البناية شرح الهداية

باب أحكام اللعان قال: إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب أحكام اللعان] [قذف الرجل امرأته بالزنا]
م: (باب أحكام اللعان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اللعان وهو مصدر من لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا، وأصله من اللعن، وهو الإبعاد والطرد في اللغة، يقال: التعن، أي لعن نفسه ولاعن إذا لعن غيره، ورجل لعنة بفتح العين إذا كان كثير اللعن لغيره ولعنة بسكونها إذا لعنه الناس كثيرا، ومعناه شرعا عبارة عما يجري بين الزوجين من الشهادات الأربع، واللعن والغضب، وسمي الكل لعانا لما فيه من ذكر اللعن كالصلاة تسمى ركوعا لما فيها من الركوع، وكالتحيات تسمى تشهدا لما فيها من التشهد وركنه الشهادة المؤكدة باليمين، وسببه قذف الرجل زوجته قذفا يوجب الحد في الأجانب، وشرطه قيام النكاح. وحكمه حرمة الوطء بعد التلاعن. وأهله من كان أهلا للشهادة عندنا حتى لا يجزئ بين مملوكين أو أحدهما صبي أو مملوك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رحمة الله تعالى - م: (إذا قذف الرجل امرأته بالزنا) ش: سواء في ذلك قوله رأيتك تزنين، وقوله أنت زانية ويا زانية عند الجمهور، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي المشهور عنه لا يجب بقوله: يا زانية أو أنت زانية بل يجب فيه الحد، وبه قال الليث وعثمان البتي ويحيى بن سعيد م: (وهما من أهل الشهادة) ش: يعني من أهل الأداء، ولهذا لا يجزئ بين مملوكين.
فإن قلت: يجزئ بين الأعميين والفاسقين، مع أن الشهادة لهؤلاء.
قلت: الأعميان من أهل الشهادة، وعدم قبول شهادتهما لعدم التمييز بين المشهود له، وعليه لو قضى القاضي بشهادة الفاسقين جاز. وقال في " النهاية ": ولو قضى القاضي بشهادة هؤلاء جاز.
م: (والمرأة ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها أو كان لها ولد وليس له أب معروف لا يجزئ اللعان، أو زنت في عمرها ولو مرة، أو وطئت وطئا حراما ولو مرة، ذكره الأسبيجابي م: (أو نفى نسب ولدها) ش: بأن قال: هذا الولد من الزنا، أو قال: ليس مني قبل الإقرار بالولد. وقيل: مضي التهنئة التي هي قائمة مقام الإقرار، بخلاف ما إذا نفى الحبل، حيث لا لعان ولا حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يجيء م: (وطالبته بموجب القذف) ش: أي طالبت المرأة زوجها بموجب القذف م: (فعليه اللعان) ش: أي فعلى الزوج اللعان، أي يلاعنها، وإنما شرطت مطالبتها، لأنه حقها، لأنه لبراءة عرضها حيث قذفها بالفجور، فاشترطت مطالبتها كسائر حقوقها، حتى لو كانت كفت عن

(5/562)


والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها، لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، والاستثناء إنما يكون من الجنس، وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مدافعته، فهي امرأته.
م: (والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان) ش: إنما قال: عندنا، لأن عند الشافعي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، حتى إن عند أهل اللعان من كان أهلا للشهادة، وعنده من كان أهلا لليمين، فلا يجري اللعان إلا بين زوجين مسلمين حرين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف عندنا وعنده يجري بين المسلم وامرأته الكتابية، وبين الكافر وامرأته وبين العبد وامرأته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية كقولنا م: (مقرونة باللعن والغضب) ش: صفة لما قبله، وهذا المجموع هو اللعان، وهو ركن اللعان م: (قائمة) ش: أي اللعان قائمة إنما أنثه باعتبار الملاعنة أو باعتبار أنه شهادات إلى آخره م: (مقام حد القذف من حقه) ش: أي في حق الزوج، ولهذا يشترط كونها ممن يحد قاذفها ولا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا.
م: (ومقام حد الزنا في حقها) ش: أي في حق الزوجة، ولهذا لو قذفها مرارا يكفي لعانا واحدا كالحد م: (لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى قال {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، واستثناء الأزواج من الشهداء م: (والاستثناء إنما يكون من الجنس) ش: هذا هو الأصل، ولا شهداء إلا بالشهادة، ولا شهادة فيما نحن فيه إلا كلمات اللعان، فدل أنها شهادات أكدت بالأيمان نفيا للتهمة.
م: (وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين) ش: لأن الحاجة ها هنا إلى إيجاب الحكم في الطرفين، والذي يصلح لإيجاب الحكم الشهادة دون اليمين، إلا أنها مؤكدة باليمين، لأن يشهد لنفسه، التأكيد باليمين لا يخرجه من أن يكون شهادة. فقلنا الركن الشهادة المؤكدة باليمين عملا بحقيقة لفظ القرآن والسنة على ما يأتي.
وقال الماوردي في " الحاوي ": وتأويل أبي خطأ، لأن شهادة المرء على نفسه غير مقبولة (بل) فاسدة، لأن من قال بحقيقة لفظ الشهادة المذكورة في القرآن والحديث لم يكن قوله تأويلا، بل التأويل قول من ترك حقيقة اللفظ بالإشهاد الفاسد وتعطيل القرآن بالحديث.

(5/563)


ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا، وهو قائم مقام حد القذف، وفي جانبها بالغضب، وهو قائم مقام حد الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما شهادته لنفسه فغير مقبولة لمكان التهمة، لا لأنه لا يصلح للشهادة، ألا ترى إلى قوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] ... الآية، وكان من أصدق الشهادات لانتفاء التهمة والتهمة فيما نحن فيه منتفية باليمين، مع أنها بإذن الله تعالى أو شرع رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأما تكرار الشهادة لقيامها مقام أربع شهادات، فإن الواجب عليه إقامة أربع شهادات من شهود أربعة، وقد عجز عن إقامة شهود أربعة، ولم يعجز عن إقامة أربع شهادات فما عجز عنه.
م: (ثم قرن الركن) ش: هو الشهادة م: (في جانبه) ش: أي في جانب الزوج م: (باللعن لو كان كذابا) ش: تأكيدا م: (وهو قائم مقام حد القذف) ش: ولهذا لا يثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بشهادة النساء، وكتاب القاضي إلى القاضي م: (وفي جانبها) ش: أي وفي جانب الزوجة م: (بالغضب) ش: أي قرن الشهادة بالغضب، وإنما خص الغضب في جانبها في المرة الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا في البيوت على ما جاء في الحديث: أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، وسقطت حرمة اللعن عند أعينهن فيجرين على الإقدام عليه لكثرة حربه، فأقيم الغضب مقامه في حقهن ليكون أدعى لهن عن الإقدام، وإنما أفردت الخامسة بالغضب لأنها ليست من جنس الشهادة لعدم ذكر الشهادة فيها م: (وهو قائم مقام حد الزنا) ش: ولهن لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد.
فإن قيل ما معنى إقامة الشهادة مقام الحد في الطرفين، وهنا المناسبة بين الحد والشهادة أجيب بأن الحد زاجر، والاستشهاد بالله تعالى كاذبا مقرونا باللعن على نفسه سبب الهلاك، وفي ذلك زجر عن الإقدام على سببه.
فإن قيل: لو كان اللعان قائما في حقه مقام حد القذف لجرى كجريانه في الاتحاد والتعدد، وليس كذلك، فإن من قذف أربع نسوة له في كلمة واحد، وفي كلام متفرق فعليه أن يلاعن عن كل واحدة منهن على حدة، وإن قذف أجنبيان فإنه يقام عليه حد القذف لهذا مرة واحدة. أجيب: بأن اللعان قائم في حقه مقام امرأته لا مطلقا، لأنه صار بدلا عما كان يلزمه في الابتداء بقذفها، فلا يرد عليه الأجنبيات، على أن ذلك لاختلاف المقصود، فإن المقصود هنا رفع عار الزنا عنهن، وذلك يحصل بإقامة حد واحد، وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد تعذر الجمع بينهن بكلمات اللعان، فقد يكون صادقا في حق بعض دون بعض، والمقصود التفريق بينه وبينهن، ولا يحصل ذلك بلعان بعضهن، فيلاعن كلا منهن، حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه لهن حد واحد، لأن موجب قذفهن الحد حينئذ، والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات.

(5/564)


إذا ثبت هذا نقول لا بد أن يكونا من أهل الشهادة، لأن الركن فيه الشهادة، ولا بد أن تكون هي ممن يحد قاذفها لأنه قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها، ويجب بنفي الولد، لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا لها ظاهرا، ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف وهذا لأن الأصل في النسب هو الصحيح، والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به، ويشترط طلبها لأنه حقها فلا بد من طلبها كسائر الحقوق. فإن امتنع عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني إذا ثبت أن الأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان م: (نقول لا بد أن يكون من أهل الشهادة، لأن الركن فيه) ش: أي في اللعان م: (الشهادة، ولا بد أن تكون هي) ش: أي المرأة م: (ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كان من أهل الشهادة والمرأة ممن لا يحد قاذفها، بأن كان معها ولد لا أب له معروف لا يجب اللعان م: (لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها) ش: أي إحصان المرأة م: (ويجب بنفي الولد) ش: أي يجب اللعان إذا نفى ولده بأن قال هذا الولد من الزنا، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا ظاهرا) ش: كما إذا نفى أجنبي نسب ولد عن أبيه المعروف، فإنه يكون قاذفا للمرأة، وكذلك هذا.
م: (ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه) ش: أي بنسب الولد م: (عن أبيه المعروف) ش: فإنه التباس قذف صريح م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره م: (لأن الأصل في النسب الصحيح) ش: أي الفراش الصحيح م: (والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به) ش: وفي " المبسوط ": الولد من الوطء بشبهة ثابتة بالنسب عن النسيان، والذي لا يكون ثابت النسب عن أحد يكون من الزنا ولا نسب لها الولد إلا منه. فإذا نفاه فقد زعم أن لا نسب له، فيكون قاذفا بالزنا. وقال الشافعي: لا يصير قاذفا بالنفي ما لم يقل إنه من الزنا، لجواز أن يكون من الوطء بشبهة، كما قال لأجنبية ليس هذا الولد من زوجك، والقياس ما قاله، إلا أنا تركناه بالضرورة، لأن الزوج قد يعلم أن الولد ليس منه بأن لم يطأها وعزلها عزلا بينا، فاكتفى بنفي الولد، حتى ينتفي منه نسب الولد، وهذه الصورة معدومة في حق الأجنبي. قيل ذكر في " جوامع الفقه " وغيره: لو قال وجدت معها رجلا يجامعها ليس بقذف لها، لأنه يحتمل الحل والجماع بشبهة، والنكاح الفاسد، فكان ينبغي أن يكون كذلك هنا، لأنه] ... [بالزنا. أجيب عنه جعلناه كالصريح بالزنا بالضرورة كما بينا.
م: (ويتشرط طلبها) ش: أي طلب المرأة بموجب القذف م: (لأنه حقها، فلا بد من طلبها كسائر الحقوق) ش: لأنه باللعان يندفع عنه عار الزنا، وبه قالت الثلاثة م: (فإن امتنع عنه) ش: أي

(5/565)


حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد لأنه حق مستحق عليه، وهو قادر على إيفائه، فيحبس به حتى يأتي بما هو عليه أو يكذبه نفسه ليرتفع السبب. ولو لاعن وجب عليها اللعان لما تلونا من النص إلا أنه يبتدأ بالزوج، لأنه هو المدعي. فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه، لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه.
وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد، لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته، فيصار إلى الموجب الأصلي، وهو الثابت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية (الآية 4: النور) ، واللعان خلف عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن اللعان م: (حبسه الحاكم حتى يلاعن) ش: وهذا عندنا. وقال الشافعي ومالك وأحمد يقام عليه حد القذف بناء على أن موجب القذف عندهم الحد، وعندنا اللعان م: (ويكذب نفسه فيحد، لأنه حق مستحق عليه) ش: أي على الزوج م: (وهو قادر على إيفائه) ش: قال الأكمل: قيل هذا احتراز عن المديون المفلس، فإن الدين مستحق، ولكنه غير قادر على إيفائه فلا يحبس. قلت: القائل بهذا " الكافي "، فإنه هكذا شرح هذا الموضع م: (فيحبس فيه، حتى يأتي بما هو عليه أو يكذب نفسه) ش: فإذا كذب نفسه فحينئذ يجب عليه حد القذف م: (ليرتفع السبب) ش: أي سبب اللعان، أي علته وهو التكاذب، لأن اللعان إنما يجب إذا كذب كل واحد منهما الآخر فيما يدعيه، حتى لو كذب نفسه لا يجب اللعان، وفي بعض النسخ ليرتفع الشين، أي العار بالتكاذب، وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون.
م: (ولو لاعن) ش: أي الزوج م: (وجب عليها اللعان لما تلونا من النص) ش: وهو قوله عز وجل {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) م: (إلا أنه يبتدئ بالزوج، لأنه هو المدعي) ش: بناء على أن اللعان شهادات، والمطالب بها هو المدعي والاستثناء بمعنى لكن، كأنه استشعر أن يقال المتلو من النص لا يدل على المبدوء به، فقال إلا أنه يبدأ به. (فإن امتنعت حبسها الحاكم، حتى تلاعن أو تصدقه) ش: أي تصدق الزوج م: (لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه) ش: وقال الشافعي ومالك: لا تحبس بل ترجم للزنا بعد الدخول بها، ولأحمد في حبسها روايتان.

[الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته]
م: (وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد) ش: صورة ما إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة بأن كان الزوجان كافرين فأسلمت المرأة فقذفها الزوج قبل عرض الإسلام عليه م: (لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته) ش: وهو كونه ليس من أهل الشهادة م: (فيصار إلى الموجب الأصلي) ش: وهو حد القذف م: (وهو الثابت بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (النور: الآية 4) م: (واللعان خلف عنه) ش: فإنه كان هو المشروع أولا، ثم صار اللعان خلافا عنه في الزوج عند وجود الشرط، فإذا عدمت صير إلى الأصل.

(5/566)


وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف، أو كانت ممن لا يحد قاذفها، بأن كانت صبية، أو مجنونة، أو زانية، فلا حد عليه ولا لعان، لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها، وامتناع اللعان لمعنى من جهتها فيسقط الحد كما إذا صدقته والأصل في ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية، والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة) ش: أي والحال أن المرأة أمته م: أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية) ش: أي وكان ظهور زناها بين الناس كذلك، أو تزوجها بنكاح فاسد أو ولدها من غير أب معروف م: (فلا حد عليه ولا لعان) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن قوله - بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية - فإنه تفسير من المصنف م: (لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها) ش: أي في جانب المرأة م: (وامتناع اللعان لمعنى في جهتها) ش: أي لأجل امتناع وجوب اللعان لعلة في جهة المرأة فإذا كان كذلك م: (فيسقط الحد كما إذا صدقته) أي المرأة أي كما يسقط الحد إذا صدقت المرأة زوجها لأن سقوط اللعان يكون من جهتها وبقولنا قال الشعبي والزهري وحماد ومكحول وعطاء وأحمد في رواية وفي ظاهر مذهبه من كان أهلا لليمين فهو أهل اللعان، كما قال الشافعي ومالك.
م: (والأصل في ذلك) ش: أي في الذي ذكر من البيان م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك والمحدود في قذف امرأته» ش: أقول: ونذكر أولا ما ذكره الشراح هنا، حتى يعرف القصد والتقليد في أمثاله. فقال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا في كتب الحديث " كالموطأ " و" صحيح" البخاري و " سنن" أبي داود و " جامع" الترمذي وغير ذلك، إلا أن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " لمختصر الطحاوي " بإسناده عن عبد الباقي عن نافع عن أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع ليس بينهن ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» انتهى.

(5/567)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الأكمل: قيل هذا الحديث لم يوجد له أصل في كتب الحديث، لكن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " مختصر الكرخي " بإسناده عن عبد الباقي أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل: كفى بأبي بكر الرازي العدالة والفقه والضبط مقتدى، انتهى.
وقال الكاكي بعد أن ذكر الحديث: رواه الشيخ أبو بكر الرازي والدارقطني وفيه: «وليس بين المملوكين ولا الكافرين لعان» ذكره أبو عمر بن عبد البر أيضا وضعفه، ورواه الدارقطني من طرق ثلاث وضعفه، والضعيف إذا روي من طريق يحتج به على ما عرف، انتهى.
فنقول قال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا ... إلى آخره غير صحيح، لأن ابن ماجه والدارقطني وعبد الباقي بن قانع، ذكره فعرفت أنه من المقلدين المقصرين. وقول الأكمل قيل في الموضعين يدل على أنه من المقلدين المقصرين. وأما قول الكاكي فقريب من التوجيه، ولكنه لم يحرره كما ينبغي.
قال الشيخ جمال الدين الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية بعد أن ذكر الحديث المذكور: أخرجه ابن ماجه في "سننه" عن ابن عطاء عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربعة من النساء لا ملاعنة بينهن النصرانية تحت المسلم، واليهودية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» هذا لفظ ابن ماجه وأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن عمرو بن شعيب وقال عن جده عبد الله بن عمرو موقوفا: «أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان» .
وقال الدارقطني: الوقاصي متروك الحديث، ثم أخرج عن عثمان بن عطاء الخرساني عن أبيه عن عمرو به. قال: وعثمان بن عطاء الخرساني ضعيف الحديث جدا، وتابعه يزيد بن زريع عن عطاء وهو ضعيف أيضا. وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن جده انتهى.
قلت: عطاء هذا وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، واحتج به مسلم في صحيحه وابنه عثمان، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: سألت عنه أبي فقال: يكتب حديثه ثم ذكر عن أبيه سألت دحيما عنه فقال: لا بأس به. فقلت إن أصحابه يضعفونه، فقال: وأي شيء حديث عثمان في الحديث، واستحسن حديثه وعثمان بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن أبي وقاص أبو عمرو الوقاصي المالكي قال ابن الجوزي: إنما قيل له المالكي لأن سعدا هو ابن مالك. قلنا هو أبو وقاص، فلذلك نسب إليه وكان هو ضعيفا، فقد أخرج الحديث أيضا عن عمرو بن شعيب غيره.

(5/568)


ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد، لأن اللعان من جهته إذ هو ليس من أهله.
وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع شهادات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى الذهبي في المتن الأحاديث منها ما رواه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: «الكذب يقصر الرزق، والدعاء يرد القضاء نافذ ولله في خلقه قضاء يحدث» .
وقال البيهقي: قال الشافعي: قالوا روي عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا لعان بينهن ... » الحديث. قلنا: رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع. قلت: لم يسم الشافعي المجهول ولا الذي غلط ولا بينهما.
وقال: روي هذا الحديث عن الباقي بن قانع وعيسى بن أبان من حديث حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن صدقة بن أبي ثوبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحماد ومعاوية من رجال مسلم، وصدقة ذكره ابن حبان في كتاب التابعين، قال: وروى عنه معاوية بن صالح، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: روى عنه الوليد وعبيد الله بن موسى، وهذا يخرجه عن جهالة العين والحال.
وقول الشافعي رجل غلط قال الشيخ علاء الدين في الجوهر النقي: أظنه أراد به عمرو بن شعيب وهو ثقة، وقد عمل العلماء بحديثه وعمل به الشافعي في مواضع والبيهقي. وقد خالف الشافعي في قوله إن الحديث منقطع وأثبت اتصاله، وقد تبين بما قلنا إن إسناد الحديث جيد، فلا نسلم قول البيهقي، ولم ينسلخ بيانه إلى عمرو.
م: (ولو كانا) ش: أي الزوجان م: (محدودين في قذف فعليه الحد لأن امتناع اللعان لمعنى من جهته، إذ هو ليس من أهله) ش: هذه من مسائل الأصل ذكرها المصنف على سبيل التفريع، قوله لمعنى من جهته هو كونه ليس من أهل الشهادة.
فإن قلت: هلا اعتبر جانبها وهي أيضا محدودة في القذف ذي الحد.
قلت: المانع من الشيء إنما يعتبر مانعا إذا وجد المقتضي، لأنه عبارة عما ينتفي به الحكم مع قيام مقتضاه، وهنا المانع هو الرجل لكونه الأصل فيه، وإنما يعتبر أهلية المرأة فيه إذا وجدت أهلية الرجل، فإذا لم توجد أهلية الرجل لا يعتبر بحالها في اللعان كالعبد يقذف امرأته المحدودة العفيفة الحرة البالغة، حيث يجب عليه الحد.

[صفة اللعان]
م: (قال: وصفة اللعان) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وصفة اللعان م: (أن يبتدئ القاضي بالزوج) ش: أي يقيم القاضي الزوج بين يديه ويأمره م: (فيشهد أربع شهادات) ش: من

(5/569)


يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مرات، تقول في كل مرة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. والأصل فيه ما تلونا من النص، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يأتي بلفظ المواجهة يقول فيما رميتك به من الزنا لأنه أقطع للاحتمال وجه ما ذكر في الكتاب أن لفظة المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإشهاد بنصب الدال عطفا على قوله أن يبتدئ. واعلم أنها إذا خاصمت إلى القاضي فينبغي أن يقول لها اتركي وانصرفي، ولو تركت وانصرفت ثم خاصمت بعد ذلك ثانيا جاز، لأن العفو عن القذف باطل، فإذا اختصمت وأنكر الزوج فعليها أن تقيم شاهدين عدلين، ولو أقامت رجلا وامرأتين لم يقبل. ولو لم يكن لها بينة فأرادت أن تحلف الزوج على القذف ليس لها ذلك، فإن أقر الزوج بأنه قذفها بالزنا سئل البينة، فإن شهد أربعة أنهم رأوا كالميل في المكحلة، والقلم في المحبرة ينظر إن كانت امرأة محصنة رجمت، وإن كانت غير محصنة جلدت. ولو لم يكن له بينة وجب اللعان إذا اجتمعت الشرائط. وقال في الأصل: يقول له القاضي قم فالتعن فيقوم.
ثم م: (يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك. ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ش: وإذا كان القذف بنفي الولد تقول المرأة في كل مرة فيما رماني به من الزنا في نفي الولد.
م: (والأصل فيه) ش: أي في اللعان على هذه الصورة م: (ما تلونا من النص) ش: وهو فيما مضى بقوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] إلى قوله {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (النور: الآية 6) م: (وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يأتي بلفظ المواجهة) ش: أي المخاطبة م: (يقول فيما رميتك به من الزنا، لأنه أقطع للاحتمال) ش: لأن هاء الغيبة محتملة فكانت المخاطبة أرفع للاحتمال، وبه قال زفر، كذا ذكره في " شرح الأقطع ". م: (وجه ما ذكره في الكتاب) ش: أي القدوري م: (أن لفظ المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال) ش: لأنه يجتمع فيه أداتا تعريف فهو أولى. وفي " تنبيه الشافعية " يسميها إن كانت غائبة ويشير إليها إن كانت حاضرة. وقيل يجمع بينهما، وأنكره السرخسي فقال لا معنى لذكر الاسم والنسب مع الحضرة. وفي " المنهاج ": لو بدل الشهادة بحلف ونحوه أو الغضب يلغيها أو على العكس، قبل تمام الشهادات لم يصح على الأصح.

(5/570)


قال: فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما، وقال زفر: تقع بتلاعنهما، لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث. ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم دل عليه «قول ذلك الملاعن عند النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كذبت عليها يا رسول الله، فقال له: "أمسكها"، فقال: إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» . قاله بعد اللعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[التفرقة بين المتلاعنين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما) ش: تكون الزوجية قائمة ويقع ظهاره وطلاقه ويجري التوارث بينهما إذا مات أحدهما عندنا كذا في شرح الطحاوي م: (وقال زفر: تقع) ش: أي الفرقة م: (بتلاعنهما) ش: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في رواية داود، وهو مروي عن ابن عباس. قال الشافعي: يقع بلعانه كما إذا ارتد أحد الزوجين. وقال أبو بكر الرازي: قول الشافعي خارج لا سلف له فيه، قيل ليس كذلك، لأنه ذكر في المقدمات أنه ظاهر قول مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقال ابن حزم في " المحلى ": قول الشافعي قول لا برهان عليه. وقال عثمان البتي وجماعة من أهل البصرة: لا يتعلق باللعان فرقة بحال، وهو خلاف السنة والحديث.
م: (لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث) ش: قال الأكمل والكاكي: أراد بالحديث قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا» ، نفي الاجتماع بعد التلاعن، وهو تنصيص على نفي الفرقة بالتلاعن، وقال الأترازي: ولزفر قول الصحابة: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا. قلت: الصواب مع الأترازي أنه لم يرو مرفوعا، إنما روي موقوفا على جماعة من الصحابة من ذلك ما رواه أبو داود من حديث ابن شهاب «عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في هذا الخبر، قال فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمضت السنة بعد في المتلاعنين إذا افترقا لا يجتمعان أبدا.» وروى عبد الرزاق في مصنفه: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا موقوفا على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف، فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم) .
م: (قال) ش: المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (دل عليه) ش: أي دل على عدم وقوع الفرقة م: «قول ذلك الملاعن عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا، قاله بعد اللعان» ش: وأراد بالملاعن عويمر العجلاني. وجه الاستدلال أنه قال: كذبت عليها عند

(5/571)


وتكون الفرقة تطليقة بائنة، عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن فعل القاضي انتسب إليه كما في العنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلى آخره، ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو وقعت بينهما بمجرد التلاعن لأنكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن قيل: قد أنكر عليه بقوله: «اذهب فلا سبيل لك عليها» .
أجيب: بأن ذلك ينصرف إلى طلبه رد المهر، فإنه روي أنه قال: «إذا كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبا فلا سبيل لك عليها» والتركيب المذكور قلق جدا، حتى في بعض النسخ دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الملاعن: «إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» قاله بعد اللعان، أي بعد وقوع اللعان وبين النسختين فرق لا يخفى. ولو ذكر الحديث ثم بين وجه الاستدلال لكان أحسن وأوضح.
والحديث رواه مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له عاصم: ما كنت لتأتيني بخبر قد كره رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسألة التي سألته عنها، قال: والله لا أنتهي، حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأسأله عنها فأتى عويمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسط الناس فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أنزل الله تعالى فيك وفي صاحبتك، اذهب فأت بها"، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة الملاعنين، ورواه البخاري في "صحيحه" عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب، ورواه مسلم أيضا وأبو داود. وفي رواية عويمر بن أشقر. وقلنا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أيضا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لاعن بين رجل وامرأته ألحق الولد بأمه» ذكره في " الصحيحين". «وعن سهل بن سعد شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ابن خمس عشر سنين فرق بينهما حين تلاعنا» فهذه الأحاديث الصحاح كلها تدل على عدم وقوع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق بينهما، وكذا إيقاع الطلاق الثلاث، ولم يرد في حديث أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرق بينهما قبل لعان المرأة بعد لعان الرجل، قال الطحاوي: قول الشافعي خلاف القرآن والحديث، وينبغي على قوله أنه لا تلاعن المرأة أصلا، لأنها ليست زوجة عند لعانها.
م: (وتكون الفرقة) ش: أي الفرقة الحاصلة بالتلاعن م: (تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، لأن فعل القاضي انتسب إليه) ش: للنيابة عنه م: (كما في العنين) ش: حيث

(5/572)


وهو خاطب إذا أكذب نفسه، عندهما، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو تحريم مؤبد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا» نص على التأبيد. ولهما أن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها، ولا ويجتمعان ما داما متلاعنين، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب فيجتمعان، ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يؤجله القاضي سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة الفرقة، والفرقة بالطلاق لا تتأبد، غير أنها بائنة، لأن المقصود دفع الظلم عنها فلا يحصل ذلك إلا بالبائن، وهما يحتجان أيضا بما روى مسلم عن إبراهيم النخعي أنه قال: اللعان تطليقة بائنة، ولأن الثابت بالنص اللعان، فلو أثبت الحرمة (المؤبدة) لزم الزيادة على النص، وذلك لا يجوز، لأنه نسخ.
م: (وهو خاطب إذا أكذب نفسه) ش: هذه مسألة مبتدأة، أي هذا الرجل بعد الإكذاب صار خاطبا من الخطاب، أي يجوز له أن يتزوجها كما لغيره يجوز أن يتزوجها فعليه الحد بإكذاب نفسه م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (وقال أبو يوسف هو تحريم مؤبد) ش: يعني بعد التلاعن تبقى المرأة حرام عليه أبدا، فلا يجوز له أن يتزوجها، وبه قال زفر والحسن والشافعي م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا") » ش: وقد مر الكلام عن قريب مستقصى، وهو قول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يرد مرفوعا م: (نص على التأبيد) ش: أي نص ظاهر هذا الخبر على تأبيد الحرمة.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الإكذاب) ش: أي إكذاب الرجل الملاعن نفسه م: (رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها) ش: يعني يبطل حكمها م: (ولا يجتمعان ما داما متلاعنين) ش: ولا منافاة بين نص التأبيد والعود خاطبا، لأن معناه ما داما في حال التلاعن م: (ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب) ش: أي لم يبق حقيقة التلاعن ولا حكما يعني لا حقيقة ولا حكما، أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فلأنه لما أكذب نفسه وجب عليه الحد، فبطلت أهلية اللعان، فإذا بطلت الأهلية بطل حكمها م: (فيجتمعان) ش: أي المتلاعنان، يعني يجوز اجتماعها بعد ذلك التزويج. وقال الكاكي: إذا كذب نفسه قبل تفريق القاضي حلت له من غير تجديد النكاح.
م: (ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه) ش: أي ألحق الولد بأمه، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال إبراهيم وابن معقل وموسى: لا يفتقر نسب الولد على الفراش بالنفي، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، ذكره في " الصحيحين ". وللجمهور حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رجلا لاعن امرأته فانتفى ولده وفرق بينهما، وألحق الولد بأمه» رواه الجماعة.
قال في " شرح الطحاوي ": ثم ولد الملاعنة بعدما قطع نسبه فجميع أحكام نسبه باق من

(5/573)


وصورة اللعان أن يأمر الحاكم الرجل فيقول أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة. ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين، ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه، لما روينا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال وألحقه بها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب سوى الميراث والنفقة، حتى إن شهادة الأب له لا تقبل وشهادته لابنه لا تقبل ودفع الزكاة إليه لا يجوز. ولو كان أنثى فزوجه أباها أو تزوج بنته منه إن كان ابنا لا يجوز، وغير ذلك من أحكام النسب.

[صورة اللعان]
م: (وصورة اللعان) ش: أي في نفي الولد م: (أن يأمر الحاكم الرجل، فيقول أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين) ش: أراد بهما الزنا ونفي الولد م: (ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال، وألحقه بها» ش: الحديث رواه أبو داود في "سننه" قال: حدثنا الحسن بن على قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال «جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول إنى جئت أهلى عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعينى وسمعت بأذنى فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما جاء به واشتد عليه فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الآيتين كلتاهما (النور: الآية: 6) فسرى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بشير: يا هلال قد جعل الله عز وجل لك فرجا ومخرجا ". قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربى. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أرسلوا إليها ". فجاءت فتلا عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت قد كذب. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لاعنوا بينهما ". فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كان الخامسة قال: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذبنى الله عليها كما لم يجلدنى عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها اشهدى. فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقى الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومى فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا مبيت عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان

(5/574)


ولأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر عليه مقصوده فيتضمنه القضاء بالتفريق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته وأخرجته عن نسب الأب، لأنه ينفك عنه فلا بد من ذكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال " إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذى رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لولا الأيمان لكان لى ولها شأن.» قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر، وما يدعى لأب، ورواه أحمد في مسنده، وهو معلول بعباد بن منصور. وقال ابن معين: عباد بن منصور ضعيف قدري. وقال ابن حبان: كان قدريا داعيا إلى القدر. وقال في التنقيح: وثقه يحيى القطان. قوله - أصيهب - تصغير أصهب، وهو الذي يعلو لونه صهبة وهي كالشقرة.
وقوله - أريصح - تصغير الأرصح بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الصاد المهملة وبالحاء المهملة هو الناتئ الإليتين، ويجوز بالسين، قاله الهروي. قوله أثيبج تصغير أثبج بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وبالجيم، وهو الناتئ الثبج أي ما بين الكتفين والكاهل.
قوله - حمش الساقين - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالشين المعجمة أي دقيقهما.
قوله: - أورق - أي أسمر قوله - جعد - بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة، وهو القصير بمتردد الخلق. قوله جماليا - بضم الجيم وتخفيف الميم واللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهو الضخم الأعضاء التام الأوصال. قوله - سابغ الإليتين - بالسين المهملة وكسر الباء الموحدة وبالغين المعجمة، أي قائمها وعظيمها. م: (ولأن المقصود من هذا اللعان) ش: أي لأن مقصود الزوج من لعانه م: (نفي الولد فيوفر عليه) ش: أي على الزوج م: (مقصوده) ش: في نفيه م: (فيتضمنه القضاء بالتفريق) ش: أي يتضمن نفي الولد قضاء القاضي بالتفريق، يعني إذا قال فرقت بينهما يكفي.
م: (وعن أبي يوسف أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته أمه) ش: أي ألزمت الولد أمه م: (وأخرجته) ش: أي الولد م: (من نسب الأب) ش: حتى لو لم يقل ذلك لم ينتف النسب عنه م: (لأنه ينفك عنه) ش: أي لأن نفي الولد ينفك عن التفريق إذ ليس من ضرورة التفريق باللعان نفي الولد كما لو مات الولد فإنه يفرق بينهما باللعان ولا ينتفي النسب عنه م: (فلا بد من ذكره) .

(5/575)


فإن عاد الزوج وأكذب نفسه حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه. وحل له أن يتزوجها وهذا عندهما، لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به وهو التحريم. وكذلك إن قذف غيرها فحد به لما بينا، وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها. وإذا قذف امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها لو كان أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج لقيامه مقامه. وكذا إذا كان الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي من ذكر نفي الولد، ألا ترى أنه إذا نفى ولد أم الولد ينتفي به ولا يجري اللعان.
وإذا قال لامرأته زنيت يجري اللعان ولا ينتفي الولد.
م: (فإن عاد الزوج وأكذب نفسه) ش: يعني بعد اللعان م: (حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه) ش: حيث قذف محصنته.
وفي " المبسوط ": هذا إذا لم يطلقها بائنا بعد القذف، أما لو كذب نفسه بعد البينونة لا يجب الحد ولا اللعان، لأن المقصود باللعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدين م: (وحل له أن يتزوجها) .
ش: قال الأكمل: هذا تكرار لقوله - وهو خطاب إذا أكذب نفسه عندهما - ويجوز أن يقال ذكر هناك تفريعا، ونقل هنا لفظ القدوري م: (وهذا عندهما) ش: أي جواز حل الزوج بعد اللعان والتكذيب والحد عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به) ش: أي ارتفع اللعان بحكمه المتعلق به م: (وهو التحريم) ش: كما ارتفع اللعان.
م: (وكذلك) ش: أي يحل كذلك م: (إن قذف غيرها) ش: أي غير امرأته بعد تفريق القاضي م: (فحد به) ش: أي بسبب قذفه م: (لما بينا) ش: يريد به قوله لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع بحكمه المنوط به م: (وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها) ش: فإن قيل لما جرى اللعان بينهما علم أنهما زوجان على صفة الإحصان والمرأة والرجل إذا زنيا بعد إحصانهما يرجمان، فحينئذ كان قوله فحدث معناه رجمت، فبعد ذلك أن تبقى محلا للزوج. أجيب بأن معنى قوله - حدت - جلدت، وتصور المسألة أن يتلاعنا بعد التزوج قبل الدخول، ثم إنها زنت بعد اللعان، فكان حدها الجلد دون الرجم، لأنها ليست بمحضة، لأن من شرط إحصان الرجم الدخول بعد النكاح الصحيح ولم يوجد. م: (وإذا قذف امرأته وهي صغيرة) ش: أي والحال أنها صغيرة م: (أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها) ش: أي قاذف الصغيرة والمجنونة م: (لو كان) ش: أي القاذف م: (أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة) ش: واللعان شهادة عندنا، وبه قال الشافعي. وفي " المدونة " يلاعن بقذف الصغيرة.

(5/576)


وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة، والحدود تندرئ بها. وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما، وهذا قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - لأنه لا يتيقن بقيام الحمل، فلم يصر قاذفا. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، وهو معنى ما ذكر في الأصل، لأنا تيقنا الحمل عنده فيتحقق القذف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المغني ": لو قذفها وهي بنت تسع فعليه الحد وتطالبه إذا بلغت، وبدون التسع يعزر.
ولو قال لها: زنيت وأنت صبية أو مجنونة، وجنونها معهود فلا حد ولا لعان، ولا يجعل قاذفا في الحال، لأن فعلها لا يوصف بالزنا، بخلاف قوله زنيت وأنت ذمية أو منذ أربعين سنة وعمرها عشرون سنة، حيث يعزر، ذكره في الجوامع.

[قذف الأخرس زوجته]
م: (وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (يتعلق بالصريح كحد القذف) ش: فيندرئ بالشبهة، ولأنه شهادة حتى يشترط لفظ الشهادة م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإنه يقول يصح قذفه ولعانه، لأن إشارة الأخرس كعبارة الناطق م: (وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة) ش: أي إشارة الأخرس م: (والحدود تندرئ بها) ش: أي تندفع بالشبهة، وكذا إذا كانت المرأة خرساء لا يجري اللعان بينهما.
م: (وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما) ش: أي ولا يجب اللعان ولا الحد م: (وهذا) ش: أي عدم وجوب اللعان م: (قول أبي حنيفة وزفر) ش: وبه قال أحمد وأبو ثور، وهو قول الحسن البصري والشعبي والثوري وابن أبي ليلى م: (لأنه لا يتيقن بقيام الحمل) ش: لعله يكون ريحا م: (فلم يصر قاذفا) ش: فلا يكون موجبا للعان.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة أولا.
وعن أبي يوسف يلاعن في الحال. وإنما قيد بقوله إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف.
م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في الأصل م: (لأنا تيقنا الحمل عنده) ش: أي عند القذف م: (فيتحقق القذف) ش: فهذا ونفيه بعد الولادة سواء، ولهذا ثبت حكم الإرث والوصية إذا ولدت لأقل من ستة أشهر بتيقن وجوده.

(5/577)


قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط. فإن قال لها: زنيت وهذا الحبل من الزنا تلاعنا لوجود القذف حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا، ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله، والحديث محمول على أنه عرف قيام الحبل بطريق الوحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة، يعني إذا لم يكن قوله ليس حملك مني قذفا في الحال بالاحتمال م: (يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط) ش: قبل وجود الشرط، ولا حاجة إلى إبقاء حكمه إلى وجود الشرط لعدم الحاجة إلى إيجاب الحد، لأن الحدود يحتال إلى درئها لا إلى إثباتها، بخلاف الإرث والوصية، فإنهما يتوقفان إلى انفصال الولد، ولا يتوقف القذف. وقيل إن هلال بن أمية قذف امرأته بنفي الحمل وقد لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما. أجيب: بأنا لا نسلم أنه قذف امرأته بنفي الحمل، نعم أنه قذفها وهي حامل، وذلك لا يدل على قذفها بنفي الحمل، لأن الحديث قال إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته فذلك يدل على أنه كان قاذفا بصريح الزنا لا بنفي الحمل.
م: (فإن قال لها: زنيت وهذا الحمل من الزنا، تلاعنا لوجود القذف، حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل. وقال الشافعي: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال، وقد قذفها حاملا) ش: وقد ذكرنا عن قريب حديث هلال بن أمية بتمامه.
م: (ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه) ش: أي على الحمل، يعني أن نفي الولد حكم من أحكامه والأحكام لا تترتب عليه م: (إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله) ش: أي قبل انفصال الولد أو قبل حصول الولد. فإن قيل بل يترتب عليه قبل الولادة كالرد بالعيب والميراث والوصية به. وأجيب بأن اللعان في حق الزوج بمنزلة الحد، فلا يقام مع الشبهة، بخلاف الرد بالعيب، لأنه يثبت مع الشبهة والإرث والوصية يتوقفان على انفصاله، ولا ينفرد في الحال.
وحاصل الجواب أن قوله الأحكام لا تثبت يراد به بعضها ونفي الولد منها لئلا يلزم إقامة الحد مع قيام الشبهة م: (والحديث) ش: أي حديث هلال م: (محمول على أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (عرف قيام الحبل بطريق الوحي) ش: بدليل أن في الحديث: إن جاءت به أصيهب الحديث إلى آخره، كما ذكرناه. ومثل ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي. ومن أصحابنا من قال: إن هلالا قذفها نصا، فإنه قال وجدت شريك بن سمحاء على بطنها يزني بها، ثم نفى الحمل بعد ذلك، وعندنا لو قذفها نصا لاعن، كذا في " المبسوط ". قال ابن الجوزي: إن أحمد أنكر لعان هلال بالحمل، فقال إنما لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء وشهد بالزنا ولو كان اللعان بالحمل لكان الحمل

(5/578)


وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة وتبتاع آلة الولادة صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يصح نفيه في مدة النفاس، لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة، وله أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه، وهو قبوله، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منه منتفيا عن الزوج غير لاحق به اشتبه به أم لم يشتبه. وهكذا نقل عن محمد بن جرير بن أبي صفرة. وفي " شرح الكردي ": أجمع أصحابنا على أن النسب لا ينتفي، وهو حمل للشك في وجوده. وفي " البدائع" لا يقطع نسب الحمل قبل وضعه بلا خلاف بين أصحابنا.

[نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة]
م: (وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة) ش: أي حين ولدته م: (أو في الحالة) ش: أي أو نفاه في الحالة م: (التي تقبل التهنئة) ش: على بناء المجهول برفع التهنئة، قال الجوهري: التهنئة خلاف التعزية، وتقول هنأته بالولادة تهنئة تهنيئا، وكل أمر آت من غير تعب فهو هنيء، ومنه كلوا هنيئا مريئا، وأصله مهموز اللام م: (وتبتاع) ش: على صيغة المجهول أي يشتري م: (آلة الولادة) ش: مثل الشد والقماط والشيء الذي يفرش تحت الولد حين يوضع، والأشياء التي يلف فيها الولد حين تضعه أمه م: (صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة) ش: وهو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
اعلم أن اللعان يجري بينهما بنفي نسب الولد وإن طالت المدة، لأنه قذف زوجته بنفي الولد عن نفسه، لكن الولد هل ينتفي؟ فإن كان النفي بحضرة الولادة حين يولد أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو نحو ذلك ينتفي. ولم يوقت أبو حنيفة فيه بشيء غير هذا.
وروى الحسن عنه أنه يصح نفيه إلى سبعة أيام.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح نفيه في مدة النفاس) ش: وعند الشافعي متى أمكن نفيه بالمرافعة على الحاكم، فلم ينفه لزمه نسبه، وهو قول أبي عبيدة وأبي ثور وابن المنذر. وقال مجاهد وشريح يجوز للزوج نفيه متى شاء. وقال الشعبي ومحمد وابن أبي ذئب وبعض أهل المدينة: لا ينتفي بنفيه، ولكن يجب به اللعان، واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش» م: (لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة) ش: أي لأن النفاس أثر الولادة. وفي " المبسوط " مدة النفاس كحالة الولادة، بدليل أنها لا تصوم ولا تصلي فيها.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه) ش: أي في التأمل م: (مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه) ش: أي على عدم النفي م: (وهو قبوله أو

(5/579)


سكوته عند التهنئة، أو ابتياعه متاع الولادة، ومضي ذلك الوقت فهو ممتنع عن النفي، ولو كان غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين. قال: وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما، لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد، وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا، ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني، ولم يرجع عنه، والإقرار بالعفة سابق على القذف فصار كما إذا قال: هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن، فكذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سكوته عند التهنئة) ش: لأنه دليل الرضا م: (أو ابتياعه متاع الولادة، أو مضى ذلك الوقت فهو ممتنع، ش: أي والحال أن الزوج ممتنع م: (عن النفي) ش: بأن كان ساكتا. وفي " الشامل " أبو حنيفة لم يوقت، بل فوض إلى الإمام، قال وحكي عنه أنه اعتبر ثلاثة أيام، وروي عن سبعة أيام، لأن في هذه المدة يستعد للحقيقة، وإنما تكون الحقيقة بعد سبعة أيام. وفي " المبسوط " هذا ضعيف، لأن نصب المقدار بالرأي لا يكون. وروي عن محمد إذا هنئ بولد الأمة فسكت لم يكن قبولا، بخلاف ولد المنكوحة.
م: (ولو كان) ش: أي الزوج م: (غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم، تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين) ش: أي أصل أبي حنيفة. وأصل أبي يوسف ومحمد فعلى أصل أبي حنيفة يجعل كأنها ولدته الآن، فله النفي في مقدار ما يقبل النسبية، وعلى أصلهما في مقدار مدة النفاس بعد القدوم، لأن النسب لا يلزم إلا بعد العلم به، فصارت حالة القدوم كحالة الولادة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما) ش: هذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر م: (لأنهما) ش: أي لأن الولدين م: (توأمان خلقا من ماء واحد) ش: التوأم يقال لكل واحد، وهو اسم لا يستحقه كل واحد وحده، وجمعه توائم، وهو اسم جمع وليس يجمع حقيقة م: (وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني. وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا) ش: أي كذب نفسه م: (ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني ولم يرجع عن) ش: أي عن النفي م: (والإقرار بالعفة سابق) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يحد لأنه أكذب نفسه بعد القذف، لأن الإقرار الأول بثبوت النسب باق بعد نفي الثاني، فيعتبر قيام الإقرار بعد القذف بابتداء الإقرار، ولو وجد الإقرار بعد النفي يثبت الإكذاب، فيجب الحد فكذا هذا.
فأجاب بقوله: والإقرار بالعفة سابق م: (على القذف) ش: حقيقة، والاعتبار بالحقيقة م: (فصار كما إذا قال هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن) ش: أي واجب م: (فكذا هذا) ش: أي فكذا حكم هذا حكم ذلك. وفي " المحيط " و " المبسوط ": فلو نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل لزماه. وفي " مختصر الكرخي ": لا يجب اللعان عند أبي يوسف ويجب عند

(5/580)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد. ولو ولدت أحدهما ميتا فنفاهما لاعن بالاتفاق، ولزمه الولدان. ولو ولدت ولدا فنفاه ولاعن ثم ولدت آخر بيوم لزماه. وفي " النوادر " عن أبي حنيفة رواه الحسن عنه أن امرأة جاءت بثلاثة أولاد في بطن فنفى الثاني وأقر بالأول والثالث يلاعن وهم بنوه. ولو نفى الأول والثالث وأقر بالثاني يحد وهم بنوه.
"وفي " المغني " التوأمان يكون بينهما أقل من شهر، ومثله عن مالك. وإذا ولدت فسكت لم يكن له نفيه بعد ذلك، وهو قول الشافعي، وقال ابن قدامة: وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرؤيا لعيب، يعني أنه يبطل بالسكوت، ونقله عنه غلط، وذلك مذهب الناقل ويبطل مذهبه بالحمل، فإنه لا يبطل بالسكوت.
ولو هنئ به فأمن على دعائه لزمه، وكذا إن قال: أحسن جزاءك أو بارك الله فيك، أو رزقك الله مثله لزمه الولد، وكذا عندنا وعند الشافعي لا يلزمه. وكل موضع لزمه الولد لا يكون له نفيه بعد ذلك عند الأئمة الأربعة وأصحابهم.
ولو قال: ليس هذا الولد مني أو ليس ولدي، ولم يذكر زناها فلا حد ولا لعان. وكذا لو قال: أكرهت على الزنا لا حد ولا لعان.
وفي " المحيط " أو نفى ولد زوجته وهما في اللعان لا ينتفي، وإن كانت كتابية أو أم ولد ثم أعتقت أو أسلمت ثم وضعت لا يصح نفيه. ولو ولدت بعد اللعان إلى سنتين لزمه الولد، وإن لم يكن عليها عدة يلزمه ما بينه وبين ستة أشهر، لأنه مطلق حكما ولو لاعنها بولد ثم ولدت إلى سنتين لزمه، لأنها معتدة ويقبل شهادته عليها بالزنا مع ثلاثة، وفيه خلاف الأئمة الثلاثة. ولو قذفها ثم شهد مع الثلاثة بالزنا لا تقبل، لأنه سقط عنه اللعان الواجب عليه. ولو شهد ثلاثة غير عدول فلا حد ولا لعان على المشهور. ولو قذف امرأة رجل بالزنا فقال الزوج: صدقت لم يكن على الزوج المصدق حد ولا لعان إلا أن يقول: صدقت هي كما قلت: فيكون قاذفا، ولو عين الذي رماها به وطلب الرجل حد القذف يحد له عندنا به. وقال الشافعي ومالك: لا يحد. وفي " الروضة ": زنت قبل تفريق القاضي بعد التلاعن يسقط اللعان عند أبي حنيفة، وحل له وطؤها.
ولو أقام الرجل البينة على صدقه سقط عنه اللعان وحدت، وهو قول الظاهرية وقال مالك: يلاعن. وقال الشافعي: يلاعن إن كان معها ولد وإلا لا، ولا لعان في البائن لا في العدة ولا في غيرها عندنا ويحد، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك والثوري وأهل الحجاز وأهل العراق، وبعد اللعان يجب لها نصف الصداق عندنا، وبه قال مالك وسعيد بن جبير وقتادة والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة يجب لها المهر الكامل.

(5/581)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الزهري: لا صداق لها. وقلنا: التفريق بينهما طلاق قبل الدخول، فيجب نصف المهر.
فروع أخرى: "في المبسوط " لو مات ولد الملاعنة عن مال فادعى الملاعن لا يثبت نسبه ويضرب الحد. وإن ترك ابنا وبنتا يثبت نسبه من الأب وورثه الأب. ولو كان الولد الميت فشاركها ولد فأكذب نفسه يثبت عند أبي حنيفة، خلافا لهما. وقيل: الخلاف على العكس.
وفي " جوامع الفقه " مات الشاهدان أو غابا بعدما شهدا لا يقضى باللعان. وفي المال يقضى بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا حيث يلاعن بينهما، والوطء الحرام بشبهة أو نكاح فاسد يسقط إحصانها، خلافا لأبي يوسف، ثم رجع وقال: هو ملحق بالوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء بشبهة عندنا. وقال الشافعي وأحمد: يجب اللعان فيهما إذا كان ينفي الولد. وعند أبي يوسف فيه الحد واللعان لإلحاقهما بالنكاح الصحيح. ولو قذفها ثم طلقها ثلاثا سقط اللعان ولا يجب الحد، وكذا لو تزوجها بعد ذلك لأن الساقط لا يعود، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد لو أقر به بعد الاستبراء يلزمه. وأجمعوا أنه لا لعان في النكاح الفاسد بغير ولد. ولو تلاعنا لا يثبت التحريم المؤبد في وجه عند الحنابلة وقذف المبانة وأضافها إلى حال قيام النكاح، وبينهما ولد يريد نفيه يلاعن ولا حد ولا لعان عند الشافعي ومالك. وعندنا يحد ولا لعان، وهو قول عطاء، ويروى عن الحسن وعثمان البتي، وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو قذف مطلقته الرجعية يلاعن، وبه قال النخعي والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والظاهرية، وهو قول ابن عمر وجابر بن زيد. وقال ابن عباس: ولا لعان. وفي " جوامع الفقه " قال: قذفتك بعد أن أتزوجك أو زنيت قبل أن أتزوجك فهو قاذف في الحال يلاعن.
وقال الشافعي ومالك: يحد. ولو قذفها ثم زنت أو وطئت حراما لا حد ولا لعان عندنا، وبه قال الشافعي. ولو فرق القاضي بعد التعانهما ثلاثا خطأ نفذ تفريقه عندنا، وعند زفر، وبقية الأئمة لا ينفذ، ولو بدأ بلعان المرأة فقط أخطأ ولا يجب إعادته، وبه قال مالك.
وقال الشافعي وأحمد: يجب إعادته ويسقط اللعان بردتها، ولو أسلمت بعدها لا يعود.
وفي " الذخيرة " قذفها بنفي ولدها فلم يتلاعنا حتى قذفها أجنبي بالولد، فحد الأجنبي يثبت نسب الولد ولا ينتفي بعد ذلك، لأن حد قاذفها حكم بكذبه.

(5/582)