البناية شرح الهداية

باب عتق أحد العبدين ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه ونصف كل واحد من الآخرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذلك إلا في العبد الآخر فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت، وهو الذي أعيد عليه القول وأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما، فيصيب كلا منهما النصف غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر؛ لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب عتق أحد العبدين] [عتق أحد العبدين في مرض الموت]
م: (باب عتق أحد العبدين)
ش: أي هذا باب في حكم عتق أحد العبدين، ولما فرغ من بيان إعتاق بعض عبد واحد شرع في إعتاق أحد العبدين، لأن أحدهما بعض أيضاً، لكن قدم الأول لكون الواحد مقدماً على الاثنين.
م: (ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين) . ش: أي ثم مات المولى والحال أنه لم يبين ولم يسم كل واحد من العبدين باسم الفعل الذي اتصف به، قلتم: الذي خرج خارج والذي دخل داخل، والذي لم يخرج ثابت، ثم إن كان المولى ما دام حياً يؤمر بالبيان، لأنه هو الجمل ويرجع في البيان إليه ويعتق الذي عينه، فإذا مات قبل البيان. م: (عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه) . ش: أراد بالقول قوله أحدكما حر، وأراد بالذي أعيد عليه القول الثابت. م: (ونصف كل واحد) . ش: أي عتق نصف كل واحد. م: (من الآخرين) . ش: وهما الداخلان والخارج. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هو كذلك) . ش: يعني يعتق من الثابت ثلاثة أرباعه، ومن الخارج نصف. م: (إلا في العبد الآخر) . ش: وهو الداخل. م: (فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت) . ش: بحيث إنه يحتمل أن يراد به هذا أو ذاك، وليس أحدهما بأولى من الآخر فينصف بينهما. م: (وهو الذي) . ش: أي الثابت. م: (أعيد عليه القول) . ش: وهو قوله أحدكما حر. م: (وأوجب عتق رقبة بينهما) . ش: أي بين الداخل والثابت. م: (لاستوائهما) . ش: لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر. م: (فيصيب كلاً منهما النصف، غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني) . ش: وهو قوله أحدكما حر في المرة الثانية. م: (ربعاً آخر، لأن الثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (دائر بينه) . ش: أي بين الثابت. م: (وبين الداخل فينتصف بينهما) . ش: أي بين الثابت والداخل لعدم الأولوية.

(6/58)


غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول، فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه، فما أصاب المستحق بالعتق الأول لغى، وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع، ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه، ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فينتصف النصف فيعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول، وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما، وقضية التنصيف، وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا، ولا استحقاق الداخل من قبل فيثبت فيه النصف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (في نصفيه، فما أصاب المستحق) . ش: بفتح الحاء، أي المستحق. م: (بالعتق الأول) . ش: أي بالإيجاب الأول. م: (لغى) . ش: أي الذي أصاب من النصف الشائع النصف المستحق الأول لغى، لأن تحرير الحر محال. م: (وما أصاب الفارغ بقي) . ش: أي وما أصاب غير المستحق بقي وصح. م: (فيكون له الربع) . ش: فينتصف النصف الشائع، فيعتق بالإيجاب الثاني ربع الثابت، وبالإيجاب الأول نصفه. م: (فتمت له) . ش: أي للثابت. م: (ثلاثة الأرباع، ولأنه) . ش: أي ولأنه. م: (لو أريد هو) . ش: أي الثاني. م: (بالثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (يعتق نصفه الباقي، ولو أريد به) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (الداخل لا يعتق هذا النصف) . ش: أي النصف الباقي من الثابت، فإذا يعتق من الثابت نصفه الباقي في حال دون حال.
م: (فينتصف النصف، فيعتق منه الربع بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (والنصف بالأول) . ش: أي يعتق النصف بالإيجاب الأول.
م: (وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول لما دار الإيجاب الثاني بينه) . ش: أي بين الداخل. م: (وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع) . ش: بالاتفاق. م: (فكذلك يصيب الداخل) . ش: يعني الربع. م: (وهما) . ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (يقولان إنه دائر بينهما) . ش: أي الإيجاب الثاني دائر بين الداخل والثابت. م: (وقضية التنصيف) . ش: أي قضية هذا الدوران يكون بينهما التنصيف لاستوائهما. م: (وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا) . ش: أي عند قوله - لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف - أي يجعل بينهما النصف. م: (ولا استحقاق الداخل من قبل) . ش: أي من قبل ذلك. م: (فيثبت فيه النصف) . ش: أي يثبت في حق الداخل النصف.
حاصل هذا أن الإيجاب الثاني لو أريد به الداخل عتق، ولو أريد به الثابت يعتق الباقي منه، ولا يعتق الداخل، فإذا عتق الداخل في حال دون حال فيتنصف عتق العتق بينهما، فيعتق نصف الداخل.

(6/59)


قال: فإن كان القول منه في المرض قسم الثلث على هذا وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول: يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان، فيبلغ سهام العتق سبعة،
والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث، فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة، وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة، ويسعى في أربعة، ويعتق من الباقين من كل واحد منهما سهمان ويسعى في خمسة، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل كل رقبة على ستة لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق بسهم وصار جميع المال ثمانية عشر، وباقي التخريج ما مر، ولو كان هذا في الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن كان القول منه) . ش: أي فإن كان القول المذكور من المولى. م: (في المرض قسم الثلث على هذا) . ش: على ما ذكر. م: (وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة أسهم) . ش: وصايا العبيد الثلاثة سبعة، لأن العتق وصية، والوصية تنفذ من الثلث، فيضرب كل بقدر وصيته. م: (على قولهما) . ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،. م: (لأنا نجعل كل رقبة على أربعة) . ش: أسهم. م: (لحاجتنا إلى ثلاثة أرباع، فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين) . ش: بفتح الخاء، وأراد بهما الداخل والخارج. م: (من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة) .

م: (والعتق في مرض الموت وصية) . ش: وكل وصية. م: (ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة أسهم) . ش: فإذا كان الثلث سبعة وثلثاه أربعة عشر. م: (وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة) . ش: أسهم. م: (ويسعى في أربعة) . ش: أشهر. م: (ويعتق من الباقين) . ش: وهما الخارج والداخل. م: (من كل واحد منهما سهمان) . ش: أي يعتق سهمان. م: (ويسعى) . ش: أي كل واحد منهما. م: (في خمسة أسهم، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان) . ش: لأن سهام الوصايا سبعة، وسهام السعايا أربعة عشر.
م: وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة، لأنه يعتق من الداخل عنده) . ش: أي عند محمد. م: (سهم فنقصت سهام العتق بسهم، وصار جميع المال ثمانية عشر) . ش: لأن الخارج يضرب بسهمين، والثابت ثلاثة أسهم، والداخل سهم فكان سهام الوصايا ستة، فإذا كانت الثلث ستة كان جميع المال ثمانية عشر لا محالة. م: (وباقي التخريج ما مر) . ش: يعني يعلم مما مر، فالخارج يعتق منه سهمان ويسعى في أربعة، والثالث يعتق منه الثلاثة ويسعى في ثلاثة، والداخل يعتق منه سهم ويسعى في خمسة، فكان نصيب السعاية وهو نصيب الورثة اثني عشر سهماً، وسهام الوصايا ستة.. م: (ولو كان هذا) . ش: أي هذا الكلام. م: (في الطلاق) . ش: وهي مسألة الزيادات يحتج بها

(6/60)


وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه، قيل هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة وعندهما يسقط ربعه، وقيل هو من قولهما أيضا، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريقاتها في الزيادات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد عليهما وصورته رجل له ثلاث نسوة. م: وهن غير مدخولات) . ش: يعني لم يدخل بهن، فقال لامرأتين منهن إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن دخلت للثالثة، فقال إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن ودخلت الثالثة، فقال إحداكما طالق. م: (ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه) . ش: والثمن من الصداق بمنزلة الربع من العتاق، لأن المستحق بالطلاق سقوط على النصف من المستحق بالعتق سوياً في الإيجاب الثاني. م: (قيل: هذا قول محمد خاصة) . ش: فلا يكون حجة عليهما، وكيف يكون حجة. م: (وعندهما يسقط ربعه، وقيل: هو من قولهما أيضا) . ش: أي قول أبي حنيفة، وأبي يوسف فلا بد من الفرق بين العتق والطلاق، فقال م: (وقد ذكرنا الفرق) . ش: أي بين العتاق والطلاق. م: (وتمام) . ش: بالنصب عطفاً على الفرق، أي وذكرنا تمام. م: (تفريقاتها) . ش: أي تفريقات هذه المسألة. م: (في الزيادات) . ش: أي في شرح الزيادات.
أما الفرق فهو أن الثابت في العتق بمنزلة المكاتب، لأنه حين تكلم كان له حق البيان، وصرف العتق إلى أيهما شاء من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كل واحد من العبدين حراً من وجه وعبداً من وجه، فإذا كان الثابت كالمكاتب كان الكلام الثاني صحيحاً من كل وجه، لأنه دار بين المكاتب والعبد، إلا أنه أصاب الثابت منه الربع، والداخل النصف.
وأما الثابتة في الطلاق فمترددة بين أن تكون منكوحة وبين أن تكون أجنبية، لأن الخارجة إن كانت المرادة بالإيجاب الأول كانت الثانية منكوحة فيصبح الإيجاب الثاني، وإن كانت الثانية هي المرادة بالإيجاب الأول كانت المعينة، فيلغو الإيجاب الثاني، فجعلت أجنبية من وجه، فيصح الإيجاب الثاني من وجه دون وجه فيسقط نصف المهر، وهو الربع موزعاً بين مهر الداخلة والثابتة فيصيب كل واحدة منهن الثمن.
وأما التفريعات فمنها أن المولى إذا لم يمت ومات الثابت عتق الخارج والداخل، أما الخارج فلأن الكلام الأول أوجب عتق رقبة بينه وبين الثابت، فبطلت مزاحمة الثابت، وكذلك الكلام الثاني أوجب عتق رقبة بين الثابت والداخل فبطلت مزاحمة الثابت، هذا عندهما، وأما عند محمد فإنما يعتق الخارج لما قلنا، وأما الداخل فلأن الثابت لما تعين للرق بالمؤنة ظهر أن الكلام صحيح بكل حال، فصار قوله كقولهما، ومنها أن الداخل إذا مات قبل المولى أو وقع العتق على أيهما شئت من الخارج والثابت. فإن أوقعه على الخارج عتق الثابت أيضاً، لأنه ظهر أنه كان عبداً عند الإيجاب الثاني، فبطل مزاحمة الداخل بموته، فإن أوقع العتق الأول على الثابت لم يعتق الخارج بلا شبهة، أو كذا الداخل لأن المضموم إليه الحر.

(6/61)


ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات، أو قال له: أنت حر بعد موتي عتق الآخر؛ لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر في شرح الزيادات هذا عند محمد، فأما عندهما يجب أن الخارج الثابت، لأن الكلام الثاني صحيح معين له الثابت بالكلام الأول، وبطل الكلام الثاني، لأن المضمون إليه حر، وهاهنا أن المولى إذا لم يمت ولا العبد أيضاً، وبين المولى فإن عين الخارج بالكلام الأول خير في الآخرين، لأن الكلام الثاني صحيح بكل حال على هذا الوجه، وإن عين الثابت بقي الخارج وكذا الداخل لأن المضموم إليه حر، أو إن عين الثابت بالكلام الثاني عتق الخارج بكلام الأول ولم يعتق الداخل وإن بين الداخل بالكلام الثاني في تعيين الخارج والثابت بالكلام الأول منها ميراث النساء وهو الربع والثمن يقسم بين الداخلة، والأولين نصفين نصف الداخلة لأنه لا يزاحمها إلا أحد الأوليين والنصف الآخرين الأوليين، لأن إحداهما ليست بأولى.
ومنها أن الثابت إذا ماتت والزوج حي طلقت الخارجة والداخلة لانعدام المزاحمة، ولكل واحدة ثلاثة أربع المهر، فإن ماتت الداخلة كانت تخييراً في الأخريين بالكلام الأول فإن أوقعه على الخارجة طلقت الثابت أيضاً لانعدام مزاحمة الداخلة بالموت، وإن أوقعه على الثابتة لم تطلق الخارجة، وإن ماتت الخارجة طلقت الثانية ولم تطلق الداخلة.
ومنها أنه إذا لم تمت واحدة منهن لكن الزوج أوقع الطلاق الأول على الخارجة صح الكلام الثاني وله الخيار في تعيين الثابتة أو الداخلة بالثاني إن أوقع الطلاق البائن على الداخلة كان له الخيار في تعيين الخارجة والثابتة بالكلام الأول.

[قال لعبديه أحدكما حر فباع أحدهما أو مات]
م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات) . ش: أي أحدهما. م: (أو قال له:) . ش: أي لأحدهما. م: (أنت حر بعد موتي عتق الآخر) . ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير "، صورتها فيه محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل قال لعبديه أحدكما حر، ثم باع أحدهما قال يعتق الآخر، وإن مات أحدهما عتق الآخر، وكذا لو قال لامرأتيه: إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما طلقت الأخرى. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لو قال لعبديه: أحدكما حر ثم مات أحدهما أو قتل أو باعه أو رهنه أو دبره عتق الباقي. م: (لأنه لم يبق محلاً للعتق أصلاً بالموت) .
فإن قيل يشكل بما إذا قال لأمتيه إحداكما ابنتي أو أم ولدي وماتت إحداهما لم تتعين الحرية والاستيلاد في الحية، ذكره التمرتاشي، قلنا: ليس هو إيقاعاً بصيغة بل إخبار، ويجوز أن يخبره بهذا عن الحي والميت، فيرجع إلى بيان الموتى، فأما الإنشاء فلا يصح إلا في الحي، وفي مسألتنا إنما تيقن الآخر بعد الموت، لأن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه فصح البيان في فعل يحتمل الإنشاء والميت لا يحتمل الإنشاء، فتعين الآخر للعتق، كذا في " الإيضاح "، ثم البيان

(6/62)


وللعتق من جهته بالبيع، وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر، ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيا العتق الملتزم فتعين له الآخر دلالة وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين، ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه والمطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا، والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يثبت صريحاً ودلالة، فالأول كقوله اخترت أن يكون هذا حرا باللفظ الذي قلت، أو يقول: أنت حر بذلك العتق أو يقول: عتقك بالعتق الشائع.
والثاني كما إذا باع أحدهما مطلقاً أو بشرط الخيار لأحد المتبايعين، ولو باع بيعاً فاسداً وقبضه المشتري على ما ذكره في شرح الطحاوي " تحفة الفقهاء " أو لم يقبضه على ما ذكره في " فتاوى الولوالجي " أو كاتب أو دبر أو رهن أو آجر، فإنه يكون بياناً في هذا كله أو استخدم أحدهما أو قطع يد أحدهما أو جنى على أحدهما لا يكون بياناً في قولهم كذا في " شرح الطحاوي ". وإن أعتق أحدهما عتقاً مستأنفاً يعتقان جميعاً، هذا بإعتاقه، وذاك باللفظ السابق، وإن قال عنيت به المعتق باللفظ السابق صدق في القضاء، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (وللعتق من جهته بالبيع) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق من جهة الذي قال أحدكما حر فتعين الآخر. م: (وللعتق من كل وجه بالتدبير) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق الملتزم من كل وجه بالتدبير لأن المدبر استحق الحرية. م: (فتعين الآخر) . ش: دلالة. م: (ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيان العتق الملتزم) . ش: أي المقصود بالبيع، وهو الوصول إلى الثمن والمقصود بالتدبير وهو بقاء الانتفاع إلى الموت كلاماً ينافيان العتق الملتزَم بفتح الزاي، لأنه يلزم من إثبات أحدهما عدم الآخر، فلما ثبت التنافي للعتق في أحدهما.
م: (فتعين له الآخر دلالة، وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين) . ش: أي وكذا لتعيين الأخرى للعتق إذا علقت منه، وإنما قيدنا بالعلوق، لأن مجرد الوطء ليس ببيان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العتق كما سيجيء إن شاء الله تعالى بعد هذا للمعنيين أراد بهما ما قاله في التدبير، وهو عدم بقائها للعتق من كل وجه بعد الاستيلاد لأنها استحقت الحرية وإبقاء الانتفاع إلى الموت.
م: (ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه) . ش: أي أو بدون القبض في البيع الفاسد، لأن تصرف الذي يختص في الملك يوجد في الكل. م: (والمطلق) . ش: أي والبيع المطلق عن الخيار أو بشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب أراد بالكتاب " الجامع الصغير ". والمعنى ما قلنا وهو أنه قصد الوصول إلى المثمن والوصول إلى الثمن ينافي العتق فتعين الآخر للعتق.. م: (وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به) . ش: أي بالبيع. م: (في المحفوظ) . ش: أي في القول المحفوظ. م: (عن أبي يوسف

(6/63)


والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك، وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا، وكذا لو وطئ إحداهما لما نبين، ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تعتق؛ لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة، فكان بالوطء مستبقيا للملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة، لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا، فلا يجعل بيانا، ولهذا حل وطؤهما على مذهبه، إلا أنه لا يفتي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: قال في " شرح الطحاوي ": وروى ابن سماعة عن أبي يوسف إذا ساوم أحدهما يكون بياناً يعني أن الآخر يتعين للعتق. م: (والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك) . ش: قال الأترازي: ولنا فيه نظر، لأنه لم يشترط التسليم في البيع الفاسد أن الملك لا يثبت فيه إلا بعد القبض، وهنا اشترط التسليم، والحق عندي أن لا يشترط التسليم في الفصلين جميعاً لوجود تصرف يختص بالملك فيهما، ولهذا ألحق الحكم فيهما جميعاً انتهى.
قلت: أخذ هذا من صاحب " النهاية "، فإنه قال: ذكر التسليم في قوله والهبة والتسليم والصدقة بمنزلة البيع على وجه التأكيد لا على وجه الشرط.
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك تتعين الأخرى للطلاق. م: (لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله لأنه لم يبق محلاً للطلاق بالموت. م: (وكذا لو وطئ إحداهما) . ش: أي أحد المرأتين لا أحد الأمتين. م: (لما نبين) . ش: أي في المسألة التي بعد هذه. م: (ولو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد. م: (وقالا تعتق) . ش: وبه قال الشافعي ومالك في رواية كما في الطلاق، وفيه الاتفاق. م: (لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقياً للملك في الموطوءة، فتعينت الأخرى لزواله بالعتق، كما في الطلاق) . ش: بأن قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما كان بياناً، وهذا الخلاف فيما إذا تعلق الأمة الموطوءة، فإذا علقت يكون بياناً عند أبي حنيفة أيضاً، نص عليه الحاكم الشهيد في " الكافي ": ولو قال إحداكما مدبرة ثم وطئ إحداهما لا يكون بياناً بالإجماع، لأن التدبير لا يزيل ملك البائع، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أن الملك قائم في الموطوءة) . ش: أي في التي توطأ من كل منهما. م: (لأن الإيقاع في المنكرة) . ش: أي لأن إيقاع العتق إنما هو في المنكرة. م: (وهي معينة) . ش: أي الموطوءة معينة غير منكرة. م: (فكان وطؤها حلالاً، فلا يجعل بياناً، ولهذا) . ش: أي ولأجل قيام الملك في الموطوءة. م: (حل وطؤهما) . ش: أي وطء الأمتين جميعاً بعد قوله - لهما - إحداكما حرة. م: (على مذهبه) . ش: أي على مذهب أبي حنيفة. م: (إلا أنه لا يفتي به) . ش: أي بحل وطئهما، وهو استثناء من قوله حل وطؤهما، أي يعمل هذا أو لا يفتي به معتمداً لأبي حنيفة بترك الاحتياط.

(6/64)


ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به، أو يقال نازل في المنكرة، فيظهر في حق حكم تقبله والوطء يصادق المعينة بخلاف الطلاق، لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد، أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد، فلا يدل على الاستبقاء.
ومن قال لأمته: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية، ولا يدري أيهما ولد أولا عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم يقال العتق غير نازل) . ش: هذا جواب عما يقال: العتق إما أن يكون نازلاً أو لا، فإن كان غير نازل عن مدلوله، وإن كان نازلاً لا يجوز وطؤها، فأجاب عن كل واحد من الشقين، فقال على الشق الثاني بقوله ثم يقال: للعتق غير نازل. م: (قبل البيان لتعلقه به) . ش: أي لتعليق العتق بالبيان، فإن كان كالعتق المعلق به بدخول الدار هو غير نازل قبل الدخول، فكذا هنا وقال على الشق الأول بقوله. م: (أو يقال نازل في المنكرة فيظهر) . ش: أي العتق النازل في المنكرة. م: (في حق حكم تقبله) . ش: أي المنكر كالبيع، فإن المنكر بفضله بأن يشتري أحد العبدين على أن المشتري بالخيار فيهما، فإنه يصح. م: (والوطء يصادق المعينة) . ش: أي وطء غير المعينة لا يمكن، لأنه هو حسي لا يقع إلا في المعين.
م: (بخلاف الطلاق) . ش: جواب عما يقال كيف يقع بياناً في الطلاق أجاب بقوله بخلاف الطلاق طلاق. م: (لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد) . ش: أي لأجل صيانة الولد م: (أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء) ش: فلا يصير وطؤها بياناً للعتق في الأخرى.

م: (ومن قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة فولدت غلاماً وجارية لا يدري أيهما ولد أولاً عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد) . ش: في " شرح الطحاوي " روي عن محمد أنه قال: لا يعتق واحد منهم.
وفي " المبسوط " ذكر محمد في " الكسانيات " هذا الجواب الذي ذكر ليس بجواب هذا الفصل بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يخالف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولاً، فإن نكل فتكون كإقراره، وإن حلف كلهم أرقاء.
وأما جواب الكتاب ففي فصل آخر، وهو ما إذا قال لأمته: إذا كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعاً ولا يدري الأول فالغلام رقيق، والأمة حرة ويعتق نصف الأم لأنها إذا ولدت الغلام أولاً فهي حرة، والغلام رقيق، وإن ولدت الجارية أولاً فهي حرة والغلام والأم رقيقان فالأم تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها، والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين، إما بعتق نفسها وبعتق الأم. قال صحاب " النهاية ": هو الصحيح. وقال الأترازي ناقلاً عن " الكافي " وغيره: هذه المسألة على وجوه ستة فلنذكرها ملخصة:

(6/65)


لأن كل واحدة منهما تعتق في حال، وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة بالشرط والجارية لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبدا وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدها: أن يتصادقوا على أنهم لا يدرون أيهما ولد أولاً، يعتق من الغلام والجارية النصف ويسعى كل واحد منهما في النصف.
الثاني: أن تدعي الأم أن الغلام ولد أولاً وأنكر المولى ذلك وقال: إن الجارية هي الأولى وهي صغيرة فالقول قول المولى مع يمينه على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق واحدة فإن نكل عتقت الأم والجارية وهي إذا كانت صغيرة تصير الأم خصماً عنها، لكون حريتها نفعاً محضاً، فيعتقا جميعاً قال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير "، وإنما تصح الأم عن البنت ما دامت صغيرة، وإن كانت كبيرة لا يصح.
الثالث: أن يتصادقوا أن الجارية هي التي ولدت أولاً لا يعتق أحد لانعدام شرط المعتق.
الرابع: أن يتصادقوا أن الغلام ولد أولاً تعتق الأم لوجود شرط المعتق، وكذا الجارية تبعا للأم والغلام عبد، لأنه زال عنها في حال الرق، ولا يعتق تبعاً لها.
الخامس: أن تدعي الأم إلى الغلام أول ولم تدع الجارية شيئاً وهي كبيرة حلف المولى على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق أحد، وإن نكل عتقت الأم دون الجارية.
السادس: أن تدعي الجارية ولم تدع الأم شيئاً، فإن المولى لا يثبت عن الواحد وإن نكل مع الجارية دون الأم. وقال الحاكم في " مختصر الكافي " ولو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما، فإن علم أيهما أول عمل على ذلك، وإن لم تعلم، واتفق الأم والمولى على شيء فكذلك. وإن قال لا تدري فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الأم.
م: (لأن كل واحدة منهما) . ش: أي من الغلام والجارية. م: (تعتق في حال وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة) . ش: عتقت الأم. م: (بالشرط) . ش: أي يعتق الأم بالشرط. م: (والجارية) . ش: أي يعتق الجارية.
م: (لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق) . ش: أي الأم. م: (في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولاً لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبداً، وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين) . ش: أي القول قول المولى مع اليمين على العلم. م: (لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق

(6/66)


واحد منهم وإن نكل عتقت الأم والجارية، لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعا محضا، فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا، ولو كانت الجارية كبيرة ولم تدع شيئا والمسألة بحالها عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية، ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا، والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في كفاية المنتهى. قال: وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه، فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون في وصيته استحسانا ذكره في العتاق، وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحد منهم، وإن نكل عتقت الأم والجارية لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعاً محضاً فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا) . ش: أي الغلام والجارية.
م: (ولو كانت الجارية كبيرة فلم تدع شيئاً، والمسألة بحالها) . ش: أي ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى. م: (عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية) . ش: أي حرية الجارية الكبيرة.
م: (ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله - وصحة النكول تبتنى على الدعوى -. م: (والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير، وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في " كفاية المنتهى ") . ش: أي وبهذا القدر من البيان لا يعرف ما ذكرنا من الوجوه تفصيلاً في كتاب " كفاية المنتهى "، وأراد بها الوجوه الستة التي ذكرناها آنفاً والأربعة من الوجوه مذكورة في الكتاب يقف عليه المتأمل الفطن.

[شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه]
م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: بخلاف الشهادة على طلاق أحد نسائه، فإنها جائزة بالإجماع على البيان، وعلى إعتاق أحد عبديه كذلك عندهما، وعند أبي حنيفة وهي باطلة. م: (إلا أن تكون) . ش: أي الشهادة. م: (في وصيته استحسانا) . ش: أي استحسنه بأن قال رجل في مرض موته أحد عبدي حر ثم يموت الرجل ويترك ورثته فينكرون، فالشهادة جائزة. م: (ذكره في العتاق) . ش: أي ذكر الاستحسان في عتاق الأصل، وقال: لو قال الشاهد إن كان هذا عند الموت استحسن، أي يعتق من كل واحد منهما نصفه.
م: (وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق) . ش: أي على أن

(6/67)


إحداهن، وهذا بالإجماع، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تقبل، والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطا عنده لم يتحقق في مسألة الكتاب، لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى، أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة، لأنها ليست شرطا فيها،
ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطا فيه لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق
والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرناه فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين، وهذا كله إذا شهدا في صحته على أنه أعتق أحد عبديه، أما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيان. م: (إحداهن، وهذا بالإجماع. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك) . ش: ويؤمر بأن يوقع العتق على إحداهما. م: (وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة، وعندهما تقبل) . ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق، والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (لم يتحقق) . ش: أي الدعوى. م: (في مسألة الكتاب) . ش: أي في مسألة كتاب " الجامع الصغير " م: (لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللاً في الشهادة؛ لأنها) . ش: أي لأن الدعوى. م: (ليست شرطاً فيها) . ش: أي في الطلاق.

[شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه]
م: (ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطاً فيه) . ش: أي في حق الأمة الواحدة، هذا كأنه صورة فنص على أبي حنيفة ودفعه المصنف بقوله. م: (لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق) ش: ومعنى قوله أنه يتضمن تحريم الفرج أن العتق إذا حصل استلزم أن يكون الوطء بعده زنا، واعترض بأن عتق العبد المعين يستلزم تحريم استرقاقه، وذلك أيضاً حق الله، فوجب أن يشفعه الشهادة فيه عن الدعوى. والجواب أن لازم عتقها من أعظم الكبائر، ولازم عتقه حرمة لم ينص عليها الشرع فضلاً عن أن يكون من الكبائر فالتسوية عليهما خطأ.

[شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره]
م: (والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (على ما ذكرناه) ش: يعني بقوله: إن الملك قائم في الموطوءة، ولهذا حل وطؤها. م: (فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين) . ش: فإن الشهادة فيه باطلة عنده كما مر. م: (وهذا كله) . ش: أي هذا المذكور كله. م: (إذا شهدا) . ش: أي الشاهدان. م: (في صحته) . ش: أي في صحة الرجل. م: (على أنه أعتق أحد عبديه، أما

(6/68)


إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره في صحته أو في مرضه وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحسانا، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية، وكذا العتق في مرض الموت وصية والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم وعنه خلف وهو الوصي أو الوارث، ولأن العتق في مرض الموت يشيع بالموت فيهما، فصار كل واحد منهما خصما متعينا
ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر فقد قيل لا تقبل، لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع، وهو الصحيح، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره) . ش: أي على أنه دبر أحد عبديه. م: (في صحته أو في مرضه) . ش: فإن هذه الشهادة لا تقبل في القياس، وتقبل في الاستحسان، وهو معنى قوله. م: (وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحساناً، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية) . ش: يعني سواء وقع في حال الصحة أو في حال المرض.

م: (وكذا العتق في مرض الموت وصية، والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم) . ش: لأن تنفيذ الوصايا حق الميت، فكان الميت مدعياً تقديراً. م: (وعنه خلف) . ش: أي وعن الموصي خلف. م: (وهو الوصي أو الوارث) . ش: فتقبل الشهادة. م: (ولأن العتق في مرض الموت) . ش: هذا دليل ثان بوجه الاستحسان. م: (يشيع بالموت فيهما) . ش: أي في العبدين. م: (فصار كل واحد منهما خصماً متعيناً) . ش: لأنه أوجب العتق في أحدهما في حال عجزه عن البيان، فكان إيجاباً لهما، ولهذا يعتق نصف كل واحد منهما.

[شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر]
م: (ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته: أحدكما حر فقد قيل لا تقبل) . ش: أي هذه الشهادة. م: (لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع) . ش: أي لشيوع العتق فيهما، فكان كل منهما خصماً متعيناً، فكانت دعواهما صحيحة وهي تقتضي قبول الشهادة، أو إنما قال بلفظ قيل لا نص فيه عن أصحابنا، ولكن المشايخ اختلفوا فيه. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإن شهدا بعد موته أنه قال في حياته وصحته: أحدكما حر فلا نصف فيه. واختلف مشايخنا في قول أبي حنيفة أن الطريق هو الوصية لم تقبل هاهنا، وأن الطريق هو المشاع قبلت النية هاهنا، والصحيح أن تقبل لجواز أن تكون معلولاً بعلتين، فتعدى بأحدهما والله أعلم.

(6/69)