فإن كان الرجل حلف وقال: والله لا
أقربك أربعة أشهر، وهذا الفصل حكم الإيلاء على تقدير عدم الوطء في المدة،
وهو أن يقال: لا يخلو من أحد الأمرين: أحدهما: أن يحلف على أربعة أشهر فمضت
المدة م: (فقد سقطت اليمين، لأنها كانت مؤقتة به) ش: أي يحلف على أربعة
أشهر، والآخر هو قوله: م: (وإن كان حلف على الأبد) ش: بأن قال: والله لا
أقربك أبداً، أو قال: والله لا أقربك فقط بدون ذكر الأبد ومضت المدة ووقعت
البينونة م: (فاليمين باقية لأنها مطلقة) ش: أي لأن اليمين مطلقة عن الوقت،
فكان مؤبداً م: (ولم يوجد الحنث) ش: يعني الموجب للحنث، وهو الوطء م:
(لترتفع به) ش: أي لترتفع اليمين بالحنث، لأنها كانت مؤبدة فبقيت على
حالها.
م: (إلا أنه لا يتكرر الطلاق) ش: استثناء من قوله: واليمين باقية لعدم
الحنث، حتى وجد
(5/491)
قبل وجود التزوج، لأنه لم يوجد منع الحق
بعد البينونة. فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء، فإن وطئها وإلا وقعت بمضي
أربعة أشهر أخرى، لأن اليمين باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق
الظلم، ويعتبر ابتداء هذه المدة من وقت التزوج. فإن تزوجها ثالثا عاد
الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى إن لم يقربها لما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوطء بعد الوطء يلزمه الكفارة، لكنه لا يتكرر الطلاق بمضي المدة الأخرى.
م: (قبل وجود التزوج) ش: وإن كانت في العدة بأن كانت ممتدة الطهر مثلاً.
قال الكاكي: هذا احتراز عن قول أبي سهل البرعي، فإنه قال: ينعقد اليمين بعد
مضي أربعة أشهر أخرى قبل انقضاء عدتها وتقع تطليقة بمضيها، وكذا الثالثة
لأن معنى الإيلاء كلما مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق. ولو صرح
بها كان الحكم فيه ما بيناه، فكذا هذا.
وقال الأترازي: وقال الشيخ النسفي في " شرح الجامع الكبير ": ولا نص في هذه
المسألة يعني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. واختلف مشايخنا فيها: كان
الشيخ أبو بكر الأعمش، والفقيه محمد بن إبراهيم الميداني، والفقيه الجليل
ابن أحمد العياضي والشيخ أبو الحسن الكرخي، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن
الفضل، والفقيه أبو إسحاق الحافظ يقولان: لا يتكرر الطلاق على المولى منها،
وإن تكررت المدة وهو في العدة. وقال الفقيه ابن سهل: يتكرر الطلاق بتكرر
المدة، وقدمنا كلامه.
فأما وجه هؤلاء فقد أشار إليه المصنف بقوله م: (لأنه لم يوجد منع الحق بعد
البينونة) ش: إذ لا حق لها في الجماع بعد البينونة، فلا يكون الرجل ظالماً
م: (فإن عاد فتزوجها) ش: أي وإن عاد هذا الرجل المولي وتزوج هذه المرأة بعد
البينونة بمضي أربعة أشهر، وبعد انقضاء عدتها م: (عاد الإيلاء، فإن وطئها)
ش: في المدة م: (وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر) ش: طلقة م: (أخرى، لأن اليمين
باقية لإطلاقها وبالتزوج ثبت حقها) ش: وهو الوطء، وقد منع الزوج ذلك لبقاء
يمينه م: (فيتحقق الظلم) ش: فيؤول بالطلاق البائن م: (ويعتبر ابتداء هذه
المدة) ش: أي مدة الإيلاء الثاني م: (من وقت التزوج) ش: قيل هذا احتراز عما
إذا تزوجها قبل انقضاء العدة فإن ذلك الإيلاء يعتبر من وقت الطلاق لا من
وقت التزوج، كذا ذكره التمرتاشي.
م: (فإن تزوجها ثالثاً) ش: قال الأترازي: وفي بعض النسخ ثانياً، ولكل وجه.
أما الأول: فبالنظر إلى التزوج قبل الإيلاء. وأما الثاني: فبالنظر إلى
التزوج بعد الإيلاء م: (عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى) ش: أي
طلقة أخرى م: (إن لم يقربها لما بيناه) ش: أشار به إلى قوله، لأن اليمين
باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم.
(5/492)
فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك
الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا الملك، وهي فرع مسألة التخيير الخلافية، وقد
مر من قبل. واليمين باقية لإطلاقها وعدم الحنث فإن وطئها كفر عن يمينه
لوجود الحنث، فإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا؛ لقول ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها]
م: (فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا
الملك) ش: لأنه بمنزلة التعليق بعد القربان، وتعليق الطلاق ينحصر في طلاق
ذلك الملك الذي حصل فيه التعليق م: (وهي) ش: أي هذه المسألة م: (فرع مسألة
التخيير الخلافية) ش: فإنه يبطل التعليق عندنا، خلافاً لزفر م: (وقد مر من
قبل) ش: أي في باب الأيمان في الطلاق م: (واليمين باقية لإطلاقها) ش: أي
لإطلاق اليمين، فتكون باقية بعد الطلاق الثالث م: (وعدم الحنث) ش: بالجر
عطف على إطلاقها، أي لإطلاق اليمين فتكون باقية بعد الطلاق الثالث وعدم
الحنث بالجر عطف على إطلاقها أي ولعدم الحنث، إذ الكلام فيما إذا لم يطأها،
قال في " المبسوط ": وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها يبطل
الإيلاء عندنا، خلافاً لزفر، ولأن الإيلاء طلاق مؤجل، فإنما ينعقد على
التطليقات المملوكة، ولم يبق شيء منها بعد وقوع الثلاث عليها، وكذا لو بانت
بالإيلاء ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج آخر يكون مولياً إلا عند زفر. وأما
الكفارة عند الوطء فلبقاء اليمين، وإطلاقها وجود الحنث.
م: (فإن وطئها كفر عن يمينه لوجود الحنث) ش: فاليمين انحلت ووجبت الكفارة
م: (فإن حلف على أقل من أربعة أشهر) ش: بأن يقول لا أقربك شهراً وهو وضع "
المبسوط " أو قال: لا أقربك شهرين أو ثلاثة أشهر م: (لم يكن مولياً) ش: وبه
قال الأئمة الأربعة، وأكثر العلماء منهم سعيد بن جبير، وطاوس، والأوزاعي،
وأبو ثور، وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر وهو نص القرآن.
وقال إبراهيم النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق: من حلف على قليل
المدة أو كثيرها فتركها أربعة أشهر فهو مول، وتضرب تلك المدة بثلاثة، وبه
قالت الظاهرية، وفي التحرير فكان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - يقول به، ثم رجع إلى قول ابن عباس لما صح عنده.
م: (لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا إيلاء فيما
دون أربعة أشهر) ش: قال في الأصل: بلغنا ذلك عن ابن عباس، كذا نقله
الأترازي واكتفى به، وغيره من الشراح سكتوا عن تخريجه، والأخصام لا يرضون
بذلك.
قلت: روى هذا ابن أبي شيبة في "مصنفه " (من) حديث علي بن مسهر عن سعيد عن
عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو
ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء. وأخرج نحوه عن عطاء وطاوس وسعيد بن
جبير والشعبي.
(5/493)
ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة
بلا مانع وبمثله لا يثبت حكم الطلاق فيه.
ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه جمع
بينهما بحرف الجمع، فصار كالجمع بلفظ الجمع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: فتوى ابن عباس مخالفة للنص ظاهراً، لأنه تعالى أطلق الإيلاء وقيد
التربص بمدة، وذلك يقتضي أن من آلى من امرأته ولو مدة يسيرة كيوم أو ساعة
يلزمه تربص أربعة أشهر، فالتقييد بمدة زيادة على النص، وهو لا يجوز بفتوى
ابن عباس.
وأجيب: بأن فتواه تفسيراً للنص لا لتقييده، لأن الرأي لا دخل له في
المقدرات الشرعية.
م: (ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع) ش: خبر لأن، أي لأن
الامتناع عن القربان حاصل بلا مانع، وأراد بالمانع اليمين بيانه أن المولي
من ترك قربانها في المدة، ويلزم شيء، وهنا يتمكن من قربانها بمضي الشهر من
غير شيء، فلم يكن مولياً، كما لو ترك مجامعتها في المدة من غير يمين، كذا
في " المبسوط ". وقال الأترازي: وقيل: أكثر المدة ليس بتقدير لازم، لأن
الامتناع عن القربان بلا مانع ربما يكون في أقل المدة بأن حلف لا يقربها
ثلاثة أشهر مثلاً، فبعد مضي ثلاثة أشهر يبقى شهراً آخر إلى تمام المدة،
والامتناع فيه بلا مانع لا محالة، فلو قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - في بعض المدة بدل قوله: في أكثر المدة لكان أولى، لأن
البعض أعم وأشمل. وقال الكاكي في قوله: أكثر المدة، أي مدة الإيلاء هو مثلا
بثلاثة أشهر قوله بلا مانع وهو لزوم شيء. قيل: هو مشكل لجواز أن يحلف على
ثلاثة أشهر، فلا يكون الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، وأجيب
عنه: أن وضع المسألة في الأصل فيمن حلف لا يقربها شهرا فعند الجمهور لا
يكون موليا. وعند ابن أبي ليلى يكون موليا حتى لو لم يقربها أربعة أشهر
تطلق، وقال في جوابه: الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، لأن
المانع وهو اليمين معدوم في ثلاثة أشهر من هذه المدة. وقيل: المراد بالأكثر
أربعة أشهر وهو جمع المدة، سماها أكثر باعتبار هذا الحلف، لأنها أكثر منها،
وإذا كان كذلك فلا شك أن المانع غير موجود في جميع الصور التي دون تلك
المدة. وإن وجد المانع في البعض لانتفاء المجموع بانتفاء البعض، وهذا ضعيف،
وإنما يصح أن لو قال أكثر المدتين، كذا في " الكافي ". وقيل: لفظ الأكثر
وقع مقحماً.
م: (وبمثله) ش: أي ومثل هذا الامتناع وهو بلا مانع يمين م: (لا يثبت حكم
الطلاق فيه) ش: لأنه يمكنه القربان في بعض المدة بلا شيء فلا يتحقق
الإيلاء.
[قال والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين
الشهرين]
م: (ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه
جمع بينهما بحرف الجمع) ش: وهو الواو م: (فصار كالجمع بلفظ الجمع) ش: وفي
بعض النسخ م: (فصار كجمعه) ش: أي كجمع المولي بلفظ الجمع، أي فصار كأنه
قال: لا أقربك أربعة أشهر، فيكون مولياً، وما حكي فيه خلاف. ولهذا لو قال:
لا أكلمك يوماً ويومين يصير مدة اليمين ثلاثة أيام، وكذا لو
(5/494)
ولو مكث يوما ثم قال: والله لا أقربك شهرين
بعد الشهرين الأولين لم يكن موليا؛ لأن الثاني إيجاب مبتدأ، وقد صار ممنوعا
بعد اليمين الأولى بشهرين، وبعد الثانية أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه، فلم
تتكامل مدة المنع.
ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوما لم يكن موليا، خلافا لزفر، وهو يصرف
الاستثناء إلى آخرها اعتبارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: بعت هذا إلى شهرين وشهرين كان الأجل شهرين كذا في " قاضي خان ". وفي "
جوامع الفقه " قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين وشهرين قبل شهرين، أو قال:
وشهرين بعد شهرين، فهو كقوله أربعة أشهر.
م: (ولو مكث يوماً) ش: صرح قاضي خان يوماً أو ساعة، وكذا صرح المحبوبي
ساعة، وقيل: تكرير اليمين في مجلسين أو مجالس، وهما أقل من يوم متحد يخير
عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فقيد مكثه بيوم لتكون المسألة اتفاقية م: (ثم
قال: والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن مولياً) ش: وبه قال
الشافعي وأحمد وأبو ثور م: (لأن الثاني) ش: أي الكلام الثاني م: (إيجاب
مبتدأ) ش: أي إيجاب يمين مبتدأ م: (وقد صار ممنوعاً بعد اليمين الأولى
بشهرين، وبعد الثانية) ش: أي اليمين الثانية م: (أربعة أشهر إلا يوما مكث
فيه فلم تتكامل مدة المنع) ش: فلا يكون موليا. والأصل في ذلك أنه إذا لم
يعد اسم الله تعالى في المعطوف ولا حرف النفي، ولم يمكث بينهما ساعة دخل
المعطوف في حكم المعطوف عليه، كما في المسألة الأولى. وأما إذا فات أحد
الأمور المذكورة فقد كان إيجابا مبتدأ وعلى هذا لا يكون في المسألة الثانية
مولياً لفوات الأمور الثلاثة لوجود المكث يوماً، إعادة اسم الله وحرف
النفي، فقد صار ممنوعاً إلى آخر ما ذكره المصنف، وإذا لم يكن مولياً هنا
يكون كلامه يمينين مستثنيين، ويلزمه بالقربان كفارتان.
[قال والله لا أقربك سنة إلا يوما]
م: (ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً لم يكن مولياً) ش: في حق وقوع
الطلاق، ولكن لو قربها في هذه المدة تلزمه الكفارة، قاله تاج الشريعة. وقال
الأترازي: المراد من قوله: لم يكن مولياً أي في الحال، لأنه يكون مولياً
إذا قربها يوماً ومضى ذلك اليوم بغروب الشمس، وبقي بعده، أي تمام السنة
أربعة أشهر فصاعداً. فإن لم يبق أربعة أشهر لا يكون موليا إلا إذا قربها
مرة فبقي بعد القربان في السنة أربعة أشهر فصاعدا، وعلى ذلك نص في "
المبسوط " و " شرح الطحاوي ".
م: (خلافاً لزفر) ش: فإنه يكون مولياً عنده، وبه قال الشافعي. وذكر شمس
الأئمة البيهقي في كتاب " الشامل " فيه قياس واستحسان. وقال: يصير مولياً
قياساً، ولا يصير مولياً استحساناً، ولم يذكرهما الحاكم في " الكافي " وشمس
الأئمة السرخسي في مبسوطه، وهو " شرح الكافي "، وكذا لم يذكرهما في " شرح
الطحاوي " وغير ذلك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يصرف الاستثناء) ش: وهو قوله:
إلا يوماً م: (إلى آخرها) ش: أي إلى آخر السنة م: (اعتباراً
(5/495)
بالإجارة تمت مدة المنع. ولنا أن المولي من
لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه، وهاهنا يمكنه، لأن المستثنى
يوم منكر بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف إلى الآخر لتصحيحها فإنها لا تصح مع
التنكير ولا كذلك اليمين. فإن قربها في يوم والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار
موليا لسقوط الاستثناء. ولو قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته
بها لم يكن موليا؛ لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من
الكوفة. قال: ولو حلف بحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالإجارة) ش: أي كما إذا آجر داره سنة إلا يوماً، ولهذا لو قال: والله لا
أقربك السنة إلا نقصان يوم، يصرف اليوم إلى آخر السنة بالاتفاق، م: (تمت
مدة المنع) ش: أي فيصرف الاستثناء إلى آخر السنة تتم مدة المنع.
م: (ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه وهاهنا
يمكنه) ش: أي يمكن المولي هنا قربان المرأة بلا شيء يلزمه في يوم واحد، أي
يوم كان من أيام السنة فلا يكون مولياً، وبين هذا بقوله م: (لأن المستثنى
يوم منكر) ش: مجهول شائع في فصول السنة، فلا يعتبر صرفه إلى آخر السنة
إجراء لكلامه على حقيقته، لأن اليمين مع الجهالة لا يصح بلا ضرورة أن يراد
به آخر السنة م: (بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف) ش: أي صرف اليوم م: (إلى
الآخر) ش: أي إلى آخر السنة م: (لتصحيحها) ش: أي لتصحيح الإجارة م: (فإنها)
ش: أي فإن الإجارة م: (لا تصح مع التنكير) ش: لعدم حصول المقصود، وهو
التمكن من استيفاء المنفعة.
م: (ولا كذلك اليمين) ش: لأنها تصح مع الجهالة كما ذكرنا، فافترقت
المسألتان م: (فإن قربها في يوم) ش: وفي بعض النسخ ولو قربها في بعض يوم،
أي في المسألة المذكورة م: (والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار مولياً لسقوط
الاستثناء) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب.
[قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته
بها هل يكون موليا]
م: (ولو قال وهو بالبصرة) ش: أي والحال أنه كان بالبصرة م: (والله لا أدخل
الكوفة وامرأته بها) ش: أي والحال أن امرأته بالكوفة م: (لم يكن مولياً،
لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة) ش: لوكيله أو
نائبه قبل مضي أربعة أشهر فيقربها فلا يتحقق معنى الإيلاء. وقال الحاكم
الشهيد في " الكافي ": وإن حلف لا يقربها في مكان كذا، أو في مصر كذا أو في
أرض العراق لم يكن مولياً، لأنه يقدر أن يخرجها من أرض العراق قبل مضي
أربعة أشهر فيطأها بغير حنث.
وقال ابن أبي ليلى: هو مول. وفي " جوامع الفقه ": لو كان في بلد وامرأته في
بلد آخر، وقال: والله لا أدخل وبينهما أقل من ثمانية أشهر لا يصير مولياً
لجواز أنها تخرج فيلقيان في أقل من أربعة أشهر. وفي المرغيناني، وقاضي خان:
لو كان بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر ففيؤه باللسان، ولم يعتبر خروج كل
واحد منهما إلى صاحبه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو حلف بحج) ش: إن قربتك فعلي حج البيت أو
العمرة أو
(5/496)
أو بصوم أو بصدقة أو عتق أو طلاق فهو مول
لتحقق المنع باليمين وهو ذكر الشرط والجزاء، وهذه الأجزية مانعة لما فيها
من المشقة،
وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده، وفيه خلاف أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول يمكنه البيع، ثم القربان فلا يلزمه شيء، وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشي إلى بيت الله م: (أو بصوم) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي صوم سنة م: (أو
صدقة أو عتق) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي عتق رقبة م: (أو طلاق) ش: بأن قال:
إن قربتك فضرتك طالق م: (فهو مول) ش: في كل الصورة المذكورة على ظاهر
الرواية عن أصحابنا، ففي بعضها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى م: (لتحقق
المنع) ش: عن القربان م: (باليمين، وهو ذكر الشرط والجزاء وهذه الأجزية) ش:
أشار بها إلى الحج والصوم والصدقة والعتق والطلاق م: (مانعة) ش: أي مانعة
من الشرط، يعني أن الجزاء الذي في وقوعه مشقة على الحالف مانع من مباشرة
الشرط م: (لما فيها) ش: أي في الأجزية م: (من المشقة) ش: لأنه إذا باشر
الشرط يقع الجزاء لا محالة، فتحصل المشقة، فيكون الجزاء مانعاً، وبقولنا
قال مالك في الأظهر.
وعنه أن الإيلاء لا يكون إلا باليمين بالله تعالى، أو بصفاته الذاتية، كقول
الظاهرية، وقال ابن عباس: كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وبه قال الشعبي
والنخعي وأهل الحجاز وأهل العراق وأبو ثور وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر.
وقال ابن المنذر: الصحيح في قول الشافعي بمصر أن كل يمين منعت الجماع فهي
إيلاء، وهذا هو الجديد. ولو قال: إن قربتك فعلي صلاة أو صلاة ركعتين أو
(..) فليس بمول. وقال محمد: مول، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر والحسن،
وهو قول أبي يوسف أولاً. ولو قال: فعلي اتباع الجنازة أو سجدة التلاوة أو
قراءة القرآن أو الصلاة في بيت المقدس، أو تسبيحة فليس بمول اتفاقا. ولو
قال: فعلي أن أتصدق بكذا على هذا المسكين لم يصح، لأنه لما عين كان حق
العبد، وكذا في مالي هبة في المساكين لم يصح، إلا أن ينوي التصدق به.
وفي الخزانة: عن أبي حنيفة قال: إن قربتك فعلي أن أتصدق بهذه الدراهم على
هؤلاء المساكين لم يصر مولياً. ولو قال: والله لا أقربك حتى ينزل عيسى بن
مريم أو يخرج الدجال أو يأجوج ومأجوج أو الدابة أو تطلع الشمس من مغربها
فهو مول استحساناً، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. ولو قال: والله لا أقربك
حتى تصعدي السماء أو حتى يشيب الغراب فهو يصير مولياً.
[يعلق بقربان زوجته عتق عبده]
م: (وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده) ش: إنما عين بيان صورة
الحلف بقربان امرأته بعتق عبده، لأن فيه خلافا لأبي يوسف، ذكره شمس الأئمة
السرخسي في مبسوطه أشار إليه بقوله م: (وفيه خلاف أبي يوسف، فإنه) ش: أي
فإن أبا يوسف م: (يقول: يمكنه البيع) ش: بأن يبيع عبده م: (ثم القربان) ش:
أي ثم يمكنه قربان امرأته بعد بيع العبد م: (فلا يلزمه شيء وهما) ش:
(5/497)
يقولان البيع موهوم، فلا يمنع المانعية
فيه، والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاقها أو طلاق صاحبتها، وكل ذلك
مانع.
وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليا، وإن آلى من البائنة لم يكن موليا؛
لأن الزوجية قائمة في الأولى دون البائنة، ومحل الإيلاء من تكون من نسائنا
بالنص، فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية.
ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك أو أنت علي كظهر أمي ثم تزوجها لم يكن
موليا ولا مظاهرا؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلا لانعدام المحلية، فلا
ينقلب صحيحا بعد ذلك. وإن قربها كفر لتحقق الحنث؛ إذ اليمين منعقدة في حقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان: البيع موهوم) ش: يعني يحتمل أن يبيع،
ويحتمل أن لا يبيع م: (فلا يمنع المانعية فيه) ش: أي في الإيلاء، ولكن إن
باع العبد سقط الإيلاء، إلا أنه صار بحال يملك قربانها من غير أن يلزمه
شيء، فإن اشتراه لزمه الإيلاء من وقت الشراء، وكذا إن ملكه بإرث خلافاً
لمالك. ولو جامعها بعدما باعه ثم اشتراه لم يكن موليا لسقوط اليمين، لوجود
شرط الحنث بعد بيع العبد. فإن مات العبد قبل أن يبيعه سقط الإيلاء، لأنه
يمكنه من قربانها بعد موته من غير أن يلزمه شيء.
م: (والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاق أو صلاة صاحبتها) ش: ذكر في "
شرح الطحاوي " و" المختلف " أن أبا يوسف قال: لا يكون مولياً م: (وكل ذلك
مانع) ش: أي كل الأجزية المذكورة مانع من الوطء على ما ذكرنا.
[آلى من المطلقة الرجعية]
م: (وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً) ش: بإجماع الأئمة الأربعة
وجمهور العلماء إلا رواية عن أحمد م: (وإن آلى من) ش: المطلقة م: (البائنة
لم يكن مولياً؛ لأن الزوجية قائمة في الأولى) ش: أي في المطلقة الرجعية م:
(دون البائنة) ش: أي دون المطلقة البائنة م: (ومحل الإيلاء من أن تكون من
نسائنا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] (البقرة: الآية 226) ، وبعد الإبانة تنتفي
الزوجية، لكنها إذا وطئها تلزمه الكفارة، إلا أنه ليس بمول في حق الطلاق
دون الكفارة، بخلاف المعتدة الرجعية، حيث يصح إيلاؤها لقيام الزوجية، لأن
وطأها مباح عندنا م: (فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء
لفوات المحلية) ش: أي لأن محل الإيلاء فات. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي
": ولو آلى من أمته أو أم ولده لم يكن مولياً، وإن قربها كفر.
م: (ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك، أو أنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها لم
يكن مولياً ولا مظاهراً؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلاً لانعدام المحلية
فلا ينقلب صحيحاً بعد ذلك) ش: أي بعد وقوع الكلام باطلاً م: (وإن قربها كفر
لتحقق الحنث إذ اليمين منعقدة في حقه) ش: أي في حق الحنث، هذا في قوله:
والله لا أقربك لا في قوله: أنت علي كظهر أمي، لأن الأولى يمين دون
(5/498)
ومدة إيلاء الأمة شهران لأن هذه المدة ضربت
أجلا للبينونة فتتنصف بالرق كمدة العدة.
وإن كان المولي مريضا لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة، أو رتقاء،
أو صغيرة لا تجامع، أو كانت بينهما مسافة لا يقدر أن يصل إليها في مدة
الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه فئت إليها في مدة الإيلاء، فإن قال ذلك سقط
الإيلاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثانية.
[مدة إيلاء الأمة]
م: (ومدة إيلاء الأمة شهران) ش: حرا كان زوجها أو عبدا، وهو قول عمر بن
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه قال الحسن والشعبي وقتادة
والنخعي والثوري، وهو رواية عن مالك وأحمد، والمشهور من مذهب مالك إيلاء
العبد شهران على الحرة والأمة، وهو قول عطاء والزهري وإسحاق، ورواية أحمد.
وقال الشافعي وأحمد في ظاهر الرواية عنه وابن المنذر والظاهرية إن الحر
والعبد والحرة والأمة سواء، ومدة الكل أربعة أشهر، وبه قال أبو ثور وأبو
سليمان، ومدة إيلاء الأمة شهران.
م: (لأن هذه المدة) ش: أي مدة الإيلاء م: (مدة ضربت أجلاً للبينونة، فتتنصف
بالرق) ش: أي بسبب الرق، كما في طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان م: (كمدة
العدة) ش: حيث ينصف الرق وقال الأترازي: لي فيه نظر، أي في تعليل المصنف
بقوله مدة ضربت أجلاً، لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن مدة الإيلاء شرعت
أجلاً للبينونة، لأن عند مالك والشافعي يكون الزوج مخيرا بعد انقضاء المدة
بين أن يفيء إليهما أو يطلق، فإن طلقها يكون له عليها الرجعة ما دامت في
العدة، فلا يكون حينئذ مدة الإيلاء أجلاً للبينونة، فلا يصح قياسها على مدة
العدة لعدم الجامع بين المقيس والمقيس عليه، وهو كون المدة أجلاً للبينونة،
انتهى. قلت: الجامع موجود فيكون الرق منصفا لحل المحلية.
[المولي مريضا لا يقدرعلى الجماع أو كانت
المرأة مريضة أو رتقاء]
م: (وإن كان المولي مريضاً لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة أو
رتقاء) ش: أي بينة الرتق، يعني لم يكن لها طرق إلى الميال م: (أو صغيرة لا
تجامع) ش: مثلها م: (أو كانت بينهما مسافة) ش: بأن يكون بينهما مسافة بأن
يكون مسيرة أربعة أشهر فصاعداً م: (لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء
ففيؤه أن يقول بلسانه: فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء) ش: وإن قربها
كفر.
وفي " جوامع الفقه ": لو عجز عن جماعها لرتقها أو قرنها أو صغرها أو الجب
أو العنة، أو كان أسيرا في دار الحرب، أو لكونها ممتنعة، أو كانت في مكان
لا يعرف وهي ناشزة، أو بينهما أربعة أشهر أو حال القاضي بينهما بشهادة
الطلاق الثلاث، ففيؤه باللسان بأن يقول: فئت إليها أو رجعت أو راجعتها أو
ارتجعتها أو أبطلت إيلاءها بشرط تمام العجز إلى تمام المدة.
وفي البدائع أو كان محبوساً. وفي شرح الطحاوي: أو آلى منها وهي مجنونة أو
هو محبوس، أو كانت بينهما أقل من أربعة أشهر، إلا أن السلطان والعدو يمنعه
من ذلك لا يكون
(5/499)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا فيء
إلا بالجماع، وإليه ذهب الطحاوي لأنه لو كان فيئا لكان حنثا. ولنا أنه
آذاها بذكره المنع، فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان، وإذا ارتفع الظلم لا
يجازى بالطلاق. ولو قدر على الجماع في المدة بطل ذلك الفيء، وصار فيؤه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيؤه باللسان. قال: ويمكن أن يفرق بين القولين في الحبس بأن يحمل ما ذكر في
" شرح المختصر " على إمكان الوصول إلى السجن وأن تدخل عليه ليجامعها، ومنع
العدو والسلطان نادر على شرف الزوال والحبس بحق لا يعتبر في الفيء باللسان،
وبظلم يعتبر كالغالب.
وفي " خزانة الأكمل ": المريض فيؤه بقلبه ولسانه، وفيه أيضا لو كانت مريضة
أو صغيرة لا يجامع مثلها ففيؤه بالرضا بالقلب، وفي المرغيناني: لا يكون
الفيء بالقلب. بالقلب. وذكر الجرجاني لو فاء بقلبه، ولم يتكلم بلسانه ومضت
المدة إن صدقته كان فيئاً. وفي المغني قال في الفيء متى قدرت جامعتك.
م: (وقال الشافعي: لا فيء إلا بالجماع) ش: وهو قول سعيد بن جبير، وبه قال
أبو ثور، واختاره الناطقي م: (وإليه ذهب الطحاوي) ش: أي إلى قول الشافعي
ذهب الإمام أبو جعفر الطحاوي على ما نقل عنه فخر الإسلام في " شرح الجامع
الصغير ". قال الأترازي: فيه نظر، لأن الطحاوي جعل في المولي باللسان إن
كان بينه وبين امرأته مسيرة أربعة أشهر وأكثر منها، أو آلى وهو مريض، أو هي
مريضة لا سعة إلى قربها في "مختصره".
قلت: نظره غير وارد، لأن الذي نقله عنه يرد نظره، لأنه جعل ذلك عند العجز،
وأما عند القدرة فالفيء بالجماع هو الأصل، وكذلك نقل عن الشافعي حيث قالوا:
ولا خلاف للشافعي، إذ الفيء باللسان إنما يعتبره عند العجز عن الوطء.
م: (لأنه لو كان فيئا لكان حنثاً) ش: لأن المعلق بالفيء حكمان: الكفارة
وامتناع حكم الفرقة، ثم الفيء باللسان لا يعتبر في حق الكفارة، فكذا في
الآخر. وتحقيقه عن الفيء رجوع عن الظلم المعلق بالبر، فيكون الفيء بترك
البر وترك البر بما يضاده، وهو الحنث إذا لم يكن الفيء باللسان حنثا لا
يصير به الإنسان تاركاً للبر، فلا يكون فيئاً.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الزوج م: (آذاها) ش: أي آذى المرأة م: (بذكره
المنع) ش: أي بمنع حقها من الجماع م: (فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان) ش:
لأن الزوج إذا كان عاجزا عن الجماع حالة الإيلاء لم يكن قصده الإضرار
بمنعها حقها في الجماع، إذ لا حق لها فيه حينئذ، وإنما قصده الإيحاش
باللسان، ومثل هذا الظلم يرتفع باللسان م: (وإذا ارتفع الظلم لا يجازى
بالطلاق) ش: لأن التوبة تجب الجناية م: (ولو قدر على الجماع في المدة) ش:
وفي بعض النسخ فإن قدر، أي المولي المريض على أن يجامعها في مدة الإيلاء م:
(بطل ذلك الفيء) ش: الذي كان باللسان م: (وصار فيؤه
(5/500)
بالجماع، لأنه قدر على الأصل قبل حصول
المقصود بالحلف. وإذا قال لامرأته أنت علي حرام سئل عن نيته، فإن قال: أردت
الكذب فهو كما قال؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، قيل لا يصدق في القضاء، لأنه
يمين ظاهرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالجماع، لأنه قدر على الأصل) ش: الذي هو بالجماع م: (قبل حصول المقصود
بالحلف) ش: وهو الفيء باللسان، فصار كالمتيمم إذا وجد الماء في خلاله
صلاته، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة.
[قال لامرأته أنت علي حرام]
م: (وإذا قال لامرأته أنت علي حرام) ش: هذا كلام مبهم محتمل وجوه، ولا
يمتاز البعض عن البعض إلا بالإرادة، ولأجل ذلك قال م: (سئل عن نيته، فإن
قال: أردت الكذب فهو كما قال) ش: يعني يكون كذبا م: (لأنه نوى حقيقة كلامه)
ش: لأنها حلال له، فلا يقع به طلاق الإيلاء، ولا غير ذلك م: (وقيل: لا يصدق
في القضاء؛ لأنه يمين ظاهر) ش: لأنه تحريم الحلال. وأما فيما بينه وبين
الله تعالى فيصدق، وهذا القول منقول عن الطحاوي والكرخي فإنهما قالا في
"مختصريهما" إنه لا يصدق في إبطال الإيلاء في القضاء.
وقد اختلف أهل العلم في لفظة الحرام اختلافا شديداً يرتقي إلى خمسة عشر
مذهباً:
الأول: أنه سئل عن نيته، وهو قول أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عباس،
وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال الحسن البصري،
وعطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ورواية عن أحمد، وسليمان بن
يسار، وقتادة، والأوزاعي، وأبو ثور. وكان ابن عباس يقول: هو يمين.
الثاني: أن الحرام ثلاث، روي ذلك عن علي وزيد بن ثابت، وابن عمر، وبه قال
الحكم، وابن أبي ليلى، ومالك إلا أنه قال: ينوي في غير المدخول بها.
الثالث: أن فيه كفارة الظهار مروي عن ابن عباس، وبه قال أبو قلابة وأحمد.
الرابع: هو على ما نوى ثنتان فثنتان، هذا قول الزهري، وزفر.
الخامس: أنه تطليقة بائنة لا غير، وهو قول حماد بن أبي سليمان.
السادس: التوقف فيه، روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال:
ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك، ولا آمرك أن تتقدم وإن شئت فاختر.
السابع: إذا لم تكن نيته فليس بشيء، روي ذلك رواية أخرى عن النخعي وعند
الشافعية فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مثل الرواية عن النخعي. الثاني: أن فيه الكفارة. والثالث: صريح في
حرمة الأمة كناية في حق الحرة. وإن نوى به الطلاق فهي طلقة رجعية، وإن نوى
ثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى. وإن نوى ظهارا فهو ظهار، وإن نوى التحريم
فليس فيه إلا الكفارة.
(5/501)
وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة إلا
أن ينوي الثلاث، وقد ذكرناه في الكنايات، وإن قال أردت الظهار فهو ظهار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثامن: قاله مسروق والشعبي وهو مثل تحريم بضعة منها ليس بشيء، وبه قال أبو
سلمة بن عبد الرحمن.
التاسع: هو على ما نوى في الواحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن لم يكن
له نية فليس بشيء، وهو مذهب الثوري.
العاشر: أنها تصير حراماً بذلك، ولم يذكروا خلافا، يروى ذلك عن أبي هريرة،
وخلاس ابن عمرو، وجابر بن زيد أنهم أجروه باجتنابها فقط.
الحادي عشر: إن نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهي واحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث،
وإن نوى ثنتين فثنتين، يروى ذلك عن إبراهيم وعليه المتأخرون من مشايخنا إلا
في نية الثنتين، فإنه لا يصح عند أئمتنا الثلاثة.
الثاني عشر: هو يمين، لكن كفارته عتق رقبة، روي ذلك عن ابن عباس، وقال
المتأخرون: وهو يمين فقط.
والثالث عشر: هو يمين في غير الزوجة، وليس يمين في الزوجة، يروى عن الحسن
ووجه للشافعية.
والرابع عشر: ليس بشيء في الأمة، ولا في الزوجة والطعام كالأمة، وبه قال
مالك.
والخامس عشر: إن ذلك باطل وكذب، وهي زوجة، وإن زاد كالميتة والدم ولحم
الخنزير، ونوى بذلك حكم الطلاق أو لم ينو، ذكره ابن حزم في " المحلى "،
وزعم أنه مذهب ابن عباس، والشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي سليمان
الخطابي، وجميع الظاهرية.
م: (وإن قال: أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة، إلا أن ينوي الثلاث) ش: لأنه
من ألفاظ الكنايات يقع على الأدنى مع احتمال الكل، وإذا نوى ثنتين كانت
واحدة بائنة عندنا، إلا أن اللفظ لا يحتمل العدد، خلافا لزفر، إلا إذا كانت
المرأة أمة فحينئذ يقع الثنتان، لأن ذلك جنس طلاقها.
م: (وقد ذكرناه في الكنايات) ش: أشار به إلى أنه تقدم البحث في الكنايات.
م: (وإن قال: أردت الظهار فهو ظهار) ش: هكذا ذكره القدوري، ولكنه ليس بظاهر
الرواية عن أصحابنا، ولهذا لم يذكر الطحاوي والحاكم الشهيد في مختصريهما
حكم ما إذا نوى الظهار، وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ناقلاً عن " النوادر " أنه ينوي ظهارا عند أبي
(5/502)
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما
الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بظهار لانعدام التشبيه
بالمحرمة، وهو الركن فيه. ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة،
والمطلق يحتمل المقيد.
وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئا فهو يمين يصير به موليا؛ لأن الأصل
في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا وسنذكره في الأيمان إن شاء الله. ومن
المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف، والله
أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حنيفة وأبي يوسف، أشار إليه المصنف بقوله م: (وهذا) ش: أي كونه ظهاراً م:
(عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة)
ش: ولم يوجد التشبيه لعدم حرف التشبيه وهو الكاف، فلم تصح نيته م: (وهو
الركن فيه) ش: أي التشبيه المذكور هو الركن في الظهار.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي القائل بقوله: أنت
علي حرام م: (أطلق الحرمة) ش: حيث لم يقيدها بشيء، والمرأة تارة تكون محرمة
بالطلاق، وتارة بالظهار، ومطلق الحرمة يحتمل المقيد م: (وفي الظهار نوع
حرمة) ش: لأنه إذا قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فقد حرمت عليه حتى يكفر
عن ظهاره م: (والمطلق يحتمل المقيد) ش: ومن نوى محتمل كلامه صدق.
م: (وإن قال: أردت التحريم أو لم أرد به) ش: أي قال: لم أرد به م: (شيئا
فهو يمين يصير به موليا) ش: حتى إذا قربها كفر عن يمينه. وإن لم يقربها حتى
مضت أربعة أشهر بانت بالإيلاء، أما إذا أراد التحريم فإنما يكون يمينا، لأن
تحريم المباح يمين، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلى قَوْله تَعَالَى:
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أول
التحريم، وأما إذا لم يرد شيئا فلأن الحرمة الثابتة باليمين أدنى الحرمات،
لأن في الإيلاء الوطء حلال قبل الكفارة، وفي الظهار ليس كذلك، وإذا أريد به
الطلاق وقع بائنا، ويحرم الوطء، والإيلاء لا يحرم الوطء، فلما كانت حرمة
اليمين أدنى الحرمات تعينت لتيقنها م: (لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو
اليمين عندنا) ش: لأن تحريم الحلال ليس من العبد بل من الله تعالى، لأنه
قلب المشروع، لكن العبد يمنع نفسه عن ذلك الشيء، فإذا باشره فعليه الكفارة
م: (وسنذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: أي سنذكر هذا الفصل في كتاب
الأيمان إن شاء الله عز وجل.
م: (ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق) ش: في قوله لها: أنت علي
حرام م: (من غير نية بحكم العرف) ش: لأن العادة جرت بين الناس في زماننا
هذا أنهم يريدون الطلاق بهذا، وأراد من المشايخ أبا بكر الإسكاف وأبا بكر
بن سعيد، والفقيه أبا جعفر الهندواني وهو من كبار علمائنا الماضين ببلخ،
فإنهم قالوا: يقع الطلاق. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، وكذا الجواب في
قوله: كل حل علي حرام، وحلال الله علي حرام، أو قال: حلال المسلمين علي
حرام.
(5/503)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي الذخيرة هذا كله طلاق بائن باتفاق، وإن كان له أربع نسوة وقع على كل
واحدة طلقة بائنة. وفي "فتاوى" الأذرجندي والإمام مسعود بن الحسين الكشافي
أنه يقع واحدة، والبيان إليه.
قال صاحب الذخيرة: وهو الأظهر والأشبه، وفيه: لو قال: علي حرام ولم تكن له
امرأة لم يلزمه شيء، لأنه يمين بالطلاق ولا زوجة له. فإن تزوج امرأة وباشر
الشرط اختلفوا فيه، قال أبو جعفر: تبين الزوجة. وقال غيره: لا تبين، وبه
أخذ الفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى. ولو قال: أنت حرام ألف مرة فهي واحدة.
ولو طلق الحرة ثم قال: أنت علي حرام ينوي ثنتين لا تصح نيته، وإن نوى
الثلاث صحت ويقع طلقتان أخريان، وإن لم ينو اليمين فهي يمين، لأن تحريم
الحلال يمين، واليمين في الزوجات إيلاء، ولو قال: أنتما علي حرام فنوى
الثلاث في إحداهما وواحدة في الأخرى كان كما نوى عند أبي حنيفة، ذكره
المرغيناني.
ولو قال: أنت معنى في الحرام، ولو قال: أنا عليك حرام، أو قال: حلال،
فقالت: أنت معنى أو علي مثل ما أنت على جميع أهل المصر فهي طالق إن نواه.
ولو قال: الطلاق يلزمني يقع واحدة، وهذا الكلام ناشئ عن أهل مصر.
فروع: آلى من امرأته ثم قال لأخرى: أشركتك في إيلاء هذه كان باطلاً. ولو
قال: أنت علي حرام ثم قال لأخرى: أشركتك معها كان مولياً منهما، وكذا لو
قال: إن وطئتك فعبدي هذا حر فمات العبد أو أعتقه بطل الإيلاء، وبه قال
الشافعي ومالك وأحمد. ولو قال: والله لا وطئتك في الدبر، أي فيما دون الفرج
لم يصر مولياً، خلافاً لمالك.
ولو قال: والله لا أجامعك إلا جماع سوء، سئل عن نيته، فإن قال: أردت الوطء
في الدبر صار مولياً، ولو قال: أردت به جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء
الختانين لم يكن موليا، ولو قال: أردت التقاء الختانين فهو مول، كما لو
قال: والله لا أطؤك إلا فيما دون، فإن لم يكن له نية فليس بشيء. ولو قال:
إن قربتك فعلي أن أمش في السوق لا يكون موليا عند الجمهور، إلا رواية عن
أحمد.
ولو قال الذمي: والله لا أقربك فهو مول عند أبي حنيفة، لأنه من أهل الطلاق،
وبه قال الشافعي، وكذا ظهاره، وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال مالك: يسقط
بإسلامه، وقال أبو يوسف ومحمد: إن حلف بالله لا يصير موليا، ولو حلف بالعتق
والطلاق يصير مولياً، ولو حلف بالصوم والحج والعمرة والصدقة لا يصير موليا
بالطلاق بالاتفاق. ولو آلى مسلم من امرأته ثم أسلم ثم تزوجها يكون موليا
عند أبي حنيفة.
(5/504)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو يوسف عنه يبطل إيلاؤه، ولو قال: ظاهرت ثم ارتد ثم أسلم فهو على
ظهاره في قول أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده. ولو أبانها في مدة الإيلاء ثم
قربها بطل إيلاؤه، ولو ظاهر ثم ارتد أسلم فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وقالا: يسقط، وروى زفر عن أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده، ولو أبانها في مدة
الإيلاء ثم قربها بطل إيلاؤه للحنث، ولو فاء إليها بلسانه وهي مبانة لا
يبطل ويقع الطلاق بمضي مدة الإيلاء لعدم صحة الفيء باللسان بعد البينونة،
وكذا لا يصح بعد مضي مدة الإيلاء.
وإن اختلفا في الفيء بعد بقاء المدة فالقول للزوج، لأنه يملك الفيء وبعد
مضي المدة فالقول لها، لأنه ادعى الفيء في حالة لا يملك فيها الفيء.
(5/505)
|