البناية شرح الهداية

باب الظهار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الظهار]
[قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي]
م: (باب الظهار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الظهار، وهو مصدر ظاهر يظاهر ظهارا، وفي " الصحاح " يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وأظهر واظاهر وتظهر وظهر كل ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، والظهر في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» مقحم كما في ظهر القلب، وظهر الغيب، وظاهره إذا أعانه وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر وعدي بمن، وإن كان ظاهرا متعديا، لأنهم إذا ظاهروها تباعدوا منها كما في الإيلاء، وفي " المحيط " و" الينابيع ": الظهار لغة: مقابلة الظهر بالظهر والرجل والمرأة إذا كان بينهما شحناء يدير كل واحد منهما ظهره إلى الآخر.
وفي " مبسوط الطوسي ": سمي ظهارا اشتقاقا من الظهر خص به دون البطن والفرج والفخذ، لأن كل دابة يركب ظهرها، فلما كانت الزوجة تركب وتغشى شبهت بذلك، والمعنى ركوبك علي محرم كركوب ظهر أمي. وفي " جامع الأصول " أنهم أرادوا أنت علي كبطن أمي، يعني على جماعها، فكنوا عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن وللمجاوزة، وقيل: إن إتيان المرأة من ظهرها كان محرما عندهم، فيقصد مطلق التغلظ في تحريم امرأته تشبيها بالظهر، ثم لا يقتنع بذلك حتى يجعلها كظهر أمه.
وأما الظهار شرعا: فهو تشبيه المحللة بالمحرمة على وجه التأبيد كالأم والأخت والخالة والعمة سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وبه قال الشافعي [ ... ] ومالك وأحمد، وفي قوله القديم يقتصر على التشبيه بالأم، وفي قول، يلحق بها الجدة، ثم الظهار له ركن، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، فيقع الظهار به، سواء وجدت النية أو لم توجد، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا شبهه بعضو شائع أو معبر عن جميع البدن كما في الطلاق. وشرط أن يكون المظاهر مسلما، فلا يصح ظهار الذمي عندنا خلافا للشافعي وأحمد، وبقولنا قال مالك، ومن شرطه أن تكون منكوحته، وفي المرأة كونها زوجته حتى لا يصح الظهار من أمته أو مدبرته أو أم ولده، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك والثوري: يصح ظهار من كل أمة، ومن شرطه أن يكون أهلا لسائر التصرفات وهو العاقل البالغ، فلا يصح ظهار الصبي بالإجماع. وحكم: وهو حرمة الوطء ودواعيه مؤقتا إلى وجود الكفارة مع بقاء أصل النكاح، كما في حالة الحيض.
وسبب: وهو النشوز، فإن آية الظهار نزلت في خولة، وكانت ناشزة.

(5/531)


وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها، حتى يكفر عن ظهاره، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية: 3) والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشرع أصله، ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح؛ وهذا لأنه جناية لكونه منكرا من القول وزورا فيناسب المجازاة عليها بالحرمة، وارتفاعها بالكفارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) ش: وسبب نزول الآية ما روى الواحدي في كتاب أسباب نزول القرآن بإسناده إلى عروة، قال: «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] » (المجادلة: الآية 1) .
قال الزمخشري: هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، انتهى.
قلت: الذي قاله مروي عن عكرمة وعروة ومحمد بن كعب، وقال أبو عمر: خولة ثعلبة بن صيرم [بن] فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، وقيل إن التي نزلت فيها هذه الآية جميلة امرأة أوس بن الصامت، وقيل بل هي خولة بنت دملح، ولا يثبت شيء من ذلك.
م: (والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشارع أصله) ش: أي أصل الظهار م: (ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح) ش: ولا خلاف فيه لأحد من العلماء م: (هذا) ش: أشار إلى حكم نقل حكم الظهار من الطلاق إلى التحريم الموقت بالكفارة م: (لأنه) ش: أي لأن الظهار م: (جناية، لكونه منكرا من القول وزورا) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (المجادلة: الآية 2) وأراد بالمنكر ما تنكره الحقيقة والشرع، وبالزور الكذب الباطل حيث شبه من هي في أقصى غايات الحل بمن هي في أقصى غاية الحرمة، م: (فناسب المجازاة عليها بالحرمة) ش: جزاء على جنايته.
م: (وارتفاعها) ش: أي ارتفاع الجناية م: (بالكفارة) ش: قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (هود: الآية 114) وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» ، وفي " المنافع ": الكفارة تجب بالظهار والعود، لأن الظهار منكر من القول وزور. فهو كبيرة محضة، فلا يصح

(5/532)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سببا للكفارة، لأنها عبادة، إذ الغالب فيهما معنى العبادة، فلا يكون سببا محظورا محضا، فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بالمعروف بعد الظهار وهكذا في " الينابيع ".
وفي " الحواشي " وفي " المحيط " سبب وجوبها العزم على الوطء، والظهار شرط قبل الحكم يتقرر بتقرر سببه لا شرطه، والأمر على العكس، فإن الكفارة تتكرر بتكرار الظهار دون تكرار العزم على الوطء.
وفي " المبسوط " بمجرد العزم على الوطء لا تتكرر الكفارة عندنا، حتى لو أبانها بعد هذا أو مات لا تجب الكفارة، وهذا دليل على أن الكفارة غير واجبة لا بالظهار، ولا بالعود إذ لو وجب لما سقطت، بل موجب الظهار ثبوت التحريم، فإذا أراد رفعه لا بد من الكفارة حتى لو لم يرد ذلك ولم تطلب لا تجب عليه الكفارة أصلا، وفي " الينابيع " رضي أن يكون محرمة ولا يعزم على وطئها لا تجب الكفارة، ولو عزم ثم ترك لا تجب أيضا فعلم أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، وهو قول أحمد ومالك في الصحيح، وعنده في قول تجب بنفس الظهار.
واختلف أهل العلم في العود المذكور في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] فعندنا هو العزم على إباحة الوطء.
والقول الثاني: قال مالك: إرادة الوطء في رواية أشهب.
والثالث: إرادة الوطء مع استدامة العصمة، وإن لم يجمع على الوطء لم تجب الكفارة، ولو كفر لا يجزئه، وهو قول مالك، وعندنا يجزئه، وفي شرح مختصر الكرخي لو بانت منه بالطلاق أو تزوجت بغيره وكفر صح التكفير.
والرابع: العود إلى الوطء نفسه رواه عبد الوهاب عن مالك، فعلى هذا لا يجزئه التكفير قبل الوطء.
الخامس: سكت عن طلاقها عقيب الظهار، وفي زمان يمكنه طلاقها، وبه قال الشافعي وأصحابه وبعض الظاهرية.
والسادس: العود أن يعود فيتكلم بالظهار مرة ثانية، ولا يجب عليه بالأول شيء، وهو قول داود الظاهري.
السابع: هو العود في الإسلام لا نفس القول بالظهار الذين كانوا يظاهرون به في الجاهلية في تعاطي الظهار، وهو قول الثوري.

(5/533)


ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما في الإحرام، بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج، ولا كذلك الظهار والإحرام؛ فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[اللمس والقبلة للمظاهر]
م: (ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه) ش: وهي اللمس والقبلة لأنهما داعيان إلى الوطء، وبه قال الزهري والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول: لا تحرم الدواعي وبه قال أحمد في رواية م: (كيلا يقع فيه) ش: أي في الوطء م: (كما في الإحرام) ش: أي في حالة الإحرام بالحج يحرم الوطء ودواعيه أيضا، وكذا في الإعتاق والاستبراء، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه م: (بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج) ش: وهو منتف بالنص م: (ولا كذلك الظهار والإحرام) ش: فإنما يقعان قليلا ولا يقضي حرمة الدواعي فيها إلى الخروج.
م: (فإن وطئها قبل أن يكفر) ش: عن يمينه م: (استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى) ش: هي الواجبة بالظهار على الترتيب المنصوص، وهو قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد.
وقال عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن جبير والزهري وقتادة وعبد الرحمن بن مهدي: يجب كفارتان، وقال الحسن البصري والنخعي: يجب ثلاث كفارات.
ولنا حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أتى [رجل] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتظاهر عن امرأته و [قال] قد وقعت عليها قبل أن أكفر قال: ما حملك على هذا؟ قال رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال لا تقربها حتى تفعل ما أنزل الله» ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وفي الكشاف هو سلمة بن صخر البياضي.
قلت: هو في رواية الترمذي عن سلمة بن صخر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المظاهر واقع قبل أن يكفر، قال كفارة واحدة» ثم هذا حديث حسن غريب، وسلمة بن صخر هذا معروف بالبياضي وليس منهم، وإنما كانت دعوته فيهم فنسب إليهم، وهو من الخزرج وهو سلمة بن صخر بن سليمان بن الصمت بن حارثة بن الحارث بن زيد بن مناف بن حبيب بن عبد حارثة بن

(5/534)


ولا يعاود حتى يكفر «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة "استغفر الله ولا تعد حتى تكفر» ولو كان شيئا آخر عليه واجبا لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال: وهذا اللفظ لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به. وإذا قال: أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك بن عصيب بن جسم بن الخزرج الأكبر، وذكر الترمذي الخلاف في اسمه سلمة أو سلمان.
م: (ولا يعاود) ش: أي ولا يعاود الوطء م: (حتى يكفر لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفر") » .
ش: وقد ذكرنا هذا الحديث آنفا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن سلمة بن صخر م: (ولو كان شيئا آخر واجبا عليه) ش: هذا وجه الاستدلال بالحديث المذكور، أي ولو كان يجب على المظاهر المذكور شيء آخر واجب عليه غير الكفارة الأولى م: (لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لبينه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وهذا اللفظ) ش: يعني قوله أنت علي كظهر أمي م: (لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق) ش: أو الإيلاء، ولم ينو شيئا يكون ظهارا، م: (ولو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ، فلا يتمكن من الإتيان به) ش: لأنه تغيير موضوع الشرع وليس في العبد ذلك، ولأن التعيين بعض محتملات اللفظ، واللفظ صريح فلا يحتمل غيره، فلا تصح نية الطلاق، وكذا إذا نوى تحريم اليمين، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا قال أردت به الخبر عن الماضي كاذبا لا يصدق قضاء

[قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها]
م: (ولو قال: أنت علي كبطن أمي، أو كفخذها، أو كفرجها، فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه) ش: احترز به عن التشبيه باليد والرجل والشعر والظفر، لأنه يحل النظر إليه. وقالت الظاهرية: يختص الظهار بظهر الأم. وقال الشافعي ومالك وأحمد: لو قال أنت علي كيد أمي أو كرجلها أو كرأسها أو كعنقها أو كعضدها يكون مظاهرا أيضا كما في الظهر للتلذذ بها، ولو قال كشعرها أو سنها أو ظفرها لا يكون مظاهرا لعدم التلذذ بها. وقال الماوردي قال أبو حنيفة ما يجيء بعد فقدها لا يصير مظاهرا به، وما لا يجيء بفقده يكون مظاهرا بالتشبيه به، وقال الكاكي: وفي نقله ذلك الضابط عن أبي حنيفة غلط، فإن بعد زوال الرأس لا

(5/535)


وكذا إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه، مثل أخته، أو عمته أو أخته من الرضاعة، لأنهن في التحريم المؤبد كالأم. وكذلك إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن، ويثبت الحكم في الشائع، ثم يتعدى كما بيناه في الطلاق.
ولو قال: أنت علي مثل أمي أو كأمي يرجع إلى نيته لينكشف حكمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجيء قطعا، وقد ذكرنا أنه لا يصير مظاهرا، وبقطع فخذه يجوز أن يجيء، ويصير به مظاهرا، بل الأصل ما ذكره في المتن.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون ظهارا م: (إذا شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته، أو عمته، أو أخته من الرضاع؛ لأنهن في التحريم المؤبد كالأم) ش: وأم المرأة وامرأة الأب قال أبو نصر قال الشافعي: إذا شبهها بالأم والخالة فهو ظهار، وإن شبهها بالبنت والأخت ففيه قولان. وإن شبهها بمن كانت حلالا ثم حرمت كأم المرأة لم يكن مظاهرا قولا واحدا.
وفي فتاوى الولوالجي: لو شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه فهو مظاهر عند أبي يوسف لأنها محرمة على التأبيد. وقال محمد: لا يكون مظاهرا للاختلاف فيه، وإن شبهها بامرأة قد فرق الحاكم بينهما باللعان.
قال أبو يوسف: لا يكون مظاهرا، لأن موجب اللعان، وإن كانت الحرمة المؤبدة عنده تسع فيه الاجتهاد، ولهذا لو حكم الحاكم بجواز نكاحها جاز، فلم تكن في معنى الأم، كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي وغيره، وقال فيها أيضا ولو شبهها بما يحل في حال نحو أخت المرأة، وامرأة لها زوج، أو مجوسية أو مرتدة لم يكن مظاهرا، لأن الحرمة هنا تقبل الزوال.
وقال الحاكم الشهيد في "الكافي ": وإن قال لامرأته أنا منك مظاهر وقد ظاهرت منك أو أنت مني كظهر أمي، أو أنت عندي كظهر أمي أو أنت معي كظهر أمي، فهذا كله ظهار.
م: (وكذلك) ش: أي يكون ظهارا م: (إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك، أو بدنك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن) ش: فيكون تشبيه هذه الأعضاء من المرأة كتشبيه ذات المرأة، فيكون مظاهرا وكذا إذا قال جسدك.
وقال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي ": ولو قال جنبك أو ظهرك علي كظهر أمي لم يكن مظاهرا بمنزلة قوله يدك أو رجلك م: (ويثبت الحكم في الشائع) ش: أي يثبت حكم الظهار في الجزء الشائع أولا م: (ثم يتعدى) ش: أي ثم يسري إلى سائر البدن م: (كما بيناه في الطلاق) ش: فليعاود إليه هناك.

[قال أنت علي مثل أمي كأمي]
م: (ولو قال أنت علي مثل أمي، كأمي؛ يرجع إلى نيته لينكشف حكمه) ش: وبه قال

(5/536)


فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال؛ لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام. وإن قال أردت الظهر فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها، وفيه تشبيه بالعضو، لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية. وإن قال أردت الطلاق فهو بائن لأنه تشبيه بالأم في الحرمة، فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق. وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لاحتمال الحمل على الكرامة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون ظهارا لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا فالتشبيه بجميعها أولى. وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشافعي، وذلك لأنه يحتمل وجوها من التشبيه م: (فإن قال: أردت الكرامة) ش: يعني أنت عندي في استحقاق الكرامة والمنزلة مثل أمي م: (فهو كما قال) ش: يعني يحمل على ما قال فلا يلزمه شيء م: (لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام) ش: فاش من الفشو، وهو الانتشار. قال الجوهري: الخبر يفشو فشوا، أي ذاع وأفشاه غيره وفاش أصله فاشي فاعل إعلال القاضي.
م: (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها) ش: أي بجميع أمه، فإذا شبهها بظهرها وهو عضو منها كان ظهارا وقد شبهها بجميعها وجميعها مشتمل على الظهر أولى وأحرى م: (وفيه) ش: أي وفي قوله أنت علي مثل أمي م: (تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية) ش: لأنه لما كان كالصريح صار كالكناية، فلا يزول الإبهام منه إلا بالنية.
م: (وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن؛ لأنه تشبيه بالأم في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق، وإن لم يكن له نية فليس بشيء، عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاحتمال الحمل على الكرامة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي في وجهه، لأنه مجمل ولم يبين. م: (وقال محمد يكون ظهارا، لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا، فالتشبيه بجميعها أولى) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد والشافعية وجهه. وفي المبسوط لم يذكر قول أبي يوسف وعنه روايتان إحداهما كقول محمد، لأنه قال في " الأمالي ": إذا كان هذا في حالة الغضب، وقال نويت به البئر لا يصدق في القضاء، وهو ظهار.
م: (وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين) ش: وهما حرمة الإيلاء، وحرمة الظهار وأدناهما حرمة الإيلاء من وجوه، أحدها أن الحرمة في الإيلاء لا تثبت في الحال ما لم يمض أربعة أشهر. وفي الظهار يثبت في الحال.
وفي الثاني: حرمة الإيلاء يمكن دفعها في المدة بالوطء، بخلاف الظهار، فإنه لا يجوز الوطء فيه ما لم يكفر. والثالث: أن الظهار منكر من القول وزور، والإيلاء بين مباح.

(5/537)


وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار لأن كاف التشبيه تختص به. ولو قال أنت علي حرام كأمي، ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم، والتشبيه تأكيد له؛ وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيلاء، وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار، والوجهان بيناهما. وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى به طلاقا أو إيلاء لم يكن إلا ظهارا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هو على ما نوى؛ لأن التحريم يحتمل كل ذلك على ما بينا، غير أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكونان جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرابع: أن كفارة الإيلاء إطعام عشرة مساكين، وفي الظهار إطعام ستين مسكينا، والصوم فيه شهران متتابعان. وفي الإيلاء ثلاثة أيام متتابعة.
م: (وعند محمد ظهار؛ لأن كاف التشبيه يختص به) ش: أي بالظهار، وهذا الخلاف المذكور بين أبي يوسف ومحمد على قول بعض المشايخ، وقرره الصدر الشهيد، وقال: بل هو ظهار بالإجماع.
م: (ولو قال: أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى، لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم والتشبيه تأكيد له) ش: أي التحريم، وإنما قال يحتمل الوجهين دل على أنه لما صرح بالحرمة لم يبق كلامه للكرامة م: (وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إيلاء، وعلى قول محمد ظهار والوجهان ما بيناهما) ش: أي وجها قول أبي يوسف ومحمد، وأشار بهما إلى قوله لكون الثابت أدنى الحرمتين، وإلي قوله - لأن كاف التشبيه مختص به - أي بالظهار.
م: (وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي، ونوى به طلاقا، أو إيلاء؛ لم يكن إلا ظهاراُ عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وفي قول إن نوى طلاقا كان طلاقا، وهو قول أبي يوسف ومحمد غير أن عند أبي يوسف يكون طلاقا وظهارا إن نوى الطلاق، وعند محمد لا يكون ظهارا ويكون طلاقا فقط م: (وقال هو على ما نوى) ش: إن نوى ظهارا فظهار، وإن نوى طلاقا فطلاق، وإن نوى إيلاء فإيلاء، كذا ذكره الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير م: (لأن التحريم يحتمل كل ذلك) ش: ونية المحتمل صحيحة م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يحتمل الوجهين إلى قوله: تأكيد له.
م: (غير أن عند محمد: إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا) ش: لأن ظهار المبانة لا يصح م: (وعند أبي يوسف يكونان جميعا) ش: أي يكون الظهار والطلاق جمعا لكن هذا ليس بظاهر الرواية عن أبي يوسف، وروى أصحاب الإيلاء عن أبي يوسف أنه يكون ظهارا وطلاقا، لأنه باعتبار التلفظ بلفظ التحريم يكون طلاقا عند النية، وباعتبار التصريح بالظهار يكون ظهارا، ولا

(5/538)


وقد عرف في موضعه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه صريح في الظهار فلا يحتمل غيره، ثم هو محكم فيرد التحريم إليه.
قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا لقوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ولأن الحل في الأمة تابع، فلا تلحق بالمنكوحة، ولأن الظهار منقول عن الطلاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منافاة، لأنه إذا طلق ثم ظاهر أو ظاهر ثم طلق صح، ولكن هذا ضعيف، لأن الطلاق لما وقع بقوله أنت علي حرام نيته كان متكلما بلفظ الظهار بعد ما بانت علي حرام. قلنا: اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين، كذا في " المبسوط " وذكر في " الفوائد الظهيرية " جواب أبي يوسف في هذا، فقال: جاز أن يكون ظهار المبانة على قوله، وكان هذا رواية منه م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في شرح الكافي، قاله الأترازي. قال الكاكي أي في مبسوطه.
م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن قوله أنت علي حرام كظهر أمي م: (صريح في الظهار، فلا يحتمل غيره) ش: ولهذا لا يحتاج في الدلالة عليه إلى النية، فلا يحتمل غيره من الطلاق والإيلاء م: (ثم هو محكم) ش: لعدم احتمال الغير، وقوله أنت علي حرام يحتمل تحريم الطلاق وغيره م: (فيرد التحريم إليه) ش: أي إلى الظهار كما هو الأصل في رد المحتمل إلى المحكم.

[ظاهرمن أمته]
م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير م: (ولا يكون الظهار إلا من الزوجة، حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا) ش: وكذا لا يكون من أم ولده ومدبرته. وقال مالك: يصح منهن، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] والنساء اسم للزوجات والمملوكة لا تسمى زوجة فلا يصح الظهار منها، كذا قاله الأترازي.
قلت: النساء جمع امرأة من غير لفظها، فيتناول الزوجات وغيرها، ولكن تفسير النساء من الزوجات ممكن من حيث قصد الآية يدل على أن المراد الزوجات، وإلا فلفظ النساء من حيث اللغة أعم من الزوجات وغيرها.
م: (ولأن الحل في الأمة تابع) ش: ليس بمقصود، لأن المقصود ملك اليمين م: (فلا تلحق بالمنكوحة) ش: بدليل أنه لو اشترى أمته فوجدها محرمة عليه برضاع أو مصاهرة لم يثبت للمشتري ولاية الرد بسبب الحرمة، فلا تكون الأمة في معنى المنكوحة حتى يلحق بها.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، دخل فيه الإماء والحرائر بالإجماع. قلت: الإجماع ممنوع، وأما الأمة الموطوءة حرام باعتبار أنها من أمهات نسائنا، بل باعتبار وطء البنت، ولا يمكن إلحاق الأمة بالنساء بدلالة النص، لأنه ليس في معنى ما ورد به النص.
م: (ولأن الظهار منقول عن الطلاق) ش: هذا دليل آخر، أي كان الظهار طلاقا في الجاهلية،

(5/539)


ولا طلاق في المملوكة.
وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل؛ لأنه صادق في التشبيه وقت المتصرف، فلم يكن منكرا من القول والظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف عليه، بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب؛ لأنه من حقوق الملك. ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فنقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة م: (ولا طلاق في المملوكة) ش: حتى يكون منها الظهار: فإن قلت: الأمة محل الظهار بقاء، فيجب أن يكون ابتداء كما ظاهر من امرأته وهي أمة، ثم اشتراها يبقى حكم الظهار، وهي أمة، أجيب بأنه كم من شيء يثبت بقاء، ولا يثبت ابتداء كإبقاء النكاح في المعتدة، وإن لم يثبت ابتداء.

[تزوج امرأة بغير أمرها ثم ظاهر منها ثم أجازت النكاح]
م: (وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل) ش: أورد هذه المسألة بسبيل التفريع لما قبله، لأنه لما قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة فرع هذه المسألة عليه، يعني لو ظاهر من امرأة نكاحها موقوف لا يصح ظهاره، لأنها حين ظاهر منها الرجل لم تكن زوجته فلم يصح ظهارها م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي ظاهر.
م: (صادق في التشبيه وقت المتصرف) ش: أي وقت تشبيه الحرمة بالحرمة، لأنه صادق فيه غير كاذب م: (فلم يكن) ش: كلامه م: (منكرا) ش: والظهار منكر م: (من القول) ش: وزور م: (والظهار ليس بحق من حقوقه) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال الظهار مبني على الملك، والملك موقوف ها هنا، فينبغي أن يكون الظهار موقوفا، فأجاب بقوله: والظهار ليس بحق من حقوقه، أي من حقوق النكاح.
م: (حتى يتوقف عليه) ش: أي على النكاح، لأن النكاح أمر مشروع، والظهار منكر من القول، وبينهما تناف، فلا يتوقف المحظور بتوقف المشروع.
م: (بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب) ش: هذا كأنه جواب عن قياس هذا السائل ما سأله على توقف إعتاق المشتري من الغاصب، على إجازة المالك، لأنه إذا أجازه ينفذ، وتقرير الجواب أن إعتاق المشتري من الغاصب، إنما يتوقف على إجازة المالك م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (من حقوق الملك) ش: فيلزم من توقف الكل توقف الإعتاق.
م: (ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا) ش: هذا ما لا خلاف فيه، كما لو قال أنتن طوالق، وعليه لكل واحدة كفارة، يعني عليه أربع كفارات إذا قصد وطأهن، وبه قال الشافعي في الجديد، وهو قول الحسن والنخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والثوري.
وقال مالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق: عليه كفارة واحدة، روي ذلك عن عمرو وعلي

(5/540)


لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن، وعليه لكل واحدة كفارة؛ لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن والكفارة لإنهاء الحرمة فتتعدد بتعددها، بخلاف الإيلاء منهن؛ لأن الكفارة فيه لصيانة حرمة الاسم ولم يتعدد ذكر الاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعروة وطاووس وعطاء وربيعة م: (لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن) ش: وقال: أنتن طوالق م: (وعليه لكل واحدة كفارة، لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن) ش: كما إذا ظاهر من كل واحدة منهن على حدة م: (والكفارة لإنهاء الحرمة) ش: أي وجوب الكفارة لأجل أن تنتهي الحرمة المؤقتة م: (فتعدد بتعددها) ش: أي تعدد الكفارة بتعدد الحرمة.
م: (بخلاف الإيلاء منهن) ش: حيث لا تتعدد الكفارة م: (لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإيلاء م: (لصيانة حرمة الاسم) ش: أي اسم الله عز وجل م: (ولم يتعدد ذكر الاسم) ش: أراد به قوله والله، وإنما لم يتعدد، لأنه قاله مرة واحدة.
فروع: لو قالت هي أنت علي كظهر أمي، أو قالت أنا عليك كظهر أمك لا يصح الظهار عندنا. وفي المبسوط عن أبي يوسف عليها كفارة يمين. وقال الحسن بن زياد هو ظهار، [و] قال محمد: ليس بشيء، وهو الصحيح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والثوري والليث وإسحاق وأبو ثور. وفي الينابيع والروضة هو يمين عند أبي يوسف ظهار عند الحسن. وفي " شرح المختار " حكى الخلاف بين أبي يوسف والحسن على العكس، ومثله في " المفيد " " والمزيد " " والمحيط ". وأوجب الأوزاعي عليها كفارة الظهار. ولو قال أنت أمي لا يصير مظاهراُ. وفي " الخزانة " أنا منك مظاهر أو قد ظاهرت منك فهو ظهار، ويكره أن يقول لامرأته يا أختي لورود النهي عن ذلك. ولو أخر المظاهر التكفير فلها مطالبته به، والقاضي يجبره عليه وتمنع نفسها من القربان والمس والتقبيل. ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب، ولو أبى من التكفير بعد ظلمها يحبس، فإن أبى يضرب ولا يضرب في الدين.

(5/541)


فصل في الكفارة قال: وكفارة الظهار عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا؛ للنص الوارد فيه، فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب. قال: وكل ذلك قبل المسيس، وهذا في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه، وكذا في الإطعام، لأن الكفارة فيه منهية للحرمة فلا بد من تقديمها على الوطء ليكون الوطء حلالا.
قال: وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة، والمسلمة، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الكفارة] [كفارة الظهار]
م: (فصل في الكفارة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الكفارة، ولما ذكر حكم الظهار وهو حرمة الوطء ودواعيه إلى نهايته ذكر في هذا الفصل ما تنتهي تلك الحرمة، وهو الكفارة، والكفارة عبارة عن الفعلة إذ الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها على وزن فعالة للمبالغة كقتالة وقرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية. وأصل اشتقاقه من الكفر وهو الستر، ومنه الكافر لأنه يستر الإيمان ويظهر الكفر والزارع أيضا، لأنه يستر الحب في الأرض.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "مختصره" م: (وكفارة الظهار عتق رقبة) ش: أي إعتاق رقبة، إذ العتق لا ينوب عن الكفارة حتى لو [ ... ] إياه ونوى الكفارة لا يخرج عن العهدة م: (فمن لم يجد) ش: أي رقبة م: (فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع) ش: أي الصيام م: (فإطعام ستين مسكينا للنص الوارد فيه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى قَوْله تَعَالَى {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 3) م: (فإنه) ش: أي فإن النص م: (يفيد الكفارة) ش: أي كفارة الظهار م: (على هذا الترتيب) ش: دون التخيير، لأن الله تعالى ذكرها بحرف الفاء، وهي للترتيب.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وكل ذلك قبل المسيس) ش: أي كل ما ذكر من الإعتاق والصيام والإطعام قبل الوطء م: (وهذا) ش: أي الترتيب م: (في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه) ش: لأن الله تعالى قال {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (المجادلة: الآية 3) ش: م: (وكذا في الإطعام؛ لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإطعام م: (منهية للحرمة) ش: الثابتة بالظهار والقرب جميعا م: (فلا بد من تقديمها) ش: أي تقديم الكفارة م: (على الوطء ليكون الوطء حلالا) ش: لأنه لو حل الوطء قبل الكفارة بالإطعام لم يكن المنهي منهيا، وهو فاسد. وفي "شرح مختصر الكرخي " وقال مالك: يجوز الإطعام قبل المسيس، وبه قال داود.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة، والذكر والأنثى، والصغير والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء) ش: لأنه ليس فيه تقييد بصفة

(5/542)


إذ هي عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الكافرة، وهو يقول: الكفارة حق الله تعالى، فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة، ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة وقد تحقق، وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة ثم مقارفته المعصية يحال به إلى سوء اختياره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون صفة، فيجوز الكل م: (إذ هي) ش: أي الرقبة م: (عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه) ش: اعترض على المصنف هنا من وجهين، أحدهما: في قوله المملوك بالتذكير، لأن الذات مؤنثة، ولا يجوز تذكيرها، والصواب عن الذات المرقوقة. والجواب أن الذات تستعمل استعمال النفس والشيء. وعن أبي سعيد كل شيء ذات، وكل ذات شيء، تذكيره باعتبار المعنى الثاني.
الوجه الآخر: أن المحفوظ عن أئمة اللغة استرق العبد اتخذه رقيقا ولم يسمع رقه حتى يشتق منه المرقوق، وإنما يقال رق فلان أي صار رقيقا، أي عبدا. والجواب عنه أن الأزهري حكى عن ابن السكيت أنه جاء عبد مرقوق، وكلاهما ثقة. وقال تاج الشريعة: ووجهه أن يكون من رق له إذا رحمه فهو مرقوق له، ثم حذفت الصلة كما في المندوب.
واعلم أن قوله من كل وجه يتعلق بالمرقوق دون المملوك، لأن الكمال في الرق شرط دون الملك، ولهذا لو أعتق المكاتب الذي يرد شيئا صح عن الكفارة، ولو أعتق المدبر لم يصح، لأن الرق فيه ناقص.
م: (والشافعي يخالفنا في الكافرة) ش: فإنها لا تجزئ في كفارة الظهار عنده، وبه قال مالك وأحمد، إلا أن مالكا يقول بجواز إعتاق المجوسي عنها لما أنه يجبر على الإسلام عنده فيحصل الإسلام بعده بالإكراه عليه م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول الكفارة حق الله فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة) ش: أي كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الكافر لأنه عدو الله، وفي بعض النسخ م: (فلا يجوز صرفه) ش:، أي صرف حق الله تعالى.
م: (ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة، وقد تحقق) ش: لأن المطلق عبارة عن المنصوص للذات دون الصفات وقد تحقق، لأنه ليس فيه بأس على الإيمان والكفر م: (وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي الكفارة حق الله تعالى، تقديره أن قصد المكفر بالإسلام هو أن يتمكن المعتق من الطاعة بخلوصه عن خدمة المولى م: (ثم مقارفته) ش: بالقاف بعد الميم، أي ثم ارتكابه م: (المعصية يحال به إلى سوء اختياره) ش: الضمير في به يرجع إلى المقارفة على تأويل الاقتراف والكسب، لأن المقارفة تمنع الاقتراف، وهو كسب السيئة.
ثم توضيح معنى هذا الكلام أن يقال تحرير الكافر ليس بسيئة من وجه، بل هو حسنة من كل

(5/543)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجه، لأنه تخليصه من الرق وتمكينه من الطاعة والنظر في محاسن الإسلام، لأنه أحسن إليه، فإن لم يفعل ذلك فهو من سوء اختياره، فلا يضاف ذلك إلى المولى.
ولقائل أن يقول مقارفة المعصية يحال به سوء اختياره، لكن لم لا يكون قصور ذلك منه مانعا عن الصرف إليه كما في الزكاة. والجواب أن القياس جواز صرف الزكاة إليه أيضا، لأن فيه مواساة عباد الله، لكن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم» أخرجهم عن المصرف، وقد أطال الشراح هنا بذكر دلائل من جهة الخصم وردها من جهتنا فنذكرها ملخصة:
فقالوا الكفارة مطهرة، والكافر غير أهل لذلك، قال الله تعالى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) ، ولا خبث أشد من الكفر، ولهذا لا يجوز كفارة المرتد، لأن الإيمان شرط في كفارة القتل بالنص والإجماع، فكذا في سائر الكفارات، لأنها جنس واحد، ولأن المطلق يحمل على المقيد في جنس واحد ولأنا أمرنا بعتق رقبة حي قائم من كل وجه، ولهذا الذمي والكافر ميت، قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (الأنعام: الآية 122) ولأن الكفارة حسنة، وإعتاق الكافر سيئة لما فيه من تفريغ باله لعبادة الأوثان، ولأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لمعاوية بن الحكم حين أتي بجارية مجوسية وقال يا رسول الله علي رقبة فأعتقها عنه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أين الله" فأشارت إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة» ، رواه مسلم والنسائي، وما سأل عن سبب وجوب الكفارة، فدل أن الإيمان شرط في الجميع، ولأنه لا يجوز التقرب إلى الله بعتق أعدائه، ولأن العمل بالقيد عمل بالدليلين، لأن المطلق جزء المقيد.
قلنا: جواز المؤمنة باعتبار أنها رقبة لا لأنها مؤمنة، وكذا الكافرة كما في الكبيرة والصغيرة وبينهما تضاد، والمرتد ممنوع يجوز عند بعض مشايخنا، وعند البعض لا يجوز، لأنه مستحق القتل، حتى يجوز بالمرتد بلا خلاف، وتقييده بالإيمان زيادة على النص، وهي نسخ ولا يجوز تقييده بالقياس على كفارة القتل أيضا، لأنه قياس المنصوص على المنصوص، فلا يجوز ذلك للزوم اعتقاد النقض فيما تولى الله بيانه، ولا يحمل المطلق على المقيد إذا أمكن العمل بها، وإطلاق الميت على الكافر مجاز، فإنه لو قال كل مملوك لي حي حر عتق جميع عبيده الكفار بالإجماع.
والقول بأن إعتاق الكافر سيئة غير مستقيم لصحة النذر به. ولأنه تعاون على البر والتقوى كما ذكر عن قريب. وحديث معاوية بن الحكم مؤول عند الثقات، فإن فيه السؤال عن مكان الله وهو محال على الله عز وجل، أو نقول الحديث محمول على كفارة القتل بدليل قوله إن على رقبة مؤمنة في رواية أخرى، وقولهم لا يجوز التقرب إلى الله تعالى بعتق أعدائه مخالف

(5/544)


ولا تجزئ العمياء، ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف؛ لأن الفائت جنس المنفعة وهي البصر أو البطش أو المشي، وهو المانع، أما إذا اختلت المنفعة فهو غير مانع، حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت، بخلاف ما إذا كانتا مقطوعتين من جانب واحد حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي، إذ هو عليه متعذر، ويجوز الأصم، والقياس أن لا يجوز، وهو رواية " النوادر "، لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز، لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للنص، قال الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8] إلى قوله {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] (الممتحنة: الآية 8) فإنه تعالى ما نهانا عن الإحسان إليهم، ولهذا يصح النذر بإعتاق العبد الكافر، وقد جوزت المالكية إعتاق المجوسي والصابئين، ولم يجوز أهل الكتاب.
وقولهم العمل بالمقيد عمل بالدليلين وهو باطل، لأن الإطلاق ضد التقييد فلا يكون العمل بالمقيد عملا بالمطلق، إذ في الإطلاق توسعه بعتق أي رقبة شاء وفي التقييد تضييق.
فإن قلت: المقيد بمنزلة البيان للمطلق قلت: هذا فاسد لأن المطلق لا يحتاج إلى البيان، إذ العمل بإطلاقه ممكن.
م: (ولا تجزئ العمياء، ولا مقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف) ش: المراد من العمياء الرقبة العمياء، وهي تشمل الذكر والأنثى جميعا، لا الأمة العمياء، لأن عدم الجواز لا باعتبار الأنوثة، بل باعتبار فوات جنس المنفعة م: (لأن الفائت جنس المنفعة) ش: وهو ما ثبت في هذه الصور م: (وهو البصر) ش: من العمياء م: (أو البطش أو المشي) ش: في مقطوعة الرجلين م: (أو البطش) ش: في مقطوعة اليدين م: (وهو المانع) ش: أي فائت جنس المنفعة هو المانع.
م: (أما إذا اختلت المنفعة) ش: أي جنس المنفعة م: (فهو غير مانع حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت) ش: أي المنفعة وجنسها باق، ولا خلاف للأئمة الأربعة وأصحابهم أنه لا يجزئ عن الكفارة في عيب يفوت به جنس المنفعة. وعن إبراهيم النخعي والشعبي أن عتق الأعمى جائز. وعن ابن جريج يجزئ الأشل. وعند داود وأصحابه لا يمنع شيء من العيوب.
م: (بخلاف ما إذا كانتا) ش: أي اليدان والرجلان م: (مقطوعتين من جانب واحد، حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي) ش: وكذا منفعة البطش م: (إذ هو) ش: أي المشي م: (عليه متعذر) ش:، وكذا البطش. وكذا لا يجوز إذا كان من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة م: (ويجوز الأصم) ش: في الاستحسان م: (والقياس أن لا يجوز، وهو رواية النوادر؛ لأن الفائت جنس المنفعة. إلا أنا استحسنا الجواز) ش: أي جواز الأصم م: (لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو

(5/545)


كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه. ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين لأن قوة البطش بهما، فبفواتهما يفوت جنس المنفعة. ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل؛ لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع. ولا يجزئ عتق المدبر وأم الولد لاستحقاقهما الحرية بجهة، فكان الرق فيهما ناقصا، وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه) ش: وفي " الشامل " يجزئ الأصم، ثم قال: وقالوا لأن الصمم لا يؤثر في الكسب تأثيرا فاحشا. ثم قال وقيل الصمم بأصل التخليق تمنع التكفير. وقال في " فتاوى الولوالجي " ويجوز الأصم عن كفارة الظهار إذا كان يسمع شيئا ولا يسمع شيئا لا يجوز وهو المختار.
وفي " الحلية " يجوز مقطوع الأنف والأصم إذا فهم بالإشارة والأخرس إذا فهمت إشارته، وهو قول الشافعي وأبي ثور. ولا يجزئ عند أحمد على المنصوص، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك في رواية. م: (ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين، لأن قوة البطش بهما فبفواتهما تفوت جنس المنفعة) ش: وكذا لا يجوز إذا قطعت من كل يد ثلاثة أصابع لفوات منفعة البطش. وقطع أكثر الأصابع كقطع جنسها، ولو كان المقطوع من كل يد أصبعا أو أصبعين سوى الإبهام يجزئ لأن منفعة البطش باقية، كذا في " المبسوط ". وقال الشافعي: لو كان مقطوع السبابة أو الوسطى لا يجوز، كقطع الإبهام، لأن معظم العمل يتعلق بهذه الثلاثة.
م: (ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل، لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع) ش: المجنون الذي لا يعقل أصلا هو المجنون المطبق لا يجوز بلا خلاف للأئمة الأربعة م: (والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع) ش: وإنما يجزئه إذا أعتقه في حال الإفاقة لا يقال الرقبة الصغيرة فائت المنافع من المشي والنطق والعقل والكلام، لأنها عديمة المنافع إلى زمان الإصابة، فلا يعد ذلك عيبا. وفي " المبسوط " وفيه روى إبراهيم عن محمد خلاف حال الدم الذي قد قضي بدمه ثم عفي عنه لم يجز، كذا في " المحيط ".

[عتق المدبر في كفارة الظهار]
م: (ولا يجزئ عتق المدبر) ش: خلافا للشافعي لأنه يرى جواز بيعه، وبه قال أحمد وعثمان البتي وداود الظاهري م: (وأم الولد) ش: أي وعتق أم الولد لا يجزئ عتقه. وقال عثمان وداود: يجوز عتق أم الولد بناء على جواز بيعها عندهما، ولا يجوز عند الحسن ومن ذكرنا معه الآن م: (لاستحقاقهما الحرية بجهة) ش: وهي جهة التدبير، وجهة الاستيلاد م: (فكان الرق فيهما ناقصا) ش: لتوجه العتق إليهما قبل م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجزئ م: (المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل) ش: أي بعوض، والعوض يبطل معنى القربة، هذا ظاهر الرواية، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد في رواية.

(5/546)


وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجزئه لقيام الرق من كل وجه، ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ بخلاف أمومية الولد والتدبير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، له أنه استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر. ولنا أن الرق قائم من كل وجه على ما بينا، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» والكتابة لا تنافيه، فإنه فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة، إلا أنه بعوض، فيلزم من جانبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي حنيفة أنه يجزئه) ش: أي أن عتق المكاتب الذي أدى بعض المال يجزئه، رواه الحسن عن أبي حنيفة م: (لقيام الرق من كل وجه) ش: لأن رقه لا ينقض بما أدى من البدل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام الرق من كل وجه م: (تقبل الكتابة الانفساخ) ش: سواء كان بعد استيفاء بعض أو قبله م: (بخلاف أمومية الولد والتدبير، لأنهما لا يحتملان الانفساخ) ، ش. فلا يجوز عتقهما عن الكفارة، لأن الكفارة عتق الرقبة وهي اسم اللذات المرقوقة لغة وشرعا، فيقتضي قيام الرق مطلقا، والمطلق يقع على الكامل لا الناقص والاستيلاد والتدبير يمكن النقصان فيهما، فلا يجوز.
م. (فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا) ش: يعني من مال الكتابة م: (جاز) ش: عندنا، وبه قال أحمد في رواية م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وزفر ومالك وأحمد في رواية م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه) ش: أي أن المكاتب م: (استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر) ش: أي على مذهبه، لأن عنده بيع المدبرة، وإعتاقه عن الكتابة جائز، وهذا إلزام من الشافعي على أصحابنا على ما أجابوا، يعني أن المدبر لا يجوز إعتاقه عن الكفارة عندكم، لأنكم قلتم أنه مستحق العتق بجهته، فينبغي أن لا يجوز إعتاق المكاتب أيضا، لأنه مستحق العتق بجهته، وهو باطل، لأنه ينفسخ وذلك لا م: (ولنا أن الرق) ش: أي في المكاتب م: (قائم من كل وجه على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ م: (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من الكتابة شيء» انتهى.
فعلم أن الرق فيه كامل قبل أداء بدل الكتابة، فيدخل تحت مطلق اسم الرقبة م: (والكتابة لا تنافيه) ش: أي تنافي الرق، يعني لا يلزم من وجود الكتابة ارتفاع الرق لعدم المنافاة م: (فإنه) ش: أي فإن عقد الكتابة , وفي بعض النسخ - من - فإنها أي فإن الكتابة م: (فك الحجر) ش: عن العبد في حق المكاسب م: (بمنزلة الإذن في التجارة) ش: وذا لا يمكن نقصانا في الرق.
فإن قلت لو كانت الكتابة فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة لا يستبد المولى بالفتح كما في عزل المأذون، فأجاب بقوله م: (إلا أنه) ش: أي إن عقد الكتابة م: (بعوض، فيلزم من جانبه) ش: أي من جانب الوالي، بخلاف الإذن، فإنه فك بغير عوض.

(5/547)


ولو كانت مانعة ينفسخ بمقتضى الإعتاق، إذ هي يحتمله إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد، لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة، أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق " الولد والكسب
وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وعلى هذا الخلاف كفارة اليمين، والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كانت) ش: جواب بطريق التنزيل، يعني لو سلمنا أن الكتابة لو كانت م: (مانعة) ش: أي وقوع الإعتاق عن الكفارة م: (تنفسخ) ش: أي الكتابة م: (بمقتضى الإعتاق) ش: يعني ضرورة صحة الإعتاق بطريق الاقتضاء م (إذ هي) ش: أي الكتابة م: (تحتمله) ش: أي تحتمل الفسخ، ولو كان مانعا للفسخ بمقتضى، إذ هو يحتمله، أي ولو كان عقد الكتابة مانعا وقوع الإعتاق إلى آخره.
م: (إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد) ش: هذا جواب عما يقال إن عقد الكتابة لما انفسخ التحق بالعدم، فينبغي أن يكون الأكساب والأولاد للمولى، فأجاب بجوابين، أحدهما: هو قوله - يسلم له الأولاد والأكساب - م: (لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة) ش: وفي حق المولى لجهة الكفارة رعاية للجانبين. والجواب الآخر هو قوله م: (أو لأن الفسخ ضروري) ش: أي فسخ عقد الكتابة ضرورة الجواز من جهة التكفير م: (لا يظهر في حق الولد والكسب) ش: لأن الثابت بالضرورة لا يعدو موضعها.

[اشترى أباه ينوي بالشراء الكفارة]
م: (وإن اشترى) ش: أي المظاهر م: (أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها) ش: أي عن الكفارة، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وكذا لو اشترى كل ذي رحم محرم يعتق عليه م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال أبو حنيفة أولا ومالك وأحمد وزفر، وعلى الخلاف لو وهب له أو أوصى به، أما لو ملكه بلا صنعة، كما لو دخل بالميراث لا يجزئه بالإجماع م: (على هذا الخلاف كفارة اليمين) ش: وكذا كفارة الظهار والقتل م: (والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: فرجوا من كرم الله تعالى وفضله إن فضل إليه، وإلى ما بعده إلى آخره إن شاء الله تعالى.

[أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه]
م (فإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر) ش: أي والحال أنه غني، قيد به، لأنه إذا كان معسر تجب عليه السعاية، فلا يجزئ عن الكفارة عندهما أيضا، لأنه إعتاق بعوض م: (فضمن قيمة باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، ويجوز عندهما) ش: وقال الشافعي: لو أعتق بقيمته ونوى عتق جميعه عن الكفارة أجزأه ولو كان معسرا فأعتق نصيبه عن كفارة اشترى نصيب شريكه فأعتقه عن كفارته أجزأه فيه وإلا لا م: (لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان، فصار معتقا كل العبد عن الكفارة

(5/548)


وهو ملكه، بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك فيكون إعتاقا بعضو. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان، ومثله يمنع الكفارة. وإن أعتق نصف عبده عن كفارة، ثم أعتق باقية عنها جاز، لأنه أعتقه بكلامين، والنقصان متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصاب السكين عينها، بخلاف ما تقدم، لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك، وهذا على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو ملكه) ش: أي والحال أنه ملكه في ذلك الوقت م: (بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك، فيكون إعتاقا بعوض) ش: فلا يجوز بالإعتاق.
م: (ولأبي حنيفة أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه) ش: لاستحقاق الحرية ولتعذر استدامة الملك فيه م: (ثم يتحول إليه بالضمان) ش: ما بقي منه م: (ومثله يمنع الكفارة) ش: لتمكن النقصان منه، فإذا أعتق يكون معتقا رقبة ناقصة.
فإن قيل المضمونات بأداء الضمان بصفة الاستناد إلى زمان وجود السبب فصار نصيب الساكت ملك المعتق زمان الإعتاق، فكان النقصان في ملك شريكه، ومثله لا يمنع الكفارة.
أجيب: بأن الملك في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن والمضمون، لا في حق غيرها، والكفارة غيرها، فيتمكن النقصان في حقها فلا يجوز.
م: (وأن أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه) ش: أي باقي عبده م: (عنها جاز) ش: استحسانا والقياس أن لا يجوز عند أبي حنيفة كما في العبد المشترك لوجود النقصان في النصف الآخر. وجه الاستحسان ما أشار إليه بقوله م: (لأنه أعتقه بكلامين) ش: ولا محظور فيه م: (والنقصان) ش: هذا جواب عما يقال قد يمكن النقصان كما مر. فأجاب بقوله والنقصان أي الواقع في النصف الآخر: (متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع) ش: أي ومثل النقص الذي حصل بسبب الإعتاق غير مانع من الجواز، وبه قال الشافعي وأحمد. والمشهور عن مالك عدم الجواز، وبه قال أبو ثور. وعن القاسم من أصحاب مالك يجوز.
م: (كمن أضجع شاة) ش: ذكر هذا نظير الاستحسان في الجواب، وهو أنه أضجع شاة م: (للأضحية) ش: ليذبحها م: (فأصاب السكين عينها) ش: لا يمنع جواز التضحية، لأن النقصان حصل من فعل التضحية كما حصل هنا من فعل الكفارة م: (بخلاف ما تقدم لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك) ش: أي النقصان فيه وقع في ملك الشريك م: (وهذا) ش: أي جعله إعتاقا بكلامين م: (على أصل أبي حنيفة) ش: في تجزئ الإعتاق.

(5/549)


أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين. وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها، ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص، وإعتاق البعض حصل بعده، وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل، فحصل الكل قبل المسيس.
وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر، ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق. أما التتابع فلأنه منصوص عليه، وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى، والصوم في هذه الأيام منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين) ش: وعلى هذا مبني المسألة التي تليها، وهي قوله (م: وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) م: (وإعتاق البعض حصل بعده) ش: أي بعد المسيس فلا يجوز عن الكفارة.
م: (وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل) ش: على أصلهما، لأن الإعتاق لا يتجزأ م: (فحصل الكل قبل المسيس) ش: فيجوز.

[لم يجد المظاهر ما يعتق]
م: (وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق) ش: وفي " المحيط " إذا لم يملك الرقبة ولا ثمن رقبة م: (فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان) ش: أي ليس في الشهرين شهر رمضان، إلا إذا كان مسافرا وصام شعبان ورمضان بنية الكفارة أجزأه عند أبي حنيفة وأبي ثور، ولا يجزئه عند أبي يوسف ومحمد والشافعي.
م: (ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق أما التتابع فلأنه منصوص عليه) ش: بقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية3) م: (وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى) ش: لأن الله تعالى أمر بالصوم فيه، فالصوم الواقع فيه يقع عن صوم رمضان، فلا يقع عن فرض آخر. فإن قلت: كيف صار صوم رمضان عنه، وعن صوم الاعتكاف إذا نذر أن يعتكف فيه فصامه معتكفا. قلت: الصوم فيه شرط، فيشترط وجوده كيفما كان لا قصدا، بخلاف الصوم في الكفارة، لأنه فرض مقصود يعتبر وجوده قصدا.
م: (والصوم في هذه الأيام) ش: أي في أيام الفطر والنحر والتشريق م: (منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل) ش: لما روى الطبراني من حديث ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل صائحا يصيح أن لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال» والبعال وقاع النساء وروى

(5/550)


فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم، عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يستأنف، لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط، وإن كان تقديمه على المسيس شرطا ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم تأخير الكل عنه ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس، وأن يكون خاليا عنه ضرورة بالنص، وهذا الشرط ينعدم به فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما يوما بعذر أو بغير عذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البخاري ومسلم من «حديث عبيد قال: شهدت العيد مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام هذين اليومين، أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم» .
وأخرجا أيضا عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامين، صيام يوم الأضحى ويوم الفطر.»
م: (فإن جامع التي ظاهر منها خلال الشهرين ليلا عامدا، أو نهارا ناسياِ استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الثوري ومالك وأحمد وأبو عبيد، وإنما قيد الجماع بالتي ظاهر منها، لأنه إذا جامع غيرها، فإن كان وطأ يفسد الصوم بقطع التتابع يلزمه الاستئناف بالاتفاق وإن كان لا يفسد الصوم بأن واقع بالنهار ناسيا أو بالليل كيف كان لا يلزمه الاستئناف بالاتفاق. وقيل يجامع التي ظاهر منها بالنهار ناسيا، لأنه إذا جامع بالنهار عامدا استأنف بالاتفاق، وذكر العمد في الليل وقع اتفاقا، لأن العمد والنسيان في الوطء بالليل سواء، فعرفت أن الخلاف في وطء لا يفسد الصوم.
م: (وقال أبو يوسف لا يستأنف) ش: وبه قال الشافعي وابن المنذر والظاهرية م: (لأنه لا يمنع التتابع، إذ لا يفسد به الصوم) ش: أي بالجماع ليلا عامدا أو نهارا ناسيا، فصار كوطء غيرها م: (وهو الشرط) ش: أي التتابع هو الشرط للصوم كفارة وقد وجد م: (وإن كان تقديمه على المسيس شرطا) ش: هذا جواب عما يقال التقديم على المسيس شرط ولم يوجد، فأجاب بقوله وإن كان إلى قوله م: (ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم) ش: يعني الاستئناف م: (تأخير الكل عنه) ش: تأخير البعض هو تأخير الكل.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس) ش: لأنه قال الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وأن يكون خاليا عنه) ش: أي والشرط أيضا أن يكون الصوم خاليا عن الجماع م: (ضرورة بالنص) ش: أي لأجل ضرورة كون الصوم قبل المسيس كونه خاليا عنه بمقتضى النص، وهو قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وهذا الشرط) ش: أشار به إلى خلو الشرط م: (ينعدم به) ش: أي بالمسيس في خلال الشهرين، فإذا كان كذلك م: (فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما) ش: أي من الشهرين م: (يوما بعذر أو بغير عذر

(5/551)


استأنف لفوات التتابع، وهو قادر عليه عادة. وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال. وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك، فلا يصير ملكا بتمليكه،
فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو شعير، أو قيمة ذلك، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أوس بن الصامت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استأنف) ش: الصوم م: (لفوات التتابع) ش: المشروط بالنص م: (وهو قادر عليه) ش: أي على التتابع م: (عادة) ش: أي من حيث العادة، واحترز به عن المرأة إذا أفطرت في كفارة الظهار والقتل بعذر الحيض، فإنها لا تستأنف، لأنها معذورة عادة لا تجد شهرين متتابعين لا تحيض فيها.
م: (وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم؛ لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال) ش: وإن ملك لوجود التنافي بين الرق والملك، فتعين كفارته بالصيام كالفقير م: (وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه) ش: أي بتمليك المولى إياه، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو مروي عن الحسن.
وقال ابن القاسم المالكي: لو أطعم بإذن مولاه أجزأه فلو أعتق لا يجزئه. وقال الأوزاعي: يجزئه، فإنه بإذنه إذا لم يقدر على الصيام.

[لم يستطع المظاهر الصيام]
م: (فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] المجادلة: الآية 4) (ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: من دقيق الحنطة أو سويقها أو نصف صاع من زبيب عند أبي حنيفة، وعندهما صاع من زبيب وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة كذا في الطحاوي م: (أو قيمة ذلك) ش: أي أو يطعم قيمة ذلك، لكن من غير الأعداد المنصوصة مطلقا، وأما في الأعداد المنصوصة فلا يجوز أداؤها قيمة إذا كانت أقل قدرا مما قدر الشرع إن كان من الآخر قيمة، حتى لو أدى نصف صاع من تمر جيد يبلغ قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز، وكذا لو أدى أقل من نصف صاع من حنطة يبلغ قيمته صاعا من تمر أو شعير لا يجوز، والأصل فيه أن كل جنس هو منصوص عليه من الطعام لا يكون بدلا عن جنس آخر هو منصوص عليه، وإن كان في القيمة، لأنه اعتبار لمعنى في المنصوص عليه، وإنما الاعتبار له في غيره.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: تعليل لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -أو يطعم كل مسكين نصف صاع - إلى قوله - أو شعير- وليس بتعليل لقوله - أو قيمة ذلك - أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أوس بن الصامت) ش: الحديث لخولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت أخي عبادة بن

(5/552)


وسهل بن صخر: «لكل مسكين نصف صاع من بر» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصامت، هكذا رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام «عن خولة بنت ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشكو إليه وهو يجادلني فيه، ويقول: اتق الله، فإنما هو ابن عمك، فما برحت حتى أنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ... (المجادلة: الآية1) ، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يعتق رقبة، قالت: لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين، قالت: إنه شيخ كبير لا يستطيع أن يصوم، قال: يطعم ستين مسكينا، قالت ليس عنده شيء يتصدق به، قال فإني أعينه بعرق من تمر، قالت: يا رسول الله وأنا أعينه بعرق من تمر، قال: أحسنت، فأطعمي بهما ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك".» قال والعرق ستون صاعا.
م: (وسهل بن صخر «لكل مسكين نصف صاع من بر") » ش: والصواب سلمة بن صخر، وكذا ذكر في " المبسوط ". قال أبو عمر بن عبد البر: هو سلمة بن صخر بن سليمان بن حارثة الأنصاري ثم البياضي مدني، ويقال سلمان بن صخر وسلمة أصح، وهو الذي ظاهر من امرأته ثم وقع عليها، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكفر، وكان من البكائين. وقال أبو عمر أيضا: سهل بن صخر له صحبة ورواية حديثة عن يوسف بن خالد عن أبيه عن جده أنه أوصاه وقال: يا نبي الله أملكت ثمن عبد فأشتري عبدا، فإن الحدود في نواصي الرجال، ولم يذكر له شيئا متعلقا بالظهار.
وقال الذهبي: سهل بن صخر الليثي، وقيل سهل نزل البصرة وحديثه عند خالد السمتي عن أبيه، ولم يذكر شيئا غير ذلك، وقد عرفت من ذلك تقصير صاحب" الهداية " فيما ذكره وأعجب من هذا الأترازي الذي طول الكلام في هذا الموضع وقوة الناظر فيه. وقال في معرض الاستدلال: ولنا ما روى الشيخ أبو الحسن الكرخي في "جامعه" «في قصة خولة إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فليطعم وسقا من تمر ستين مسكينا.» ثم قال: والحديث مسند في "سنن أبي داود " بطوله، انتهى. وكان ينبغي أن يذكر الحديث بلفظ ما رواه أبو داود بسنده.
وأشد عجبا منه الأكمل حيث قال في شرحه: وما ذكره المصنف موافق لما ذكره المستغفري في "معرفة الصحابة" قال: سهل بن صخر ونظر فيه في موضعين، أحدهما أن الأصح فيه سهل مكبرا كما ذكرناه، ولم ينبه عليه، بل بلغه كما وجد بخطوط من لا يعتبر نقلهم، والآخر ادعى أنما ذكره المصنف موافق إلى آخره وليت شعري من أين هذه الموافقة، لأن المصنف ذكر هذا دليلا

(5/553)


ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر. وقوله - أو قيمة ذلك - مذهبنا، وقد ذكرناه في الزكاة. فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز لحصول المقصود، إذ الجنس متحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لما ذكر ولم يرد شيئا أصلا عن سهل بن صخر مما يتعلق بالظهار. وكان المستغفري ذكره في الصحابة لا يستلزم رواية شيء منه في الظهار، وليس المقصد من ذكر المصنف إياه معرفة كونه صحابيا ليس إلا. وكذا الكاكي قال: سهل بن صخر، كذا أورد ( ... ) المستغفري والحال بالحال.
وقال أيضا: لنا حديث أوس بن الصامت كما ذكر في المتن، رواه أبو داود وأحمد، وقد قلنا إن الحديث لخولة بنت ثعلبة، ولم يجرد الحديث. واكتفى بقوله كما ذكر في المتن، فإن هذه الأشياء من التقليد، والشافعي هنا يطعم مدا من الطعام ويجب ذلك من غالب قوت البلد من الحبوب والثمار التي يجب فيها الزكاة وقال مالك: يجب مد بمد هشام، وهو مدان بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل إنه دونهما، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نص على مدين في فدية الأذى والظهار مثله. وقال أحمد: يجب من البر مد، ومن التمر ومن الشعير مدان، لأنه روي عن عطاء عن أوس أخي عباده بن الصامت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعطى خمسة عشر صاعا من شعير» .
قال أبو داود: هذا منقطع، لأن عطاء لم يلق أوسا.
م: (ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين، فيعتبر بصدقة الفطر) ش: يعني في المقدار، لكن بينهما فرق، فإنه يجوز التفريق في صدقة الفطر، فإن أدى منا من الحنطة إلى مسكين ومنا آخر وهذا لا يجوز بل يجب عليه أن يتم على ذلك المسكين، فإنه لم يجد يستأنف على غيره، لأن المعتبر في صدقة الفطر المقدار دون العدد، وفي الكفارة العدد بالنص، قال تعالى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، كذا في " مبسوط فخر الإسلام " و" شرح الطحاوي. " م: (فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز) ش: هذه من مسائل الأصل، ولم يذكر في القدوري ولا في الجامع الصغير ذكرها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على سبيل التفريع، ولفظ الأصل: ولو أعطى لكل مسكين مدا من بر أو مدين من شعير أو تمر أجزأه م: (الحصول المقصود) ش: وهو دفع حاجة الفقير م: (الجنس متحد) ش: وهو الكفارة، وهو متحد من حيث الإطعام، لأن كل واحد من الأصلين أصل، فيجوز النصف من كل واحد منهما، وهو سد خلة المحتاج في يومه يحصل ذلك بخلاف ما إذا أعطى من صنف أقل مما قدر فيه، لكنه

(5/554)


وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه، لأنه استقراض معنى، والفقير قابض له أولا ثم لنفسه، فتحقق تملكه ثم تمليكه. فإن غداهم وعشاهم جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يساوي كمال الواجب من صنف، فإنه لا يجوز، كما إذا أعطى مدا وهو يساوي صاعا من شعير إذا أعطى نصف صاع من تمر، وهو يساوي نصف صاع حنطة لا يجوز، لأن الرديء غير المنصوص، فلا يعتبر فيه القيمة.
فإن قيل: لو أعتق نصف رقبتين بأن كان بينه بين شريكه رقبتين فأعتق نصيبه منهما من الكفارة لا يجوز مع أن الجنس متحد من حيث الإعتاق. قلنا نصف الرقبتين ليس برقبة كاملة، إذ الشركة في كل رقبة تمنع التكفير، بخلاف الأضحية بأن ذبحا شاتين عن أضحيتهما حيث يجوز لأن الشركة تمنع الأضحية كما في البدنة، كذا في " المبسوط ".
م: (وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، ذكر بسبيل التفريع م: (لأنه استقراض معنى) ش: أي لأن أمره بالإطعام عنه طلب الفرض منه من حيث المعنى م: (والفقير قابض له أولا، ثم لنفسه) ش: أي قابضا له نيابة عنه، ثم يكون قابضا لنفسه م: (فتحقق تملكه) ش: أي تملك الأمر.
م: (ثم تمليكه) ش: أي ثم يتحقق تمليكه إلى الفقير، كما لو وهب الدين من غير من عليه الدين وأمره بقبضه، فإنه يجوز لأنه يصير قابضا للواهب، ثم يجعله لنفسه، كذا هنا. ولا يقال كيف يجعل الفقير نائبا، وهو مجهول، والرضا بكونه نائبا شرط، لأنا نقول إنما يراعى شرائط النيابة إذا كانت قصدية لا ضمنية لما عرف أن ما ثبت ضمنا لا يراعى شرائطه.
قال الكاكي: ويرد على ظاهر الرواية التزوج على عبد الغير أو ثوب الغير، فإنهما يجعل فيهما قرضا لا هبة، وإن كان في القرض شك والفرق أن في معنى الإطعام معنى القربة والصدقة، فيقصد بذلك الثواب والأجر دون المال، بخلاف غيره. ومنهم من يقول الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد المحتاج، ولهذا لا تضر الجهالة في الصدقة، لأن القابض معلوم، ولهذا لو تصدق بدار تحتمل القسمة على فقيرين جاز، وعلى غنيين لا يجوز، والفرق أن القابض في الصدقة معلوم دون الهبة.
م: (فإن غداهم وعشاهم جاز) ش: هذه من مسائل القدوري، أي فإن غدى ستين مسكينا يعني أطعم الغداء، وهو طعام الغداة قوله - وعشاهم - أي أطعمهم العشاء، وهو طعام العشاء الراوية بالواو لا بأو، فإن التغذية الواحدة دون التعشية، والتعشية من غير التغذية لا يجوز ذكره في " المبسوط ". وعن أبي حنيفة لو غدى ستين مسكينا وعشى آخرين لا يجوز.
وقال الكاكي: وما في بعض نسخ الهداية إن عشاهم أراد به غداهم غدائين أو عشاهم

(5/555)


قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه إلا التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر، وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة. ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام، وهو حقيقة في التمكين من الطعم وفي الإباحة ذلك، كما في التمليك. أما الواجب في الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء، وهما للتمليك حقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشاءين، ذكره في " المحيط "، فعلم أن المراد غداآن أو عشاآن أو غداء وعشاء م: (قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا) ش: أي بعدما شبعوا، إذ القصد الشبع لا المقدار، لأن المقصود دفع حاجة اليوم. وفي المحيط المعتبر أكلتان مشبعتان، ولا يعتبر فيه مقدار الطعام، حتى لو قدم أربعة أرغفة أو ثلاثة في كفارة اليمين بين يدي عشرة وشبعوا أجزأ وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع.
ولو كان أحدهما شبعان هل يجوز اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز لأنه وجد إطعام العشرة وقال بعضهم لا يجوز لأن المأخوذ عليه إشباع العشرة، ولم يوجد، وبقولنا قال إبراهيم النخعي ومالك.
م: (وقال الشافعي لا يجزئه إلا التمليك) ش: وبه قال أحمد، وإنما يعتبر فيه التمليك دون الإباحة م: (اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر) ش: أي قياسا عليهما م: (وهذا) ش: أي وجه اعتبارها بالزكاة وصدقة الفطر م: (لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة) ش: لأن الإباحة ليست مثل التمليك في دفع الحاجة.
م: (ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام) ش: وهو جعل الغير طاعما م: (وهو حقيقة في التمكين من الطعم) ش: بضم الطاء وهو الطعام، والطعام بالفتح مذاق الشيء م: (وفي الإباحة ذلك) ش: أي الإطعام م: (كما في التمليك) ش: أي كما في معنى التمليك الإطعام، فإذا كان كذلك فيتأدى الواجب بكل واحد منهما، فكانت الإباحة ثابتة بالنص، والتمليك في معناه بل هو فوقه فيما هو المقصود، وهو سد خلة الفقير وإغناؤه.
م: (أما الواجب في الزكاة) ش: جواب عن قول الشافعي اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر وتقريره أن الواجب في الزكاة م: (الإيتاء) ش: وهو الإعطاء م: (وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك) ش: أي المعنى التمليك م: (حقيقة) ش: فلا يجوز الإباحة وفي الكافي الأصل أن الإباحة تصح في كفارة الظهار، والإفطار واليمين، وجزاء الصيد والفدية دون الصدقات كالزكاة وصدقة الفطر والحلق عن الأذى والعشر، فإنه يشترط فيها التمليك، وفي صدقة الحلق عن الأذى خلاف بين أبي يوسف ومحمد، فأبو يوسف يجوز الإباحة ومحمد يشترط فيه التمليك.

(5/556)


ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه، لأنه لا يستوفيه كاملا، ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع، وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام. وأن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه، وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه، لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره، وهذا في الإباحة من غير خلاف، وأما التمليك من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه، وقد قيل يجزئه، لأن الحاجة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه) ش: هذه من مسائل كتاب الأيمان ذكره بسبيل التفريع، أي ولو كان في المساكين الستين الذين عشاهم صبي فطيم عن اليمين لا يجزئه م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي الفطيم م: (لا يستوفيه كاملا) ش: لأنه تعشيته وتغذيته ناقصة، فلا تجزئ عن الكامل فإن قيل تجزئ في البالغين قليلا ما أكلوا أو كثيرا، فينبغي أن يجزئه في الفطيم، قيل له صلاحية الأكل التام أقيمت مقام الأكل التام فيهم، ما نحن فيه بخلافه.
م: (ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع) ش: أورد هذا أيضا على سبيل التفريع، والإدام مما لو قدم به، وهو الذي يؤكل شبعا لغيره، وإنما شرط الإدام في خبز الشعير دون خبز البر، لأن الفقير لا يستوفي من خبز الشعير حاجته إلا إذا كان مأدوما كذلك في الذرة والدخن بخلاف خبز البر فإنه يستوفي منه حاجته ولم يكن مأدوما قال العضدي: وكذلك لو غداهم أو عشاهم بسويق تمر قالوا هذا في ديارهم، أما في ديارنا فلا بد من الخبز.
م: (وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام) ش: لأنه إدامته فيها لا سيما إذا كان سنخا، وإنما يتوقف أكله على الإدام عند أهل الرفاهية دون المساكين. م: (وإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه) ش: يعني إذا كانت أكلتين مشبعتين في كل يوم. وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه لا يجوز، كذا في شرح الطحاوي، وبه قال الشافعي وأحمد في الأظهر م: (وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه؛ لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره) ش: بخلاف ما إذا أعطاه في يوم واحد، لأن الواجب التفريق على ستين مسكينا ولم يوجد ذلك لا حقيقة لأنه مسكين واحد ولا حكما لعدم تجدد الحاجة بخلاف المسألة الأولى لأن إطعامه في ستين يوما كإطعام ستين مسكينا لما قلنا.
م: (وهذا في الإباحة من غير خلاف) ش: أي عدم الإجزاء فيما إذا أعطى كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق الإباحة بلا خلاف، يعني لا تجزئه إلا بتجدد الأيام، لأن الواحد لا يستوفي ما يستوفي ستون مسكينا في يوم واحد. م: (وأما التمليك) ش: يعني إذا أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق التمليك م: (من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات، فقد قيل لا يجزئه) ش: وهو الأصح، كذا في المحيط لأن المعتبر سد الخلة م: (وقد قيل: يجزئه؛ لأن الحاجة إلى

(5/557)


التمليك، تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة، لأن التفريق واجب بالنص. وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف، لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس، إلا أنه يمنع من المسيس قبله، لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس. والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه.
وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من بر، لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه عنهما، وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما. له أن بالمؤدى وفاء بهما، والمصروف إليه محل لهما، فيقع عنهما كما لو اختلف السبب أو فرق في الدفع. ولهما أن النية في الجنس الواحد لغو. وفي الجنسين معتبرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التمليك تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة؛ لان التفريق واجب بالنص) ش: فإذا جمع لا يجزئه إلا عن واحد كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة، كذا في " المبسوط ".
م: (وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف؛ لأنه عز وجل ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، لأن مالكا يستأنف، واعتبر بالصوم م: (إلا أن يمنع من المسيس قبله) ش: أي قبل الإطعام م: (لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس) ش: فالمنع لا لمعنى المسيس لتوهم القدرة على الإعتاق فيكون لمعنى في غيره م: (والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه) ش: فلا يقتضي الفساد كالبيع وقت النداء والصلاة في الأوقات المكروهة.

[أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر]
م: (وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يكون عليه طعام مائة وعشرين مسكينا عن ظهارين، فأطعم ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من حنطة من ظهارين من امرأة واحدة أو امرأتين لم يجزئه إلا من إحداهما في قول ٍأبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقال محمد يجزئه عنهما) ش: أي عن ظهارين م: (وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما) ش: أي عن الإفطار والظهار بالإعتاق، م: (له) ش: أي محمد م: (أن بالمؤدى) ش: وهو قدر الصياع م: (وفاء بهما) ش: أي بكفارتيهما لكل واحد من ستين مسكينا م: (والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما) ش: أي عن الكفارتين م: (كما لو اختلف السبب) ش: يعني أطعم ذلك من ٍإفطار وظهار م: (أو فرق في الدفع) ش: بأن أعطى مسكينا نصف الصاع عن إحدى الكفارتين، ثم أعطى النصف الآخر إياه عن الكفارة الأخرى جاز بالاتفاق. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن النية في الجنس الواحد لغو) ش: لأن النية للتميز بين الأجناس المختلفة أو لتمييز المشترك ولا يوجد ذلك في الجنس الواحد م: (وفي الجنسين معتبرة) ش: ألا ترى

(5/558)


وإذا لغت النية والمؤدى يصلح كفارة واحدة، لأن نصف الصاع أدنى المقادير فيمنع النقصان دون الزيادة فيقع عنها، كما إذا نوى أصل الكفارة، بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر. ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء، وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه عن أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز، ولا يجب فيه نية التعيين وفي قضاء رمضان وصوم النذر يفتقر إلى تعيين النية لاختلاف جنسهما.
فإن قيل: لو أعتق عبدا عن أحد الظهارين بعينه صح نية التعين ولم يجعل لغوا في جنس واحد، ولهذا حل وطء التي (هي) عينها. قلنا أفاد الحل التي رفع حرمتها بعينها.
فإن قيل: تعلق بنية الظهارين هنا غرض صحيح، وهو رفع الحرمة عنهما، فوجب أن يصح. قلنا: إعتاق الرقبة يصلح كفارة عن إحدى الظهارين قدرا ومحلا فصحت بنيته. فأما إطعام ستين مسكينا صاعا إن كان يصلح عن الظهارين قدرا لا يصلح محلا لهما لأن محل الظهارين مائة وعشرون مسكينا عند عدم التفريق، فإذا زاد في الوظيفة ونقص عن المحل وجب أن يعتبر قدر المحل احتياطا، كما لو أعطي ثلاثين مسكينا كل واحد صاعا.
م: (وإذا لغت النية، والمؤدى يصلح كفارة واحدة لأن نصف الصاع أدنى المقادير) ش: يعني أدنى المقادير م: (فيمنع النقصان دون الزيادة) ش: لأن الشيء إذا وجب مطلقا، ثم ورد الشرع بالتقدير، وذلك التقدير لا يمنع الزيادة، فإذا كان كذلك م: (فيقع عنها) ش: أي عن الكفارة الواحدة م: (كما إذا نوى أصل الكفارة) ش: فإنه يقع عن إحداهما بالاتفاق م: (بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر) ش: هذا جواب عن قول محمد: أو فرق في الدفع، حاصلة أن قياسه على هذا غير صحيح، ووجه يظهر عن المتن.
م: (ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينهما جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر، أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز، لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة) ش: بكسر الياء المشددة م: (وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء) ش: هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر، لخروج الأمر من يده.
م: (وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر: لا يجزئه عن أحدهما

(5/559)


في الفصلين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين، لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد. وجه قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن أحدهما بعد ما أعتق عنهما، لخروج الأمر من يده. ولنا أن نية التعيين في الجنس المتحد لا يفيد فتلغو، وفي الجنس المختلف يفيد، واختلاف الجنس في الحكم - وهو الكفارة ها هنا - باختلاف السبب، نظير الأول إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد، ونظير الثاني إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الفصلين. وقال الشافعي: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين؛ لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد) ش: فالنية في الجنس الواحد لا تفيد، ويبقى نية أصل الكفارة، وذلك يكفي، فله أن يجعل بعد ذلك عن أيهما شاء. وقال أبو ثور: يقرع في الظهارين أيهما أصابتها القرعة حل وطؤها م: (وجه قول زفر أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن إحداهما بعد ما أعتق عنها؛ لخروج الأمر من يده) ش: بعد ما أعتق، فصار كما إذا أعتق عن ظهار وقتل.
م: (ولنا أن نية التعين في الجنس المتحد لا يفيد، فتغلوا) ش: أي نيته، هذا جواب عما يقال: لا نسلم اختلاف الجنس، فإن الحكم وهو الكفارة ها هنا بالإعتاق في القتل والظهار واحد، فأجاب بقوله: واختلاف الجنس م: (وفي الجنس المختلف يفيد) ش: للتمييز م: (واختلاف الجنس في الحكم وهو الكفارة ها هنا السبب) ش: فإن القتل يخالف الظهار لا محالة، واختلاف السبب يدل على اختلاف الحكم؛ لأن الحكم ملزوم السبب، واختلاف الملزوم يدل على اختلاف الملزومات، ولما اختلفت الجنس صحت النية، فكان إعتاق رقبة واحدة عن كفارتين مختلفتين، فيكون لكل منهما نصف الرقبة، فلا يجوز. ثم نظر المصنف لكل واحد من الجنس المتحد والمختلف بما ذكره في " الفوائد الظهيرية ".
فقال م: (نظير الأول) ش: يعني الجنس المتحد م: (إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد) ش: بناء على لغوية التوزيع وبقاء أصل النية، إذ الجنس متحد م: (ونظير الثاني) ش: يعني الجنس المختلف م: (إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز) ش: فإن نوى من الليل أن يصوم غدا عنهما كانت النية غير معتبرة، فلا يصير صائما أصلا إذ الجنس مختلف.
فإن قيل: إذا نوى ظهارين في يومين فإنه لا يجوز عن واحد وإن اتحد الجنس. قلنا: لا نسلم اتحاد الجنس، لأنه يختلف باختلاف الخطاب والسبب، فإن لكل منهما سببا وخطابا على حدة، فإما الخطاب فظاهر، وأما السبب فإن دلوك الشمس في اليوم الثاني غير الأول، بخلاف

(5/560)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاء رمضان، لأن الخطاب بزمان يجمعها، وهو الشهر، ولا يحتاج إلى تعيين يوم السبت والأحد، حتى إذا كان في قضاء من رمضانين شرط التعيين، ذكره قاضي خان.
فروع: في " المنتقى " عن أبي يوسف: لو تصدق بدرهم عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا. وفي " جوامع الفقه " ظاهر عن أربع فأعتق عبدا عنهن، ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عنهن جاز استحسانا لاتحاد الجنس ونقصان الهلال لا يمنع، وفي " الخزانة " صام تسعة وعشرين يوما بالهلال وصام قبله خمسة عشر يوما جاز.
وقيل: لا يجوز ويجب إتمامه بالعدد. وفي " الإشراف " يجزئه بالأهلة ثمانية وخمسون يوما، وبه قال الثوري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد، وإن لم يستقل الهلال.
وقال الزهري: يصوم ستين يوما. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن صومه ستين يوما إن صام بغير الأهلة.
وفي " المنهاج ": يجوز إعتاق عبديه عن كفارته في كل واحد نصف وعندنا لا يجوز، وإعتاق العبد الحربي في دار الحرب عن الكفارة والعبد المستأمن يجوز خلافا للأئمة الثلاثة، ولا يجوز صرف الكفارة إلى فقير أهل الحرب، وإن كان مستأمنا ويجوز إلى فقير أهل الذمة، خلافا لأبي يوسف والأئمة والثلاثة، وفقير المسلمين أحب عندنا. ولو قال الآخر: أعتق عبدك عن كفارتي فأعتقه عن كفارته أجزأه، وعندنا إذا لم يشترط عن عوض لا يقع عن الأمر. وعن أحمد روايتان.

(5/561)