البناية شرح الهداية

باب العنين وغيره وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة، فإن وصل إليها فيها، وإلا فرق بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العنين وغيره]
[الحكم إذا كان الزوج عنينا]
م: (باب العنين وغيره) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العنين. ولما ذكر أحكام الأصحاء المتعلقة بالنكاح والطلاق شرع في بيان أحكام من به مرض له تعلق بالنكاح والطلاق، لأن حكم من به العوارض بعد ذكر حكم الأصحاء، والعنين من لا يقدر على إتيان النساء من عن إذا حبس في العنة، وهي حظيرة الإبل، أو من عن إذا عرض لأنه يعن يمينا وشمالا ولا يقصد. وقيل سمي العنين عنينا لأن ذكره يسترخي، فيعن يمينا وشمالا ولا يقصد للمأتى من المرأة، وجمع العنين عنيين.
وفي " البصائر " يقال: فلان عنين بين العنيين، ولا يقال بين العنة. وكذا في " المغرب " وغيره.
وفي قاضي خان والمرغيناني العنين من لا يصل إلى النساء مع قيام الآلة، ولو كان يصل إلى الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون البعض، وذلك لمرض به، أو لضعف في خلقته أو لكبر سنه أو سحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها، هكذا ذكره الأسبيجابي وقال: السحر له حقيقة وتأثير عند أهل السنة.
وعند الهندواني يؤتى بطست فيه ماء بارد فيجلس العنين فيه إن كان عضوه يئول إلى النقصان ويتردى علم أنه لا عن فيه، وإن كان لا يئول ولا ينزوي علم أنه عنين. وفي " المغني " العنين العاجز عن الإيلاج مأخوذ من عن، أي إذا اعترض.
وفي " المحيط" آلة قصيرة لا يمكنه إدخالها داخل الفرج لا حق لها في المطالبة بالتفريق.
وفي " الجواهر ": العنين من لا ينتشر ذكره، وهو كالأصبع في البدن لا ينقبض ولا ينبسط. قوله: كالمجبوب المقطوع أكثر ذكره والخصي.
م: (وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة) ش: أي بعد طلبها، وابتدأ التأجيل من وقت الخصومة يؤجل سنة، وعليه فتوى فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ومالك وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وسعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وإبراهيم النخعي وسفيان وعبد الرحمن الأوزاعي وإسحاق لا يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعن مالك يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وعن ابن المسيب لو كانت حديثة العهد يؤجل خمسة أشهر. وعند عبد الله بن نوفل يؤجل عشرة أشهر.
م: (فإن وصل إليها فيها) ش: فلا كلام م: (وإلا) ش: أي وإن لم يصل إليها م: (فرق بينهما

(5/583)


إذا طلبت المرأة ذلك، هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولأن الحق ثابت له في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة ويحتمل لآفة أصلية، فلا بد من مدة معرفة ذلك، وقدرناها بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة، فإذا مضت المدة ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية ففات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا طلبت المرأة ذلك) ش: أي التفريق، لأن الحق لها م: (هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: أما الرواية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب في العنين أن يؤجل سنة.
قال معمر: وبلغني أن التأجيل من يوم تخاصمه. وروى محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب أن امرأة أتته فقالت: إن زوجها لا يصل إليها، فأجله حولا، فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها، ففرق عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بينهما، وجعلها تطليقة بائنة. وأما الرواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير عن الضحاك عن علي يؤجل العنين سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما.
وأما الرواية عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن الربيع بن عميلة عن أبيه عن حصين بن قبيصة عن عبد الله بن مسعود قال: يؤجل العنين سنة، فإن جامع وإلا فرق بينهما.
م: (ولأن الحق ثابت لها في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة) ش: من رطوبة أو برودة فيداوى بما يضاده، أو من يبوسته فكذلك م: (ويحتمل لآفة أصلية) ش: يعني في أصل الخلقة م: (فلا بد من مدة معرفة ذلك) ش: يعني أن الآفة أصلية أو معترضة م: (وقدرناها) ش: أي قدرنا مدة التأجيل م: (بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة) ش: أي لاشتمال السنة على أربعة فصول، الربيع وهو ما إذا كانت الشمس في الحمل والثور والجوزاء، وهو حار رطب على طبيعة الهواء. والثاني الصيف، وهو ما إذا كانت الشمس في السرطان والأسد والسنبلة، وهو حار يابس على طبيعة النار. والثالث الخريف، وهو ما إذا كانت الشمس في الميزان والعقرب والقوس، وهو بارد يابس مثل طبيعة الأرض. والرابع الشتاء، وهو ما إذا كانت الشمس في الجدي والدلو والحوت، وهو بارد رطب على طبيعة الماء.
م: (فإذا مضت المدة) ش: أي السنة م: (ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية، ففات

(5/584)


الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان. فإذا امتنع ناب القاضي منابه ففرق بينهما، ولا بد من طلبها لأن التفريق حقها وتلك الفرقة تطليقة بائنة، لأن فعل القاضي أضيف إليه فكأنه طلقها بنفسه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو فسخ. لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا، وإنما تقع بائنة لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها لأنها لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة. ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع) ش: من المفارقة م: (ناب القاضي منابه، ففرق بينهما) ش: دفعا للظلم، لأن القاضي هو انتصب لدفع الظلم م: (ولا بد من طلبها، لأن التفريق حقها) ش: فإذا اختارت نفسها بعد مضي المدة فهل تقع الفرقة من غير تفريق الحاكم، أم يحتاج إلى التفريق، فيه اختلاف الرواية عن أصحابنا فقال صاحب المختلف: فإن اختارت نفسها بانت منه في ظاهر الرواية، ثم قال: روى الحسن عن أبي حنيفة أنها إذا اختارت نفسها فرق القاضي بينهما ولا تقع الفرقة من غير تفريق.
كذا ذكر الإمام الأسبيجابي أيضا في " شرح الطحاوي ".
وقال التمرتاشي: لو سأل الزوج القاضي بعد السنة أن يؤجل سنة أخرى أو شهرا أو أكثر لا يفعل ذلك إلا برضاها، فإذا رضيت ثم رجعت فلها ذلك، ويبطل الأجل. ولو وجدته عنينا ولم يخاصم زمانا لم يبطل حقها، لأن ذلك قد يكون للتجربة والامتحان لا للرضى.
م: (وتلك الفرقة تطليقة بائنة) ش: وبه قال مالك والثوري وقال الشافعي وأحمد: فسخ لأنه فرقة من جهتها، والقياس على الجب، قاله الماوردي من أصحابه. ولنا الفرقة من جهته م: (لأن فعل القاضي أضيف إليه) ش: أي إلى الزوج لامتناعه عن الإمساك بالمعروف، والفرقة بالطلاق مشروعة بكتاب الله تعالى أو الإجماع، والفسخ مختلف فيه، فالحمل بالجمع أولى ولا يستقيم قياسه على الجب، لأن الجب كالعنة، فيكون قياس المختلف على المختلف م: (فكأنه طلقها بنفسه) ش: أي فكأن الزوج طلقها بنفسه لإضافة فعل القاضي إليه.
م: (وقال الشافعي: هو فسخ) ش: أي تفريق القاضي بينهما فسخ للنكاح م: (لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا) ش: يعني بعد تمام العقد، أما قبل تمام العقد فيقبل ذلك كما في خيار البلوغ وخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من تمام العقد، م: (وإنما تقع) ش: أي الفرقة م: (بائنة، لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها) ش: أي بالبائنة م: (لأنها) ش: أي لأن الفرقة م: (لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة) ش: وهي التي لا تكون ذات زوج ولا مطلقة. أما الأول فلفوات المقصود، وهو الوطء. وأما الثاني فلأنها تحت زوج فلا يحصل حينئذ رفع الظلم، وهو المقصود من فرقة العنين.
م: (ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة) ش: قيد به لأنه لو لم يكن

(5/585)


وتجب العدة لما بينا من قبل، هذا إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها.
ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها، فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة. ثم إن حلف بطل حقها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء فإن قلن: هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كان مجبوبا فرق بينهما في الحال إن طلبت، لأنه لا فائدة في التأجيل، والخصي يؤجل كما يؤجل العنين لأن وطأه مرجو. وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خلا بها يلزم نصف المهر. وقال الشافعي: لا يجب شيء من المهر ولا النفقة لأنه فسخ عنده م: (وتجب العدة) ش: بالإجماع م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في باب المهر م: (هذا) ش: أي تأجيل العنين سنة، والتفريق بعد السنة م: (إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها) ش: يعني كان مقرا بها في الأول.

[اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها]
م: (ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها) ش: فقال الزوج: وصلت وقالت المرأة: لم يصل إلي م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة) ش: أي سلامة الآلة في أصل الخلقة. وقال زفر وابن أبي ليلى القول قولها م: (ثم إن حلف بطل حقها) ش: فلا يبقى لها خيار م: (وإن نكل) ش: عن اليمين م: (يؤجل سنة. وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإن قلن هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة) : بعد ذلك والواحدة في النظر تكفي، والاثنتان أحوط. وفي البدائع أوثق. وفي الأسبيجابي أفضل.
ثم كيف يعرف أنها بكر أو لا. قالوا: تدفع في فرجها أصغر بيضة من بيض الدجاج، فإن دخلت بلا عنف فهي ثيب وإلا فبكر. وقيل: إن أمكن بها أن تبول على الجدار فبكر وإلا فثيب.
وفي " شرح الطحاوي " إذا وقع الشك للنساء في أمرها يفعل ذلك. وعن أحمد في الثيب يقال له أخرج المني، فإن أخرجه وقالت: ليس بمني يمتحن بالنار، فإن تصادقا على أنه مني يخرج به عن العنة، لأن الغالب عدم خروج مني العنين.
م: (وإن كان مجبوبا) ش: أي وإن كان الزوج مجبوبا وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه، من الجب وهو القطع م: (فرق بينهما في الحال إن طالبت المرأة، لأنه لا فائدة في التأجيل) ش: لأنه لا يرجى منه الوصول م: (والخصي) ش: من خصيت الفحل خصاء ممدوا إذا سللت خصيتيه، والجمع خصيان وخصية م: (يؤجل كما يؤجل العنين، لأن وطأه مرجو) ش: فإن حكمه حكم العنين.
م: (وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت) ش: أي يخيرها القاضي بدون يمينها، فلو اختارت الفرقة فرق القاضي بينهما، هكذا ذكر محمد

(5/586)


لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد، وهي البكارة، وإن قلن: هي ثيب حلف الزوج فإن نكل خيرت لتأيدها بالنكول وإن حلف لا تخير، وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى، فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد ذلك الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها، وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح، ويحتسب بأيام الحيض وبشهر رمضان لوجود ذلك في السنة، ولا يحتسب بمرضه ومرضها، لأن السنة قد تخلو عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الأصل. وفي " المنتقى ": لو اختارت نفسها بانت منه، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى قضاء القاضي لوقوع الفرقة م: (لأن شهادتهن) ش: أي شهادة النساء م: (تأيدت) ش: أي تقوت م: (بمؤيد) ش: على وزن اسم الفاعل م: (وهي البكارة) ش: أي المؤيدة لشهادتهن هي البكارة، إذ البكارة هي الأصل م: (وإن قلن هي ثيب حلف الزوج، فإن نكل) ش: أي عن اليمين م: (خيرت لتأيدها بالنكول) ش: أي لتأييد دعوى المرأة بنكول الزوج. فإن اختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي، أو أقام القاضي قبل أن تختار شيئا بطل خيارها، لأن هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته، وذلك موقت بالمجلس، فهذا مثله. فإن اختارت نفسها في المجلس يؤمر الزوج بالتفريق، فإن أبى فرق القاضي م: (وإن حلف لا تخير) ش: لبطلان حقها.
م: (وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى) ش: وهو قوله فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة م: (فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها. وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح) ش: أطلق محمد في الأصل، ولم يقيد بالقمرية ولا بالشمسية.
قال في " شرح الطحاوي ": ويعتبر سنة قمرية بالأهلة في ظاهر الرواية. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يعتبر سنة شمسية وهو الصحيح، لأن المنطوق هو السنة، والسنة تنصرف إلى القمرية مطلقا، وهي أقل من الشمسية، وهي تزيد على القمرية بأيام. وذهب السرخسي في " شرح الكافي " إلى رواية الحسن أخذا بالاحتياط. وقال الولوالجى في "فتاواه": العنين يؤجل سنة قمرية لا شمسية بأحد عشر يوما. وذكر الحلواني الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وجزء من مائة وعشرين جزاء من اليوم. والقمرية ثلاثمائة يوم وأربعا وخمسون يوما. م: (ويحتسب) ش: أي المدة م: (بأيام الحيض وشهر رمضان) ش: يعني لا يعوض عن أيام الحيض وشهر رمضان الواقعة في مدة التأجيل، وذلك لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قدروا مدة التأجيل سنة ولم يستثنوا منها أيام الحيض وشهر رمضان مع علمهم أن السنة لا تخلو عنها م: (لوجود ذلك في السنة) : ش: أي لوجود ما ذكر من أيام الحيض.
وشهر رمضان في السنة م: (ولا يحتسب بمرضه ومرضها) ش: أي لا تحتسب المدة بسبب مرضه ومرضها م: (لأن السنة قد تخلو عنه) ش: أي المرض، يعني لا يكون زمان المرض محسوبا

(5/587)


وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترد بالعيوب الخمسة: وهي الجذام، والبرص، والجنون، والرتق، والقرن، لأنها تمنع الاستيفاء حسا أو طبعا، والطبع مؤيد بالشرع، قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في مدة التأجيل قليلا كان المرض أو كثيرا، بل يعوض ذلك من أيام أخر، وعن أبي يوسف إذا مرض أحدهما مرضا لا يستطيع الجماع معه، فإن كان أقل من نصف شهرا احتسب عليه، وإن كانت أكثر لم يحتسب عليه.
وفي " البدائع ": روى ابن سماعة عن أبي يوسف إن صح في السنة يوما أو يومين احتسب عليه. وفي رواية عنه أن ما فوق الشهر كثير لا يحتسب. وفي رواية عنه أن مدة الكثرة السنة. وفي رواية عنه أكثر السنة. وعن محمد لو مرض في السنة يؤجل مقدار مرضه، وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف لو حجت أو هربت أو غابت لا يحتسب على الزوج، لأنه من جهتها. ولو حج هو أو غاب احتسب عليه. ولو حبس وامتنعت من المجيء إلى السجن لم يحتسب عليه مدة الحبس، كذا لو حبسه القاضي بمهرها، ولم يحضرها. وإن لم يمتنع، وكان في السجن موضع خلوة احتسب عليه، وإن لم يكن وطأها فيه لم تحتسب، قال محمد: إن كان محرما يؤجل بعد إحرامه. ولو رافعته وهو مظاهر فتعتبر المدة من حين المرافعة إن كان قادرا على الإعتاق. وإن كان عاجزا عنه أمهله شهرين لعدم القدرة على الجماع فيها. ولو ظاهر بعد التأجيل لا يلتفت إليه ولم يزد على المدة.

[كان بالزوجة عيب]
م: (وإذا كان بالزوجة عيب) ش: أي عيب كان م: (فلا خيار للزوج) ش: وبه قال عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري وأبو سليمان الخطابي وداود الظاهري. وفي " المبسوط ": وهو مذهب علي وابن مسعود م: (وقال الشافعي: ترد بالعيوب الخمسة، وهي الجذام) ش: وهو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء م: (والبرص) ش: وهو بياض يظهر في البدن، ويكون في بعض الأعضاء دون بعض وربما يكون في سائر الأعضاء، حتى يكون ظاهر البدن كله أبيض، وسببه سوء مزاج العضو إلى البرودة وغلبة البلغم م: (والجنون) ش: وهو زوال العقل م: (والرتق) ش: وهو مصدر من قولك: امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع جماعها بأن لا يكون لها نقب سوى المبال م: (والقرن) ش: بسكون الراء، هو مانع يمنع من سلوك الذكر في الفرج من عظم أو غيره.
م: (لأنها) ش: أي لأن هذه العيوب م: (تمنع الاستيفاء حسا) ش: أي من حيث الحس في القرن والرتق م: (أو طبعا) ش: أي أو من حيث الطبع في الجذام والبرص والجنون، لأن الطباع السليمة تنفر من جماع هؤلاء، وربما يسري إلى الأولاد م: (والطبع مؤيد بالشرع) ش: أي يمنع الاستيفاء من حيث الطبع، وقد تأيد بالشرع حيث ورد فيه الامتناع منه، أشار إليه بقوله م: (قال

(5/588)


- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» . ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، فاختلاله بهذه العيوب أولى. وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد") » ش: هذا الحديث أخرجه البخاري تعليقا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد".»
وقال الكاكي ناقلا عن ابن حزم: هذا الحديث غير صحيح لأنه لا يجب على أحد أن يفر من المجذوم، ويجوز الجلوس عنده، ويثاب على تمريضه وخدمته والقيام بمصالحه، ولهذا لو حدث ذلك بعد سنين لا ينفسخ النكاح.
فإن قلت: استدل الشافعي أيضا «بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردها، وقال: "دلستم علي» .
قلت: أجاب الأترازي عن هذا بأن المراد من رد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الرد بالطلاق، وقال الكاكي: هو رواية جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة وهو متروك، وزيد مجهول، لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد.
فإن قيل: روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الرد بالجنون والجذام والبرص. قال الكاكي: هذه رواية مكذوبة من طريق عبد الله بن حبيب، وهو مالكي، وقال الأترازي: معناه الرد بالطلاق.
م: (ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، واختلاله بهذه العيوب أولى) ش: أي فوت الاستيفاء بالكلية بموت أحد الزوجين لا يوجب الفسخ، حتى لا يسقط شيء من المهر، قوله: فاختلاله. أي فاختلال الاستيفاء بهذه العيوب المذكورة أولى أنه لا يوجب الفسخ، لأن الاستيفاء ها هنا يتأتى، ومقصود النسل يحصل غير أنه يوجب نفرة طبيعية، وإذا لا يوجب الرد كالبخر والقروح الفاحشة، قيل: فيما قاله المصنف ضعف، لأن النكاح يتوقف بحياتهما.
م: (وهذا) ش: أي كون هذه العيوب لا توجب الفسخ م: (لأن الاستيفاء) ش: أي الوطء م: (من الثمرات) ش: أي ثمرات النكاح وفوات الثمرة لا يؤثر في عقد النكاح، ألا ترى أنه لو لم

(5/589)


والمستحق هو التمكن، وهو حاصل.
وإذا كان بالزوج جنون، أو برص أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لها الخيار دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة، بخلاف جانبه، لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق، ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج، وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة، لأنهما يخلان بالمقصود المشروع له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستوف لبخر أو دفر أو قروح فاحشة لم يكن له حق الفسخ فيها م: (والمستحق هو التمكن) ش: أي المستحق بالعقد هو التمكن من الوطء م: (وهو) ش: أي التمكن من الوطء م: (حاصل) ش: في جميع الصور.
وأما في الجذام والبرص والجنون فظاهر، وأما في الرتق والقرن فبالفتق والشق، ولا يرد الفسخ لعدم الكفاءة وخيار البلوغ، لأن ذلك فسخ قبل تمام العقد، وذلك امتناع من تمام العقد وكذلك الفسخ بخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من ازدياد الملك عليها قبل التمام والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ألا ترى أنه لا يحتمل الفسخ بالإقالة، فلا يفسخ بهذه العيوب، كما لا يفسخ بالعيوب الأخر من الزمانة والجرب والبخر والدفر والعمى والشلل.
قال ابن حزم في " المحلى ": أما المالكيون والشافعيون فقد خصوا الرد بالعيوب المذكورة، فبطل قياسهم بالبيع، فكيف يشبه بالنكاح البيع والبيع خلافه، فإنه نقل ملك الرقبة ولا نقل في النكاح، والنكاح يصح من غير ذكر بدل، والبيع لا يصح، وقالوا: لا تطيب النفس بجماع برصاء ولا مجذومة، ولا يقدر على جماع الرتقاء والقرنا، وإنما يزوجهما للوطء.
قلنا: طيب النفس على الجماع ليس بشرط، فإن نكاح العجوزة الشوهاء الصماء البكماء العمياء عمرها مائة سنة أو مريضة بالدق والسل لا براء منه عند الأطباء يجوز، وهذا مما لا شك فيه من العقلاء لما أمر الله تعالى به وهو الإمساك بالمعروف أو تسريح بإحسان، ولم يأت ظن صحيح فيما لا يتوقف عنده.

[كان بالزوج جنون أو برص أو جذام]
م: (وإذا كان بالزوج جنون، أو برص، أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: لها الخيار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة) ش: أي كما كان لها الخيار في الجب والعنة، فتخير دفعا للضرر عنها، حيث لا طريق لها سواه، م: (بخلاف جانبه) ش: أي جانب الزوج م: (لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق) ش: لأن بالطلاق يندفع الضرر عنه.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج) ش: برفع النكاح م: (وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة لأنهما بخلاف المقصود المشروع له

(5/590)


النكاح، وهذه العيوب غير مخلة به فافترقا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح) ش: أي المقصود الذي شرع النكاح لأجله، وذلك المقصود هو الوطء لا شرعية النكاح لأجل الوطء م: (وهذه العيوب غير مخلة به) ش: أي بالوطء م: (فافترقا) ش: أي افترق المقيس وهو الجنون والجذام والبرص والمقيس عليه وهو الجب والعنة.
فإن قيل: جعل المصنف الوطء فيما إذا كان بالمرأة من العيوب الخمسة من الثمرات، ولم يثبت له خيار الفسخ، وفي مسألة الجب والعنة جعل المقصود المشروع له النكاح، ويلزم من ذلك أن يكون المقصود المشروع له النكاح، وأن لا يكون ذلك باعتبار الموضعين، وهو تحكم.
أجيب: بأن هذا السؤال نشأ من تفسير المشروع له النكاح بالوطء، وليس ذلك بمراده، وإنما المراد به التمكن، وهما يخلان به، بخلاف العيوب الثلاثة، والله أعلم.

(5/591)


باب العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العدة]
[عدة الحرة]
م: (باب العدة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العدة، ولما كان أثر الفرقة بالطلاق وغيره أعقبها بذكر وجوه التفريق في باب على حدة، لأن الأثر يعقب المؤثر.
والعدة في اللغة أيام أقراء المرأة، وفي الشريعة تربص يلزم المرأة عند زوال ملك المتعة متأكدا بالدخول أو الخلوة أو الموت، وقيل: هي عبارة عن تربص المرأة بعد زوال النكاح أو شبهة، ويقال عددت الشيء أعده، أي أحصيته، قال الله تعالى {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) والعدة بالضم الاستعداد والتهيؤ للأمر، والعدة أيضا ما أعددته لحوادث الدهر من المال والصلاح، والعدة بالفتح اسم للمرة من العدد، وفي "المنافع" العدة بمعنى المعدود، وسمى زمان التربص بها لأنها تعد الأيام المضروبة عليها في الشرع.
وسبب العدة نكاح متأكد بالدخول أو بالموت، وركنها حرمات ثابتة إلى أجل وهي تكون بشهور وحيض ووضع حمل، وشرطه الفرقة بطلاق غيره، وحكمها عدم جواز الغير وأختها وأربع سواها، وما يجري مجراها، ومحظوراتها كالزينة والتطيب في المبانة والخروج عن البيت عموما.
والعدة على أربع عشر وجها، عدة بثلاث قروء، وهي عدة الحر المطلقة ذات الحيض، وعدة بثلاث أشهر وهي عدة الحرة المطلقة التي لا تحيض صغيرة كانت أو كبيرة، وعدة بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة بشهرين وخمسة أيام، وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها، وعدة بثلاث حيض وأربعة أشهر وعشرة أيام، هي تتصور في أربع مواضع، فيمن طلق زوجته الحرة طلاقا بائنا، وهو مريض ثم مات في عدتها ترث عنه، أو كانت له امرأتان أو ثلاث أو أربع، فقال: إحداكن طالق، فمات قبل البيان يجب على كل واحدة منهن أربعة أشهر وعشر، فيستكمل فيها ثلاث حيض، وأم ولد لرجل هي منكوحة لآخر فمات المولى والزوج، وبين موتها شهران وخمسة أيام ولا يعلم أيهما مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام فتستكمل فيها ثلاث حيض.
وإن لم يعلم أن بين موتها كم كان ولا من مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشر تستكمل فيها ثلاث حيض عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة: عدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها، وكذلك إن علم أن بين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها بلا خلاف، وإن مات المولى أولا وهي تحت زوج أو في عدة منه من طلاق رجعي ثم مات الزوج فتعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت العدة من طلاق بائن لا تلزمها عدة الوفاة. وعدة بوضع الحمل، وهي عدة الطلاق والوفاة والعتاق بوضع الحمل إذا كانت حاملا.

(5/592)


وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، وهي حرة ممن تحيض، فعدتها ثلاثة أقراء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن بقي الحمل إلى سنتين من يوم طلقها ثبت نسبه، وتنقضي العدة بوضع الحمل، وإن جاءت به لأكثر من سنتين بيوم لا يثبت نسبه، ويحكم بانقضاء العدة بعد ستة أشهر، وتسترد نفقتها إن كانت قبضتها في قول أبي حنفية ومحمد.
وقال أبو يوسف: تنقضي عدتها بوضع الحمل، وإن لم يثبت نسبه، وعدة إلى ستين سنة، وصورته أن ينقطع حيضها بعد الطلاق تصير إلى أن يصير سنها ستين ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تزوج، وكذلك لو اعتدت بقدرين ثم انقطع الحيض تصير إلى أن يصير سنها ستين سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت عادة أمها وأخواتها انقطاع الحيض قبل سنة يؤخذ بعادتهن، وإن كانت عادتهن انقطاع الدم بعد ستين لا يؤخذ بذلك، ويؤخذ بستين.
وعدة إلى شهرين وتسعة وعشرين يوما وثلاث حيض بعدها، وهي عدة صغيرة طلقها زوجها فمضت ثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت ما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، أو كانت يائسة فاعتدت بثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت، فما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، وعدة بجميع العمر، وهي عدة امرأة المفقود ما لم يمت أقران زوجها لا يرفع النكاح، قال بعضهم: إلى مائة سنة، وقال بعضهم: إلى مائة وعشرين سنة، وعدة بثلاث حيض إلا يوما فمات الزوج يلزمها أربعة أشهر وعشر، وعدة بقرأين إلا يوما وشهرين وخمسة أيام، وصورته طلق الرجل امرأته الأمة رجعية فاعتدت بقرأين إلا يومين فمات زوجها يلزمها شهران وخمسة أيام.
وعدة بثلاث حيض في الحياة والوفاة، وصورته رجل أعتق أم ولده أو مات عنها أو وطئ امرأة في نكاح فاسد أو شبهة عقد ففرق بينهما أو مات عنها تعتد عنه بثلاثة أقراء، فإن آيست أم ولده والموطوءة في نكاح فاسد أو شبهة عقد من صغير أو كبير فعدتهن بثلاثة أشهر في الوفاة والحياة جميعا، كذا ذكره أبو الليث في " خزانة الفقه ".
م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا) ش: قال الكاكي: لم يذكر في بعض النسخ أو رجعيا ولا بد من ذكره، وقال الأترازي: لم يذكر قوله: أو رجعيا في هذا الموضع في أكثر النسخ، لأن الطلاق الرجعي مر حكمه، ومقدار عدته في باب الرجعة م: (أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: وهي الفرقة بخيار البلوغ والعتاقة وعدم الكفارة وملك أحد الزوجين صاحبه والفرقة في النكاح الفائت والردة م: (وهي حرة) : أي والحال أن المرأة حرة كائنة م: (ممن تحيض فعدتها) ش: مبتدأ، وقوله م: (ثلاثة أقراء) ش: خبره والجملة جواب قوله إذا، ويذكر الدخول في الطلاق بناء على الأصل إذ الأصل في النكاح الدخول، لأن العدة لا تجب على غير المدخول

(5/593)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) . والفرقة إذا كانت بغير طلاق فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم في الفرقة الطارئة على النكاح وهذا المعنى يتحقق فيها، والأقراء: الحيض عندنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بها بالنص، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ش: والمراد بهن المدخولات بهن من ذوات الحيض، وهي خبر في معنى الأمر، وأصل الكلام فليتربصن المطلقات، قال المكنون لام الأمر محذوف، فاستغني عن ذكره، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد الأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، ونحوه قولهم في الدعاء يرحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة، كأنما وجدت الرحمة، فهو مخبر عنها، وبناؤه على المبتدأ يدل على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص المطلقات لم يكن ذلك التأكيد، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات، بخلاف الفعلية، وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص، وزيادة النعت إذ أنفسهن طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص، وانتصب ثلاثة على الظرف، أي يتربصن مدة ثلاثة قروء، وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لجواز استعمال أحد الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ولعل القرء أكثر من جمع قرء من الأقراء، فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل.
م: (والفرقة إذا كانت بغير طلاق) ش: قد مر عن قريب أن الفرقة غير الطلاق م: (فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم) ش: حتى لا يشتبه النسب م: (في الفرقة الطارئة على النكاح، وهذا المعنى يتحقق فيها) ش: أي في الفرقة بغير طلاق، لكن هذا فيما إذا كانت المرأة مدخولة، لأن غير المدخولة لا عدة عليها، سواء كانت الفرقة بطلاق أو بغير طلاق، والخلوة جعلت كالدخول فاسدة كانت أو صحيحة في حق العدة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل.
م: (والأقراء: الحيض عندنا) ش: وهو قول الخلفاء الأربعة والعبادلة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري، وزاد أبو داود والنسائي معبدا الجهني وعبد الله بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وهو قول طاووس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن بن حي وشريك بن عبد الله القاضي والحسن البصري والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وأبي عبيدة وربيعة ومجاهد ومقاتل وقتادة والضحاك وعكرمة السدي وإسحاق وأحمد وأصحاب الظاهر.
وقال أحمد: كنت أقول الأطهار ثم وقفت بقول الأكابر، وقال أبو بكر الرازي وإليه انتهت رياسة الحنفية ببغداد بعد أبي الحسن الكرخي: أن الشعبي روى عن ثلاثة عشر من

(5/594)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأطهار. واللفظ حقيقة فيهما إذ هو من الأضداد، كذا قاله ابن السكيت، ولا ينتظمهما جملة للاشتراك، والحمل على الحيض أولى، إما عملا بلفظ الجمع، لأنه لو حمل على الأطهار والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصحابة أن الرجل أحق بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأطهار) ش: أي عند الشافعي الأقراء هي الأطهار، وبه قال مالك، ويروى ذلك عن عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وفائدة الخلاف فيما إذا طلقها في الطهر لا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة عندنا، وعنده تطهر كما ترى قطرة من الدم من الحيضة الثالثة، يعني كما شرعت في الحيضة الثالثة.
م: (واللفظ) ش: أي لفظ القروء م: (حقيقة فيهما) ش: أي في الطهر والحيض م: (إذ هو) ش: أي لفظ القرء م: (من الأضداد) ش: جاء بمعنى الحيض والطهر جميعا م: (كذا قاله ابن السكيت) ش: وغيره من أهل اللغة.
وقال الجوهري: هو من الأضداد كالجوف للظلمة والنور والصريم لليل والنهار م: (ولا ينتظمهما) ش: أي ولا يشمل المعنيين م: (جملة للاشتراك) ش: لأنه لا عموم للمشترك بين الأضداد بالإجماع، ولأنه وقع الاختلاف في المراد من الآية في الصحابة، وما حمله أحد عليها فحل محل الإجماع في أنه لا ينتظمها.
وقال الأكمل: ولا يبعد أن يكون غرض المصنف بكونه من الأضداد إشارة إلى نفى قول من قال إنه مجاز في أحدهما، لأنه لا بد للمجاز من مناسبة، وكونه من الأضداد ينفيها، فلما كان الأمر كذلك أشار بقوله:
م: (والحمل على الحيض أولى) ش: لمعان كثيرة أحدها وهو قوله م: (أما عملا بلفظ الجمع) ش: يعني بالقروء المذكور في الآية جمع قرء، بفتح القاف، كذا قال الجوهري، وجمعه أقراء وقروء، وكذا قال القبي بفتح القاف. وروي بضم القاف أيضا، قاله الزمخشري، ووجه العمل بلفظ الجمع أنه أقل الجمع ثلاثة، م: (لأنه لو حمل على الأطهار، والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا) ش: بيانه أن أقل الجمع ثلاثة، وذلك إنما يتحقق عند الحمل على الحيض لا على الطهر، لأن السنة في الطلاق أن يوقع في الطهر، ثم هو محتسب من الأقراء عند من يقول بالأطهار، فيكون حينئذ مدة عدتها قرأين وبعض الثالث لا لفظ الثلاثة، وقَوْله تَعَالَى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] خاص لكونه وضع لمعنى معلوم على الانفراد، وهو لا يحتمل النقصان.
فإن قلت: الجمع يطلق على اثنتين وبعض الثالث، كما في قوله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ،

(5/595)


أو لأنه معرف لبراءة الرحم، وهو المقصود أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«وعدة الأمة حيضتان» فيلحق بيانا به. وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمراد شهران وبعض الثالث.
قلت: هذا بطريق المجاز ثبت على خلاف الأصل بالإجماع، فلا يقاس عليه غيره، مع أن ذلك إنما يستقيم في جميع غير مقرون بالعدد، وهنا مقرون بالعدد، وهو الثلاثة، وهو لفظ خاص لعدد معلوم فلا يحتمل غيره.
وأشار إلى المعنى الثاني بقوله: م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الحيض م: (معرف لبراءة الرحم) ش: إذ تعريف بقاء الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر، لأن الحمل طهر ممتد، فيجتمعان فلا يحصل التعريف بأنها حامل أو حائل م: (وهو المقصود) .
ش: وأشار إلى المعنى الثالث بقوله: م: (أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أو لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[عدة الأمة]
م: (وعدة الأمة حيضتان) ش: هذا الحديث قد مضى في كتاب الطلاق قبل باب إيقاع الطلاق بأربعة أسطر، ومعنى الكلام فيه هناك، والحاصل أن المصنف استدل به على أن القروء اسم للحيض، لأن الرق إنما يؤثر في التنصيف لا في النقل من الطهر إلى الحيض م: (فيلحق) ش: أي هذا الحديث م: (بيانا به) ش: أي من حيث البيان، بيانه أنه خبر الواحد، وإن كان لا يصلح به الزيادة على كتاب الله تعالى يصلح بيانا لما فيه من الإجمال والاشتراك، فكان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عدتها حيضتان» بيانا للمشترك في قَوْله تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فكانت الحيضة هي المرادة.
م: (وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر) ش: تقوم مقام ثلاث حيض في التي لا تحيض، وهذا بالإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] لكن حذف للدلالة المذكورة قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إن شككتم في دم البالغات مبلغ اليأس هو دم الحيض أو دم الاستحاضة، فإذا كان عدة المرتاب لها هذه فغيرها أولى.
وروى البخاري عن مجاهد قال: إن لم يعلموا يحضن أم لا يحضن، واختلفوا في حد الإياس، ففي " الفتاوى الصغرى ": حد الإياس غير مقدر بشيء، وفي رواية: مقدر بأن رأت بعد ذلك دما، هل يكون حيضا، فعلى رواية عدم التقدير يكون حيضا، وعلى رواية التقدير لا يكون حيضا، فعلى رواية التقدير اختلفت الروايات، فقال محمد: في الروميات خمس وخمسون سنة، وفي المولدات ستون سنة، لأن الروميات أسرع تكسرا. وعن أبي حنيفة: من خمس وخمسين إلى ستين. وقال محمد بن مقاتل والزعفراني: خمسون، وهكذا روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وهكذا قال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري.

(5/596)


وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض، بآخر الآية. وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) وإن كانت أمة فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طلاق الأمة تطليقتان» ، ولأن الرق منصف والحيضة لا تتجزأ فكملت، فصارت حيضتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لا ترى قرة عين، أي لا تلد، وهي رواية الحسن، وعليه الفتوى، وقيل يعتبر بتركيب بدنها فإنها تختلف بالسمن والهزال، وقيل لا تلد لستين إلا فارسية، وقال الصفاء: وسبعون سنة، فإذا رأت بعد ذلك دما لا يكون حيضا كالدم الذي تراه الصغيرة، وعلى رواية عدم التقدير لو اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم لا تبطل الأشهر، وهو المختار عندنا، ذكره الأسبيجابي.
م: (وكذا التي بلغت بالسن) ش: أي وكذا بثلاثة أشهر عدة المرأة التي بلغت بالسن بخمس عشرة سنة على قول أبي يوسف ومحمد، وسبع عشرة سنة على قول أبي حنيفة م: (ولم تحض) ش: أي والحال أنها لم تحض م: (بآخر الآية) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) لأنها داخلة فيه، لأنها لم تحض بعد، قال في " تتمة الفتاوى ": اختلف مشايخنا في وجوب العدة على الصغيرة، لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد.
وقال في " مبسوط السرخسي: قال علماؤنا: هي لا تخاطب بالاعتداد، ولكن المولى يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة عدتها، مع أن العدة مجرد مضي المدة، فبثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجه الخطاب عليها.
م: (وإن كانت حاملا) ش: أي وإن كانت المطلقة حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ش: م: (الطلاق: الآية 4) ش: ولا يعلم فيه خلاف، وكذا لو كان الحمل بالنكاح الفاسد أو بالوطء بالشبهة، والحمل الذي تنقضي به العدة هو الذي استبان خلقه لم تنقض به العدة.
م: (وإن كانت أمة) ش: أي وإن كانت المطلقة أمة م: (فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» ش: هذا الحديث قد مر في كتاب الطلاق في أواخر الفصل الذي فيه، وقد مر الكلام فيه مستوفى م: (ولأن الرق منصف) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) م: (والحيضة لا تتجزأ فكملت) ش: أي الحيضة م: (فصارت حيضتين) ش: لأن النصف متقدر، لأن الدم تارة يدر، وتارة ينقطع، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك: وقرءان وهما طهران، وكذا لو كانت مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد لإطلاق الحديث.
فإن قيل النص الوارد في المطلقات عام، وتخصيص العام ابتداء لا يجوز بخبر الواحد

(5/597)


وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا. وإن كانت لا تحيض فعدتها شهر ونصف، لأنه يتجزأ فأمكن تنصيفه عملا بالرق. وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقياس، ولهذا قال أبو بكر الأصم وابن سيرين والظاهرية: عليها ثلاثة أشهر كعدة الحرائر. أجيب بأن هذا مشهور عمل به كبار الصحابة والتابعين، وتلقته الأمة بالقبول، فدخل في حد المشاهير.
م: (وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أي إلى عدم تجزؤ الحيضة، أشار عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا) ش: ولقوله: عدة الأمة حيضتان. ولو استطعت لجعلتها، أي لجعلت عدة الأمة حيضة ونصف حيضة، ولكن جعلتها حيضتين كاملتين، لعدم الاستطاعة على تجزؤ الحيضة، لأنها تختلف قلة وكثرة ووقتا، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هذا رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي يقول: أخبرني رجل من ثقيف، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا فعلت. فقال له رجل: لو جعلتها شهرا ونصفا. فسكت عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ورواه الشافعي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار , ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في كتاب " المعرفة ".
م: (وإن كانت) ش: أي الأمة المطلقة م: لا تحيض) ش: من صغر أو كبر م: (فعدتها شهر ونصف، لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (يتجزأ، فأمكن تنصيفه) ش: فنعتبر عدتها شهرا ونصفا م: (عملا بالرق) ش: أي من حيث العمل بمقتضى الرق لأنه منصف لذوات الأعداد كالجلدات في الحدود، وكذا عدة المدبرة والمكاتبة والمستسعاة على قول أبي حنيفة، وإن كانت ممن لا تحيض بشهر ونصف وفي " شرح الأقطع " هذا أيضا قول الشافعي. وفي قول آخر شهران. وفي قول آخر ثلاثة أشهر.
م: (وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر) ش: أي عدة المرأة الحرة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت ممن تحيض أو ممن لا تحيض، مسلمة كانت أو كتابية صغيرة كانت أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، آيسة كانت أو غير آيسة، وزوجها حرا أو عبد م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ش: أول الآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ} [البقرة: 234] أي يتركون، أي يموتون عن أزواج. وذكر الأزواج مطلقا فدل على أن هذه العدة لا تجب إلا بنكاح صحيح، لأن الزوجية المطلقة لا تحصل إلا بعد صحة النكاح.

(5/598)


وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال مالك: يشترط معها حيض في الموطوءة مع أن الحامل تحيض عنده، وخالفه أشهب واختلف قول مالك في الكتابية على قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة. وإلا لا عدة عليها، لأنها غير مخاطبة بشرائع الإسلام. وعلى قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة، وإلا لا عدة عليها لا في الطلاق ولا في الوفاة. واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها في أربعة فصول. الأول: أن منهم من قال: عليها عدتان، الطولى وهي الحول، والقصرى وهي أربعة أشهر وعشر، فالطول عزيمة، والأقصر رخصة استدلالا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فإن خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشر فلا جناح عليكم، وفيه بيان أن العدة الكاملة هي الحول، والاكتفاء بأربعة أشهر وعشر رخصة لها، وجواب عامة أهل العلم أن هذه الآية منسوخة، وكان ذلك في الابتداء. ثم نسخ بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وقال أبو بكر الرازي: وقد كانت عدة المتوفى عنها زوجها سنة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] ... الآية، فحكم فيها بثلاثة أشياء أحدها إيجاب العدة سنة، والآخر نفقتها في الحول في مال الزوج. والثالث: منع الخروج فنسخ منها بإحدى الأربعة أشهر والعشر ونسخ منها وجوب نفقتها في مال الزوج بما جعل لها من الربع والثمن في ماله، وهي منع الخروج في الأربعة الأشهر والعشر.
الفصل الثاني: أن يعتبر عشر ليال وعشرة أيام عند الجمهور. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: عشر ليال وتسعة أيام، وبه قال الأوزاعي، حتى يجوز لها أن تزوج في اليوم العاشر. الفصل الثالث: إذا كانت حاملا فعدتها وضع الحمل عند الأكثر، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تعتد بأبعد الأجلين كما يجيء. والفصل الرابع: أن عدتها معتبرة من وقت الوفاة عند الأكثر وكان علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: من وقت العلم بالموت.

م: (وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف) ش: لأن الشهور قابلة للتنصيف، فتنصف عدتها، وعليه الأئمة الأربعة والجمهور من السلف إلا ما نقل عن ابن سيرين والظاهرية. وقد ذكرناه، وكذلك الحكم في المدبرة والمكاتبة وأم الولد والمستسعاة على قول أبي حنيفة، أما إذا مات مولى أم الولد فعدتها ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (وإن كانت حاملا) ش: يعني وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها) ش: سواء كانت حرة أو أمة أو أم الولد أو مطلقة أو بعد الفسخ من النكاح الفاسد أو الوطء بالشبهة م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وعليه فقهاء الأمصار وأكثر السلف. وعن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في رواية تعتد المتوفى عنها زوجها بأبعد الأجلين، تفسيره أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض،

(5/599)


وقال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حتى لو حاضت ثلاث حيض ولم يمض أربعة أشهر وعشر لا تنقضي العدة حتى يتم الأربعة ولو تمت الأربعة ولم تخص، لا تنقضي حتى تحيض ثلاث حيض ذكره في " فتاوى قاضي خان ".
م: (وقال عبد الله بن مسعود: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة) ش: أورد هذا عن ابن مسعود، إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] متأخر عن قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فيكون ناسخا في ذوات الأحمال، قوله: باهلته من المباهلة، أي الملاعنة من البهل، وهو اللعن، يقال عليه بهلة الله بفتح الباء وضمها، أي لعنة الله، وتباهل القوم وابتهلوا إذا لاعنوا وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شيء: بهلت الله على الكاذب منا. قالوا: هي مشروعة في زماننا أيضا. وأراد بسورة النساء القصرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وهي بعد سورة التغابن.
وأما سورة النساء الطولى فهي آل عمران، وهي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] ... إلى آخر السورة. وأراد بالتي في سورة البقرة الآية التي فيها، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يعني أن قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] في سورة النساء القصرى، وهي آخر الآيتين نزولا ناسخة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] في حق عدة الحامل وقاضية عليه.
وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن مسعود أنه قال: من شاء باهلته إلى آخره.
قلت: هذا أخرجه البخاري في تفسير سورة الطلاق، وفي أوائل البقرة عنه، قال: أيجعلون عليها التغليظ ولا يجعلون عليه الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .
وروي في " السنن" إلى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد أربعة أشهر وعشر، انتهى.
قلت: هذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البزار في مسنده عن علقمة عنه بلفظ: من شاء. وخالفه أن {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، نزلت بعد آية المتوفى، فإذا وضعت المتوفى عنها حملها فقد حلت، وقرأ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ، وروى الترمذي مسندا إلى إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل بن بعكك قال: «وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين، أو خمسة وعشرين يوما،

(5/600)


وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج.
وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاث حيض. ومعناه إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلما فعلت تشوفت للنكاح، فأنكر ذلك عليها، فذكر ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن تفعل فقد حل أجلها".»
قال أبو عيسى: حديث أبي السنابل حديث مشهور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، وهو قول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تعتد بأبعد الأجلين والأول أصح، انتهى.
قلت: اسم أبي السنابل عمرو، وقيل: حبة، من المؤلفة قلوبهم، وسبيعة مصغر سبعة ... الأسلمية، واسم زوجها سعد بن خولة، مات بمكة، فولدت بعده بنصف شهر.
م: (وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج) ش: هذا رواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فقال: إذا وضعت حملها فقد حلت، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد لحلت، وعن مالك رواه الشافعي في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه. والسرير التخت، المراد منه الذي يغسل عليه الميت.

[طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة]
م: (وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين) ش: أراد به امرأة الفار، يعني المريض مرض الموت إذا طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة ترث باتفاق أصحابنا. وفي العدة اختلاف بينهم، أشار إليه بقوله: م: (وهذا) ش: أي كون عدتها أبعد الأجلين م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وأراد بأبعد الأجلين، أي الأجلين اللذين هما ثلاث حيض وأربعة أشهر وعشر، أيهما كان أبعد فتأخذ هي بذلك احتياطا حتى لو أبانها ثم مات تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بعد الموت، وما حاضت في هذه المدة إلا حيضة فعليها حيضتان أخريان.
م: (وقال أبو يوسف: ثلاث حيض) ش: يعني إذا رأت ثلاث حيض ولم يتم بعد أربعة أشهر وعشرة أيام تنقضي عدتها م: (ومعناه) ش: أي معنى الخلاف في أبعد الأجلين م: (إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع) ش: لعدم انقطاع النكاح.

(5/601)


لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق، ولزمها ثلاث حيض، وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في حق تغير العدة، بخلاف الرجعي، لأن النكاح باق من كل وجه. ولهما أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما.
ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر.
فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه. وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأبي يوسف أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق) ش: لا بالوفاة م: (ولزمها ثلاث حيض) ش: وهي عدة الطلاق م: (وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة) ش: فلا يلزمها عدة الوفاة، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وأبو عبيد م: (إلا أنه بقي في حق الإرث) ش: هذا جواب عما يقال لو كان كذلك لما بقي في حق الإرث. وأجاب بقوله إلا أنه أي أن النكاح بقي في حق الإرث بالدليل الدال على توريثها بسبب الفرار.
م: (لا في حق تغير المدة، بخلاف الرجعي) ش: أي بخلاف الطلاق الرجعي م: (لأن النكاح باق من كل وجه) ش: لأنه لا ينقطع بالرجعي، ولهذا إذا مات المرتد أو قتل ترثه امرأته المسلمة، ومع هذا لا يلزمها عدة الوفاة، لأن النكاح انقطع بالردة لا بالموت.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن النكاح م: (لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما) ش: أي بين العدتين لأنها مبانة حقيقة وتوفي عنها زوجها حكما.
م: (ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته) ش: يعني حصر استحقاقها إلى وقت الردة، لأن المسلم لا يرث الكافر، وهو جواب عما استدل به أبو يوسف، فقال: ألا ترى أن المرتد إذا قتل أو مات على ردته ترثه زوجته المسلمة، وليس عليها عدة الوفاة بالإجماع، لأن زوال النكاح كان بردته لا بموته، فكذلك زوال النكاح هنا بالطلاق البائن لا بالموت، وتقريره أن ذلك أيضا على هذا الاختلاف، يعني تعتد بأبعد الأجلين، وهو معنى قوله م: (فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر) .

م: (فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي، انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه) ش: صورته الأمة المنكوحة طلقها زوجها رجعيا ثم أعتقها مولاها في عدتها تحولت عدتها إلى عدة الحرائر من وقت الطلاق فعليها أن تعتد بثلاث حيض إن كانت ممن تحيض وبثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض.
م: (وإن أعتقت وهي مبتوتة) ش: أي وإن أعتقت الأمة المطلقة وهي مبتوتة، أي والحال أنها مطلقة طلاقا بائنا أو ثلاثا م: (أو متوفى عنها زوجها) ش: أي أو كانت متوفى عنها زوجها م: (لم

(5/602)


تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت.
وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض، ومعناه إذا رأت الدم على العادة، لأن عودها يبطل الإياس، هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت) ش: فإذا كانت كذلك لا تعتد بحيضتين أو بشهر ونصف، أو بشهرين وخمسة أيام على حسب اختلاف حالها، وبه قال الشافعي في الأظهر وأحمد وإسحاق، وهو قول الحسن والشعبي والضحاك. وقال مالك: لا يكمل، وهو قول أبي ثور. وعن عطاء والزهري وقتادة يكمل فيهما اعتبارا بحال اعتدادها.
فإن قيل: العدة حكم زوال الزوجية، وحكم الزوال يثبت عند الزوال، فينبغي أن لا تحول العدة في الرجعي أيضا، لأنها عند الزوال أمة، ولهذا تعتد من وقت الطلاق.
وأجيب: بأنه إنما تحولت العدة لأن سببها وهو الزوال متردد ليس بمستقر، فكانت مترددة أيضا لتردد سببها، فتغيرت. ولهذا يتحول بالموت من الأقراء إلى الشهود بخلاف البائن، فإن سببه مستقر ليس بمتردد، فلم تتحول العدة بالعتق.
وفي " شرح الأقطع " عن الشافعي قولان في كل واحد من الرجعي والبائن في أحدهما ينتقل فيهما، وفي الآخر ينتقل فيهما. وفي "وجيزهم" ولو أعتقت في أثناء العدة فهي كالحرة في قول، وكالأمة في قول. وفي القول الثالث: إن كانت رجعية التحقت بالحرة، وإن كانت بائنة فتعتد بقرأين.

[كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم]
م: (وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض) ش: لأن الشهور في الآيسة بدل عن الحيض، ولا معتبر بالبدل مع القدرة على الأصل، فلما رأت الدم علم أن الإياس عن الأصل لم يكن متحققا، والشرط هو اليأس إلى الموت كالفدية في الشيخ الفاني.
م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكره القدوري لأن المسألة من مسائل القدوري م: (إذا رأت الدم على العادة) ش: التي كانت قبل الإياس، يعني كثيرا سائلا.
أما إذا كانت بلة يسيرة لا يكون حيضا، بل كان ذلك من نتن الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض م: (لأن عودها) ش: أي عود العادة م: (يبطل الإياس هو الصحيح) ش: احترز عن قول محمد بن مقاتل الرازي، فإنه كان يقول هذا إذا لم يحكم بإبانتها، فأما إذا انقطع الدم عنها زمانا حتى يحكم بإياسها وكانت ابنة تسعين سنة ونحوها فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا. وقيل هذا على قول من وقت الإياس وقتا ثم يظن أنها أيست، ثم يظهر بخلافه فتستأنف العدة بالحيض، كذا ذكره الجصاص.

(5/603)


فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك باستدامة العجز إلى الممات، كالفدية في حق الشيخ الفاني. ولو حاضت حيضتين، ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا عن الجمع بين البدل والمبدل. والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتهما الحيض في الفرقة والموت، لأنها للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح والحيض هو المعرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا) ش: أي عدم ظهور الخلفية م: (لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك) ش: أي تحقق اليأس م: (باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني) ش: يعني أن شرط الخلفية في الشيخ الفاني استمرار العجز مدة العمر، فكذا هنا.
م: (ولو حاضت حيضتين ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا) ش: أي احترازا م: (عن الجمع بين البدل والمبدل) ش: فإنه لا يجوز. فإن قلت: يشكل بمن يصلي بالإيماء حيث يجوز، ولا يشترط العجز إلى الممات. قلت: لأن الصلاة بإيماء ليست بخلف، بل الإيماء بعض الشيء لا يكون خلفا عنه كالركوع والسجود، أما العدة بالأشهر بدل عن العدة بالحيض، وإكمال الأصل بالبدل غير ممكن.
فإن قلت: المصلي إذا سبقه الحدث ولم يجد الماء حتى يتيمم وبنى يجوز. قلت: البدلية في الطهارة وإن كانت لكن لا يجمع بينهما، لأنه لا يكمل أحدهما بصاحبتها.
م: (والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتها الحيض في الفرقة والموت) ش: أراد بالنكاح الفاسد النكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدة الأخت، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة، أراد بالموطوءة بشبهة ما زفت إليه غير امرأته. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": إذا دخل الرجل بالمرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر وعليها العدة ثلاث حيض إن كانت حرة، وحيضتان إن كانت أمة، وسواء إن مات عنها أو فرق بينهما وهو حي، فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر، وعدة الأمة شهر ونصف.
م: (لأنها) ش: أي لأن العدة م: (للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح) ش: إذ لا حق للنكاح الفاسد والوطء بشبهة م: (والحيض هو المعرف) ش: ولا فرق في ذلك بين الفرقة والموت.
فإن قيل: فعلى هذا واجب أن يكتفى بحيضة واحدة أو شهر كما في الاستبراء، وليس كذلك.
أجيب: بأنها كانت ثلاث حيض إلحاقا للشبهة بالحقيقة، فإن أحكام العقد الفاسد أبدا يؤخذ من حكم الصحيح كما في البيع الفاسد والإجارة الفاسدة، فإنهما يفيدان إفادة الصحيح، غير أن ثبوت الملك يتوقف على القبض كونها فيه، ولذلك ثبت أجر المثل دون المسمى كذلك، وها هنا أيضا لم يثبت عدة الوفاة كونها فيه، فإن عدة الوفاة لزيادة إظهار التأسف لفوات نعمة

(5/604)


وإذا مات مولى أم الولد عنها، أعتقها فعدتها ثلاث حيض، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيضة واحدة، لأنها تجب بزوال ملك اليمين فشابهت الاستبراء، ولنا أنها وجبت بزوال الفراش فأشبهت عدة النكاح، وأما منافية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض. ولو كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح.
وإذا مات الصغير عن امرأة وبها حبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح، والنعمة في النكاح الصحيح دون الفاسد، فلذلك اختصت بالصحيح، ولكن لما كانت فيه جهة النكاح ألحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة احتياطا.

[مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها]
م: (وإذا مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها فعدتها ثلاث حيض. وقال الشافعي: حيضة واحدة لأنها تجب بزوال ملك اليمين، فشابهت الاستبراء) ش: ولهذا لا تختلف بالحياة والوفاة، وبه قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعائشة وابن المسيب وابن سيرين وابن جبير وخلاس وعمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وإسحاق. وعند الظاهرية لا استبراء على أم الولد لا في العتق ولا في الموت، وتزوج من شاءت إذا لم تكن حاملا.
وقال الأترازي: وقال الشافعي: عدتها حيضة واحدة، إن كانت ممن تحيض. وإن كانت ممن لا تحيض فشهر. وقال مالك في " الموطأ ": وعدتها حيضة واحدة، وإذا لم تحض فثلاثة أشهر، وبه قال أحمد بن حنبل. وقال في " شرح الأقطع ": ومن أصحاب الشافعي من قال: إنه ليس بعدة، وإنما هو استبراء.
م: (ولنا أنها) ش: أي العدة م: (وجبت بزوال الفراش، فأشبهت عدة النكاح) ش: يعني إذا طلق أم الولد زوجها، وهي ممن لا تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وفيه لا يكتفى بحيضة واحدة م: (وإما منافية) ش: أي في الحكم المذكور م: (عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض) ش: هذا غريب، ولكن روى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن العاص أمر أم الولد إذا أعتقت أن تعتد بثلاث حيض. وكتب إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فكتب بحسن رأيه. وروى محمد بن الحسن في الأصل عن علي وابن مسعود وإبراهيم أنهم قالوا: عدة أم الولد ثلاث حيض، فسموه عدة وقدروها بثلاث.
وقال الكرخي في "مختصره": حدثنا الهروي قال: حدثنا محمد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي خالد عن حجاج عن الشعبي عن الحارث عن علي وعبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: عدة أم الولد ثلاث حيض إذا مات عنها سيدها، وروى الحكم عن علي قال: ثلاث حيض. وعن عطاء ثلاثة قروء. وعن إبراهيم عدة أم الولد ثلاث حيض.
م: (ولو كانت) ش: أي أم الولد م: (ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح) ش: يعني كما يجب أن تعتد بثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها.

[مات الصغير عن امرأته وبها حبل فما عدتها]
م: (وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبل

(5/605)


فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدتها أربعة أشهر وعشر وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الحمل ليس بثابت النسب منه فصار كالحادث بعد الموت. ولهما إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) ، ولأنها مقدرة بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى يتحقق في الصبي، وإن لم يكن الحمل منه، بخلاف الحمل الحادث، لأنه وجبت العدة بالشهور، فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عدتها أربعة أشهر وعشر، وهو قول الشافعي) ش: ومالك وأحمد، وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لأن الحمل ليس بثابت النسب منه) ش: أي من الصغير م: (فصار كالحادث بعد الموت) ش: يعني بأن تضع بعد الموت لستة أشهر فصاعدا من يوم الموت عند عامة المشايخ. وقال بعضهم بأن تأتي به لأكثر من سنتين. وقال في "نهايته": والأول أصح، وتفسير قيام الحمل عند الموت أن تلد لأقل من ستة أشهر من وقت موته، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: يعني من غير فصل بين أن يكون الحمل من الزوج ومن غيره في عدة الطلاق أو الوفاة، بخلاف ما إذا حدث الحمل بعد موت الصبي، حيث تعتد بالشهور، لأنها لم تكن حاملا عند الموت، فلم تدخل تحت الآية المذكورة، ولا يرد علينا امرأة الكبير إذا حبلت بعد موته لأقل من سنتين، حيث تعتد بوضع الحمل، وإن لم يكن الحمل وقت الموت، لأن النسب لما ثبت منه وهو أمر شرعي حكم بوجود الولد أيضا عند الموت حكما تبعا لحكم شرعي، وهنا فيما نحن فيه لا يثبت النسب، فلم يمكن إثبات الحمل عند الموت حكما.
م: (ولأنها مقدرة) ش: دليل معقول لهما، أي ولأن عدة الوفاة مقدرة م: (بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف) ش: أي غير مقدرة للتعرف م: (عن فراغ الرحم لشرعها) ش: أي لشرع عدة الوفاة، أي لمشروعيتها م: (بالأشهر مع وجود الأقراء، لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى) ش: يعني قضاء حق النكاح م: (يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه) ش: فإذا كان كذلك تعتد امرأته بوضع الحمل لنص قَوْله تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) م: (بخلاف الحمل الحادث) ش: جواب عن قول الشافعي فصار كالحمل الحادث بعد الموت.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن أنه م: (وجبت العدة بالشهور) ش: حقا للنكاح بآية التربص م: (فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه) ش: أي فيما إذا مات الصبي عن امرأة وبها حبل م: (كما

(5/606)


وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا، ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحبل بعد الموت، لأن النسب يثبت منه، فكان كالقائم عند الموت حكما. ولا يثبت نسب الولد في الوجهين، لأن الصبي لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق، والنكاح يقام مقامه في موضع التصور.
وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها.
وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى، وتداخلت العدتان، ويكون ما تراه من الحيض محتسبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجبت) ش: العدة م: (وجبت مقدرة) ش: أي حال كونها مقدرة م: (بمدة الحمل) ش: وهو وضع الحمل، لأنها عدة أولات الأحمال م: (فافترقا) ش: أي افتراق الحمل القائم عند الموت، والحادث بعده م: (ولا يلزم امرأة الكبير) ش: جواب عما يقال إذا مات الرجل ولم تكن المرأة حاملا، فقد ألزمناها العدة بالشهور، ثم إذا ظهر الحمل تكون عدتها بوضع الحمل، فقد تغيرت العدة بوضع الحمل، فأجاب بقوله: ولا يلزم امرأة الكبير.
م: (إذا حدث لها الحبل بعد الموت) ش: أي بعد موت الزوج م: (لأن النسب يثبت منه فكان) ش: أي الحمل م: (كالقائم عند الموت حكما) ش: تبعا لحكم شرعي آخر، وهو ثبوت النسب، لأن النسب بلا حمل لا يثبت في امرأة الصغير لما لم يثبت النسب لم يحتج إلى جعل الحمل قائما عند الموت، فكان الحمل مضافا إلى أقرب الأوقات، فكان ابتداء عدتها بالأشهر لا محالة.
م: (ولا يثبت نسب الولد في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحمل قائما عند موت الصغير، وفيما إذا كان حادثا بعد موته م: (لأن أتصبى لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق) ش: بلا ماء، فلا يثبت النسب م: (والنكاح يقوم مقامه) ش: أي مقام الماء.
وقال الأترازي: أي مقام العلوق، هذا جواب عما يقال: النكاح موجود فيقام مقام الماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش".» فأجاب بقوله: والنكاح يقوم مقامه م: (في موضع التصور) ش: أي في موضع يتصور الوطء.

[عدة من طلقها زوجها في حالة الحيض]
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق) ش: لم تعتد، أي لم تحتسب، ويجوز فيه أن يكون على صيغة المجهول مستندا إلى ما تحيضه، وأن يكون على بناء المعلوم، مستندا إلى المرأة م: (لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها) ش: وهذا بالإجماع، بخلاف الطهر الذي وقع فيه الطلاق، فإنه محسوب عند مالك والشافعي.

م: (وإذا وطئت المعتدة بشبهة) ش: أي المعتدة عن طلاق بائن، رجل وطئها بشبهة، بأن قال: ظننتها تحل لي م: (فعليها عدة أخرى وتداخلت العدتان) ش: وبه قال الشافعي في قول.
وأشار إلى صورة التداخل بقوله: م: (فيكون ما تراه) ش: أي المرأة م: (من الحيض محتسبا

(5/607)


منهما جميعا. وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية، وهذا عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تتداخلان، لأن المقصود هو العبادة فإنها عبادة كف عن التزوج والخروج، فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد. ولنا أن المقصود التعرف على فراغ الرحم، وقد حصل بالواحدة فتتداخلان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منهما) ش: أي من العدتين م: (جميعا، وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية) ش: هذا الذي ذكره المصنف أعم من أن تكون العدتان من جنس واحد أو من جنسين، وأعم من أن يكون الواطئ هو الزوج أو غيره، فهذه أربعة صور:
الأولى: أن تكون العدتان من جنس واحد بأن كان الكل حيضا.
والثانية: أن يكونا من جنسين، بأن يكون أحدهما عدة الوفاة.
والثالثة: ما ذكرناه، وهو أن الواطئ هو الزوج.
والرابعة: أن يكون الواطئ غير الزوج، بأن المطلقة تزوجت في عدتها برجل فوطئها الرجل ثم فرق بينهما دفعا للفساد، فوجب عليها عدة أخرى، ففي هذه الصور كلها تجب العدتان، ويتداخلان عندنا.
وصورة التداخل ذكرها المصنف بقوله م: (وهذا عندنا) ش: أي تداخل العدتين مذهب أصحابنا م: (وقال الشافعي: لا يتداخلان) ش: في مذهبه تفصيل، وهو أن العدتين إذا كانتا من شخص واحد تداخلت إذا اتفقا بأن لم يكن إحبال، وكانت من ذوات الأشهر أو الأقراء، وإن اختلف بأن أحدهما بالحمل ففي تداخلهما وجهان، أحدهما: التداخل كالمتفقين.
والثاني: لا، وإن كانت العدتان من شخصين لم تتداخل، ذكره في الوسيط، وبه قال أحمد. وقالت المالكية: المتفقان في الأقراء والأشهر متداخلان، إما من واحد أو من شخصين. ولو اختلفا كانت إحداهما بالحمل ينتقضان. وعند الشافعي وأحمد إن كانت إحداهما بالحمل قدمت ثم تعود إلى الأقراء.
م: (لأن المقصود من العدة هو العبادة فإنها) ش: أي فإن العدة م: (عبادة كف عن التزوج والخروج) ش: من البيت والمنع عن الزينة وغيرها في مدة معلومة م: (فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد) ش: أي كما لا تداخل في الصوم، وإنه كف عن إمضاء المفطرات في وقت مقدر، وهو اليوم، فلا يتأدى صومان في يوم واحد، فلا يتداخل فيه، وكذا في العدة.
م: (ولنا أن المقصود) ش: من العدة وهو م: (التعرف عن فراغ الرحم) ش: في حق ذوات الأقراء م: (وقد حصل) ش: المقصود م: (بالواحدة) ش: بالعدة الواحدة، فلا حاجة إلى عدة أخرى م: (فتتداخلان) ش: ولا يقال ينبغي أن يكتفى بالحيضة وعدة الموطوءة بالشبهة ونكاح

(5/608)


ومعنى العبادة تابع، ألا ترى أنها تنقضي بدون علمها ومع تركها الكف.
والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها، تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفاسد بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، لأنا بينا أن الفاسد ملحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة م: (ومعنى العبادة تابع) ش: جواب عن قول الشافعي، لأن المقصود هو العبادة. وتقدير الجواب أن معنى العبادة في العدة تابع غير مقصود، لأن ركنها حرمة الازدواج والخروج، قال الله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) ، فهي أجل، والآجال إذا اجتمعت بمدة واحدة كرجل عليه ديون مؤجلة لا بأس بأنها تنقضي بمدة واحدة، ثم استوضح كون معنى العبادة فيها طريق التبعية لا بالقصد بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن العدة م: (تنقضي بدون علمها) ش: أي علم المرأة م: (ومع تركها الكف) ش: عن الخروج والأذى، حتى إذا خرجت أو تزوجت بزوج آخر لا تبطل العدة، ولو قال: معنى العبادة فيها ركنا مقصودا لم ينتقض بدون الكف، لأن العبادة لا تتحقق بلا ركن.
فإن قلت: لا نسلم أن المقصود تعرف براءة الرحم، فلو كان كذلك لم تجب العدة على الصبية والآيسة والمتوفى عنها زوجها، لأنه لا شغل في الصبية، وفي المتوفى عنها زوجها لا يحتاج الزوج إلى ذلك.
قلت: الصبية التي تحتمل الوطء تحتمل العلوق، وكذا الآيسة، فدار الحكم على دليل الشغل وهو الوطء، لأن العدة لا تكفي في إيجابها لوهم الشغل، وإن كان بخلاف العادة المتوفى عنها زوجها الحاجة فيها إلى التعرف قائمة لصيانة ماء الزوجين عن الاختلاط، لأن ماء الأول محترم في نصيبه، وكذا ماء الثاني.
فإن قلت: لو كان التداخل معتبرا لتداخل أقراء عدة واحدة.
قلت: لا نسلم الملازمة، لأن التعريف بحيضة واحدة ليس كالتعريف بثلاث حيض في حصول المقصود، لأن المقصود من الأولى تعريف الفراغ، ومن الثانية إظهار حظر النكاح فرقا بينه وبين الاستبراء، ومن الثالثة إظهار شرف الحرمة، وهذا المقصود لا يحصل بالحيضة الواحدة وقال الأكمل: فيه نظر، لأن المصنف لم يعلل إلا بالتعرف عن فراغ الرحم، فكان السؤال واردا عليه، انتهى.
قلت: تعليله بالتعريف عن فراغ الرحم يقتصر عليه لا ينافي التعليل بغيره، لا يرد عليه شيء.

[عدة المعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة]
م: (والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض فيها) ش: أي في الشهور م: (تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان) ش: قال في " المبسوط ": لو تزوجت في عدة الوفاة فدخل بها الثاني ففرق بينهما فعليها بقية عدتها تجب من الأولى تمام الأربعة أشهر وعشر، وعليها

(5/609)


وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم بالطلاق أو بالوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب، ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يفتون في الطلاق إن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة.
والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - من آخر الوطآت لأن الوطء هو السبب الموجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثلاث حيض للآخر عقيب ما حاضت بعد التفريق من عدة الوفاة أيضا.
م: (وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة) ش: لأن العلة الموجبة للعدة الطلاق أو الوفاة، فلا بد من اقتران المعلول، وهو وجوب العدة بعلتها، وعليه الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين م: (فإن لم تعلم) ش: أي فإن لم تعلم المرأة م: (بالطلاق أو بالوفاة) ش: أي أو لم تعلم بوفاة زوجها بأن كان غائبا م: (حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة) ش: أي وفاة الزوج م: (فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب) ش: وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها تعتد من يوم يأتيها الخبر. وقال مكي: إن قامت به البينة تعتد من يوم الموت والطلاق، وإلا فمن يوم الخبر. وقال داود: طلاق الغائب لا يقع أصلا حتى يأتيها الخبر وتعتد المتوفى عنها زوجها من خبر موته.
م: (ومشايخنا) ش: أراد بهم علماء بخارى وسمرقند، لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدع م: (يفتون في الطلاق أن ابتداءها) ش: أي ابتداء العدة م: (من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة) ش: بأن يتواضعا على الطلاق وانقضاء العدة ليصح إقرار المريض بها بالدين والوصية، أو يتواضعا على انقضائها بأن يتزوج أختها أو أربعا سواها.
وفي " الذخيرة " قال محمد في الأصل: يجب العدة من وقت الطلاق، واختارها مشايخ بلخ على أنها تجب من وقت الإقرار عقوبة عليه وزجرا على كتمانه الطلاق، ولكن لا تجب لها نفقة العدة والسكنى، لأن ذلك حقها وقد أقرت هي بسقوطه، وينبغي على قول هؤلاء أن لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها ما لم تنقض العدة من وقت الإقرار.

[العدة في النكاح الفاسد]
م: (والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها) ش: بأن أخبرها أنه ترك وطأها، والإخبار أمر ظاهر فيدار الحكم عليه، أما آخر الوطآت فلا يعلم لاحتمال وجود غيره، أي غير الوطء الذي وجد. وفي " الخلاصة " وكذا في النكاح الفاسد بعد الدخول لا يكون إلا بالقول بقوله تركتك أو ما يقوم مقامه بأن يقول: تركتها وخليت سبيلها.
م: (وقال زفر: من آخر الوطآت) ش: وبه أخذ أبو القاسم الصفار. وقال أبو بكر البلخي: تجب العدة من وقت الفرقة. وقال داود: ولا عدة في النكاح الفاسد م: (لأن الوطء هو السبب الموجب) ش: أي للعدة إذ لو لم يطأها لم تجب العدة.

(5/610)


ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل إلى حكم عقد واحد، ولهذا يكتفى في كل بمهر واحد فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ولأن التمكن على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه ومساس الحاجة إلى معرفة الحكم في حق غيره. وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك، وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها، وطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة) ش: تقديره القول بالموجب هو أن يقال: سلمنا أن الوطء هو السبب الموجب هو تمكن جميع الوطآت التي وجد العقد الفاسد بمنزلة وطأة واحدة م: (لاستناد الكل) ش: أي كل الوطآت م: (إلى حكم عقد واحد) ش: وهو بشبهة العقد، وتلك الشبهة إنما ترتفع بالمشاركة، كما في النكاح ترتفع بالطلاق.
م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: استناد الكل إلى حكم عقد واحد م: (يكتفى في الكل بمهر واحد، فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ش: فلا يكون الذي قبله أخيرا، وتقديره أن العدة لا تثبت إلا بآخر وطأة، لا يؤخذ إلا بالتفريق والعزم، والوطء الأخير لا يتوقف عليه لما قلنا: أنه يجوز أن يوجد غيره م: (ولأن التمكن) ش: دليل آخر، أي لأن التمكن من الوطء م: (على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه) ش: أي لخفاء الوطء م: (ومساس الحاجة) ش: جواب عما يقال: لا نسلم أن حقيقة الوطء أمر خفي بالنسبة إلى الزوجين والحاجة إلى معرفة الزوجين، والحاجة إلى معرفة أيهما، فأجاب بقوله ومساس الحاجة م: (إلى معرفة الحكم في حق غيره) ش: أي غير الواطئ وغيره هو الزوج الذي يريد أن يتزوجها وأخت الموطوءة وأربع سواها.
م: (وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في إخبارها بانقضاء عدتها لأن هذا لا يعلم إلا من جهتها م: (وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع) ش: بفتح الدال إذا ادعى الرد أو الهلاك وكذبه المودع بكسر الدال. وقال فخر الإسلام: إذا حلفت صدقت، معناه إن حلفت بطلت الرجعة، وإن نكلت لم تبطل، بل بقيت كما كانت. وقال الأترازي: وهذا ليس باستحلاف على الرجعة، بل على بقاء العدة، فلا يرد نقضا على أبي حنيفة يعني لا استحقاق عنده في الرجعة.

[طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول]
م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا) ش: أي هذا الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وإنما زاد هذا اللفظ أعني قوله: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن هذه المسألة من مسائل

(5/611)


وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها نصف المهر، وعليها إتمام العدة الأولى؛ لأن هذا طلاق قبل المسيس فلا يوجب كمال المهر، ولا استئناف العدة وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر حال التزوج الثاني، فإذا ارتفع بالطلاق الثاني ظهر حكمه، كما لو اشترى أم ولد ثم أعتقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القدوري، ولم يذكر فيها أبا حنيفة وأبا يوسف. وإنما قال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا إلى قوله: وعليها عدة مستقبلة ثم قال مثل ما قال المصنف.
م: (وقال محمد: لها نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى) ش: وعند زفر يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها، وعلى هذا الخلاف إذا تزوجت المرأة غير كفء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي وألزمه المهر وألزمها العدة، ثم تزوجها في عدتها بغير ولي ففرق القاضي بينهما قبل أن يدخل بها كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. ولو كان تزوجها بعد انقضاء العدة كان لها نصف المهر في قولهم جميعا.
كذا ذكر الحاكم الشهيد في " الكافي " في باب الأكفاء. وفي " شرح الكافي " قوله: طلاقا بائنا، وكذا لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق ثم تزوجها في العدة، ثم قال: وصورتها أنها تزوجت بغير كفء، وقد ذكرناها الآن.
وفي " الذخيرة " هذه المسائل مبنية على أصل واحد وهو أن الدخول في النكاح الأول هل يكون دخولا في النكاح الثاني أم لا، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يكون، وهو رواية عن أحمد. م (لأن هذا طلاق قبل المسيس) ش: أي قبل الدخول والخلوة الصحيحة م: (فلا يوجب كمال المهر) ش: وكل طلاق هكذا لا يوجب كمال المهر بل هو منصف المهر بالنص م: (ولا استئناف) ش: أي ولا يوجب إليها استئناف م: (العدة) ش: لأن العدة لا تجب في الطلاق في الطلاق قبل المسيس بالنص أيضا.
م: (وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر) ش: يعني إكمال العدة الأولى م: (حال التزوج الثاني) ش: لعدم اختلاط المياه م: (فإذا ارتفع) ش: أي التزوج الثاني م: (بالطلاق الثاني ظهر حكمه) ش: أي حكم الطلاق الأول، لأنه لما طلقها ثانيا بلا دخول فصار النكاح الثاني كالمعدوم، فيجب عليه إكمال العدة الأولى م: (كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها) ش: صورته رجل اشترى امرأته وهي أمة فولدت منه فسد النكاح وكانت حلالا له بالملك، فلا بأس بأن تتزين ولا تبقي الطيب لأنها غير معتدة في حقه، لأن العدة أثر النكاح، فلما كان الملك ينافي أثر النكاح، لكنها معتدة في حق غيره، حتى إذا أراد أن يزوجها من غيره ليس له ذلك، حتى تحيض حيضتين، فإن التفرقة بعد الدخول، فكانت معتدة في حق غيره. ثم إذا اعتقها بعد الشراء فعليها ثلاث حيض، لأنها صارت أم ولد حين اشتراها بعدما ولدت بالنكاح، وعلى أم

(5/612)


ولهما أنها مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى، وقد بقي أثره، وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض المستحق في هذا النكاح، كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد، فوضح بهذا أنه طلاق بعد الدخول. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا عدة عليها أصلا؛ لأن الأولى قد سقطت بالتزوج، فلا تعود، والثانية لم تجب، وجوابه ما قلنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولد ثلاث حيض، لكنها تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الأوليين استحسانا. وفي القياس ليس لها ذلك، لأن الحداد لم يلزمها عند وقوع الفرقة، فلا يلزمها بعد ذلك. وجه الاستحسان أن العدة وجبت عليها بالفرقة لكنها لم تظهر ذلك في حق المولى لكونها حلالا له بالملك، فظهرت بتلك العدة وحق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح صحيح يجب فيها الحداد، فأما في الحيضة الثالثة فلا حداد عليها، لأنها لم تجب بسبب النكاح بل بالعتق، ولا حداد على أم الولد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنها مقبوضة في يده) ش: أي أن أم الولد مقبوضة في يد مولاها م: (حقيقة بالوطأة الأولى) ش: إذ الوطء في هذا الباب بمنزلة القبض م: (وقد بقي أثره) ش: أي والحال أنه بقي أثر الوطء، والأول م: (وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة) ش: بالدخول في النكاح الأول م: (ناب ذلك القبض) ش: أي في الدخول الأول م: (عن القبض المستحق في هذا النكاح) ش: فإذا طلقها صار كأنه طلقها بعد الدخول في النكاح الثاني، فيجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة.
فإن قيل: لو كان الطلاق بعد النكاح الثاني كالنكاح بعد الدخول لكان صريحا معقبا للرجعة، كالطلاق الصريح بعد الدخول، وليس كذلك. فإن الواقع بائن.
أجيب: بأنه ليس بطلاق بعد الدخول، وإنما هو كالطلاق بعد الدخول، والمساواة للشيء لا يلزم أن يساويه في جميع الوجوه، ألا ترى أن الخلوة كالدخول في حق تكميل المهر ووجوب العدة لا فيما سواهما، حتى لو طلقها بعد الخلوة كان الواقع بائنا. م: (كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد) ش: شبه الحكم المذكور بحكم الغاصب الذي اشترى المغصوب الذي في يده من المالك يصير قابضا بقبض الذي يتم به العقد م: (فوضح بهذا) ش: أي فظهر بما قررناه من الدليل م: (أنه) ش: أي هذا الطلاق م: (طلاق بعد الدخول) ش: تشبيها لا تحقيقا، بدليل قوله قبله ناب ذلك القبض عن القبض المستحق.
م: (وقال زفر: لا عدة عليها أصلا، لأن الأولى) ش: أي العدة الأولى م: (قد سقطت بالتزوج فلا تعود) ش: لأن الساقط لا يعود م: (الثانية) ش: أي العدة الثانية م: (لم تجب) ش: لأنه طلاق قبل الدخول م: (وجوابه ما قلنا) ش: أي جواب زفر ما قلنا من الدليل، وهو أنها مقبوضة في يده ببقاء أثر القبض، وهو العدة.

(5/613)


وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها، وكذا إذا خرجت الحربية إلينا مسلمة، فإن تزوجت جاز، إلا أن تكون حاملا، وهذا كله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليها وعلى الذمية العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم، وقد بيناه في كتاب النكاح. وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها. وأما المهاجرة فوجه قولهما أن الفرقة لو وقعت بسبب آخر وجبت العدة، فكذا بسبب التباين، بخلاف ما إذا هاجر الرجل وتركها لعدم التبليغ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا طلق الذمي فلا عدة عليها، وكذا) ش: أي وكذا لا عدة م: (إذا خرجت الحربية) ش: من دار الحرب م: (إلينا) ش: أي إلى دار الإسلام حال كونها م: (مسلمة) ش: والإسلام ليس بشرط في عدم وجوب العدة، بل الشرط هو الخروج على سبيل المراغمة، أي المغاصبة، وعلى نية أن لا تعود إلى دار الحرب أبدا، يقال فلان راغم قوله، إذا نابذهم وخرج عنهم، ذكره التمرتاشي، وقال: خرج أحد الزوجين إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا والآخر على حربه ثم فقد زالت الزوجية.
م: (فإن تزوجت) ش: أي هذه كمهاجرة إلى دار الإسلام م: (جاز) ش: ولا عدة عليها م: (إلا أن تكون حاملا) ش: فلا تزوج حتى تضع حملها وعليه نص الحاكم الشهيد في " الكافي ".
وقال الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ": وروى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن مع الحبل يجوز نكاح المهاجرة ولكن لا يقربها زوجها، والصحيح جواب الكتاب يعني لا يجوز تزوجها مع الحبل م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور م: (كله عند أبي حنيفة. وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد م: (عليها) ش: أي على التي خرجت من دار الحرب م: (وعلى الذمية) ش: التي طلقها زوجها م: (العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم) ش: يعني أن نكاح المحارم فيما بينهم صحيح عنده إذا كان معتقدهم ذلك.
م: (وقد بيناه في كتاب النكاح) ش: في باب النكاح أهل الشرك م: (وقول أبي حنيفة فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها) ش: يعني قول أبي حنيفة في جواز تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة إنما يجوز إذا كان في اعتقاد أهل الذمة جواز ذلك.
م: (وأما المهاجرة) ش: التي هاجرت من دار الحرب إلى دار الإسلام م: (فوجه قولهما) ش: في ذلك م: (أن الفرقة) ش: بين الزوجين الذميين م: (لو وقعت بسبب آخر) ش: كالطلاق م: (وجبت العدة فكذا) ش: يجب م: (بسبب التباين) ش: من دار الحرب م: (بخلاف ما إذا هاجر الرجل) ش: أي الزوج إلى دار الإسلام م: (وتركها) ش: في دار الحرب لا تجب العدة عليها بالاتفاق م: (لعدم التبليغ) ش: أي لعدم تبليغ حكم الشرع إليها.

(5/614)


وله قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) ، ولأن العدة حيث وجبت كان فيها حق بني آدم، والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك، إلا أن تكون حاملا؛ لأن في بطنها ولدا ثابت النسب، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا، والأول أصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية10) ش: نفى الجناح في نكاح المهاجرات مطلقا، فتقييده بما بعد انقضاء العدة زيادة على النص م: (ولأن العدة) ش: دليل معقول، تقديره أن العدة م: (حيث وجبت كان فيها حق بني آدم) ش: لأنها تجب صيانة لماء محترم، ولهذا لا يجب قبل الدخول م: (والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك) ش: يباع في الأسواق كالبهائم م: (إلا أن تكون حاملا) ش: يجوز أن يكون استثناء من قوله: والحربي ملحق بالجماد، لأن معناه والحربي لا حق له، إلا أن تكون امرأة حاملا م: (لأن في بطنها ولدا ثابت النسب) ش: والفراش قائم بنكاحها، فيستلزم الجمع بين الفراشين، ولا كذلك إذا لم تكن حاملا.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة الآية 10) ، مطلق لا يفصل بين الحامل والحائل، فتقييده بالحمل زيادة على النص فلا يجوز.
قلت: إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره» حديث مشهور تلقته الأئمة بالقبول فيجوز به الزيادة، بخلاف العدة، فإنه ليس فيها مثله.
م: (وعن أبي حنيفة) ش: رواه الحسن م: (أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا) ش: أي لا حرمة لماء الحربي كماء الزنا م: (والأول) ش: وهو عدم صحة نكاحها م: (أصح) ش: لأن الحمل من الزنا لا نسب له، وهنا النسب ثابت من الحربي.
ثم اعلم أن المصنف لم يذكر في هذا الباب وجوب العدة على الصغيرة والمكاتبة.
وفي " الذخيرة " طلق الصغيرة بعد الدخول تعتد بثلاثة أشهر، وعن الفضلي إذا كانت مراهقة فعدتها لا تنقضي بالأشهر، بل يوقف حالها إلى أن يظهر إنها حبلت بذلك الوطء أم لا، فإن ظهر كانت عدتها بوضع الحمل، وإلا فبالأشهر، ولو حاضت في الأشهر تستأنف العدة.
واختلف مشايخنا في إطلاق إيجاب العدة على الصغيرة، وأكثر المشايخ لا يطلقون لفظ وجوب العدة لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد وتجب العدة على الكتابية إذا كانت تحت مسلم كالمسلمة لو كانت تحت ذمي، فلا عدة عليها في موت، ولا فرق عند أبي حنيفة، وعندهما تجب.

(5/615)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف العلماء في عدة المستحاضة، فعندنا هي وغيرها سواء، لأنها إذا كانت صاحبة العادة ردت إلى أيام عادتها، والمبتدأة والناسية عادتها تعتد بثلاثة أشهر، وعند الشافعي، وأحمد ثلاثة أشهر إذا لم يوجد تمييز. وقال مالك: سنة في الطلاق كالوفاة فتسعة أشهر استبراء، وثلاثة أشهر عدة حرة كانت أو أمة أو كتابية.

(5/616)


فصل قال: وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد، أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ما يجب على المعتدات من الفعل والترك]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يجب على المعتدات من الفعل والترك.
م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره م: (وعلى المبتوتة) ش: هذه اللفظة تقع على المطلقة بائنا أو ثلاثا، وعلى المختلعة م: (والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد) ش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدالين المهملتين مصدر من حدت المرأة إذا تركت الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها، وهو من نصر ينصر، وضرب يضرب، وفتح يفتح، وأحدت المرأة أيضا إحدادا. وأبي الأصمعي إلا أحدت، فهي محد، كذا قاله ابن دريد. وقال ابن شداد في "أحكامه": أحد وحد لغتان، وهو من الحد، وهو المنع، وأنها منعت نفسها، والحداد أيضا ثبات الماء ثم السود.
م: (أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لا «يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية قالت: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار وفي لفظ البخاري ومسلم: وقد رخص للمرأة في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من قسط أو أظفار» .
وقال الأكمل: وفي وجه الاستدلال بهذا الحديث إشكال، لأن مقتضاه إحلال الإحداد للمتوفى عنها زوجها، لكون الاستثناء من التحريم إحلال، وليس الكلام فيه، وإنما هو في الإيجاب، ثم قال: وقال في " النهاية " يمكن أن يقال قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل نفي إحلال الإحداد نفسه، فحينئذ كان في المستثنى إثبات الإحداد لا محالة وكان تقدير الحديث لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا المتوفى عنها زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، فكان هذا إخبارا بإحداد المتوفى عنها زوجها فكان واجبا، لأن إخبار الشرع آكد من الأمر، وهذا نسب ما وجدت من الشرع، انتهى.
قلت: هذا التعسف لغة من التقصير من النظر في تمام الحديث، فإن المصنف أيضا ما أخرج الحديث بتمامه، وقد ذكرناه، وفيه تصريح بوجوب الإحداد على ما لا يخفى على المتأمل والعصب من برود اليمين يصنع غزله ثم يحاك، قوله نبذة من قسط بضم القاف، وسكون السين

(5/617)


وأما المبتوتة فمذهبنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حداد عليها لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفى بعهدها إلى مماته وقد أوحشها بالإبانة، فلا تأسف بفوته.
ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: الحناء طيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المهملة، وهو ضرب من العود، وقيل ضرب من الطيب لا واحد له من لفظه. وقيل واحدة ظفر، ويروى من قسط ظفار بدون الألف بوزن قطام، وهو اسم مدينة لحمير باليمن، قوله - نبذة - أي قطعة، وهو بضم النون وسكون الباء الموحدة، والمتوفى عنها زوجها تحد وعليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو مذهب أصحابنا وسفيان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق سواء كانت حاملا أو غيرها. وقال الشعبي والحسن البصري والحكم بن عتيبة: لا يجب وقالت الظاهرية: فرض عليها الإحداد.
فإن قيل الإحداد التأسف على فوت النعم، وذلك مذموم، قال الله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] الحديد الآية 23، فكيف صار واجبا بالخبر معارضا بالكتاب أجيب بأن المراد بقوله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] ... الآية، الأسى مع الصباح، والفرح مع الصياح نقل عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وأما المبتوتة فمذهبنا) ش: وبه قال الشافعي في القديم وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الجديد م: (لا حداد عليها) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية.
وفي " المنهاج " يستحب، وفي قول يجب م: (لأنه) ش: أي لأن الإحداد م: (وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفي بعهدها إلى مماته) ش: أي وفي تعهد المرأة ما فاتها من حسن العشرة، إلا أن فرق الموت بينهما م: (وقد أوحشها بالإبانة) ش: حيث أساء إليها بالفراق وإيثاره غيرها عليها م: (فلا تأسف بفوته) ش: أي بفوت هذا الزوج.

م: (ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: «الحناء طيب» ش ظاهر ما ذكره المصنف يدل على أنه حديث، ذكره السروجي حديثا واحدا لا كما زعم السروجي. وقال مخرج الأحاديث: هذا وهم منه، لأن المصنف استدل بهذا الحديث على أن المبتوتة عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها، وفيه خلاف الشافعي، فتعين أن يكون الحديث واحدا.
فإن قلت: استدل بعضهم بقول المصنف، ولنا ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قوله، وقال: «الحناء طيب» بحديث أخرجه أبو داود في سننه عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها «عن أم سلمة، قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في عدتي من وفاة أبي سلمة "لا تمتشطي

(5/618)


ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب" قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال "بالسدر تغلفين به رأسك".»
قلت: حديث أبي داود هذا أجنبي عن المقصود على ما لا يخفي، فالاستدلال به غير مطابق. وقوله - نهى المعتدة - أعم من أن تكون معتدة الوفاة ومعتدة الطلاق، وتمام الحديث الحناء طيب.
فالحديث حديث واحد أخرجه البيهقي في كتاب المعرفة في الحج عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج «عن خولة بنت حكيم عن أمها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء فإنه طيب، وعزاه السروجي في الغاية إلى النسائي، لفظه: " نهى المعتدة عن التكحيل والدهن والخضاب بالحناء "، وقال: " الحناء طيب".» وقال البيهقي: إسناده ضعيف، قال ابن لهيعة: لا يحتج به.
قلت: تكلموا فيه كثيرا، ولكن روي عن أحمد قال: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثة وضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد كثيرا، وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث.
روى له الأربعة، والطحاوي.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإحداد م: (يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها) ش: أي لصون المرأة عن ارتكاب ما لا يجوز م: (وكفاية مؤنها) ش: ولأجل كفاية مؤنها وهو جمع مؤنة من نفقتها وكسوتها م: (والإبانة أقطع لها) ش: أي لنعمة النكاح م: (من الموت) ش: لأن حكم النكاح باق بعد الوفاة إلى أن تنقضي العدة م: (حتى كان لها أن تغسله) ش: أي حتى كان للمرأة أن تغسل زوجها، حال كونه م: (ميتا قبل الإبانة لا بعدها) ش: لأنه لا يبقى النكاح بعدها أصلا.
فإن قيل: المبتوتة تتأسف، فكيف تتأسف المختلعة وقد افتدت نفسها بالمال لطلب الخلاص منه؟ وكذا المبانة كيف تتأسف، وقد كفاها بالإبانة وآثر غيرها عليها؟ بل تظهر السرور بالتخلص من مثل هذا الزوج كما قال الخصم. أجيب بأن وجوب الإحداد دائر بفوت النكاح الصحيح بالمشيئة لا باعتبار وفاء الزوج وجفائه، وفي هذا لا فرق بين المختلعة والمبتوتة.
فإن قيل: لو كان كذلك ينبغي أن تجب على الأزواج كما تجب على الزوجات، لما أن نعمة النكاح مشترك بينهما. أجيب بأن النص لم يرد إلا في الزوجات، والأزواج ليسوا في معناهن لكونهم أدنى منهم في نعمة النكاح، لما فيه من صيانتهن، وورود النفقة عليهن لكونهن

(5/619)


والحداد، ويقال الإحداد، وهما لغتان، أن تترك الطيب، والزينة، والكحل، والدهن والمطيب، وغير المطيب، إلا من عذر، وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع. والمعنى فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرناه من إظهار التأسف، والثاني: أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها، وهي ممنوعة عن النكاح فتجتنبها كيلا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم، وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال، والدهن لا يعرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضعائف عن الكسب عواجز عن التغلب، ولا كذلك الأزواج.

[تعريف الإحداد وأحكامه]
م: (والحداد ويقال الإحداد) ش: أراد بهذا تعريف الإحداد، وكان موضعه في أول الكلام. قوله - الحداد - مبتدأ وخبره قوله أن يترك الطيب.. إلى آخره. وقوله: ويقال الإحداد جملة معترضة، أي يقال في الإحداد الحداد أيضا م: (وهما لغتان) ش: جملة معترضة، أي الحداد بلا همزة في أوله، والإحداد بهمزة لغتان مستعملتان، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (أن تترك الطيب) ش: أي تترك المعتدة استعمال الطيب م: (والزينة) ش: أي واستعمال الزينة م: (والكحل) ش: يضم الكاف، أي بترك الكحل، وهو مصدر، وبالضم اسم م: (والدهن) ش: أي واستعمال الدهن م: (والمطيب، وغير المطيب إلا من عذر) ش: هكذا لفظ القدوري ولفظ محمد.
م: (وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع) ش: وهو إشارة إلى أن العذر هو التداوي م: (والمعنى فيه وجهان) ش: أي في إيجاب ترك الطيب والزينة وجهان م: (أحدهما ما ذكرناه من إظهار التأسف) ش: على زوال النكاح م: (والثاني) ش: أي وجه الثاني م: (أن هذه الأشياء) ش: أي الطيب والزينة والكحل والدهن م: (دواعي الرغبة فيها) ش: أي في المرأة، لأنها إذا كانت مطيبة متزينة تزيد رغبة الرجل فيها فوق ما يكون إذا كانت خالية عن الأشياء المذكورة م: (وهي ممنوعة عن النكاح) ش: أي المرأة المحدة ممنوعة عن النكاح، ما دامت في عدة النكاح والوفاة م: (فتجتنبها) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تجتنب هذه المحدة الأشياء المذكورة م: (كيلا تصير ذريعة) ش: أي كيلا تصير هذه الأشياء وسيلة م: (إلى الوقوع في المحرم) ش: أي الحرام.
م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال) ش: أراد بالمعتدة التعميم، ولم يرد غير المتوفى عنها زوجها خاصة، كذا قال مخرج الأحاديث في تخريجه. وقوله: وقد صح النهي عن الاكتحال، فإن الأئمة الستة قد أخرجوه في "كتبهم" مختصرا ومطولا «عن زينب بنت أم سلمة عن أمها امرأة توفي عنها زوجها فخافوا على عينها، فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنوه في الكحل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا مرتين أو ثلاثة - حتى تمضي أربعة أشهر وعشر» وأما على الدهن فلم يصح شيء، غير أنه إذا كان طيبا فظاهر أنها ممنوعة عن الطيب وإن لم يلق فيه على ما يجيء الآن.
م: (والدهن) ش: مبتدأ وقوله: م: (لا يعرى) ش: خبره، وأشار بهذا إلى أن الدهن ممنوع

(5/620)


عن نوع طيب وفيه زينة الشعر، ولهذا يمنع المحرم عنه، قال: "إلا من عذر" لأنه فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة، ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها؛ لأن الغالب كالواقع، وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به. ولا تختضب بالحناء، لما روينا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر، ولا بزعفران؛ لأنه يفوح منه رائحة الطيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مطلقا لأنه في ذاته لا يعرى م: (عن نوع طيب) وأن لم يلق فيه الطيب، ولهذا قال: عن نوع طيب م: (وفيه زينة الشعر) ش: لأنه يحسنه ويزيد فيه بهجة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه زينة للشعر م: (يمنع المحرم عنه) ش: فلا يجوز استعماله م: (قال: إلا من عذر) ش: أي قال القدوري: تترك المحدة الأشياء المذكورة من الطيب والزينة والكحل والدهن إلا من عذر وضرورة وقعت، فحينئذ يجوز (لا) الادهان والاكتحال على وجه الزينة، كما إذا كان بها صداع فدهنت رأسها واشتكت عينيها فاكتحلت، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (لأن فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة) ش: أي لا قصد الزينة، لأن الزينة ممنوعة.
م: (ولو اعتادت الدهن) ش: بفتح الدال م: (فخافت وجعا) ش: في رأسها أو في عضو من أعضائها م: (فإن كان ذلك أمرا ظاهرا) ش: أي كان خوفها الوجع ظاهرا غالبا م: (يباح لها، لأن الغالب كالواقع) فتحقق الضرورة م: (وكذا لبس الحرير) ش: أي وكذا يجوز لها لبس الحرير م: (إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به) ش: والعذر نحو الحكة والقمل ونحوهما، وروى البخاري ومسلم مسندا إلى أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «رخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة كانت بهما» وقال مالك: يباح للمعتدة لبس الحرير الأسود.
وفي " المحيط ": لو اكتحلت وادهنت لرفع أذى يجوز، وللزينة لا يجوز وتمتشط بالأسنان الواسعة لا بالأسنان الضيقة. وقال الشافعي ومالك وأحمد: يجوز الامتشاط مطلقا، وعندهم لها أن تدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمي والسدر. وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة، واختلفوا في غير المطيبة، فعندنا والشافعي حرام لغير الضرورة. وعند مالك وأحمد والظاهرية تدهن بالزيت والسيرج الغير المطيب.
م: (ولا تختضب بالحناء لما روينا) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحناء طيب» ومر الكلام فيه م: (ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر ولا زعفران، لأنه يفوح منه رائحة الطيب) ش: وفي " الكافي " إلا إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ، فحينئذ لا بأس به لضرورة ستر العورة، ولكن لا تقصد الزينة. قال الإمام الحلواني: والمراد بالثياب المذكورة الجدد منها، أما الخلق منها لا يقع به الزينة فلا بأس، به ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة أن لا يقصد به الزينة بل أبلغ في الحدادة. قالت الظاهرية: يجتنب عن لبس السواد كما في المصبوغ بالحمرة والخضرة، ولا تخفر المعتدة على الطيب ولا تجزئه ولا تبيعه و (لو) لم يكن كسب إلا منه، ولم يوافق عليه.

(5/621)


قال: ولا إحداد على كافرة؛ لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع، ولا على صغيرة؛ لأن الخطاب موضوع عنها، وعلى الأمة الإحداد لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى، بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة؛ لأن فيه إبطال حقه وحق العبد مقدم لحاجته. قال: وليس في عدة أم الولد ولا في عدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال محمد في " النوادر ": لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو أمها أو أخوها، فإنما هو في حق الزوج خاصة. قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاثة إذ في الحديث إباحة الإحداد للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام. ولم يحك خلافا في " المنهاج " لها الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام وتحرم الزيادة.

[الحداد على الكافرة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا إحداد على كافرة، لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع) ش: وقال الشافعي ومالك والظاهرية: عليها الإحداد م: (ولا على صغيرة، لأن الخطاب موضوع عنها) ش: يعني غير داخلة في الخطاب، وعند هؤلاء عليها الحداد، وفي عدة الوفاة.
فإن قلت: ما الفرق بين الحداد والعدة؟ حيث تجب العدة على الصغيرة.
قلت: لا نسلم أن العدة تجب عليها، لأنها ليست بمخاطبة، بل الولي يؤمر بأن لا يزوجها حتى تنقضي العدة لحق الشرع، ولهذا شرط الإيمان لوجوبه، وإنما يشترط الإيمان لحق الله تعالى، فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق لعدم وجوب العدة أيضا.
م: (وعلى الأمة الإحداد، لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى) ش: لأن فروع الشرع التي ليس فيها إبطال حق المولى يلزم المملوكة كالصوم والصلاة فيلزمها الحداد م: (بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة، لأن فيه) ش: أي في منعها من الخروج م: (إبطال حقه) ش: أي حق المولى من الاستخدام ونحوه، ولا يفوت الإحداد بذلك.
م: (وحق العبد مقدم) ش: على حق الشرع م: (لحاجته) ش: أي لحاجة العبد، واستغناء الشرع، ألا ترى أن للمولى منعها من النوافل، ومنع المعتدة من شهود الجمعة والجماعة. وكذا الحكم في المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة والمنكوحات في الوفاة والطلاق لفوات نعمة النكاح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
فإن قلت: لو وجب الحداد لفوات نعمة النكاح لوجب بعد شراء منكوحته لزوال النكاح بالشراء.
قلت: لم يفت الحال ببقائه بملك اليمين.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس في عدة أم الولد) ش: يعني إذا أعتقت م: (ولا في عدة

(5/622)


النكاح الفاسد حداد؛ لأنه ما فاتها نعمة النكاح لتظهر التأسف، والإباحة الأصل.
ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض في الخطبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح الفاسد إحداد؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ما فاتها نعمة، النكاح لتظهر التأسف) ش: أما أم الولد إنما يجب عليها العدة بالعتق الذي يزول به ذلك العتق، فالمناسب لذلك السرور لا الحزن، لأن ما فاتها نعمة، بل حصل نعمة الحرية التي صارت بها أهلا للولاية، وأما النكاح الفاسد، وكذا الوطء عن شبهة، فلا يلزم الحداد م: (الإباحة الأصل) ش: كان ينبغي أن يقول الأصل الإباحة. قال الأترازي: أرد بها إباحة الزينة لها، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] (الأعراف الآية 32) ، وقال الكاكي: أي إباحة الزينة أصل خصوصا في حق النساء. وقال الأكمل: الأصل هو الإباحة في الزينة. وقال السغناقي: إباحة الزينة أصل، والكل في الحقيقة معنى واحد.
وقال تاج الشريعة: فإن قلت: ما وجه إيراد قوله: والإباحة أصل؟
قلت: وجهة أنه لما ذكر قوله: فإنها نعمة النكاح يمكن أن يقال عليه إن هذا تعليل بالعدم، وإنه لا يصح، فأجاب بقوله: والإباحة أصل، يعني أنه لا يثبت بعدم فوات نعمة النكاح، بل بالأصل المقتضي للإباحة السالم من وجود العلة المحرمة للزينة، انتهى.
قلت: تخصيص إباحة الزينة بكونها أصلا على الانفراد لا وجه له؛ لأن الأصل الإباحة في كل الأشياء التي منعت قولا أو فعلا على أن مذهب فخر الإسلام أن الإباحة ليست بأصل.

[نكاح المعتدة]
م: (ولا ينبغي أن تخطب المعتدة) ش: خطبة التزوج، ونكاح المعتدة لا يجوز، وقد مر في المحرمات م: (ولا بأس بالتعريض في الخطبة) ش: التعريض التلويح، وحقيقته إمالة الكلام إلى غرض يدل على التعرض، منه قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ، وذلك مثل أن يقول: إنك لجميلة، وإنك لشابة، وإن النساء لمن حاجتي، فلعل الله يسوق إليك خيرا وما أشبه ذلك من الإشارة دون التصريح بالنكاح أن لا يجوز أن يقول صريحا: أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك؛ لأن الخطبة التزوج كما ذكرنا، والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن يذكر الشيء بغير اللفظ الموضوع له كقولك: طويل النجاد لطويل القامة، كثير الرماد للمضياف.

(5/623)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] البقرة الآية: (235) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتعريض أن يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك، قاله الزمخشري. وقال تاج الشريعة: التعريض الكلام دلالة ليس له فيها ذكر، كقولك: ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك: فلان طويل النجاد، يعني طويل القامة. كثير الرماد، يعني أنه مضياف. وفي شرح التأويلات أراد بالتعريض للمتوفى عنها زوجها، إذا التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع، لأنه لا يجوز لها الخروج من مهر لها أصلاَ فلا يتمكن من التعريض على وجه لا يخفى عن الناس.
وأما المتوفى عنها زوجها لها الخروج نهارا فيمكنه التعريض على وجه لا يقف عليه سواها، وأجمعوا على منع الخطبة جواز التعريض في المتوفى عنها زوجها. وفي " المنهاج ": لا تعريض لرجعية، ويحل في عدة الوفاة. وكذا في البائن في الأظهر.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] (البقرة الآية: 235) ش: قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 235] أي: لا إثم عليكم أن تعرضوا بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح. قَوْله تَعَالَى: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: 235] أي أسررتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين، والمستدرك بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] محذوف تقديره علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي وطأ، لأنه مما يسر.
وقال الحسن والنخعي وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والسري: يعني الزنا، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] لا تقولوا لها: إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجني غيري، ونحو هذا، قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والاستثناء يتعلق بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة، فسر القول المعروف سعيد بن جبير بما ذكره المصنف على ما يجيء الآن، وكذا فسره مجاهد والثوري والسدي. وقال ابن سيرين: قلت لعبيدة ما معنى قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] ؟ قال: يقول لوليها: لا تسبقني بها، يعني لا تزوجها حتى تعلمني، رواه ابن أبي حاتم.

(5/624)


وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: السر النكاح، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - التعريض أن يقول: إني أريد أن أتزوج، وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع.
ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها، أما المطلقة فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) قيل الفاحشة نفس الخروج. وقيل: الزنا ويخرجن لإقامة الحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السر النكاح» ش: هذا غريب، قاله مخرج الأحاديث، أراد أنه لم يثبت ولم يتعرض إليه أحد من الشراح، غير أن الأترازي قال: ولنا في صحة هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر.
م: (وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التعريض أن يقول إني أريد أن أتزوج) ش: أخرجه البخاري عن مجاهد عن ابن عباس: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة.
م: (وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع) ش: أخرجه البيهقي عنه {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قال: يقول إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع.

[خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل]
م: (ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة) ش: أي المطلقة طلاقا بائنا، إما واحدة بائنة، (أو) ثلاثا م: (الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها) ش: وأوجب المبيت على المتوفى عنها زوجها عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه يقول ابن المسيب والقاسم بن محمد والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيدة وجماعة من فقهاء الأمصار، وعن علي وابن مسعود وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنها تعتد حيث شاءت، وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية.
م: (أما المطلقة) ش: أي أما الدليل على عدم جواز خروج المطلقة من بيتها ليلا ونهارا م:
(فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) م: (قيل: الفاحشة نفس الخروج) ش: قاله إبراهيم النخعي، وبه قال أبو حنيفة، فيكون معناه إلا أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي إلا كافر، ولا يزني أحد إلا أن يكون فاسقا.
م: (وقيل: الزنا) ش: أي الفاحشة هي الزنا م: (ويخرجن لإقامة الحد) ش: عليهن، قاله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه أخذ أبو يوسف. وقال ابن عباس: هو نشوزها، أو تكون

(5/625)


وأما المتوفى عنها زوجها؛ فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش، وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا، وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها، فلا يبطل به حق عليها. وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه، ولهذا لو زارت أهلها وطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بذية اللسان تبذأ على (أهل) زوجها م: (وأما المتوفى عنها زوجها) ش: أي وأما جواز خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل م: (فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش) ش: وقيل: لا تخرج لأنها أسقطت م: (وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها فلا يبطل به) ش: أي بإسقاط حقها م: (حق عليها) ش: وفي شرح " الكافي " وإن كانت غنية فلها أن تخرج لأنها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا في حق الشرع كالصلاة والحدود، وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن، لأنه لم يبق لها عليه ملك ولا يتوهم، قالوا: إلا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل، فحينئذ هي كالكتابية.
م: (وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه) ش: نسب البيوت إليهن بحق السكنى، ولما قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] (الأحزاب الآية: 33) ، وإنما البيوت للأزواج، والسكنى عام يشمل البيت المملوك والمستأجر والمستعار جميعا.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجوب اعتدادها في المنزل الذي يضاف إليهن بالسكنى م: (لو زارت أهلها وطلقها زوجها، كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه، وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله") » ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة كلهم من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته «زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب عبيد أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم، لحقهم فقتلوه.

(5/626)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك مسكنا يملكه ولا نفقة.
قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أو أمر بي فنوديت له) ، فقال: "كيف قلت؟ ": فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان - رضي الله تعالى- عنه أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به» أخرجه الترمذي. حدثنا الأنصاري، أنبأنا مالك معين أنبأنا مالك عن سعد بن إسحاق إلى آخره، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك، وأخرجه ابن ماجه من رواية أبي خالد الأحمر.
ورواه أحمد وإسحاق وأبو داود الطيالسي الشافعي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وأخرجه الطحاوي من ثمان طرق. وقد طعن ابن حزم فيه، بأنه من طريق زينب بنت كعب بن عجرة، وهي مجهولة، ولا روى عنها غير سعد بن إسحاق بن كعب وهو غير مشهور. وأجيب بأنه لا يلتفت إلى كلامه بعد أن حكم الترمذي بصحته.
وقال ابن المنذر: ثبت دليل حديث زينب وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق، ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد. قال ابن عبد البر: حديث مشهور معروف عند علماء العراق والحجاز، واعلم أنه وقع في رواية يحيى عن مالك عن سعيد بن إسحاق بزيادة الياء بعد العين. وكذا وقع في رواية عبد الرزاق والبخاري في تاريخه، ووقع في رواية الجمهور عن سعد بدون الياء، وهو تصحيف بطرف القدوم بفتح القاف وضم الدال المخففة، وهو اسم موضع على ستة أميال من المدينة.
وجاء في حديث آخر أن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اختتن بالقدوم، قوله: «حتى يبلغ الكتاب

(5/627)


وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها فأخرجها الورثة من نصيبهم، انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار، فصار كما إذا خافت على متاعها أو خافت سقوط المنزل أو كانت فيها بأجر ولا تجد ما تؤديه.
ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث، لا بد من سترة بينهما ثم لا بأس لأنه معترف بالحرمة إلا أن يكون فاسقا يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج، لأنه عذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجله» ، يعني لا تخرجي حتى تنقضي عدتك.
فإن قلت: حديث يشكل على المذهب، وهو ما رواه الدارقطني عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب، «عن علي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت» .
قلت: قال الدارقطني: لم يسنده غير أبي مالك النخعي، وهو ضعيف. وقال ابن القطان: ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء مختلط.
م: (وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها) ش: بأن كان نصيبها وحدها لا يكفيها م: (فأخرجها الورثة من نصيبهم) ش: بأن لم يرضوا بسكناها م: (انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار) ش: والدليل عليه ما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نقل ابنته أم كلثوم حين قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من بيت العدة، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يسكن في دار الإمارة، وقد انتقلت الدار إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (فصار كما إذا خافت على متاعها) ش: في ذلك المنزل من سرقة أو نهب.
م: (أو خافت سقوط المنزل) ش: عليها م: (أو كانت فيها بأجر) ش: يعني بأجرة م: (ولا تجد ما تؤديه) ش: أي لا تقدر على أدائها، وكذا إذا كانت في بعض الرساتيق، فدخل عليها من السلطان أو غيره، فلها أن تنتقل إلى المصر.
م: (ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لا بد من سترة بينهما) ش: أي بين الرجل والمرأة. قال في " النهاية ": يعني إذا لم يكن للزوج إلا بيت واحد، وكذا هذا في الوفاة، إذا كان في ورثة من ليس بمحرم م: (ثم لا بأس) ش: أي بعد وجود السترة، لا بأس أن يسكنها في بيت واحد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل مسلم م: (معترف بالحرمة) ش: وحال من هو كذا يجتنب الحرام م: (إلا أن يكون فاسقا) ش: استثناء من قوله لا بأس مع السترة م: (يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج لأنه عذر) ش: ولو كانت بينهما سترة، فيكون ذلك المنزل كالمنزل الأول، فلا تنتقل منه إلا ببعض الأعذار وهو معنى قوله:

(5/628)


ولا تخرج عما انتقلت إليه. والأولى أن يخرج الزوج ويتركها وإن جعلا بينهما امرأة ثقة، تقدر على الحيلولة فحسن. وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج، والأولى خروجه. وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها، فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام، رجعت إلى مصرها لأنه ليس بابتداء الخروج معنى بل هو بناء. وإن كانت مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت، وإن شاءت مضت سواء كان معها ولي أو لم يكن. معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا، لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج، إلا أن الرجوع أولى، ليكون الاعتداد في منزل الزوج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا تخرج عما انتقلت إليه) ش: أي ولا تخرج عن المنزل الذي انتقلت إليه. قالوا في شرح " الجامع الصغير ": وإن أخرج الزوج فهو أولى وهو معنى قوله م: (والأولى أن يخرج الزوج) ش: منال بيت م: (ويتركها) ش: فيه احتراز عن الخروج. م: (وإن جعلا) ش: أي الزوجان م: (بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة) ش: أي على كونها حائلة بينهما م: (فحسن) ش: لحصول المقصود. وإن لم يجد امرأة ثقة، فلها الانتقال إلى منزل آخر. ولو كان الزوج غائبا، تعطي أجرة المنزل إذا طلبها صاحبها بإذن القاضي لترجع على الزوج.
م: (وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج) ش: أي المرأة م: (والأولى خروجه) ش: أي خروج الرجل، فيكتري منزلا آخر لنفسه، ويتركها في المنزل الذي وقعت فيه الفرقة م: (وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها) ش: في بعض الطريق م: (فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها؛ لأنه ليس بابتداء الخروج معنى) ش: أي من حيث المعنى، لأن خروج المعتدة ما دون السفر مباح م: (بل هو بناء) ش: على الخروج الأول م: (وإن كانت) ش: أي المعتدة بينها وبين مصرها م: (مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت) ش: إلى مصرها م: (وإن شاءت مضت) ش: إلى مقصدها.
م: (سواء كان معها ولي أو لم يكن) ش: أي معنى قول محمد، لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير ". وذكر محمد إن كانت ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها، وإن شاءت مضت م: (معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا؛ لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج) ش: أي الخوف عليها أكثر من خوف الخروج بغير محرم. كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر بغير محرم لخوفها على نفسها ودينها. فهذا في المفازة كذلك ولو كان المصر يقرب منها على غير طريق القافلة، فليس لها أن تختلف عن القافلة. كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (إلا أن الرجوع أولى) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، أي إلا أن الرجوع إلى مصرها أولى م: (ليكون الاعتداد في منزل الزوج) ش: لأنه حينئذ تقع عدتها في

(5/629)


قال: إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر، فإنها لا تخرج حتى تعتد، ثم تخرج إن كان لها محرم وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد. لهما أن نفس الخروج مباح دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة. وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر، وقد انقطعت بالمحرم، وله أن العدة أمنع من الخروج من عدة المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم. وليس للمعتدة ذلك فلما حرم عليها الخروج إلى السفر بغير محرم ففي العدة أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنزل الذي أمرت به في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اسكني في بيتك» .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، يعني أن لها الخيار في ذلك، إلا إذا كانت المفارقة في مصر م: (فإنها لا تخرج حتى تعتد ثم تخرج) ش: يعني بعد انقضاء عدتها م: (إن كان لها محرم وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد) ش: وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لهما) ش: أي أبي يوسف ومحمد م: (أن نفس الخروج مباح) ش: بالاتفاق م: (دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة، وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر وقد انقطعت) ش: أي الحرمة م: (بالمحرم) ش: أي بوجود المحرم، فصار السفر مع المحرم كما دون السفر بدون المحرم.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن العدة أمنع من الخروج من عدم المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم ففي العدة أولى) ش: بأن يحرم، وفي " المحيط " البدوي طلق امرأته، فأراد نقلها، إلى مكان آخر، فإن لم تتضرر، يتركها في ذلك الموضع نفسه وما ليس له ذلك، وإن تضررت فله ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات.

(5/630)