البناية شرح الهداية

باب ثبوت النسب ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه وعليه المهر، وأما بالنسب فلأنها فراشه؛ لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق، فكان العلوق قبله في حالة النكاح، والتصور ثابت بأن تزوجها وهو مخالطها، فوافق الإنزال النكاح، والنسب يحتاط في إثباته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ثبوت النسب] [قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها]
م: (باب ثبوت النسب) ش: أي هذا باب في بيان ثبوت النسب لما ذكر أنواع المعتدات ذوات الأقراء والأشهر وأولات الأحمال ذكر ما يلزم من اعتداد أولات الأحمال وثبوت النسب.
م: (ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها) ش: أي من وقت تزوجها، لأن اليوم قرن بفعل غير ممتد، فيكون بمعنى الوقت، يعني من غير زيادة ولا نقصان، وإنما قيد بهذا لأنها إذا جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر وقت النكاح، لا يثبت النسب لأنها جاءت بالولد بعد الطلاق ظاهرا، فلا يثبت النسب ولا تجب العدة، وكذا إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح، لا يثبت النسب أيضا لأن العلوق يكون حينئذ قبل النكاح. م: (فهو ابنه وعليه المهر وأما النسب) ش: أي أما ثبوت النسب م: (فلأنها) ش: أي لأن المرأة م: (فراشه) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهرة الحجر» أي لصاحب الفراش والفراش العقد كذا فسره الكرخي م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأقل منها) ش: أي من ستة أشهر، م: (من وقت الطلاق فكان العلوق قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (في حالة النكاح، والتصور ثابت) ش: أي تصور الوطء والإعلاق ثابت، وبين ذلك بقوله م: (بأن تزوجها) ش: أي بأن يتزوج هذه المرأة م: (وهو مخالطها) ش: أي والحال أنه يجامعها، يعني كأنه تزوجها وهو على بطنها والناس يسمعون كلامهما م: (فوافق الإنزال النكاح) ش: مقارنا للطلاق، وقال الأترازي: إذ من الجائز أن يكون على بطنها، وحالة الإنزال تزوجها والشهود عنده، أو قد علقت من ساعته فيكون وقت النكاح ووقت الوطء واحد.
م: (والنسب يحتاط في إثباته) ش: أي فيثبت هذا أيضا جواب عما يقال، هذا تصور بعيد وأمر نادر ينبغي أن لا يثبت النسب، كما هو قول زفر وقول محمد أولا فأجاب بقوله: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت استحسانا، لأنه يحتال في أمره كما ذكرنا.
ومن المشايخ من قال: لا يحتاج إلى هذا التكليف، وقيام الفراش كاف، ولا يعتبر إمكان

(5/631)


وأما المهر؛ فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به، قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعة إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة، لجواز أن تكون ممتدة الطهر، وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها بانقضاء العدة، وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا؛ لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدخول إذ النكاح قائم مقام الماء، كما في تزوج المشرقي بالمغربية، وبينهما مسيرة سنة، فجاءت بالولد لستة أشهر يثبت النسب وإن لم يتوهم الدخول لبعده عنها، قيل التصور شرط فيه. ولهذا لو جاءت امرأة الصغير بولد، لا يثبت نسبه، وفي حق المشرقي الإسكان موجود.
م: (وأما المهر، فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما، فتأكد المهر به) ش: أي بالوطء حكما وهو أقوى من الخلوة، فيجب المهر كاملا، وقال الفقيه أبو الليث: قال أبو يوسف في " الأمالي " ينبغي في القياس أن يجعل على الزوج مهر ونصف، لأنه وقع الطلاق عليها، فوجب نصف المهر ومهر آخر بالدخول.
قال: إلا أن أبا حنيفة استحسن، وقال: لا يجب إلا مهر واحد، لأنا جعلناه بمنزلة الدخول في طريق الحكم، فتأكد ذلك الصداق، فاشبه وجوب الزيادة م: (قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر، ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أن تكون ممتدة الطهر) ش: فكان وطؤه اللازم من ثبوت النسب الواقع في العدة رجعة عليها م: (وإن جاءت به لأقل من سنتين، بانت من زوجها بانقضاء العدة) ش: بوضع الحمل م: (وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا، لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق، ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك) ش: فإن قيل ينبغي أن يصير مراجعا لأن الوطء هنا حلال، فأحيل العلوق إلى أقرب الأوقات، وهي حالة العدة إذ الأصل في الحوادث أن يحال أقرب الأوقات، فتثبت الرجعة.
قلنا في ذلك العمل، أمره على خلاف السنة لأنه يصير مراجعا دون الإشهاد بالفعل. فأجل العلوق إلى ما قبل الطلاق صيانة لحالته كذا في " المبسوط " لشيخ الإسلام، وهذا كله إذا لم تقر بانقضاء العدة (الطلاق) البائن أو الرجعي. أما لو قرت بالانقضاء، والمدة تصلح لثلاثة أقراء عند أبي حنيفة ستون يوما وعندها تسعة وثلاثون يوما، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار، يثبت النسب لتيقنها ببطلان الإقرار إن ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يثبت.
وكذا المتوفى عنها زوجها، لو أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر فهي على هذا التفصيل، وإن لم تقر يثبت النسب إلى سنتين، لأن عدة الوفاة يحتملها الانقضاء، بانقضاء أربعة أشهر وعشر بوضع الحمل.

(5/632)


وإن جاءت به لأكثر من سنتين، كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه، لانتفاء الزنا منها، فيصير بالوطء مراجعا والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت لأن الحمل حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه لأنه التزمه، وله وجه، بأن وطأها بشبهة في العدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأكثر من سنتين كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه) ش: أي أن الولد من الرجل م: (لانتفاء الزنا منها) ش: أي لأجل انتفاء الزنا منها حملا لحالها على الصلاح م: (فيصير بالوطء مراجعا) ش: فإن قيل ها هنا وجه آخر من غير أن يلزم الزنا منها بأن يحمل أمرها على التزوج بآخر بعد انقضاء العدة. فإن قالت: والحال أنها لم تزوج قلنا: والحال أنه لو وطئها في العدة إذ لو وطئها تثبت الجرعة من غير تقرير هذا التكليف.
فلما كان كذلك، كان حمل أمرها على التزوج بآخر أولى لما فيه من رعاية الأصل، وهو أنه لا يثبت الرجعة بالشرك، قلنا نعم كذلك إلا أن الحكم في النكاح الأول أسهل من الحكم بإنشاء نكاح آخر.
قال الأكمل: وفيه نظر، لأنه غير واقع، بل هو التزام سؤال والصواب في الجواب، أن المراد بقوله لانتفاء الزنا عنها لازمه وهو تضييع الولد فيكون ذلك الملزوم وإرادة اللازم وهو مجاز، وحينئذ يندفع السؤال لأنا جعلنا الولد من نكاح شخص آخر مجهول بقي الولد ضائعا فكأنه قال لانتفاء التضييع منها بالزنا أو بما في معناه فيه.
م: (والمبتوتة) ش: أي المطلقة بائنا أو ثلاثا م: (يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما) ش: أي ثابتا م: (وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت، لأن الحمل حادث بعد الطلاق) ش: وإلا لزاد أكثر مدة الحمل سنتين وهو باطل م: (فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه) ش: استثناء من قوله لم يثبت أي لم يثبت النسب إذا جاءت المبتوتة بولد تمام سنتين إلا أن يدعيه أي: إلا أن يدعي الزوج الولد م: (لأنه التزمه) ش: أي لأنه التزم النسب عند دعواه.
م: (وله وجه) ش: شرعي م: (بأن وطأها بشبهة في العدة) ش: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت قبل هذا مناقض لرواية " كتاب الحدود " حيث قال: إن النسب لا يثبت بالوطء في عدة المبتوتة، أجيب بأنه يمكن أن تحمل المبتوتة في كتاب الحدود على المبتوتة بثلاث، أو على مال، لا على المبتوتة بالكنايات، فحينئذ يندفع التناقض لمكان الاختلاف في وقوع البائن في الكنايات، ولهذا قيده صاحب الكتاب في الحدود بطلاق البائن على مال وهل يحتاج لتصديق المرأة أم لا؟ قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فيه روايتان، في رواية يحتاج إلى تصديقها وفي

(5/633)


فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين، لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة ولهما أن لانقضاء عدتها جهة معينة وهو الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار يحتمله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواية لا يحتاج. ولم يذكره السرخسي في شرح " الكافي " والبيهقي في " الشامل ".

[المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر]
م: (فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر) ش: أي من وقت الطلاق، وهي لم تقر بانقضاء العدة، أما لو أقرت بالانقضاء بثلاثة أشهر، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت لأنا عرفنا بطلان الإقرار إذا في بطنها ولد.
م: (لم يلزمه) ش: أي يلزم النسب م: (حتى تأتي به) ش: أي بالمولود م: (لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة) ش: وبيان الاحتمال ما قيل إن الكلام في المراهقة المدخول بها وهي تحتمل الحبل ساعة فساعة، فتحتمل أن تكون حاملا وقت الطلاق، فيكون انقضاء عدتها بوضع الحمل. ويحتمل أنها حبلت بعد انقضاء العدة بثلاثة أشهر. وإذا كانت كذلك، كان كالبالغة إذا لم تقر بانقضاء العدة يثبت نسب ولدها في سنتين.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن لانقضاء عدتها جهة معينة، وهو الأشهر) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق الآية: 4) ، م: (فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو) ش: أي حكم الشرع بالانقضاء.
م: (في الدلالة) ش: بالانقضاء م: (فوق إقرارها) ش: أي في الدلالة على انقضاء العدة فوق إقرار المرأة م: (لأنه) ش: أي لأن حكم الشرع م: (لا يحتمل الخلاف، والإقرار) ش: أي إقرار المرأة م: (يحتمله) ش: أي الخلاف والكذب.
فإن قيل: يشكل عليه المتوفى عنها زوجها، فإن لعدتها جهة معينة، وهي أربعة أشهر وعشر، ما لم يكن فيه الحبل ظاهر. ثم هناك ما يثبت إلى سنتين عند علمائنا الثلاثة وإلا يحكم بالانقضاء بالأشهر، هناك لاحتمال الانقضاء الوضع، فكذا هنا.
قلنا: لا يشكل لانقضاء عدتها جهة أخرى وهي الحبل، إذ الأصل في الكبيرة، الإحبال، وهنا لأن الأصل في الصغيرة عدم الإحبال (....
) ، لا نقول ذلك في حق غير المنكوحة، فلا تعتد إلا للإحبال فكان الأصل فيه الإحبال كذا في " المبسوط ".

(5/634)


وإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما وعنده يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالجواب فيها وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها.

ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين، وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة، فصار كما إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها عدم الحمل، لأنها ليست بمحل قبل البلوغ، وفيه شك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كانت) ش: أي الصغيرة م: (مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يعني إن ولدت لأقل من تسعة أشهر يثبت النسب وإلا فلا م: (وعنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر، ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل، وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالواجب فيها، وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها) ، ش: معناه، أعرف بأمر عدتها، فيحكم بإقرارها ببلوغها فيثبت نسب ولدها لأقل مدة تبين في الطلاق البائن ولأقل من سبعة وعشرين شهرا في الرجعي، وبه صرح في " شرح الطحاوي ".

م: (ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين) ش: هذا إذا لم يكن المتوفى عنها زوجها صغيرة، لأن نسب ولدها يثبت إذا ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام، وإذا ولدت لأكثر من ذلك، لا يثبت عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف.
م: (وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعيين الجهة) ش: لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكم الشرع بالانقضاء بمضي أربعة أشهر وعشر وذلك أقوى من إقرارها.
م: (فصار كما إذا أقرت بالانقضاء) ش: ثم بعد انقضاء العدة، وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب لا بالقضاء بوجود الحبل قبل انقضاء العدة، وإذا ولدت لأكثر من ذلك فلاحتمال حدوث الحبل فلا يثبت النسب بالشك م: (كما بينا في الصغيرة) ش: أشار به إلى قوله لأن لانقضاء عدتها جهة معينة.
م: (إلا أنا نقول) ش: أي غير أنا نقول م: (لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها) ش: أي في الصغيرة م: (عدم الحمل لأنها ليست بمحل) ش: أي لأن الصغيرة ليست بمحل للحمل م: (قبل البلوغ، وفيه) ش: أي في الصغيرة م: (شك) وكان الصغر ثابتا فلا يزول بالشك.

(5/635)


وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه، لأنه ظهر كذبها بيقين فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر، لم يثبت لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ بإطلاقه يتناول كل معتدة، وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، وإلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر]
م: (وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه) ش: يعني من وقت الإقرار م: (لأنه ظهر كذبها بيقين، فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر لم يثبت) ش: وقال الشافعي: يثبت منه إلا أن تكون قد تزوجت، فيثبت من الثاني أو تأتي به لأكثر من أربعة سنين، وقوله إذا اعترفت المعتدة يتناول كل معتدة عن وفاة أو عن طلاق بائن أو رجعي، لأنه أطلق المعتدة، ولم يقيدها م: (لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ) ش: أراد به قوله وإذا اعترفت المعتدة م: (بإطلاقه يتناول كل معتدة) ش: وقد ذكرناه الآن قبل ذكر المرغيناني وقاضي خان، أن الآيسة لو أقرت بانقضاء عدتها، ثم جاءت لأقل من سنتين، ثبت نسب ولدها، فلم يتناول كل معتدة. وقال الكاكي: إلا أن قوله كل معتدة غير الآيسة.
م: (وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة، إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج) ش: بكسر القاف وفتح الباء الموحدة م: (فيثبت النسب من غير شهادة) ش: ولهذا قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": وإن ادعت أنها ولدت وذلك بعد الوفاة أو طلاق بائن لم يثبت ذلك إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة وكذلك بعد الطلاق الرجعي. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة) ش: مسلمة عدلة حرة. وبه قال أحمد، وعند الشافعي يشترط أربع نسوة، وعند مالك وابن أبي ليلي: يثبت بشهادة امرأتين. وعند زفر لا يثبت بشهادة النساء، وعندهما يشترط الحرية ولفظ الشهادة ولا يشترط الذكورة والعدة وذكره في المبسوط. وقال فخر الإسلام يثبت بشهادة القابلة عند أبي يوسف ومحمد، وفي " المختلف ": لا تقبل شهادة القابلة على الولادة، إلا بمؤيد وهو ظهور الحبل وإقرار الزوج بالحبل أو قيل الفراش. يعني أن المعتدة عن وفاة إذا كذبها الورثة في الولادة وفي الطلاق البائن إذا كذبها الزوج وفي تعليق الطلاق بالولادة، لا تقبل إلا ببينة، ولا تقبل شهادة القابلة إلا عند ما ذكرنا من القرائن، وعندها يقضي بشهادة القابلة وحدها. إلى هنا لفظ المختلف. وفي المحيط لا يشترط العدد لئلا يكثر النظر إلى العورة. وقال مشائخ خراسان يشترط لفظ الشهادة، لأنها موجبة على غيره. وعند مشائخ العراق لا يشترط، وفي " قاضي خان " وعلى هذا الخلاف كل ما

(5/636)


لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتها كما في حال قيام النكاح، ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء، فيشترط كمال الحجة بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها، فإن كان معتدة عن وفاة وصدقها الورثة، في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد، فهو ابنه في قولهم جميعا وهذا في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يطلع عليه الرجال، وأجمع أصحابنا على أنه يقضى بالنسب بشهادة القابلة، عند قيام النكاح، واختلفوا بعد الموت والطلاق، فعند أبي حنيفة لا يثبت وعندهما يثبت.
م: (لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو) ش: أي قيام الفراش م: (ملزم للنسب) ش: وبغير الفراش كونها متعينة إلى الزوج حتى إن كل ولد يحدث منها يثبت نسبه م: (والحاجة إلى تعيين الولد) ش: أي حاجة هنا في إثبات النسب إلى تعيين الولد م: (أنه منها فيتعين بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة م: (كما في حال قيام النكاح) ش: وإقرار الزوج بالحبل وظهور الحبل م: (ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل، والمنقضي ليس بحجة) ش: يعني الذي انقضى ليس بحجة، والحجة هي القائم م: (فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء) ش: بانقضاء م: (فيشترط كمال الحجة) ش: لأن المرأة لما ولدت صارت أجنبية لانقضاء عدتها ونسب ولد الأجنبية من الأجنبي، لا يثبت إلا بحجة تامة، فلا يقضى بشهادة القابلة وحدها م: (بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة، والتعين يثبت بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أجاز شهادة القابلة على الولادة. م: (فإن كانت معتدة عن وفاة وصدقها الورثة في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه في قولهم جميعا) ش: ويرثه بمعنى تصديق الورثة أن يقروا به جميعا أو أقر جماعة يقطع الحكم بشهادتهم بأن كان رجلان منهم أو رجل وامرأتان منهم وجب الحكم بإثبات النسب حتى يشارك المصدقون والمنكرون. ذكره البزدوي والتمرتاشي، وقال الأسبيجابي: هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يثبت لأنهم يقرون على الميت بالنسب فلا يقبل.
وقال شمس الأئمة في تعليل المسألة: الوارثون قائمون مقام الزوج وإن قال الزوج: إنها ولدته يثبت النسب، فكذا تصديق الورثة بعد موته. وهذا لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش، وذلك باق ببقاء العدة بعد موته والحاجة إلى الشهادة ليظهر له ولادتها، فيصان الولد، وقد حصل ذلك بتصديق الورثة بل باعتبار الضرر م: (وهذا) ش: أي تصديق الورثة م: (في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم) ش: واختلف مشائخنا في أن لفظ الشهادة هل يشترط من الورثة أم لا؟ قال بعضهم يشترط بعد أن يكون في مجلس الحكم كذلك قال فخر الإسلام وذلك، لأن النسب لا يثبت في حق الناس كافة إلا بلفظ الشهادة. وقال بعضهم: لا يشترط وإليه

(5/637)


أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟ قالوا: إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة ولهذا قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط، وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها، لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه، وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا، يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت، لأن الفراش قائم والمدة تامة، فإن جحد الولادة يثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة، حتى لو نفاه الزوج يلاعن، لأن النسب يثبت بالفراش القائم. واللعان إنما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد، فإنه يصح بدونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذهب الفقيه أبو الليث.
م: (أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟) ش: أي في حق غير المصدقين وغيرهم وهم المنكرون من الورثة وغريم الميت م: (قالوا إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة) ش: بأن كانوا ذكورا أو إناثا لم يثبت النسب في حق غيرهم، حتى يشارك الولد المنكرين أيضا في الإرث ويطلب غريم الميت بدينه م: (ولهذا) ش: أي ولاشتراط كونهم من أهل الشهادة م: (قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط) ش: كالعبد مع المولى، والجندي مع السلطان في حق الإقامة.
م: (وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه. وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت لأن الفراش قائم والمدة) ش: أي مدة هذا الحمل من وقت النكاح م: (تامة) ش: فيثبت النسب م: (فإن جحد الولادة) ش: أي فإن أنكر الزوج الولادة م: (يثبت) ش: أي النسب م: (بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة) ش: وأراد بامرأة واحدة حرة مسلمة. وبه صرح في " المبسوط " وها هنا خلاف بين العلماء ذكرناه عن قريب م: (حتى لو نفاه الزوج يلاعن) ش: لأن اللعان بالقذف م: (لأن النسب يثبت بالفراش القائم) ش: ولا ينتفي باللعان على تقييده في مدة يصح نفيه فيها، وقد مر بيان المدة في باب اللعان، م: (واللعان إنما يجب) ش: هذا جواب عما يقال اللعان هنا إنما يجب بنفي الولد، والولد يثبت بشهادة القابلة. وهو لا يجوز لأن اللعان في معنى الحد، والحد لا يثبت بشهادة النساء وأجاب بقوله: م (بالقذف) ش: والقذف موجود لأن قوله: ليس مني قذف لها بالزنا معنى، والقذف لا يستلزم وجود الولد، فإنه يصح بدونه فلم يضر الولد الثابت بشهادة القابلة م: (وليس من ضرورته) ش: أي من ضرورة اللعان م: (وجود الولد فإنه يصح بدونه) ش: أي بدون الولد.

(5/638)


فإن ولدت ثم اختلفا فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح، ولم يذكر محمد الاستحلاف وهو على الاختلاف، وإن قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: تطلق لأن شهادتها حجة في ذلك، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه» ، ولأنها لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة أشهر وقالت هي منذ ستة أشهر]
م: (فإن ولدت ثم اختلفا، فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها، فإنها تلد ظاهر من نكاح لا من سفاح) ش: وهو الزنا لا يقال: الظاهر شاهد له أيضا، لأن الأصل في الحوادث أن تضاف إلى أقرب الأزمان، فتعارضا، فلا بد من دليل الترجيح لأنا نقول: الحوادث هي لزوم حمل أمرها على الفساد] ... [اعتبار قول الزوج ولا يجوز ذلك.
م: (ولم يذكر محمد الاستحلاف) ش: أي إن المرأة تستحلف أم لا م: (وهو على الاختلاف) ش: المذكور في الأشياء الستة، فتستحلف عندهما خلافا لأبي حنيفة، لأن الاختلاف وقع في النسب والنكاح.
م: (وإن قال لامرأته: إذا ولدت فأنت طالق، فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: تطلق لأن شهادتها) ش: أي لأن شهادة المرأة م: (حجة في ذلك) ش: أي في باب الولادة وهنا قيدان تركهما المصنف فلا بد من ذكرهما.
أحدهما عدم إقرار الزوج بالحمل، والآخر عدم كون الحبل ظاهرا. وهنا مسألتان إما أن يقر الزوج بالحبل أو لا يقر به، فلو لم يقر به لا يقع الطلاق بقولها ولدت، ولا يثبت النسب بالاتفاق إذا لم تشهد القابلة. أما إذا شهدت وقع الطلاق.
م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه") » ش: هذا حديث غريب، فلذلك لم يذكره أكثر الشراح. وقال مخرج الأحاديث: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" في البيوع: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال: «مضت السنة أن يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء منهن. ويجوز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وامرأتان فيما سوى ذلك.» ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا ابن جريج عن الزهري فذكره.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة أعني القابلة م: (لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو

(5/639)


الطلاق. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة، وهذا لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة، فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه ينفك عنها.
وإن كان الزوج قد أقر بالحبل طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها، حجة فيه على ما بينا، وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة، ولأنه أقر بكونها مؤتمنة، فيقبل قولها في رد الأمانة. قال: وأكثر مدة الحمل سنتان، لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطلاق) ش: لأن وقوع الطلاق متعلق بها م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي أن المرأة التي هي الزوجة م: (ادعت الحنث) ش: على الزوج وهو وقوع الطلاق والزوج ينكر ذلك م: (فلا يثبت إلا بحجة تامة) ش: أي كاملة. (وهذا) إشارة إلى عدم ثبوت دعوى المرأة إلا بحجة كاملة م: (لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة) ش: لأن مجلس الولادة لا يطلع عليه الرجال. والثابت بالضرورة لا يتعدى موضع الضرورة م: (فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (ينفك عنها) ش: أي عن الولادة في الجملة يعني يوجد بدونها. وكذا الولادة توجد بدون الطلاق وإن صار الطلاق هنا من لوازمها، كمن اشترى لحما، فشهد مسلم أنه ذبيحة مجوسي قبلت ذبيحته في حرمة الأكل، ولا يثبت تمجس الذابح في حق الرجوع على البائع بشهادة الواحد، كذا في " جامع قاضي خان ".

[أقر الزوج بالحبل ثم علق طلاقها بالولادة فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج]
م: (وإن كان الزوج قد أقر بالحبل) ش: يعني إذا أقر الزوج بالحبل، ثم علق طلاقها بالولادة، فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج م: (طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة. وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها حجة فيه) ش: أي شهادة القابلة حجت في الحنث م: (على ما بينا) ش: يعني في المسألة الأولى.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه) ش: أي بالشيء الذي يفضي الحبل إليه م: (وهو الولادة) ش: الضمير في - وهو - يرجع إلى ما م: (ولأنه أقر بكونها مؤتمنة) ش: لأنه علق طلاقها بأمر كائن وهو الولادة، والقول قول المؤتمن في دعوى رد الأمانة م: (فيقبل قولها في رد الأمانة. قال) ش: أي القدوري م: (وأكثر مدة الحمل سنتان لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل) ش: أخرج الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما" من طريق ابن المبارك حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل"، وفي لفظ: "لا يكون الحمل أكثر من سنتين".

(5/640)


وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية 15) ، ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقدر الأكثر بأربع سنين، والحجة عليه ما رويناه، والظاهر أنها قالته سماعا، إذ العقل لا يهتدي إليه. ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه، وإلا لم يلزمه، لأنه في الوجه الأول ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، في الوجه الثاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج الدارقطني أيضًا، ومن جهته البيهقي عن الوليد بن مسلم، قال: قلت لمالك بن أنس: إني حدثت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: "لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل"، فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، كل بطن في أربع سنين. قوله: ولو بظل مغزل أي بقدر مكث ظله حال الدوران، لأن ظله حال الدوران أسرع زوالا من سائر الظلال، والغرض المبالغة في تقليل المدة.
وفي بعض النسخ: ولو بفلك مغزل، وهو رواية " المبسوط "، والإيضاح أي بدور فلكة مغزل. وفي " شرح الإرشاد ": ولو بدور ظلة مغزل.

[مدة الحمل]
م: (وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ش: (الأحقاف: الآية 15) (ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقدر الأكثر) ش: أي أكثر مدة الحمل. م: (بأربع سنين) ش: وبه قال مالك في المشهور وأحمد كذلك. وقال عبادة: خمس سنين، وقال الزهري: ست سنين، وقال ربيعة بن عبد الرحمن: سبع سنين، وقال الليث: ثلاث سنين، وبقولنا قال الثوري والضحاك بن مزاحم وأحمد في رواية.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: وهو حديث عائشة. م: (والظاهر أنها قالته سماعا) ش: أي الظاهر أن عائشة قالت الحديث المذكور من حديث السماع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (إذ العقل لا يهتدي إليه) ش: يعني العقل لا يدرك هذا، لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله تعالى.
م: (ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها) ش: يريد به طلاقها بعد الدخول، إذ لو كان قبل الدخول لا يلزمه الولد إلا أن يحيا لأقل من ستة أشهر منذ فارقها. م: (فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه) ش: أي الولد. م: (وإلا لم يلزمه) ش: أي وإذا جاءت به لأكثر من ذلك لم يلزمه. م: (لأنه في الوجه الأول) ش: أراد به ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر، (ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، وفي الوجه الثاني) ش: أراد به ما إذا ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت

(5/641)


ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته، فلا بد من دعوة، وهذا إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة، فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله، لأنها لا تحل بالشراء. ومن قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده، لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشراء. م: (ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته) ش: وهو وجوب وقت كونها مملوكة فلا يثبت إلا بالدعوى وهو معنى قوله. م: (فلا بد من دعوة) ش: يعني لا يثبت النسب إلا بأن يدعيه.. م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم الذي ذكرناه. م: (إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق. م: (اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة) ش: بطلقتين، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. م: (فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله) ش: أي ما قبل الطلاق وهو أبعد الأوقات. م: (لأنها لا تحل بالشراء) ش: إذ الوطء لا يحل له قبل الشراء لأنها حرمت عليه حرمة غليظة بالسنتين، وإذا لم يحل وطؤها بملك اليمين لا يُقضى بالعلوق من أقرب الأوقات، إذ في القضاء بالعلوق إلى أقرب الأوقات يلزم حمل أمر المسلم على الحرام، وهو الممكن للوطء الحرام من المولى. فإن قيل: وجب أن يحل بقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (المؤمنون: الآية 6) ، قلنا: لا تحل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، والثانية في الأمة كالثلاث في الحرة. وإذا لم يحل وطؤها، فلا يضاف إلى أقرب الأوقات، بل يضاف إلى الأبعد، وهو ما قبل الطلاق، فيلزمه الولد إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ الطلاق.
م: (ومن قال لأمته: إذا كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده) ش: أي بالإجماع. م: (لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع) ش: أي باتفاق أصحابنا، وبه قال أحمد وقد مر الخلاف فيه، وهذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار. ولو ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة الولي، فلم يكن المولى مدعيا لهذا الولد بخلاف الأول، لتيقنا ببقائه في البطن وقت القول فتيقنا بالدعوى، هذا في " جامع قاضي خان ".
وقال الأترازي: ومثله مسألة كتاب العتاق، وإن قال: ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدته لأقل من ستة أشهر عتق. وكان ينبغي لك أن تعرف أنه فيما إذا قال إن كان في بطنك ولد. أو قال: إن كان بها حبل فهو مني بلفظ التعليق. أما إذا قال: هذه حامل مني يلزمه الولد، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه، وبه صرح في " الأجناس " في كتاب الإعتاق.

(5/642)


ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته، وهو ابنه ويرثانه. وفي "النوادر" جعل هذا جواب الاستحسان. والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح. وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام، والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك وضعا وعادة. ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد، فلا ميراث لها، لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال لغلام هو ابني ثم مات فجاءت أم الغلام وقالت أنا امرأته]
م: (ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته وهو ابنه ويرثانه) ش: أي الأم والابن يرثان الميت. م: (وفي " النوادر " جعل) ش: أي محمد. م: (هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح) ش: واعترض أنه ينبغي أن لا يكون لها الميراث في الاستحسان، لأن هذا النكاح يثبت اقتضاء، فيثبت بقدر الضرورة، وهو تصحيح النسب دون استحقاق الإرث. وأجيب: بأن النكاح على ما هو الأصل ليس بمتنوع إلى نكاح (ما) هو سبب لاستحقاق الإرث والنكاح ليس بسبب له، فلا يثبت النكاح بطريق الاقتضاء، وثبت ما هو من لوازمه التي لا تنفك عنه شرعا، وإنما قال على ما هو الأصل لئلا يرد نكاح الكتابية والأمة لأنه من العوارض.
م: (وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت) ش: أي أم الغلام. م: (معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام) ش: قيد بكونها معروفة بالحرية، لأنها لو لم تكن معروفة بأنها حرة من الأصل لا ترث، لأن للورثة أن يقولوا: إن كنت أم الولد لمورثنا إنما عتقت بموته. غاية ما في الباب أنها حرة في الحال، والتمسك باستصحاب الحال لمعرفة الحكم في الماضي يصلح للدفع لا للإثبات، فيندفع عنها الرق ولا يثبت الإرث، وقيد أيضا بكونها أم الغلام، لأنه إذا لم يثبت أنها أم الغلام فلا ترث.
م: (والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك) ش: أي لثبوت النسب. م: (وضعا وعادة) ش: أي من حيث الوضع، ومن جهة الشرع، ومن حيث العادة بالشهرة بين الناس. م: (ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد فلا ميراث لها) ش: قد قررنا هذا، لأن قولنا فيه بكونها معروفة بالحرية. م: (لأن ظهور الحرية باعتبار الدار) ش: أي دار الإسلام. م: (حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث) ش: لأن الإرث لا يثبت إلا بنسب صحيح، وقال التمرتاشي: لا ميراث لها، ولكن لها مهر المثل، لأنهم أقروا بالدخول بها، ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم، وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن الدخول إنما يوجب بمهر المثل في غير صورة النكاح، إذا كان الوطء عن شبهة، ولم يثبت النكاح هنا. والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك؟ فلا يجب مهر المثل.

(5/643)


باب حضانة الولد ومن أحق به وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد، لما روي «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنت أحق به ما لم تتزوجي» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب حضانة الولد ومن أحق به]
م: (باب حضانة الولد ومن أحق به) ش: أي هذا باب في بيان حكم الولد في الحضانة والتربية لمن هو. م: (ومن أحق به) ش: لأن الولد عاجز عن النظر لنفسه والقيام بحوائجه، فجعل الشرع الولاية إلى من هو متفق عليه، فجعل ولاية التصرف إلى الأب لقوة رأيه مع النفقة، وحق الحضانة إلى الأم لرفقها، في ذلك مع الشفقة عليه، وهي أقدر على ذلك للزومها البيت وكونها أشفق، ثم المناسبة بين الناس ظاهرة لا تحتاج إلى بيان.
م: (وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد) ش: سواء كانت كتابية أو مجوسية، لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين. م: (لما روي أن «امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق به ما لم تتزوج» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه ": حدثنا محمد بن خالد السلمي، حدثنا الوليد عن أبي عمرو - يعني الأوزاعي - حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو «أن امرأة قالت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق» .
ورواه الحاكم وصحح إسناده، قالوا: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا أراد بجده محمدا، كان الحديث مرسلا، وإذا أراد به عبد الله كان الحديث متصلا، وهنا قد صرح عن جده عبد الله فالحديث متصل صحيح، وعمرو، وشعيب، ومحمد كلهم ثقات. قولها: وحجري، بفتح الحاء وكسرها، حجر الإنسان، والحوى، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الواو بيت من الوبر، والجمع الأحوية، كذا في " الصحاح ".
وقال ابن الأثير: الحوى اسم المكان الذي يحوي الشيء، أي يضمه ويجمعه، هكذا فسره في هذا الحديث، ثم قال: الحوى بيوت مجتمعة من الناس، والجمع أحوية، فسره في حديث آخر، والسقاء بالكسر الدلو.

(5/644)


ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة، فكان الدفع إليها أنظر، وإليه أشار الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر. قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون. والنفقة على الأب، على ما نذكر، ولا تجبر الأم عليها، لأنها عست تعجز عن الحضانة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة) ش: مأخوذ من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضن الشيء جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكان المربي للولد يتخذه في حضنه ويضمه إلى جانبه. م: (فكان الدفع إليها أنظر) ش: أي فكان دفع الولد إلى أمه أنظر في حقه يعني أقوى نظرا في حاله من غيره.
م: (وإليه) ش: أي إلى هذا المعنى. م: (أشار الصديق) ش: أي أبو بكر الصديق. م: (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون) ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وقصته ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " حدثنا محمد بن بشر، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق أم عاصم، ثم أتى عليها، وفي حجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال له أبو بكر: مسحها وحجرها وريحها خير له منك يا عمر، حتى يشب الصبي فيختار لنفسه.
ورواه عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن عكرمة، قال: خاصمت امرأة عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وكان طلقها، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج. وتفسير الذي ذكره المصنف قوله: وريقها، أي ريق أم عاصم امرأة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها جميلة، وقوله: من شهد بضم الشين وفتحها، عسل في شمعه.
وفي " المبسوط ": ريحها، وفي رواية ريح رقاعها، وهو ثوب تشتمل به المرأة، خير له من سمن وعسل عندك يا عمر، فدعه عندها، وقضى به، بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولم ينكر عليه أحد، فحل محل الإجماع.
م: (والنفقة على الأب على ما نذكر) ش: أي نفقة الولد على أبيه على ما يأتي في باب النفقات. م: (ولا تجبر الأم عليها) ش: أي على الحضانة، وفي بعض النسخ. م: (عليه) ش: أي على الولد، يعني إذا طلبت فهي أحق، وإذا أبت لا تجبر على الأخذ. م: (لأنها عست تعجز عن الحضانة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد والثوري ومالك في رواية. وفي رواية: تجبر. وبه قال ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح وأبو ثور، واختاره أبو الليث والهندواني من أصحابنا، والمشهور عن مالك

(5/645)


فإن لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب. وإن بعدت، لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات، فإن لم تكن، فأم الأب أولى من الأخوات، لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس، ولأنها أوفر شفقة للأولاد. فإن لم تكن له جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن بنات الأبوين، ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية: الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخالة والدة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تجبر في الشريعة التي لا عادة لها بإرضاع الولد، وإن كانت ممن ترضع تجبر. فإن لم يوجد غيرها أو لم يأخذ الولد ثدي غيرها أجبرت بلا خلاف، ويجبر الأب على أخذ الولد بعد استغنائه عن الأم لأن نفقته وصيانته عليه بالإجماع.
م: (فإن لم يكن له أم) ش: أي فإن لم يكن للولد أم، بأن كانت غير أهل للحضانة أو متزوجة بغير محرم أو ميتة. م: (فأم الأم أولى من أم الأب وإن بعدت) ش: أي وإن علت عند الجمهور، وعن أحمد: أم الولد أولى، وهو ضعيف، لأن أم الولد تدلى بالأم، وهي مقدمة على الكل، فما دامت واحدة منهن من جانب الأم قائمة فهي أحق. م: (لأن هذه الولاية) ش: أي ولاية الحضانة. م: (تستفاد من قبل الأمهات) ش: لما مر من وفور شفقتهن، فمن كانت تدلى إليه بأم، فهي أولى ممن تدلي بأب ويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، لأن الحضانة باعتبار الشفقة. وذلك لا يختلف باختلاف الدين، على ما قيل: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى.
م: (فإن لم تكن) ش: أي الأم. م: (فأم الأب أولى من الأخوات) ش: من أم أو أب، لأن استحقاق الحضانة باعتبار قرابة الأم، قلنا: هذه في نفسها كأم الأم والأم مقدمة على غيرها في الحضانة. ولهذا يجوز ميراثها من السدس وأصل الشفقة باعتبار الولادة، وذلك للجدات دون الأخوات. وعن مالك الخالة مقدمة على الجدة لأب. م: (لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس) ش: أي تحرز ميراث الأمهات. هذا إيضاح لكون أم الأب من الأمهات، أنها تحرز السدس في الميراث وهو ميراث الأم.
قال الأترازي: فيه نظر، لأن ميراث الأم إنما يكون هو السدس إذا كان معها ولد أو ولد الابن والإخوة ثنتان من الإخوة والأخوات. وهنا عند عدمهم أيضا، يكون للجدة السدس، وميراث الأم عند عدمهم ثلث الجميع أو ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين. م: (ولأنها) ش: أي ولأن أم الأب. م: (أوفر شفقة للأولاد) ش: أي لأجل الولادة. م: (فإن لم تكن له جدة، فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن) ش: أي الأخوات. م: (بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية) ش: أي في رواية كتاب الطلاق. م: (الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «الخالة والدة» ش: هذا الحديث رواه البخاري عن البراء بن عازب في حديث طويل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة بمنزلة الأم» . رواه أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

(5/646)


وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) ، أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، لأن الحق لهن من قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم، وينزلن كما نزلن الأخوات، معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم، ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها لما روينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلفظ: «الخالة أم» . ورواه الطبراني من حديث أبي مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة والدة» ، وكذا رواه العقيلي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب) ش: وبه قال المزني وابن شريح من الشافعية. وقال الشافعي: في الأصح تقدم الأخت لأب على الأخت من أم. وبه قال أحمد واعتبراه بقوة الميراث، ولنا ما أشار به المصنف بقوله. م: (لأن الحق لهن) ش: أي حق الحضانة. م: (من قبل الأم) ش: معناه أن ذات قرابتين ترجح على ذات قرابة واحدة لما فيها من زيادة الشفقة. وعند زفر: الأخت لأب وأم، والأخت لأم يستويان في الحضانة. م: (ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم) ش: أي لأجل الترجيح لقرابة الأم، لأن الحضانة من قبل الأمهات. م: (وينزلن كما نزلت الأخوات) ش: يعني أن الخالة لأب وأم] أولى [من الخالة لأم أشار إليه بقوله. م: (معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم) ش: والخالة لأب وأم ذات قرابتين، والخالة لأم ذات قرابة واحدة. وعند الشافعي وأحمد: تقدم الخالة من الأب على الخالة من الأم. م: (ثم العمات ينزلن كذلك) ش: يعني أن العمة لأب وأم أولى من العمة لأم، ثم العمة لأم أولى من العمة لأب، وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات بمعزل عن حق الحضانة؛ لأن قرابتهن لم تتأكد بالمحرمية.
كذا في " المحيط ": وفي " البدائع ": لا حق للرجال من قبل الأم في الحضانة، ولا يسلم إليهن إلا بطلبهن، بخلاف الأب عند استغناء الصغير يجبر على القبول. وفي " المنصوري ": ابن العم أولى بالذكر والخال أولى بالأنثى، وكل ذكر من قبل الأم لا حق له في الولد مع العصبة إلا الخال، مع ابن العم فينظر في النساء من كان من قبل الأم، وفي الرجل من كان من قبل الأم ويدفع الصغير إلى مولى العتاقة.
م: (وكل من تزوجت من هؤلاء) ش: يعني كل من تزوجت من النساء ممن كان لها حق الحضانة. م: (يسقط حقها لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما لم تتزوجي» وفيه خالف الحسن البصري، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إلا الحسن البصري، وهو رواية عن

(5/647)


ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا، وينظر إليه شزرا، فلا نظر. قال: إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه قائم مقام أبيه، فينظر له. وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه لقيام الشفقة نظرا إلى القرابة القريبة. ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجل فأولاهم به أقربهم تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين، غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم، كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحمد، فإن عندهما لا يسقط حقها بالتزوج. م: (ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيًا يعطيه نزرًا) ش: أي يعطي الصغير شيئًا قليلًا، يقال شيء نزر، أي قليل ومادته نون وزاي وراء مهملة. م: (وينظر إليه شزرًا) ش: أي ينظر زوج الأم الأجنبي إلى الصغير بمؤخر عينيه، يقال شزره بعينه يشزره وشزره مشزرًا إذا نظر إليه بمؤخر عينيه، ومادته شين معجمة وزاي ثم راء، المقصود أن هذا عبارة عن قلة الشفقة على الصغير وقلة الالتفات إليه، ولهذا قال المصنف. م: (فلا نظر) ش: أي إذا كان حال زوج الأم الأجنبي هكذا فلا نظر منه على الصغير.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا الجدة إذا كان زوجها الجد) ش: هذا استثناء من قوله سقط حقها، يعني إذا كانت الجدة متزوجة بالجد لا يسقط حقها، وإن كانت ذات زوج. م: (لأنه) ش: أي لأن الجد. م: (قائم مقام أبيه) ش: لقيامه مقام أبيه. م: (فينظر له، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه) ش: أي من الولد، كعم الولد إذا تزوج بأمه لا يسقط حقها. م: (لقيام الشفقة نظرًا إلى القرابة القريبة) ش: أي بالنظر إلى القرابة. وهو العم. وإنما ينزع الولد من يد الأم إذا تزوجت بغير محرم. وإذا ارتدت أو خيف على الصبي. م: (ومن سقط حقها بالتزوج يعود) ش: أي حقها. م: (إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال) ش: والسبب قائم يعود الحق. وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي رواية عن مالك لا يعود والرجعي مانع حتى تنقضي عدتها عندنا، وبه قال المزني، وقال غيره من الشافعية: يعود بالطلاق الرجعي.
م: (فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجال فأولاهم به) ش: أي أولى الرجال بإمساك الصبي. م: (أقربهم تعصيبًا) ش: أي من حيث التعصيب أي أقرب العصبات. م: (لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين) ش: في باب الميراث وولاية الإنكاح.
م: (غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم) ش: هذا استثناء من قوله: فأولاهم أقربهم تعصيبًا، قيد بقوله الصغيرة، لأن الصغيرة تدفع إلى أقرب العصبات، سواء كان محرمًا أو غير محرم. م: (كمولى العتاقة وابن العم تحرزًا عن الفتنة) ش: لأنه لا يؤمن عليها منه، وكذلك ذو الرحم المحرم عن العصبة إذا لم يؤمن عليها منه لفسقه ومجونه لا تدفع إليه لأن في الدفع ضررًا بالصغيرة.

(5/648)


والأم والجدة أحق بالغلام، حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده. وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده ويلبس وحده، والمعنى واحد؛ لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء. ووجهه أنه إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم، والأب أقدر على التأديب والتثقيف. والخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارا للغالب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الصدر الشهيد: وعند أبي حنيفة، إذا لم يكن عصبة للصغير يدفع إلى الأخ لأم، لأن عنده تقدم الأم ولاية. وقال في " تحفة الفقهاء ": وإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم - والاختيار للقاضي - وإن رآه أصلح، يضم إليه، وإلا يوضع عند أمينة، وقال محمد: لا حق للذكر من قبل النساء، والتدبير إلى القاضي يدفع إلى ثقة يحضنها.

[الأحق بالولد]
م: (والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده) ش: وذكر في " نوادر ابن رشيد " ويتوضأ وحده، وتكلموا في المراد من الاستنجاء، من مشايخنا من قال: المراد به كمال الطهارة بأن يطهر وجهه وحده بالماء، بحيث لا يحتاج إلى من يعنيه ويعلمه. ومنهم من قال: المراد منه أن يطهر نفسه عن النجاسة، وإن كان لا يقدر على تمام الطهارة.
م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده) ش: ولم يذكر فيه الاستنجاء، وشرطه في" السير الكبير " وغيره. م: (والمعني واحد) ش: يعني ذكر الاستنجاء فيما مضي. وذكر الاستغناء في رواية " الجامع الصغير " في المعني واحد، وبين المصنف ذلك بقوله. م: (لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء) ش: أي القدرة على الاستنجاء أن يمكنه أن يفتح سراويله عند الاستنجاء، ويشده عند الفراغ.
م: (ووجهه) ش: أي وجه ذكر الاستغناء. م: (أنه) ش: أي أن الصغير. م: (إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم. والأب أقدر على التأديب والتثقيف) ش: أي التسوية. م: (والخصاف) ش: وهو الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن عمر، من كبار علمائنا. وكان يروي عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف القاضي، وقال صاحب " الطبقات ": أحمد بن عمر، بضم العين، وقيل: عمرو، بالفتح ابن مهير، وقيل: مهران الشيباني. روى عن مشايخ بخارى مثل أبي عاصم النبيل، ومسدد " والقعنبي " وغيرهم، وله مصنفات كثيرة، وكان زاهدًا يأكل من كسب يده، فلذلك سمي خصافًا.. مات ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين.
م: (قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارًا للغالب) ش: لأنه إذا بلغ سبع سنين استغنى عن الحضانة غالبا، ويستنجي وحده وعليه الفتوى. كذا في " الكافي " وغيره، وقدره أبو بكر الرازي بتسع، وعند مالك: الأم أحق بالغلام حتى يحتلم. وقيل: حتى يثغر، أي حتى تبدو أسنانه،

(5/649)


والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تدفع إلى الأب، إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة. ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدا تشتهى. وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني؛ لأنها لا تقدر على استخدامها، ولهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعند الشافعي يخير الغلام في سبع، فإن اختار أحدهما وسلم إليه، ثم اختار الآخر. فله ذلك ورد إليه، فإن عاد واختار الأول أعيد إليه، هكذا أبدًا، قال في " المغني ": وهذا لم ينقل عن أحد من السلف، والمعتوه لا يخير ويكون عند الأم.
م: (والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء) ش: من الغزل والطبخ وغسل الثياب. م: (والمرأة على ذلك أقدر) ش: لأنها لو دفعت إلى الأب اختلطت بالرجال، فقل حياؤها، والحياء في النساء زينة. م: (وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى) ش: لأنها بعد البلوغ تحتاج إلى التزويج، والأب فيه هو الأصل، وفي التحصين والحفظ الأب أقوى، لقدرته على ما لا تقدر عليه الأم، وأهدى إلى طريق معرفة ذلك لأنها تصير عرضة للفتنة، ومطمعًا للرجال والنساء يخدعنها.
م: (وعن محمد) ش: رواها هشام عنه. م: (أنها تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة، والأب أقدر على هذا) ش: وفي " غياث المفتي " الاعتماد على رواية هشام لفساد الزمان. وإذا بلغت إحدى عشرة سنة، فقد بلغت حد الشهوة في قولهم، وعند الشافعي: إذا اختار الغلام أمه يكون عندها بالليل، وعند الأب بالنهار، والبنت أيهما اختارت تكون عنده ليلًا ونهارًا عند المالك. م: (ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدًا تُشتهى) ش: تكلموا في حد المشتهاة ليبني عليه ثبوت حرمة المصاهرة، وكون الأب أولى.
وقالوا: إذا كانت بنت خمس سنين وما دونه لم تكن مشتهاة، وإذا كانت بنت ست سنين أو ثمان سنين، ينظر إن كانت غيلة ضخمة، كانت مشتهاة، وإلا فلا. وقال الفقية أبو الليث: في " أيمان الفتاوى ": الغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين. قال شمس الأئمة السرخسي: وبه نأخذ.
م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني) ش: ذكر أولًا رواية القدوري أن الصغيرة تترك من سوى الأب والجدة إلى أن تشتهى، ثم ذكر رواية " الجامع الصغير " إلى أن تستغني، واستغناؤها أن تأكل وحدها وتلبس وحدها، فإذا بلغت إلى أن تشتهى واستغنت تدفع إلى الأب. م: (لأنها) ش: أي لأن من سوى الأم والجدة مثل الأخوات ونحوها. م: (لا تقدر على استخدامها) ش: أي على استخدام الصغيرة التي استغنت، وإن كانت تحتاج إلى تعلم آداب النساء. م: (ولهذا) ش: أي

(5/650)


لا تؤاجرها للخدمة، فلا يحصل المقصود، بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا.
وقال: والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد؛ لأنهما حرتان أو أن ثبوت الحق، وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى. والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان أو يخاف أن يألف الكفر للنظر قبل ذلك، واحتمال الضرر بعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولأجل عدم قدرة من سوى الأم والجدة على استخدامها. م: (لا تؤاجرها) ش: أي الصغيرة. م: (للخدمة) ش: أي لأجل خدمة من كان يريد استخدامها. م: (فلا يحصل المقصود) ش: وهو التعليم. م: (بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه) ش: أي على الاستخدام. م: (شرعًا) ش: أي من حيث الشرع بدليل الإجارة.

م: (قال) ش: أي القدوري. م: (والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد) ش: وذلك بأن زوجهما مولاهما، ثم ولدتا، ثم عتقتا فكانتا أحق الولد من مولاهما لأن الخصومة هنا إنما تكون مع المولى، لأن الزوج لا حق له في الولد إذ الولد يتبع الأم في الملك ومالك المملوك أحق به من غيره، كذا في " الكافي "، واختلف المالكية في أم الولد إذا أعتقت مع اتفاقهم على ثبوت الأم، ذكره في " الجواهر ".
م: (لأنهما) ش: أي الأمة وأم الولد اللتين أعتقا. م: (حرتان) ش: فكانتا أحق بالولد من مولاهما. م: (أو أن ثبوت الحق) ش: أي وقت ثبوت الحق.
م: (وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى) ش: وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد. وعند مالك: تثبت الحضانة للرقيق.
م: (والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان) ش: فإن عقل الأديان يؤخذ منها، ويدفع إلى الأب، وبه قال مالك في المشهور وأبو القاسم وأبو ثور، وتمنع أن تغذيه بالخمر ولحم الخنزير، وإن خيف ضم إليه ناس من المسلمين. وقال الشافعي وأحمد: لا حضانة لها وهي رواية عن مالك. م: (أو يخاف أن يألف الكفر) ش: أي بأن يألف الكفر، فأن مصدرية، أي يخاف ألفة الكفر. وأما قوله: أو يخاف، فيجوز فيه ثلاثة أوجه: الأول: النصب على تقدير: إلى أن يخاف. كما في قوله: لألزمنك أو تعطيني حقي، أي إلى أن تعطيني.
الثاني: الرفع على أنه استئناف؛ أي هو يخاف.
الثالث: الجزم عطفا على قوله ما لم يعقل فيقر أو يخاف.
م: (للنظر قبل ذلك) ش: أي الذمية أحق بولدها المسلم لأجل النظر في حق الصغير، قبل أن يعقل الأديان، وقبل أن يخاف عليه من فتنة الكفر (واحتمال الضرر بعده) أي ولأجل احتمال

(5/651)


ولا خيار للغلام والجارية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لهما الخيار لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حصول الضرر بعده، بانتقاش أحوال الكفر في ذهنه بعد أن يعقل الأديان. م: (ولا خيار للغلام والجارية) ش: يعني بين الأبوين بأن يكون الولد عند الأم ما لم تزوج بزوج آخر إلى المدة التي ذكرناها، وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي لهما الخيار) ش: إذا بلغا من التمييز يسلم إلى من اختاره، وبه قال أحمد. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير) ش: أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن هلال بن أسامة «عن أبي ميمونة، سليم، ويقال: سلمان مولى من أهل المدينة، رجل صدوق. قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إذ جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، فادعياه، وقد طلقها زوجها. فقالت: يا أبا هريرة - ورطنت بالفارسية - زوجي يريد أن يذهب بابني. فقال أبو هريرة: استهما عليه - ورطن لها بذلك -. فجاء زوجها وقال: من يحاقني في ولدي! فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت "امرأة جاءت إلى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استهما عليه. فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به» . وجه الاستدلال: هو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره بقوله «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» . قوله: رطنت، من الرطانة - بفتح الراء وكسرها - وهي كلام لا يفهمه الجمهور، وإنما هو مواضعة بين اثنين أو ثلاثة، والعرب تخص بها غالبًا كلام أعجم. قوله: من بئر أبي عنبة، بكسر العين المهملة، وفتح النون وبالباء الموحدة، وهي بئر معروف بالمدينة. عندما عرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه لما سار إلى بدر. قوله: يحاقني بالحاء المهملة وبالقاف. أي من ينازعني؟ واستدل الشافعي أيضًا بحديث رافع بن سنان وهو الذي ذكره المصنف. وأجاب عنه على ما يأتي. أخرجه أبو داود والنسائي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده «رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاءت بابن لهما صغير لم يبلغ، فأجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأب هاهنا والأم هاهنا ثم خيره، وقال: "اللهم اهده"، فذهب إلى أمه. ولفظ أبي داود: أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال

(5/652)


ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة بتخليته بينه وبين اللعب، فلا يتحقق النظر. وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يخيروا. وأما الحديث فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم اهده " فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رافع: ابنتي، فأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية، والأب ناحية وأقعد الصبي بينهما، وقال لهما: "ادعواها" فمالت الصبية إلى أمها، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "اللهم اهدها" فمالت إلى أبيها، فأخذها» وأخرجه أحمد في "مسنده " ولفظه في: ولد صغير. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الصغير. م: (لقصور عقله يختار من عنده الدعة) ش: بفتح الدال والعين المهملة أي الراحة والخفض والهاء فيه عوض عن الواو لأنه من ودع الرجل بالواو وضم الدال، فهو وديع أي ساكن، وهو من باب فعل يفعل بضم العين فيهما كحسن يحسن. م: (بتخليته بينه وبين اللعب) ش: أي بسبب تخلية من عنده الدعة بين الصبي وبين اللعب. م: (فلا يتحقق النظر) ش: وعدم تحقق النظر على الصبي إذا اشتغل باللعب ظاهر. م: (وقد صح أن الصحابة لم يخيروا) ش: لم يتعرض إليه أحد من الشراح. وقد روى مالك والبيهقي «عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه دفع الغلام لأمه لما اختصم فيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وأمه، قال فيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا توله والدة عن ولدها» ، أي لا يفرق بينهما، وكل أنثى فارقت ولدها فهي والهة وقد ولهت تله ولها فهي والهة وواله، والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، والمصنف احتج بهذا، ومع هذا ورد ما يخالف هذا، روى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج أن عبد الله بن عمر يقول: اختصم أب وأم في ابن لهما إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فخيره فاختار أمه فانطلقت به، روى ابن حبان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خير غلاما بين أبيه وأمه.
م: (وأما الحديث) ش: أشار به إلى الحديث الذي استدل به الشافعي، وهو قوله: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره، وأشار به إلى الجواب عنه، فقال. م: (فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي في حديث التخيير؛ بيانه

(5/653)


أو يحمل على ما إذا كان بالغا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنه لو كان للتخيير اعتبار، لم يقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر في حقه ببركة دعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم يوجد ذلك فيما نحن فيه. م: (أو يحمل على ما إذا كان بالغًا) ش: هذا جواب ثان عن حديث الشافعي، ولكن ليس بموجه ولا يرضي الخصم لأنه صرح فيه فجاء بابن لهما صغير لم يبلغ وهو في حديث رافع بن سنان الذي مضى عن قريب.
وفي رواية أخرجها أبو داود «عن رافع بن سنان، ولفظه: أنه أسلم وأبت امرأته فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال رافع: ابنتي. وأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية والأب ناحية، فأقعد الصبية بينهما، وقال لهما: "ادعواها"، فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم اهدها"، فمالت إلى أبيها وأخذها» انتهى، وهذا إيضاح صرح فيه بالصبية وأنها فطيم فكيف يكون الولد غالبًا؟ والمعني أن أصحابنا قصروا في هذا الباب حيث يستدل الخصم بالأحاديث الصحيحة، وهم يستدلون بالدليل العقلي.
وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأربعة أجوبة: الأول: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر إما بالاستهام وهو متروك بالإجماع، والثاني: لم يذكر فيه الطلاق، وقولها: إن زوجي، دليل على قيام النكاح، والثالث: ليس فيه سبع سنين، والخصم يشترط التخيير في سبع سنين، والرابع: أن بئر أبي عنبة كانت بالمدينة، ولا يمكن للصغير أن يسقي منها، ولا يخلو الكل عن تأمل، واعلم أن الابن إذا بلغ يخير بين أبويه. فإن أراد أن ينفرد فله ذلك، إلا إذا كان فاسقا يمضي عليه شيء، فحينئذ يضمه الأب إلى نفسه، لأنه أقدر على صيانته، أما الجارية فإن كانت بكرا يضمها إلى نفسه سواء كانت مأمونة أو غير مأمونة.
فإن كانت ثيبًا مأمونة ليس له أن يجبرها حتى تكون معه لزوال ولايته عنها كذا في نسخ " الفتاوى " وغيرها قاله الأترازى. وفي " الكافي " اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج، فالخلع جائز والشرط باطل.

(5/654)


فصل وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالأب، إلا أن تخرج به إلى وطنها، وقد كان الزوج تزوجها فيه؛ لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى، وبين ذلك بقوله في فصل على حدة.
م: (وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك) ش: هذا بعد انقضاء عدتها، فإنه صرح به في " جامع قاضي خان " وغيره. م: (لما فيه من الإضرار بالأب) ش: أي في الخروج بالولد لانقطاع ولده عنه. م: (إلا أن تخرج به) ش: بولدها من المصر. م: (إلى وطنها) ش: هذا استثناء من قوله: فليس لها ذلك. م: (وقد كان الزوج) ش: أي والحال أن الزوج. م: (تزوجها فيه) ش: أي في وطنها. م: (لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا) ش: أما العرف فلأن الزوج يقيم في البلد الذي يتزوج فيه عادة، إلا أنه يلزمها متابعة الزوج إذا أعطاها جميع المهر رضيت بذلك أو لم ترض. فبعد زوال الزوجية يعود الأمر الأول.
وأما شرعًا: فلأن العقد متى وجد في مكان العقد، والأولاد من ثمرات عقد النكاح، فيجب إمساكها في موضع العقد، بخلاف ما إذا أراد النقل إلى مصر ليس هو مصرها، ولم يكن ثمة أصل النكاح، ليس لها أن تنقل الأولاد، وكذا إذا أرادت الانتقال بالأولاد إلى مصرها، لكن ثمة أصل النكاح لعدم دليل العرف والشرع.
م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ش: لم يتعرض أحد من الشراح لهذا الحديث، ولا بمجرد ذكره. روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في "مصنفه "، حدثنا المعلى بن منصور عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئاب عن أبيه «أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صلى بمنى أربعًا، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تأهل في بلدة فهو من أهلها يصلي بصلاة المقيم، وإني تأهلت منذ قدمت مكة» .
ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " كذلك، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله، وإنما أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها» . ورواه أحمد في "مسنده "، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من تأهل في بلد فليصل صلاة مقيم» .
واستدل به المصنف لقوله لأنه اليوم المقيم فيه شرعًا، حاصله أن الرجل إذا تزوج امرأة في

(5/655)


ولهذا يصير الحربي به ذميا. وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها، وقد كان التزوج فيه، أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك. وهذه رواية كتاب الطلاق. وذكر في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلد هو وطن المرأة يكون من أهل ذلك البلد.
م: (ولهذا يصير الحربي به) ش: أي بالتزوج. قاله الأترازي والأكمل. م: (ذميًا) ش: وقال تاج الشريعة: الضمير يرجع إلى التزام المقام. وبيانه أنه لما استدل بقوله التزم المقام عرفًا وشرعًا، فلقائل أن يقول هب أنه التزم المقام. فلماذا يصير مقيمًا؟ فيجاب عنه بأنه لالتزام المقام أثر، ولهذا يصير الحربي ذميًا. قيل: هذا خلاف المفهوم من كلامه. وقال " صاحب النهاية ": هذا وقع غلطًا، أي قوله: ولهذا يصير الحربي به ذميًا. فإنه ذكر في غير هذا الكتاب أن المستأمن إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا، لأنه يمكنه أن يطلقها ويرجع. وقد وجدت بخط شيخي: ليس في النسخة التي قوبلت بنسخة المصنف هذه الجملة.
وقال الأترازي: ونقل عن الإمام حافظ الدين الكبير، أن هذه الجملة ليست في النسخة التي قوبلت مع نسخة المصنف، فعلى هذا يكون السهو من الكاتب، لأنه قال في " السير الكبير " بعد كتاب الحدود في أرض الحرب بباب: وإذا دخلت المرأة من أهل الحرب دار الإسلام بأمان وهي كتابية، فتزوجها ذمي أو مسلم فقد صارت ذمية لأن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب، فكان الإقدام على النكاح مع علمها أن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب رضا منها بالمقام في دار الإسلام.
وأما الحربي إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا؛ لأن المرأة ليس لها أن تمنع زوجها من دار الحرب، انتهى.
وغير بعضهم لفظ الحربي بلفظ الحربية حتى ترد السؤال. وقال بعضهم: لا حاجة إلى تغيير اللفظ لجواز أن يكون الحربي صفة لشخص؛ أي الشخص الحربي ذكرًا كان أو أنثي. قلت: هذا بعيد جدًا.
م: (وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها) ش: صفة المصر. م: (وقد كان التزوج فيه) ش: أي والحال إن تزوج الزوج فيه أي في مصر غير وطنها. م: (أشار في الكتاب) ش: أي القدوري، وقيل: المراد به " المبسوط ". م: (إلى أنه ليس لها ذلك، وهذه رواية كتاب الطلاق) ش: من الأصل.
م: (وذكر) ش: أي محمد. م: (في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه) ش: أي في ذلك المكان. م: (يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه) ش: أي

(5/656)


ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد. وجه الأول: أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا، وهذا أصح. والحاصل: أنه لا بد من الأمرين جميعا، الوطن ووجود النكاح، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت. أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به. وكذا الجواب في القريتين، ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرا إلى الصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه ضرر بالصغير، لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تسليم المعقود عليه في موضع العقد.

م: (ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد) ش: لأن الأولاد من ثمرات النكاح فيوجب إمساكها في موضع العقد. م: (وجه الأول) ش: أراد به قوله ليس لها ذلك وهو رواية كتاب الطلاق. م: (أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفًا) ش: أي من حيث العرف أراد بأن العرف لم يجر بأن يكون للتزوج في دار الغربة التزامًا للإقامة. م: (وهذا أصح) ش: أي الوجه الأول هو الأصح.
م: (والحاصل أنه لا بد من الأمرين جميعا الوطن ووجود النكاح) ش: أي لانتقال الأم بالأولاد الصغار، ولا بد من وجود أمر آخر وهو أن تريد الانتقال إلى دار الحرب، فإنه ذكر في " شرح كتاب الطحاوي ": ولو أرادت الانتقال إلى دار الحرب، وإن كان أصل النكاح وقع هناك في حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا، ليس لها ذلك، ولو كان كلاهما حربيين فلهما ذلك. م: (وهذا كله) ش: أي هذا الذي ذكرناه كله. م: (إذا كان بين المصرين تفاوت) ش: أراد به البعد بحيث لا يمكن للأب رجوعه إلى بيته في يوم مطالعة أولاده. م: (أما إذا تقاربا) ش: أي المصران. م: (بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به، وكذا الجواب في القريتين) ش: يعني إذا كانت قريبتين بحيث يمكن للأب مطالعة الأولاد في يومه، فلها ذلك وإلا فلا.
م: (ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرًا إلى الصغير، حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه) ش: وهو الانتقال من المصر إلى القرية. م: (ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك) ش: أي ليس لها أن تنقل الصغار من المصر إلى القرية، إلا إذا وقع العقد فيها فحينئذ لها ذلك. ذكره في " شرح الطحاوي " وفي " فتاوى البقالي ": ليس لها ذلك بحال، وقع العقد هناك أو لا.
فروع: لو جاءت بصبي، وقالت: هذا ابن بنتي وقد ماتت، فأعطني نفقته، فقال: إنها لم تمت وهي في منزلي، وأراد أخذه منها لم يكن له ذلك حتى يعلم القاضي أمه، فيجيء بها، فيأخذه منها. وإن جاء بامرأة، وقال: هذه بنتك وهي أمه، وقالت: ابنتي ماتت، فالقول للزوج؛ لأن الفراش لهما، قال الأب: هو ابن ست سنين، وقالت: ابن سبع، إن كان يأكل وحده ويلبس وحده دفع إليه وإلا فلا.

(5/657)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو ادعى التزوج عليها بأخرى وأنكرت، فالقول لها. ولو قالت: طلقني وعاد حقي، إن لم تعين الزوج فالقول لها، وإن عينت لا يقبل قولها في الطلاق. وإن كان معسرًا فقالت العمة: أنا أولى بغير أجر، والأم طلبت أجره، فالعمة أولى، وهو الصحيح.

(5/658)