البناية شرح الهداية

باب الخلع وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الخلع] [تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله]
م: (باب الخلع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الخلع. وقال الأترازي: الخلع اسم من الانخلاع، وكذا قال الكاكي. وقال الأكمل: الخلع بالضم اسم من قولهم خلعت المرأة زوجها، واختلعت عنه بمالها.
قلت: قال الجوهري خلع ثوبه ونعليه، وقاء مدة خلعا وخلع عليه خلعا، وخلع امرأته خلعا بالضم انتهى، فدل كلامه أن الخلع بالضم والخلع بالفتح كلاهما مصدران غير أن الفرق بينهما أنه إذا كان بمعنى النزع الحقيقي يستعمل بالفتح، فإذا كان بمعنى المجاز يستعمل بالضم، لأن كلا من الزوجين لباس لصاحبه، كما قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، فإذا فعلا ذلك فإنهما نزعا لباسهما، فيكون من باب ترشيح الاستعارة، والفرق بينه وبين التجريد أن ترشيح الاستعارة ينظر فيه إلى جانب المستعار منه كقولك: رأيت بحرا جاريا، والتجريد ينظر فيه إلى جانب المستعار له، كقولك: رأيت بحر ماء أحسن من مائه، فالخلع من باب الترشيح على ما لا يخفى.
وقال الجوهري أيضاً: خالعت المرأة بعلها إذا رضي على طلاقها ببدل منها له فهي خالع والاسم الخلع، وقد تخالعا فاختلعت فهي مختلعة. وخلع الوالي عزل، وأما معناه الشرعي فهو عبارة عن أخذ مال من المرأة بأن النكاح بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق، وحكمه حكم الطلاق البائن، وصفته أنه من جانب المرأة معاوضة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أو يمين من الجانبين عندهما على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
م: (وإذا تشاق الزوجان) ش: أي إذا اختصما واختلفا، مشتق من الشق، وهو الجانب، فكأن الزوجين إذا تخاصما وتجادلا يأخذ كل واحد شقا خلاف شق صاحبه م: (وخافا) ش: أي علما، لأن الخوف من لوازم العلم، والمراد من الخوف العلم، قاله أبو عبيد (أن لا يقيما حدود الله) ش: أي ما يلزمهما من حقوق الزوجية م: (فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به) ش: الضمير في نفسها يرجع للمرأة لأن لفظ الزوجين يدل عليه، وفي: منه، يرجع إلى الزوج بالوجه المذكور والضمير المستتر في: يخلعها، يرجع إلى الزوج والبارز: التاء إلى المرأة، وفي به يرجع إلى المال.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ش: أي فلا إثم على الزوجين لا على الرجل فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت فداء من فداه من أسر إذا استنقذ،

(5/506)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولما أن النساء عوان عند الأزواج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى النساء أسارى في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان» رواه الترمذي. والعواني يعني عانية، والذكر عانن وهو الأسير. وروى البخاري في حديث علي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإيمان، انتهى. أي لشدة بغضها إياه لقضامة وجهه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقبل الحديقة وطلقها» .
والآية نزلت في ثابت وامرأته، وهو أول خلع في الإسلام، قاله الزمخشري، واختلفوا في امرأة ثابت بن قيس، فقيل: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سلول، وسلول اسم أمه، وزينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، والأول أكثر، وإنما قال: لا بأس بأن تفتدي نفسها، لأن الطلاق أبغض المباحات عند الله تعالى.
وروى الترمذي من حديث ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المختلعات هن المنافقات» وقال: غريب، وروى الترمذي أيضا عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» .
ثم اعلم أنه لم يخالف في جواز الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني، وزعم أن الآية التي دلت على جوازه منسوخة بآية النساء، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ} [النساء: 20] (النساء: الآية 30) ، وليس كذلك، لأن شرط النسخ تأخير تاريخ الناسخ والاختلاف وتعذر الجمع، ولم يوجد واحد منهما. قال ابن شبرمة وأبو قلابة: لا تحل حتى ( ... ) على بطنها رجلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] (النساء: الآية 19) .
وقالت الظاهرية: لا يجوز الخلع إلا بشرطين، إلا إذا كرهته المرأة، وخافت أن لا توفيه حقه فلها أن تفتدي نفسها بتراضيهما.
وقالت طائفة. لا يجوز الخلع إلا بإذن السلطان، يروى عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، والحسن البصري.

(5/507)


فإذا فعل ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة، ولزمها المال لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الخلع تطليقة بائنة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا أن تقول المرأة لزوجها لا أطيع لك أمراً ولا اغتسل لك من جنابة.
وقالت طائفة: لا يجوز إلا مع نشوزه وإعراضه.

م: (فإذا فعل ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (فإذا فعلا) ش: ذلك بألف التثنية، أي الزوجان إذا فعلا ذلك، أي الخلع الموصوف م: (وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال) ش: وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وشريح، والشعبي، وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد، وأبي سلمة، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومكحول، وابن أبي نجيح، وعروة، ومالك، والشافعي في الجديد، وعليه الفتوى، ذكره في " المبسوط ".
وقالت الظاهرية: تطليقة رجعية، حتى لو راجعها رد عليها ما أخذه وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: فرقة بغير طلاق، وهو قول ابن عباس والشافعي في القديم، قيل: ذكرت الشافعية أن الشافعي غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها، فمن جعلها مذهباً فقد كذب عليه، قاله إمام الحرمين وغيره ما قال إن الفتوى عليه في القديم في خمسة عشر مسألة، فذلك بالاجتهاد منهم، ولم ينسبه إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (الخلع تطليقة بائنة) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الخلع تطليقة بائنة» وأعله بعباد بن كثير الثقفي، وأسند عن البخاري قال: تركوه، وعن النسائي قال: متروك الحديث. وعن شعبة قال: أخذوا حديثه وسكتوا عنه إلا إذا خرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه قال: الخلع فرقة، وليس بطلاق انتهى. ولم يذكر أحد من الشراح دليلا لنا صحيحا في هذا.
قال الأكمل: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الخلع تطليقة بائنة» روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - موقوفا عليهم، ومرفوعاً إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى.
فهذا كما رأيت ليس بدليل صحيح، لأنه متى ثبت رواية هذا الحديث عن هؤلاء الصحابة موقوفا عليهم، متى يكون مرفوعاً. وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " فذكر مثله، غير أنه قال: أولاً ولنا ما روى البخاري، فذكر حديث ثابت بن قيس الذي ذكرناه عن قريب،

(5/508)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه اقبل الحديقة وطلقها، فهذا يدل على أن الخلع طلاق، ولكن لا يتم بهذا الدليل، لأن المدعي أنه طلاق بائن، وليس ما يدل على أنه بائن.
وقال الكاكي: روى البخاري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. وفي رواية قال: اقبل الحديقة وخل سبيلها، فدل على أنه تطليقة بائنة، ولأنه لو كان رجعيا يردها كرها فالأمر على موضوعه بالنقض.
قلت: "لفظ وخل سبيلها" وقع في رواية أبي داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بلفظ "فارقها". وقال الأترازي: وأما كون الخلع بائنا فلما روى الدارقطني في كتاب " غريب الحديث " الذي صنفه عن عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وإبراهيم قد أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده، أو يحمل على أنه شيء رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه من قرن العدول فيحمل أمره على الصلاح صيانة عن الجزاف والكذب، انتهى.
قلت: هذا الكلام بطوله لا يرد الخصم ولا يرضى به.
فإن قلت: الخصم يقول: قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ، ثم قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] بيانه أن الطلاق محصور بالثلاث بالإجماع، فلو كان الخلع طلاقا لكانت الطلقات أربعا، واللازم منتف فيقتضي الملزوم، ولأن النكاح عقد يحتمل الفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق وخيار البلوغ، فيجوز فسخه أيضا بالتراضي بالخلع كالبيع.
قلت: أجيب: عن الآية بأن الله تعالى ذكر الطلقة الثالثة بعوض وغير عوض، فلا يكون الطلاق أربعا، بيانه أن قَوْله تَعَالَى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] طلاق بغير عوض، وقَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] طلاق بعوض.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] بين حكم الطلقتين على غير وجه الخلع، ثم قال: {حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] على الطلقتين، يعني على وجه الخلع، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] أي الثالثة يلزم من جعل الخلع طلاقا كون الطلاق أربعا.
قلت: فيه تأمل، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ألا ترى أنه لا فسخ بالهلاك قبل التسليم، والملك الثابت به ضروري لا يظهر في حق الاستيفاء، والفسخ بعد الكفاءة وخيار البلوغ قبل التمام، فكان في معنى الامتناع عن الإتمام، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح

(5/509)


ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة.
وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} [النساء: 20] إلى أن قال {فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] (النساء: الآية:20) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال، فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع القيد.
فإن قلت: قال ابن حزم: حديث ثابت منسوخ لما أن رواية ابن عباس وعمله بخلاف رواية دليل نسخه.
قلت: أجاب الكاكي عن هذا بقوله: صح رجوع ابن عباس إلى قول العامة، مع أنه روي عن ابن عباس أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الخلع تطليقة بائنة. انتهى.
قلت: هذا مجرد دعوى فلا يرضى بها الخصم، فمن هو الذي صح رجوعه، وروايته فإن كان الاعتماد على تصحيح روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في الباب، فقد وقفت على حاله مع أنه روي عنه خلافه كما ذكرنا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الخلع م: (يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن) ش: سوى قوله: أنت واحدة، واعتدي، واستبرئي رحمك م: (إلا أن ذكر المال) ش: جواب عما يقال: لو كان الخلع من الكنايات لكانت النية شرطا فيه، وليست بشرط، فأجاب بقوله: إلا أن ذكر المال م: (أغنى عن النية هنا) ش: أي في الخلع، تقريره أن جانب الطلاق يتعلق بذكر المال وقبوله بمقابلة فداء نفسها، فلم يحتج إلى النية كما في حال مذاكرة الطلاق.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة م: (لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها) ش: بيانه أن الخلع يحتمل الانخلاع عن اللباس أو عن الخيرات أو عن النكاح، فلما ذكر العوض كان المراد الانخلاع عن النكاح كما مر، وذلك إشارة إلى ما ذكر من سلامة النفس عند تسليم المال م: (وذلك بالبينونة) ش: فقلنا: يكون الخلع بائناً.

م: (وإن كان النشوز) ش: من نشزت المرأة إذا استصعبت عليه وأبغضته. وقال الزجاج: هو الكراهة والإعراض من كل واحد من الزوجين عن الآخر، وكذلك النشوز يقال: نشزت المرأة عن زوجها ( ... ) ، ثم إن كان النشوز م: من قبله) ش: أي من قبل الزوج م: (يكره له أن يأخذ منها) ش: أي من المرأة م: (عوضا) ش: قليلاً كان أو كثيراً م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلى أن قال: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (النساء: الآية 20) ش: تمام الآية {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] فالزوج يشترك فيه الذكر والأنثى، كما في

(5/510)


ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال. وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلوناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] والقنطار ملء مسك ثور ذهباً أو فضة، ويقال: هو سبعون ألف دينار، ويقال: ألف ومائتا أوقية كذا قال صاحب " ديوان الأدب " والأوقية أربعون درهماً.
وقال الزمخشري: القنطار المال العظيم. والبهتان أن يستقبل الرجل بأمر قبيح، وهو بريء منه، والآية نص على كراهية أخذ العوض، ومع هذا لو أخذ العوض جاز، لأن النهي لمعنى في غيره، وهي زيادة الإيحاش، فلا يعدم مشرعيته كالبيع وقت النداء يوم الجمعة يجوز وكره ويجوز الخلع على مال، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية ابن القاسم. وقال الزهري، ومالك: لا يحل له أخذ شيء إذا كان النشوز منه، ومع ذلك لو تخالع لزمه الطلاق، ويرد ما أخذ منها.
وفي " الذخيرة " خالعها ثم قال: لم أنو به الطلاق، فإن لم يذكر بدلاً صدق قضاء وديانة، وإن ذكر لا يصدق قضاء، وفيه لو قضى يكون الخلع فسخاً، قال بعض أصحابنا: ينفذ، لأنه مروي عن ابن عباس، وقال بعضهم: لا ينفذ.
وفي كتب الشافعية الخلع طلقة إذا كان بلفظ الطلاق، وبلفظ الخلع والفسخ، والمفاداة إن نوى الطلاق فطلاق، وإن لم ينو الطلاق فثلاثة أقوال طلاق أو فسخ، أو ليس بشيء، ولفظ الخلع صريح، وفي قول كناية والمفاداة كالخلع في الأصح لا خلاف في مذهبه أن الكناية تقع بلا نية، وخالف فيه الأئمة الثلاثة.
م: (ولأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أوحشها بالاستبدال، فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال) ش: حتى لا يحصل لها ضرر من وجهين استبدال الزوج وأخذ المال م: (إن كان النشوز منها) ش: أي من المرأة م: (كرهنا له) ش: أي للزوج م: (أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) ش: وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، أما مقدار المهر فلا يكره أخذه، وهذه رواية كتاب طلاق الأصل.
م: (وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضاً) ش: أي الفضل على مقدار مهرها م: (لإطلاق ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهو بإطلاقه يشمل القليل، والكثير والمهر وغيره، وفي " التمهيد " وجوز مالك والشافعي الخلع بجميع مالها إذا كان النشوز منهما لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وعن مولاة لصفية بنت أبي عبيد اختلعت بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك ابن عمر.
وقال ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، وهو قول عكرمة ومجاهد وإبراهيم وآخرين قال عكرمة:

(5/511)


بدءا. ووجه الأخرى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس: أما الزيادة فلا، وقد كان النشوز منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يأخذ منها حتى مرطها، وقال إبراهيم ومجاهد: يأخذ منها عقاص رأسها، وفي " المحلى " وكره علي بن أبي طالب والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وميمون بن مهران أن يأخذ زيادة على ما أعطاها.
وفي " التمهيد " وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعن ابن المسيب والشعبي لا يأخذ منها كل ما أعطاها إذا كان النشوز منها وهو مضار م: (بدءاً) ش: أولاً يعني الآية التي بدأنا بها أولاً، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] .
م: (ووجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى، أراد به رواية القدوري وهو قوله كرهنا له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهي رواية الأصل م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس أما الزيادة فلا) ش: هذا روي مرسلاً عن عطاء، وعن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحديث عطاء رواه أبو داود في "مراسيله " عنه، قال «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشكو زوجها، فقال " أتردين إليه حديقته التي أصدقك؟ "، قالت نعم وزيادة، قال "أما الزيادة فلا» .
وحديث ابن الزبير أخرجه الدارقطني في "سننه " عن حجاج «عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير بن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أصدقها حديقة فكرهته، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته التي أعطاك" قالت نعم وزيادة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أما الزيادة فلا، ولكن حديقة فخذها وخل سبيلها» "، انتهى.
وقال الأترازي: وجه ما روى أصحابنا «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله لا أنا ولا ثابت فقال "أتردين عليه حديقته"، قالت نعم وزيادة، فقال "أما الزيادة فلا» ، فدل الحديث على الكراهة في أخذ الفضل، م: (وقد كان النشوز منها) ش: الواو فيه للحال، واعلم أن هذه الزيادة المذكورة في حديث ثابت بن قيس ليست ثابتة في رواية البخاري وغيره من الصحاح، وقال الأترازي: أصحابنا أثبتوها في روايتهم في كتب الفقه، انتهى.
قلت: هذا عمد في حق الأصحاب، لأنهم ما أثبتوها من عندهم بل اعتمدوا فيها على مرسل أبي داود ومرسل ابن الزبير اللذين ذكرناهما.

(5/512)


ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى ما تلوناه شيئان الجواز حكما، والإباحة. وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض، فبقي معمولا في الباقي.

وإن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال، لأن الزوج يستبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها]
م: (ولو أخذ الزيادة) ش: أي ولو أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها م: (جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه) ش: أي وكذا إذا أخذ الزوج والحال أن النشوز منه م: (لأن مقتضى ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) .
م: (شيئان) ش: تثنية شيء، أشار إلى أحدهما بقوله م: (الجواز حكما) ش: أي شرعا، وأشار إلى الآخرة بقوله م: (والإباحة) ش: وهي الحل م: (وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض) ش: أي لأجل معارض، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما الزيادة فلا م: (فبقي) ش: أي النص م: (معمولا به في الباقي) ش: وهو الجواز، لأنه يلزم من نفي الإباحة نفي الجواز، كما في البيع وقت النداء.
فإن قيل الجواز والإباحة عبارتان عن معنى واحد، لأنه لا جواز بدون الإباحة، ولا إباحة بدون جواز، فكيف يجوز أحدهما مع انتفاء الآخر، أجيب: بل هما شيئان مختلفان، لأن ضد الإباحة الكراهة، وضد الجواز الحرمة، وبضدها تتبين الأشياء، وكذا شيئان لا ينفكان، ألا ترى أن البيع وقت النداء جائز مع الكراهة وليس بمباح لما أن الإباحة عبارة عن عدم الكراهة، واحتمل أن يكون الشيء جائزا مع الكراهة، وهذا كثير النظير، فإن جميع صور النهي في الأفعال الشرعية كذلك.
فإن قلت: الحديث الذي فيه - أما الزيادة فلا - خبر واحد، فكيف يعارض قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) .
قلت: أجيب: بأن النص إذا خص منه شيء أو عورض بنص آخر مثله خرج عن كونه قطعيا، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، مع أن هذا الحديث إن كان معارضا لنص فهو موافق لنص آخر، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَأْخُذُوا} [النساء: 20] فكان في الحقيقة معارضة الكتاب بالكتاب لا معارضة خبر الواحد فجاز التمسك به، لأنه موافق لأحد النصين.

[طلقها على مال فقبلت]
م: (وإن طلقها على مال) ش: بأن قال طلقتك على ألف درهم مثلا م: (فقبلت) ش: في المجلس م: (وقع الطلاق ولزمها المال) ش: المذكور، وكذا الحكم إذا قال خلعتك على ألف درهم وبارأتك على ألف درهم، وكذا إذا بدأت المرأة فقالت طلقني على ألف درهم، أو خالعني أو بارئني م: (لأن الزوج يستبد) ش: أي يستقل.

(5/513)


بالطلاق تنجيزا وتعليقا، وقد علقه بقبولها والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها، وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه، وإن لم يكن مالا كالقصاص. وكان الطلاق بائنا لما بينا. ولأنه معاوضة المال بالنفس، وقد ملك الزوج أحد البدلين فتملك هي الآخر، وهو النفس تحقيقا للمساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بالطلاق تنجيزا وتعليقا) ش: أي من حيث التخيير بأن قال أنت طالق، ومن حيث التعليق بأن قال إذا دخلت الدار فأنت طالق م: (وقد علقه بقبولها) ش: وقد علق الزوج طلاقها بقبول المال، لأن الحكم معاوضة من جانب المرأة بدليل اقتصاره على المجلس وولاية الرجوع، فلا بد من القبول، لأنه شرط في المعاوضات.
م: (والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها) ش: حاصله أن هذا الصرف معاوضة يعتمد أهلية المتعاوضين وصلاحية المحل إلا أهلية الزوج فلا مستبد بذلك كما قدمناه، وأما أهلية المرأة فلأنها تتولى أموسر نفسها، وأما صلاحية المحل فقد أشار إليها بقوله م: (وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه) ش: هذا كأنه جواب عما يقال كيف جاز الاعتياض في الخلع، وليس البضع بمتقوم حالة الخروج، فأجاب بقوله وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه. م: (وإن لم يكن مالا) ش: وهو واصل بما قبله م: (كالقصاص) ش: فإنه ليس بمال، فجاز أخذ العوض عنه والجامع وجود الالتزام من أهله، فقال الأكمل: كذا في بعض وأراد به " شرح الأترازي "، فإنه قال في شرحه هذا، فكان الأكمل ما أعجبه هذا حتى نسبه إلى غيره، ولكنه لو كان عنده أوجه منه لبينه.
قال الأترازي: فإن قلت لا نسلم أن الخلع تعليق الطلاق بالقبول، ويجوز أن يكون تعليقا بالأداء.
قلت: لأن الخلع من المقدمات ولا يجب الأداء في المعاوضات إلا بالقبول، فكان تعليقا بالقبول دون الأداء.
م: (وكان الطلاق) ش: أي الطلاق الواقع على المال م: (بائنا لما بينا) ش: وأشار به إلى قوله - والواقع بالكنايات بائن - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الطلاق المذكور م: (معاوضة المال بالنفس) ش: لأنها تخلص نفسها بالمال الذي تدفعه إليه م: (وقد ملك الزوج أحد البدلين) ش: وهو المال م: (فتملك هي) ش: أي المرأة م: (الآخر وهو النفس تحقيقا للمساواة) ش: بينهما، لأن نفسها لا تسلم لها إلا بالبائن، لأن حق الزوج في الرجعي ليس بمنقطع، فلو جعل الخلع رجعيا لذهب مالها بلا عوض، ولم يحصل غرضها، وذلك لا يجوز، وكذلك يلزمها المال، لأنها من أهل الالتزام وقد تصرفت في خالص حقها، فلو لم يلزمها بعد قبولها لزم الغرور على الزوج وذا لا يجوز، ولأنه لم يرض بفوات حقه بلا عوض.

(5/514)


قال وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج، والفرقة بائنة، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول، وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العمل في الأول لفظ الخلع، وهو كناية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج والفرقة بائنة) ش: أي يقع الطلاق البائن، والحكم فيما إذا خالعها على خمر أو دم كذلك، وبه صرح في التحفة والمغني، ولو خالعها على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم أو خمر فهو كالخلع بغير عوض لا يلزمها عند الأئمة الثلاثة وأصحابهم، ويقع عند مالك وأحمد رجعيا، وعند زفر ترد مهرها، وعند الشافعي يجب مهر المثل ويقع طلاقا بائنا كقولنا، انتهى.
واعلم أن الخلع والطلاق على ما لا يحل كالخمر وأخواتها جائز، ويقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب له عليها شيء، لأنها لم تغرره، والخمر إن كانت مالا لكنها ليست بمتقومة، لأن الشرع أهانه، والأمر في الميتة أظهر، لأنها ليست بمال أصلا، بخلاف ما إذا أغرته وقالت أختلع منك بهذا الخل فإذا هو خمر عليها أن ترد المهر المأخوذ في قول أبي حنيفة.
وفي قولهما عليها مثل كل ذلك من خل وسط، كذا ذكر الخلاف في مبسوط شمس الأئمة السرخسي، وإنما لم يبطل الخلع ببطلان العوض، لأن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة.
م: (وإن بطل العوض في الطلاق كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا) ش: أي في الموطوءة دون الثلاث، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (فوقوع الطلاق في الوجهين) ش: يعني بطلان العوض في الخلع، وبطلان العوض في الطلاق، وأشار به إلى وجه الافتراق بينهما فقال: ووقوع الطلاق في الوجهين م: (للتعليق بالقبول) ش: أي لأجل تعليق الطلاق بقبول المرأة م: (وافتراقهما) ش: أي الوجهين م: (في الحكم لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لما بطل العوض كان العامل في الأول لفظ الخلع) ش: قال تاج الشريعة لفظ الخلع ينصب العامل ويرفع لفظ الخلع بخط المصنف، انتهى.
وأراد بالأول بطلان العوض في الخلع م: (وهو) ش: أي لفظ الخلع م: (كناية) ش: من ألفاظ الكنايات، والواقع بالكناية يأتي سوى الألفاظ الثلاثة التي مر بيانها فيما تقدم، وقال الكاكي هو كناية لا ينتفي به، بل يجب أو يقال وهو كناية، ولها دلالة على قطع الوصلة، لأنه مشتق من خلع الخف أو القميص، وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن من الكنايات ما هو رجعي، انتهى.
قلت: هذا زيادة تعسف في التصرف على ما لا يخفى.

(5/515)


وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة، وإنما لم يجب للزوج شيء عليها؛ لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له، ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام، ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام، بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد؛ لأن ملك المولى فيه متقوم، وما رضي بزواله مجانا. أما ملك البضع في حالة الخروج فغير متقوم على ما نذكره، وبخلاف النكاح، لأن البضع في حالة الدخول متقوم، والفقه فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الثاني) ش: وهو بطلان العوض في الطلاق م: (الصريح) ش: أي صريح الطلاق م: (وهو) ش: أي الصريح م: (يعقب الرجعة) ش: لبقاء المحل م: (وإنما لم يجب للزوج شيء عليها) ش: أي على المرأة م: (لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له) ش: أي للزوج، فإذا لم تصر غارة فلا يجب عليها شيء م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن، هذا دليل آخر م: (لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام) ش: أي لأجل الإسلام، لأن المسلم ممنوع من تسليمه وتسلمه م: (ولا إلى إيجاب غيره) ش: أي لا وجه أيضا لإلزام غيره، م: (لعدم الإلزام) ش: من جهة الغير بذلك م: (بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر؛ لأنها سمت مالا فصار) ش: أي الزوج م: (مغرورا) ش: لأنها غرته حيث قالت هذا الخل بعينه، فإذا هو خمر، فلزم عليها رد المهر الذي أخذته عند أبي حنيفة، وعندهما يجب كيل مثل ذلك من خل وسط كما في الصداق، ولو علم الزوج بكونه خمرا فلا شيء عليه، وعند الشافعي يجب مهر المثل، وعند أحمد وأبي ثور يجب قيمته.
م: (وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد، لأن ملك المولى فيه) ش: أي في العبد م: (متقوم) ش: حتى لو غصب وجبت القيمة على الغاصب م: (وما رضي) ش: أي المولى م: (بزواله) ش: أي بزوال ملكه م: (مجانا) ش: أي بلا شيء، قال الجوهري قولهم أخذه مجانا، أي بلا بدل، وهو فعال، لأنه ينصرف، انتهى.
قلت: ذكره في باب مجن، وقال المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره، ما رضي زوالا مجانا.
م: (أما ملك البضع) ش: يعني في الخلع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: فلا يلزم من بطلان البدل فساد الخلع م: (على ما نذكره) ش: أراد به ما نذكره بعيد هذا بقوله - والفقه ... إلى آخره - م: (وبخلاف النكاح) ش: أشار به إلى الفرق بينه وبين الخلع، حيث يصح النكاح ويجب مهر المثل ويصح الخلع ولا يجب شيء م: (لأن البضع في حالة الدخول متقوم) ش: ولهذا إذا تزوج المريض امرأة بمهر مثلها جاز من جميع المال م: (والفقه فيه) ش: أي في كون البضع غير متقوم في حالة الخروج دون الدخول، والفقه في اللغة الفهم، ولكن العرف خصه بعلم الشريعة

(5/516)


أنه شريف، فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه، فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال.
قال: وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وخصصه بعلم الفروع م: (أنه) ش: أي أن البضع م: (شريف) ش: يعني له مقدار في نفسه م: (فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه) ش: أي لأجل الإظهار أنه شريف فلم يشرع تملكه بلا بدل إظهارا لخطر المحل.
م: (فأما الإسقاط) ش: أي إسقاط ملك الزوج عن البضع م: (فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال) ش: لعدم لزوم إهانة المحل المحترم، وقال السغناقي: فنفسه شرف أي يتشرف المرأة حيث تعود مالكة على نفسها من كل وجه كما كانت، فلذلك لم يجب على الزوج شيء، بخلاف النكاح، فإنه يجب عليه المهر، لأن في النكاح استيلاء على كل محترم، فيجب المال على مقابلة الاستيلاء.
وقال الكاكي: فلا حاجة إلى إيجاب المال إلا إذا تراضيا على مال. وفي الجواهر للمالكية خالعها على حرام وحلال صح مثل خمر ومال، ولا يجب للزوج إلا المال، وهو قياس قول أصحابنا وأحمد وقياس قول الشافعي يجب مهر المثل.
في " جوامع الفقه " خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء، لأنه مال لا يستحقه بحال، ولا بد من القبول لوقوع الطلاق، كخلع المبانة والصغيرة، ولو خالعها على براءتها من دين لها عليه غير المهر، أو على براءتها من كفالة نفس، أو على تأخير دين لها عليه صحت البراءة والتأخير إلى أجل معلوم، ويكون الطلاق رجعيا، ويصح التأجيل في بدل الخلع إلى أجل مجهول وجهالة مستدركة نحو الحصاد والدياس وإلي القطاف وهبوب الرياح لا يجوز، وكذا إلى الميسرة لا يصح التأجيل.
وفي " المحيط " ويجب المال حالا، وفي جهالة البدل تفسد التسمية وهو قول أحمد.
وقال أبو ثور: تفسد بالجهالة، وهو قول أبي بكر من الحنابلة، وقال الشافعي يجب مهر المثل كالنكاح.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع) ش: وهذا بإجماع العلماء، وإنما لم يذكر عكسه حيث لم يقل وما لا يجوز أن يكون مهرا لا يجوز أن يكون بدلا في الخلع، لأن من الأشياء ما لا يصح للمهر ويصح لبدل الخلع كدرهم إلى تسع دراهم م: (لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم) ش: هو البضع أيضا، لأنه غير متقوم حالة الخروج، ولهذا إذا اختلعت على ثوب موصوف جاز كما في المهر، وإن اختلعت على ثوب فالتسمية فاسدة للجهالة كما في المهر، وله المهر، لأنها غرته ولا

(5/517)


فإن قالت له: خالعني على ما في يدي فخالعها ولم يكن في يدها شيء فلا شيء عليها، لأنها لم تغره بتسمية المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز هنا ما لا يجوز ثمة، كما إذا اختلعت على ما لا يحل كالخمر والميتة، لكن هنا لا شيء للزوج على المرأة إذا وقع الخلع بقبول الزوج، بخلاف النكاح على الخمر ونحوها حيث يجب مهر المثل.
م: (فإن قالت له) ش: أي المرأة لزوجها م: (خالعني على ما في يدي فخالعها فلم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها) ش: أي فلا شيء للزوج على المرأة، لأن كلمة ما عامة تتناول المال وغيره م: (لأنها لم تغره بتسمية المال) ش: أي لأن المرأة لم تغرر زوجها بذكر ما له قيمة، والمراد من اليد الجسة، وكذا إذا اختلعت على ما في هذا البيت، أو على ما في شجري أو نخلي، أو بطون غنمي، فلم يكن شيء في تلك الساعة لا يرجع عليها كما ذكرنا أما إذا كان في تلك الساعة شيء فله ذلك، لأن المسارعة الناشئة من الجهالة ترتفع بالإشارة إلى المحل، وفي النكاح يجب مهر المثل في هذه الصور، لأن البضع متقوم عند الدخول، وفي الصورة المذكورة يقع الطلاق، وبه قال مالك وأحمد.
وفي " البسيط " لو وقع الخلع بدون ذكر المال قيل يجب المال، بخلاف النكاح، فإذا قلت لا يجب هل يفتقر إلى القبول، قيل يفتقر، لأن المخالعة مفاعلة كالمقاتلة والمضاربة، فلا بد منه، والخلع قد يقف على القبول كخلع السفيه والصغيرة على مال.
وفي " الوسيط " لو قال خلعتك على ما في كفك صح الخلع إن صححنا بيع الغائب وترك على ما في كفها، وإن لم يصح فسد العوض ويجب الرجوع إلى مهر المثل.
قال الغزالي: وقال أبو حنيفة: إن لم يكن في كفها شيء نزل على ثلاث دراهم وعلل وقال السروجي: مذهب أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يلزم شيء البتة من غير خلاف، ونقله عنه غلط قبيح، وتقليد وهم، وخيال باطل مبني على الخطأ أو المجازفة فيه.
وقال: وكان قد اتفق ثلاثمائة مفت على إباحة دمه في أيام السلطان محمود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وأفتوا بقتله من أجل اعتقاده مذهب الحكماء، فقال السلطان محمود أنا رجل عامي لا أعرف هذا الأمر إن وجب قتله فاقتلوه، فخلصه منهم الأرصابندي من الحنفية، ثم صنف إحياء علوم الدين، وذكر فيه مناقب أبي حنيفة وأطنب في مدحه بالعلم والزهد والورع.
وذكر ابن عطية في تفسيره في سورة التكوير: ذهب قوم من الملحدين كالغزالي إلى أن الشمس نفس ابن آدم، والنجوم عيناه وحواسه، والعشاء ساقاه، وذلك عند موته، وكفروه بأمور منها ليس في الممكن أبدع من هذا العالم.

(5/518)


وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال، فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة ولا وجه، ولا إلى قيمة البضع، أعني مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج، فتعين إيجاب ما قام به على الزوج دفعا للضرر عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة، ولا وجه) ش: أي ولا وجه أيضا بالرجوع م: (إلي قيمة البضع، أعني مهر المثل؛ لأنه غير متقوم حالة الخروج) ش: لأن الزوج لم يملك شيئا، بل أسقط حقه عنها م: (فتعين إيجاب ما قام به على الزوج) ش: أي إيجاب ما قام البضع بالمال على الزوج، وهو المهر، وبه قال القاضي من الحنابلة. وفي المغني عليها ما يقع عليه اسم المشاع، وعند أحمد وعند الشافعي عليها مهر المثل قولا واحدا م: (دفعا للضرر عنه) ش: أي عن الزوج، لأن فيه دفعا للغرور بقدر الإمكان، ولا يقال البضع صار مستهلكا ولا إمكان بفسخ الخلع، فيجب قيمة البضع عليها، لأنا نقول يبطل ذلك بارتداد المرأة، فإن استهلاك البضع حاصل مع هذا لا رجوع بقيمة البضع عليها.
وفي " قاضي خان " لو قال لها اخلعي نفسك بالمال أو بما شئت، وقالت اختلعت لا يقع الطلاق، لأنه يصير مستزيدا ومستنقصا وهو محال، وكذا لو قال بألف فقالت اختلعت ذكر في الوكالة أنه يقع، وفي الطلاق أنه لا يتم، ولو قال اخلعي نفسك ولم يذكر مالا ذكر خواهر زاده أنه تقع طلقة واحدة بائنة، وفي المنتقى لا يصح ولا يكون دخولها إلا بالمال، إلا أن ينوي الزوج الطلاق بغير مال، وكذا لو قال لغيره: اخلع امرأتي فليس له أن يخلعها إلا بمال.
وذكر ابن سماعة عن محمد أنه يكون طلاقا بائنا بغير مال، وبه أخذ المشايخ، وفي " جوامع الفقه ": لو قال بعتك نفسك بكذا كان خلعا، ولم يذكر البدل في رواية هشام وابن سماعة عن محمد، وعن الكرخي وأبي القاسم أنه ليس بخلع، وفي موضع آخر أنه يقع به طلاق بائن ولا يبرأ الزوج عن المهر، وعن ابن سلام يبرأ، وهو اختيار الشهيد حسام الدين في " الفتاوى ".
وفي " الفتاوى " إن نوى الطلاق يقع ولا يبرأ من المهر وقال اخلعي نفسك كذا، فقالت فعلت لم يذكر البدل كان سؤالا وطلبا للخلع، حتى لو قال خلعتك بكذا يتوقف على قبولها، هكذا في الأصل، وعن محمد يقع بغير شيء، وكذا لو قالت اخلعني بمال.
وفي " الفتاوى " لو قال اشتري نفسك مني ولم يذكر مالا فقالت اشتريت لا يصح، بخلاف قوله: اخلعي نفسك مني فقالت اختلعت، ولو قالت اخلعني بكذا فقال طلقتك فهو جواب، وقيل ابتداء ولو قال طلقتك للسنة هو ابتداء بلا خلاف، ولو قال خلعتك بكذا فقالت نعم فليس بشيء كأنها قالت نعم خلعتني، ولو قالت رضيت أو أجزت صح.

(5/519)


ولو قالت خالعني على ما في يدي من دراهم، أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة دون التبعيض لأن الكلام يختل بدونه،
وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ، وعليها تسليم عينه إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت؛ لأنه عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه شرط فاسد فيبطل، إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قالت خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل]
م: (ولو قالت: خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة) ش: أي للبيان م: (دون التبعيض؛ لأن الكلام يختل بدونه) ش: أي بدون من، لأنها لو قالت اخلعني على ما في يدي من دراهم كان الكلام مختلا، فكان صلة، ويبقى لفظ الجمع فيلزمها ثلاثة دراهم.
فإن قلت: ينبغي أن يلزمها دراهم واحد، لأن الجمع المعروف باللام للجنس، قلت نعم، إذا كان الجمع مجردا عن الإضافة والإشارة لاختصاصه بما تحويه يده والدراهم حقيقة، فيجب اعتبار معنى الجمعية على أنا نقول إن اللام الداخل على الجمع فيه اختلاف، قيد البعض بمطلق الجمع لعل المصنف ذهب إلى هذا القول ولا يرد عليها ما إذا قال لامرأته اختاري من الثلاث ما شئت، فإنها إذا اختارت الواحدة أو الثنتين يصح، لأن - من -فيه للتبعيض لعدم اختلال الكلام بدونه، بخلاف صورة الخلع، فإن - من - فيها للتبيين والصلة لاختلال الكلام بدونه، ولا يقال المفهوم من اختاري ما شئت غير المفهوم من اختاري من الثلاث ما شئت، لأنا نقول المغايرة بين المعنيين لا تقتضي الاختلال في الكلام، لأن المدعى صحة الكلام بدون ذكر من، وصحته ليست بموقوفة على عدم المغايرة.

[اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه]
م: (وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه) ش: أي إيابه، يعني لا تطيق على تحصيله إن وجدته سلمته، وإلا فلا شيء عليها م: (لم تبرأ) ش: وعند مالك لا ضمان عليها، وعند الشافعي يجب مهر المثل إن صح الخلع وفي الأصح عنده لا يصح الخلع م: (وعليها تسليم عينه) ش: أي وعلى المرأة تسليم عين العبد م: (إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت لأنه) ش: أي لأن الخلع م: (عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه) ش: أي عن الزوج م: (شرط فاسد فيبطل) ش: أي الشرط م: (إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وكذا التبرعات لا تبطل بها.
فإن قيل سلمنا أن الخلع لا يبطل بالشرط الفاسد، ولكن ينبغي أن تفسد التسمية ويرجع الزوج عليها بالمهر، والجواب أن مبني الخلع على التوسع، فلا يمنع صحته باعتبار الإباق، لأن العقد إذا كان صحيحا كان ما يناقضه من الشرط فاسدا ساقطا، والساقط لا يؤثر فساد الشيء.
فإن قيل الخلع كما يوجب تسليم المسمى فكذا يوجب تسليمه بوصف كونه سليما، واشتراط

(5/520)


وعلى هذا النكاح
وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، والطلاق بائن لوجوب المال. وإن قالت طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويملك الرجعة، وقالا هي واحدة بثلث الألف؛ لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البراءة عن وصف السلامة صحيح، فيصح اشتراطها عن تسليم المسمى أيضا، أجيب: بأن استحقاق التسليم بوصف السلامة، ألا ترى أن بيع ما لا يقدر على تسليمه لا يجوز، والبيع شرط البراءة عن العيوب يجوز، فلا يلزم من جواز الأدنى جواز الأعلى.
م: (وعلى هذا النكاح) ش: يعني على هذا الحكم إذا تزوجها على عبد آبق له باشتراط البراءة عن ضمانه جاز النكاح، ولم يبرأ عن ضمانه، ويجب تسليم عينه إذا قدر، وإلا تسلم قيمته.

[قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة]
م: (وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف) ش: وبه قال الشافعي وعند مالك يقع بألف، وعند أحمد يقع بغير شيء م: (لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض) ش: أي على أجزاء المعوض، فيقابل كل طلقة بثلث الألف.
فإن قلت: هذا يشكل بالبيع، فلو قال بعت منك هذه العبيد الثلاثة كل واحد بثلث الألف، فقبل البيع في واحد بعينه لم يجز، ولم يجب ثلث الألف.
قلت: الطلاق لا يبطل بالشرط الفاسد لقبوله التعليق والأخطار، ولا كذلك البيع.
م: (والطلاق بائن لوجوب المال) ش: أي بالإجماع.
م: (وإن قالت طلقتي ثلاثا على ألف فطلقها واحدة، فلا شيء عليها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد كقوله في الباء، وقال مالك كالكلام في الباء م: (ويملك الرجعة) ش: لأنه لما لم يجب المال، لأن الشروط لا تتوزع على أجزاء الشرط كان الطلاق رجعيا، لأن الزوج كان مبتدئا في إيقاع الطلاق، وصريح الطلاق يعقب الرجعة في المدخولة إذا لم يقرن بالثلاث م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي واحدة بائنة بثلث الألف) ش: أي الطلقة واحدة بائنة، وبه قال الشافعي م: (لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات) ش: يعني تستعمل في المعاوضات بمعنى الباء والخلع معاوضة، فيكون بمنزلة الباء كدخوله على المال دون الطلاق، والمال لا يقبل التعليق م: (حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء) ش: سواء بالرفع خبر إن، والباء

(5/521)


وله أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] . (الممتحنة: الآية 12)
ومن قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وهذا لأنه للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه يلازم الجزاء، وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، بخلاف الباء، لأنه للعوض على ما مر، وإذا لم يجب المال كان مبتدأ، فوقع ويملك الرجعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمعان كثيرة منها تستعمل بمعنى الاستعلاء، فتكون بمعنى على، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] (آل عمران: الآية 75) ، أي على قنطار، {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} [المطففين: 30] أي عليهم {يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] .
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) ش: أي شرط أن لا يشركن، وهذا في بيعة النساء والشرط يقابل المشروط جملة، ولا يقابل أجزاءه وعلى هذا لو قال لها: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وكذا إذا قال بعت هذا العبد على أنه خباز أو كاتب كان شرطا.
فإن قلت: يشكل هذا بما إذا قالت له طلقني وفلانة على ألف، فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء.
وأجيب: بأنه حملت هناك على الباء، لأنه لا غرض لها في طلاق فلانة، فيجعل ذلك كالشرط، ولها في اشتراط إيقاع الثلاث غرض صحيح، كذا في "المبسوط ".

[قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار]
م: (ومن قال لامرأته: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا) ش: هذه المسألة للاستشهاد على أن على للشرط، وليست هي بمسألة ابتدائية م: (وهذا لأنه) ش: أي لأن حرف على م: (للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه) ش: أي لأن الشرط م: (يلازم الجزاء) ش: بيانه، أن كلمة على للاستعلاء، ثم إذا استعملت للشرط تكون مجازا، ويجوز المجاز للاتصال من حيث الملازمة، لأن وجود الشرط مستلزم لوجود الجزاء م: (وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع) ش: على صيغة المجهول، يقال توازعوه إذا اقتسموه، وهو معتد كما ترى م: (على أجزاء الشرط) ش: لأن المشروط لا يوجد إلا عند وجود الشرط، والشرط عبارة عن جميع الأجزاء فلا يقع جزء من المشروط بوجود جزء من الشرط، لعدم وجود الشرط م: (بخلاف حرف الباء، لأنه للعوض على ما مر) ش: أي عند قوله لأن حرف الباء يصحب الأعواض.
م: (وإذا لم يجب المال) ش: في المسألة المذكورة، وهي قوله وإن قالت طلقني ثلاثا ... إلى آخره م: (كان مبتدأ) ش: أي كان الرجل مبتدأ غير مبني على سؤالها م: (فوقع) ش: أي الطلاق وقع رجعيا، وهو معنى قوله: م: (ويملك الرجعة) ش: لأن الطلاق الصريح يعقب الرجعة.

(5/522)


ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء، لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها، بخلاف قولها طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى.
ولو قال لها أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف وهو كقوله أنت طالق بألف ولا بد من القبول في الوجهين، لأن معنى قوله بألف بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله على ألف على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا.
ولو قال لامرأته: أنت طالق وعليك ألف فقبلت، أو قال لعبده: أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد، وطلقت المرأة، ولا شيء عليهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة]
م: (ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء؛ لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها) ش: لأن رضاه بزوال ملكه بالألف لا يدل على رضاه بزوال ملكه بأقل من الألف م: (بخلاف قولها: طلقني ثلاثا بألف) ش: فطلقها واحدة يقع واحدة بائنة م: (لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها) ش: أي ببعض الألف م: (أرضى) ش: يعني لما رضيت بتملك نفسها بوقوع البينونة بأقل من الألف كان رضاها بالألف بالطريق الأولى.

[قال لها أنت طالق على ألف فقبلت]
م: (ولو قال لها: أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف) ش: وإنما توقف على قبولها، لأنه إيجاب معاوضة فلا بد من القبول، فإذا قبلت وقعت واحدة بائنة لوجوب المال، لكن بشرط القبول في المجلس، حتى إذا قامت قبل القبول بطل ذلك، لأنه بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الأمر منها، والتمليكات تقتصر على المجلس، م: (وهو كقوله أنت طالق بألف) ش: أي حكم هذا الحكم ذلك فيما ذكر. وذكر التمرتاشي لو قال أنت طالق بألف أو على ألف أو خالعتك على ألف باريتك أو طلقتك بألف أو على ألف يقع على القبول في المجلس، وهذا يمين من جهة فيصح تعليقه وإضافته، ولا يصح رجوعه ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقف على البلوغ عليها إذا كانت غايته، لأنه تعليق الطلاق بقبولها المال، وهو من جهتها المبادلة، فلا يصح تعلقها وإضافتها، ويصح رجوعها قبل قبول الزوج، ويبطل بقيامها عن المجلس.
م: (ولا بد من القبول في الوجهين) ش: أي في قوله أنت طالق على ألف، وفي قوله أنت طالق بألف م: (لأن معنى قوله "بألف" بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله "على ألف" على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله، والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا) ش: أي لوجود المال.

م: (ولو قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف، فقبلت، أو قال لعبده أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد وطلقت المرأة ولا شيء عليهما) ش: أي على المرأة والعبد، أي لا يجب عليهما شيء

(5/523)


عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا إذا لم يقبلا. وقالا: على كل واحد منهما الألف إذا قبلا وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق. لهما أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة، فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم، وله أنه جملة تامة فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها الاستقلال ولا دلالة هنا، لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال، بخلاف البيع والإجارة لأنهما لا يوجدان دونه.
ولو قال: أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام، فقبلت فالخيار باطل إذا كان للزوج وهو جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث بطل، وإن لم ترد طلقت ولزمها الألف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (عند أبي حنيفة، وكذا إذا لم يقبلا) ش: أي المرأة والعبد م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد وبه قال الشافعي وأحمد م: (على كل واحد منهما) ش: أي من المرأة والعبد م: (الألف إذا قبلا) ش: أي كل واحد منهما م: (وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق) ش: وكذا أي على الخلاف إذا قالت طلقني ولك ألف درهم ففعل الزوج وقع الطلاق ولم يكن له في الألف شيء عند أبي حنيفة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة) ش: أراد بهذا الكلام قوله وعليك ألف، وقولها ولك ألف وهو يستعمل للمعاوضة، والخلع معاوضة أيضا م: (فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم) ش: وكذا خيط هذا الثوب ولك درهم توضيحه أن الواو قد تكون للحال، ولا وجه لتصحيح كلامه أن يحمل على ذلك، فيصير كأنه قال أنت طالق في حال ما يجب عليك ألف، ولا يكون ذلك إلا بعد قبولها، كما لو قال أد لي ألفا وأنت طالق، أو لعبده أد لي ألفا وأنت حر، فإن الطلاق والعتاق لا يقعان إلا بالمال.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن قوله عليك ألف م: (جملة تامة) ش: مستقلة بنفسها، لأنها مبتدأ وخبر، والأصل فيها الاستقلال م: (فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها) ش: أي في الجملة م: (الاستقلال) ش: أي الاستبداد بنفسها م: (ولا دلالة هنا) ش: على الارتباط بما قبلها م: (لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال) ش: لأن عادة الكرام فيهما الامتناع عن قبول عوض م: (بخلاف البيع والإجارة، لأنهما لا يوجدان دونه) ش: أي دون المال لكونهما معاوضة محضة، فيصلح أن يكون حال المعاوضة دليلا.

م: (ولو قال أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت) ش: أي قالت فقبلت م: (فالخيار باطل إذا كان للزوج) ش: فالطلاق واقع م: (وهو) ش: أي الخيار م: (جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث) ش: أي في ثلاثة أيام م: (بطل) ش: أي الطلاق م: (وإن لم ترد) ش: أي الخيار م: (طلقت ولزمها الألف، وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (عند أبي حنيفة

(5/524)


وقالا: الخيار باطل في الوجهين والطلاق واقع، وعليها ألف درهم؛ لأن الخيار للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد والتصرفان لا يحتملان الفسخ من الجانبين، لأنه في جانبه يمين ومن جانبها شرط. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع حتى يصح رجوعها، ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصح اشتراط الخيار فيه. أما في جانبه يمين حتى لا يصح رجوعه ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان، وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق. ومن قال لامرأته: طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج، ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال قبلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (والخيار باطل في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الخيار من جانبها أو من جانبه م: (والطلاق واقع وعليهما ألف درهم) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأن الخيار) ش: أي شرعية الخيار م: (للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد) ش: يعني أثر الخيار في الفسخ بعد صحة الإيجاب لا في المنع من الإيجاب م: (والتصرفان) ش: أي إيجاب الزوج وقبول المرأة م: (لا يحتملان الفسخ من الجانبين) ش: أي من جانب الزوج وجانب اليمين.
م: (لأنه) ش: لأن الخلع م: (في جانبه يمين) ش: لأنه ذكر شرط وجزاء، يعني اليمين لا يقبل الفسخ م: (ومن جانبها شرط) ش: أي اليمين، فإن يمين الزوج تتم بقبول المرأة، فأخذ قبولها حكم اليمين في عدم احتمال الفسخ م: (ولأبي حنيفة أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع) ش: لأنه تمليك مال بعوض م: (حتى يصح رجوعها) ش: ولو قامت من المجلس بطل كما في البيع، وإذا كان كذلك صح اشتراط الخيار فيه م: (ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصبح اشتراط الخيار فيه، أما في جانبه) ش: أي أما الخلع في جانب الزوج م: (فيمين حتى لا يصح رجوعه، ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق) ش: يعني يصح الخيار من العبد، إذا خيره في الإعتاق على مال كما يصح الخلع من جانب المرأة توضيحه إذا طلقها على مال جعل لها الخيار ثلاثة جاز عند أبي حنيفة لأنه في معنى البيع، فكذلك إذا أعتق عبده على مال، وجعل له الخيار ثلاثة أيام جاز، لأنه في معنى البيع، وعندهما لا يصح الخيار، لأن بذل المال شرط اليمين، ولا يصح الخيار في اليمين، وكذا في شرطها.
فإن قيل ثبوت الخيار ثبت بخلاف القياس، فلا يقاس عليه غيره، قلنا أثبتنا الخيار هنا بدلالة النص لا بالقياس، فإن ثبوت الخيار في البيع لرفع الغبن في الأموال والغبن في النفوس أضر، والحاجة إلى الرأي فيه أكثر، فإنه ربما يفوته هذا الازدواج على وجه لا يحصل له مثله أبدا، فيصح فيه الخيار للتأمل، وهذا المعنى يعرفه كل من يعرف اللغة، فيكون ثابتا بدلالة النص.

[قال لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي فقالت قبلت]
م: (ومن قال: لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم، فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج) ش: مع يمينه م: (ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال: قبلت

(5/525)


فالقول قول المشتري، ووجه الفرق أن الطلاق بالمال يمين من جانبه، فالإقرار به لا يكون إقرارا بالشرط لصحته بدونه. أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به إقرار بما لا يتم إلا به فإنكاره القبول رجوع منه. قال: والمبارأة كالخلع كلاهما يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط فيهما إلا ما سمياه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في الخلع، ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المبارأة. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذه معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المبارأة مفاعلة من البراءة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالقول قول المشتري، ووجه الفرق) ش: أي بين المسألتين، مسألة الطلاق ومسألة البيع، م: (أن الطلاق بالمال يمين من جانبه) ش: لأنه تعليق الطلاق بشرط قبول المرأة المال واليمين يتم بالحالف م: (فالإقرار به) ش: أي باليمين، وإنما ذكر الضمير على تأويل الحلف م: (لا يكون إقرارا بالشرط) ش: أي لوجود الشرط، لأنه إذا وجد الشرط انحلت اليمين وارتفعت، فكان القول قول الزوج مع اليمين م: (لصحته) ش: أي لصحة اليمين، وجه تذكير الضمير مر الآن م: (بدونه) ش: أي بدون الشرط.
م: (أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به) ش: أي بالبيع م: (إقرار بما لا يتم إلا به) ش: الضمير المستتر في - لا يتم - يرجع إلى البيع أيضا م: (فإنكاره القبول رجوع منه) ش: فلا يصدق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
م: (والمبارأة كالخلع) ش: المبارأة من بارأ شريكه، أي إبراء كل واحد منهما صاحبه، وهي بالهمزة، قال في " المغرب ": ترك الهمزة خطأ م: (كلاهما) ش: أي كل من المبارأة والخلع م: (يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح) ش: أي بسبب النكاح مثل المهر والنفقة الماضية دون المستقبلة، لأن المختلعة والمبارئة تستحق النفقة والسكنى ما دامت في العدة، وبه صرح الحاكم الشهيد في " الكافي "، وقوله - بما يتعلق على الآخر بالنكاح - احتراز عن دين وجب بسبب آخر فإنه لا يسقط على ظاهر الرواية، ونفقة العدة لا تسقط أيضا إلا بالتسمية، وكذا السكنى بالإجماع، ولو خالعها ولم يذكر المال وقبلت لا يسقط شيء من المهر في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإمام السعدي وشيخ الإسلام سقط إن كان عليه، ولا يجب عليها رد ما قبضت، لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع. م: (هذا عند أبي حنيفة، وقال محمد لا يسقط فيهما) ش: أي في المبارأة والخلع م: (إلا ما سمياه) ش: أي الزوجان، يعني لا يسقطان شيئا سوى المسمى في عقد الخلع، وبه قال الشافعي م: (وأبو يوسف معه) ش: أي مع محمد م: (في الخلع، ومع أبي حنيفة في المبارأة. لمحمد أن هذه) ش: أي المبارأة والخلع م: (معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير) ش: أي الذي وقع عليه الشرط م: (ولأبي يوسف أن المبارأة مفاعلة من البراءة) ش: وباب المفاعلة يقتضي نسبة الفعل إلى فاعلين إلى أحدهما صريحا، وإلي الآخر ضمنا فثبت براءة كل واحد منهما بالآخر،

(5/526)


فتقتضيها من الجانبين، وأنه مطلق قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض. أما الخلع فمقتضاه الانخلاع وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل، وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلاقهما في النكاح وأحكامه وحقوقه.
ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها؛ لأنه لا نظر لها فيه إذ البضع في حالة الخروج غير متقوم، والبدل متقوم بخلاف النكاح؛ لأن البضع متقوم عند الدخول، ولهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو معنى قوله م: (فتقتضيها) ش: أي فتقتضي البراءة م: (من الجانبين) .
م: (وأنه) ش: أي أن لفظ البراءة والتذكير باعتبار المذكور م: (مطلق) ش: يعني غير مقيد بشيء م: (قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض) ش: وهو وقوع البراءة عما وقعت البراءة لأجله وهو النشوز الحاصل بسبب وصلة النكاح وانقطاع المنازعة، إنما يكون بإسقاط ما وجب بسبب تلك الوصلة، كذا قاله بعض الشراح، وقيل الغرض هو قطع المنازعة الناشئة بالنكاح، فتقيد البراءة بالحقوق الواجبة بالنكاح. م: (أما الخلع فمقتضاه الانخلاع، وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام) ش: أي سائر الأحكام، لأنها لم تكن بسبب وصلة النكاح م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل) ش: وهو انفصال العامل عنه م: (وهو) ش: أي الخلع م: (مطلق كالمبارأة) ش: فيضاف إلى الكامل م: (فيعمل بإطلاقهما) ش: أي بإطلاق المبارأة والخلع م: (في النكاح وأحكامه وحقوقه) ش: الواجبة به دون سائر الديون.
وقال الأترازي: ثم بالخلع هل يقع البراءة من دين آخر سوى دين النكاح في ظاهر الرواية، أو في رواية الحسن عن أبي حنيفة يقع، وكذلك المبارأة هل توجب البراءة عن سائر الديون فيه اختلاف المشايخ، والصحيح أنها لا توجب، وكذا في الفتاوى الصغرى، أما إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال، فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح؟ ففي ظاهر الرواية لا يقع؛ لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لإتمام المقصود، ولو كان الخلع بلفظ البيع والشراء اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة قال في الفتاوى الصغرى: والصحيح أنه كالخلع والمبارأة.

[خلع ابنته وهي صغيرة بمالها]
م: (ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك يجوز، لأن ولايته نظرية م: (لأنه لا نظر لها فيه) ش: أي في هذا الخلع م: (إذ البضع) ش: أي لأن البضع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث م: (والبدل متقوم) ش: ولا نظر في إلزام ما هو متقوم بمقابلة ما ليس بمتقوم م: (بخلاف النكاح) ش: فإن الرجل إذا زوج ابنه الصغير امرأة بمهر المثل صح م: (لأن البضع متقوم عند الدخول) ش: أي حالة الدخول م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون البضع في حالة الخروج غير متقوم، ومتقوم عند

(5/527)


يعتبر خلع المريضة من الثلث، ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال، وإذا لم يجز لا يسقط المهر، ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع، والأول أصح، لأنه تعليق بشرط قبوله، فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط،
وإن خالعها على ألف على أنه ضامن، فالخلع واقع، والألف على الأب؛ لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى ولا يسقط مهرها؛ لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وإن شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال؛ لأنها ليست من أهل الغرامة، فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدخول م: (يعتبر خلع المريضة من الثلث) ش: أي من ثلث التركة م: (ونكاح المريض) ش: أي يعتبر نكاح المريض م: (بمهر المثل من جميع المال) ش: فكأنه بمقابلة المتقوم بالمتقوم، وهذا من وجوه النظر.
م: (وإذا لم يجز) ش: أي الخلع م: (لا يسقط المهر ولا يستحق مالها) ش: أي لا يستحق الزوج مالها بدل الخلع م: (ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع والأول) ش: أي وقوع الطلاق م: (أصح) ش: قال الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير: م: (لأنه تعليق بشرط قبوله) ش: أي لأن الخلع تعليق الطلاق بشرط قبول الأب وقد وجد م: (فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط) ش: مثل أن يقول إن دخلت الدار وغيره، وذلك إذا وجد الشرط، فكذلك إذا وجد القبول.

[اشتراط بدل الخلع على الأجنبي]
م: (فإن خالعها) ش: أي فإن خالع الأب الصغيرة م: (على ألف على أنه) ش: أي أن الأب م: (ضامن فالخلع واقع، والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى) ش: ومعنى الضمان هنا التزام المال على نفسه لا لكفالة الصغيرة، لأن الزوج لا يستحق عليه مالا حتى يكفل عنها أحد، م: (ولا يسقط مهرها لأنه لا يدخل تحت ولاية الأب) ش: بل يبقى الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها م: (وإن شرط عليها الألف) أي وإن شرط الأب الألف على الصغيرة م: (توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول) ش: أي إن كانت عاقلة.
وقال التمرتاشي: إن كانت تعقل العقد وتعبر عن نفسها م: (فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط) ش: وهو القبول م: (ولا يجب المال لأنها) ش: أي لأن الصغيرة م: (ليست من أهل الغرامة) ش: بل يجب الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها.
م: (وإن قبله الأب عنها) ش: أي فإن قبل بدل الخلع الأب عن الصغيرة م: (ففيه) ش: أي ففي هذا القبول، قاله الأكمل وقال الأترازي: أي في وقوع الطلاق م: (روايتان) ش: عن أصحابنا قلت الذي قاله الأكمل هو الصحيح روايتان في رواية يصح، لأن هذا نفع محض، لأن

(5/528)


وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر. وإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط ويلزمه خمسمائة استحسانا. وفي القياس يلزمه الألف، وأصله في الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة، وفي الاستحسان لا شيء عليها لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصغيرة تخلص عن عهدته بغير مال فصح من الأب كقبول الهبة، وفي رواية لا يصح، لأن هذا القبول بمعنى شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة كذا في مبسوط شيخ الإسلام في " الكافي "، وهذا لا يصح.
م: (وكذا إن خالعها على مهرها) ش: وكذا الحكم إن خالع الصغيرة زوجها على مهرها م: (ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها، فعلى الروايتين) ش: قال تاج الشريعة: يعني في قبول الأب المهر روايتان، في رواية يصح، لأن هذا القبول شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة.
م: (وإن ضمن الأب المهر) ش: أي في صورة خلع الأب مع الزوج م: (وهو) ش: أي المهر م: (ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط، ويلزمه) ش: أي يلزم الأب م: (خمسمائة استحسانا) ش: لأن المسألة مصورة في غير الموطوءة بدليل إيراد أهل هذه المسألة في الكبيرة التي يدخل بها، ثم لما كانت الصغيرة غير موطوءة، وأضيف الخلع إلى مهر، والمهر ما يجب بالنكاح، والواجب بالنكاح في الطلاق قبل الدخول نصف المهر وهو خمسمائة، فكأنه خالعها على خمسمائة م: (وفي القياس يلزمه بالألف) ش: بحكم الضمان.
م: (وأصله) ش: أي وأصل ما ذكر هذه المسألة م: (في الكبيرة) ش: أي في المرأة الكبيرة م: (إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة) ش: أي على المهر زائدة، لأن الصفة تتبع المضاف إليه، كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] (يوسف: الآية 43) ، لأن الصداق إذا لم يكن مقبوضا استحق الزوج عليها ألفا باعتبار القبول في الخلع، ولها على الزوج خمسمائة بالطلاق قبل الدخول فيصير خمسمائة قصاصا بخمسمائة، فبقي للزوج عليها خمسمائة زائدة.
م: (وفي الاستحسان لا شيء عليها؛ لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها) ش: أي يراد بالخلع عادة حاصل ما يلزم المرأة على الزوج، وقال تاج الشريعة: وجه الاستحسان أنهم يريدون بالخلع على المهر ما يلزمه لها، وهو خمسمائة بالطلاق قبل الدخول، فيكون الخلع على مهرها في الحقيقة خلعا على خمسمائة، وقد سقط عن الزوج فلا يبقى عليها شيء، فافهم.

(5/529)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: لو قال خلعتك ولم يذكر عوضا فقالت قبلت لا يسقط شيء من مهرها في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإسلام والسعدي: يبرأ من مهرها ويرد المهر لو قبضت، وعن أبي حنيفة روايتان لم يذكر العوض في الخلع، والأصح براءته، وفي شرح الشافعي يبرأ عن المهر عنده. وفي " المحيط " والصحيح أن ما قبضته فهو لها، وما كان أيضا في ذمته يسقط، ولو شرط بالبراءة عن نفقة العدة ومؤنة السكنى سقطا بلا خلاف، ولو شرطا البراءة عن السكنى لا يصح، لأن السكنى في بيت العدة حق الله تعالى، وفي المرغيناني لا يصح البراءة عن نفقة العدة اتفاقا إلا بالشرط بالطلاق ولا يقع الإبراء عن نفقة الولد وهو مؤنة الرضاع وإرضاع بالشرط ولو وقت له وقتا جاز، ولو مات الولد قبل تمام الوقت يرجع الأب إلى تمام المدة والحيلة أن لا يرجع إليها أن يقول الزوج خالعتك على أني بريء من نفقة ولدك فإن مات فلا رجوع لي عليك ولا يدخل نفقة العدة في قوله خلعتك بكل حق لك علي، لأنه لم يكن حق عليه عند الخلع، وفي " الينابيع " لو أبرأته من نفقة العدة بعد الخلع صح بخلاف الإبراء من العدة حال قيام النكاح، قال صاحب " الينابيع ": هكذا ذكره الطحاوي، وفي " القنية " خالعها على نفقة ولده عشر سنين وهي معسرة، وطالبته بنفقتها يجبر عليها.
وفي " الذخيرة " خالعها على رضاع ابنه سنتين بعد الفطام يجوز، وكذا لو خالعها على أن تكسوه من مالها في المدة ولا يضره الجهالة، ولو لم يشترط ذلك فلها طلب كسوته، ولو كان في بطنها والمسألة بحالها، ثم ولدته ميتا رجع عليها بأجرة الرضاع سنتين ونفقة عشر سنين.
اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز، والشرط باطل قالت بعتك مهري ونفقة عدتي، فقال اشتريت في الظاهر أنها لا تطلق ولكن الأحوط تجديد نكاح المختلعة يلحقها صريح الطلاق في العدة عندنا، وبه قال الظاهرية، وهو قول ابن المسيب وشريح وطاووس والزهري والحكم وحماد ومكحول وعطاء والثوري، وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء وعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يلحقها ولا يتناولها الطلاق في قوله: نسائي طوالق عندهم.

(5/530)