البناية شرح الهداية

باب العبد الذي يعتق بعضه
وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر، ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يعتق كله وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق، وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإضافته إلى البعض كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله، لهم أن الإعتاق إثبات العتق وهو قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العبد الذي يعتق بعضه]
م: (باب العبد الذي يعتق بعضه) ش: أي هذا باب العبد، بإضافة الباب إلى العبد، أي هذا باب في بيان حكم العبد حال كونه يعتق بعضه ويعتق على صيغة المجهول محله النصب على الحال، ويجوز قطع الباب عن الإضافة، ويكون قوله العبد مبتدأ ويعتق بعضه خبر له في محل الرفع. ولما فرغ من بيان إعتاق الكل شرع في بيان إعتاق البعض، وأخر هذا عن ذاك لأن ذاك متفق عليه، وهذا مختلف فيه، والأصل عدم الاختلاف، أو لأن الأول كثير الوقوع، فاستحق التقديم.

[أعتق المولى بعض عبده]
م: (وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر) . ش: وفي " المنافع " أي زال ملكه عن ذلك البعض، ولم يرد به حقيقة العتق عند أبي حنيفة، وإنما أراد به ثبوت أثره، وهو زوال الملك. م: (ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة) . ش: وهو قول الحسن البصري، ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقالا يعتق كله، وأصله) . ش: أي أصل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (أن الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (فيقتصر على ما أعتق) . ش: أي يقتصر إعتاقه على ما قدر إعتاقه.
م: (وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي) . ش: فيما إذا كان المالك واحداً أو كان المعتق موسراً، فعند ذلك قوله كقولهما، أما لو كان المعتق معسراً يبقى ملك الساكت كما كان حق يجوز له بيعه وهبته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد. وقولهما قول قتادة والثوري والشعبي. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإضافته) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض) . ش: أي إلى بعض العبد. م: (كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله) . ش: أي كل العبد، والمراد من تجزؤ الإعتاق والملك أن يتجزأ المحل في قبول حكم الإعتاق، وهو زوال الملك بأن يزول في البعض دون البعض، وأن يتجزأ المحل في قبول حكم الملك، وهو أن البعض مملوك لواحد، والبعض لآخر، وليس معناه أن ذات الإعتاق أو ذات الملك يتجزأ، لأنه معنى واحد لا يقبل التجزؤ.
م: (لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أن الإعتاق إثبات العتق وهو) . ش: أي العتق. م: (قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها، وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما) . ش: أي العتق

(6/33)


لا يتجزآن، فصار كالطلاق والعفو عن القصاص، والاستيلاد،
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك أو هو إزالة الملك؛ لأن الملك حقه، والرق حق الشرع أو هو حق العامة، وحكم التصرف ما يدخل تحت ولاية المتصرف وهو إزالة حقه لا حق غيره، والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة والتعدي إلى ما وراءه ضرورة عدم التجزؤ، والملك متجزئ كما في البيع والهبة، فيبقى على الأصل.

وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد والمستسعى بمنزلة المكاتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والرق. م: (لا يتجزآن) . ش: فلا يتجزأ الإعتاق أيضاً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق. م: (كالطلاق) . ش: فإنه لا يتجزأ. م: (والعفو عن القصاص) . ش: كذلك لا يتجزأ. م: (والاستيلاد) . ش: أي وكالاستيلاد فإنه لا يتجزأ حتى لو استولد الأمة المشتركة تصير كلها أم ولد له.

م: (ولأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك) . ش: كما قالوا. م: (أو هو) . ش: أي الإعتاق إزالة الملك كما قال أبو حنيفة، يعني إزالة ملك متجزئ مفض لزوال كله إلى العتق، والحصر ظاهر، لأنهم لما اختلفوا في هذين العينين كان إجماعاً منهم أن غير ذلك ليس بمراد، وإنما قال أبو حنيفة: إنه إزالة ملك، لأن الملك حقه والرق حق الشرع، لأن الله عز وجل أجرى عليه الرق جزاء الكفر، حيث استنكف أن يكون عبداً لله تعالى فجعله الله عبد عبده. م: (أو هو حق العامة) . ش: أي أو الرق حق العامة ليكون نعوته للمتكلفين على إقامة التكليف، يعني القائمين يستغنمونه كما يستغنمون سائر الأموال، فصار في حقهم بمنزلة الجماد ليصلوا إلى الانتفاع به.
م: (وحكم التصرف ما يدخل) . ش: أي الذي يدخل. م: (تحت ولاية المتصرف وهو) . ش: أي الذي يدخل تحت ولاية. م: (إزالة حقه لا حق غيره) . ش: لأنه ليس له ولاية في التصرف في حق غيره. م: (والأصل) . ش: في حكم التصرف. م: (أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة) . ش: أي موضع يضاف إليه التصرف فيه. م: (والتعدي إلى ما وراءه) . ش: أي وراء موضع الإضافة. م: (ضرورة عدم التجزؤ) . ش: أي لأجل عدم التجزؤ. م: (والملك متجزئ) . ش: فزال ملكه عن البعض الذي أعتقه. م: (كما في البيع) . ش: إذا باع نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض الذي باعه. م: (والهبة) . ش: كما إذا وهب نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض. م: (فبقي على الأصل) . ش: وهو أن يقتصر التصرف على موضع الإضافة.

[السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد المعتق بعضه]
م: (وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد) . ش: معنى ما يتجزأ بالإعتاق بإزالة بعض الملك متجزئ جنس مالية البعض عن العبد، فتجب عليه السعاية. والاستسعاء أن يؤجر ويأخذ قيمة نصفه من الأجرة، ويعتبر قيمته في الحال. م: (والمستسعى) . ش: بفتح العين. م: (بمنزلة المكاتب عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، وقيل قوله بمنزلة المكاتب غير جيد، لأن ذلك للمولى ثابت في

(6/34)


عنده لأن الإضافة إلى البعض توجب ثبوت المالكية في كله وبقاء الملك في بعضه يمنعه، فعملنا بالدليلين بإنزاله مكاتبا، إذ هو مالك يدا لا رقبة والسعاية كبدل الكتابة، فله أن يستسعيه، وله خيار أن يعتقه؛ لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة، لأنه عقد يقال ويفسخ. وليس في الطلاق والعفو عن القصاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المكاتب وهو عبد ما بقي عليه درهم ومعتق البعض زال ملكه عن البعض، فليس هو نظير المكاتب بل الجيد أن يقال سقط ملكه واستحق الحرية بغير عوض. وأجيب بأن مرادهم بقوله بمنزلة المكاتب أنه لا يجوز بيعه ولا هبته، ويخرج إلى العتق بالسعاية، والمكاتب يخرج إليه بأداء البدل.
م: (لأن الإضافة) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض توجب ثبوت المالكية للعبد في كله) . ش: باعتبار العتق. م: (وبقاء الملك في بعضه يمنعه) . ش: عن ثبوت المالكية باعتبار الرق في الكل باعتبار العتق. م: (فعملنا بالدليلين) . ش: لنا أن زوال الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية في الكل باعتبار العتق، لأنه لا يتجزأ وبقاء الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية باعتبار الرق.
فقد اجتمع في العبد ما يوجب ثبوت المالكية في الكل، وما يوجب بقاء الملك في الكل والعمل بالدليلين ممكن بأن يجعل مكاتباً وهو قوله. م: (بإنزاله مكاتباً، إذ هو) . ش: أي المكاتب. م: (مالك يداً لا رقبة) . ش: يعني مملوك رقبة كالمستسعى، ويجوز أن يكون المعنى هو معتق البعض مالك يداً لأجل السعاية، مملوك رقبة كالمكاتب. ويجوز أن يكون معناه إضافة العتق إلى البعض يوجب ثبوت المالكية في الكل كما هو قولهما، وبقاء الملك في بعض يمنعه، كما هو قول أبي حنيفة، فقلنا إنه حر يداً مملوك رقبة كالمكاتب عملاً بالدليلين.
وإذا كان المستسعى كالمكاتب. م: (والسعاية) . ش: يكون. م: (كبدل الكتابة فله) . ش: أي للمولى. م: (أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه، لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان بمنزلة المكاتب لكان رقيقاً إذا عجز. أجاب بقوله غير أنه أي المستسعى.
م: (إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد) . ش: والإسقاط لا إلى أحد ليس فيه معنى المعاوضة، لأنها إنما تتحقق بين اثنين، وإذا لم تتحقق بين فيه المعاوضة. م: (فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة) . ش: فإنه إسقاط من المولى إلى المكاتب إفراداً على تحصيل بدل الكتابة، فكان فيها معنى المعاوضة.
م: (لأنه عقد يقال ويفسخ) . ش: كلاهما على صيغة المجهول من الإقالة والفسخ. وفي بعض النسخ لأنه إسقاط إلى الأجل، يعني بخلاف المقصود، فإن الإسقاط فيها إلى أجل، وهو وقت أداء بدل الكتابة. م: (وليس في الطلاق والعفو) . ش: جواب عن قولهم، وصار كالطلاق والعفو. م: (عن القصاص) . ش: وتقرير الجواب أنه إنما يثبت العتق في الكل لإمكان العمل بالدليلين لوجود

(6/35)


حالة متوسطة فأثبتناه في الكل ترجيحا للمحرم، والاستيلاد متجزئ عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه، وفي القنة لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد،
وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق، فإن كان موسرا فشريكه بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حالة متوسطة) . ش: بين الحرية والرق، وهي الكتابة يصار إليها، وليس في الطلاق والعتق حالة متوسطة. م: (فأثبتناه في الكل ترجيحاً للمحرم) . ش: على المبيح.
م: (والاستيلاد متجزئ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. وهذا جواب عن قولهم والاستيلاد وتقريره أن الاستيلاد يتجزأ عند أبي حنيفة. م: (حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه) . ش: أي على نصيب المستولدة، يعني إنما ولدت الأمة المدبرة بين رجلين ولداً فادعاه أحدهما تصير ونصف الجارية أم ولد، ونصفها مدبرة لشريكه، على أنها لو ماتا يعتق نصف الشريك من الثلث، ونصف الآخر من الجملة ولاء الولد بينهما وفي رواية كتاب الولاء نصف الولد للثاني، وليس للولد عليه ولاء، وعليه نصف قيمة المدبر مدبراً يوم ولد، لأن الولد في الظاهر منها وقد أتلف، كذا ذكره شمس الأئمة البيهقي في " الشامل " في قسم السقوط.
م: (وفي القنة) . ش: جواب عما يقال لو كان الاستيلاد متجزئاً لا طرد في القنة، تقدير الجواب إنما لم يتجزأ في القنة لأن المستولد. م: (لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان، فكمل الاستيلاد) . ش: أي كمل استيلاد القنة بالضمان فصار كأنه استولد جارية نفسه، لأن الاستيلاد عنده غير متجزئ.

[العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه]
م: (وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق) . ش: أي عتق نصيبه عتق، وإنما قال عتق وإن كان العتق لا يتجزأ بالاتفاق لما أنه أراد زوال ملكه في نصيبه قاله الأترازي.
وقال الكاكي: عتق أي استحق العتق لزوال ملك المعتق وملك الشريك أيضاً مع بقاء الرق في كل العبد عند أبي حنيفة لا يثبت شيء من المعتق به. م: (فإن كان) . ش: أي المعتق. م: (موسراً فشريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: ذكر المصنف ثلاثة خيارات كما ذكر في " المبسوط ".
وفي " التحفة " له خمسة خيارات إن كان موسراً إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإن شاء دبر يصير نصيبه مدبراً ويجب عليه السعاية للحال فيعتق، ولا يجوز أن يؤخر عتقه إلى ما بعد الموت، وفي هذه المسألة أقوال:
أحدها: ما ذكره أبو حنيفة.
والثاني: قولهما.

(6/36)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثالث: قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه لا يعتق شيء منه كان بإذن شريكه أو بغير إذنه.
والرابع: قول عثمان البتي أنه يعتق نصيب من أعتق، ويبقى نصيب من لم يعتق على حاله، ولا ضمان على المعتق، وهو مروي عن عمر، رواه ابن أبي شيبة.
والخامس: قول الثوري والليث شريكه بالخيار، وإن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، ولم يذكر السعاية.
والسادس: قول زفر وبشر أن له التعيين، سواء كان المعتق موسراً أو معسراً.
والسابع: يعتق الباقي من مال المسلمين، وهو قول ابن سيرين.
والثامن: قول مالك يقوم عليه نصيب شريكه وضمنها له، ويعتق كله بعد التقويم لأجله، وإن شريكه أعتق نصيبه ليس له أن يمسكه رقيقاً، ولا أن يكاتبه، ولا أن يدبره، ولا أن يبيعه، وإن عقل عن التقويم حتى مات المعتق أو العبد بطل، وماله كله لمن يمسكه بالرق، وإن كان المعتق معسراً فالباقي رقيق يتبعه الساكت أو يكاتبه أو يدبره أو يمسكه رقيقاً سواء السير بعد إعتاقه أم لا، قيل لا يعلم لأحد قبله من السلف.
والتاسع: أحد أقوال الشافعي وهو أن المعتق إن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وهو حر كله حين أعتقه مولاه، وإن كان معسراً عتق ما عتق، وبقي الباقي مملوكاً يتصرف مالكه كيف شاء.
والعاشر: قول أبي حنيفة في الولاء أنه مشترك بين المعتق والمستسعى، وهو قول الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان والثوري، وعندهما للمعتق دون المستسعى، وهو قول إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى.
والحادي عشر: لو كان المعتق موسراً له عتق نصيبه متجزئاً أو مضافاً عند أبي حنيفة وعند مالك يعتقه حالاً لا إلى أجل.
والثاني عشر: قول مالك إن كان المعتق موسراً لا يعتق نصيبه حتى يؤدي قيمة نصيب شريكه، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي يعتق في الحال.
والثالث عشر: أحد أقوال الشافعي أن الحال موقوفة، فإذا أدى تبين أنه أعتق كله.
والرابع عشر: أن العتق يسري بالإرث عندنا بلا ضمان، وعند الشافعي وبعض المالكية لا يسري ولا يضمن.
والخامس عشر: لو كان المشترك رهناً يسري عندنا، وبين الشافعية خلاف فيها.

(6/37)


فإن ضمن رجع المعتق على العبد، والولاء للمعتق، وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما، وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار، ولا يرجع المعتق على العبد والولاء للمعتق، وهذه المسألة تبتنى على حرفين. أحدهما: تجزؤ الإعتاق وعدمه على ما بيناه. والثاني: أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده، وعندهما يمنع لهما في الثاني «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن، وإن كان فقيرا سعى في حصة الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والسادس عشر: لو وصى بعتق نصيبه؛ يسري عندنا، وعند الشافعي خلاف فيها.
م: (فإن ضمن) . ش: أي الشريك إن ضمن المعتق بكسر التاء. م: (رجع المعتق) . ش: بكسر التاء. م: (على العبد والولاء للمعتق وإن أعتق) . ش: أي الشريك. م: (أو استسعى) . ش: العبد. م: (فالولاء بينهما) . ش: أي بين الشريكين.
م: (وإن كان المعتق معسراً فالشريك بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين) . ش: أي في صورة الإعتاق وصورة السعاية.
م: (وهذا) . ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة، وقالا) . ش: أي أبو يوسف ومحمد: (ليس له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (إلا الضامن مع اليسار) . ش: أي مع يسار العتق. م: (والسعاية) . ش: أي ليس له إلا السعاية. م: (مع الإعسار) . ش: أي مع إعسار الشريك. م: (ولا يرجع المعتق على العبد) . ش: أي لا يرجع بما ضمن، لأن العبد لا يجب عليه السعاية عندهما في اليسار، وعند أبي حنيفة: يرجع عليه، لأنه بأداء الضمان قام مقام الساكت، فكأن الساكت أخذ العوض منه بالاستسعاء. فكذلك كان للمعتق الرجوع عليه بما أدى. م: (والولاء للمعتق) . ش: بكسر التاء.
م: (وهذه المسألة) . ش: المذكورة، أي رجوع المعتق على العبد، وعدم الرجوع عند أداء الضمان. م: (تبتنى على حرفين) . ش: أي أصلين دقيقين. م: (أحدهما) . ش: أي أحد الحرفين. م: (تجزؤ الإعتاق وعدمه) . ش: أي وعدم التجزؤ. م: (على ما بيناه) . ش: أي عند قوله في أول الباب، وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده إلى آخره.. م: (والثاني) . ش: أي الحرف الثاني. م: (أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وعندهما يمنع) . ش: السعاية، وبين وجه الحرف الأول، وشرع هنا في بيان الحرف الثاني بقوله:
م: (لهما في الثاني) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد في وجه الحرف الثاني. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قول «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن، وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر) » . ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة عن سعيد بن عروة عن قتادة عن

(6/38)


قسم»

والقسمة تنافي الشركة، وله أنه احتبست مالية نصيبه عند العبد، فله أن يضمنه
كما إذا هبت الريح بثبوت إنسان وألقته في صبغ غيره، حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا. فكذا هاهنا، إلا أن العبد فقير فيستسعيه. ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر لا يسار الغناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال يستسعي العبد غير مشقوق عليه» .
وجه الاستدلال أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قسم الأمرين) . ش: أعني خلاص العبد وسعايته بين الحالين أعني يسار المعتق وإعساره. م:

[القسمة تنافي الشركة]
(والقسمة تنافي الشركة) . ش: فلا يكون للشريك الساكت سعاية العبد مع يسار المعتق. م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه احتسبت مالية نصيبه) . ش: بفتح التاء والباء على بناء الفاعل. قال السفناقي: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقوله مالية نصيبه بالرفع فاعل احتسب. م: (عند العبد فله أن يضمنه) . ش: أي يضمن العبد حاصل المعنى أن مالية نصيب الشريك الساكت احتسب عند العبد، فكان للساكت أن يضمن العبد لاحتباس نصيبه عنده، إلا أن العبد فقير لم يمكن القول بتضمنه، فوجب الاستسعاء.

م: (كما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به، فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسراً كان أو معسراً لما قلنا) . ش: يريد به قوله وله أنه احتسب مالية نصيبه. م: (فكذا هاهنا) . ش: أي فكما انتفع رب الثوب بالصبغ، فكذا هنا ينتفع العبد بالعتق. م: (إلا أن العبد فقير فيستسعيه فيه) . ش: أي فيستسعيه الشريك فيما يخصه، قيل عليه إذا سعى فالقياس أن يرجع على المعتق، لأنه هو الذي ورطه فصار كالعبد المرهون، فإنه يرجع على الراهن بما سعى.
وأجيب: بأن عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للساكت فلذلك يمنعه العبد والعبد إنما سعى في بدل رقبته وماليته، وقد سلم له ذلك فلا يراجع به على أحد بخلاف المرهون فإن سعايته ليست في بدل رقبته بل في الدين الثابت في ذمة الراهن، ومن كان مجبراً على قضاء دين في ذمة الغير من غير التزام من جهته ثبت له الرجوع عليه كما في مقر الرهن.
فإن قيل: ما ذكر من وجه أبي حنيفة في مقابلة النص وهو باطل. أجيب: بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم على وجه الشرط لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق الاستسعاء بفقر المعتق، وهو لا ينافي الاستسعاء عند عدمه، لأن المعلق بالشرط يقتضي الوجود عند الوجود، ولا يقتضي العدم عند العدم جاز أن يثبت السعاية عند وجود الدليل، وإن كان موسراً وقد وجد ذلك على ما ذكر من وجه أبي حنيفة.
م: (ثم المعتبر يسار التيسير) . ش: الاعتبار في يسار المعتق الذي يجب به عليه الضمان هو يسار التيسير. م: (وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر) . ش: فاصلاً عن ملبوسه، ونفقة نفسه ونفقة عياله. م: (لا يسار الغناء) . ش: أي لا يعتبر يسار الغني، هذا ظاهر الرواية، وبه قال الشافعي

(6/39)


لأن به يعتدل النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه، ثم التخريج على قولهما ظاهر فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد لعدم السعاية عليه في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ، وأما التخريج على قوله، فخيار الإعتاق لقيام ملكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومالك وأحمد. ومن المشايخ من اعتبر نصاب حرمة الصدقة. وفي " العيون " و " المختار " ظاهر الرواية. م: (لأن به) . ش: أي بيسار التيسير. م: (يعتدل النظر من الجانبين) . ش: أي من جانب العتق وجانب الشريك الساكت، لأن مقصود المعتق تحقيق القربة، ومقصود الشريك حصول بدل حقه إليه، فبيسار التيسير يحصل الأمران، فلا حاجة إلى يسار الغني، وهو معنى قوله. م: (بتحقق ما قصده المعتق من القربة) . ش: أي التقرب إلى الله تعالى بالعتق. م: (وإيصال) . ش: أي وبإيصال. م: (بدل حق الساكت إليه) . ش: أي عوض نصيبه من العبد.
وفي " التحفة ": إنما تعتبر القيمة في الضمان والسعاية يوم الإعتاق، لأنه سبب الضمان، وكذا يعتبر حال المعتق في يساره وإعساره يوم الإعتاق حتى لا يسقط الضمان إذا أعسر بعد اليسار ولا يثبت الضمان إذا أيسر بعد الإعسار.
وفي " التمرتاشي " لو قال المعتق: أعتقت وأنا معسر، وقال الساكت بخلافه نظر إليه يوم ظهور العتق كما في الإجازة إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه، وإن مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئاً لم يكن له تضمن الموسر في رواية عن أبي حنيفة، لأن التضمين بشرط نقل الملك إلى العتق وقد فات النقل بالموت في ظاهر الرواية عنه له ذلك أو يأخذ من شريكه، لأن الضمان واجب. ولو باع الساكت نصيبه من المعتق أو وهب على عوض في القياس أن يجوز.
وفي " الاستحسان ": لا يجوز، لأن هذا تمليك للحال وهو غير محل له. وفي " جامع قاضي خان " لو أعتق أحد الشريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته، وهو قول أبي حنيفة، بل يسقط، وعندهما يؤخذ من تركته لأنه ضمان إتلاف.
م: (ثم التخريج على قولهما ظاهر) . ش: أي التخريج على قولهما ظاهر، أي تخريج المسألة على قول أبي يوسف ومحمد ظاهر، يعني إذا علم أن هذه المسألة مبنية على حرفين، أي أصلين فالكلام في التخريج، وهو على قولهما ظاهر، لأن الإعتاق إذا لم يكن منجزاً كان العتق واقعاً في النصيبين جميعاً، وبيساره مانع من السعاية، فوجب عليه الضمان، وانتفى السعاية.. م: (فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد) . ش: أي لشريكه. م: (لعدم السعاية) . ش: أي لأجل عدم السعاية. م: (عليه) . ش: أي على العبد.
م: (في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ. وأما التخريج على قوله) . ش: أي على قول أبي حنيفة. م: (فخيار الإعتاق) . ش: أي لشريكه. م: (لقيام ملكه) . ش: أي

(6/40)


في الباقي إذ الإعتاق يتجزأ عنده، والتضمين لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء لما بينا.
ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضا، ولأنه ملك العبد الضمان لشريكه ضمنا، فيصير كأن الكل له وقد عتق بعضه فله أن يعتق الباقي أو يستسعي إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه، لأن العتق كله من جهته حيث تملك بالضمان، وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى لما بيناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ملك الشريك. م: (في الباقي. إذ الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، فإذا كان الإعتاق يتجزأ كان ملك الشريك في الباقي تاماً. م: (والتضمين) . ش: بالرفع عطف على قوله فخيار العتق أي فخيار التضمين. م: (لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك) . ش: التصدق والوصية. م: (مما سوى الإعتاق وتوابعه) . ش: أي توابع الإعتاق كالتدبير والكتابة والاستيلاد. م: (والاستسعاء) . ش: بالجر عطف على المضاف إليه في قوله فخيار الإعتاق، لكن قاله الأترازي. وقال الأكمل: معطوف على قوله والتضمين، وكذا قاله الكاكي: وهذا أوجه والتقدير وخيار الاستسعاء لأن التقدير في التضمين وخيار التضمين كما ذكرنا. م: (لما بينا) . ش: أشار به إلى قوله - احتسبها - النية عنده.

م: (ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك) . ش: أي وقد كان للشريك الساكت الرجوع. م: (باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضاً) . ش: لأنه قام مقام الساكت كالمدبر إذا قتل في يد الغاصب وضمن القيمة كان له الرجوع على القاتل بما ضمن.. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن المعتق. م: (ملك العبد بالضمان لشريكه ضمناً) . ش: جواب عما يقال معتق البعض كالمكاتب عنده فينبغي أن لا يتملكه بالضمان كالمكاتب لا يقبل النقل من ملك إلى ملك، فأجاب عنه بقوله ملكه ضمناً لأداء الضمان، وكم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً، والضمنيات لا تعتبر. م: (فيصير المعتق كأن الكل له) . ش: أي كل العبد له. م: (وقد عتق بعضه) . ش: أي بعض العبد. م: (فله أن يعتق الباقي أو يستسعي العبد إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه) . ش: أي في وجه التضمين. م: (لأن العتق كله حصل من جهته حيث تملك بالضمان) . ش: أي من حيث إنه تملك العبد بالضمان لحصة شريكه الساكت.
م: (وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق) . ش: أي إن شاء الشريك الساكت أعتق. م: (لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى العبد لما بيناه) . ش: أي لبقاء ملكه. م: (والولاء له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (في الوجهين) . ش: أي في الإعتاق والاستسعاء في نصيبه. م: (لأن العتق من جهته) . ش: أي من جهة الساكت. م: (ولا يرجع المستسعى) . ش: بفتح العين، اسم مفعول، وهو العبد. م: (على المعتق بما أدى بإجماع بيننا) . ش: قيد به عن قول ابن أبي ليلى وزفر، فإن عندهما يرجع العبد بما سعى على المعتق كالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر.

(6/41)


والولاء له في الوجهين، لأن العتق من جهته، ولا يرجع المستسعى على المعتق بما أدى بإجماع بيننا، لأنه يسعى لفكاك رقبته ولا يقضي دينا على المعتق، إذ لا شيء عليه لعسرته، بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر لأنه يسعى في رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن، فلهذا يرجع عليه. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الموسر كقولهما. قال في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه إلى تضمين الشريك لإعساره ولا إلى السعاية لأن العبد ليس بجان ولا راض به، ولا إلى إعتاق الكل للإضرار بالساكت فتعين ما عيناه. قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر إلى الجناية بل تبتنى على احتباس المالية فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين الفرق لنا بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن العبد. م: (يسعى لفكاك رقبته) . ش: أي لأن العبد هنا يسعى في تخليص رقبته عن الرق، وهو منفعة حالة له، فهذا لا يرجع، أي. م: (ولا يقضي العبد ديناً على المعتق إذ لا شيء عليه لقيد به) . ش: أي لإعساره. م: (بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر، لأنه يسعى في رقبة قد فكت) . ش: أي لأنه يسعى في رقبة تخلصت. م: (أو يقضي ديناً على الراهن، فلهذا يرجع عليه) . ش: أي فلكونه مضطراً، يرجع على الراهن، فقوله - لفكاك رقبته - على مذهبه. وقوله - أو يقضي ديناً على الراهن - المعتق على مذهبهما.
م: (وقول الشافعي في الموسر كقولهما) . ش: أي كقول أبي يوسف ومحمد. م: (قال) . ش: أي الشافعي:. م: (في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه لتضمين الشريك لإعساره) . ش: أي لإعسار الشريك. م: (ولا إلى السعاية) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى الاستسعاء. م: (لأن العبد ليس بجان ولا راض به) . ش: أي بإعتاق المعسر، لأن الرضى لا يتحقق إلا بالعلم، والمولى منفرد بإعتاقه بدون علمه. م: (ولا إلى إعتاق الكل) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى إعتاق الكل. م: (للإضرار بالساكت) . ش: أي للزوم الضرر بالشريك. م: (فتعين ما عيناه) . ش: وهو عتق ما عتق، ورق ما رق.
م: (قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر في وجوده إلى الجناية) . ش: كما في إعتاق العبد المرهون إذا كان الراهن معسراً. م: (بل يبتنى على احتباس المالية) . ش: أي مالية نفسه احتبست عنده فيستسعيه، وإذا كان إلى الاستسعاء سبيل. م: (فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية) . ش: الحاصلة من إعتاق البعض. م: (والضعف السالب لها) . ش: أي للمالكية، أي للقوة بصحبة البيع وأمثاله. م: (في شخص واحد) . ش: قال الكاكي: قوله - فلا يصار إلى الجمع.. إلى آخره - يعني كونه حراً في نصفه رقيقاً في نصفه، إذ لا يشهد له أصول الشرع، كما لا يشهد بأن يكون نصف المرأة مطلقة ونصفها غير مطلقة أو قتل نصف رجل ويبقى نصفه غير مستحق للقتل، ولأن الغرض من المالكية ملك الأشياء بأسبابها وملك الأشياء بأسبابها إنما يتصور في الأشخاص لا من

(6/42)


قال: ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده، وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا، لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه، ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار، لأن حقه في الحالتين في أحد شيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الانتقاض فيستسعى لئلا تؤدي إلى الملكية وعدمه واحد، والاستسعاء لا يفتقر إلى الجناية، بل هو مبني على احتباس المالكية كما إذا وقع ثوب بهبوب الريح في صبغ إنسان، وقد ذكرناه.
وقال تاج الشريعة: قوله - ولا يصار إلى الجمع ... إلى آخره - بيانه أنه أثر الحرية المالكية والولاية وجواز الشهادة وأثر الرق سبب هذه الأحكام، ويستحيل كون نصف الشخص مالكاً وولياً مملوكاً عاجزاً، وإذا تعذر الجمع ترجح جانب الحرية، لأنها وصف أصلي، فاعتباره أولى فقلنا بخروجه إلى الحرية بالسعاية، ولا يشكل قول أبي حنيفة لأنه لا يقول بزوال الرق.

[شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق]
م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (ولو شهد كل واحد) . ش: أي أقر، قاله تاج الشريعة. م: (من الشريكين على صاحبه بالعتق) . ش: أي بالإعتاق بنصيبه. م: (سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وكذا إذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتباً في زعمه) . ش: أي في زعم كل واحد منهما، الزعم بفتح الزاي وضمهما لغتان فصيحتان كالضعف والضعيف حكاهما ابن السكيت، وقرأ الكسائي قَوْله تَعَالَى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 136] بضم الزاي، والباقون بفتحها، قال ابن دريد: وأكثر ما يقع الزعم على الباطل في القرآن وفي فصيح الشعر. م: (عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة.
م: (وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه، فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، لأنه مكاتبه) . ش: أي لأن العبد مكاتبه على تقدير الصدق. م: (أو مملوكه) . ش: على تقدير الكذب وكسب المملوك لمولاه، وهنا لف ونشر مشوش. م: (فلهذا) . ش: أي فلأجل أن العبد مكاتب أو مملوك. م: (يستسعيانه) . ش: أي يستسعيان الشريكان العبد لأجل التيقن بحق الاستسعاء.. م: (ولا يختلف ذلك) . ش: أي الاستسعاء. م: (باليسار والإعسار لأن حقه) . ش: أي حق الذي شهد. م: (في الحالتين) . ش: أي في حال يسار شريكه الذي أعتق نصيبه وحال إعساره. م: (في أحد شيئين) . ش: من تضمين الشريك واستسعاء العبد. م: (لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو

(6/43)


السعاية والولاء لهما، لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كانا موسرين فلا سعاية عليه، لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما، إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة عن السعاية قد ثبتت لإقراره على نفسه، وإن كانا معسرين يسعى لهما لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه، إذ المعتق معسر، وإن كان أحدهما موسرا. والآخر معسرا سعى للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئا للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما، لأن كل واحد منهما يحيله على صاحبه، وهو يتبرأ عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السعاية) . ش: فإن قتل لم يتعذر على تقدير التخلف، فإنه لما أنكر يحلف، وإن نكل يجب الضمان قلنا: لما كان من اعتقاد كل واحد أنه أعتقه صاحبه يحلف لما يجب الضمان على تقدير الحلف فتعين السعاية، فلا فائدة في التحليف، بل تتعين السعاية، فلا تحليف لأن ماله إليه.
م: (والولاء لهما) . ش: أي للشريكين. م: (لأن كلاً منهما يقول: أعتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه، وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له) . ش: ولكن ينبغي لك أن تعلم أن هذا كله بعد أن يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه، لأن كل واحد منهما يدعي على الآخر الضمان، والضمان مما يصلح بدله فيستحلف عليه.. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه؛ لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة قد ثبتت لإقراره على نفسه وإن كانا معسرين يسعى لهما، لأن كلا واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقاً كان أو كاذباً على ما بيناه) . ش: إشارة إلى قوله - لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، كذا قاله الأترازي والكاكي وصاحب " الهداية "، وقيل هو إشارة إلى قوله لأنه مكاتبه أو مملوكه، قال الأكمل: قلت قائل هذا تاج الشريعة. م: (إذ المعتق معسر) . ش: أي لأن المعتق معسر.
م: (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى) . ش: أي العبد.
م: (للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه) . ش: أي عن السعاية، ذكره على تأويل الاستسعاء. م: (ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئاً للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (لأن كل واحد منهما يحيله) . ش: أي يحيل الولاء. م: (على صاحبه وهو يتبرأ عنه) . ش: أي عن صاحبه يتبرأ عن الولاء.

(6/44)


فبقي موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما.
ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر، وقال الآخر: إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف، وسعى لهما في النصف الآخر، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسعى في جميع قيمته؛ لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فبقي موقوفاً إلى أن يتفقا) . ش: أي الشريكان. م: (على إعتاق أحدهما) . ش: وذلك لأن كل واحد منهما يزعم أن الولاء لصاحبه وشريكه يجحد ذلك.

م: (ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غداً فهو حر، وقال الآخر) . ش: أي الشريك الآخر. م: (إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف) . ش: أي نصف العبد. م: (وسعى) . ش: أي العبد. م: (لهما) . ش: أي للشريكين. م: (في النصف، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: يسعى في جميع قيمته) . ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، ولكن يذكر عن أبي يوسف ومحمد وفيه، وإنما ذكر قولهما في " الجامع الكبير ".
وفي عتاق الأصل ففيما ذكره المصنف إبهام، لأن عند أبي يوسف إنما يسعى في النصف إذا كانا معسرين، وأما إذا كان أحدهما موسراً يسعى له في نصف القيمة، وقال الأترازي العذر لصاحب الهداية أنه أشار إلى ذلك بعد هذا بقوله، وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية ولا يمنعها على الاختلاف الذي سبق، ثم جواب المسألة مشروحاً على قول أبي حنيفة أنه يعتق نصف العبد ويسعى في نصف قيمته بينهما نصفين سواء كانا موسرين أو معسرين. وفي قول أبي يوسف إن كانا موسرين فلا يسعى في شيء، وإن كانا معسرين سعى لهما في نصف القيمة، فكل منهما في الربع، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر في ربع قيمته، ولا يسعى للمعسر في شيء، وفي قول محمد إن كانا موسرين فلا سعاية، وإن كانا معسرين يسعى لهما في جميع القيمة، وإن كان أحدهما موسراً والأخر معسراً سعى للموسر في نصف القيمة ولا يسعى للمعسر في شيء.
م: (لأن المقضي عليه في سقوط السعاية مجهول) . ش: لأنه أما هذا المولى. م: (فلا يمكن القضاء على المجهول) . ش: ولا يمكن القول بالتوزيع أيضاً لما فيه من إسقاط السعاية لغير المعتق وإيجاب السعاية للمعتق، ولأن كل واحد منهما شهد على صاحبه بالحنث فكان كعبدين شهد كل واحد منهما على الآخر بالإعتاق، ثم يسعى في جميع القيمة إذا كانا معسرين، فكذا هنا، ونظر المصنف لما قاله محمد بقوله. م: (فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا) .

(6/45)


ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية، لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع، كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو عينه ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق،
ولو حلفا على عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه لم يعتق واحد منهما، لأن المقضي عليه بالعتق مجهول، وكذلك المقضى له فتفاحشت الجهالة، فامتنع القضاء، وفي العبد الواحد المقضي عليه وكذا المقضي به معلوم، فغلب المعلوم المجهول. وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف. م: (أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية) . ش: وهو مثبت للعتق. م: (لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل) . ش: لأنه يكون ظلماً. م: (والجهالة ترتفع بالشيوع) . ش: هذا جواب عن قول، لأن المقضي عليه مجهول، وتقريره أن الجهالة ترتفع بالشيوع، أي بشيوع النصف الذي عتق. م: (والتوزيع) . ش: أي وبتوزيعه، لأن بالتوزيع يصير المقضي عليه الموليان، ولا جهالة فيها. م: (كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه) . ش: بأن قال لعبديه أحدهما حر، ولم يعينه. م: (أو عينه) . ش: أي لو قال أحدهما حر وعينه. م: (ونسيه) . ش: أي نسي الذي عينه. م: (ومات قبل التذكر أو البيان) . ش: فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، ويسعى كل واحد منهما في نصفه، وعند الشافعي في قول يفرع بينهما، وفي قول الوارث يقام مقامه في البيان، وهو الأصح. م: (وسيأتي التفريع فيه) . ش: أي في هذا الوجه.
م: (على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق) . ش: وهو أن اليسار لا يمنع السعاية عند أبي حنيفة وعندهما يمنع، وصورته ذكرناها عن قريب بقولنا ثم جواب المسألة مشروحاً فليراجع.

[حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه]
م: (ولو حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه) . ش: يعني إذا كان لكل واحد منهما عبد على حدة، فقال إن دخل فلان الدار غداً فعبدي حر، وقال الآخر إن لم يدخل فمضى الغد ولم يدر الدخول وعدمه. م: (لم يعتق واحد منهما) . ش: أي من العبدين في قولهم جميعاً. م: (لأن المقضي عليه) . ش: وهو المولى. م: (بالعتق مجهول، فكذا المقضي له وهو العبد مجهول فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء) . ش: لتفاحش الجهالة.
م: (وفي العبد الواحد) . ش: بين اثنين المقضي عليه. م: (المقضي عليه معلوم، وكذا المقضي به) . ش: وهو عتق نصف العبد. م: (معلوم) . ش: لأن أحدهما حانث لا محالة. م: (فغلب المعلوم المجهول) . ش: لأن المعلوم أكثر من المجهول. م: (وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه) . ش: أي الأب ملك نصف ابنه. م: (وشراؤه إعتاق على ما مر) . ش: في فصل من ملك ذا رحم محرم.

(6/46)


ولا ضمان عليه علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم وكذا إذا أورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه، لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق، وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق نصيبه، وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه، كما إذا كان أذن له بإعتاق نصيبه صريحا، ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا ضمان عليه) . ش: للآخر، أي لا ضمان على الأب لشريكه الذي اشتراه معه سواء. م: (علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم لأنه باشر) . ش: علته العتق وهي الشراء، فكان منه رضي بالدلالة، كما إذا رضي فصار صريحاً.
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك أعتق نصيب الأب. م: (إذا أورثاه) . ش: أي الابن، وكذلك حكم الصدقة والوصية والهبة. م: (والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: سواء كان الذي عتق عليه موسراً أو معسراً. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم المذكور. م: (عند أبي حنيفة) .
م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: (في الشراء يضمن الأب نصف قيمته) . ش: أي قيمة الابن. م: (إن كان) . ش: أي الأب. م: (موسراً وإن كان معسراً سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف) . ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (إذا ملكاه) . ش: أي إذا ملك الأب والآخر ابنه. م: (بهبة) . ش: أي بأن وهبه لهما رجل. م: (أو صدقة) . ش: بأن تصدق به شخص عليهما. م: (أو وصية) . ش: بأن أوصى به شخص لهما. م: (وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما) . ش: أي والحال أن أحدهما. م: (وقد حلف بعتقه إن اشترى نصفه) . ش: قيد بالنصف، لأنه إذا حلف بعتقه إن اشتراه لا يعتق بشراء النصف لعدم الشرط.
م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي الأب. م: (أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين) . ش: يعني مشتركاً بينهما. م: (فأعتق أحدهما نصيبه) . ش: يعني نصيب الآخر، لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فيضمن لصاحبه قيمة نصيبه إن كان موسراً، وإلا فالعبد يسعى.
م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه رضي بإفساد نصيبه) . ش: ولا عدوان مع الرضى. م: (فلا يضمنه) . ش: أي فلا يضمن صاحبه. م: (كما إذا كان أذن له) . ش: أي لشريكه. م: (بإعتاق نصيبه صريحاً) . ش: بأن قال له أعتق نصيبك فأعتقه لا يضمن، ثم بين المصنف وجه المساواة في الوجهين بقوله. م: (ودلالة ذلك) . ش: أي دلالة الرضى بإفساد نصيبه. م: (أنه) . ش: أي أن الشريك. م: (شاركه فيما هو

(6/47)


علة العتق وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا، وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه، وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب، كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر، ولا يعلم الآمر بملكه، وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علة العتق، وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به) . ش: أي بشراء القريب. م: (عن عهدة الكفارة التي عندنا) . ش: خلافاً للشافعي، وقال الأترازي: قوله - لأنه شاركه.. إلى آخره - فيه تسامح، لأن شراء القريب علة الملك والملك علة العتق، فيكون الشراء علته، والحكم يضاف إلى علة العلة كما في سوق الدابة وقودها.
م: (وهذا ضمان إفساد) . ش: لا ضمان تملك، وضمان التملك لا يختلف باليسار، أشار إليه بقوله - حتى يختلف - أي الضمان باليسار والإعسار فيسقط بالرضى وقد وجد حيث باشر السبب بخلاف ضمان الملك، فإنه لا يسقط بالرضى لأنه بناءً على التملك وهذا قائم أما ضمان الإفساد، فبناء على الجناية، ولما رضي لم يبق فعله جناية فيسقط، وإنما قيد بالظاهر احترازاً عما روي عن أبي يوسف إذا قال لصاحبه: أعتق نصيبك فأعتق يضمن، جعله ضمان التملك حيث لم يسقط الضمان بالرضى ذكر رواية أبي يوسف علاء الدين العالم في طريقة الخلاف.
وقال الأكمل: قوله وهو ضمان إفساد يجوز أن يكون جواباً عما يقال إنما كان الرضى مسقط للضمان إذا لو كان ضمان إفساد، وأما إذا كان ضمان تملك فلا يسقط به كما لو استولد أحد الشريكين الجارية بإذنه، فإنه لا يسقط به الضمان، لأنه ضمان تملك.
ووجه الجواب أنه ضمان إفساد. م: (في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه) . ش: أي بين أن يعلم أنه أبوه وبين أن لا يعلم. م: (وهو ظاهر الرواية عنه) . ش: أي عن أبي حنيفة، واحترز بالظاهر عن رواية الحسن بن زياد عنه بأنه إذا لم يكن عالماً بأنه أبوه لا يكون راضياً. وقال أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": ذكر أبو يوسف في الأمالي إذا كان الشريك لم يعلم فاشتراه فهو بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء نقض، لأن المبيع قد تغير قبل القبض، كما إذا اشتريا عبداً فأعتقه أحدهما قبل القبض كان الآخر بالخيار أجاز أو نقض. م: (لأن الحكم يدار على السبب) . ش: يعني لأن سقوط حقه في الضمان يدور مع كونه مشاركاً في السبب، وذلك لا يختلف بالعلم وعدمه.
م: (كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه) . ش: فأكله المأمور لم يكن للآمر أن يضمن شيئاً، وإن كان غير راض به لأنه باشر بسبب الوصي وهو الآمر. م: (وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه) . ش: أي نصف الابن أراد أن رجلاً اشترى نصف ابن الرجل. م: (ثم اشترى

(6/48)


الأب نصفه الآخر وهو موسر، فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب، لأنه ما رضي بإفساد نصيبه، وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته؛ لاحتباس ماليته عنده، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقالا: لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما.

ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن إذا كان موسرا ومعناه: إذا اشترى نصفه ممن يملك كله، فلا يضمن لبائعه شيئا عنده، والوجه قد ذكرناه. وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الآخر وهو موسر فإن أرادوا الضمان، فللساكت أن يضمن المدبر ولا يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب نصفه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أن الأب موسر. م: (فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب لأنه ما رضي بإفساد نصيبه) . ش: أي الأجنبي ما رضي بإفساد نصيبه. م: (وإن شاء استسعى) . ش: أي الأجنبي. م: (الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده) . ش: أي عند الابن. م: (وهذا) . ش: أي هذا الحكم. م: (عند أبي حنيفة، لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة وقد علم ذلك فيما تقدم.
م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد. م: (لا خيار له) . ش: أي للأجنبي. م: (ويضمن الأب نصف قيمته، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: وقد علم هذا أيضاً فيما تقدم. وحاصل هذه المسألة أن الأب يضمن في هذه الصورة في قولهم جميعاً لأن الرضى لم يوجد من الشريك لعدم مشاركته مع الأب فيما هو عليه للعتق، وقد اتفقوا في الضمان، واختلفوا في الخيار كما ذكرنا.

[اشترى نصف ابنه وهو موسر هل يضمن]
م: (ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة وقالا: يضمن إذا كان موسراً) . ش: وهذه المسالة من مسائل " الجامع الصغير "، وأوضحها المصنف بقوله. م: (ومعناه إذا اشترى نصفه ممن يملك كله) . ش: أي كل الابن. م: (فلا يضمن لبائعه شيئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة لأنه رضي بإسناد نصيبه لمشاركته فيما هو علة العتق، وعندهما يضمن لأنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، وقيد بقوله ممن يملك كله، لأنه إذا اشترى نصيب أحد الشريكين يضمن للساكت بالاتفاق كما في المسألة المتقدمة. م: (والوجه قد ذكرناه) . ش: إشارة إلى قولهما أنه أبطل، وله إن رضي. م: (وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (ثم أعتقه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر.. م: (فإن أرادوا الضمان) . ش: إنما قال أرادوا بضمير الجمع على سبيل التغليب، وهذا لأن المعتق لا يريد الضمان، ولا يريد الضمان إلا الساكت والمدبر بكسر الباء. (فللساكت أن يضمن المدبر) ش: بكسر الباء م: (ولا يضمن المعتق، وللمدبر) ش: بكسر الباء م: (أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبراً) . ش: أي ثلث قيمة العبد حال كونه مدبراً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المعتق. م: (الثلث الذي ضمن) . ش: بيان ذلك أن قيمة العبد إذا كانت سبعة وعشرين وهما مثلاً، فللساكت أن يضمن المعتق ستة، وذلك أن قيمة المدبر ثلث

(6/49)


وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا. وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما كالإعتاق؛ لأنه شعبة من شعبه، فيكون معتبرا به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قيمة القن، فالتدبير تلفت تسعة، فكان الإتلاف واقعاً على قيمة المدبر فللمعتق تلك الستة فقط، ويضمن التسعة التي هي نصيب الساكت مع تلك الستة التي يضمنه إياها.
م: (وهذا عند أبي حنيفة) . ش: أوضح الأترازي مذهب أبي حنيفة بقوله: اعلم أن العبد بين ثلاثة إذا دبره أحدهم وأعتقه الآخر، وهما مدبران كان للساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته قناً ويرجع به المدبر على العبد. نص عليه الحاكم في " الكافي "، وليس له أن يضمن المعتق لأنه لو ضمنه كان الملك له بالضمان والمدبر بفتح الباء ليس بقابل للملك سوى المدبر، وإنما يضمن الساكت المدبر إذا كان موسراً، وإن شاء استسعى العبد فيه لأنه أفسد تدبيره فيضمنه، ومالية العبد احتسب عند العبد فيستسعيه، أما إذا كان المعتق معسراً فللمدبر استسعاء العبد دون التدبير.
كذا قاله الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "، وليس للمدبر أن يرجع على المعتق بالثلث الذي ضمن للساكت، لأن ملك المدبر في ذلك الثلث ثابت من وجه دون وجه وذلك لأنه ثبت مستنداً بأداء الضمان، فبالنظر إلى أداء الضمان يثبت به الملك، فلما كان ذلك لم يظهر في حق التضمين، ثم الساكت إذا اختار تضمين المدبر كان ثلث الولاء للمدبر، والثلث للمعتق فإن اختار سعاية العبد كان الولاء بينهم أثلاثاً، وبه صرح الفقيه، وهذا كله قول أبي حنيفة.
م: (وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة) . ش: يعني لما دبره أحدهم صار كل مدبراً له، والعتق باطل لأن التدبير عندهما لا يتجزأ كالإعتاق عندهما. م: (ويضمن) . ش: أي المدبر. م: (ثلثي قيمته لشريكيه) . ش: المعتق والساكت سواء. م: (موسراً كان) . ش: أي المدبر. م: (أو معسراً) . ش: أي أو كان معسراً، والولاء كله للمدبر، وإنما يقع الفرق بين العتق والتدبير في حرف، وهو أن المعتق لا يضمن إذا كان معسراً.
وفي التدبير يضمن، وإن كان معسراً لأنه لما دبره فقد ملك كله، لأنه يملك خدمته فصار وجوب الضمان بالبدل والضمان إذا كان بالبدل استوى فيه العسر واليسر كجارية بين رجلين جاءت بولد، فادعاه أحدهما صارت أم ولده فيضمن نصف قيمتها، ونصف عقرها موسراً كان أو معسراً واستمتاعها بخلاف ضمان الإعتاق، فإنه ضمان إتلاف لا ضمان تملك، لأنه لا يحصل البدل بالضمان فاختلف بالعسر واليسر، وإن كان غنياً ضمن وإن كان فقيراً سعى العبد.
م: (وأصل هذا) . ش: الخلاف. م: (أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة خلافاً لهما كالإعتاق) . ش: فإنه يتجزأ عنده خلافاً لهما. م: (لأنه. ش: أي لأن التدبير. م: (شعبة من شعبه) . ش: أي من شعب الإعتاق. م: (فيكون معبراً به) . ش: أي بالإعتاق يعني يتجزأ كما يتجزأ الإعتاق.

(6/50)


ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين، فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه، أو يعتق أو يكاتب، أو يضمن المدبر أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله؛ لأن نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه طريق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر، فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختيار غيره فتوجه للساكت سببا لضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق، غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا، وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ولا يمكن ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولما كان) . ش: أي التدبير. م: (متجزئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (اقتصر على نصيبه) . ش: أي على نصيب المدبر. م: (وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين) . ش: وهما المعتق والساكت. م: (فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر) . ش: بكسر الباء. م: (أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه) . ش: أي نصيب كل واحد من الآخرين. م: (باق على ملكه فاسداً) . ش: أي حال كونه فاسداً. م: (بإفساد شريكه) . ش: أي شريك كل واحد منهما، وأراد بالشريك المدبر. م: (حيث سد عليه) . ش: أي حيث سد المدبر على كل واحد منهما. م: (طريق الانتفاع به) . ش: أي بالعبد. م: (بيعاً) . ش: أي من حيث البيع. م: (وهبة) . ش: أي من حيث الهبة، وكذلك من حيث الوصية، والصدقة والإمهار. م: (على ما مر) . ش: إشارة إلى قوله، لأن العتق جائز عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك، وذكره في المسألة الثانية من هذا الباب.
م: (فإذا اختار أحدهما) . ش: أي أحد الآخرين وهما المعتق والساكت. م: (العتق تعين حقه فيه. ش: أي في العتق يعني فقد منه لمصادفة ملكه لكونه متجزئاً عنده. م: (وسقط اختيار غيره) . ش: أي غير العتق من السعاية والكتابة والتضمين وغيرها. م: (فتوجه للساكت سبباً لضمان) . ش: وفسرهما بقوله. م: (تدبير المدبر، وإعتاق هذا المعتق) . ش: يعني أن كل واحد منهما سبب الضمان. م: (غير أن له) . ش: أي للساكت. م: (أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل) . ش: أي ضمان المعاوضة هو الأصل في الضمان، لأن الضمان يقتضي أن يصير المضمون ملكاً للضامن ولا يكون ذلك إلا في ضمان المعاوضة لا في ضمان الجناية، وإتلاف وضمان المدبر ضمان معاوضة.
م: (حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا) . ش: وقال الكاشاني في الدليل على أن الغصب ضمان معاوضة: مسألة المأذون، وهي أن إقراره بالغصب يصح أيضاً مع إقراره بالضمان لإتلاف مؤخر إلى ما بعد العتق، وإذا كان الأصل في الضمانات ضمان معاوضة في الغصب مع أنه عدوان ففي الإعتاق وهو مشروع أولى فلا يترك هذا الأصل، أي ضمان الجناية إلا لضرورة العجز. م: (وأمكن ذلك) . ش: أي ضمان المعاوضة. م: (في التدبير) . ش: أي في ضمان التدبير. م: لكونه قابلاً للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير، ولا يمكن ذلك) . ش: أي النقل من ملك إلى ملك. م: (في

(6/51)


في الإعتاق، لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال، فلهذا يضمن المدبر، ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا؛ لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا، والضمان يتقدر بقيمة المتلف وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإعتاق، لأنه عند ذلك) . ش: أي عند الإعتاق. م: (مكاتب أو حر) . ش: وفي بعض النسخ، لأنه عند ذلك مدبر. م: (على اختلاف الأصلين) . ش: يعني أن يعتق بعض العبد مكاتب عند أبي حنيفة، وعندهما حر عليه دين.
وقال الإمام جلال الدين - ابن المصنف - قوله - مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين - غير مستقيم وكذا قوله. م: (ولا بد من رضا المكاتب) . ش: نتيجة، لأنه عند الإعتاق ليس بمكاتب ولا حر، وإنما يصير كذلك بعد الإعتاق والمستسعي عند أبي حنيفة، وإن كان بمنزلة المكاتب إلا أنه لا ينفسخ بالعجز ولا بالتفاسخ، إنما الصحيح أن يقال: لأنه عند ذلك مدبر. وقال الأكمل: للساكت حق الاستسعاء بمنزلة المكاتب، كما أن فيه حق البيان كذلك على ما سيجيء في هذا الكتاب في مسألة الثابت والخارج والداخل، لأن للمولى حق بيان الإيجاب في كل واحد من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كلاً منهما حراً من وجه، عبداً من وجه، فكان الثابت كالمكاتب، فكذا هنا ما دام له حق السعاية في المدبر كان بمنزلة المكاتب.
وأما أن الكتابة تقبل الفسخ فقد تقدم في فصل كفارة الظهار، وإنما تنفسخ بمقتضى الإعتاق، فكذا تنفسخ بالتراضي، ولا بد من رضا المكاتب. م: (بفسخه حتى يقبل الانتقال فلهذا) . ش: أي فلأجل كون المدبر عند الإعتاق غير قابل للانتقال. م: (يضمن المدبر) . ش: أي يضمن للساكت المدبر بكسر الباء.
م: (ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته) . ش: حال كونه. م: (مدبراً لأنه) . ش: أي لأن المعتق. م: (أفسد عليه) . ش: أي على المدبر. م: (نصيبه) . ش: حال كونه. م: (مدبراً) . ش: أراد نصيبه: (والضمان يتقدر بقيمة المتلف) . ش: يعني منهما كان قيمته ما أتلف يلزم ذلك. م: (وقيمة المدبر ثلثا قيمته قناً) . ش: أي من حيث كونه قناً. وقد مر بيان ذلك عند قوله - ولا يضمن المعتق الثلث الذي ضمن - وفي قيمة المدبر اختلافاً للمشايخ، قال البلخي: قيمته نصف قيمة القن، لأنه ينتفع بالمملوك على وجهين بعينه وببدله، فالانتفاع ببدله فائت، والانتفاع بعينه باق، كذا في " النوازل ".
وقال بعضهم: تمام قيمة القن، وقال الصدر الشهيد: هذا غير سديد، وذكر الإمام السعدي في " فوائده " قيمته ثلاثة قيمته، وقد مر.
وقال بعضهم: قيمته قيمة الخدمة ينظر كم يستخدم هو مدة عمره من حيث التحري والظن، كذا في " التتمة " " والفتاوى الصغرى "، وقيل: يسأل عن أهل الخبرة أي العلماء لو جوزوا بيعه بكم اشتري هذا المدبر يجب ما قالوا. وقيل: يقوم ما كانت المنافع التي تفوت بالتدبير، وإليه

(6/52)


على ما قالوا، ولا يضمنه قيمة ملكه بالضمان من جهة الساكت؛ لأن ملكه ثبت مستندا، وهذا ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين
والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا، ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق؛ لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار، وإذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما صار كله مدبرا للمدبر، وقد أفسد نصيب شريكه لما بينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أشار محمد في بعض الكتب ولم ينقل من المتقدمين في معرفة قيمة المكاتب شيء. وأشار محمد في جنايات الجامع إلى أن قيمته أقل من قيمة القن، ولم يبين بمقداره، وقيل ينبغي أن يكون النصف قيمة أم الولد ثلث قيمة القن.
وفي " الذخيرة " لو قال بعض المشايخ ينظر بكم تستخدم مدة عمرها. وقيل سئل أهل العلم أن العلماء لو جوزوا بيعها بكم تشترى فيجب ذلك المقدار.
م: (على ما قالوا) . ش: إشارة إلى اختلاف المشايخ الذي بيناه. وقال الكاكي: إشارة إلى أن فيه خلافاً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المدبر المعتق. م: (قيمة ملكه بالضمان) . ش: هو الثلث. م: (من جهة الساكت لأن ملكه) . ش: أي ملك المدبر. م: (ثبت مستنداً) . ش: إلى وقت التدبير. م: (وهو ثابت من وجه) . ش: أي ينظر إلى حال أداء الضمان. م: (دون وجه) . ش: أي ليس بثابت من وجه ينظر إلى حال التدبير. م: (فلا يظهر في حق التضمين) . ش: أي في حق تضمين المعتق.
فإن قيل: قوله ثابت من وجه دون وجه يشكل بما قالوا إذا أعتق أحد الشريكين، وهو موسر يؤدي المعتق الضمان ثم يرجع على العبد بما ضمن الساكت مع أن العبد ثالثهما، قلنا: المعتق بأداء الضمان قام مقام الشريك وللشريك ولاية الاستسعاء، فكذا من قام مقامه. وقيل: يرد عليه ما لو هلك المدبر في يد غاصب الغاصب، وضمنه الغاصب حيث يرجع على الثاني، وإن كان ملكه ثبت مستنداً.
أجيب: بأن الغاصب قام مقام المالك في ضمان الحيلولة وللمالك أن يضمن غاصب الغاصب، فكذا من قام مقامه.

[جارية بين اثنين فجاءت بولد فادعاه أحدهما]
م: (والولاء بين المعتق والمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بين المعتق وعصبة المدبر، لأن العتق لا يحصل للمدبر إلا بعد موت مولاه. م: (أثلاثاً، ثلثاه) . ش: أي ثلثا الولاء. م: (للمدبر والثلث للمعتق، لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار) . ش: لأن المدبر عتق عليه الثلث من جهة ملكه من الساكت والثلث الآخر نصيبه في الأصل، وهذا إذا اختار الساكت تضمين المدبر، أما إذا اختار سعاية العبد فالولاء بينهم جميعاً أثلاثاً لكل واحد منهم الثلث.
م: (وإذا لم يكن التدبير متجزئاً عندهما صار كله) . ش: أي كل العبد: (مدبراً) . ش: بفتح الباء. م: (للمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بعصبة المدبر. م: (فقد أفسد نصيب شريكه لما بينا) . ش: أراد به عند قوله فيما مضى عن قريب العبد الذي دبره أول مرة، ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسراً كان أو معسراً

(6/53)


فيضمنه. ولا يختلف باليسار والإعسار، لأنه ضمان تملك فأشبه الاستيلاد، بخلاف الإعتاق لأنه ضمان جناية، والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر. قال:
وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أيضا أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوما ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة، وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة ولا سبيل عليها. لهما أنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا، فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على زعمه في الحكم فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيضمنه) . ش: أي فيضمن نصيب شريكيه. م: (ولا يختلف) . ش: أي الضمان. م: (باليسار والإعسار) . ش: يعني يضمن مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً. م: (لأنه) . ش: أي لأن هذا الضمان. م: (ضمان تملك فأشبه الاستيلاد) . ش: أي فأشبه هذا الضمان ضمان الاستيلاد، فإن كانت جارية بين اثنين، فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه، ويضمن قيمتها لشريكه.
م: (بخلاف الإعتاق) . ش: أي بخلاف ضمان الإعتاق. م: (لأنه ضمان جناية والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر) . ش: فتختلف باليسار والإعسار، واعترض بأن قولهم ضمان الجناية باليسار والإعسار أردتم مطلق ضمان الجناية أو الجناية بالإعتاق، والأول مردود بأن كسر جرة إنسان مثلاً أو أتلف ملكاً من أملاكه، فإنه يجب عليه الضمان موسراً كان أو معسراً. والثاني تحكم.
وأجيب: بأن المراد الثاني والحكم مدفوع لثبوته بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن. وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر، فلا يقاس عليه غيره، فيكون على خلاف القياس. م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " وليس لفظ. م: (قال) . ش: في كثير من النسخ.

م: (وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أنها أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوماً) . ش: المراد من كونها مرقوقة يوماً أن يرفع عنها الخدمة يوماً، وأن يكون للمقر عليها سبيل بالاستسعاء. م: (ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة) . ش: قال الكاكي: واختلف المشايخ في الخدمة للمنكر هل تخدم عندهما، والصحيح أنها لا تخدم.
م: (وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها، ثم تكون حرة، ولا سبيل عليها) . ش: يعني للمقر بالاستسعاء. م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي المقر. م: (لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه) . ش: أي على نفسه فصار. م: (كأنه استولدها فصار) . ش: حكم هذا. م: (كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا) . ش: مثل ذلك. م: (فتمتنع الخدمة) . ش: للمقر لأنها أم ولد لغيره في زعمه. م: (ونصيب المنكر على زعمه في الحكم، فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت) . ش: وهو تلميذ ظفر الدين المرغيناني في نصف كسبها للمنكر، ونصفه مرقوق ونفقتها في كسبها، وإن لم يكن لها كسبه

(6/54)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذبه كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء؛ لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاء والضمان.

والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب، وهو أمر لازم ولا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما، وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن نصف قيمتها؛ لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما، وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فنصف نفقتها على المنكر، لأن نصف الجارية للمنكر بيقين.
م: (ولأبي حنيفة أن المقر لو صدق) . ش: بتخفيف الدال. م: (كانت الخدمة كلها للمنكر) . ش: لأنها أم ولد له. م: (ولو كذبه) . ش: بتخفيف الذال، أي المقر، ولو كذبه. م: (كان له نصف الخدمة) . ش: لأنها قنة بينهما. م: (فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف) . ش: ويكون النصف الآخر مرقوقاً. م: (ولا خدمة للشريك الشاهد، ولا استسعاء لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان) . ش: أما تبرؤه عن الخدمة فبدعوى الاستيلاد، وأما عن الاستسعاء فبدعوى الضمان، وفي كلامه لف ونشر على ما ترى.

[كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما]
م: (والإقرار بأمومية الولد) . ش: هذا جواب عن قولهما انقلب إقرار المقر عليه، كأنه استولدها، تقديره أن الإقرار أحد الشريكين بأمومية الولد. م: (يتضمن الإقرار بالنسب وهو) . ش: أي الإقرار بالنسب. م: (أمر لازم لا يرتد بالرد) . ش: أن الرجل إذا أقر بنسب صغير لرجل وكذبه المقر به، ثم إن ذلك المقر نسب ذلك الصغير لنفسه لا يصح، لأن النسب لا يرتد بالرد. م: (فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما) . ش: أي بين اثنين. م: (فأعتقها أحدهما وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة) .
م: (وقالا يضمن نصف قيمتها، لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (ومتقومة عندهما) . ش: وهذا هو الأصل في المسألة وقول سائر الفقهاء كقولهما. م: (وعلى هذا الأصل تبتنى عدة من المسائل التي أوردناها في " كفاية المنتهى ") . ش: و " كفاية المنتهى " اليوم مفقود، ولكن المسائل التي تبتنى على الأصل مشهورة مذكورة في الكتب، منها إذا مات أحدهما لا تسعى للآخر عنده، وعندهما تسعى، ومنها إذا ولدت بعد ذلك فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعتق، ولا يضمن من قيمته شيئاً لشريكه عنده، وعندهما يضمن لشريكه نصف قيمته إن كان موسراً أو يسعى الولد في النصف إذا كان معسراً، ومنها لو غصبه غاصب فماتت في يده لا يضمنها عنده ويضمنها عندهما. وفي كوفي الرقبات يضمن عنده في الغصب كما يضمن بالصبي الحر، حتى لو قربها إلى سبع فافترسها يضمن، لأنه ضمان جناية لا ضمان غصب، ويضمن بالقتل

(6/55)


وجه قولهما: أنها منتفع بها وطئا وإجارة واستخداما، وهذا دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر، ألا ترى أن أم الولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية، وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت، بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز، وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له، ولهذا لا تسعى للغريم ولا لوارث، بخلاف المدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالاتفاق، لأنه ضمان جناية.
ومنها أنه لو باعها وسلمها فماتت في يد المشتري لم يضمن عنده، وعندهما يضمن، ومنها أن الأمة الحبلى إذا بيعت فولدت لأقل من ستة أشهر ثم ماتت الأم عند المشتري فادعى البائع الولد يصلح، وعليه أن يرد جميع الثمن عنده، وعندهما يحبس ما يخصه من الثمن.
م: (وجه قولهما أنها) . ش: أي أن أم الولد. م: (منتفع بها وطئاً) . ش: يعني من حيث الوطء. م: (وإجارة) . ش: يعني من حيث الإجارة. م: (واستخداماً، وهذا دلالة التقوم) . ش: يعني من حيث الاستخدام، لأن هذه الأفعال لا تكون إلا بملك اليمين فيها لعدم العقد وملك اليمين لا يكون إلا في مال متقوم. م: (وبامتناع بيعها) . ش: وهذا جواب عما يقال إن بيعها ممتنع، وذلك دليل على عدم التقوم. وأجاب - وبامتناع بيعها - أي بيع أم الولد. م: (لا يسقط تقومها، كذا في المدبر) . ش: فإنه يمنع بيعه، وهو متقوم، وكذا بيع الآبق.
ثم أوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن أم ولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية) . ش: بالاتفاق، والسعاية إنما تكون إذا بقي التقويم. م: (وهذا) . ش: أي وجوب السعاية. م: (آية التقويم) . ش: أي علامة التقويم. م: (غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة) . ش: يعني من حيث كونها قنة. م: (على ما قالوا) . ش: أي على ما قال مشايخنا. م: (لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت) . ش: أي موت المولى، فإنها لا تسعى للغرماء ولا للورثة. م: (بخلاف المدبر، لأن الفائت فيه منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان) . ش: فإنه يسعى للغرماء ويخدم مولاه إلى أن يموت.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز) . ش: بالاقتناء للمتمول، ألا ترى أن العبد قبل الإحراز لا يكون مالاً متقوماً، والآدمي في الأصل ليس بمال ويصير مالاً بإحرازه على قصد التمول ويثبت ملك المتعة تبعاً، فإذا حصنها واستولدها ظهر أن إحرازه لها لملك المتعة لا لقصد التمول، فصار في صفة المالية، لأن الإحراز لم يولد أصلاً فلا يكون متقوماً. م: (وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له) . ش: أي للنسب، يعني أنها كانت تجوز للمالية والتقوم قبل الاستيلاد، فلما جوز هذا الاستيلاد للنسب كان الإحراز بالتقوم تابعاً لأنه ظهر أن إحرازه كان للنسب. م: (ولهذا) . ش: أي ولكونها تحرزاً للنسب. م: (لا تسعى للغريم، ولا لوارث بخلاف المدبر)

(6/56)


وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال، وهو الجزئية القائمة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع، فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت، وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا، وفي أم ولد النصراني قضينا بمكاتبتها عليه دفعا للضرر من الجانبين بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: ثم أوضح عدم وجوب السعي عليها والفرق بين أم الولد والمدبر بقوله. م: (وهذا) . ش: إشارة إلى الفرق بينهما. م: (لأن السبب فيها) . ش: أي لأن سبب الحرية في أم الولد. م: (متحقق في الحال وهو الجزئية القائمة) . ش: بين المولى وأم الولد. م: (بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة) . ش: لأنه لما حصل الولد من بابين بحيث لا يتمازج أحدهما من الآخر صار أصوله وفروعه كأصولها وفروعها وبالعكس وثبوت الحرية يقتضي عدم التقوم، لان الإرقاق حرام. م: (إلا أنه لم يظهر عمله) . ش: أي غير أن سبب الحرية لم يظهر عمله. م: (في حق الملك) . ش: ولم تعتق حقيقة لأجل. م: (ضرورة الانتفاع بها) . ش: بالإجماع إذا قصده أن يكون فراشه إلى وقت موته. م: (فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت) . ش: أي سبب الحرية بعد الموت.
قال الأترازي: وهذا تناقض من المصنف في كلامه، لأنه جعل التدبير هنا سببها بعد الموت وجعله في باب التدبير سبباً في الحال، ومذهب علمائنا أن التدبير في الحال بخلاف سائر التعليقات، فإنها ليست بأسباب في الحال عندنا. قلت هذا ذكره صاحب " الكافي " وليس منه.
م: (وامتناع البيع فيه) . ش: أي في المدبر، وهذا جواب عن قولهما، وبامتناع بيعها لا يسقط تقويمها، وبالقياس على هذا ينبغي أن لا يمتنع بيع المدبر، لأنه إذا كان السبب ينعقد بعد الموت، فلم قلتم بامتناع بيعه، فأجاب بقوله - وامتناع البيع فيه -. م: (لتحقيق مقصوده) . ش: أي مقصود المولى من التدبير وهو الحرية وإن كان السبب لم ينعقد في الحال لم يدل على سقوط التقوم، وإنما ظهر أثر انعقاده في حرمة البيع خاصة. م: (فافترقا) . ش: أي حكم أم الولد والمدبر من الوجه المذكور.
م: (وفي أم ولد النصراني) . ش: جواب عما قاسا عليه. م: (قضينا) . ش: أي حكمنا. م: (بمكاتبتها عليه) . ش: أي على النصراني. م: (دفعاً للضرر من الجانبين) . ش: في حق أم الولد، فلئلا تبقى تحت نصراني وهي مسلمة، وأما في حق النصراني فلئلا يبطل ملكه مجاناً، ولما كانت هي في معنى المكاتبة كان إذنه في معنى بدل الكتابة. م: (بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم) . ش: أي تقوم ما يقابله، لأنه في الأصل مقابل بفك الحجر، وفك الحجر متقوم، فلذا قلنا: إن مكاتبها لم يقتض مقوم أم ولد النصراني. والله أعلم.

(6/57)