البناية شرح الهداية

باب النفقة قال: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة، إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها. والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب النفقة] [حكم النفقة للزوجة]
م: (باب النفقة) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام النفقة، وهي اسم بمعنى الإنفاق، وهي عبارة عن الإدرار على الشيء بما به بقاؤه. والنفقة تجب بأسباب الزوجية، ومنها النسب ومنها الملك، والكل يجيء بيانه على الترتيب مشتملا على ذكر فصول على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة. إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها) ش: أي في منزل الزوج. قال الأقطع في "شرحه ": تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة ولا خلاف في ذلك. وقال الأترازي: فعلم بهذا إذا ادعى بعض الشراح للهداية، بقوله: هذا الشرط ليس بلازم في ظاهر الرواية.
فإنه ذكر في " المبسوط " وهو ظاهر الرواية بعد صحة العقد، النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج. ألا ترى أن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيت الزوج جاز لها أن تطالبه بالنفقة. وقال في " الإيضاح ": وهذا لأن النفقة حق المرأة والانتقال حق الزوج فإذا يطالبها بالنفقة، فقد ترك حقه وهذا لا يوجب بطلان حقها.
وقال في " النهاية ": وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها. والفتوى على جواب الكتاب، وهو وجوب النفقة وإن لم تزف فإن كان الزوج قد طالبها بالنفقة، وإن لم تمتنع من الانتقال إلى بيت زوجها فلها النفقة أيضًا، وأما إذا كان الامتناع بحق بأن امتنعت لتستوفي مهرها، فلها النفقة أيضًا، وإن كان الامتناع بغير حق، بأن كان أوفاها المهر، أو كان المهر مؤجلا أو وهبته منه، فلا نفقة لها، فكل من كان محبوسا لغيره بحق مقصود، كانت نفقته عليه.
م: (والأصل في ذلك) ش: أي في وجوب النفقة. م: (قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: أمر بالإنفاق، والأمر للوجوب، والسعة: القدرة. م: (وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: المولود له هو الأب، ورزقهن: الأمهات، قَوْله تَعَالَى: {بالمعروف} [البقرة: 233] أي بالوسط. وقال الزجاج في تفسيره: مما تعرفون أنه العدل على قدر الإمكان، وكلمة "على" للإيجاب.

(5/659)


وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس، فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره، كانت نفقته عليه، وأصله القاضي والعامل في الصدقات، وهذه الدلائل لا فصل فيها، فتستوي فيها المسلمة، والكافرة. ويعتبر في ذلك حالهما جميعا، قال: وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن جابر بن عبد الله، وهو حديث طويل جدًا، وفيه: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ... » الحديث أخرجه مسلم في باب حجة الوداع.
م: (ولأن النفقة جزاء الاحتباس) ش: أي احتباس المرأة عند الرجل. م: (فكل من كان محبوسًا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه) ش: لا يقال يرد على هذا نفقة الرهن، فإنها على الراهن مع أنه محبوس بحق المرتهن، لأنا نقول سلمنا أنه محبوس عند المرتهن ولكن لا نسلم أنه محبوس بحق هو مقصود للمرتهن فحسب. فإنه كما يحصل مقصود المرتهن يحصل مقصود الراهن أيضًا. ألا ترى أنه إذا هلك، هلك الدين الذي على الراهن مضمونًا بأقل من قيمته ومن الدين، لكن على هذا كان ينبغي أن تجب النفقة عليهما جميعًا، إلا أن النفقة لما كانت لبقية الرهن وهو على ملك الراهن، وجبت عليه خاصة كالوديعة يجب نفقتها على صاحب المال.
و: (وأصله) ش: أي أصل من كان محبوسا لمنفعة ترجع إلى غير. م: (القاضي والعامل في الصدقات) ش: لأنهما حبسا أنفسهما لمصالح المسلمين فيجب كفايتهما، وكذلك المفتي والمتولي والوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والمقاتلة إذا قاموا بكفاية المسلمين في دفع عدوهم يجب كفايتهم. م: (وهذه الدلائل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الكتاب والسنة، وقال الأترازي: أي الآيات الدالة على وجود النفقة والدليل العقلي.. م: (لا فصل فيها) ش: أي لا فرق فيها بل على إطلاقها. م: (فتستوي فيها المسلمة والكافرة) ش: والغنية والفقيرة، والموطوءة وغير الموطوءة، والمنتقلة إلى بيت زوجها وغير المنتقلة. م: (ويعتبر في ذلك حالهما جميعًا) ش: أي حال الزوجين. وهذا لفظ القدوري.
م: (قال) ش: أي المصنف. م: (وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى) ش: أي على اختيار الخصاف الفتوى. وظاهر الرواية عن أصحابنا اعتبار حال الرجل في اليسار والإعسار دون حال المرأة. وبه صرح محمد في الأصل والحاكم في " الكافي " وصاحب " الشامل " في قسم المبسوط، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب الكرخي وكثير من مشايخنا المتأخرين، كصاحب " التحفة " وصاحب " النافع " وغيرهم، وهو قول الشافعي.

(5/660)


وتفسيره أنهما إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار. وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار. وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرا، فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) . ووجه الأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وتفسيره) ش: أي تفسير قول الخصاف. م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين. م: (إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار) ش: أي تجب نفقة الإعسار. م: (وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرًا) ش: أي وكان الزوج موسرا. م: (فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات) ش: وفي " الذخيرة ": بيانه: إذا كان الزوج موسرًا بفرط اليسار نحو أن يأكل الحلوى واللحم المشوي والباحات، والمرأة فقيرة كانت تأكل في بيتها خبز الشعير، لا يؤخذ الزوج بأن يطعمها ما يأكل بنفقته، ولا ما كانت المرأة تأكل في بيتها، ولكن يطعمها فيما بين ذلك، ويطعمها خبز البر، وباحة وباحتين، فهذا معنى اعتبار حالهما.
وأما إذا كان الزوج معسرًا والمرأة موسرة، لم يذكر المصنف هذا القسم، قال الأترازي: لا أدري كيف ذهب عنه، ولا بد من ذكره، فقال الخصاف في كتابه: يفرض له نفقة صالحة، يعني وسطا، فيقال له: تكلف إلى أن تطعمها خبز البر وباحة وباحتين، كي لا يلحقها الضرر.
وقال الأترازي: هذا التكليف تكليف ما ليس في الوسع، فلا يجوز. قال الإمام السرخسي: لم يذكر صاحب الكتاب أنه يؤاكلها؛ يعني الخصاف لم يذكره في كتاب النفقات، ثم قال: ولكن مشايخنا قالوا المستحب له أن يؤاكلها لأنه مأمور بحسن العشرة معها، وزاد في أن يؤاكلها ليكون نفقتها ونفقته سواء.
م: (وقال الكرخي: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي؛ لقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: وهو ظاهر الرواية، وقال الله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) بين أن التكليف بحسب الوسع وأن النفقة على حسب حاله.
ولما زوجت نفسها من معسر، فقد رضيت بنفقة المعسرين، فلا يستوجب على الزوج إلا بحسب الزوج وحاله.
م: (ووجه الأول) ش: أي وجه اعتبار حالهما وهو اختيار الخصاف. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لهند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف) » ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير الترمذي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن هندًا أم معاوية قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» .

(5/661)


اعتبر حالها، وهو الفقه. فإن النفقة تجب بطريق الكفاية. والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات، فلا معنى للزيادة. وأما النص فنحن نقول بموجبه أنه يخاطب بقدر وسعه، والباقي دين في ذمته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (اعتبر حالها) ش: أي اعتبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حال المرأة، ولقائل أن يقول هذا الدليل غير مطابق للمدعى، وهو الاعتبار بحالها.
والحديث يدل على اعتبار حالها، وأما اعتبار حاله فالآية تدل عليه، والخصم يدل عليه، فإذا الآية تدل على اعتبار حاله والحديث على اعتبار حالها، فوجب الجمع بينهما بأن يكون حاله معتبرة من جهة وحالها كذلك.
فإن قيل: هذا على تقدير التعارض والحديث لا يعارض الآية لكونه من الأحاديث، فالجواب أن الحديث تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 333) ، فتكون المعارضة حينئذ بين الآيتين فيجمع بينهما. م: (وهو الفقه) ش: أي اعتبار حال المرأة هو الفقه؛ أي هو الذي يفهم من الدلائل.
وأشار بهذا إلى أنه اختار قول الخصاف حيث اعتبر حالهما، لكن ذكر الدليل من جهة نفسه لما اختاره، وإنما قلنا من جهة نفسه لئلا يرد عليه اعتراض الأترازي حيث قال: قوله. م: (فإن النفقة) ش: قوله فلا معنى للزيادة وفيه نظر، لأنه ما بقي بين الدليل والمدلول مطابقة، لأن صاحب " الهداية " أورده دليلًا لقول الخصاف وقول الخصاف اعتبار حال المرأة وحدها، انتهى.
ونحن نقول: اختيار المصنف ما اختاره الخصاف، ولكن دليله من جهة ويرد ما ذكره، ثم بين ذلك بقوله لأن النفقة. م: (تجب بطريق الكفاية، والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات فلا معنى للزيادة) ش: يعني عن كفايتها نظرا إلى حال الزوج، ثم أجاب عن قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، بقوله. م: (وأما النص فنحن نقول بموجبه) ش: أي بموجب النص وهو. م: (أنه يخاطب بقدر وسعه) ش: لئلا يلزم التكليف بما ليس بالوسع، لكن زاد كفايتها على ما في وسعه يكون دينًا عليه، وهو معنى. م: (والباقي دين في ذمته) ش: عملا بالدليلين، ولا يؤديه مع العجز.
واعترض الأترازي على المصنف بقوله: وهذا لا يكون جوابا لما ذهب إليه الكرخي من ظاهر الرواية، لأن نص القرآن لا يثبت الزيادة على نفقة الإعسار، فمن أين يثبت الزيادة بموجب النص حتى يكون دينًا عليه؟ انتهى.
قلت: المصنف لم يثبت الزيادة بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) حتى ... ما قال، وإنما أثبت الزيادة بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية، وفيما قاله عملًا بالدليلين، وهذه الآية تدل على وجوب كفايتهن بكلمة

(5/662)


ومعنى قوله: "بالمعروف": الوسط، وهو الواجب، وبه يتبين أنه لا معنى للتقدير كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على غير أنه إذا عجز عن الكفاية لا يكلف في الحال بل الزيادة على الكفاية في ذلك الوقت يكون دينا عليه، والعمل بالنص أولى من ترك أحدهما.
م: (ومعنى قوله «بالمعروف» الوسط) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بالمعروف في قوله لهند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، وكذا في قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية الوسطى. م: (وهو الواجب) ش: أي الوسط هو الواجب، وفي " المبسوط ": يجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما فرض في كل وقت وزمان.
فكما يفرض لهما قدر الكفاية من الطعام، فكذلك من الإدام لأن الخبز لا يتناول عادة إلا مأدومًا، وجاء في تأويل قوله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، أنه أعلى ما يطعم الرجل امرأته الخبز واللحم وأوسطه الخبز والزيت وأدناه الخبز واللبن، وأما الدهن يُستغنى عنه خصوصًا في زيادة الحر فهو من أهول الحوائج كالخبز.
م: (وبه) ش: أي وبالمعروف المذكور في القرآن والحديث. م: (يتبين أنه لا معنى للتقدير) ش: أي في تقدير النفقة. م: (كما ذهب إليه) ش: أي إلى التقدير. م: (الشافعي أنه) ش: أي التقدير. م: (على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد) ش: المد بالضم وتشديد الدال رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقيل: إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا.
وقال الماوردي في " الحاوي " ما ملخصه: إن الأصل في اعتبار الحب في النفقة الكفارات؛ لأنه طعام يقصد به في الحرمة ويستقر في الذمة وفي النكاح عليه تمليكها حبًا، وعليه طحنه وخبزه في الأصح، ويجوز الاعتياض في الأصح إلا دقيقا وخبزا على المذهب، ولو أكلت معه سقطت نفقتها في الأصح وفي " المغني ": إيجاب الحب تحكم، فإن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير قيد ولا تقدير، فيجب أن يرد إلى العرف والعادة وذلك في الطعام دون الحب.
وما بلغنا عن أحد السلف أنه أطعم زوجته حبًا ولا حكم بذلك الحاكم، وقد تركوا قوله في جميع البلاد الإسلامية على تقدير مد ... على الأكابر.
وعن مالك: يفرض بمد تمر وإن كان كل يوم.
وهو مد وثلث بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال ابن حبيب: أخذه هشام بن إسماعيل بغرض نفقة الزوجات ما استحسنه مالك، وهو ظاهر خلاف مذهبه، ومذهبنا ما ذكره علماؤنا، فقال في مختصر شرح

(5/663)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"الكافي " للحاكم الشهيد: إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير، تتمكن من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة، وإن يكن بهذه الصفة، فخاصمت في النفقة يفرض لها بالمعروف، وهو فوق التقتير، دون الإسراف، رعاية للجانبين.
ولا تقدر النفقة بالدراهم؛ لأن المقصود الكفاية، وقد يرخص السعر ولا يغلو، فلا يحصل المقصود، فكما يفرض لها الطعام بقدر الكفاية كل يوم يفرض الإدام أيضا؛ لأن الخبز لا يتناول إلا مأدوما عادة، وكذلك يفرض الدهن لأنه لا يُستغنى عنه.
وقال في الأقضية: لا إدام إلا على اللحم والأوسط الزيت والأدنى اللبن والحطب والصابون والأشنان، وثمن ماء الاغتسال عليه، كذا في " خلاصة الفتاوى " ويفرض لها من الكسوة ما يصلح للشتاء والصيف.
ففي الشتاء قميص وملحفة وخمار وكساء كأرخص ما يكون كفايتها بما دونها، إن كان الرجل معسرا ولا كساء في الصيف، وإن كان موسرا فأجود من ذلك على قدر اليسار والخادم قميص وإزار وكساء كأرخص ما يكون ولا كساء في الصيف، وإن كان الرجل موسرا فأجود ما يكون من ذلك.
وقال محمد: في الأصل من التقدير بالدراهم بقوله: إن كان معسرًا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم أو خمسة أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم وأقل من ذلك أو أكثر، وإن كان موسرًا، عليه للمرأة ثمانية دراهم أو سبعة أو نحو ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة أو نحو ذلك، فذاك ليس بتقدير لازم، بل هو بناء على ما شاهده محمد في ذلك الوقت من عرف زمانه، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح "الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشامل ".
وقال السرخسي: لم يذكر محمد في الأصل كسوة المرأة الإزار والخف في شيء من المواضع، وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف أيضًا، وإن كانت الخادمة ممن يحتاج أن تخرج إلى الحوائج، فلها الخف والمكعب بحسب ما يكفيها.
وأما المرأة فإنها مأمورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج، فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج، وكذلك لا تستوجب الإزار لأنها تكون مهيئة نفسها بنشاط الزوج، فليس على الزوج أن يتخذ ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار، هذا لفظه في شرح "الكافي ".
وقال في " خلاصة الفتاوى ": هذا في ديارهم بحكم العرف، أما في ديارنا فيفرض الإزار والمكعب، ويفرض ما تنام عليه.

(5/664)


لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه.
وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها، فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله، فيجعل كالأموات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الخصاف: ويجعل لها ما تنام عليه مثل الفراش والمضربة والمرفقة في الشتاء ولحافا يتغطى به.
قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب "النفقات ": ذكر لها كتابا على حدة ولم يكتف بفراش واحد، لأنها ربما تنعزل عنه في أيام الحيض أو في زمان مرضها.
وقال الحاكم الشهيد: وقال محمد: لا ينبغي أن يوقت النفقة على الدراهم، لأن السعر يغلو ويرخص، ولكن يجعل النفقة على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمته، فيفرض لها عليه دراهم شهرًا بشهر.
قال السرخسي: وهذا بناء على عادتهم، وبعض المتأخرين من مشايخنا، قالوا: يعتبر في ذلك حال الرجل فإنه إن كان محترفا يفرض عليه النفقة يومًا يوما؛ لأنه يتعذر عليه أداء نفقة شهر دفعة واحدة. وإن كان من التجار يفرض عليه الأداء شهرًا، وإن كان من الدهاقين يفرض عليه النفقة دراهم على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمة ذلك، فيفرض لها عليه دراهم شهرٍ بشهرٍ لتيسير الأداء عليه.
كذلك عند إدراك الغلة واتخاذ غلة الحوانيت، أما الكسوة فيفرض في السنة مرتين.
م: (لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه) ش: لأنها مما يختلف فيها أحوال الناس بحسب الشباب والمهرم، وبحسب الأوقات والأماكن، ففي التقدير قد يكون إضرارا بأحدهما وفي " المبسوط ": وكل جواب عرفته من اعتبار حاله أو حالها في فرض النفقة فهو الجواب في كسوة.

[نفقة من امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها ممهرها]
م: (وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل كالأموات) ش: المراد من المهر هو العاجل، وبه صرح في " شرح الطحاوي " فقال: ولو أنها منعت نفسها لأجل مهرها العاجل، فلها النفقة لأن هذا منع بحق. وقال في " التحفة ": وإن كان الامتناع بغير حق، بأن أوفاها الزوج المهر مؤجلا، فإنه يسقط النفقة لأنه وجد النشوز منها، لكن ينبغي لك أن تعرف أن الامتناع لطلب المهر إذا كان قبل الدخول لا يزيل النفقة اتفاقا لأنه منع بحق وكذلك بعد الدخول إذا كان برضاها عند أبي حنيفة. وقالا: لا نفقة لها، كذا في " المختلف "، وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو كان الزوج ساكنا معها في منزلها فمنعت زوجها من الدخول عليها كانت ناشزة إلا إذا منعت لتحولها إلى منزله أو ليكتري لها منزلًا، فحينئذ تكون ناشزة ولو كانت مقيمة في منزله، ولم تمكنه من الوطء لا تكون ناشزة.

(5/665)


وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها، وإذا عادت جاء الاحتباس، فتجب النفقة، بخلاف ما إذا امتنعت من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم، والزوج يقدر على الوطء كرها. وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها؛ لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها، والاحتباس الموجب ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، بخلاف المريضة على ما نبين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها النفقة؛ لأنها عوض عن الملك عنده؛ كما في المملوكة بملك اليمين. ولنا أن المهر عوض عن الملك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها) ش: تفسير الناشزة والناشصة هي المانعة نفسها عن زوجها بغير حق، وقيل لشريح: هل للناشزة من نفقة؟ فقال: نعم، فقيل: كم؟ فقال: جراب من تراب، معناه: لا نفقة لها، وإذا كان الرجل يسكن في الأرض المغصوبة، فخرجت المرأة لأجل أن لا تسكن في الغصوبة، لا تكون ناشزة لأنها محقة.
ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " فتاوى النسفي ": لو كان الزوج بسمرقند وامرأته بنسف فيبعث إليها أجنبيا ليحملها إلى سمرقند فلم تذهب لعدم المحرم يفرض لها النفقة.
م: (وإذا عادت) ش: أي المرأة إلى منزل الزوج. م: (جاء الاحتباس) ش: فلها. م: (فتجب النفقة) ش: لوجود العلة. م: (بخلاف ما إذا امتنعت) ش: متصل بقوله لأن فوت الاحتباس منها. م: (من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرهًا) ش: أي من حيث الكره. م: (وإن كانت) ش: أي وإن كانت الزوجة. م: (صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها) ش: المراد من الاستمتاع الجماع لأن الحاكم الشهيد قد صرح به في مختصره " الكافي " وكذلك السرخسي في " شرح الكافي " الذي هو "مبسوطه" وعليه جمهور العلماء.
وعند الثوري والظاهرية والشافعي في قول: لها النفقة؛ لأنها مال تجب بالعقد كالمهر، فتستوي الكبيرة والصغيرة، والأصح عند الشافعية وجوبها لو كانت في المهر لإطلاق النص.
م: (لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها) ش: وهي غير مسلمة نفسها إلى الزوج، فصارت كالناشزة.
م: (والاحتباس الموجب) ش: أي للنفقة. م: (ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح) ش: وهو الجماع أو دواعيه. م: (ولم يوجد) ش: فلا يجب شيء. م: (بخلاف المريضة على ما نبين) ش: أي قريبا من خمسة عشر خطا يعني يجب النفقة في المريضة وإن تعذر الجماع.
م: (وقال الشافعي: لها) ش: أي للصغيرة. م: (النفقة لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (عوض عن الملك عنده) ش: أي عند الشافعي. م: (كما في المملوكة بملك اليمين) ش: حيث تجب نفقتها على المالك. م: (ولنا أن المهر عوض عن الملك) ش: لأن الفرض هو ما يدخل تحت العقد بالتسمية،

(5/666)


ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد فلها المهر دون النفقة. وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة، فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين.
وإذا حبست المرأة في دين، فلا نفقة لها؛ لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة فليس منه وكذا إذا غصبها رجل كرها فذهب بها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لها النفقة، والفتوى على الأول؛ لأن فوت الاحتباس ليس منه، ليجعل باقيا تقديرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والداخل تحته هو المهر دون النفقة، فإن كان المهر عوضا لا تكون النفقة عوضا. م: (ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد) ش: فلا تجب النفقة لأجله بخلاف المهر، وهو معنى قوله. م: (فلها المهر دون النفقة) ش: كما مر.
م: (وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة) ش: أي والحال أن المرأة كبيرة. م: (فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين) ش: حيث يجب عليهما النفقة؛ لأن العجز منهما وعليه الجمهور.
وقال مالك: لا نفقة لها، وإن كانا صغيرين لا يطيقان الجماع لا نفقة لها بالإجماع، لأن المنع جاء من جهتها، كذا قال الكاكي، وقال الأترازي: ولو كانا صغيرين جميعا لم يذكر حكم النفقة لا في الأصل، ولا في الجامع، ولكن يفهم من التعليل المذكور فيما إذا كانت صغيرة والرجل كبيرًا، إذ لا نفقة لها في هذه الصورة لأن تلك العلة وهي عدم تسليم النفس موجود هنا، وقد صرح بما قلنا أي بعدم وجوب النفقة في " الذخيرة " أيضًا.

م: (وإذا حبست المرأة في دين فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة) ش: لأنها لما ماطلت صارت كأنها هي التي حبست نفسها فصارت كالناشزة. م: (وإن لم يكن منها) ش: أي وإن لم يكن الاحتباس من المرأة. م: (بأن كانت عاجزة) ش: عن أداء الدين. م: (فليس منه) ش: أي من الزوج أيضًا فلا يطالب بالنفقة. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا نفقة لها. م: (إذا غصبها رجل كرهًا فذهب بها) ش: لفوات الاحتباس.
م: (وعن أبي يوسف أن لها النفقة) ش: لأنه لا مانع من جهتها، واختاره السعدي. م: (والفتوى على الأول) ش: أي على ظاهر الرواية، وهو أنه لا نفقة في المغصوبة فيما مضى. م: (لأن فوت الاحتباس ليس منه) ش: يعني من الزوج. م: (ليجعل باقيا تقديرًا) ش: بيانه أن النفقة عوض عن الاحتباس في بيته، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة يجعل ذلك الاحتباس باقيًا، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة باقيا تقديرًا، فكأنه لم يفت، فتجب النفقة كما إذا منعت نفسها قبل الدخول، لأجل الصداق أو حبس الزوج لأجل دين عليه، أو ارتد وأسلمت هي وأبى الزوج الإسلام، أو طلقها بعد الدخول.

(5/667)


وكذا إذا حجت مع محرم؛ لأن فوت الاحتباس منها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الحضر دون السفر؛ لأنها هي المستحقة عليه. ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق؛ لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها، وتجب نفقة الحضر دون السفر، ولا يجب الكراء لما قلنا. وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة. والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت، لا تجب لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا: هذا حسن، وفي لفظ الكتاب ما يشير إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إذا حجت مع محرم) ش: أي لا نفقة لها. م: (لأن فوت الاحتباس منها) ش: إلا إذا كان الزوج معها على ما يجيء الآن. م: (وعن أبي يوسف: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر) ش: فحينئذ تجب النفقة. وقال محمد: لا نفقة لها، لعدم الاحتباس بحقه والتمكين من الاستمتاع بالجماع ودواعيه. م: (ولكن تجب عليه نفقة الحضر) ش: يعني قيمة الطعام في الحضر ولا يجب عليه على السفر. م: (دون السفر) ش: أي دون نفقة السفر؛ لأنها تزيد على نفقة الحضر. كذا في شرح كتاب النفقات. م: (لأنها هي المستحقة عليه) ش: أي لأن نفقة الحضر هي الواجبة على الزوج، لأن المأمور هو النفقة بالمعروف وهو عبادة عما لا إسراف فيه ولا، تعتبر. وفي النفقة السفر إسراف لغلاء السفر، فلا يكون معروفًا، فلا يجب ذلك.
م: (ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق) ش: وبه قال الشافعي. م: (لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها) ش: أي لقيام الزوج على المرأة. م: (وتجب نفقة الحضر دون السفر) ش: لما مر. م: (ولا يجب الكراء لما قلنا) ش: أي في قوله لأنها هي المستحقة. م: (وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة) ش: هذا الموعود من المصنف بقوله قبل هذا، بخلاف المريضة على ما نبين، اعلم أن المريضة مطلقا لها النفقة في ظاهر الرواية، سواء كان مرضا يمنع من الجماع كما في الحيض. م: (والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع) ش: أي من الجماع. م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض وهو المرض. م: (فأشبه الحيض) ش: في كونه مانعا وتجب النفقة.
م: (وعن أبي يوسف: أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت لا تجب؛ لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا) ش: أي قال مشايخنا. م: (هذا حسن) ش: أي هذا التفصيل حسن. م: (وفي لفظ الكتاب) ش: أي كتاب القدوري. م: (ما يشير إليه) ش: أي إلى ما روي عن أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه قال: وإن مرضت في منزل الزوج، لأنه يفهم منه

(5/668)


قال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرا، ونفقة خادمها، والمراد بهذا بيان نفقة الخادم. ولهذا ذكر في بعض النسخ وتفرض على الزوج إذا كان موسرا نفقة خادمها، ووجهه: أن كفايتها واجبة عليه، وهذا من تمامها، إذ لا بد لها منه، ولا تفرض لأكثر من نفقة خادم واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنها سلمت نفسها إلى الزوج في منزله ثم مرضت فيه.

[نفقة الخادم]
م: (وقال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرًا ونفقة خادمها) ش: هذه من مسائل القدوري، ولما كان ظاهر هذا تكرارا؛ لأنه قال في أول الباب: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، عذره المصنف بقوله. م: (والمراد بهذا) ش: أي بقوله: ويفرض للزوجة على الزوج النفقة إن كان موسرًا ونفقة خادمها. م: (بيان نفقة الخادم) ش: وهناك لم يذكر نفقة الخادم، وتجب نفقته بإجماع الأئمة الأربعة.
وقالت الظاهرية: لا تجب نفقة الخادم، لأنه ما جاء فيه خبر يعتمد عليه، وإنما قيد بقوله: إن كان موسرًا، وزاد فيه هذا القيد، لأنه إذا كان معسرًا لا تجب عليه نفقة الخادم. وإن كان لها خادم على ما روى الحسن عن أبي حنيفة، كذا في " مختصر الكرخي " وفي " الأسبيجابي " و " اليانبيع ": وإن كان لها خادم متفرغ لخدمتها ليس له شغل غير خدمتها، يفرض له النفقة بالمعروف. وفي " الذخيرة ": إن لم يكن لها خادم لا يفرض له في ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة، وبه قال أحمد وأكثر أصحاب الشافعي. وفي " المبسوط " عن زفر: يفرض نفقة خادم واحد، لأن على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها، وإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة خادم، ثم هي تقوم بنفسها، أو تتخذ خادمًا. ثم اختلف المشايخ في الخادم، قيل: المملوك لها حتى لو كانت حرة، أو غير مملوكة لها لا تستحق، وقيل: كل من يخدمها حرة كانت أو مملوكة لها أو لغيرها. وينبغي أن ينقص نفقة لخادمها عن نفقة نفسها في حق الإدام لا الخبز.
م: (ولهذا) ش: أي ولصحة ما قلت والمراد بهذا بيان الخادم. م: (ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري. م: (ولا تفرض على الزوج إذا كان موسرًا نفقة خادمها) ش: وقال الأترازي: وتلك النسخة هي الأصح، لأن الشيخ أبا نصر اعتبرها في نسخته، أعني الشرح المعروف بالأقطع. م: (ووجهه) ش: أي وجه وجوب نفقة الخادم. م: (أن كفايتها) ش: أي كفاية المرأة. م: (واجبة عليه) ش: أي على الزوج. م: (وهذا من تمامها) ش: أي فرض نفقة الخادم من تمام كفاية المرأة. م: (إذا لا بد لها منه) ش: أي لأنه لا بد للمرأة من الخادم.
وهو واحد الخادم، غلامًا كان أو جارية، ثم المرأة إذا لم يكن لها خادم، فهل يجب عليها أن تجبر وتعالج بنفسها؟ فإن قالت: لا أفعل، لا تجبر على ذلك، لأن الواجب عليها تمكين النفس من الزوج لا هذه الأعمال، بخلاف الخادم إذا امتنع من الخدمة لا يستحق النفقة.
م: (ولا تفرض) ش: أي النفقة. م: (لأكثر من نفقة خادم واحد) ش: هذا لفظ القدوري في

(5/669)


وهذا عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفرض لخادمين، لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل، وإلى الآخر لمصالح الخارج. ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين، فلا ضرورة إلى اثنين، ولأنه لو تولى كفايتها بنفسه، كان كافيا. فكذا إذا أقام الواحد مقام نفسه، وقالوا: إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته وهو أدنى الكفاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" مختصره " ولم يذكر الخلاف. وكذا لم يذكر الحاكم الشهيد في "مختصره " ولا الكرخي في "مختصره " وذكر الخلاف شمس الأئمة البيهقي والأسبيجابي، وصاحب " المختلف "، ولذلك ذكر المصنف أيضًا مثلهم، قال. م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أي عدم فرض النفقة لأكثر من خادم عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول الجمهور وقول الأئمة الأربعة.
م: (وقال أبو يوسف: تفرض لخادمين لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل) ش: أي داخل البيت. م: (وإلى الآخر) ش: أي وتحتاج إلى خادم آخر. م: (لمصالح الخارج) ش: أي خارج البيت. وفي " التحفة ": وهذا الذي ذكره عن أبي يوسف غير المشهور عنه، لأن المشهور من قوله كقولهما. وبه صرح الطحاوي في "مختصره " وفي " فتاوى أهل سمرقند " إذا كانت المرأة من بنات الأشراف وذوي الأقدار لها خدم كثير، يجبر على نفقة خادمين أحدهما للخدمة والآخر للرسالة. وعن أبي يوسف في رواية أخرى، إذا كانت فائقة الغنى لها خدم كثير زفت إليه كذلك استحقت نفقة الخدم كلهم، وهو رواية هشام عن محمد واختاره الطحاوي. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد.
م: (أن الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (يقوم بالأمرين) ش: بمصالح الخارج ومصالح الداخل. م: (فلا ضرورة إلى اثنين) ش: لأن ما زاد على ذلك فللزينة والتجمل. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج. م: (لو تولى كفايتها بنفسه كان كافيًا، فكذا إذا أقام الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (مقام نفسه) ش: ولو كانت الزوجة أمة، فلا نفقة لخادمها ولو كان له أولاد لا يكفيها خادم واحد، فرض عليه خادمين أو أكثر. م: (وقالوا) ش: أي المشايخ. م: (إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته) ش: اليسار هنا مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة، وهو النصاب من المال النامي الفاضل عن حاجته، والغنى الذي تحرم به الصدقة، وتجب به الفطرة والأضحية هو أن يملك ما يساوي مائتي درهم فاضلًا عن ثيابه ومآربه وخادمه ومسكنه وفرسه وسلاحه، وكتب العلم إن كان من أهله، إذا لم يكن له فضل عن ذلك. م: (وهو أدنى الكفاية) ش: والضمير يرجع إلى قوله ما يلزم. والحاصل أن نفقة الخادم أدنى الكفاية، وهو ما يلزم المعسر من نفقة امرأته.
وفي " النوادر " روى قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه

(5/670)


وقوله في الكتاب: "إذا كان موسرا" إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها. ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما، ويقال لها: استديني عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفرق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرض لامرأة وخادمها في الشهر اثني عشر درهمًا، أربعة للخادم، وثمانية للمرأة، منها درهمان للقطن والكتاب. وروي عن شريك أنه قال: شهدت ابن أبي ليلى أنه فرض للمرأة ستة دراهم وللخادم ثلاثًا.
م: (وقوله في الكتاب) ش: أي القدوري. م: (إذا كان موسرًا، إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة) ش: ابن أبي زياد اللؤلؤي، قال الأترازي: قال شيخنا برهان الدين الخوارزمي: معنى الحسن إذا ذكر في نسخ الفقه لأصحابنا، المراد به الحسن بن زياد، وإذا ذكر مطلقًا في كتب التفسير أن المراد الحسن البصري. م: (وهو الأصح) ش: أي الذي رواه الحسن عن أبي حنيفة، هو الأصح. م: (خلافًا لمحمد) ش: فإنه قال: إلا إذا كان الزوج معسرًا، فإن كان له خادم فرض نفقة الخادم، وإن لم يكن فلا يفرض. م: (لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها) ش: هذا تعليل لما رواه الحسن.
م: (ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما) ش: أي بينه وبين امرأته، وهو قال الزهري وعطاء بن يسار، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وحماد بن أبي سليمان، والظاهرية. م: (ويقال لها) ش: أي للمرأة. م: (استديني عليه) ش: أي على الزوج. ومعنى الاستدانة أن تشتري الطعام على أن يؤدي الزوج ثمنه. وقال الخصاف: معنى الاستدانة الشراء بالنسيئة ليقضي الثمن من مال الزوج.
م: (وقال الشافعي: يفرق) ش: وبه قال مالك وأحمد. وعلى هذا الخلاف العجز عن الكسوة والعجز عن المسكن. وفي " المهذب " في العجز عن الكسوة والمسكن وجهان. وقال أبو نصر من أصحابه: في العجز عن الكسوة والمسكن يفسخ قولًا واحدًا، وهذا التفريق فسخ عند الشافعي وأحمد.
وقال مالك: طلاق، وفي مدة حكم القاضي بالتفريق قولان في القديم يوم إعساره وفي الجديد يمهل ثلاثة أيام، ولو غاب عنها ولم يعرف موضعه لم يثبت لها الفسخ.
كذا في " الحلية " وللشافعي في الفسخ من الإعسار عن الصداق الواجب ثلاثة أقوال:
أحدها: له الفسخ قبل الدخول وبعده، والثاني: لا خيار لا قبل الوطء ولا بعده، وهو اختيار المزني، والثالث: لها الفسخ قبل الدخول لا بعده، واختاره المروزي وأكثرهم. لو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر، لم يفرق، ويبيع الحاكم عليه ماله ويصرفه في نفقتها. فإذا لم يجد ماله

(5/671)


لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة، بل أولى لأن الحاجة إلى النفقة أقوى ولنا أن حقه يبطل وحقها يتأخر. والأول أقوى في الضرر، وهذا لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي، فتستوفى في الزمان الثاني، وفوت المال وهو تابع في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد. وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج. فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحبسه حتى ينفق عليها، ولا يفرق.
م: (لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة) ش: أي كما يفرق إذا وجد الرجل مجبوبًا أو عنينًا. م: (بل أولى) ش: أي وبل التفريق أولى. م: (لأن الحاجة إلى النفقة أقوى) ش: من الجماع لأن انقطاع الأولى مدة مهلكة دون الثاني. م: (ولنا أن حقه) ش: أي أن حق الزوج. م: (يبطل) ش: أي التفريق. م: (وحقها يتأخر) ش: لأن النفقة تصير دينًا بفرض القاضي، فيستوي في الزمان الثاني. م: (والأول) ش: أي بطلان حق الزوج. م: (أقوى في الضرر) ش: فتحتمل أدنى الضررين فدفع الإعلام. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن تأخير حقها أقل ضررًا من بطلان حقه. م: (لأن النفقة تصير دينًا، بفرض القاضي، فتستوفي في الزمان الثاني) ش: أي في الزمن الثاني.
م: (وفوت المال) ش: مبتدأ وخبره قوله: يلحق على صيغة المجهول، وهو جواب عن قياس الشافعي على الجب والعنة، وتقريره أن فوت المال. م: (وهو تابع) ش: أي والحال أنه تابع. م: (في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد) ش: توضيحه أن هذا القياس باطل؛ لأنه قياس بالفارق، وذلك لأن العجز عن النفقة إنما يكون عن المال، وهو تابع في باب النكاح، والعجز عن الوصول إلى المرأة بسبب الجب والعنة إنما يكون عن المقصود بالنكاح وهو التوالد والتناسل، ولا يلزم من جواز الفرق بالعجز عن المقصود جواز حله عن التابع.
م: (وفائدة الأمر بالاستدانة) ش: جواب عما يقال لا فائدة في الإذن لها بالاستدانة بعد فرض القاضي بالاستدانة لها، لأنها صارت دينًا بفرضه، فأجاب بأن فائدة الأمر بالاستدانة. م: (مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج) ش: يعني من غير رضاه. م: (فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج) ش: وفي " التحفة ": فائدة الأمر بالاستدانة أن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من الزوج أو المرأة، وبدون الأمر بالاستدانة ليس لرب الدين أن يرجع على الزوج، بل يرجع عليها، ثم هي ترجع على الزوج بما فرض لها القاضي، وهذا لأن الاستدانة على الزوج إيجاب الدين عليه، فإذا جعل بأمر القاضي جعل إيجاب الدين عليه منها، وليس لها على الزوج هذه الولاية.

(5/672)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: استدل الشافعي ومن تابعه بما روي عن ابن المسيب أنه سئل عن ذلك، فقال: يفرق بينهما سنة. قال الشافعي: قوله سنة، أي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الرجل، لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرق بينهما» رواه الدارقطني، وبما روي في حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " تقول أطعمني وإلا فارقني» رواه البخاري وغيره.
قلت: الجواب عن قول سعيد بن المسيب من وجوه:
الأول: أنه لما روي ذلك عن عبد الرحمن بن أبي زياد، قال ابن حزم: هو لا شيء، فسقط الاحتجاج به.
والثاني: أن قول ابن المسيب أنه سنة لا نسلم أنه سنة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن السنة كما تطلق على سنة الرسول تطلق على سنة غيره أيضًا. ألا ترى إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سن بكم معاذ سنة حسنة» وسنة العمرين فاشتبه بين العلماء.
والثالث: أنه مرسل، والشافعي لا يجعل المرسل حجة. فإن قيل: الشافعي استثنى مراسيل سعيد بن المسيب كلها، ولا غيره، والشرط عنه في العمل بالمرسل أن يُروى من طريق آخر مرفوعًا أو عمل به بعض الصحابة.
وقال ابن حزم: وروي عن ابن المسيب قولان مختلفان، فأيهما كان السنة والآخر خلاف السنة، فبطل قوله السنة لاضطرابه ومخالفة بعضه بعضًا. وقال أيضًا: خالف ابن المسيب عمر وعليا وغيرهما. والجواب عن حديثه الآخر أنه قيل لأبي هريرة: سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. رواه عنه كذلك البخاري. ولأن ذلك من قول المرأة، وليس فيه أن الرجل يلزم به.
فإن قلت: الشافعي استدل أيضًا بقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة الآية 229) ، فإن الرجل لما عجز عن الإمساك بالمعروف، تعين التسريح بالإحسان، فلما أبى ذلك ناب القاضي منابه دفعًا للظلم كما ذكرنا.
قلنا: نحن أيضًا استدللنا بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) نص الله تعالى وعز وجل على أن المعسر يستحق الإنظار والإمهال، فلو أجلته المرأة في النفقة ما كان لها أن تطالب بالفرقة، فكذا إذا ثبت الأجل شرعًا، وقد ذكرنا بقية دليلنا عن

(5/673)


وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته، تمم لها نفقة الموسر، لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار، وما قضي به تقدير لنفقة لم تجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قريب، ثم اعلم أن العجز عن الإنفاق لا يوجب التفريق عندنا، ولكن مع هذا إذا فرق القاضي بينهما، هل ينفذ قضاؤه أم لا؟
قال الإمام أبو حفص محمد بن محمود الإستروشني في الفصل الثاني في القضاء في المجتهدات من كتاب الفصول: إذا ثبت العجز بشهادة الشهود فإن كان القاضي شافعي المذهب، وفرق بينهما، نفَّذ قضاءَه بالتفريق، وإذا كان حنفيًا لا ينبغي له أن يقضي بخلاف مذهبه إلا أن يكون مجتهدًا، أو وقع اجتهاده على ذلك قضى مخالفًا لرأيه من غير اجتهاد.
فعن أبي حنيفة روايتان في جواز قضائه، ولم يقض، ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة بمقتضى التفريق إذا لم يرتش، الآمر والمأمور بأن كان الزوج غائبًا، فرفعت المرأة الأمر إلى القاضي، وأقامت البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة، وطلبت من القاضي أن يفرق بينهما. قال مشايخ سمرقند: جاز تفريقه لأنه قضاء في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء على الغائب. وكل واحد منهما مجتهد فيه.
وقال القاضي ظهير الدين المرغيناني: لا يصح هذا التفريق؛ لأن القضاء إنما يجوز عند الشافعي، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهور به عند القاضي، وهو العجز؛ لأن المال غاد ورائح، ومن الجائز أن الغالب هنا صار غنيًا، ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة.
وقال صاحب " الذخيرة ": الصحيح أنه لا ينفذ قضاؤه، لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرًا، إن كان هذا ترك الإنفاق لا بالعجز عن الإنفاق، فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر، فإن جاز قضاؤه فالصحيح أنه لا ينفذ، لأن هذا القضاء ليس في مجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت.
م: (وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر) ش: أي تمم القاضي لها نفقة الرجل الموسر. م: (لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار) ش: لأنها تجب شيئًا فشيئًا فيعتبر حالها في كل وقت. م: (وما قضي به) ش: كلمة ما مبتدأ وقضي مجهول ويجوز أن يكون معلومًا، أي ما قضى به القاضي، والضمير في به يرجع إلى المبتدأ وهو قوله. م: (تقدير) ش: بالرفع خبر المبتدأ، وهو قوله ما وهي موصولة بمعنى الذي فافهم. وهذا جواب عما يقال ينبغي أن لا يتمم لها نفقة اليسار لأن فيه نقض القضاء الأول، فأجاب بأن ما قضى به تقدير. م: (لنفقة لم تجب) ش: لأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا، وتقدير ما ليس بواجب لا يكون لازمًا لجواز متبدل السبب الموجب قبل وجوبه، فإذا لم يكن لازمًا فنحكم فيه حكم الحاكم.

(5/674)


فإذا تبدل حاله، لها المطالبة بتمام حقها.
وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك، فلا شيء لها إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة، أو صالحت الزوج على مقدار منها، فيقضي لها بنفقة ما مضى، لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا على ما مر من قبل، فلا يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء، كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد، وهو القبض والصلح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإذا تبدل حاله) ش: أي حال الزوج بأن صار موسرًا. م: (لها المطالبة بتمام حقها) ش: والفرض السابق لا يمنع الإتمام، لأنه فرض قبل الوجوب، فلا يتقرر حكمه، وذلك مثل المعسر إذا حنث في يمينه، فشرع في صوم الكفارة، ثم أيسر يجب عليه التكفير بالمال لزوال الإعسار.

م: (وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها) ش: أي على المرأة في هذه المدة م: (وطالبته بذلك) ش: أي وطالبت الزوج بما كان لها من النفقة. م: (فلا شيء لها) ش: يعني عندنا، لأن النفقة لا تصير دينا بمضي المدة، كنفقة الأقارب.
م: (إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة) ش: هذا استثناء من قوله فلا شيء لها، حاصله أن النفقة لا تصير دينا في الذمة إلا بأحد شيئين، أحدهما: بفرض القاضي النفقة لها، والآخر هو قوله. م: (أو صالحت الزوج على مقدار منها) ش: أي من النفقة، وبه قال أحمد في رواية.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - في رواية -: تصير دينا بلا قضاء ولا تراض إلا عند مالك لو أقامت عنده سنين، وهو مليء، وادعت عليه أنه لم ينفق عليها، والزوج يدعي الإنفاق، فالقول له مع يمينه، وكذا في غيبته. أما لو أكلت معه، سقطت نفقتها عند مالك والشافعي، في الأصح ذكره في " المنهاج ".
م: (فيقضي لها بنفقة ما مضى) ش: هذه نتيجة قوله إلا أن يكون القاضي فرض لها إلى آخره. م: (لأن النفقة صلة) ش: هذا تعليل لقوله: فلا شيء لها، بيان ذلك أن النفقة صلة. م: (وليست بعوض عندنا) ش: خلافًا للشافعي ومن معه. م: (على ما مر من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الدليل في قوله، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: يريد به قوله: أن المهر عوض عن الملك، ولا يجتمع العوضان عن عوض واحد، فإن قيل ما تقدم يدل على أنها ليس بعوض عن البضع، لكن لا ينافي أن يكون عوضًا عن الاستمتاع بها والقيام عليها تصرفًا في ملكه، وذلك لا يوجب على المالك الملك عوضًا. فإن قيل: لو كانت صلة، لما وجبت على المكاتب، أجيب بأنها صلة من وجهين، وما هذا شأنه يجب على المكاتب كالخراج، وإذا ثبت أنها صلة. م: (فلا يستحكم الوجوب فيها) ش: أي في النفقة. م: (إلا بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي.
م: (كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد وهو القبض، والصلح) ش: أي صلح المرأة معه على شيء

(5/675)


بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي، بخلاف المهر، لأنه عوض. وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة، ومضى شهر، سقطت النفقة. وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت، كالهبة تبطل بالموت قبل القبض. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت؛ لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون، وجوابه قد بيناه. وإن أسلفها نفقة السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي) ش: لأن له أن يلتزم بالنفقة فوق ما يلتزمه القاضي بالمعروف، فكان مصلحة بمنزلة القضاء بل أولى. م: (بخلاف المهر) ش: بقوله وليست بعوض حيث يجب بلا قضاء ولا تراض. م: (لأنه) ش: أي لأن وجوبه ... م: (عوض) ش: ألا ترى أنه إذا تزوجها ولم يسم لها مهرًا فدخل بها أو مات عنها يلزمه مهر المثل.
م: (وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة ومضى شهر سقطت النفقة) ش: خلافًا للأئمة الثلاثة. قال الكاكي: هذا إذا فرض لها النفقة، ولم يؤمر بالاستدانة أنه على الزوج، فاستدانت، ثم مات أحدهما، لا يبطل. ذكره الحاكم الشهيد في " المختصر ". وذكر الخصاف أنه يبطل. والصحيح ما ذكره في " المختصر " لأن استدانتها بأمر القاضي، وللقاضي ولاية عليها، فكانت بمنزلة استدانة الزوج بنفسه. وفيه: لا يسقط بموت أحدهما. كذا هاهنا وكذلك في الطلاق، يعني أن الديون المستدانة هل تسقط بالطلاق. فعلى روايتين. في رواية: لا تسقط وهو الصحيح، كذا في " الذخيرة ".
م: (وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت كالهبة تبطل بالموت) ش: أي بموت الواهب أو بموت الموهوب له. م: (قبل القبض) ش: فإن قيل الهبة متأكدة بالقبض والنفقة متأكدة بعد القضاء، فينبغي أن لا تسقط كالهبة المتأكدة بالقبض. قلنا: قال في " الإيضاح ": وإن صارت النفقة دينا عليه بالقضاء، ولكن معنى الصلة لا تبطل، والصلات تبطل بالموت، انتهى.
قلت: قال الكاكي: الدليل على أن معنى الصلة لا يبطل فيها أنه لم ينقل أحد من السلف والخلف الوصية بنفقة فيما إذا مضت مدة، ولا بإخراجها عن تركته كسائر الديون، وقد حكمت الشافعية بنفقة ستين سنة أو أكثر إذا أنكرت إنفاقه عليها، وجعلوها كسائر الديون، وبعد هذا لا يخفى ما فيه، وجماعة من أصحاب الشافعي لا يرضون بهذا الحكم.
م: (وقال الشافعي: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت، لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون) ش: قال في " شرح الأقطع ": قال الشافعي: إنها تؤخذ من تركة الزوج، وقال " الشامل ": وعن محمد أن يؤدي من ماله. م: (وجوابه قد بيناه) ش: أي جواب الشافعي على قوله إن النفقة عوض قد بيناه في مسألة، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها لا نفقة لها. وهو ما ذكره بقوله: ولنا في المهر عوض عن الملك، لا يجتمع العوضان عن عوض واحد. م: (وإن أسلفها نفقة السنة)

(5/676)


أي عجلها ثم مات، لم يسترجع منها بشيء. وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج. وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الخلاف الكسوة، لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس، وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض بقدره، كرزق القاضي، وعطاء المقاتلة. ولهما أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة. ولهذا لو هلكت من غير استهلاك لا يسترد شيء منها بالإجماع. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا لفظ القدوري، وفسره المصنف بقوله. م: (أي عجلها ثم مات) ش: أي الزوج. م: (لم يسترجع منها بشيء) ش: أي لم يرجع على المرأة بشيء.
م: (وهذا) ش: أي عدم الاسترجاع. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-) ش: ولم يذكر هذا القدوري، فلذلك قال المصنف وهذا باسم الإشارة، وذكر الخصاف في كتاب النفقات الخلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، ولم يذكر خلاف أبي حنيفة، وكذلك ذكر الولوالجي في " فتاواه "، وكذا الخلاف لو ماتت المرأة، فالكسوة كالنفقة، وسواء كانت قائمة أو هالكة.. م: (وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد. وفي " البدائع " وترد الباقي والمستهلك، وفي الهالك لا يرد بالاتفاق، وكذا في " الينابيع "، و " أدب القاضي "، و " الذخيرة "، وفيه الموت والطلاق قبل الدخول سواء. وفي نفقة المطلقة إذا مات الزوج، فالجواب كذلك، وفي شرح الأقضية اختلفوا، فقيل: لا يسترد بالاتفاق، لأن العدة قائمة في موته.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (الكسوة) ش: إذا أعجلها سنة ثم مات. م: (لأنها استعجلت عوضًا عما تستحقه عليه بالاحتباس) ش: أي لسبب الاحتباس. م: (وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض) ش: وهو الذي كانت تستحقه عليه بالاحتباس. م: (بقدره) ش: أي بقدر كما إذا أعطي النفقة ليتزوجها، فمات قبل التزوج. م: (كرزق القاضي) ش: أي أخذ القاضي رزق مدة، ثم مات قبل تمام المدة ويرد فيما بقي بحساب ذلك. م: (وعطاء المقاتلة) ش: إذا أخروا أرزاقهم مدة ثم ماتوا، قبل تمام المدة يسترد منهم فيما بقي من المدة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها، كما في الهبة، ولهذا لو هلكت) ش: أي النفقة. م: (من غير استهلاك لا يسترد شيء منها) ش: أي من النفقة. م: (بالإجماع) ش: بين أئمتنا وغيرهم.
م: (وعن محمد) ش: أي وعن محمد رواها ابن رستم عنه. م: (أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما

(5/677)


دونه، لا يسترجع منها بشيء، لأنه يسير، فصار في حكم الحال.
وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها، ومعناه إذا تزوج بإذن مولاه، لأنه دين وجب في ذمته لوجود سببه، وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته، كدين التجارة في العبد التاجر. وله أن يفدي، لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دونه، لا يسترجع منها بشيء؛ لأنه) ش: أي لأن الشهر أو ما دونه. م: (يسير، فصار في حكم الحال) ش: أي صار الشهر وما دونه في حكم القاضي، يعني أن نفقة الحال لا تسترد، فكذلك نفقة الشهر، وفي بعض النسخ: في حكم الحال. وإن كان أكثر من شهر ترك منها مقدار نفقة شهر استحسانًا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك.

م: (وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها) ش: أي يباع العبد في نفقة الحرة، وهذه من مسائل القدوري، وقال المصنف. م: (ومعناه) ش: أي معنى هذا الكلام. م: (إذا تزوج) ش: أي العبد. م: (بإذن مولاه) ش: وإنما فسره بهذا التفسير، لأنه إذا تزوج بغير إذن مولاه، لا يصح العقد، وإنما قيد بالحرة، لأن المرأة إذا كانت أمة لا تستحق النفقة قبل البينونة على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (لأنه) ش: أي لأن النفقة، ذكره باعتبار الاتفاق. م: (دين وجب في ذمته) ش: لأن النفقة من أحكام العقد، فيستوي فيها الحر والمملوك كالدين. م: (لوجود سببه) ش: وهو العقد. م: (وقد ظهر وجوبه في حق المولى) ش: لأن السبب كان بإذنه، وكان راضيًا بوجوب النفقة عليه. م: (فيتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد. م: (كدين التجارة في العبد التاجر) ش: المأذون، تتعلق الديون برقبته.
م: (وله) ش: أي للمولى. م: (أن يفدي) ش: أي أن يفديه المولى. م: (لأن حقها) ش: أي حق المرأة. م: (في النفقة لا في عين الرقبة) ش: أي رقبة العبد. فإذا أوفاها المولى نفقتها لا يبقى حقها في النفقة بعد ذلك، فلا يباع العبد، وكذا الحاكم في المدبر والمكاتب، إذا تزوجها بإذن المولى بحرة أو أمة بعد البينونة، حيث تجب النفقة عليهما، ولكنهما لا يباعان في النفقة والمهر، لأنهما لا يجتمعان النقل من ملك إلى ملك، بل يؤمران بالسعاية. ثم إذا بيع العبد في النفقة، واجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع أيضًا.
قال شمس الأئمة السرخسي: وليس في شيء من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد مرة، إلا النفقة يتجدد وجوبها بمضي الزمان، فذلك في حكم دين حادث، وقال الولوالجي في فتاواه: إذا بيع في المهر مرة أو بقي شيء من المهر، فإن لم يف الثمن بكل المهر، لا يباع مرة أخرى، بل يتأخر إلى ما بعد العتق.
وفي " الكافي" للحاكم الشهيد وشرحه للسرخسي: إذا كان للعبد أو المدبر ولد من أمة، إنه لم يكن عليه نفقة الولد؛ لأنها إن كانت أمة، فالولد ملك لمولاها، وإن كانت حرة، فولدها يكون حرًا، ولا تجب نفقة مملوكة على حر ولا على مولاه، لأن ولده أجنبي منه، وكذلك المكاتب لا

(5/678)


ولو مات العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح لأنها صلة.
وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلا، فعليه النفقة، لأنه تحقق الاحتباس، وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس، والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله، ولا يستخدمها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تجب عليه نفقة ولده، سواء كانت المرأة حرة أو أمة، لهذا المعنى.
واتفقت الأئمة الأربعة في وجوب النفقة على العبد، لكن لا يباع العبد في النفقة عند الشافعي وأحمد، وثبت لها الخيار في الفرقة عند الشافعي وعند أحمد على سيده، وفي رواية: في كسبه.
وفي " التنبيه ": وفي تميز المكتسب على سيده في قول، وفي قول على العبد، يتبع بعد العتق، وفي المكتسب في كسبه، وفي المأذون له في التجارة فيما في يده، ولها أن تفسخ إن شاءت.
م: (ولو مات العبد سقطت) ش: أي لو مات العبد سقطت، أي لو مات الذي تزوج بإذن المولى سقطت النفقة، ولا يؤاخذ المولى بشيء من ذلك لفوات محل الاستيفاء. م: (وكذا) ش: أي وكذا تسقط النفقة. م: (إذا قتل) ش: أي العبد لأن المقتول ميت بأجله ولا أجل أو سوى هذا وقد عرف في موضعه.
م: (في الصحيح) ش: قيد به احترازًا عن قول الكرخي، لأنه قال: ينتقل إلى قيمته. قال القدوري: هذا ليس بصحيح، والصحيح السقوط بالموت. م: (لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (صلة) ش: فتبطل بالموت.

م: (وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلًا، فعليه النفقة) ش: وفي بعض النسخ: وإن تزوج الرجل أمة. وهذا أولى لعمومه، لأن الحكم لا يختلف بين أن تكون الأمة تحت حر، أو عبد، نص عليه الحاكم الشهيد في مختصر "الكافي ". م: (لأنه تحقق الاحتباس) ش: فتجب النفقة. م: (وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس) ش: أي من قبل الزوج.
فإن قيل: احتباس المولى يحق له شرعًا، فكان كاحتباس الحرة نفسها لصداقها، فينبغي أن لا يسقط.
قلنا: ليس كذلك، لأن في احتباس الحرة لصداقها فوت الاحتباس عن الزوج حين امتنع عن أداء صداقها، وهنا التفويت ليس من قبل الزوج.
م: (والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله ولا يستخدمها) ش: هذا تفسير لقوله: فبوأها، وهي أن يخلي المولى بين أمته وبين العبد في منزله، ولا يستخدمها، أي الأمة، وهو بالنصب عطفًا على

(5/679)


ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس، والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح، ولو خدمته الجارية أحيانا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا، والمدبرة وأم الولد في هذا كالأمة، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله أن يخلي. م: (ولو استخدمها) ش: أي ولو استخدم المولى أمة. م: (بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس) ش: فلا يجب بشيء. م: (والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح) ش: أي في باب نكاح الرقيق، حيث قال: أبوئها، ثم بدا له أن يستخدمها، كان له ذلك؛ لأن حق المولى لم يزل بالتبوئة كما لم يزل بالنكاح.
م: (ولو خدمته الجارية أحيانًا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا) ش: أي للتبوئة، وكانت الخدمة من الجارية من غير استخدام المولى. م: (والمدبرة وأم الولد في هذا) ش: أي في عدم وجوب النفقة. م: (كالأمة) ش: يعني كما أن الأمة لا نفقة لها، قبل التبوئة، فكذلك المدبرة وأم الولد لا نفقة لهما قبل التبوئة، بخلاف المكاتبة، حيث تجب لها النفقة، إذا لم تحبس نفسها منه ظالمة، ولا تشترط التبوئة، لأن السيد ليس له أن يستخدمها، ولا يملك منعها من الزوج، لأنها صارت أخص بنفسها ومنافعها بالكتابة، فلو ضاعت الكسوة أو النفقة أو سرقت، لم يجدد حتى يمضي الوقت بخلاف المحارم.
والفرق: أن نفقة المحارم مقدرة بالحاجة، بخلاف الزوجة، فإنها غير مقدرة بالحاجة في حقها، حتى تأخذها مع الغنى بخلاف المحارم، لأنه لا يفرض لهم مع غنائهم إذا كان الزوج صاحب مائدة، وطلبت المرأة الفرض، لا يفعل.
وفي " خزانة الأكمل ": قول القاضي: استديني عليه كذا فرض عليه. ولو قال الزوج: استديني، لا يصير فرضًا ما لم تقل علي، وينبغي أن يكون لها فراش على حدة، ولم يكتف بفراش واحد لهما، لأنه قد تغير لهما في الحيض والمرض، وقد جاء فراش لك وفراش لأهلك وفراش لطفلك، والرابع: للشيطان. ولو اختلفا في اليسرة والعسرة، فالقول له مع يمينه والبينة لها، وبه قال الشافعي وأبو ثور، وذكر محمد في الزيادات أن القول لها مع يمينها.

(5/680)


فصل وعلى الزوج أن يسكنها في دار مفردة، ليس فيها أحد من أهله، إلا أن تختار ذلك، لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة. وقد أوجبه الله تعالى مقرونا بالنفقة، وإذا وجب الإسكان حقا لها فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به، لأنها لا تأمن على متاعها، ويمنعها عن المعاشرة مع زوجها، ومن الاستمتاع إلا أن تختار ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل ما يحق للزوجة على زوجها]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان النفقة شرع في بيان السكنى. م: (وعلى الزوج أن يسكنها) ش: أي يسكن امرأته. م: (في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله) ش: كأمه وأخته أو أحد من قراباته، لأن السكنى حقها، فليس للزوج أن يترك غيرها معها، كالنفقة.
م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي إسكان غيرها معها. م: (لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبه الله تعالى، مقرونًا بالنفقة) ش: أراد به ما ثبت في قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، أي من طاقتكم، يعني ما تطيقونه. وقال الأترازي: ما كان يحتاج صاحب " الهداية " أن يقول: أوجبه الله مقرونًا بالنفقة، لأن القران في النظم لا يدل على القران في الحكم، فلو اقتصر على قوله: أسكنوهن، انتهى. قلت: لو اقتصر هو عن هذا الكلام لكان أولى وأجدر، لأنه لم يكن في صدر البحث في النظم، هل يوجب القران في الحكم أو لا؟ وإنما ذكره بحسب ظاهر قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن في هذا خلافًا بين الأصوليين.
م: (وإذا وجب الإسكان) ش: حال كونه. م: (حقا لها، فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به) ش: أي بإسكان الغير معها. م: (لأنها لا تأمن على متاعها) ش: وأثاث بيتها. م: (ويمنعها) ش: أي إسكان الغير معها. م: (عن المعاشرة مع زوجها) ش: لأن الغير يبقى مثل الراقوب عليها. م: (ومن الاستمتاع) ش: بالجماع ودواعيه. وقيل: إذا كان هناك صغير جدًا لا يفهم الجماع، لا ينبغي أن يمنع. وفي " الفتاوى ": ليس له أن يمسكها مع أمة في بيت واحد، وإن أسكنها في بيت من داره، والأمة في بيت، جاز له ذلك. والصحيح أنه يحتاج إلى استخدامها في كل ساعة، فله أن يسكنها معها للضرورة، لكن يكره أن يجامعها بحضرة أمته.
وفي " الخزانة ": معه عشرة من الخدم، يحل له وطؤهن، وتصح الخلوة معهن. وكذا مع ضرتها. ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " أدب القاضي " للخصاف: شكت المرأة عند القاضي، أن الزوج يضربها، فطلبت أن يسكنها عند قوم صالحين، إن علم به زجره، وإن لم يعلم إن كان جيران صالحين أقرها فيه، لكن يسألهم إن أخبروه كما شكت زجره وإن لم يكونوا صالحين أو يميلون إليه أمره بالإسكان عند قوم صالحين. م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي تختار المرأة إسكان الغير

(5/681)


لأنها رضيت بانتقاص حقها. وإن كان له ولد من غيرها، فليس له أن يسكنه معها، لما بينا ولو أسكنها في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها، لأن المقصود قد حصل، وله أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول عليها، لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخول ملكه، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا، لما فيه من قطيعة الرحم، وليس له في ذلك ضرر. وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث وتطويل الكلام. وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعها من الدخول عليها في كل جمعة. وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة مرة، وهو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معها. م: (لأنها رضيت بانتقاص حقها) ش: لأن المنع كان لحقها، فإذا أسقطت حقها لا يبقى لها كلام.
م: (وإن كان له ولد من غيرها) ش: أي من غير امرأته التي معه. م: (فليس له أن يسكنه) ش: أي ولده. م: (معها لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنها تتضرر. م: (ولو أسكنها) ش: أي امرأته. م: (في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها لأن المقصود قد حصل) ش: وقال الفقيه أبو الليث في " الفتاوى " عن أبي بكر الإسكاف، أنه قال: إذا كان في الدار بيوت، وقد فرغ لها بيتًا منها لم يكن لها أن تطلب من الزوج بيتا آخر، لأنه حينئذ يمكن أن يجامعها من غير كراهته. م: (وله) ش: أي للزوج. م: أن يمنع والديها وولدها من غيره) ش: أي من غير هذا الزوج. م: وأهلها) ش: قرابتها. م: من الدخول عليها) ش: أي على المرأة، والدخول منصوب بقوله أن يمنع. م: (لأن المنزل ملكه) ش: أي ملك الزوج. م: (فله حق المنع من دخول ملكه) ش: كما في سائر منازله.
م: (ولا يمنعهم من النظر إليها) ش: أي إلى المرأة م: (وكلامها) ش: أي لا يمنعهم أيضًا من كلامها معهم. م: (في أي وقت اختاروا، لما فيه) ش: أي في المنع من النظر والكلام. م: (من قطيعة الرحم) ش: وهي حرام لما روي في الصحيح عن جبير بن مطعم، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» . م: (وليس له في ذلك ضرر) ش: أي ليس للزوج في نظرهم إليها، وكلامهم معها ضرر.
م: (وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث) ش: أي في اللبث وهو المكث. م: (وتطويل الكلام) ش: لأن تطويل الكلام يؤدي إلى القال والقيل فينتج الشر والفساد. م: (وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين) ش: لاحتمال أنهما لا يأتيان إليها. فإذا منعها زوجها عن الخروج إليها، توهم فيها العقوق الذي هو من الكبائر. م: (ولا يمنعها من الدخول عليها) ش: أي ولا يمنع الزوج والديها من الدخول عليها. م: (في كل جمعة) ش: وعليه الفتوى. م: (وفي غيرهما) ش: أي في غير الوالدين. م: (من المحارم التقدير بسنة مرة) ش: واحدة. م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن محمد بن مقاتل، فإنه قال: لا يمنع المرأة من زيارة المحرم في

(5/682)


وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه. وكذا إذا علم القاضي بذلك، ولم يعترف به، لأنه لما أقر بالزوجية وبالوديعة، فقد أقر أن حق الأخذ لها، لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه، وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما هاهنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهر مرة أو مرتين وعلى هذا الخلاف، خروجها لعمها وخالها، وعن الحسن: لا يمنعها من زيارة الأقارب في كل شهرين أو ثلاث، ولا يمنع محارمها من الدخول عليها في كل جمعة، ويمنعهم من الكينونة.

[نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه]
م: (وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به) ش: أي بالمال أنه للغائب. م: (وبالزوجية) ش: أي ويعترف أيضًا بأن هذه المرأة للرجل الغائب. م: (فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه) ش: وكذا يفرض نفقة أولاده الكبار والزمنى والإناث، وقال زفر: لا يفرض عنه شيء، كذا في " شرح الأقطع " وإنما اعتبر إقراره بالمال وبالزوجية، لأن المديون أو المودع، إذا جحد الزوجية أو المال لم تقبل بنيتها على شيء من ذلك. أما على الزوجية فلأن المودع أو المديون ليس بخصم عن الغائب في إثبات النكاح عليه، والاشتغال من القاضي بالنظر إنما يكون بعد العلم بالزوجية، ولم يوجد العلم فلا يؤمر بالنظر، وكان أبو حنيفة أولًا يقبل بنيتها على الزوجية، ثم رجع وقال: لا تقبل.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة لهؤلاء المذكورين. م: (إذا علم القاضي بذلك) ش: أي ما ذكر من الزوجية والمال للغائب. م: (ولم يعترف) ش: أي والحال أن صاحب اليد لم يعترف. م: (به) ش: أي بما ذكر من الزوجية والمال. م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب اليد. م: (لما أقر بالزوجية وبالوديعة فقد أقر أن حق الأخذ لها) ش: أي للمرأة. م: (لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه) ش: أي من غير رضا الزوج لحديث «هند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقد مر عن قريب.
فإن قيل: يشكل على هذا ما لو حضر صاحب الدين غريما أو مودعًا للغائب، وهما مقران بالدين على الغائب، لا يأمره القاضي بقضاء دينه من الوديعة والدين.
قلنا: إن القاضي يأمر في حق الغائب بما هو أنظر له، وفي الأمر بالإنفاق لهؤلاء نظر له بإبقاء ملكه لنا في قضاء دينه ليس فيه بقاء ملكه، بل هو قضاء عليه بقول الغير.
م: (وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: ينبغي أن لا يصح إقراره، لأنه إقرار على الغائب، فأجاب بقوله: وإقرار صاحب اليد، وهو الذي عنده الوديعة، مقبول في حق نفسه لأنه أقر بإزالة يده، وهي حق على الغائب. م: (لا سيما هاهنا) ش: أي في هذه المسألة، وسيما معناه خصوصًا هاهنا، وهو مركب من السي وكلمة ما،

(5/683)


فإنه لو أنكر أحد الأمرين لا تقبل بينه المرأة فيه، لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه، ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب. فإذا ثبت في حقه تعدى إلى الغائب. وكذا إذا كان المال في يده مضاربة، وكذا الجواب في الدين، وهذا كله إذا كان المال من جنس حقها، دراهم أو دنانير، أو طعاما، أو كسوة من جنس حقها. أما إذا كان من خلاف جنسه، لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق. أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يباع على الحاضر. وكذا على الغائب. وأما عندهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والسي الميل، أصله سوي، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، والاسم بعده يجري مجراه إذا كانت ما زائدة، ويجيء مرفوعًا خبرًا لمبتدأ محذوف إذا كانت ما موصولة، ويجيء منصوبًا بالاستثناء بمعنى الآن إلا للإخراج، ولا سيما أيضًا للإخراج، ولكن بإثبات ما هو أفضل له، تقول: أكرمني القوم لا سيما زيدا، يعني أن إكرام زيد أكثر وأبلغ من إكرامهم، فهذا كذلك، بيانه أن إقرار صاحب اليد في سائر المواضع مقبول في حق نفسه، وقيل: عليه البينة إذا أنكر الحق. م: (فإنه) ش: أي فإن صاحب اليد.
م: (لو أنكر أحد الأمرين) ش: أي الوديعة أو الزوجية. م: (لا تقبل بينة المرأة فيه) ش: أي في أحد الأمرين، لأن إقامتها إذا كانت للزوجية فلا تسمع. م: (لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه) ش: أي على الغائب، وإن كانت إقامتها لإثبات الوديعة فلا تسمع أيضا؛ لأن المرأة ليست بخصم، وهو معنى قوله. م: (ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب، فإذا ثبت في حقه) ش: أي فإذا ثبت بإقراره على نفسه في حقه. م: (تعدى إلى الغائب) ش: لكونه ما أقر بملكه. قال تاج الشريعة: كالمنفرد بهلال رمضان، تثبت الرمضانية في حقه، ثم تتعدى إلى غيره.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة للمذكورين. م: (إذا كان المال في يده) ش: أي في يد صاحب اليد. م: (مضاربة) ش: بأن كان صاحب المال ضاربه ليعمل فيه. م: (وكذا الجواب في الدين) ش: يعني إذا حضرت المرأة غريم زوجها الغائب عند القاضي، فاعترف بالدين والزوجية، فرض القاضي النفقة وإن جحد أحدهما فلا. (وهذا كله) ش: أي هذا الذي قلنا من فرض القاضي النفقة عند اعتراف صاحب اليد بالزوجية والمال كله. م: (إذا كان المال من جنس حقها) ش: أي حق المرأة. م: (دراهم أو دنانير أو طعاما أو كسوة) ش: أي أو كان كسوة. م: (من جنس حقها) ش: أي جنس ما يكسي مثلها المرأة، يعني فيها الكسوة، لأنها جنس حقها المستحق.
م: (أما إذا كان من خلاف جنسه) ش: أي من خلاف جنس حقها كالدار والعبد والعروض. م: (لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق) ش: عند أصحابنا. م: (أما عند أبي حنيفة، فإنه لا يباع على الحاضر) ش: يعني لو كان حاضرًا ما كان للقاضي أن يبيع ماله، لأن بيع القاضي على وجه الحجر، والحجر على العاقل البالغ باطل عنده. فإذا كان غائبًا بطريق الأولى، وهو معنى قوله. م: (وكذا على الغائب وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م:

(5/684)


فلأنه إن كان يقضي على الحاضر، لأنه يعرف امتناعه، لا يقضي على الغائب، لأنه لا يعرف امتناعه.
قال: ويأخذ منها كفيلا بها نظرا للغائب، لأنها ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج، وانقضت عدتها، فرق بين هذا وبين الميراث إذا قسم بين ورثة حضور بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن هناك المكفول به مجهول فلا يصح. وهاهنا معلوم، وهو الزوج، فيحلفها بالله عز وجل ما أعطاها النفقة نظرا للغائب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فلأنه إن كان يقضي على الحاضر) ش: إذا ثبت امتناعه من الحق الذي عليه، وهو معنى قوله. م: (لأنه يعرف امتناعه) ش: فيقضي لأجل امتناعه.
وقوله. م: (لا يقضي على الغائب) ش: خبر كان، وإنما لا يقضي عليه. م: (لأنه لا يعرف امتناعه) ش: ولكن لا يجوز للأبوين بيع عروض الولد الغائب عند أبي حنيفة استحسانًا، ولا يتعرض له القاضي، ويصرفان في أنفسهما بالمعروف، كذا في " التحفة ".

م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويأخذ منها) ش: أي من المرأة. م: (كفيلًا بها) ش: أي بالنفقة. م: (نظرا للغائب) ش: وقال السرخسي: وهذا أحسن، وإن لم يأخذه، جاز له ذكره في أدب القاضي للخصاف. وقال الصدر الشهيد: والصحيح الكفيل نظرًا للغائب. ولكن القاضي يحلفها أولًا على أن زوجها لم يعطها النفقة أن يجوز أن يعطيها نفقتها، قبل أن يغيب. ومع تلبس الأمر على القاضي، فيأخذ النفقة ثانيًا، ثم إذا حلفت أعطاها النفقة وأخذ منها كفيلًا. م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج وانقضت عدتها) ش: فلا تستحق شيئًا، ثم الكفالة بالنفقة تصح، ولا يجبر عند محمد. وعند أبي يوسف يجبر استحسانًا، ذكره في جوامع الفقه. وفي " الخزانة " تصح الكفالة. ولم يذكر خلافًا، فإن أطلق الضمان فهو على شهر عند محمد على الأبد ما دام النكاح باقيًا، فإن ضمن كل شهر، فهو على شهر واحد، وكذا عند كل شهر، فإن رجع بعد مضي الشهر، لم يلزمه في الشهر الثاني. وقال أبو يوسف: يلزمه أبدًا، والأصح رجوعه، ولو طلقها يلزم الكفيل نفقة العدة، لأنها نفقة النكاح إن كان لها نفقة كل شهر فأبرأته صحت عن نفقة شهر واحد، فإن كفل بنفقة سنته لزمه ذلك، وكذا لو قال أبدًا وما أشبه به. م: (فرق) ش: أي أبو حنيفة فرق. م: (بين هذا) ش: أي بين أخذ الكفيل هنا. م: (وبين الميراث) ش: في ترك أخذه من الميراث وهو. م: (إذا قسم) ش: أي الميراث. م: (بين ورثة حضور) ش: أي حاضرين. م: (بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثًا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل، عند أبي حنيفة، لأن هناك) ش: أي في مسألة الميراث. م: (المكفول به مجهول، فلا يصح، وهاهنا) ش: أي في مسألة الكتاب. م: (معلوم) ش: أي المكفول له معلوم. م: (وهو الزوج) ش: فيصح. م: (فيحلفها) ش: أي فيحلف القاضي المرأة. م: (بالله عز وجل ما أعطاها) ش: أي الزوج. م: (النفقة نظرًا للغائب) ش: وقد ذكرناه الآن.

(5/685)


قال: ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء. ووجه الفرق: هو أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء فكأن قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء، لأنه مجتهد فيه، والقضاء على الغائب لا يجوز، ولو لم يعلم القاضي بذلك، ولم يكن مقرا به، فأقامت البينة على الزوجية، أو لم يخلف مالا، فأقامت البينة على الزوجية ليفرض القاضي نفقتها على الغائب، ويأمرها بالاستدانة، لا يقضي القاضي بذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الغائب. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي فيه، لأن فيه نظرا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه لو حضر وصدقها، فقد أخذت حقها، وإن جحد يحلف، فإن نكل فقد صدق. وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت، يضمن الكفيل أو المرأة، وعمل القضاة اليوم على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء) ش: أي لهؤلاء المذكورين من الزوجة والأولاد الصغار والوالدين والأولاد الكبار الزمنى والإناث. م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين قضاء القاضي لهؤلاء المذكورين بالنفقة في مال الغائب وبين عدم جواز قضائه لغيره من الآباء، كالأخ والعم وسائر ذوي الأقارب. م: (هو) ش: أي وجه الفرق. م: (أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا) ش: أي لوجوب نفقة هؤلاء قبل قضاء القاضي. م: (كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء، فكأن قضاء القاضي إعانة لهم) ش: أي لهؤلاء. م: (أما غيرهم) ش: أي غير هؤلاء. م: (من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي. م: (لأنه مجتهد فيه) ش: لأن الشافعي لا يقول بوجوب النفقة في غير الأولاد، فلما كان وجوبها بالقضاء. م: (والقضاء على الغائب لا يجوز) ش: فلا يُقضى لهم بالنفقة في مال الغائب. م: (ولو لم يعلم القاضي بذلك) ش: متصل بقوله: وكذا إذا علم القاضي بذلك، قوله بذلك أي بالزوجة. م: (ولم يكن) ش: أي الرجل المودع. م: (مقرًا به) ش: هو متصل بقوله: ولو لم يعترف به. م: (فأقامت) ش: أي المرأة. م: (البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (أو لم يخلف) ش: أي الزوج. م: (مالًا فأقامت البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة لا يقضي القاضي بذلك، لأن في ذلك قضاء على الغائب) ش: فلا يجوز.
م: (وقال زفر: يقضي فيه) ش: يعني يسمع البينة ويعطيها النفقة من مال الزوج، وإن لم يكن له مال، يأمرها بالاستدانة. م: (لأن فيه نظرًا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (لو حضر وصدقها فقد أخذت حقها وإن جحد) ش: أي وإن أنكر الزوج ذلك. م: (يحلف) ش: فإن نكل أي عن اليمين. م: (فإن نكل فقد صدق) ش: المرأة.
م: (وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت) ش: أي عن البينة. م: (يضمن الكفيل أو المرأة) ش: فإن ضمن الكفيل يرجع على المرأة. م: (وعمل القضاة اليوم على هذا) ش: أي على قول زفر. م:

(5/686)


أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه، وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها، لم يذكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه) ش: أي بين علمائنا، إما لأن فيه خلاف زفر، أو لأن فيه خلاف أبي يوسف على ما ذكر الخصاف مطلقًا، أو على قوله الأول، أو على ما ذكره في مختصر "الكافي " ثم على قول من يفرض، لا تحتاج المرأة إلى إقامة البينة، أن الزوج لم يخلف مالًا للنفقة.
م: (وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها لم يذكرها) ش: منها أن القاضي إذا لم يكن عالمًا بالنكاح، فأقامت البينة على النكاح، يقبل في قول أبي حنيفة وحده الأول، ومنها لو أقامت البينة على المودع أو المديون الجاحد للنكاح والنفقة على قول أبي حنيفة أولًا، ثم رجع، قال: لا يقبل، ومنها أن البينة على قول أبي يوسف أولًا تقبل، ولكن لا تقضي بالنكاح. كذا في " التتمة " و " الفتاوى الصغرى ".

(5/687)


فصل وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها، رجعيا كان أو بائنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا نفقة للمبتوتة، إلا إذا كانت حاملا، أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم، لا سيما عندنا، فإنه يحل له الوطء. وأما البائن فوجه قوله ما روي «عن فاطمة بنت قيس قالت: "طلقني زوجي ثلاثا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ولأنه لا ملك، وهي مرتبة على الملك، ولهذا لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل إذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها]
م: (فصل) ش: لما فرغ من بيان النفقة والسكنى وما به قيام النكاح بينهما، شرع في بيان ذلك بعد المفارقة. م: (وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيًا كان) ش: أي الطلاق. م: (أو بائنا) ش: وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وأسامة بن زيد بن ثابت في رواية، وجابر في رواية، وبه قال سعيد بن المسيب، وشريح، والأسود بن يزيد والشعبي والثوري والحسن بن حي، وأحمد في رواية.
م: (وقال الشافعي: لا نفقة للمبتوتة) ش: وهي التي طلقها ثلاثًا، أو بعوض حتى وقع الطلاق بائنا عنده، وهو قول ابن عباس وجابر في رواية، وبه قال مالك وأحمد في المشهور وعطاء وطاوس وعمرو بن ميمون وعكرمة والليث بن سعد وداود.
م: (إلا إذا كانت حاملًا) ش: فإنها تجب لها بالإجماع، خلافًا للظاهرية، وعند الشافعي ومالك: لا سكنى لها أيضًا. م: (أما الرجعي) ش: أي أما الطلاق الرجعي. م: (فلأن النكاح بعده قائم لا سيما) ش: أي خصوصًا. م: (عندنا فإنه يحل له الوطء) ش: في الطلاق الرجعي حتى يكون رجعيًا.
م: (وأما البائن فوجه قوله) ش: أي قول الشافعي. م: (ما روي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الشعبي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فخاصمته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السكنى والنفقة، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم،» وفاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية الصحابية أخت الضحاك بن قيس، واسم زوجها أبو عمرو بن حفص، وذكر النسائي أن اسمه أحمد، وقال القاضي: الأشهر في اسمه عبد الحميد، وقيل: كنيته.
م: (ولأنه لا ملك) ش: أي لا ملك هاهنا. م: (وهي) ش: أي النفقة. م: (مرتبة على الملك) ش: فلا تجب. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الملك. م: (لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه) ش: أي

(5/688)


بخلاف ما إذا كانت حاملا لأنا عرفناه بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الآية (الطلاق: الآية 6) ولنا أن النفقة جزاء احتباس، على ما ذكرنا، والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح، وهو الولد، إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها السكنى بالإجماع، وصار كما إذا كانت حاملا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لانعدام الملك. م: (بخلاف ما إذا كانت حاملًا) ش: يعني تجب لها النفقة. م: (لأنا عرفناه) ش: أي عرفنا وجوب النفقة للحامل. م: (بالنص وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) .
م: (ولنا أن النفقة جزاء احتباس على ما ذكرنا) ش: وفي بعض النسخ على ما بينا، أي في أول باب النفقة. م: (والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد) ش: الحكم المقصود بالنكاح هو التوالد والاستمتاع. قال تاج الشريعة: بخلاف المضارب إذا كان يعمل في المصر، حيث لا تجب نفقته في مال المضاربة، لأنه ليس بمحبوس بحق رب المال قصدًا وبخلاف الصغيرة التي لا يستمتع بها، أما الكبيرة الرتقاء فلها النفقة. م: (إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها) ش: أي المبتوتة. م: (السكنى بالإجماع) ش: دعوى الإجماع فيه نظر، لأن السكنى لا تجب على مذهب الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح والشعبي وإسحاق وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر. م: (وصار) ش: أي حكم المبتوتة. م: (كما إذا كانت حاملًا) ش: وجوب النفقة إذا كانت حاملًا لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون لأجل العدة، ولهذا إذا كان الحمل غنيًا، بأن ورث من أخيه من أمه، أو أوصى له بها، كما يجب على الزوج نفقة المطلقة الحامل، فلو كان لأجل الولد لا يجب، لأن نفقة الولد على الأب لا تجب إذا كان الولد غنيًا، ألا ترى أنه إذا أنفق على الولد، ولم يعلم بأنه غني، ثم تبين بأنه غني يرجع عليه، وهنا لا يرجع عليه، وإن كان بحكم الحاكم، فعلم أن النفقة كانت لأجل العدة، وفي هذا المعنى الحابل والحامل سواء.
فإن قلت: إذا كان كذلك، فما فائدة القيد بالحمل في الآية؟
قلت: إن الحامل تستحق النفقة بقدر عدتها ثلاثة أقراء، فوقع الإشكال أن الحامل تستحق النفقة في مقدار هذا الزمان أو أكثر، فأزال هذا الإشكال أن الحامل تستحق النفقة وإن طالت مدة الحمل بقوله تعالى: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) .
فإن قلت: انقطعت الزوجية في المبتوتة، فلا يجب لها النفقة كالمتوفى عنها زوجها.
قلت: يمنع صحة القياس، لأن النفقة جزاء الاحتباس، والمبتوتة محبوسة عن سائر الأزواج في بيت زوجها في عدتها، فتجب لها النفقة كما في الرجعي، بخلاف المتوفى عنها زوجها، لأنها ليست بمحبوسة لحق الزوج بل لحق الشرع.

(5/689)


وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» . ورده أيضا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأسامة بن زيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وحديث فاطمة بنت قيس) ش: هذا جواب عن حديث فاطمة بنت قيس الذي احتج به الشافعي، تقديره أن حديث فاطمة. م: (رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإنه قال: «لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي إسحاق قال: حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لا سكنى لها ولا نفقة فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا‍ قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة» . ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني، لكن لا ينقل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن روى جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «للمطلقة ثلاثًا النفقة والسكنى» ذكره عبد الحق، وقد بوب الطحاوي في هذا بابا مطولًا، وأمعن الكلام فيه، وشرحناه كما ينبغي. فمن أراد ذلك فليرجع إليه، قوله: «لا ندع كتاب ربنا» يريد به: قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ووجد ذلك أن الوجد هو السعة والغنى، وذلك يرجع إلى ما يملك به.
وأما الإسكان فإنه قد يملك إسكانها من غير ملكه، يسكن هو ولا يملك الإنفاق من غير ملكه، فكان تقديره - والله أعلم - ما تلاه ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: "وأنفقوا عليهم من وجدكم"، وقوله: سنة نبينا، يريد به قوله: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة ثلاثًا، النفقة والسكنى ما دامت في العدة» .
م: (ورده أيضًا زيد بن ثابت) ش: أي: روى حديث فاطمة بنت قيس بن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال مخرج الأحاديث: حديث زيد بن ثابت، غريب. م: (وأسامة بن زيد) ش: أي رده أيضًا أسامة بن زيد بن حارثة، وقال مخرج الأحاديث: هذا أيضًا غريب.
قلت: ليس كذلك، لأن الطحاوي رواه: حدثنا ربيع المؤذن، وقال: حدثنا شعيب عن الليث، قال: أخبر الليث عن جعفر بن ربيعة بن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي سلمة عن عبد الرحمن قال: «كانت فاطمة بنت قيس تحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لها: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» ، وكان محمد بن أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئًا رماها بما كان في يده لهذا،

(5/690)


وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج، بل لحق الشرع، فإن التربص عبادة منها. ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا يشترط فيها الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئا فشيئا، ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة.
وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أسامة بن زيد، وقد أنكر ذلك مثل ما أنكره عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي رواه أيضًا جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ورواه الدارقطني في "سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة» (وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ش: أي روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن قاسم، عن أبيه، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أنها قالت: ما لفاطمة أن نذكرها، يعني في قوله: "لا سكنى ولا نفقة» ، وفي لفظ البخاري: قالت: «ما لفاطمة لا تتقي الله في قولها لا سكنى ولا نفقة» .
م: (ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج بل لحق الشرع) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وهو قول ابن عباس والحكم بن عتيبة وعطاء وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى، قاضي البصرة، والحسن البصري وعامر بن شعيب، وفي قول آخر للشافعي: إذا كان للميت مال كثير ينفق عليها من نصيبها، وإن كان قليلًا ينفق عليها من جميع المال، وفي وجوب السكنى له قولان. أحدهما: لا يجب، كقولنا - وهو اختيار المزني - والثاني: يجب، وبه قال مالك. م: (فإن التربص) ش: المذكور في القرآن. م: (عبادة منها) ش: أي من المرأة التي توفي عنها زوجها.
م: (ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الحرم ليس بمراعى فيه، حتى لا يشترط فيها) ش: أي في عدتها. م: (الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة) ش: قال الطحاوي في " مختصره ": ولا سكنى للمتوفى عنها زوجها، ولا نفقة في مال الزوج حاملًا كانت أو غير حامل. وقال أبو بكر الرازي: قد كانت نفقتها واجبة في مال الميت بقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] فنسخت هذه النفقة بالميراث، وبقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فأوجب نفقتها على نفسها من مال الزوج.

م: (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة) ش: إنما قيد بالنفقة احترازًا عن السكنى، لأن السكنى واجب لها، لأن القرار في البيت مستحق عليها، فلا يسقط ذلك بمعصيتها، فأما النفقة فواجبة لها، فيسقط ذلك بمجيء الفرقة من قبلها بمعصية. وقال في " المبسوط ": نفقة المرتدة لا

(5/691)


بخلاف المهر بعد الدخول، لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء. وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها بغير معصية، كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة، لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاد المهر. وإن طلقها ثلاثا، ثم ارتدت والعياذ بالله، سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه: مكنت بعد الطلاق، لأن الفرقة تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة والتمكين. إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب. ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة لا تحبس، ولهذا تقع الفرقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لعين الردة، بل لأنها تحبس، والمحبوسة بحق لا تستوجب النفقة حال قيام النكاح، فكذا في العدة، حتى لو ارتدت ولم تحبس، بل هي في بيت الزوج أو ثابت ورجعت إلى بيت الزوج، فلها النفقة لعدم الحبس.
م: (بخلاف المهر بعد الدخول) ش: حيث لا تسقط. م: (لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء، وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها) ش: أي من قبل المرأة لكن. م: (بغير معصية كخيار العتق) ش: نحو أم الولد أعتقت، ونحو المدبرة أعتقت، وهما عند الزوج قد بوأ المولى لهما بيتًا، فاختارتا الفرقة فلهما النفقة. م: (وخيار البلوغ) ش: نحو الصغيرة أدركت واختارت نفسها، فلها النفقة. م: (والتفريق لعدم الكفاءة) ش: بعد الدخول، فلها النفقة، وكذا للملاعنة النفقة والسكنى، وكذا البائنة بالخلع والإيلاء. م: (لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر) ش: حيث لا تسقط النفقة.
م: (وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت - والعياذ بالله - سقطت نفقتها) ش: لأن الإسقاط بسببها. م: (وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه) ش: من كلام المصنف معنى قول القدوري. م: (مكنت بعد الطلاق) ش: فلا نفقة لها لحصول الفرقة من قبلها بمعصية، وقال زفر: لا نفقة لها إذا مكنت ابن زوجها في عدتها كما إذا مكنته في حال قيام النكاح لا تجب، فكذا هنا. م: (لأن الفرقة) ش: هذا التعليل إشارة إلى الفرق بين المسألتين المذكورتين إحداهما هو قوله: وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت، والأخرى هو قوله: وإن مكنت ابن زوجها حيث تسقط النفقة في الأولى دون الثانية، بيانه هو قوله لأن الفرقة. م: (تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة) ش: أي لا عمل في الفرقة لأجل الردة بل للحبس. م: (والتمكين) ش: أي ولا عمل في الفرقة لأجل التمكين، بل لعدم الحبس.
م: (إلا أن المرتدة) ش: أي غير أن المرتدة. م: (تحبس حتى تتوب) ش: من الردة. م: (ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة) ش: أي المرأة التي مكنت ابن زوجها. م: (لا تحبس) ش: فلها النفقة. م: (ولهذا) ش: أي: ولهذا التعليل الذي علل للمسألتين. م: (تقع الفرقة) ش: بينهما حيث تكون المنفعة للممكنة، ولا تكون للمعتدة إذا ارتدت.

(5/692)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: أبرأته من النفقة في المستقبل وهي زوجته لا يصح.
ولو أبرأته عنها في الخلع صح؛ لأن الإبراء في الخلع إبراء بعوض. وفي الأول إبراء قبل الوجود فلا يصح، ولو صالحت المعتدة على دراهم إن كانت عدتها بالحيض لا يصح للجهالة، وإن كانت بالأشهر تصح؛ لأن المدة معلومة، وللملاعنة النفقة والسكنى. وعند الشافعي: لا نفقة لها، وفي السكنى قولان: تجب في قول، ولا تجب في قول.

(5/693)


فصل ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، والمولود له هو الأب. وإن كان الصغير رضيعا، فليس على أمه أن ترضعه، لما بينا أن الكفاية على الأب. وأجرة الرضاع كالنفقة، ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها، فلا معنى للجبر عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الأولاد]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل لما فرغ من بيان نفقة الزوجية شرع في بيان نفقة الأولاد. م: (ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية) ش: هذا الذي ذكره ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة: أن نفقة الولد على الأب والأم أثلاثًا، بحسب ميراثهما وبإجماع الأئمة الأربعة تجب نفقة الولد الصغير على الأب. وقال الطحاوي في "مختصره ": ويجبر الرجل على نفقة أولاده الصغار، إذا كانوا فقراء ذكورًا كانوا أو إناثًا. وإن كانوا كبارًا محتاجين أجبر على نفقة الإناث منهم، ولم يجبر على نفقة الذكور منهم وإن كان من ذكورهم من به زمانة كالعمى والشلل في اليدين وما أشبه ذلك، فإنه يجبر على نفقته.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (والمولود له هو الأب) ش: وقيل: وجه الاستدلال أن رزق الوالدات وجب على الأب لسبب الولد وجب عليه رزق الولد بطريق الأولى. م: (وإن كان الصغير رضيعًا، فليس على أمه أن ترضعه لما بينا) ش: معنى قوله: لا يشاركه فيها أحد. م: (أن الكفاية) ش: هي كفاية الصغير. م: (على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة) ش: يعني كما تجب عليه النفقة إذا فطم، يجب عليه أن يستأجر من يرضعه، فيكون بأجرة الرضاع كالنفقة تجب عليه. م: (ولأنها عساها لا تقدر عليه) ش: أي على الإرضاع. م: (لعذر بها) ش: يمنعها من الإرضاع. م: (فلا معنى للجبر عليه) ش: أي على الإرضاع. هذا إذا وجد من يرضعه، فإن لم يوجد، ولم يكن بها علة تجبر صيانة عن الضياع. وفي " الذخيرة ": لو كان لا يوجد من يرضعه أو لا يأخذ ثدي غيرها تجبر. وذكر الحلواني في ظاهر الرواية: لا تجبر؛ لأن الولد يتغذى بالدهن والشراب وبقية الألبان، فلا ترك إجبارها إلى التلف، وإلى الأول مال القدوري والسرخسي.
وقال شمس الأئمة السرخسي: إذا لم تجبر كان على الأب أن يكتري امرأة ترضعه عند الأم، ولا ينزع الولد من الأم، لأن الأمة أجمعت على أن الحجر لها، لكن لا يجب عليها أن تمكث في بيت، إلا إذا لم يشترط عليها ذلك عند العقد وكان الولد يستغني عنها في تلك الساعة، بل لها أن ترضع ثم ترجع إلى منزلها. وإن لم يشترط أن ترضع عند الأم كان لها أن تحمل الصبي إلى منزلها، أو تقول: أخرجوه فترضعه عند فناء الدار، ثم يدخل الولد إلى الأم إلا أن

(5/694)


وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، بإلزامها الإرضاع مع كراهتها، وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم، وذلك إذا كان يوجد من يرضعه. أما إذا كان لا يوجد من ترضعه، تجبر على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع. قال: ويستأجر الأب من ترضعه عندها، أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه. وقوله "عندها" معناه إذا أرادت ذلك، لأن الحجر لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون اشتراط عند العقد أن يكون الطفل عند الأم فحينئذ يلزمها الوفاء بالشرط. وقال في " العمدة ": ولا يؤاخذ الأب بأجرة الرضاع لأكثر من سنتين بالإجماع.
م: (وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 33) بإلزامها الإرضاع مع كراهتها) ش: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] بأن تطرح الأم الولد إلى الأب. إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه، والحاصل: يُنهى أن يلحق بها الضرر من قبل الزوج، وعن أن يلحق الضرر بالزوج من قبل المرأة بسبب الولد. م: (وهذا الذي ذكرنا) ش: أي عدم الجبر، وفي نسخة الأترازي: وهذا الذي ذكر، ثم فسره بقوله: أي الذي ذكره القدوري بقوله، وإن كان الصغير رضيعًا فليس على أمه أن ترضعه. م: (بيان الحكم) ش: أي القضاء. أما من جهة الدين فيجب عليها أن ترضع. قال الأترازي: ولهذا قالوا لا يجوز لها أن تأخذ الأجر بالإرضاع، لأن أخذ الأجرة بإزاء ما يجب عليها من حيث الدين لا يجوز. وبه صرح في شرح كتاب النفقات، قال: وظن بعد الشارحين أن المراد من قوله بيان الحكم هو جواب ظاهر الرواية. ثم قال: وروى الحسن عن أبي حنيفة أن النفقة على الأب والأم، أثلاثًا بحسب ميراثهما في الولد، وتلك الرواية صحيحة، ولكن الشرح من المشروح كالصب من النون.
م: (وذلك) ش: يعني عدم وجوب الإرضاع على الأم. م: (إذا كان يوجد من يرضعه) ش: أي من يرضع الصغير، يعني يوجد مرضعة أخرى تجبر. م: (أما إذا كان لا يوجد من ترضعه تجبر) ش: أي الأم. م: (على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع) ش: بفتح الضاد مصدر من ضاع يضيع، وأما الضياع بالكسر فهو جمع ضيعة.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويستأجر الأب من ترضعه عندها) ش: أي عند أم الصغير. م: (أما استئجار الأب، فلأن الأجر عليه، وقوله) ش: أي قول القدوري. م: ("عندها" معناه إذا أرادت ذلك لأن الحجر لها) ش: أي لأن التربية لها بحق الحضانة. ولا عليها أن تمكث في بيت الأم، إلا أن يشترط ذلك، وقد ذكرناه عن قريب.
فإن أجرت نفسها للإرضاع، ثم تزوجت، فليس للزوج منعها من ذلك، حتى تنقضي مدة الإجارة، ولا فسخها، فإذا نام الصبي أو اشتغل بغيرها، فله الاستمتاع بها، وليس لولي الصبي منعه من ذلك، وبه قال الشافعي. وقال مالك: ليس له وطؤها إلا برضا الولي. ولو أجرت نفسها للإرضاع، يجوز بإذن الزوج، وبغير إذنه لا يجوز، لأن الحق له، وهو أحد الوجهين

(5/695)


وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها. فإذا أقدمت عليه بالأجر، ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا في المبتوتة في رواية، وفي رواية أخرى: جاز استئجارها لأن النكاح قد زال. وجه الأولى: أنه باق في حق بعض الأحكام. ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز؛ لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها، يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية. فإن قال الأب: لا أستأجرها، وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية إن رضيت بغير أجر، كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للشافعية، والثاني: يجوز، وله فسخها إن شاء، وعندنا له فسخها إذا لم يعلم بها، وليس له منعه من وطئها. فإذا حبلت فله فسخها للضرر كما لو مرضت.

م: (وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: واختلفوا في معناه، فقيل: إنه مجرد خبر من غير إلزام الإرضاع، وقيل: إنه في معنى الأمر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، والأصح أنه خبر بمعنى الأمر على وجه الندب، أو على وجه الوجوب، إذا لم يقبل إلا ثدي أمه. م: (إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالأجر) ش: أي على الإرضاع بالأجر.
م: (ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبًا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا) ش: أي هذا المذكور من عدم جواز الإجارة. م: (في المعتدة عن طلاق رجعي، رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز. م: (في المبتوتة) ش: أي في العدة فيه روايتان لا يجوز. م: (في رواية) ش: وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة. م: (وفي رواية أخرى جاز استئجارها) ش: وهي ظاهر الرواية. م: (لأن النكاح قد زال) ش: فصارت كالأجنبية. م: (وجه الأولى) ش: وهي عدم الجواز. م: (أنه) ش: أي أن النكاح. م: (باق في حق بعض الأحكام) ش: وهي العدة، ووجوب النفقة والسكنى وعدم دفع زكاته إليها وشهادته لها، فلا يجوز استئجارها كما في حال قيام النكاح.
م: (ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية، فإن قال الأب: لا أستأجرها) ش: أي امرأته.
م: (وجاء بغيرها، فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية، أو رضيت بغير أجر، كانت) ش: أي الأم

(5/696)


هي أحق به، لأنها أشفق، فكان نظرا للصبي في الدفع إليها. وإن التمست زيادة، لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة في قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية، ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد فلإطلاق ما تلونا. ولأنه جزؤه، فيكون في معنى نفسه. وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح، فإنه بإزاء الاحتباس الثابت به، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة، وترتب عليه الاحتباس، فوجبت النفقة، وفي جميع ما ذكرنا إنما تجب النفقة على الأب، إذا لم يكن للصغير مال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (هي أحق به لأنها أشفق) ش: على الصغير. م: (فكان نظرا للصبي في الدفع إليها) ش: أي إلى الأم والدفع إلى الأجنبية أضر به.
م: (وإن التمست) ش: أي وإن طلبت الأم. م: (زيادة) ش: على أجرة الأجنبية. م: (لم يجبر الزوج عليها) ش: أي على الزيادة. م: (دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة) ش: أي إلى دفع الضرر عن الزوج. م: (في قوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية) ش: بل يدفع الصغير إلى الظئر ترضعه عند الأم لأن الحضانة لها. م: (ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه) ش: هذا إذا أسلم الصغير العاقل وأبوه كافر أو ارتد - والعياذ بالله تعالى - وأبوه مسلم؛ لأن ارتداده وإسلامه صحيح عندنا.
م: (كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد) ش: أي أما نفقة الولد.
م: (فلإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (جزؤه فيكون في معنى نفسه) ش: وكفره لا يؤثر في نفقته، فكذا كفر ولده.
م: (وأما الزوجة) ش: أي وأما نفقة الزوجة. م: (فلأن السبب) ش: أي سبب وجوب النفقة. م: (هو العقد الصحيح، فإنه) ش: أي فإن سبب وجوب النفقة. م: (بإزاء الاحتباس الثابت به) ش: أي بالعقد. م: (وقد صح العقد بين المسلم والكافرة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة:5) أي العفائف عن فعل الزنا، وقد مر في النكاح، فإذا صح العقد بينهما. م: (وترتب عليه الاحتباس) ش: فإذا ترتب عليه الاحتباس. م: (فوجبت النفقة) ش: عليه. م: (وفي جميع ما ذكرنا) ش: أي في هذا الفصل. م: (إنما تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال) ش: فنقول نكرة في موضع النفي تعم جميع أجناس الأموال، حتى لو كان للصغير عقار وحيوان وثياب للأب أنه يبيع ذلك كله وينفقه، لأن الصغير غبي بهذه الأشياء. كذا في " الذخيرة "، وإن لم يكن للصغير مال، فعلى الأب أن يكتب وينفق على ولده، يجبر على ذلك ويحبس. وبه قال

(5/697)


وأما إذا كان له، فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشافعي بخلاف سائر الديون، حيث لا يحبس، فلأن الأب وإن علاها يحبس في ديون الأولاد. وفي الدين يحبس لما أن في الامتناع من الكسب إتلاف للنفس، والأب يستوجب العقوبة عند قصده إتلاف ولده، كما لو عدا على أبيه بالسيف، كان للأب أن يقتل، ولو كان الأب عاجزًا عن الكسب بالزمانة أو بأنه مقعد يتكفف الناس وينفق عليهم، هكذا ذكره الخصاف في نفقته. ومن المتأخرين من قال: نفقة الأولاد في هذه الصورة في بيت المال، لأن نفقة هذا الأب في بيت المال، فكذا نفقة الأولاد، وطالب العلم إذا كان يهتدي إلى الكسب، فنفقته على الأب لا تسقط عنه كالزمن والأنثي.
م: (وأما إذا كان له) ش: أي للصغير مال. م: (فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا) ش: وذلك لأن أحد الأمرين ليس في إيجاب النفقة على صاحبه، أولى من إيجاب نفقه صاحبه عليه، والفرق بين نفقة الصغير والزوجة بحيث لا تجب نفقة الصغير على الأب، إذا كان الصغير غنيًا بأي مال كان، وتجب نفقة الزوجة على الزوج وإن كانت الزوجة غنية، إذ نفقة الصغير واجبة للحاجة، فإذا انعدمت الحاجة، فلا تجب، كنفقة الخادم، ونفقة للزوجة بإزاء التمكين من الاستمتاع، فكان طريقه البدل والمعادلة، والبدل يوجد وإن وجد الغنى.

(5/698)


فصل وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته، إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه. أما الأبوان فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: 15) ، فأنزلت في الأبوين الكافرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الآباء والأجداد والخادم]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان نفقة الأولاد شرع في بيان نفقة الآباء والأجداد والخادم. م: (وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء) ش: وفي " المبسوط ": على الرجل الموسر نفقة أبيه وأمه، وأب الأب وإن علا، وأم الأب وإن علت، وأم الأم وإن علت. وشرط الشافعي في ذلك أن يكون الأب زمنًا ولم يوافقه أحد. وفي " التنبيه ": ويجب على الأولاد ذكورهم وإناثهم نفقة الوالدين، وإن علوا بشرط الفقر والزمانة، والجنون مع الصحة قولان، أظهرهما: لا يجب.
م: (وإن خالفوه في دينه) ش: واصل بما قبله؛ أي وإن خالف هؤلاء الرجل في دينه، وهو إذا كانوا من أهل الذمة، أما إذا كانوا من أهل الحرب، فلا يجب، لأنا نهينا عن المبرة في ذمتهم. م: (أما الأبوان؛ فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) فأنزلت في الأبوين الكافرين) .
ش: قال المفسرون: أنزلت في سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وذلك أنه لما أسلم، قالت له أمه جميلة: يا سعد، بلغني أنك مبهوت، فوالله لا أظلني سقف بيت عن الثلج والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه، وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد وصبرت هي ثلاثة أيام، فلم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل حتى غشي عليها، فأتي سعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) .

(5/699)


وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما يموتان جوعا. وأما الأجداد والجدات، فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه، ولأنهم سبب لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء، لأنهما بمنزلة الأبوين، وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره، ولا يمنع ذلك باختلاف الدين لما تلونا.
ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد. أما الزوجة فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له مقصود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما) ش: أي الأبوين. م: (يموتان جوعًا) ش: والمعروف هو المحاسنة بالخلق الجميل والحلم والاحتمال والبر والصلة، وبما يقتضيه الكرم والمروءة، واستدل شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " بقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] (الإسراء: الآية 23) ، وقال: نهى عن التأفيف يعني الأذى، ومنع الأذى في منع النفقة عند حاجتهما أكثر، ولهذا يلزمه نفقتهما وإن كانا قادرين على الكسب، لأن معنى الأذى في الكد والتعب أكثر منه في التأفيف، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه، فكلوا من كسب أولادكم» .
م: (وأما الأجداد والجدات؛ فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه ولأنهم سبب لإحيائه) ش: أي عدم الأب. م: (فاستوجبوا) ش: أي فاستحقوا. م: (عليه الإحياء) ش: أي على الولد. م: (لأنهما بمنزلة الأبوين) ش: في حياة الولد، فاستحقوا على النافلة كالأبوين. م: (وشرط الفقر) ش: أي وشرط القدوري الفقر في قوله إذا كانوا فقراء. م: (لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل من كد يمينك وعرق جبينك» . م: (ولا يمنع ذلك) ش: أي وجوب النفقة على الأبوين. م: (باختلاف الدين لما تلونا) ش: من النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (الإسراء: الآية 23) ، وبه قال مالك والشافعي.

م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة) ش: وفي عموم النسب روايتان، ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة. وفي بعض النسخ. م: (قال: لا تجب النفقة) ش: أي قال القدوري. م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد، أما الزوجة فلما ذكرنا أنها) ش: أي النفقة. م: (واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له) ش: أي للرجل، وقوله. م: (مقصود) ش: بالحر صفة لقوله: بحق، وهو الاستمتاع بها بالوطء وغيره.

(5/700)


وهذا لا يتعلق باتحاد الملة. وأما غيرها فلأن الجزئية ثابتة، وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره لا يمنع نفقة جزئه، إلا أنهم كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم. وإن كانوا مستأمنين لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين. ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني، لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص، بخلاف العتق عند الملك، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي المعنى المذكور. م: (لا يتعلق باتحاد الملة) ش: بين الزوجين. م: (وأما غيرها) ش: أي غير الزوجة من المذكورين. م: (فلأن الجزئية ثابتة) ش: أما في حق الولد فظاهر، وفي حق غيره لشمول الولاد إياهم. م: (وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره، لا يمنع نفقة جزئه) ش: الذي هو الولد بكفره. وكذا حكم أولاد البنين والبنات، والأجداد والجدات، من قبل الأب والأم، بمنزلة الأبوين لأن الولاد يشملهم جميعًا.
م: (إلا أنهم) ش: أي غير أن هؤلاء. م: (إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم، وإن كانوا مستأمنين) ش: أي وإن كانوا خرجوا إلى دار الإسلام بأمان. م: (لأنا نهينا) ش: على صيغة المجهول. م: (عن البر) ش: أي عن الإحسان والصلة. م: (في حق من يقاتلنا في الدين) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] (الممتحنة: الآية 8، 9) .
م: (ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني) ش: هذا تفريع لقوله: ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين؛ بيانه: أن النفقة في غير الزوجة، وغير صورة الولادة ورثة على الإرث، وهو معني قوله. م: (لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، ولا إرث بين المسلم والذمي، فلا تجب نفقة أحدهما على الآخر. م: (بخلاف العتق عند الملك) ش: أي بخلاف ما إذا ملك أحدهما الآخر حيث يعتق عليه؛ لأن العتق مرتب على ملك القريب المحرم، وقد وجد فيعتق. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» . م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب النفقة

(5/701)


متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث، ولأن القرابة موجبة للصلة، ومع الاتفاق في الدين آكد، ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة، فاعتبرنا في الأعلى أصل العلة، وفي الأدنى العلة المؤكدة، فلهذا افترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث) ش: وهو الذي ذكرناه.
وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» ، وفيه كلام كثير نذكره في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث الحسن عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» .
م: (ولأن القرابة موجبة للصلة) ش: لذوي رحم. م: (ومع الاتفاق في الدين) ش: يعني إذا كانا مسلمين. م: (آكد) ش: من إيجاب الصلة مع الاختلاف في الدين. م: (ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة) ش: حاصل معناه أن قطع ذات الرحم في بقاء ملك اليمين أعلى وأكثر من قطع الرحم الحاصل من حرمان النفقة. م: (فاعتبرنا في الأعلى) ش: وهو ملك اليمين. م: (أصل العلة) ش: وهو نفس ملك القريب لقوة معنى قطع الرحم، حتى عتق القريب المملوك، سواء وجد الاتحاد في الملة أو لم يوجد.
م: (وفي الأدنى) ش: أي اعتبرنا في الأدنى، وهو النفقة. م: (العلة المؤكدة) ش: وهي القرابة مع الاتحاد في الملة. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل كون حرمان النفقة أضعف من قطع الرحم. م: (افترقا) ش: أي العتق ووجوب النفقة. فإن قلت: حرمان النفقة قد يفضي إلى الهلاك، ودوام ملك اليمين ليس كذلك، فكيف يكون أعلى؟ ولأن الإنفاق صلة إحياء حقيقة، وصلة العتق صلة إحياء حكمًا، ولا شك أن الإحياء الحقيقي أولى. قلت: الحاجة إلى النفقة معذورة الدفع عن غيره، بأن يسأل الناس أو يبره أحد من غير سؤال، فإن الهلاك جوعًا في العمران مع

(5/702)


ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد، لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص، ولا تأويل لهما في مال غيره. ولأنه أقرب الناس إليهما. فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه، وهي على الذكور والإناث بالسوية، في ظاهر الرواية، وهو الصحيح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
توافر أصحاب الزكاة والصدقات، والمعروف نادر. وأما الحاجة إلى الآفاق، فإنها لا تندفع إلا من حاجة.

م: (ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد) ش: بالرفع؛ لأنه فاعل لا يشارك، والولد بالنصب مفعوله، يعني: إن كان الأبوان معسرين والولد موسر تجب نفقتهما عليه خاصة. م: (لأن لهما) ش: أي الأبوين. م: (تأويلًا في مال الولد بالنص) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت ومالك لأبيك» . رواه جماعة من الصحابة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يوجب الحد. م: (ولا تأويل لهما) ش: أي للأبوين. م: (في مال غيره) ش: أي في غير مال الولد. فإن قلت: التأويل يثبت بخبر الواحد، فلا يعارض قوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قلت: الحديث مشهور، فيجوز به الزيادة. ولئن سلمنا أنه من الآحاد لكن ترك إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، بالدلائل الدالة على تفسيرها بغير قرابة الولادة المستندة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، كما تقدم. فإن قلت: لا منافاة بين الآيتين؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضي أن يشارك الجد الابن، كما أن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضه، قلت: لما ثبت للوالد بتأويل في مال الولد بالإجماع صار غنيًا، والغني لا تجب نفقته على والده، فلا يشارك الجد الابن.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (أقرب الناس إليهما) ش: أي إلى الأبوين. م: (فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه) ش: أي على الولد. م: (وهي) ش: أي نفقة الأبوين. م: (على الذكور والإناث بالسوية) ش: حتى إذا كان الأب فقيرًا أو له ابن وبنت موسران، تجب نفقة الأب عليهما اتصافًا، وقيد بقوله. م: (في ظاهر الرواية وهو الصحيح) ش: احترازًا عما ذكر شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " عن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن النفقة بين الذكور

(5/703)


لأن المعنى يشملهما. والنفقة لكل ذي رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا، أو كانت امرأة بالغة فقيرة، أو كان ذكرا بالغا فقيرا زمنا، أو أعمى، لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، والفاصل أن يكون ذا رحم محرم. وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والإناث {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (النساء: الآية11) ، على قياس الميراث وعلى قياس نفقة ذوي الأرحام. م: (لأن المعنى يشملهما) ش: المعنى هو الولادة، وهو سبب الوجوب، وقد استوى الذكر والأنثى، بخلاف ما إذا كان للمعسر أخ وأخت، حيث يجب نفقته عليهما أثلاثًا؛ لأن سبب الوجوب الإرث، فيجب أثلاثًا كالإرث.
م: (والنفقة) ش: أي النفقة واجبة. م: (لكل ذي رحم محرم) ش: وقال أحمد: تجب لكل وارث. وبه قال ابن أبي ليلى، وقال الشافعي: لا تجب نفقة غير الوالدين والمولودين من الأقارب، كالإخوة والأعمام وذوي الرحم المحرم، وهو الذي لا يجوز نكاحه على التأبيد، وإنما قيد بذي الرحم المحرم، لأنه إذا وجد الرحم ولم يوجد المحرم، أوجد المحرم ولم يوجد الرحم، أو وجد لكن لا من قرابة، لا تجب النفقة. ألا ترى إلى ما ذكر الإمام الأسبيجاني في " شرح الطحاوي " بقوله: ولو كان رحمًا غير محرم نحو ابن العم أو محرمًا غير رحم نحو الأخ من الرضاع أو الأخت من الرضاع، أو رحما محرما لا من قرابة نحو ابن عم، هو الأخ من الرضاع لا تجب النفقة.
م: (إذا كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (صغير فقيرًا) ش: قيد بالصغر والفقر لأن الصغير الفقير عاجز عن الكسب، والغني تجب نفقته في ماله. م: (أو كانت امرأة بالغة فقيرة أو كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (ذكرًا بالغًا فقيرًا أو زمنًا أو أعمى) ش: فقيرًا تجب النفقة لهم لعجزهم عن الكسب، وكذلك مفقود العينين، وأشل اليدين، ومقطوع الرجلين، والمعتوه، والمفلوج. م: (لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة) ش: أي لا يجب في القرابة البعيدة.
م: (والفاصل) ش: أي بين القريبة والبعيدة. م: (أن يكون ذا رحم محرم) ش: والدليل عليه هو ما أشار إليه بقوله. م: (وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية233)) ش: فإن ذلك إشارة إلى البعيدة، فيكون إشارة إلى أول الآية، وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قيد على أن على الوارث النفقة، وبعيدة ذي الرحم المحرم بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله. م: (وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) ش: ولا شك أن قراءته كانت مسموعة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقراءته مشهورة، فصارت بمنزلة خبر مشهور على ما عرف، فجاز

(5/704)


ثم لا بد من وجود الحاجة، والصغر، والأنوثة والزمانة، والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز. فإن القادر على الكسب غني بكسبه، بخلاف الأبوين، لأنه يلحقهما تعب الكسب. والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب: قال: ويجب ذلك على مقدار الميراث، ويجبر عليه، لأن التنصيص على الوارث، تنبيه على اعتبار المقدار، ولأن الغرم بالغنم، والجبر لإيفاء حق مستحق. قال: وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثا، على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث، لأن الميراث لهما على هذا المقدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقييد إطلاق الكتاب بها.
م: (ثم لا بد من وجود الحاجة) ش: أي ثم لا بد من وجوب النفقة، وبين ذلك بقوله. م: (والصغر والأنوثة، والزمانة والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز) ش: أي علامة العجز من أصحاب هذه الأشياء المذكورة. م: (فإن القادر على الكسب غني بكسبه) ش: فلا يعد عاجزًا. م: (بخلاف الأبوين) ش: هذا جواب عما يقال ما بال الأبوين لم يعدا غنيين بقدرتهما على الكسب، وأجاب بقوله بخلاف الأبوين، (لأنه يلحقهما تعب الكسب والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب) ش: وذكر السرخسي في " شرح أدب القاضي " للخصاف، أن الأب إذا كان كسوبًا، والابن أيضًا كسوبًا، يجبر الابن على الكسب والنفقة عليه. وقال الحلواني في شرحه له أيضًا: لا يجبر الابن على الكسب، واعتبره بذي الرحم المحرم، فإنه لا يستحق النفقة في كسب قريبه، وفي ظاهر الرواية في نفقة الوالدين، فإنهما لا يكافآن بالكسب عندنا خلافًا للشافعي.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويجب ذلك) ش: أي النفقة. م: (على مقدار الميراث ويجبر عليه) ش: أي على الإنفاق. م: (لأن التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار) ش: أي لأن التنصيص عليه بقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، تنبيه على أن الشارع نبه على مقدار ذلك، لأنه رتب الحكم على المشتق، فيكون المشتق منه هو العلة، فيثبت الحكم بقدر (المنصوص) عليه. وعلى هذا لو أوصى لورثة فلان، وله بنون وبنات، فكانت الوصية لهم على قدر الميراث.
م: (ولأن الغرم بالغنم) ش: بضم الغين المعجمة فيهما، أي الغرم الذي هو الإنفاق في مقابلة الغنم الذي هو الميراث. م: (والجبر) ش: أي الجبر على الإنفاق. م: (لإيفاء حق مستحق) ش: أي لأجل إيفاء حق مستحق عليه، فيستحقه من ينفق عليه.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثًا، على الأب الثلثان، على الأم الثلث؛ لأن الميراث لهما على هذا المقدار) ش: إذا ورثا ولدهما.

(5/705)


قال: هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن - رحمهما الله -، وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، وصار كالولد الصغير. ووجه الفرق على الرواية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته، ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه، فتشاركه الأم. وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الأم، والجد، أثلاثا.
ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي المصنف. م: (هذا الذي ذكره) ش: أي القدوري. م: (رواية الخصاف والحسن) ش: أي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وبه قال الشافعي. م: (وفي ظاهر الرواية، كل النفقة على الأب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) وصار كالولد الصغير) ش: أضاف إليه بحرف اللام، فدل على اختصاصه بهذه النسبة والنفقة تبنى على هذه النسبة.
م: (ووجه الفرق) ش: أي وجه الفرق بين الولد الصغير والكبير. م: (على الراوية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته ولا كذلك الكبير) ش: أي الولد الكبير. م: (لانعدام الولاية فيه) ش: أي لا ولاية له عليه، ولهذا لم يشارك الأب في نفقة ولده الصغير. م: (فتشاركه الأم) ش: في نفقة الكبير، فوجب الثلثان على الأب، والثلث على الأم.
م: (وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث) ش: يعني رواية واحدة. م: (حتى تكون نفقة الصغير على الأم والجد أثلاثًا) ش: على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان. قال في " شرح الطحاوي ": وكذلك إذا كان له أم، وأخ لأب، وأم أو ابن أخ لأب، وأم أو عم لأب، وأم أو أحد من الفصيلة، فإن النفقة عليهم أثلاثًا. وكذا إذا كان له أخ وأخت لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا على قدر ميراثهما. ولو كان له أخ لأب وأم وأخ لأب فالنفقة بينهما أسداسًا، ولو كان له عمة لأب وأم، فالنفقة على الأم دون العمة، وكذلك، ولو كان له عمة لأب، وأم وخال لأب وأم، فالنفقة على العم. ولو كان له عمة لأب وأم وخال لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ثلثاها على العمة وثلثها على الخال. وكذلك لو كان له خال وخالة من قبل الأب والأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ولو كان له خال من قبل الأب والأم وابن عم لأب وأم، فالنفقة على الخال، والميراث لابن العم، لأن شرط وجوب النفقة أن يكون ذو الرحم المحرم من أهل الميراث، وابن العم ليس بمحرم.

م: (ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث) ش: يعني يجب ثلاثة الأخماس على الأخت لأب وأم، والخمس على الأخت لأب، والخمس على الأخت لأم، وذلك لأن النفقة معتبرة بالإرث، فإنهن يرثنه كذلك أخماسًا بالفرض والرد، فوجب النفقة أيضًا أخماسًا.

(5/706)


غير أن المعتبر أهلية الإرث في الجملة لا إحرازه، فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه. ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين بالنص لبطلان أهلية الإرث، فلا بد من اعتباره ولا تجب على الفقير، لأنها تجب صلة، وهو يستحقها على غيره، فكيف تستحق عليه؟ بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير، لأن التزامها بالإقدام على العقد، إذ المصالح لا تنتظم دونها، ولا يعمل في مثلها الإعسار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أن المعتبر) ش: استثناء من قوله، وفي غير الولد يعتبر على قدر الميراث في ذلك. م: (أهلية الإرث في الجملة) .
ش: قال الأكمل: والمراد بأهلية الإرث أن لا يكون محرومًا، وقال الكاكي: وقيد الإرث بقوله: إن المعتبر أهلية الإرث، لأنه لو لم يكن أهلًا للإرث بأن كان مخالفًا لدينه، لا تجب النفقة. م: (لا إحرازه) ش: أي لا يعتبر إحراز الإرث كما في الخال مع ابن العم، فإن الخال لا يحرز الميراث مع ابن العم، ومع ذلك كانت النفقة على الخال، والميراث لابن العم. وقال أحمد والظاهرية: والمعتبر إحراز الميراث.
وأوضح ذلك المصنف بالفاء التفسيرية، حيث قال. م: (فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه) ش: لأن الخال ذو رحم محرم، دون ابن العم. م: (ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين) ش: هذا لفظ القدوري، أي لا تجب نفقة ذو الرحم المحرم مع اختلاف الدين، لأن الاختلاف لا يجري الإرث، فلا تجب النفقة أيضًا؛ لأنها متعلقة بالإرث. م: (بالنص لبطلان أهلية الإرث) ش: يعني عند اختلاف الدين. م: (فلا بد من اعتباره) ش: أي من اعتبار الإرث لوجوب النفقة.
م: (ولا تجب) ش: أي النفقة. م: (على الفقير لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (تجب صلة وهو) ش: أي الفقير. م: (يستحقها) ش: أي يستحق الصلة. م: (على غيره فكيف تستحق) ش: على صيغة المجهول، أي فكيف تستحق النفقة. م: (عليه) ش: لأن إيجابها عليه ليس بأولى من إيجابها له، فلهذا لم يجب عليه. م: (بخلاف نفقة الزوجة) ش: حيث تجب على زوجها الفقير. م: (وولده الصغير) ش: أي وبخلاف ولده الصغير، حيث تجب نفقته على أبيه الفقير. م: (لأن) ش: أي لأن الفقير. م: (التزامها) ش: أي التزام النفقة. م: (بالإقدام على العقد) ش: أي على عقد النكاح. م: (إذ المصالح) ش: يعني من النكاح وهي التوالد والتناسل والعشرة وغير ذلك. م: (لا تنتظم دونها) ش: أي دون النفقة. م: (ولا يعمل في مثلها الإعسار) ش: أي من قبل نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها. وأصل الكلام أن نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها، وأصل الكلام أن نفقة الزوجة تجري مجرى الديون بدلالة وجوبها مع يسار المرأة، كسائر الديون. وأما نفقة ولده الصغير، فلأنها جارية مجرى نفقة الزوجة، بدلالة

(5/707)


ثم اليسار مقدر بالنصاب، فيما روي عن أبي يوسف وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا، أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم، لأن المعتبر في حقوق العباد، إنما هو القدرة دون النصاب، فإنه للتيسير، والفتوى على الأول، لكن النصاب نصاب حرمان الصدقة. وإذا كان للابن الغائب مال قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقال في " شرح الكافي ": فإن كان الولد معسرًا، فليس عليه نفقتهما، لأنهما لما استويا في الحال، لم يكن أحدهما بإيجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر إلا أنه روي عن أبي يوسف أنه قال: إذا كان الأب زمنًا، وكسب الأب لا يفضل عن نفقته، فعليه أن يضم الأب إلى نفسه، لأنه لو لم يفعل، ضاع الأب، ولو فعل لا يخشى الهلاك على الولد فالإنسان لا يهلك على نصف بطنه.
م: (ثم اليسار) ش: أي المراد باليسار في هذا الباب. م: (مقدر بالنصاب فيما روي عن أبي يوسف) ش: رواها ابن سماعة عن أبي يوسف أنه اعتبر اليسار بنصاب الزكاة. م: (وعن محمد) ش: رواها عنه هشام. م: (أنه قدره) ش: أي قدر اليسار. م: (بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرًا) ش: يعني إذا كان له فضل على نفقة شهر له أو لعياله، فإنه يجب عليه نفقة ذوي الرحم المحرم، وإلا فلا، أو يفضل عن ذلك، هذه رواية أخرى عن محمد أو قدره محمد. م: (بما يفضل على ذلك) ش: عن نفقته ونفقة عياله. م: (من كسبه الدائم كل يوم) ش: يعني إذا كان معتملًا.
وقال صاحب " التحفة ": وروي عن محمد أن من لا شيء في يده من المال وهو يكسب كل يوم درهمًا، فإنه يكفيه أربعة دوانق، ثمانية ترفع لنفسه ولعياله ما يتسع فيه وينفق فضل على ما يجبر على نفقته.
م: (لأن المعتبر في حقوق العباد إنما هو القدرة) ش: على شيء. م: (دون النصاب) ش: أي دون القدرة على النصاب. م: (فإنه) ش: أي فإن اعتبار القدرة. م: (للتيسير) ش: أي بحسب ما تيسر له بخلاف النصاب فإنه في حق الله تعالى، لا يعتبر فيه إلا القدرة على النصاب الكامل. م: (والفتوى على الأول) ش: وهو اليسار مقدار النصاب.
م: (لكن النصاب) ش: أي المراد من النصاب هنا. م: (نصاب حرمان الصدقة) ش: من أي مال كان، وهو أن يملك ما فضل عن حاجته الأصلية ما يبلغ مائتي درهم من أي مال كان، وهو الصحيح، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " الأجناس " قال في " نوادر" أبي يوسف: يشترط نصاب الزكاة، ثم قال في " الخلاصة ": هكذا قال الصدر الشهيد في " الفتاوى الصغرى ": أن لو انقضى منه درهم، لا يجب، ثم قال في " الخلاصة ": قال: وبه يُفتى. وقدر صاحب " الهداية " أيضًا اليسار بالنصاب، لكن فسره بنصاب الزكاة وحرمان الصدقة كما ذكرنا.
م: (وإذا كان للابن الغائب مال، قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه المسألة

(5/708)


وإذا باع أبوه متاعه في نفقته جاز، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا استحسان. وإن باع العقار، لم يجز. وفي قولهما لا يجوز في ذلك كله، وهو القياس، لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ. ولهذا لا يملك حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة، وكذا لا تملك الأم في النفقة، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في القضاء في نفقة الغائب عند قوله، ولا يقضي بنفقته في مال الغائب إلا لهؤلاء، وللزوجة أن نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء، لكونها متفقًا عليها، فكان قضاء القاضي إعانة لهم، وقد مر الكلام فيه.

م: (وإذا باع أبوه متاعه) ش: أي متاع ابنه الغائب. م: (في نفقته جاز، عند أبي حنيفة، وهذا استحسان) ش: وعندهما لا يجوز، وفي " الكافي ": هذا الخلاف في بيع الأب. أما بيع غير الأب، لا يجوز إجماعًا، وفي حال حضرة من يستحق عليه النفقة، ليس لأحد ممن يستحق النفقة بيع العروض والعقار إجماعًا.
م: (وإن باع) ش: أي الأب. م: (العقار، لم يجز) ش: إلا إذا كان الولد صغيرًا، فيبيع ذلك.
وأجمعوا أن الأم لا تبيع مال ولدها الصغير والكبير. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (وفي قولهما) ش: أي وفي قول أبي يوسف ومحمد. م: (لا يجوز في ذلك كله وهو القياس؛ لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لا ولاية له لانقطاعها) ش: أي لانقطاع الولاية.
م: (بالبلوغ) ش: أي إذا بلغ الصغير. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل انقطاع ولايته بعد البلوغ. م: (لا يملك) ش: الأب بيع مال ابنه البالغ. م: (حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له) ش: أي الأب. م: (سوى النفقة) ش: ولو قضى القاضي بذلك، لا يجوز لأنه قضاء على الغائب.
م: (وكذا لا تملك الأم) ش: بيع متاعه. م: (في النفقة) ش: وهذا مخالف لما ذكر في الأقضية، ولما ذكره القدوري من جواز بيع الأبوين. فإما أن يكون في المسألة روايتان، في رواية الأقضية والقدوري تملك الأم البيع كالأب، لأن معنى الولادة يجمعهما وهما في استحقاق النفقة على السواء، وأما ما في الأقضية والقدوري هؤلاء، بأن الأب هو الذي يبيع، لكن لنفقتها، فأضاف البيع إليهما من حيث إن منفعة البيع تعود إليهما. قال الأكمل: وهو الظاهر، قلت: الظاهر هو الأول على ما لا يخفى.
م: (ولأبي حنيفة أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب) ش: اعترض عليه بأنه كذلك، لكن الغرض أن يتبعه لنفقته، وإنما يصح بيعه أن لو كان قصده في البيع الحفظ، أجيب بأنه لما جاز بيعه للحفظ حقيقة، فبقصده الإنفاق لا يتغير ملك الحقيقة، إذ لا تأثير للعزيمة في تغيير الحقيقة، لا يقال عارض جهة الحفظ جهة الإتلاف بالاتفاق، لأنا نقول الإتلاف بعد وجوب النفقة في

(5/709)


ألا ترى أن للوصي ذلك، فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ، ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها. وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر، ولا في الحفظ بعد الكبر. وإذا جاز بيع الأب والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه. كما لو باع العقار والمنقول على الصغير، جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته؛ لأنه من جنس حقه. وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه لم يضمنا، لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق، وإن كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن، لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية، لأنه نائب في الحفظ لا غير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحال لا يجب فلا تعارض. م: (ألا ترى أن للوصي ذلك) ش: أي بيع العروض على الوارث الكبير الغائب للحفظ. م: (فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ) ش: لأن العين يخشى عليه الهلاك. م: (ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها) ش: فلا يحتاج إلى بيعها للحفظ.
م: (وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلًا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر، وإذا جاز بيع الأب، والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه) ش: مقدار النفقة. م: (كما لو باع العقار، والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه) ش: لا يقال إذا قدرت الدين على جنس حقه من مال الغائب ينبغي أن يأخذه؛ لأنا نقول: إنما يأخذ رب الدين إذا امتنع المديون عن الإيفاء وهاهنا لم يعلم امتناعه لغيبته فلا يأخذ. م: (وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه، لم يضمنا؛ لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر) ش: أشار به إلى ما قال عند قوله، ولا يُقضى بالنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء. م: (وقد أخذا) ش: أي الأبوان. م: (جنس الحق) ش: فلا يضمنا شيئًا.
م: (وإن كان له) ش: أي الابن. م: (مال في يد أجنبي، فأنفق) ش: أي الأجنبي. م: (عليهما) ش: أي على أبويه. م: (بغير إذن القاضي ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية؛ لأنه نائب في الحفظ لا غير) ش: لأنه لا ولاية له عليه، ولا نيابة، حيث لم يكن وكيلًا عنه في الدفع. وقال الكاكي: بغير إذن القاضي ضمن أي في القضاء، أما ديانة فلا ضمان عليه حتى كان له أن يحلف بعد موت المودع أنه لا حق لورثته قبله، لأنه لم يدر بذلك غير الإصلاح.
وفي " النوادر ": إذا لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لا يضمن استحسانًا. وقد قالوا في رجلين كانا في سفر فعمي أحدهما، فأنفق رفيقه عليه من ماله، أو مات فجهزه صاحبه من ماله لا يضمن استحسانًا، وكذا العبد المأذون في التجارة إذا كان في بلاد بعيدة، فمات مولاه، فأنفق على نفسه وما معه من الأمتعة والدواب لا يضمن استحسانًا.
وكذا روي عن مشايخ أنهم قالوا: إذا كان للمسجد أوقاف، ولم يكن له متول، وقام

(5/710)


بخلاف ما إذا أمره القاضي، لأن أمره ملزم لعموم ولايته، وإذا ضمن لا يرجع على القابض، لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه كان متبرعا به. وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت، لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة، حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة، بخلاف نفقة الزوجة، إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى. قال: إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه، لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجل من أهل المحلة في جمع ريع الأوقاف لينفق على مصالح المسجد بما يحتاج إليه من شراء الزيت والحصير لا يضمن.
م: (بخلاف ما إذا أمره القاضي؛ لأن أمره ملزم لعموم ولايته. وإذا ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لا يرجع على القابض) ش: وهو الأب والأم. م: (لأنه ملكه بالضمان) ش: أي لأن الأجنبي ملك المدفوع بالضمان. م: (فظهر أنه كان متبرعًا به) ش: أي بملك نفسه. م: (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة، فمضت مدة، سقطت) ش: أي النفقة، وبه قال الشافعي وأحمد.
م: (لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة) ش: أي كفاية الحاجة. م: (بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي) ش: حيث لا تسقط، لأن نفقة المرأة جارية مجرى الديون. م: (لأنها تجب مع يسارها) ش: أي مع يسار المرأة. م: (فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى) ش: لما قلنا أنها كالدين، فلا تسقط بمضي المدة.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه) ش: هذا استثناء من قوله سقط، أراد أن القاضي إذا أذن لهم في الاستدانة عليه، فحينئذ لا تسقط نفقتهم بمضي المدة لأن ما أخذوه بإذن القاضي صار دينًا على الغائب، فلم يسقط بعد ذلك كسائر الديون. م: (لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينًا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة) ش: وقال الكاكي: قوله: لأن إذن القاضي بالاستدانة، وإن كانت الاستدانة من نفقة ذوي الأرحام.
وذكر في زكاة الجامع: أن نفقة المحارم تصير دينًا بالقضاء، ويسقط، واختلف المشايخ فيه، قيل ما ذكر في " الجامع " إذا استدان المقضي له بالنفقة، وأنفق كانت الحاجة قائمة مقام الدين. وما ذكر على غيره إذا أنفق من غيره إذا أنفق من استدانة، بل أكل من الصدقة أو المسألة، فلم تبق الحاجة بعد مضي المدة، وإليه مال السرخسي في كتاب "النكاح"، وقيل: ما ذكر في سائر الكتب ما إذا طالت المدة، وما ذكره في الجامع الصغير ما قصرت المدة، فإنه يصير دينًا بالقضاء، وكيف لا يصير دينًا والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم يصر دينًا لم يكن الأمر بالقضاء بالنفقة، والفصل بين القليل والكثير بالشهر.

(5/711)


فصل وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المماليك: «إنهم إخوانكم، جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» فإن امتنع، وكان لهما كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما، لأن فيه نظرا للجانبين حتى يبقى المملوك حيا، ويبقى فيه ملك المالك. وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤاجر مثلها، أجبر المولى على بيعهما، لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما وإبقاء حق المولى بالخلف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات]
م: (فصل) ش: جميع هذا الفصل بين نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات، وأخَّره عن الجميع وهو نفسه ظاهر. م: (وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده) ش: هذا بإجماع العلماء إلا عامرا الشعبي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في المماليك: «إنهم إخوانكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» .
ش: هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي ذر الغفاري، في حديث، هذا الذي ذكره المصنف بعضه، ولفظه: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم شيئًا، فأعينوهم» . ولفظ: «لا تعذبوا عباد الله» في رواية أبي داود، ولكن لفظه: «ومن لا يلائمكم منه فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله» ، ثم المستحب أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، وحديث أبي ذر محمول على الاستحباب. وقال ابن شهاب: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فليطعمه مما يأكل» خرج مخرج الغالب طعمتهم متساوية وكذا كسوتهم.
م: (فإن امتنع) ش: أي المولى عن الإنفاق على أمته وعبده. م: (وكان لهما) ش: أي للأمة والعبد. م: (كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما؛ لأن فيه نظرًا للجانبين) ش: جانب المولى وجانب الأمة والعبد. م: (حتى يبقى المملوك حيًا، ويبقى فيه ملك المالك، وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدًا زمنًا أو جارية لا يؤاجر مثلها. أجبر المولى على بيعهما لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما) ش: الإيفاء مصدر من أوفى يوفي من الوفاء. م: (وإبقاء حق المولى) ش: من أبقى يبقي إبقاء من البقاء. م: (بالخلف) ش: وهو الثمن.
وفي " الذخيرة ": في ظاهر مذهب أصحابنا، لا يجبر الإنسان على نفقة غير الرقيق، كالحيوانات وغيرها، كالدور والعقار والزروع والثمار، إلا أن يكره، لأن فيه يضيع المال، وفيه رجل له عبد ومدبر أو أمة أو مدبرة أو أم ولد يجبر على نفقتهم، فإن أبى فكل من يصح للإجارة يؤجر، وينفق عليه من أجرته، ومن لا منفعة به لعذر، صغر أو كبر أو زمانة، وما أشبه ذلك، ففي العبد والأمة يجبر على بيعهما، وفي المدبرة وأم الولد يجبر على الإنفاق عليهما وفي المكاتب

(5/712)


بخلاف نفقة الزوجة، لأنها تصير دينا، فكان تأخيرا على ما ذكرنا، ونفقة المملوك لا تصير دينا، فكان إبطالا. وبخلاف سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق، فلا يجبر على نفقتها، إلا أنه يؤمر به فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن تعذيب الحيوان، وفيه ذلك. ونهى عن إضاعة المال، وفيه إضاعته. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجبر، والأصح ما قلنا. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمكاتبة لا يجبر لالتحاقهم بالأحرار. عبد بين رجلين تنازعا فيه يجبران على نفقته وفي الدابة يجبران ولو طالب أحدهما من القاضي أن يأمره بالنفقة حتى لا يكون متطوعًا فالقاضي بقول الآخر الآتي، إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك، هكذا ذكره الخصاف، وذكر السرخسي أنه لا يجبر.
م: (بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها تصير دينًا، فكان تأخيرًا على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: بخلاف نفقة الأزواج إذا قضى لها القاضي، لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط. م: (ونفقة المملوك لا تصير دينًا فكان إبطالًا) ش: فيجبر على البيع. م: (وبخلاف سائر الحيوانات) ش: حيث لا يجبر على الإنفاق عليها. م: (لأنها ليست من أهل الاستحقاق) ش: إذ لا بد من القضاء والإحياء ومن المقضي عليه، والعبد يصلح والحيوانات لا تصلح. م: (فلا يجبر على نفقتها إلا أنه يؤمر به) ش: أي بالإنفاق. م: (فيما بينه وبين الله تعالى لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «نهى عن تعذيب الحيوان» ش: وقد تقدم عن قريب ما رواه أبو داود: «لا تعذبوا خلق الله» ، وسنده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن عمر عن معروف بن سويد به. م: (وفيه ذلك) ش: أي وفي الامتناع عن إنفاق الحيوانات تعذيب الحيوان.
م: «ونهى عن إضاعة المال» ش: وهو ما رواه البخاري بإسناده إلى المغيرة، قال: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ووأد البنات وهن أحياء» . م: (وفيه إضاعته) ش: وفي ترك الإنفاق على الحيوانات إضاعة.
م: (وعن أبي يوسف: أنه يجبر) ش: مالك الحيوانات على النفقة عليها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، لأن فيه إضاعة المال وتعذيب الحيوان وهما منهيان. م: (والأصح ما قلنا) ش: أي لا يجبر على إنفاق سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق.
فروع: عبد صغير في يد رجل، فقال لغيره: هذا عبدك أو وديعة عندي، فأنكر، يستحلف بالله ما أودعه، ويقضي بنفقته على ذي اليد، لأنه أقر برقه، ولم يثبت لغيره، فيبقى على حكم ملكه، ولو كان كبيرًا لا يستحلف، لأنه في يد نفسه، والقول قوله في الرق والحرية، والنفقة تجب

(5/713)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على من له المتعة مالكًا كان أو غير مالك.
مسألة: أُوصي بجارية لإنسان وبما في بطنها لآخر، فالنفقة على الموصى له بالجارية. ولو أَوصى الإنسان بدار وبسكناها لآخر وهي تخرج من الثلث، فالنفقة على صاحب السكنى؛ لأن المنفعة له. فإن قال صاحب السكنى: قد انهدمت الدار، أنا أبنيها وأسكنها، كان له ذلك، ولا يصير متبرعًا، لأنه يصير مضطرًا فيه، لأنه لا يصل إلى حقه إلا به، كصاحب العلو مع صاحب السفل، وامتنع صاحبه مع بنائه.
وكذا لو أُوصي بنخل ولآخر بثمره، فالنفقة على صاحب الثمرة. وفي التبن والحنطة وإن بقي شيء من ثلث ماله، فالتخليص في ذلك على صاحب المال، وإن لم يبق، فالتخليص عليهما، لأن المنفعة لهما. وفي السمسم أُوصي بدهنه لواحد وبشجره لآخر، فالنفقة على صاحب الدهن.
عن محمد: ذَبح شاة وأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر، فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن. وقيل: أجرة الذبح على صاحب اللحم دون الجلد. وفي " التنبيه ": ينبغي أن تجب نفقة المبيع قبل القبض على المشتري. والصحيح أن نفقته على البائع ما دام في يده. وفي " المغني ": لا يجبر العبد على الضريبة. وكان كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يضربون الضراب على رقيقهم. روي أنه كان ألف مملوك للزبير، على كل واحد منهم كل يوم درهم، والله أعلم بالصواب.

(5/714)