البناية شرح الهداية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب العتاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب العتاق] [تعريف العتاق]
م: (كتاب العتاق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام العتاق، والمناسبة في ذكر العتاق بعد الطلاق لأنهما يتساويان في إسقاط السراية واللزوم، ولا يقبل العتق الفسخ كالطلاق، إلا أنه قدم الطلاق على العتاق، مع أنه غير مندوب إليه بمقابلة ذكر النكاح، وقد قلنا: إن العتاق إسقاط الحق، والإسقاطات أنواع يختلف أسماؤها باختلاف أنواعها، فإسقاط الحق من الرق عتق، وإسقاط الحق عن البضع طلاق، وإسقاط ما في الذمة براءة، وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات عفو.
ثم العتاق والعتق عبارتان عن القوة، يقال: عتق الطائر: إذا قوي فطار عن وكره، ومنه عتاق الطير لاختصاصها بمزيد القوة، والخمرة إذا تقادم عهدها تسمى عتيقاً لاختصاصها بزيادة القوة. والكعبة تسمى عتيقاً لاختصاصها بالقوة الدافعة للتملك عن نفسها وخلاصها من أيدي الجبابرة، والعتيق: الجميل، ومنه تسمى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عتيقاً، لجماله، وقيل: لقدمه في الخير، وقيل: لعتقه من النار، وقيل: لشرفه. وقيل: قالت أمه لما وضعته: هذا عتيقك من الموت، فوهبته له، وكانت لا يعيش لها ولد. أو قيل: اسمه العلم. يقال: أعتق يعتق عتقاً وعتاقاً، وأعتقه سيده إعتاقاً. وفي " الصحاح ": العتق: الحرية، وكذا العتاق بفتح العين، والعبد عتيق أي معتق وفي " المغرب ": العتق: الخروج عن الملكية، وقد يقام العتق مقام الإعتاق، ومنه قول محمد: أنت طالق مع عتق مولاك إياك.
وفي " المبسوط ": الإعتاق لغة إثبات القوة، وفي الشرع إثبات القوة الشرعية بإزالة الرق الشرعي. والقوة الشرعية، كونه أهلاً للقضاء والولاية والشهادة، قادر على التصرف في الأغيار، وعلى دفع تصرف الأغيار عن نفسه.
وقال الأترازي: الإعتاق إزالة ملكه [ ... ] زوال إلى العتق، وهذا عند أبي حنيفة.
والعتق الحرية الحاصلة بعد الملك، وقالا: الإعتاق إثبات العتق، والملك عبارة عن المطلق الحاجر. والرق عبارة عن معنى إذا ثبت في الآدمي يصح تملكه، انتهى.
والحرية عبارة عن الخلوص، يقال: طين حر؛ أي خالص مما يشوبه، وأرض حرة أي خالصة لا خراج [في] غلتها ولا عشر.
وفي الشرع: الحرية خلوص حكمي يظهر في الآدمي بانقطاع حق الاعتبار عن نفسه، وإثبات هذا الوصف الحكمي يسمى إعتاقاً وتحريراً. ومن محاسنه أنه إحياء حكمي يخرج العبد عن كونه ملحقاً بالجمادات إلى كونه أهلاً للكرامات البشرية من قبول الشهادة والولاية والقضاء. ثم العتق

(6/3)


الإعتاق تصرف مندوب إليه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتاج إلى معرفة أشياء: [وهي] معرفة تفسيره، لغة وشرعاً، وقد ذكرناهما، وسببه وشرطه وركنه وحكمه وحقيقته وأنواعه.
فسببه: نوعان في الواجبات، ما شغل ذمته بوجوب الإعتاق من النذور والكفارات. وفي غير الواجبات هو ملك القريب، والنشاط الداعي إليه في نفسه من طلب الثواب، أو طلب رضاء غيره.
وشرطه: أن يكون المعتق حراً بالغاً مالكاً لملك اليمين.
وركنه: ما ثبت به العتق، وهو نوعان: صريح وكناية.
وحكمه: زوال الرق والملك عن المحل.
وصفته: أنه مندوب إليه لكنه ليس بعبادة حتى يصح من الكافر.
وأنواعه: المرسل والمعلق والمضاف إلى ما بعد الموت، وكل منها إما ببدل أو بغيره.

[حكم الإعتاق]
م: (الإعتاق تصرف مندوب إليه) . ش: يقال: ندبه للأمر فانتدب، أي دعاه له فأجاب. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن مرجانة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار» .
وفي لفظ: «من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى الفرج بالفرج» ، وذكر البخاري في كتاب النذر: وينبغي أن لا يكون أشل ولا أعور ولا أصم وغير ذلك؛ لينال بذلك ما وعد الله في الحديث، يقول: حتى الفرج بالفرج. وثبت في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أفضلها أعلاها» روي بعين مهملة، وبغين معجمة. لو كان العبد اليهودي أو النصراني أكثر ثمناً من المسلم، فإعتاق اليهودي والنصراني أفضل من المسلم عند مالك؛ لظاهر الحديث. وقال أصبغ: المسلم أفضل، وهو الحق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما رجل أعتق مسلماً» . وقال عبد الملك: أعلاها ثمناً في ذوي الدين، ولو غلب على ظنه أنه لو أعتقه يذهب إلى دار الحرب أو يرتد أو يخاف منه السرقة أو قطع الطريق، كان إعتاقه محرماً وينفذ عتقه. وفي " المحيط " وغيره: الإعتاق على ثلاثة أقسام: قربة ومباح ومعصية. فالقربة لوجه الله تعالى، والمباح هو العتق لزيد، والمعصية الإعتاق لوجه الشيطان، أو للصنم، وعند الظاهرية لا يعتق في هذا الوجه. وفي " التحفة ": الإعتاق أنواع، قد يكون قربة وطاعة لله تعالى بأن أعتق لوجه الله تعالى، أو نوى كفارة عليه، وقد يكون مباحاً غير قربة، بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان، وقد يكون معصية، بأن قال: أنت حر لوجه الشيطان، ويقع العتق أيضاً، ومال العبد لمولاه عند الجمهور، وعند الظاهرية للعبد، وهو

(6/4)


ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء. قال: العتق يصح من الحر البالغ العاقل في ملكه شرط الحرية، لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ، لأن الصبي ليس من أهله؛ لكونه ضررا ظاهرا، ولهذا لا يملك المولى عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول الحسن وعطاء والنخعي والشعبي ومالك وأهل المدينة؛ لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد» رواه أحمد. وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا أعتق عبداً لم يتعرض لماله.
وللجمهور ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال لغلامه: يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً وهباً، فأخبرني بمالك، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده» رواه الأثرم، ويدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا ًوله مال فماله لبائعه» ، وقال الوليد: هذا الحديث خطأ، وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من باب التنفيل.
م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العضو في مقابلة العوض في الإعتاق. م: (استحبوا) . ش: أي العلماء. م: (أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء) . ش: ومقابلة الفرج بالفرج إنما تتحقق بين الذكرين، وبين الأنثيين، بخلاف ما إذا كان بين الذكر والأنثى.
م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (والعتق يصح من الحر العاقل البالغ في ملكه) . ش: الذي يدل عليه كلام القدوري أن لصحة الإعتاق أربع شرائط: الأول: الحرية، والثاني: العقل، والثالث: البلوغ، والرابع: أن يكون العبد في الملك، وشرحها المصنف كما ترى فقال. م: (شرط) . ش: أي القدوري. م: (الحرية لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ) . ش: بالنصب، أي وشرط البلوغ. م: (لأن الصبي ليس من أهله) . ش: أي من أهل العتق، أي الإعتاق. م: (لكونه) . ش: أي لكون الإعتاق ضرراً في حقه. م: (ضرراً ظاهراً) . ش: أي في حقه. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق. م: (لا يملك المولى عليه) . ش: أي على الإعتاق عنه، وكذا الوصي، وإنما قلنا أي الإعتاق؛ لأن الصبي من أهل العتق، ألا ترى أنه لو ورث أخاه يعتق عليه، يدل على أنه من أهل العتق، ولكنه ليس من أهل الإعتاق.

(6/5)


والعقل؛ لأن المجنون ليس بأهل للتصرف، ولهذا لو قال البالغ أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله،
وكذا لو قال المعتق: أعتقت وأنا مجنون، وجنونه كان ظاهرا؛ لوجود الاستناد إلى حالة منافية، وكذا لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت لأنه ليس بأهل لقول ملزم، ولا بد أن يكون العبد في ملكه حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ عتقه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم» ، وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد عتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا، فأغنى ذلك عن النية والوضع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والعقل) . ش: بالنصب أيضاً أي وشرط العقل. م: (لأن المجنون ليس من بأهل للتصرف، ولهذا) . ش: أي ولكون الصبي غير أهل للتصرف. م: (لو قال البالغ: أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله) . ش: لأنه لما أسند إلى حالة منافية للإعتاق كان إنكاراً منه للإعتاق، والقول للمنكر.

[قال المعتق أعتقت وأنا مجنون]
م: (وكذا لو قال المعتق أعتقت وأنا مجنون) . ش: يعني يكون القول قوله، ولكن فيه شرط، أشار إليه بقول. م: (وجنونه كان ظاهراً) . ش: قيد به لأن جنونه لو لم يكن ظاهراً لا يسمع كلامه، وقوله. م: (لوجود الاستناد إلى حالة منافية) . ش: أي للإعتاق، وهذا التعليل يشمل الفصلين، أعني فصل دعوى البالغ الإعتاق في حالة الجنون [....] . م: (وكذا) . ش: أي ولا يصح العتق. م: (لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت، لأنه ليس بأهل لقول ملزم) . ش: يعني لأن الصبي يوجب الحجز عن الأقوال.
فإن قيل: لا نسلم بذلك بل هو أصل له، ألا ترى أن صبياً لو أقر بالرق لزمه، حتى لو ادعى بعد البلوغ حرية الأصل لا يسمع دعواه. أجيب بأن اللزوم ثمة هو يد صاحب اليد، وإقراره مؤكد مؤبد له. م: (ولا بد أن يكون العبد في ملكه) . ش: يعني وقت الإعتاق، وهو قول الجمهور، وقال مالك: إنه يعتق عبد ابنه الصغير، وليس له أن يعتق عبد ابنه الكبير. م: (حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ) . ش: إنما قال لا ينفذ، ولم يقل: لا يصح، ولا يجوز، لأن إعتاق ملك الغير صحيح، وينفذ بإجازة المالك عندنا، ولا ينفذ بغير إجازته. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. م: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» . ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك» .
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.. م: (وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد أعتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه) . ش: أي في الإعتاق، ولا خلاف فيه لأحد. م: (لأنها مستعملة فيه شرعاً وعرفاً، فأغنى ذلك عن النية) . ش: لأن هذه الألفاظ صريحة فلا تحتاج إلى النية. م: (والوضع) . ش: أي وضع هذه الألفاظ.

(6/6)


وإن كان في الإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق، والبيع وغيرهما، ولو قال عنيت به الإخبار بالباطل أو أنه حر من العمل صدق ديانة؛ لأنه يحتمله ولا يدين قضاء لأنه خلاف الظاهر.
ولو قال له: يا حر يا عتيق، يعتق؛ لأنه نداء بما هو صريح في العتق، وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور، هذا هو حقيقته فيقتضي تحقق الوصف فيه، وأنه يثبت من جهته فيقتضي ثبوته تصديقا له، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى، إلا إذا سماه حرّا ثم ناداه يا حر؛ لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به. ولو ناداه بالفارسية يا آزاد وقد لقبه بالحر، قالوا يعتق، وكذا عكسه إذ ليس فيه نداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كان في الإخبار) . ش: في الأصل لأنه صورة الإخبار. م: (فقد جعل) . ش: أي هذا الوضع. م: (إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة) . ش: أي لحاجة الناس. م: (كما في الطلاق) . ش: فإن قوله: أنت طالق، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء لحاجة الناس إليه. م: (والبيع) . ش: أي وكما في البيع، فإن قول البائع: بعت، وقول المشتري: اشتريت، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء. م: (وغيرهما) . ش: مثل الإجازة ونحوها. م: (ولو قال عنيت به الإخبار) . ش: أي لو قال قصدت به، أي بلفظ من الألفاظ المذكورة الإخبار. م: (بالباطل) . ش: أي بالكذب. م: (أو أنه حر من العمل) . ش: أي أو قال قصدت به أنه حر من العمل أي لا أستعمله في عمل. م: (صدق ديانة) . ش: أي فيما بينه وبين الله تعالى. م: (لأنه يحتمله) . ش: أي يحتمل ما قصده باعتبار وضعه الأصلي. م: (ولا يدين قضاء) . ش: أي ولا يصدق من حيث القضاء. م: (لأنه خلاف الظاهر) . ش: لأن الظاهر أنه إنشاء، والإنشاء إثبات أمر لم يكن.

[قال لعبده يا حر يا عتيق]
م: (ولو قال له: يا حر، يا عتيق؛ يعتق، لأنه نداء بما هو صريح في العتق وهو) . ش: أي النداء. م: (لاستحضار المنادى بالوصف المذكور) . ش: وهو الحرية. م: (هذا هو حقيقته) . ش: أي حقيقة المنادى بما هو موضوع للحرية. م: (فيقتضي تحقق الوصف فيه) . ش: أي تحقق هذا الوصف فيه، وهو الحرية. م: (وأنه يثبت من جهته) . ش: أي وإن الوصف، وهو الحرية يثبت من جهة المنادي. م: (فيقتضي ثبوته) . ش: أي ثبوت الوصف. م: (تصديقاً له) . ش: أي لكلامه. م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أي في مسألة يا ابني يا أخي. م: (إلا إذا سماه حراً) . ش: هذا استثناء من قوله يعتق إلا إذا سمى عبده بلفظ حر.
م: (ثم ناداه يا حر) . ش: فإنه لا يعتق. م: (لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به) . ش: فلا يكون إنشاء للحرية.. م: (ولو ناداه بالفارسية يا آزاد) . ش: بفتح الهمزة وبالزاء المخففة وبالدال المهملة. م: (وقد لقبه بالحر) . ش: أي والحال أنه قد لقب عبده بهذا اللفظ. م: (قالوا) . ش: أي قال المشائخ. م: (يعتق، وكذا عكسه) . ش: يعني إذا ناداه بقوله يا حر وقد سماه آزاد يعتق. م: (إذ ليس فيه نداء باسم علمه) . ش: أي لأنه لم يناده باسم علمه. م: (فيعتبر إخباراً عن الوصف) . ش: أي الحرية لأنه

(6/7)


وكذلك لو قال رأسك حر، ووجهك، فيعتبر إخبارا عن الوصف، وكذا لو قال: رأسك حر، ووجهك، أو رقبتك أو بدنك، أو قال لأمته: فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق، وإن أضافه إلى جزء شائع يقع في ذلك الجزء، وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، وإن أضافه إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والكلام فيه كالكلام في الطلاق وقد بيناه. ولو قال: لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك، ويحتمل لأني أعتقتك، فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روى المعنى الذي وضع اللفظ له. وإذا قال لعبده: يا آزاد مرد، اختلف المشائخ فيه، قال بعضهم: يعتق، وقال بعضهم لا يعتق، وبه قال الفقيه أبو الليث في النوازل، لأنه إذا قيل آزاد يراد به العتق، وإذا قيل آزاد مرد يراد به الإنسانية ولا يراد به العتق.

[قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك]
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك يعتق. م: (لو قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك أو قال لأمته فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق) . ش: بأنه إذا قال رأسك طالق أو وجهك طالق، وقد مر فيه كتاب الطلاق. م: (وإن أضافه) . ش: أي الإعتاق. م: (إلى جزء شائع) . ش: كالنصف والثلث وما أشبه ذلك. م: (يقع في ذلك الجزء) أي يقع العتق في ذلك الجزء الشائع ثم يؤدي إلى الجميع كمن أعتق بعض جاريته. م: (وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى) . ش: يريد به الاختلاف في مجرى الإعتاق عند أبي حنيفة وصاحبيه على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
م: (وإن أضافه) . ش: أي وإن أضاف الإعتاق. م: (إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل) . ش: فإنهما لا يعبر بهما عن البدن. م: (لا يقع عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد أيضاً. م: (والكلام فيه) . ش: أي في الإعتاق. م: (كالكلام في الطلاق وقد بيناه) . ش: أي في باب إيقاع الطلاق، وفي " المنتقى " قال لعبده: ذكرك حر، يعتق، ولو قال: فرجك حر، قيل: يعتق كالأمة. وقال محمد: لا يعتق، لأن فرجه لا يعبر به عن جميع البدن، بخلاف الأمة. ولو قال لأمته: فرجك حر عن الجماع، عتقت. وفي " المحيط ": لو قال: ذكرك حر، أو رأسك حر، أو قال لأمته، ذكر ابن سماعة: أنه يعتق كالفرج. وقيل: لا يعتق، وهو الأصح، ومثله جزؤك، ولو قال: عنقك حر، قيل: لا يعتق كالمدبر، وقيل: يعتق كالرقبة. ولو قال: لسانك حر، يعتق وفي الدم روايتان.
م: (ولو قال لا ملك لي عليك، ونوى به الحرية يعتق، وإن لم ينو لا يعتق) . ش: لأنه من الكنايات، ونص أحمد صريح. م: (لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك، لأني بعتك، ويحتمل لأني عتقتك، فلا يتعين أحدهما مراداً إلا بالنية) . ش: وكذا لا رق لي عليك، وقيل: فيه روايتان. ولو

(6/8)


وقال وكذا كنايات العتق، وذلك مثل قوله: خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك، وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال لعبده هذا عبد الله، أو يا عبد الله لا يعتق، لأنه صادق. وفي المرغيناني: قال لعبده أعتقتك لله، يعتق. وقيل: يعتق بالنية، والمختار الأول.
ولو قال: العتاق عليك يعتق. ولو قال: عتقك علي واجب، لا يعتق، بخلاف الطلاق؛ لأنه واجب بالوقوع، ولو قال: تصبح حراً فهذا عتق مضاف إلى الغدو. ولو قال: تقوم حراً وتقعد حراً يعتق في الحال. ونقل صاحب " الأجناس " عن " نوادر ابن رستم " عن محمد: لو قال لمملوكه أنت غير مملوك لا يكون عتقاً، لكن ليس له أن يدعيه، وقال في " خلاصة الفتاوى " ليس له أن يستخدمه، فإن مات لا يرث بالولاء. وإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان مملوكاً. وقال فيه أيضاً وكذا لو قال: هذا ليس بعبدي لا يعتق.

[قوله خرجت من ملكي ولا رق لي عليك]
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وكذا كنايات العتق) . ش: أي وكذا يقع بها العتق إذا وجدت النية وإلا فلا. م: (وذلك) . ش: إشارة إلى تفسير ما ذكره القدوري. م: (مثل قوله خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق، فلا بد من النية) . ش: لتعين المراد. وقال في " التحفة ": في قول لا سبيل لي عليك إن نوى العتق ومات لم ينو يصدق في القضاء، لأنه لفظ مشترك إلا إذا قال: لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء؛ لأنه قد يراد به الموالاة في الدين بخلاف لفظ الولاية، فإنه يستعمل في ولاء العتق.
وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء، لأنه قد يراد به الموالاة في الدين، بخلاف لفظ الولاية فإنه يستعمل في ولاء العتق. وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك فهو رقيق لأن المولى قد يقول لعبده: لا سبيل لي عليك بالدم، لأنك وفيت بالخدمة وفعلت ما أمرتك. وقد يقول لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك، ولا سبيل لي عليك لأني أعتقتك، فإذا احتمل اللفظ العتق وغيره لم يقع إلا بالنية، انتهى، وقيل في لا سبيل لي عليك، لأن السبيل المضاف إلى العبد كناية عن الملك، لأنه طريق إلى نفاذ التصرف فيه، ولو نفى الملك بأن قال: لا ملك لي عليك ونوى العتق.
فإن قيل: زوال اليد إما أن يكون ملزوماً لزوال الملك أو لازماً له، فإن كان الأول فليكن مجازاً، لأن المجاز ذكر الملزوم وإرادة اللازم، وإن كان الثاني فليكن كناية عن الكناية ذكر اللازم

(6/9)


وكذا قوله لأمته: قد أطلقتك؛ لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى. ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد، وسمي السلطان به لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك، لأن للمولى على المكاتب سبيلا، فلهذا يحتمل العتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإرادة الملزوم. فالجواب أنه ليس بملزوم لزوال الملك لانفكاكه عنه، كما في المكاتب، ولا يلازم لانفكاكه زوال الملك عنه، فإن الملك يزول بالبيع قبل التسليم واليد باق إلى أن يسلم.
م: (وكذا قوله لأمته قد أطلقتك) . ش: أي كذا هذا اللفظ أيضاً من كنايات العتق. فإذا نوى العتق عتقت وإلا فلا. م: (لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بخلاف قوله طلقتك) . ش: حيث لا يثبت به العتق وإن نوى، لأنه صريح في الطلاق، فلا يثبت به العتق. م: (على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أراد به عند قوله لأمته أنت طالق.
م: (ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد) . ش: فيه تسامح، بل هو عبارة عن صاحب اليد والسلطنة، كذا قال الكاكي، وقال الأكمل: يقال لفلان سلطنة، ويراد بها القدرة الثانية من حيث اليد والاستيلاء ففيه نفي اليد، فكأنه قال لا يد لي عليك، ولو قال ذلك ونوى به العتق لم يعتق لجواز أن تزول اليد ويبقى الملك. قلت: ما قاله حاصل ما قاله المصنف بقوله. م: (وسمي السلطان به) . ش: أي بلفظ السلطان. م: (لقيام يده) . ش: بتصرفه كيف شاء. م: (وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب) . ش: فإن المولى لا يد له على المكاتب وملكه فيه باق.
م: (بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه) . ش: أي نفي السبيل. م: (مطلقاً) . ش: يعني من غير قيد بشيء يكون. م: (بانتفاء الملك؛ لأن للمولى على المكاتب سبيلاً) . ش: يعني من حيث المطالبة ببدل الكتابة، حتى إذا انتفى عند ذلك بالبراءة يعتق. م: (فلهذا يحتمل العتق) . ش: أي فلأجل أن نفي السبيل مطلقاً بانتفاء الملك يحتمل قوله: لا سبيل لي عليك، العتق. وقال الأترازي: وقد روي عن الكرخي أنه قال: ما صح لي وجه الفرق بين المسألتين، وقد فني عمري، وقال أبو بكر الرازي: خرج الشيخ أبو الحسن الكرخي من الدنيا، والفرق بين السبيل والطلاق مشكل عليه. وقال الكاكي: والفرق ما ذكره في الكتاب.
ووجه آخر أن السلطان مشترك بين الحجة واليد، ونفي أحدهما لا يستدعي نفي الآخر، ونفي كل واحد منهما لا يستدعي نفي الملك كما في الكتابة، وفي " الينابيع " قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لا يعتق، وقيل يعتق. وقال الأترازي: لفظ القدوري في مختصره لا يعتق، وهو رواية الأصل، وقال في " الحاوي ": يعتق إذا نوى.

(6/10)


ولو قال: هذا ابني وثبت على ذلك عتق، ومعنى المسألة إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله، ذكره بعد هذا، ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه، فإذا ثبت عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر إعمال الحقيقة. ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه]
م: (ولو قال هذا ابني وثبت على ذلك عتق) . ش: هذا القيد اتفاقي، لأنه ذكر في " الينابيع " الثبوت على الإقرار ليس بلازم، ولهذا لم يذكر هذا اللفظ في " المبسوط ". وفي " أصول فخر الإسلام " الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب لا للعتق.
وفي " المحيط " و " جامع شمس الأئمة " و " المجتبى ": هذا ليس بقيد، حتى لو قال بعد قوله هذا ابني: أوهمت أو أخطأت يعتق ولا يصدق. ولو قال لأجنبية يولد مثلها لمثله هذه بنتي وتزوجها بعد ذلك جاز أصر على ذلك أم لا، قالوا: هذا الجواب في معروفة النسب، أما في مجهولة النسب، أي دام على ذلك ثم تزوجها لم تجز وإلا جاز. وقال صاحب " المجتبى ": عرف بهذا أن الثبوت على ذلك شرط في الفرقة وامتناع جواز النكاح دون العتق.
م: (ومعنى المسألة) . ش: إنما قال - ومعنى المسألة - لأن المسألة ذكرها القدوري، وفسرها المصنف بقوله، معنى المسألة. م: (إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله ذكره بعد هذا) . ش: أي ذكره القدوري بعد هذا بقوله وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني. م: (ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف ثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد يحتاج إلى النسب) . ش: حتى يحصل له معين وظهير. م: (فيثبت نسبه منه) . ش: أي فيثبت نسبه من مولاه، لأنه ليس له نسب معروف.
م: (فإذا ثبت، عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له) . ش: أي للعبد. م: (نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر) . ش: لأنه ثابت من الغير. م: (ويعتق إعمالاً للفظ في مجازه) . ش: يعني عملاً بمجاز اللفظ، لأن البنوة سبب التحرير، وإطلاق السبب وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز. م: (عند تعذر إعمال الحقيقة) . ش: لأن الذهاب إلى المجاز له طرق، منها عند تعذر الحقيقة وتعذر العمل بالحقيقة هنا ظاهر.
م: (ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: يعني عند بيان الدليل لأبي حنيفة في قوله - وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - والأصل في هذا الباب أن من وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه، أعني القرابات المحرمة للنكاح، كقوله هذا ابني، أو هذه بنتي، أو هذا أبي، أو هذه أمي، أو هذا عمي أو خالي، أو قال: هذا جدي، قال في " التحفة ": ذكر في ظاهر الرواية وسوى بين الكل إلا في الأخ والأخت، فإنه لا يعتق إلا

(6/11)


ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق، أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالات في الدين، والأعلى، والأسفل في العتاقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالنية. وروى عن أبي حنيفة أنه سوى بين الكل وقال يعتق.
ثم اعلم أن في قوله هذا أبي وهذه أمي وهو يصلح أن يكون ولداً لهما وهو مجهول النسب يثبت العتق، ولكن لا يثبت النسب ما لم يصدقاه، بخلاف قوله لمجهول النسب هذا ابني حيث يثبت العتق والنسب بلا تصديق، وعليه نص الحاكم، لأن في الصورة الأولى يحمل النسب على غيره فيعتبر تصديقه بخلاف النبوة، لأنه تحملها على نفسه، كذا في " الشامل "، ثم إذا قال له هذا ابني، هل تصير أمه أم ولد له إذا كانت في ملكه، بعضهم قالوا: لا يثبت الاستيلاء سواء كان الولد مجهول النسب أو معروف النسب. وقال بعضهم: يثبت في الحالين. وبعضهم فرق إن كان معروف النسب لا يثبت، وفي مجهول النسب يثبت. كذا في " التحفة ".

[قال لعبده هذا مولاي أو يا مولاتي]
م: (ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق) . ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وعليه نص الحاكم في الكافي، ولا يحتاج إلى النية لكونه صريحاً، كذا في " التحفة "، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن العيون قال: لا يعتق بالنداء إلا في موضعين، يا مولاي يا حر، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق بدون النية، وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (أما الأول) . ش: وهو قوله هذا مولاي. م: (فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر) . ش: أشار بهذا إلى أن لفظ المولى مشترك يجيء بمعنى الناصر، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (محمد الآية: 11) ، أي لا ناصر لهم. م: (وابن العم) . ش: قال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (مريم الآية: 5) ، أي ابن عمي بعد موتي، كذا قال أهل التفسير.
وقال طرفة:
فمالي أراني وابن عمي مالكاً ... متى أدن منه ينئى عني ويبعدا
فلو كان مولاي امرء غيره ... لفرج كربي أو لأنظر في غدا
والمولى في البيت بمعنى ابن العم.
م: (والموالات في الدين) . ش: يقال مولى الموالات وصورة الموالات حر عاقل بالغ مسلم غير معتق لأحد، ولم يعقل عنه بقوله لآخر أنت مولاي ترث عني إذا مت وتعقل إذا جنيت ويقول الآخر قبلت، فيكون القابل مولى له ويرث منه إذا مات ويعتق عنه إذا جنى. م: (والأعلى) . ش: أي المولى الأعلى، وهو الذي يعتق. م: (والأسفل في العتاقة) . ش: وهو الذي أنعم عليه بالعتق، والأعلى مقابله والمصنف ذكر للمولى خمسة معان. وذكر ابن الأثير: أنه يستعمل في ثلاث وعشرين معنى، وزاد عليه غيره، وما ذكره المصنف هو المشهور منها الخمسة المذكورة، ويطلق

(6/12)


إلا أنه تعين الأسفل فصار كاسم خاص له، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة وللعبد نسب معروف فينتفي الأول والثاني والثالث نوع مجاز، والكلام لحقيقته، والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا، فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح،
وكذا إذا قال لأمته هذا مولى لما بينا، ولو قال: عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يصدق في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الرب والمالك والسيد والمنعم والمنعم عليه بغير إعتاق والعبد والمحب والبائع والجار، والحليف والظهير، والمعقل والولي والوارث وابن الأخت والشريك والموضع الذي يكون فيه الحرب والسلم، لكن المعاني البعيدة لا يعرفها كل أحد، ولا يخطر ببال سيد العبد، فلا اعتبار بها فتعين ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (إلا أنه تعين الأسفل) . ش: أي غير أنه تعين المولى الأسفل. م: (فصار كاسم خاص له، وهذا) . ش: أشار به إلى وجه كون الأسفل كاسم خاص له بقوله. م: (لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة) . ش: أراد أنه لا يجوز أن يحمل المولى في قوله هذا مولاي على النصرة، لأن المولى لا يستنصر بعبده عادة. م: (وللعبد نسب معروف) . ش: أراد به أنه لا يحمل أنه أراد به ابن العم، لأنه على خلاف ذلك،. م: (فينتفي الأول) . ش: وهو حمله على الناصر. م: (فانتفى الثاني) . ش: أي انتفى الثاني، وهو حمله على ابن العم. م: (والثالث نوع مجاز) . ش: أراد به المولى في الدين، لأن المولى مشتق من المولي، وهو القريب، ولا قرب بين المشرقي والمغربي من حيث الحقيقة، ولا من حيث النسب، ولا من حيث المكان. فتعين القرب من حيث الدين، ولهذا جاز نفيه.
م: (والكلام لحقيقته) . ش: فتعين الأسفل. وقال الأترازي: سلمنا أن الكلام لحقيقته إذا لم يكن المجاز مراداً، أما إذا كان مراداً فلا نسلم على أنا نقول لفظ المولى مشترك وله حقائق لا حقيقة واحدة، فلا يتعين الأسفل مع تصريحه بأنه لم يرده، بل أراد به معنى آخر، انتهى.
قلت: في كلامه نظر، لأن المصنف ما منع الإشراك، بل صرح، لأنه ذكر له خمسة معان، ثم بين أنه ما كان يصلح ذلك على معنى منها غير المولى الأسفل، فتعين لذلك.
م: (والإضافة إلى العبد) . ش: يعني في قوله هذا مولاي. م: (ينافي كونه) . ش: أي في كون العبد. م: (معتقاً) . ش: بكسر التاء، حاصله أنه لا يحمل على أنه أراد به المولى الأعلى، لأن العبد لا يعتق مولاه. م: (فتعين المولى الأسفل) . ش: وهو العبد الذي أنعم عليه بالعتق، كما ذكرنا، فإذا كان كذلك م: (فالتحق بالتصريح) ش: في إيقاع العتق بدلالة الحال في المحل، وهو كونه عبداً.

[قال لأمته هذه مولاتي]
م: (وكذا لو قال لأمته هذه مولاتي لما بينا) . ش: أي لما بينا من الدليل في قوله هذا مولاي. م: (ولو قال عنيت به) . ش: أي لو قال القائل المذكور قصدت بقولي هذا مولاي. م: (المولى في الدين أو الكذب) . ش: بالنصب، أي أو قال عنيت به الكذب. م: (يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق

(6/13)


القضاء لمخالفة الظاهر. وأما الثاني فلأنه لما تعين الأسفل مراده التحق بالصريح، وبالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعتق في الثاني لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي، قلنا الكلام لحقيقته، وقد أمكن العمل به، بخلاف ما ذكره، لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراما محضا.

ولو قال: يا ابني، أو يا أخي لم يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى، إلا أنه إذا كان يوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص، كما في قوله يا حر، على ما بيناه، وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في القضاء لمخالفة الظاهر) . ش: أي ظاهر الكلام.
م: (وأما الثاني) . ش: عطف على قوله أما الأول، وأراد بالثاني قوله هذا مولاي. م: (فلأنه لما تعين الأسفل مراده) . ش: أي لما تعين المولى الأسفل حال كونه مراده. م: (التحق بالصريح) . ش: الدال على الإعتاق. م: (بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق، فكان النداء، بهذا اللفظ) . ش: أي بقوله يا مولاي.
م: (وقال زفر: لا يعتق في الثاني) . ش: أي في قوله يا مولاي. م: (لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي) . ش: وقال في " الفتاوي الصغرى ": إذا قال يا سيدي أو يا مالكي إذا لم ينو العتق لا يعتق، وإذا نوى فعن محمد روايتان.
م: (قلنا الكلام لحقيقته) . ش: أراد أن الأصل استعمال اللفظ بحقيقته. م: (وقد أمكن العمل به) . ش: أي بقول هذا أمكن العمل بحقيقته، لأن معنى قوله يا مولاي من لي عليه ولاء العتاقة، فتعين الأسفل. م: (بخلاف ما ذكره) . ش: أراد به قوله يا سيدي يا مالكي يعني ليس فيه ما يدل على العتق، وهو معنى قوله. م: (لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراماً محضاً) . ش: وبه لا يحصل العتق وفي الواقعات قال يا سيدي أو سيدان نوى العتق عتق، وإن لم ينو قيل يعتق، وقيل لا يعتق، وقيل يعتق في يا سيدي. والمختار أنه لا يعتق. وفي " الحاوي " قال الحسن بن أبي مطيع: يعتق بقوله يا سيدي، ولا يعتق بقوله يا سيد. وقال بشر: لا يعتق فيهما إلا بالنية. وفي " النهاية " قال القاضي: لا يعتق، قال: والذي أراه كناية.

م: (ولو قال يا ابني أو يا أخي لا يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى) . ش: بفتح الدال، ولا يراد به ما وضع اللفظ له. م: (إلا أنه إذا كان) . ش: أي الذي قاله. م: (بوصف يمكن إثباته من جهته) . ش: أي إثبات ذلك الوصف من جهة المنادي. م: (كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى) . ش: بفتح الدال. م: (استحضاراً) . ش: أي لأجل استحضار. م: (بالوصف المخصوص نحو قوله يا حر على ما بيناه) . ش: يعني عند قوله بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر م: (وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف فيه لتعذره) . ش: أي لتعذر تحقيق الوصف، وأراد

(6/14)


الوصف فيه لتعذره،
والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء، فكان لمجرد الإعلام. ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شاذا أنه يعتق فيهما، والاعتماد على الظاهر. ولو قال: يا ابن لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر، فإنه ابن أبيه، وكذا إذا قال: يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة. والزمر كما أخبر،
ولئن قال لغلام لا يولد مثله لمثله، هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: لا يعتق، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم أنه كلام محال بحقيقته فيرد ويلغو، كقوله أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالوصف البنوة والأخوة ونحوهما من الأبوة.

م: (والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته، لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابناً له بهذا النداء) . ش: فإذا كان كذلك. م: (فكان) . ش: قوله يا ابني. م: (بمجرد الإعلام) . ش: في ظاهر الرواية. م: (ويروى عن أبي حنيفة شاذاً أنه يعتق فيهما) . ش: أي في قوله يا ابني ويا أخي قال في يتيمة الفتاوى إذا قال لعبده يا ابني، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق (والاعتماد على الظاهر) . ش: أي على ظاهر الرواية، وهو الذي ذكره القدوري، وهو المذكور في " نوادر النسفي ".
م: (ولو قال يا ابن) . ش: بالضم وقطع الإضافة على صورة المنادي المفرد. م: (لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر) . ش: لأنه صادق فيما أخبره. م: (فإنه ابن أبيه) . ش: أي ابن والده. م: (وكذا) . ش: أي وكذا لا يعتق. م: (إذا قال يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة) . ش: إلى ياء المتكلم. م: (والأمر كما ذكر) . ش: لأنه التصغير قد يكون للإكرام واللطف قاله الكاكي، والأحسن أن يقال قد يكون للشفقة والترحم.

م: (وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة) . ش: هذه من مسائل القدوري والمعنى أنه إذا قال لعبده الأكبر سناًَ منه هذا ابني، أو قال: هذا ولدي عتق عليه عند أبي حنيفة. م: (وقال لا يعتق، وهو قول الشافعي لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أنه كلام) . ش: أي أن كلامه هذا. م: (محال بحقيقته) . ش: لأن الأكبر سناً محال أن يولد من الأصغر سناً، وإذا كان محالاً. م: (فيرد ويلغو) . ش: فلا يعتق.
فإن قلت: لم لا يصار إلى المجاز؟ قلت: إذا كان محالاً بحقيقته لا يثبت مجازه، وهو الحرية. لأن المجاز خلف على الحقيقة، فإذا لم يتصور الأصل الخلف، فصار. م: (كقولك أعتقتك قبل أن أخلق، أو قبل أن تخلق) . ش: بالخطاب على صيغة المجهول، وتصور الأصل شرط لصحة المجاز، ألا ترى أنه إذا قال لمعروف النسب وهو أصغر سناً منه هذا ابني يثبت الحرية مجازاً لتصور الأصل، فإن مثله يجوز أن يولد له، لكن لم يثبت حكم الأصل لمانع، وهو أنه ثابت النسب من الغير، قال في " شرح الأقطع ": فرق أبو يوسف ومحمد بين معروف النسب

(6/15)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلام محال بحقيقته، لكنه صحيح بمجازه، لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة، وإطلاق السبب مستجاز في اللغة تجوزا، ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف، فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء، بخلاف ما استشهد به، لأنه لا وجه له في المجاز، فتعين الإلغاء، وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه. وإن كان القطع سببا لوجوب المال، لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص، وهو الأرش وأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين من لا يولد مثله لمثله، بأن معروف النسب يجوز أن يكون ابنه من الزنا. ومن ملك ابنه من الزنا عتق عليه.
م: (ولأبي حنيفة أنه) . ش: أي أن هذا الكلام. م: (محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه) . ش: لوجود طريق المجاز. م: (لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا) . ش: أشار به إلى قوله إخبار عن حرية. م: (لأن البنوة في المملوك سبب لحريته) . ش: لأنه لا توجد البنوة في المملوك إلا وقد وجد الحرية معها، فذكر الملزوم وإرادة اللازم، وذكر السبب، وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز م: (إما إجماعاً أو صلة للقرابة) . ش: يعني أن البنوة موجبة للصلة، والعتق صلة، فتكون البنوة موجبة للعتق. م: (وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوزاً) . ش: أي مجازاً. م: (ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف) . ش: في الأصول وغيره. م: (فيحمل عليه تحرزاً عن الإلغاء) . ش: أي فيحمل قوله هذا ابني على المجاز وهو الحرية تصحيحاً لكلامه.
م: (بخلاف ما استشهد به) . ش: على صيغة المجهول، وهو قوله أعتقتك قبل أن أخلق. م: (لأنه لا وجه له في المجاز) . ش: لأنه لا يتصور أن يكون الإعتاق قبل الانخلاق أصلاً، فلم يوجد السبب. م: (فتعين الإلغاء) . ش: أي إلغاء نداء الكلام. م: (وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان ذكر صحة الملزوم وإرادة اللازم مجوزة للمجاز، وإن لم يكن الحكم متصوراً لوجب عليه الأرش في الصورة المذكورة، لأن القطع خطأ سبب وجوب المال، فيكون قوله قطعت يدك مجازاً عن قولك على خمسة آلاف درهم، فاللازم باطل، والملزوم مثله، فأجاب بقوله بخلاف ما إذا قال لغيره. م: (قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازاً عن الإقرار بالمال والتزامه) . ش: يعني بالمال المطلق عن القطع، لأن القطع إنما يكون سبباً لوجوب مال هو أرش، وهو مخالف لوجوب مطلق المال.
م: (فإن كان القطع سبباً لوجوب المال) . ش: وهو واصل بما قبله يعني وإن كان القطع خطأ، فيكون سبباً لوجوب مال. م: (لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص وهو أرش وأنه) . ش: أي

(6/16)


يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين ولا يمكن إثباته بدون القطع، وما أمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له أما الحرية فلا تختلف ذاتا وحكما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأن المال المخصوص. م: (يخالف مطلق المال في الوصف) . ش: وهو الأرش، ثم أوضح ذلك بقوله. م: حتى وجب) . ش: أي المال الذي هو الأرش. م: (على العاقلة في سنتين) . ش: تثنية سنة، كذا قال " صاحب النهاية "، قال: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقال الكاكي، والأترازي: هو الصحيح.
وقال الأترازي: لأن الكلام وقع فيما إذا أقر بقطع الواحدة وأرش قطع اليد الواحدة، بنصف الدية، ثم الأرش إذا زاد على ثلث اليد يكون في ثنتين على العاقلة الثلث في السنة الأولى وللباقي في السنة الثانية، وما زاد على الثلث فالثلثان في سنتين، وما زاد في السنة الثالثة قال: في بعض النسخ في سنتين بلفظ الجمع وليس بشيء.
م: (ولا يمكن إثباته) . ش: أي إثبات الأرش. م: (بدون القطع) . ش: لوجود صحة اليد. م: (وما أمكن إثباته) . ش: أي والذي أمكن إثباته، وهو عبارة عن مطلق المال. م (فالقطع ليس بسبب له) ش: فيتقدر جعل الإقرار بقطع اليد مجازا عن الإقرار بمطلق المال على أن قطع اليد خطأ سبب لوجوب المال على العاقلة، فلو جعل مجازاً عن الإقرار بموجب المال لكان هذا إقراراً بوجوب المال على العاقلة والإقرار على الغير باطل ولا يمكن أن يجعل إقرار بما يخصه من الدية، لأن لازمة قطع اليد وجوب المال موزعاً على العاقلة، فإيجاب المال قصراً على واحد من العواقل لا تكون لازمة قطع اليد فلا يصح المجاز، ولأنه لما أخرجهما صحيحتين كان بمنزلة جرح لحقه برء على وجه لم يبق له أثر، فلا يتعلق به حكم بعد ذلك، لأنه لو ثبت حقيقة الجرح فبرأ لا يتعلق به الحكم، ففي المجاز أولى. ثم لأبي حنيفة في قوله هذا ابني طريقان أحدهما أنه بمنزلة التحرير ابتداء مجازاً بطريق إطلاق السبب على المسبب، فعلى هذا لا تكون الأم أم ولد إذا كانت في ملكه، لأنه ليس لتحرم الكلام ابتداء تأثير في أمومية الولد.
والطريق الآخر: أنه إقرار بالحرية مجازاً كأنه قال عتق علي من حين ملكته، فإن القوة في المملوك سبب العتق وهو الأصح، ولهذا قال في كتاب الإكراه: إذا أكره على أن يقول هذا ابني لا يعتق بالإكراه عليه، والإكراه يمنع صحة الإقرار بالعتق لا صحة التحرير ابتداء، فعلى هذا تصير الجارية أم ولد.
م: (أم الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً) . ش: هذا جواب عما يقال إذا أقر بقطع اليد لا يثبت المال مجازاً، لأن مطلق المال مخالف مالاً مخصوصاً وهو الأرش، فكذا الحرية. والثانية البنوة تخالف الحرية الثانية بالبنوة في كونها صلة للقريب، فلم يكن إثبات الحرية مجازاً للبنوة، كما لم يثبت في وجوب المال مجازاً لقطع اليد، فأجاب بقوله أما الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً، أي

(6/17)


فأمكن جعله مجازا عنه
ولو قال: هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على هذا الخلاف لما بينا. ولو قال لصبي صغير: هذا جدي قيل هو على الخلاف، وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة وهو الأب، وهي غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازا عن الموجب، بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجبا في الملك بلا واسطة،
ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق، ووجه الروايتين ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حيث الذات وهو زوال الرق، ولا يوجب الحكم وهو صلاحيته للقضاء والشهادة والولايات فكانت الحريتان سواء فيهما.
قال الأترازي: لأن الحرية عبارة عن زوال الرق، وهو شيء واحد لا يختلف بالإضافة إلى البنوة وغيرها وحكمها خاص في المحل للمالكية، ودفع ملك الغير إلا أنها قد توصف بكونها صلة الرحم وواجبة على التقريب، وذلك لا يوجب تنوعها كالحرية الواقعة في العاقل البالغ حيث يقع بحالة يترتب عليها. إذ الشهادة والولاية والإمارة بخلاف الحرية الواقعة في الطفل والمجنون، فإنهما لا توجب هذه الأهلية، ومع هذا لا يقال إنها تنوعت، فكذا هنا، فلما لم تكن الحرية مختلفة. م: (فأمكن جعله) . ش: أي جعل قوله هذا ابني. م: (مجازاً عنه) . ش: أي عن الحرية على تأويل العتق أو المذكور، ولو قال عنها لكان أحسن.

م: (ولو قال هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على الخلاف) . ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (لما بينا) . ش: يعني الوجه من الجانبين في قوله هذا ابني. م: (ولو قال صبي صغير هذا جدي قيل هو على الخلاف وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك) . ش: من بنوة أو حرية. م: (إلا بواسطة وهو الأب وهي) . ش: أي الواسطة. م: (غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازاً عن الموجب) . ش: وهذا يشير إلى أن الواسطة لو كانت مذكورة مثل أن يقول هذا جدي أبو أبي عتيق.
م: (بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجباً في الملك بلا واسطة) . ش: فيجعلان مجازاً للحرية. ولو كان يولد مثله لمثلهما وصدقاه ثبت ذلك وعتقا عليه.

م: (ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة أنه يعتق) . ش: في رواية الحسن عنه. م: (ووجه الروايتين ما بيناه) . ش: أما وجه رواية العتق فما ذكره بقوله، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب الحركة إلى آخره، فكذلك هاهنا الأخوة في الملك توجب العتق. وأما وجه رواية عدم العتق فقوله في مسألة الجد لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة، وكذلك هاهنا الأخوة لا تكون إلا بواسطة الأب والأم، لأنها عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم، وهذه الواسطة غير مذكورة، ولا موجب لهذه الكلمة بدون هذه الواسطة.
وقال في " المبسوط ": إن اختلاف الروايتين في الأخ إنما كان إذا ذكره مطلقاً، بأن قال: هذا

(6/18)


ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقد قيل هو بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم، فلا يعتبر وقد حققناه في النكاح. وإن قال لأمته: أنت طالق أو بائن أو تخمري ونوى به العتق لم يعتق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف سائر الألفاظ الصريح والكناية على ما قال مشايخهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - له أنه نوى ما يحتمله لفظه؛ لأن بين الملكين موافقة إذا كل واحد منهما ملك العين، أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخي، وأما إذا ذكره مقيداً، وقال هذا أخي لأبي وأمي فيعتق من غير تردد لما أن مطلق الأخوة مشتركاً قد يراد بها الأخوة في الدين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (الحجرات الآية: 10) . وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة، قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] (الأعراف الآية: 65) . وقد يراد بها الأخوة في النسب والمشترك لا يكون حجة.
فإن قيل. البنوة أيضاً مختلف بين نسب ورضاع، فكيف يثبت العتق بإطلاق قوله هذا ابني. أجيب: بأن البنوة من الرضاع مجاز، والمجاز لا يعارض الحقيقة.

[قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري]
م: (ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقيل هو) . ش: أي عدم العتق. م: (بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى. م: (فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم) . ش: أي المسمى معدوم. م: (فلا) . ش: يعني لا يمكن تصحيح الكلام إيجاباً، ولا إقرار في المعدوم، فلا يمكن أن تجعل البنت مجازاً عن الابن بوجه، ألا ترى أنه لا يعتق وإن كان احتمل أن يكون ابنه بأن كان يولد مثله لمثله.
كذا ذكره في " الأسرار " م: (وقد حققناه في النكاح) . ش: أي حققنا هذا الأصل في كتاب النكاح، في باب المهر عند قوله فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخمر فإذا هو خمر، فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة، فيرجع له.
م: (وإن قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري) . ش: أي أو قال لها تخمري. م: (ونوى به العتق لم يعتق، وقال الشافعي: تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف في سائر الألفاظ الصريح والكناية) . ش: مثل قوله لأمته أنت مطلقة وطلقتك وتخمري وتقنعي واغربي وخلية وبرية وحرام وما أشبه ذلك. م: (على ما قال مشايخهم) . ش: أي مشايخ الشافعية، وإنما قال مشايخهم، لأن المنصوص عن الشافعي لفظ الطلاق فحسب وأصحابه قاسوا عليها سائر ألفاظ الصريح والكناية.
م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أنه نوى ما يحتمله لفظه لأن بين الملكين موافقة) . ش: وهما ملك اليمين وملك النكاح. م: (إذا كل واحد منهما ملك العين أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت مبطل له) . ش: أي النكاح وملك اليمين،

(6/19)


مبطل له وعمل اللفظين في إسقاط ما هو حقه وهو الملك، ولهذا يصح التعليق فيه بالشرط، أما الأحكام تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفا، ولهذا يصلح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق، فكذا عكسه، ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه؛ لأن الإعتاق لغة إثبات القوة، والطلاق رفع القيد، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يجيء فيقدر ولا كذلك المنكوحة، فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتأقيت أن يجعل له وقت معين. م: (وعمل اللفظين) . ش: جواب عما يقال الإعتاق إثبات القوة، ولهذا تثبت به الأحكام مثل الأهلية والولاية والشهادة فأنى يشبه الطلاق الذي هو إسقاط مح، فأجاب بقوله وعمل اللفظين الطلاق والعتاق، وهو مبتدأ وخبره هو قوله. م: (إسقاط ما هو حقه وهو الملك) . ش: الضمير في قوله - هو - راجع في الوصفين إلى ماء الحاصل أنه أي أن الإعتاق أيضاً إسقاط.
م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق إسقاطاً. م: (يصح التعليق فيه بالشرط) . ش: كما يصح في الطلاق. م: (أم الأحكام) . ش: هذا جواب عما يقال للشافعي بأن قال: يثبت الإعتاق الأحكام، يعني الأهلية والولاية والشهادة، والطلاق إسقاط، فلا مناسبة بين الإسقاط والإثبات فلا يستعار الطلاق للعتاق، لعدم المناسبة، فأجاب أن الأحكام وهي التي ذكرناها. م: (تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفاً) . ش: لضمير في هو راجع إلى السبب، وفي كونه راجعاً إلى العبد، لأن الشهرة قائمة مقام الذكر.
والحاصل أن ثبوت الأحكام بالآدمية، ولكن الرق كان مانعاً فبالإعتاق زال المانع، وجوابه لو كان ثبوت الأحكام بالآدمية، وكونه مكلفاً لكانت القدرة موجودة للعبد، واللازم منتف، لأن الرق مناف للقدرة، وصحة التعليق لا يرد، لأن الإعتاق إسقاط على وجه يترتب عليه ثبوت هذه الأحكام، فباعتبار الإسقاط صح التعليق.
م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العتق يحتمل لفظ. م: (يصلح لفظ العتق، والتحرير كناية عن الطلاق) . ش: يعني إذا قال لامرأته أنت حرة ونوى به الطلاق صح مجازاً. م: (فكذا عكسه) . ش: أي صلح لفظ الطلاق كناية عن لفظ العتق.
م: (ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه) . ش: لأنه لا مناسبة بينهما تجوز الاستعارة. م: (لأن الإعتاق لغة إثبات القوة) . ش: مأخوذ من قولهم عتق الطائر إذا قوى وطار عن وكره، وفي الشرع أيضاً كذلك. م: (والطلاق رفع القيد) . ش: من قولهم أطلقت البعير عن القيد إذا حللته.
م: (وهذا) . ش: أشار به إلى إثبات القوة. م: (لأن العبد ألحق بالجمادات) . ش: جمع جماد، والجماد عبارة عما لا روح له. م: (وبالإعتاق يجيء فيقدر) . ش: أي على التصرفات الشرعية في الأقوال والأفعال. م: (ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة) . ش: ومالكها أمر نفسها. م: (إلا أن قيد النكاح

(6/20)


مانع، وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر القوة ولا خفاء أن الأول أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى، واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه، فلهذا امتنع في المتنازع فيه وإن ساغ في عكسه، وإذا قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا فوقع الشك في الحرية.

ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد، كما في كلمة الشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مانع) . ش: لأن ملك البضع عليها للزوج مانع. م: (وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر أثره) . ش: ويحدث له القدرة. م: (ولا خفاء أن الأول) . ش: أي الإعتاق. م: (أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح) . ش: لأن ملك اليمين قد يلتزم ملك المتعة إذا صادف الجواري الخالية عما يمنع من الاستمتاع بهن، وأما ملك النكاح فلا يستلزم ملك اليمين أصلاً. م: (فكان إسقاطه أقوى) . ش: أي إسقاط ملك اليمين أقوى، لأن كل ما هو أقوى فإسقاطه أقوى.
م: (واللفظ يصلح مجازاً عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه) . ش: وهذا لأن مثل هذا المجاز إنما يكون فيما إذا وجدت وصفاً مشتركاً بين ملزومين مختلفين في الحقيقة فهو في عهدهما أقوى منه في الآخر، وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما فيدعى أن ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى، ويطلق عليه اسم الأقوى، كما إذا قال: عبدك شجاع، وأنت تريد أن تلحق جرأته وقوته بجرأة الأسد وقوته فيدعي الأسدية له بإطلاق اسم الأسد عليه، وهذا كما ترى إنما يكون بإطلاق اسم القوي على الضعيف دون العكس، وإذا ظهر هذا بعد العلم بأن إزالة ملك اليمين أقوى ظهر لك جواز استعارة لفظ الإعتاق للطلاق دون عكسه.
م: (فلهذا امتنع في المتنازع فيه) . ش: أي امتنع المجاز في قوله: أنت طالق لأمته ونوى به العتق. م: (وإن ساغ في عكسه) أي جاز في قوله: أنت حرة لمنكوحته، ونوى به الطلاق، وقال الأكمل: الفرق بين المسألتين المذكورتين في الكتاب أنه في الأولى منع المناسبة، وإظهار السد بأن الإعتاق إثبات، والطلاق رفع فأنى يتناسبان. وفي الثانية تسليم أن كلاً منهما إسقاط لكن الإعتاق أقوى وهو ينافي الاستعارة.. م: (وإن قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق، لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفاً فوقع الشك في الحرية) . ش: فلا يعتق، حاصله أن المثل للتشبيه والشبهة بين الشيئين لا يقتضي اشتراكهما في جميع الوجوه، فلذلك لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، ومعنى المثل في اللغة النظير، كذا في " الجمهرة " وفي " التحفة ": ذكر في كتاب العتاق ثم قال: وقد قالوا: إنه إذا نوى العتق يعتق، فإنه ذكر في كتاب الطلاق، إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته ونوى الإيلاء ليصدق ويصير مولياً.

[قال لعبده ما أنت إلا حر]
م: (ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في كلمة الشهادة) . ش: فإن قوله: لا إله نفي الألوهية عن غير الله، وقوله: إلا الله إثبات الألوهية لله، وفيه إثبات الألوهية لله تعالى بآكد الوجوه، لأن الإثبات بعد النفي آكد وأبلغ من الإثبات

(6/21)


ولو قال رأسك رأس حر لا يعتق لأنه تشبيه بحذف حرفه، ولو قال رأسك رأس حر عتق، لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المجرد.

[وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية]
م: (ولو قال: رأسك رأس حر لا يعتق، لأنه تشبيه بحذف حرفه) . ش: أي حرف التشبيه، وهو الكاف، لأن أصله رأسك كرأس حر، فصار كقوله مثل الحر. م: (ولو قال رأسك رأس حر) . ش: بالتنوين في رأس. م: (عتق لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن) . ش: وقد وصفها بالحرية، ومن وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية عتق عليه، وقال في كتاب عتاق الأصل إذا قال: رأسك حر، أو قد حر أو جسدك حر، أو نفسك أو وجهك أو روحك أو كانت أمة، فقال: فرجك حر أو بطنك حر عتق في جميع ذلك.
وذكر في كتاب " الأجناس " عن الهارونيات إذا قال: رقبتك حر أو بطنك حر عتق، وإلا يدين في هذا كله. وإن قال: لم أرد به العتق وفي " نوادر المعلى " لو قال: جزء منك حر أو شيء منك عتق منه ما شاء المولى في قول أبي حنيفة، وفي عتاق الأصل لو قال: يدك حر أو رجلك حر أو أصبع من أصابعك حر، أو سن من أسنانك أو دمك أو قرنك أو بلغمك، هذا كله باطل. وفي الهارونيات أنفك أو صدرك حر أو بطنك حر أو ظهرك أو جنبك أو فخذك أو لسانك أو شعرك أو نفسك حر لا يعتق في شيء من هذه الوجود نوى أو لم ينو. قال الناطفي: هذا كله على قياس قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف، وفي كتاب " الأم " لو قال: كبدك حر أو معدتك حر لا يعتق.
وفي " نوادر هشام " قال أبو يوسف: لو خاط مملوكه ثوباً فقال: هذه خياطة حر لا يعتق، وفي الهارونيات: لو رآها تمشي فقال مولاها: هذه مشية حر أو رآها تتكلم فقال: هذا كلام حر لم تعتق إلا أن يقول أردت العتق، وهذا قول أبي يوسف.
وقال الحسن بن زياد في قوله نفسه: يعتق في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وفي " نوادر " ابن سماعة عند محمد لو قال: جسدك حر، أو صلبك حر، أو علم أنه من سبي لا يعتق لأن أصله حر فهو صادق فيه فلا يعتق، وكذلك لو قال: أبواك حران. وفي " نوادر المعلى " قال أبو يوسف: لو قال لأمته: فرجك حر من الجماع فهي حرة في القضاء، وسعه فيما بينه وبين الله تعالى.
وفي " نوادر " ابن سماعة: لو قال: استك حر كان حراً، وكذلك لو قال: ذكرك كان حراً. وفي كتاب " أصل الفقه " لمحمد بن الحسن لو قال لعبده: فرجك حر لا يعتق، وفي الجارية تعتق. ولو قال: هذا ابني من الزنا يعتق ولا يثبت نسبه.
وفي " المرغيناني " لو قال له: افعل في نفسك ما شئت فأعتق نفسه، وفي المجلس عتق. ولو قال صم عني يوماً وأنت حر، أو قال صلي عني ركعتين وأنت حر عتق في الحال، فعل ذلك أو

(6/22)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يفعل. ولو قال حج عني حجة وأنت حر لا يعتق حتى يحج عنه لأن النيابة جائزة في الحج دون الصوم والصلاة ولو قال: إن سقيت جاري فأنت حر فذهب به إلى الماء ولم يشرب عتق، لأن المراد به عرض الماء عليه.
وفي " المحيط " قال رجل: أنا مولى أبيك أعتق أبوك أبي فهو حر، وكذا لو قال: أنا مولى أبيك ولم يقل اعتقني فهو حر، لأنه قد يكون مولاه من قبل جده فلم يكن إقرار بالرق، وإن زاد اعتقني فهو مملوك إذا جحد الوارث. وفي " الذخيرة " قال: كل مملوك في هذا المسجد أو في بغداد حر وله عبيد في المسجد أو في بغداد لم يعتق، إلا إن نوى عبده. وعن محمد عن أبي حنيفة لو قال: عبيد أهل بغداد أحرار وهو من أهل بغداد عتق عبيده، وعلى هذا لو قال كل عبد يدخل هذه الدار فهو حر فدخل عبيده عتق وبه أخذ شداد، وقال هشام: لا يعتقون، قال الشهيد: وهو المختار للفتوى. ولو قال: ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبيده. وفي " النسفي ": قال عبدي الذي هو قديم الصحبة حر قال محمد: من صحبة ثلاث سنين عتق، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل ستة أشهر، وقيل سنة. وفي " المحيط " وهو المختار.

(6/23)


فصل
ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وهذا اللفظ مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم منه فهو حر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الإعتاق الغير اختياري]
م: (فصل في الإعتاق الغير اختياري) ش: أي هذا فصل، لما فرغ من بيان الإعتاق الاختياري شرع في بيان الإعتاق الذي يحصل من غير اختيار كما في شراء القريب وخروج عبد الحر إلينا مسلماً، وولد أم الولد من مولاها.

[ملك ذا رحم محرم منه]
م: (ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه) . ش: وبه قال أحمد، وسواء كان المالك صغيراً أو كبيراً صحيح العقل أو مجنوناً. ويروى ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعطاء والشعبي والزهري وحماد والحكم والثوري وابن شبرمة وأبي سلمة والحسن بن حيي والليث وعبد الله بن وهب وإسحاق، وهو قول الظاهرية. قال مالك: يعتق في قرابة الولاد والأخوات لا غير، كذا قال الكاكي.
وقال الأترازي: وقال مالك وأصحاب الظاهر لم يعتقوا إلا بإعتاق المالك. قلت: فيه نظر من وجهين، أحدهما: ذكر أصحاب الظاهر مع مالك، وقد ذكرنا أنهم مع الجماعة المذكورين.
والثاني: أن هذا النقل عن مالك خلاف ما وقع في " المدونة " لمالك حيث قال فيها قال مالك ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد، ذكرهم وأنثاهم، وولد الولد وإن سفلوا وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم وإن بعدوا، وإخوته لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله تعالى ولا يعتق غير هؤلاء من ذوي أرحام انتهى. وقال الأوزاعي: يعتق كل ذي رحم محرم منه كان أو غير محرم، وأعتق ابن العم وابن الخال ويستسعيهما.
م: (وهذا اللفظ) . ش: يعني قوله من ملك ذا رحم محرم عتق عليه. م: (مروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» ش: هذا الحديث باللفظ الأول أخرجه النسائي في " سننه " عن حمزة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» باللفظ الثاني. أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» . وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وسكت عنه. ثم أخرجه عن سمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والمحفوظ عن سمرة بن جندب، انتهى.

(6/24)


واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا كان أو غيره، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في غيره. له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أو لا يقتضيه، والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد فامتنع الإلحاق والاستدلال، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد ولم يمتنع فيه ولنا ما روينا، ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والكلام في هذين الحديثين كثير طوينا ذكره خوفاً من السآمة.
م: (واللفظ) . ش: أي لفظ الحديث. م: (بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية) . ش: أي مؤكدة وهو بالباء آخر الحروف من التأبيد. م: (ولاداً كان أو غيره) . ش: أي غير الولاد بكسر الواو. وقد قال الأترازي وغيره: منصوب على البدل من قوله كل قرابة.
قلت: بل هو منصوب بكان المقدرة، تقديره أو كانت غير الولاد وولاد منصوب بكان الظاهرة، غير أنه تقدم عليه، وتفسيره كل من لا يجوز نكاحه على التأبيد والإجلاء النسب، سواء كانت القرابة قريبة كقرابة الولاد، أو متوسطة كالأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة بخلاف ما إذا كانت لعبيده كبني الأعمام، فإن الحديث لا يتناولهما لعدم المحرمية.
م: (والشافعي يخالفنا في غيره) . ش: أي في غير الولاد، وقرابة الولاد هي القرابة بين الولد والوالدين. ومذهب الشافعي أنه لا يعتق في غير قرابة الولاد. وقال أبو محمد: لا نعلم قول الشافعي عن أحد قبله، وليس له فيها أنيس. م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أن ثبوت الملك من غير مرضاة المالك) . ش: أي بغير رضاه، وهو مصدر ميمي. م: (ينفيه القياس أو لا يقتضيه) . ش: قال تاج الشريعة: وفي قوله بنفيه القياس تعرض لنفي القياس إياه. وفي الثاني لا يعترض لا بالنفي ولا بالإثبات. م: (والأخوة وما يضاهيها) . ش: أي وما يشابهها من قرابة العمومة والخؤولة. م: (نازلة عن قرابة الولاد) . ش: أي أدنى درجة من قرابة الولاد. م: (فامتنع الإلحاق) . ش: أي إلحاق قرابة الأخوة بقرابة الولاد لعدم المساواة أو الاستدلال. م: (أو امتنع) . ش: الاستدلال، أي بدلالة النص، إلا إذا كان الملحق به من وجه، وهاهنا ليس كذلك.
م: (ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، ولم يمتنع فيه) . ش: أي في الولاد، يعني إذا ملك المكاتب أباه أو ابنه فهو مكاتب، بخلاف الأخ، فإنه لا يتكاتب.
م: (ولنا ما روينا) . ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» م: (ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه) . ش: لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم، والرحم عبارة عن القرابة، والمحرم عبارة عن حرمة التناكح، فالمحرم والرحم نحو إن ملك زوجة ابنه أو بنت عمه وهي أخته رضاعاً لا يعتق، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة بل بالمصاهرة أو بالرضاع، ولا بد أن تكون المحرمية مؤثرة، لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم كما ذكرناه، وكذا الرحم بلا محرم لا يعتق كبني الأعمام والأخوال، لأن القرابة بعدت، فلا تؤثر في حرمة التناكح، فلم

(6/25)


وهذا هو المؤثر في الأصل، والولاد ملغى لأنها هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح، ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة، والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه، لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والاقتراض عند القدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعتق بالملك.. م: (وهذا هو المؤثر في الأصل) . ش: أي ملك القريب هو المؤثر في إيجاب العتق في الأصل، يعني في قرابة الولاد. م: (والولاد ملغي لأنها) . ش: تعليل بوصف غير مقعر فكان اشتغالاً بما لا يفيد، لأنه تعليل بعلة قاصرة، لأنها أي لأن القرابة المؤبدة في المحرمية. م: (هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة) . ش: لا يقال هذا مذهبكم لأنه لا نفقة في غير الولد على مذهب الشافعي، فكيف استدل بوجوب النفقة، لأنا نقول وجوب النفقة ثبت بقوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فصار كأنه ثبت إجماعاً، فلا يلتفت إلى إنكار الخصم. م: (وحرم النكاح) . ش: وحرمة النكاح بالإجماع.
وقال الأكمل: ولنا بحث هاهنا، لكنه وهو قولهم هذه قرابة صبت على أدنى الذلين، وهو ذل النكاح فلأن يصان عن كلاهما أولى، فإن ادعي أن ذل النكاح أعلى فلك مكابرة تستدعي تفضيل الإماء على الحرائر وهو باطل قطعاً وإجماعاً على أن الرضاع يرفع ذل النكاح دون الرق بما يحسم مادة هذه المكابرة، فإن رافع الأعلى دفع الأدنى لا محالة.. م: (ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلماً أو كافراً في دار الإسلام لعموم العلة) . ش: وهي صلة الرحم، وكذا الفرق إذا كان المملوك مسلماً أو كافراً، وقيد بقوله في دار الإسلام لأن الحربي إذا ملك قريبه لا يعتق عليه، وبه صرح في فتاوى الولوالجي نص الحاكم في " الكافي " أن عتق الحربي في دار الحرب باطل، وكذا تدبيره لم يذكر الخلاف، فإن في المختلف الحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب وخلاه، عتق عند أبي يوسف وولاؤه له. وقالا: لا ولاء له، لأنه عتق بالتخلية لا بالإعتاق كالراغم، ثم قال: المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبداً حربياً فأعتقه ثمة القياس أن لا يعتق بدون التخلية، لأنه في دار الحرب ولا يجري عليه أحكام الإسلام. وفي الاستحسان يعتق تخلية، لأنه لم ينقطع عنه أحكام المسلمين ولا ولاء له عندهما، وهو القياس. وقال أبو يوسف: له الولاء، وهو الاستحسان. وذكر قول محمد مع أبي يوسف في " كتاب السير ".. م: (والمكاتب إذا اشترى أخاه) . ش: هذا هو جواب عن قوله، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، وتقديره لا نسلم أنه لا يكاتب عليه، بل قد روي عن أبي حنيفة أنه مكاتب على الأخ أيضاً، فالجواب بطريق التسليم ما قاله المصنف بقوله، لأنه ليس له ملك قام بقدره على ما يجيء الآن. م: (أو من يجري مجراه) ش: أي أو اشتري من يجري مجرى الأخ كالعم والخال م: (لا يتكاتب عليه لأنه ليس له ملك تام يقدره) . ش: من الإقرار. م: (على الإعتاق) . ش: لأنه عبد ما بقي عليه درهم. م: (والاقتراض عند القدرة) . ش: وهي عبارة عن صفة يتمكن بها الحر من فعل وقول بخلاف الولاد، هذا جواب عما

(6/26)


بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع بيع المعتق تحقيقا لمقصود العقد. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكاتب على الأخ أيضا وهو قولهما، قلنا أن نمنع وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك، لأنه تعلق به حق العبد، فشابه النفقة. ومن أعتق عبدا لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الإعتاق من أهله في محله، ووصف القربة في اللفظ الأول زيادة، فلا يختل العتق بعدمه في اللفظين الأخيرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال لو كان كذلك لما عتق عليه قرابة الولاد.
أجاب بقوله. م: (بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة) . ش: لأن عتق نفسه لما كان مقصوداً بالكتابة لكونه يتغير بالرق، فكذلك رق الوالد الولد، فإذا كان العتق من عقد مقاصد الكتابة. م: (فامتنع بيع المعتق تحقيقاً لمقصود العقد) . ش: لأن المقصود العقد، أما حرمة الأخ فليست من الكتابة لعدم لحوق العار برقة لحوقه برق أبيه أو ابنه.
م: (وعن أبي حنيفة أنه يكاتب على الأخ أيضاً، وهو قولهما) . ش: أي قول أبي يوسف ومحمد، وسيجيء بيان هذا مستوفى في كتاب المكاتب إن شاء الله تعالى. م: (قلنا: إنه يمنع، وهذا الخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع) . ش: هذا جواب نقض إجمالي، أي لا يعتق عليه تقديره هو قوله. م: (لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة) . ش: يعني أراد بالمحرمية محرمية أثرت فيها القرابة، وهذه ليست كذلك، لأن الرضاع هو المؤثر والمحرمية من الرضاع ليست بمرادة من الحديث بالإجماع، لأنه لا قابل بعتقها أصلاً.. م: (والصبي جعل أهلاً لهذا العتق) . ش: أي عتق ذوي الرحم المحرم. م: (وكذا المجنون) . ش: أي كذا المجنون أهل لهذا العتق. م: (حتى عتق القريب عليهما عند الملك) . ش: أي عند ملكهما إياه، بأن دخل قريبتها في ملكهما بغير صنع منهما كالإرث والهبة عتق عليهما. م: (لأنه تعلق به) . ش: أي بهذا العتق. م: (حق العبد) . ش: وهو العلة، وقد وجدت. م: (فشابه النفقة) . ش: وهي تجب عليهما بالقرب، فكذا يعتق قريبهما المحرم بالملك. وقال في " المبسوط " العلة تمت في حقه، وهو الملك مع القرابة، فإن الصغير يملك حقيقة، ولهذا يحرم عليه أخذ الصدقة.. م: (ومن أعتق عبداً لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق) . ش: وعند الظاهرية لا يعتق في الأخرين. م: (لوجود ركن الإعتاق) . ش: وهو لفظ الإعتاق. م: (ومن الأهل) . ش: وهو العاقل البالغ المالك. م: (في محله) . ش: وهو العبد المملوك المعتق، وأراد بوجه الله رضا الله تعالى مجازاً وهو يجيء في اللغة على معان وجه الإنسان وغيره معروف، ووجه النهار أوله، ووجه الكلام السبيل الذي يقصده به. ووجوه الناس سادتهم، وصرفت الشيء من وجه، أي عن سببه ووصفه. م: (ووصف القربة في اللفظ الأول) . ش: وهو قوله لوجه الله. م: (زيادة) . ش: للتأكيد وذكر الله ليس بشرط. م: (فلا يختل العتق بعدمه) . ش: أي بعدم ذكر الله تعالى. م: (في اللفظين

(6/27)


وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق، وقد بيناه من قبل. وإذا أضاف العتاق إلى ملك أو إلى شرط صح، كما في الطلاق، أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد بيناه في كتاب الطلاق، وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط فيجري فيه التعليق بالشرط بخلاف التمليكات على ما عرف في موضعه، وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلما عتق؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: «هم عتقاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأخيرين) . ش: وهو قوله أعتقت للشيطان، وقوله أعتقت للصنم. لكنه يكون عاصياً.
غاية ما في الباب أنه نفى القربة، وفي نفيها لا ينافي الحرية، كما إذا أعتقه على مال، وقال الكلبي في " كتاب الأصنام ": إذا كان معمولاً من خشب أو ذهب أو فضة صورة إنسان فهو صنم، وإن كان معمولاً من حجارة فهو وثن.

[عتق المكره والسكران]
م: (وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق) . ش: وقد فسرنا هذا الآن. م: (وقد بيناه من قبل) . ش: أراد أنه بينه في الفصل الثاني من كتاب " الطلاق "، وفي السكران اتفاق الأئمة الأربعة على المختار عندهم، وفي المكره بخلاف الشافعي ومالك وأحمد، ومن الكلام فيه هناك.
م: (وإذا أضاف العتاق إلى ملك) . ش: بأن قال إن ملكتك فأنت حر. م: (أو إلى شرط) . ش: أي أو أضافه إلى شرط بأن قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر. م: (صح) . ش: أي وقع. م: (كما في الطلاق) . ش: بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق، أو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق.
م: (أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي وقد بيناه في كتاب الطلاق وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط) . ش: أي إسقاط قصد إذ الإثبات ضمناً يلزم المناقضة بين هذا وبين ما قاله أولاً، وهو أن الإعتاق لغة إثبات القوة. م: (فيجري فيه التعليق بالشرط) . ش: أي في الإسقاط، ولا خلاف فيه بيننا وبين الشافعي، إنما الخلاف بوجه آخر، وهو أن بقاء الملك يشترط عند التعليق وعند وجود الشرط، وزواله فيما بين ذلك لا يبطله، وعنده يبطله لانعقاد التعليق سبباً عنده، وعندنا ينعقد سبباً عند وجود الشرط.
م: (بخلاف التمليكات) . ش: حيث لا يجري فيها التعليق لإفضائه إلى معنى القمار، لأن في جعله متعلقاً بشرط لا يدري أن يكون أم لا يكون خطراً وخيار الشرط في البيع ثبت أيضاً، بخلاف القياس فلا يرد نقضاً. م: (على ما عرف في موضعه) . ش: أي في أصول الفقه.
م: (وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلماً عتق لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: هم عتقاء الله) . ش: هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في

(6/28)


تعالى» ولأنه أحرز نفسه وهو مسلم ولا استرقاق على المسلم ابتداء،
، وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها؛ إذ هو متصل بها؛ ولو أعتق الحمل خاصة عتق دونها، لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها، ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ثم إعتاق الحمل صحيح، ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مصنفه عن معمر عن عاصم بن سليمان حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة أنه «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يحاصر أهل الطائف بثلاثة وعشرين عبداً فأعتقهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهم الذين يقال لهم العتقاء» .
وأخرج أبو داود في " الجهاد " والترمذي في " المناقب " عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور بن المعمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ... » الحديث، وفي آخره: «هم عتقاء الله سبحانه» . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب. قوله: عبدان بكسر العين، وأن يكون بالباء الموحدة جمع عبد.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن هذا العبد الذي خرج. م: (أحرز نفسه وهو مسلم) . ش: يعني أحرز نفسه بالإسلام. م: (ولا استرقاق على المسلم ابتداء) . ش: قيد به احترازاً عن الاسترقاق بقاء، وذلك بأن يسلم بعد الأسر والسير، لأن الرق حينئذ جعل من الأمور الحكمية لا الجزئية فبقي الرق كما تبقى سائر الأملاك بعد وجود أسبابها. وبقولنا قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم. وقال الأوزاعي: لو جاء سيده مثلاً يرد عليه، وعند الظاهرية يعتق بالإسلام من غير خروج.

[عتق الحامل وولدها]
م: (وإن أعتق حاملاً أعتق حملها تبعاً لها، إذ هو متصل بها) . ش: لأنه كسائر أجزائها، بدليل أنه لا يصح إفراده بالبيع كما لا يصح إفراد سائر أعضائها. م: (ولو أعتق الحمل خاصة عتق) . ش: أي الحمل. م: (دونها) . ش: أي دون الحامل. م: (لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصوداً، لعدم الإضافة) . ش: أي لعدم إضافة الإعتاق. م: (إليها ولا إليه تبعاً) . ش: أي ولا وجه إلى إعتاق الجارية تبعاً. م: (لما فيه من قلب الموضوع) . ش: لأنه يكون التبع متبوعاً، والمتبوع تابعاً وهو فاسد.
م: (ثم إعتاق الحمل صحيح) . ش: أي بدون الأم عند الجمهور، إلا عند الظاهرية. م: (ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه) . ش: بنصب نفسه، لأنه تأكيد للمنصوب. م: (شرط في الهبة والقدرة عليه) . ش: أي على التسليم شرط. م: (في البيع ولم يوجد ذلك) . ش: أي القدرة عليه. م:

(6/29)


بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس بشرط في الإعتاق فافترقا؛
ولو أعتق الحمل على مال صح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين؛ لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم لأنه في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع، وإنما يعرف قيام الحبل وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه لأنه أدنى مدة الحمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بالإضافة إلى الجنين) . ش: أي بالنسبة إليه. م: (وشيء من ذلك) . ش: أي من القدرة والتسليم. م: (ليس بشرط في الإعتاق فافترقا) . ش: أي افترقا جواز إعتاق الحمل وعدم جواز بيعه وهبته. ولو قال: أعتقها إلا حملها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي والشعبي وعطاء وابن سيرين يصح استثناؤه من العتق، وهو مروي عن ابن عمر وأبي هريرة، فإنهم يجوزون عتق الجنين دون أمه بعد نفخ الروح، وتكون أمه حرة تبعاً له.

[أعتق الحمل على مال]
م: (ولو أعتق الحمل على مال صح، ولا يجب المال، إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم) . ش: أي ولا وجه إلى الالتزام للأم م: (لأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق) . ش: بفتح التاء. م: (لا يجوز) . ش: قيل عليه سلمنا ذلك، لكن ينبغي أن يتوقف العتق إلى أن يبلغ الحمل إلى حد يكون من أهل القبول، وهو أن يكون عاقلاً يعقل العقد. كما مر في خلع الصغيرة، حيث قال فيه: وإن شرط الألف عليها متوقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، وإن كانت عاقلة تعقله العقد.
وأجيب: بأن ذلك في صريح الشرط، وأما هاهنا فالمسألة مذكورة بكلمة على، فكان المال هاهنا وصفاً للإعتاق، ولا يلزم بطلان الأصل بطلان الوصف، فيثبت العتق ولا يجب المال كما في طلاق الصغيرة، وفيه نظر، لأنه يقتضي أنه ذكر بكلمة الشرط توقف، ولا بد فيه من رواية، واعتباره بخلع الصغيرة غير صحيح، لأنه قال فيه: وإن شرط عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فالتوقف فيه مشروط بكونها من أهل القبول، والحمل ليس منه، والأولى أن يقال لما كان علم المعتق عدم كون الحمل أهلاً للخطاب، وقبول الشرط وأقدم على العتق كان قاصداً للإعتاق بلا مال أو يحمل على ذلك صوناً لكلامه عن الإلغاء.
م: (على ما مر في الخلع) . ش: قال السفناقي: هذا حوالة غير رابحة، ثم يحتمل أن يكون مراده أي في مسألة خلع الجامع الصغير.
قلت: نفس الأمر يستبعد هذا، وقال الأترازي: ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما ذكره في خلع كفاية المنتهى، لأنه قبل هذا الكتاب.. م: (وإنما يعرف قيام الحمل) . ش: بالميم. وفي بعض النسخ الحبل بالباء. م: (وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه) . ش: أي من وقت العتق. م: (لأنه أدنى مدة الحمل) . ش: هذا متصل بقولاه وإن أعتق جارية عتق حملها، ولو أعتق الحمل

(6/30)


قال: وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه، هذا هو الأصل، ولا معارض له فيه، لأن ولد الأمة لمولاها وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة أو لاستهلاك مائه بمائها. والمنافاة متحققة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خاصة عتق دونها، يعني إنما يعتق الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإعتاق، وإن جاءت به لستة أشهر فلا.
نص عليه الحاكم في " الكافي " قال: وإن قال ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر عتق. وفي " التحفة ": فإن كانت الأمة في عدة من زوج عتق الولد إذا ولدته ما بينهما وبين سنتين منذ وجبت العدة، وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ قال المولى، قال الحاكم في " الكافي ": وإن ولدت واحداً لأقل من ستة أشهر بيوم واحد لأكثر منها بيوم.

[ولد الأمة من مولاها]
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه) . ش: بإجماع الأئمة. م: (هذا هو الأصل) . ش: أي الولد من ماء صاحب الماء. م: (ولا معارض له فيه) . ش: أي في الولد. م: (لأن ولد الأمة لمولاها) . ش: لأن ماء الأمة لا يعارض ماءه، لأن ماءها مملوك له فيكون الماءان له. م: (وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة) . ش: لأن حق الحضانة للأم لا للأب غير مرجح جانبها بها. م: (أو لاستهلاك مائه بمائها) . ش: أي أو لترجح باستهلاك ماء زوجها بمائها، لكون مائها في موضعه.
والحاصل أن جانب الأم يترجح بأمور منها الحضانة. قيل فيه نظر، لأن حق الحضانة إنما يثبت بعد الولادة، فلا يجوز أن يكون مرجحاً لما هو قبلها ومعنا استهلاك مائه بمائها ومنها الولد ما دام جنيناً فهو بمنزلة عضو من أعضائها كيدها ورجلها إلى أن ينفصل حسناً وشرعاً، أما حسناً فإنه يتنفس بنفسها، وينتقل بانتقالها حتى يقرض بالمقراض عند انفصاله منها شرعاً، فلأنه يعتق بعتقها قيل فيه نظر، لأن الكلام في إثباته فلا يستدل به عليه، ومنها أنه يتيقن كونه مخلوقاً من مائها، بخلاف الزوج، فكان الفراش من جانبها حقيقة وحكماً، ومن جانبه حكماً فقط.
م: (والمنافاة متحققة) . ش: أي بين ماء الرجل وماء المرأة، والمنافاة أي لا يجتمع الأمران في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة كالمتضادين، وهذا كأنه جواب سؤال مقدر تقدير السؤال أن يقال: كيف يكون الرجل مستهلكاً لماء المرأة، وهي من جنس واحد، ولا منافاة بينهما، والجنس لا يغلب الجنس، وتقدير ما قاله من قوله - والمنافاة متحققة بينهما - لأنه طبع ماء الرجل حار، وطبع ماء المرأة بارد، وبينهما منافاة لا محالة، وماء المرأة في مستقره يزاد قوة وماء الرجل في غير مستقره، فيكون مغلوباً بمائها.
وقال الأكمل: والمنافاة متحققة، جواب عما يقال الترجيح يحتاج إليه بعد التعارض،

(6/31)


والزوج قد رضي به بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به، وولد الحرة حر على كل حال، لأن جانبها راجح فيتبعها في وصف الحرية ما يتبعها في المملوكية والمرقوقية والتدبير وأمومية الولد والكتابة، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقريره التعارض موجود، لأن المنافاة متحققة، فإنه لو اعتبر جانب الأم كان مملوكاً لسيدها، وإن اعتبر جانب الأب لا يكون مملوكاً لسيدها فتثبت المنافاة، بخلاف الولد من الموالي فإنه للمولى، أي جانب اعتبر. م: (والزوج قد رضي به) . ش: أي برق الولد، هذا جواب عما يقال إذا اعتبر جانب المرأة حتى يكون الولد مملوكاً لمولاها لضرر الأب، والضرر مدفوع شرعاً وتقرير الجواب أن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوج الأمة، فإن الولد يرق به، وفيه نظر لأن العلم بكون الولد رقيقاً بتزوج الأمة إنما يكون بعد ثبوت هذا الحكم في الشرع، وكلامنا في شرعيته.. م: (بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به) . ش: أي لأن المغرور لما تزوج الأمة بلا علم لم يرض بإسقاط نفقته، فصار ولده حراً بالقيمة نظراً للجانبين. م: (وولد الحرة حر على كل حال) . ش: أي سواء كان زوجها حراً أو عبداً. م: (لأن جانبها راجح فيتبعها) . ش: أي فيتبعها الولد. م: (في وصف الحرية) . ش: يعني يكون حراً. م: (كما يتبعها في المملوكية) . ش: فيكون مملوكاً، وهذا لرجحان جانبها بسبب الحرية فيتبعها الولد في الحرية كما في الرق. م: (والمرقوقية) . ش: عطف على ما قبله أي يتبعها في المرقوقية أيضاً. م: (أمية الولد) ش: يعني إذا زوج المولى أم ولده من رجل يكون الولد في حكم أمه م: (والتدبير) . ش: يعني إذا زوج مدبرته من رجل يكون الولد في حكم أمه. م: (والكتابة) . ش: يعني إذا كاتب المولى أمته ثم ولدت دخل الولد في كتابة الأم تبعاً.
وقال الكاكي: أورد هذين الفصلين، يعني المملوكية والمرقوقية لتغايرهما من حيث الكمال والنقصان، فإن في المدبرة وأم الولد الملك كامل والرق ناقص، وفي المكاتبة على عكسه، أو لأن المملوكية عام فيكون في بني آدم وغيرهم، والمرقوقية خاصة في بني آدم فتعين أن الولد يتبع الأم في العام والخاص، ولهذا أن البقر الوحشي والحمر الإنسية والظباء لا يجوز في الأضحية، ولو كان الولد بين الوحشي والإنسي وكانت الأم وحشية لا يجوز، وإن كانت أهلية يجوز لما أن الولد تابع للأم فيها، كذا في " فتاوى الولوالجي "، انتهى. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه إنما ذكر هذين اللفظين لتغايرهما إلى آخر ما ذكره وفيه نظر، لأن الرق لا يحتمل التجزؤ، وبه صرح أصحابنا في أصول الفقه، وما لا يحتمل التجزؤ كيف يقبل النقصان، انتهى. وقال الكاكي: ثم الولد يتبع الأم في الرق والحرية وأمومية الولد والكتابة وفي التدبير، وفي " المنهاج ": إن ولدت المدبرة من نكاح أو زنا لا يصير ولدها مدبراً على المذهب، وإن دبر الحامل صار مدبراً على المذهب، وعن أحمد وجابر بن زيد وعطاء لا يتبعها ولدها في التدبير حتى لا يعتق بموت سيدها، والله أعلم.

(6/32)