البناية
شرح الهداية م: (باب الحلف بالعتق)
ومن قال: إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك فاشترى
مملوكا ثم دخل عتق؛ لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت إلا أنه أسقط الفعل
وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول، وكذا لو كان في ملكه
يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا. قال: ولو لم يكن قال في
يمينه يومئذ لم يعتق، لأن قوله كل مملوك لي للحال والجزاء حرية المملوك في
الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الحلف بالعتق]
م: (باب الحلف بالعتق)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الحلف بالعتق، والحلف بكسر اللام مصدر من حلف
بالله يحلف حلفاً. والحلف أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق
بشيء، ولما كان المعلق قاصراً في السببية أخر التعليق عن التنجيز.
م: (ومن قال إذا دخلت هذه الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك)
. ش: يعني فإن الحلف. م: (فاشترى مملوكاً ثم دخل عتق) . ش: اعترض عليه بأنه
يجب أن لا يعتق عليه ما يشتري به بعد اليمين وإن قال يومئذ؛ لأنه ما أضاف
العتق إلى الملك، ولا إلى سببه، فكان كما لو قال لعبد الغير: إن دخلت الدار
فأنت حر، فاشتراه ثم دخل الدار فإنه لا يعتق لذلك.
وأجيب: بأنه وجد الإضافة فيما ملك دلالة، لأن قوله كل مملوك لي يومئذ معناه
إن ملكت مملوكاً وقت دخول الدار فهو حر، بخلاف تلك المسألة لأنه لم يوجد
فيها الإضافة لا صريحاً ولا دلالة.
م: (لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت الدار إلا أنه أسقط الفعل) . ش: وهو
قوله دخلت. م: (وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول) . ش:
لأن قوله يومئذ ظرف بقوله كل مملوك فيعتق كل مملوك له سواء كان مستحدثاً
بعد اليمين أو لم يكن إذا وجد في ملكه حينئذ، أعني وقت الدخول، لأنه علق
حرية المملوك المضاف إلى ذلك الوقت بالدخول بخلاف ما إذا لم يذكر قوله
يومئذ، بل قال إذا دخلت الدار فكل مملوك حر لا يعتق ما اشتراه بعد الحلف،
لأنه أرسل الملك إرسالاً، والملك المرسل يراد به الحال، لأن المستقل هو هو
فلا يعتبر، فصار كأنه مملوك لي في الحال، فلو علق هذا الذكر الحال لا يعتق
ما اشتراه بعد الحلف فكذا هذا.
م: (وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا)
. ش: أشار به إلى قوله - المعتبر قيام الملك وقت الدخول - قال. م: (ولو لم
يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق) ش: أي لم يعتق ما اشتراه بعد الحلف وقد
ذكرنا وجهه. م: (لأن قوله كل مملوك لي للحال) . ش: يعني يراد به الحال. م:
(والجزاء حرية المملوك في الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر
إلى وجود الشرط
(6/70)
فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا
يتناول من اشتراه بعد اليمين.
ومن قال: كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لم يعتق وهذا
إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا ظاهر؛ لأن اللفظ للحال، وفي قيام الحمل وقت
اليمين احتمال لوجود أقل مدة الحمل بعده، وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر،
لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا، ولأنه
عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه
منفردا.
قال العبد الضعيف: وفائدة التقييد بوصف الذكورة أنه لو قال كل مملوك لي
تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعا لها، وإن قال كل مملوك أملكه فهو حر بعد غد
أو قال: كل مملوك لي فهو حر بعد غد، وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد
عتق الذي في ملكه يوم حلف لأن قوله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا يتناول من اشتراه بعد اليمين) .
ش: فصار كأنه قال كل مملوك لي في الحال فهو إذا دخلت الدار يعتق ما كان في
ملكه دون ما يستملكه، فكذا هذا.
[قال كل مملوك لي ذكر فهو حروله جارية حامل
فولدت ذكرا]
م: (ومن قال كل مملوك لي ذكر) . ش: يجر - ذكر - لأنه صفة المملوك. م: (فهو
حر وله جارية حامل فولدت ذكراً لم يعتق) . ش: لأن المملوك مطلق، والمطلق
ينصرف إلى الكامل والجنين ليس بكامل. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم. م:
(إذا ولدت) . ش: الجارية المذكورة. م: (لستة أشهر فصاعداً ظاهر، لأن اللفظ
للحال، وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال) . ش: يعني يحتمل أن يكون الحمل
وقت اليمين، ويحتمل أن يكون. م: (لوجود أقل مدة الحمل بعده) . ش: أي بعد
وقت اليمين.
م: (وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق
والجنين مملوكاً تبعاً للأم لا مقصوداً) . ش: ألا ترى أنه لو أعتقه عن
كفارة يمينه لا يجوز. م: (ولأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (عضو من وجه) . ش:
بدليل أنه ينتقل بانتقال أمه ويتغذى بغذائها. م: (واسم المملوك يتناول
الأنفس دون الأعضاء، ولهذا لا يملك بيعه) . ش: أي بيع الجنين حال كونه. م:
(منفرداً) . ش: لكونه عضواً من أعضائها.
[قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله عبد وأمهات
أولاد ومدبرون ومكاتبون]
م: (قال) . ش: أي المصنف. م: (وفائدة التقييد بوصف الذكورة) . ش: يعني في
كل مملوك لي ذكر فهو. م: (أنه لو قال كل مملوك لي فهو حر) . ش: بدون لفظ
ذكر. م: (تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعاً لها) . ش: أي للحامل، والدليل على
هذا ما أورده الولوالجي في فتاواه بقوله. م: (لو قال كل مملوك لي فهو حر
بعد غد) . ش: وله عبد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعاً إلا
المكاتبين لأنه أوجب العتق لكل مملوك مضاف إليه بالمملوكية مطلقاً، وهذا
متحقق فيما ذكرنا، لأنه بملكهم رقبة لا يداً مملوك أملكه حر بعد غد قوله -
بعد غد - ظرف لقوله - حر - لا قوله - أملكه للحال.. م: (ولو قال كل مملوك
لي فهو حر بعد غد وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد) . ش: بعد هنا مرفوع
لأنه فاعل جاء لأن بعد معرف وليس بمبني، وإنما ينتصب في مواضع على الظرفية.
م: (عتق الذي) . ش: أي المملوك الذي. م: (في ملكه يوم حلف، لأن قوله أملكه
للحال حقيقة) . ش: بالرفع ليكون خبر
(6/71)
أملكه للحال حقيقة يقال أنا أملك كذا وكذا
ويراد به الحال، وكذا يستعمل له من غير قرينة، وللاستقبال بقرينة السين أو
سوف فيكون مطلقه للحال، فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما
بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه بعد اليمين، ولو قال كل مملوك أملكه أو
قال: كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إن، ويجوز النصب على التمييز. م: (يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال،
وكذا يستعمل له) . ش: أي للحال. م: (من غير قرينة، وفي الاستقبال بقرينة
السين أو سوف) . ش: وقال صاحب " النهاية " وهذا التقدير يخالف رواية أهل
النحو أنه مشترك بين الحال والاستقبال. وقال الأكمل: وظاهر تقرير المصنف
يدل على ما قاله صاحب " النهاية ". وقال الكاكي: قيل ما ذكروه بحسب
الاستعمال لا بحسب الوضع، والشيخ ذكره بحسب الوضع، لأنهم وضعوا صيغاً
للماضي وصيغاً للاستقبال وهي الأمر والنهي، فوجب أن يكون أفعل للحال، لأن
الأصل أن يكون لكل معنى لفظاً، على حدة. فوجب أن يكون للحال يقيناً
للاشتراك والترادف.
وفي " المحيط " - أملك - وإن كان حقيقة للاستقبال إلا أنه صار للحال شرعاً
كما في الشهادة، وعرفاً كما يقال أملك كذا درهماً، فكان كالحقيقة في الحال.
وفي " الذخيرة " صيغة أفعل للحال حقيقة، وهو مذهب محققي النحويين، وبعد هذا
اختلف عبارات المشايخ قيل للحال أحق، إذ ليس للحال صيغة سوى هذا، بخلاف
الاستقبال، كما في أشهد وأصلي، وكما يتعين للاستقبال في قولك أتزوج وأسافر.
وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: تقرير صاحب " الهداية " يخالف رواية
النحو، لأنه قال - أملكه - للحال حقيقة إلى قوله - أو سوف - وأهل النحو
قالوا إن المضارع مشترك بين الاستقبال والحال.
قلت: لا نسلم المخالفة، لأن كونه للحال حقيقة، لا يدل على أن كونه
للاستقبال ليس بحقيقة، لأن المشترك يدل على كل واحد من المعنيين سبيل
الحقيقة، لكنه سبيل البدل ويرجع أحدهما بالدليل إذا وجد، وقد وجد هنا عند
الإطلاق دليل على إرادة الحال، لان الحال موجود. فلا يعارضه المستقبل
المعدوم الموهوم، انتهى كلامه.
قلت: أراد بقوله قال بعضهم في شرحه صاحب " النهاية، وقال الأكمل: وقال بعض
الشارحين وأراد به الأترازي ثم ساق كلام الأترازي إلى قوله المعدوم
الموهوم، ثم قال أقول قول المصنف وكذا يستعمل له من غير قرينة يأبى قول هذا
قول الشارح، لأن المشترك لا يستعمل في أحد المعنيين بعينه إلا بقرينة، وليس
النحويون مجتمعين على أن المضارع مشترك، بل منهم من قال: إنه حقيقة في
الاستقبال مجاز في الحال، ومنهم من ذهب إلى عكس ذلك، ولعله مختار المصنف
ليتبادر الفهم إليه.
م: (فيكون مطلقه) . ش: أي فيكون مطلق الملك. م: (للحال، فكان الجزاء حرية
المملوك في الحال مضافاً إلى ما بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه به بعد
اليمين. ولو قال كل مملوك أملكه أو قال:) . م: (كل
(6/72)
مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى
آخر. فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر والآخر ليس بمدبر، وإن مات عتقا من
الثلث. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": يعتق ما كان
ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه، وعلى هذا إذا قال كل مملوك لي
إذا مت فهو حر، له أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه فلا يعتق به ما
سيملكه، ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر، ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى
اعتبر من الثلث، وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة، ألا
يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد
فلان من يولد له بعدها، والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر) . ش: أي مملوكاً آخر. م:
(فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر، والآخر ليس بمدبر) . ش: أي ليس بمدبر
مطلق بل هو مدبر مقيد جاز له أن يبيعه. م: (وإن مات) . ش: أي المولى. م:
(عتقا من الثلث) . ش: مشتركين فيه.
م: (وقال أبو يوسف في " النوادر " يعتق ما كان ملكه يوم حلف) . ش: يعني
بطريق التدبير. م: (ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه) . ش: لأن اللفظ حقيقة
للحال، وهو المراد، فلا يجوز أن يكون غيره مراداً على أصلنا. م: (وعلى هذا)
. ش: أي على هذا الحكم. م: (إذا قال: كل مملوك لي إذا مت فهو حر) . ش: يعني
يكون الذي عنده يوم الحلف مدبراً، والذي اشتراه بعده ليس بمدبر. م: (له) .
ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن اللفظ حقيقة للحال على ما
بيناه) . ش: عند قوله فيكون مطلقاً للحال، أي قوله بعد اليمين. م: (فلا
يعتق به) . ش: أي باللفظ المذكور. م: (ما سيملكه بعد حلفه، ولهذا) . ش: أي
ولأجل ذلك. م: (صار هو) . ش: أي الذي في ملكه يوم الحلف. م: (مدبراً دون
الآخر) . ش: وهو الذي يملكه بعد اليمين.
م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن هذا) .
ش: أي قوله كل مملوك أملكه، وقوله كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيجاب
عتق وإيصاء) . ش: أي وصية. أما إيجاب عتق فيقول: كل مملوك أملكه أو لي فهو
حر، وأما إنه إيصاء، فيقول بعد موتي. م: (حتى اعتبر من الثلث) . ش: في
الموجود عند الحلف بالاتفاق. م: (وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة) . ش:
أي المتربصة. م: (والحالة الراهنة) . ش: أي الحاضرة التي تقال الآن، وسميت
بالراهنة، لأن الرهن هو الجنس، والمرء محبوس فيها، إلا فيما قبلها، ولا
فيما بعدها.
ثم أوضح ذلك بقوله:. م: (ألا يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد
الوصية) . ش: بأن قال: ثلث مالي لفلان بعد موتي فاكتسب بعد ذلك مالاً ثم
مات، للموصى به ثلث ما كان موجوداً عند الموت. م: (وفي الوصية) . ش: أي
يدخل في وصية. م: (لأولاد فلان من يولد له بعدها) . ش: أي بعد الوصية إذا
عاشوا إلى وقت الموت. م: (والإيجاب إنما يصح مضافاً على الملك أو إلى سببه)
(6/73)
ومن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد
المملوك اعتبارا للحالة الراهنة، فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث
إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة، وهي حالة الموت،
وقبل الموت حالة التملك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير
كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر، بخلاف قوله بعد غد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وهو الشراء.
قال الأترازي: لما ذكر قبل هذا بقوله لهما أن هذا إيجاب عتق، وأيضاً أن فيه
الإيجاب وجهه الإيصاء فيراعى كل واحد منهما، ثم الإيجاب إنما يصح إذا أضيف
إلى الملك أو إلى سبب الملك. م: (ومن حيث إنه) . ش: أي قوله: كل مملوك
أملكه. م: (إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتباراً للحالة الراهنة
فيصير مدبراً) . ش: أي المملوك مدبراً. م: (حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه)
. ش: أي أن قوله: كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيصاء يتناول الذي
يشتريه اعتباراً للحالة المتربصة وهي حالة الموت) . ش: ويصير مدبراً بعده،
ولا يصير مدبراً قبله كالذي كان في ملكه.
وقال الكاكي: قوله - فالإيجاب - إنما يصح جواب سؤال مقدر، وهو على وجهين
أحدهما أن يقال ينبغي أن لا يتناول الإيجاب المشتري أصلاً لا في الحال، ولا
في المآل لأن التناول إنما يكون مضافاً إلى الملك أو إلى سببه، وليس أحدهما
في حقه.
فأجاب عنه وقال: إنما يتناول باعتبار الإيصاء لا باعتبار الإيجاب الحالي.
والثاني: وهو أن يقال ينبغي أن يكون المشتري مدبراً مطلقاً حال شرائه، لأن
التدبير في كل مدبر إنما يكون على وجه الإيصاء حتى يعتبر من الثلث، وفي
الإيصاء لا يتفاوت الحالي والمستحدث.
كما لو أوصى بثلث ماله يدخل فيه الحالي والمستحدث. فأجاب عنه: فإن إيجاب
التدبير مطلقاً إنما يكون عند إضافة التدبير إلى الملك أو إلى سببه ولم
يوجد في حق المستحدث، انتهى.
م: (وقبل الموت حالة التملك استقبال محض) . ش: قيل هذا إشارة إلى الجواب عن
قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن أبا يوسف قال فيما يروي عنه
أبو طاهر الدباس في " النوادر ": إن اللفظ حقيقة للحال فلا يعتق به ما
يستملكه.
وتقريره الجواب أن قبل الموت حالة التملك استقبال محض. م: (فلا يدخل تحت
اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر) .
ش: لدخوله تحت الحالة المتربصة، فيصير مدبراً لكون العتق في المرض وصية. م:
(بخلاف قوله بعد غد) . ش: أي بخلاف قوله كل مملوك أملكه أو لي حر بعد غد.
م: (على ما تقدم) . ش: عند قوله - وإن قال كل مملوك أملكه بعد غد حر.. -
إلى آخره.
(6/74)
على ما تقدم لأنه تصرف واحد، وهو إيجاب
العتق، وليس فيه إيصاء، والحالة محض استقبال فافترقا، ولا يقال: إنكم جمعتم
بين الحال، والاستقبال، لأنا نقول نعم لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق ووصية
وإنما لا يجوز ذلك بسبب واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال) .
ش: لا يتناولها الإيجاب لعدم الإضافة إلى الملك أو إلى سببه. م: (فافترقا)
. ش: أي الحكمان المذكوران.
م: (ولا يقال: إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال) . ش: قال الأكمل: هذا
إشارة إلى جواب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنا نقول نعم) . ش:
وفيه جمعنا بين الحال والاستقبال م: (لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق وإيجاب
وصية) ش: حالة أنه دخل ما ملكه تحت هذا الإيجاب بحكم الوصية لا بحكم
الإيجاب، وفعل ما يملكه باعتبار الإيجاب لا بحكم الوصية، فلم يكن جميعا بين
الحال والاستقبال بسبب واحد. م: (وإنما لا يجوز ذلك) . ش: أي الجمع بين
الحال والاستقبال إذا كان. م: (بسبب واحد) . ش: قال الأترازي: صاحب "
الهداية " سلم السؤال كما ترى، والأولى أن يمنع بأن يقال لا نسلم جمعنا
بينهما، لأن الحالة المتربصة، ما أريدت باعتبار أنها استقبال، بل باعتبار
أنها حال محكية مقصودة، فلا يرد هذا السؤال.
وقال: الأكمل ولعل أبا يوسف أراد بقوله - بسببين مختلفين - إيجاب عتق وصية
للألفاظ الدالة على ذلك في طرفي الكلام لأن الحقيقة والمجاز في صفات اللفظ
وفيه نظر لأنه يستلزم التنافي بين طرفي كلام واحد إن كان المراد إيجاب عتق
في الحال وكونه إيصاء فقط إن كان المراد إيجاب عتق بعد الموت، ولو قال هذا
الكلام تدبير، والتدبير حيثما وقع وقع وصية، والوصية تعتبر فيما الحالة
الراهنة والمنتظرة، فيدخل تحته ما كان في ملكه وما يوجد عند الموت وما
بينهما، فليس بداخل تحته فلا يصير المستحدث مدبراً حتى يموت لعله يكون أشد
تأنيباً وأسلم من الإعراض، والله تعالى أعلم.
(6/75)
باب العتق على جعل
ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق؛ وذلك مثل أن تقول أنت حر على ألف
درهم أو بألف درهم وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال، إذ
العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال، كما
في البيع، فإذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به، بخلاف
بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي، وهو قيام الرق على ما عرف، وإطلاق لفظ
المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان، وإن كان بغير عينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العتق على جعل]
م: (باب العتق على جعل)
ش: أي هذا باب في بيان حكم العتق على جعل، والجعل بضم الجيم ما جعل للإنسان
من شيء على شيء يفعله، وكذا الجعيلة والجعالة بفتح الجيم، وبه صرح العبسي
في شرح غريب الحديث، وأثبت في الصحاح بكسر الجيم، ولم يذكر في " تهذيب
ديوان الأدب " في باب فعال بكسر الفاء، بل ذكره في مفتوح الفاء والجعل بفتح
الجيم مصدر، وبالضم اسم يقال جعلت لك كذا جعلاء وجعلاء وهو الأجرة على
الشيء قولاً أو فعلاً، وإنما أخر هذا الباب لكون المال غير أصل في باب
العتق.
[أعتق عبده على مال فقبل العبد]
م: (ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق، وذلك مثل أن نقول أنت حر على
ألف درهم أو بألف درهم) . ش: وكذلك لو قال على ألف تؤديها أو على أن تعطيني
ألفاً أو على أن تجيئني بألف قوله عتق مثل قتل. م: (وإنما يعتق بقبوله لأنه
معاوضة المال بغير المال، إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت
الحكم) . ش: أراد به العتق هنا. م: (بقبول العوض للحال كما في البيع) . ش:
فإنه إذا قال اشتريت بعد أن يقول البائع: بعت يقع العقد. م: (فإذا قبل صار
حراً) .
ش: فإن قلت: كلمة على الشرط فيكون العتق معلقاً بشرط أداء الألف كما لو قال
إن أديت إلي ألفاً قالت إنما يكون على الشرط إذا دخلت علي يكون على خطر
الوجود، لأن ذلك في الأفعال دون الأعيان، لأن بعض الصور المذكورة دخلت فيه
على الأفعال.
م: (وما شرط دين عليه) . ش: أي الذي شرط على العبد دين عليه. م: (حتى تصح
الكفالة به) . ش: لأنه يسعى، وهو حر. م: (بخلاف بدل الكتابة) . ش: من حيث
لا تصح به الكفالة. م: (لأنه) . ش: أي لأن بدل الكتابة. م: (ثبت مع المنافي
وهو قيام الرق) . ش: وكان ثبوته على خلاف القياس، فالقياس يبقى أن يستوجب
المولى الدين على عبده، فلما ثبت بخلاف القياس ضرورة حصول الحرية للمكاتب،
وحصول المال للمولى اقتصر على موضع الضرورة، ولم يعد إلى الكفالة. م: (على
ما عرف) . ش: في كتاب المكاتب، وهو أن المولى لا يستوجب على عبده ديناً.
م: (وإطلاق لفظ المال) . ش: يعني في قوله - ومن أعتق عبده على مال -. م:
(ينتظم أنواعه) . ش: أي أنواع المال. م: (من النقد والعرض والحيوان، وإن
كان بغير عينه) . ش: يعني وإن كان الحيوان
(6/76)
لأنه معاوضة المال بغير المال، فشابه
النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان
معلوم الجنس ولا تضره جهالة الوصف، لأنها يسيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير معينة بأن يكون ديناً في الذمة. ولكن أراد به النوع بأن قال فرس أو
حمار. م: (لأنه) . ش: أي لأن الإعتاق على مال. م: (معاوضة المال بغير
المال) . ش: وهو الحرية. م: (فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد) .
ش: وجه المشابهة من حيث إن الحيوان يثبت ديناً في الذمة في هذه العقود،
فكذا هنا، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيه خلاف الشافعي،
فإنه اعتبره بالبيع والإجارة. وقد مر الكلام في النكاح. م: (وكذا الطعام) .
ش: أي وكذا يجوز أن يكون الطعام عوضاً عن الإعتاق، بأن قال أعتقتك على مائة
قفيز من الحنطة. م: (والمكيل) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة كيل من الشعير
ونحوهن مما يكال. م: (والموزون) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة منٍّ من
العسل ونحوه مما يوزن.
م: (إن كان معلوم الجنس) . ش: هذا قبل الكل. م: (ولا تضره جهالة الوصف) .
ش: بأن لم يذكر والرداءة والربيعية والخريفية. م: (لأنها يسيرة) . ش: فكانت
عفواً فيما كان عوضاً عما ليس بمال كالمهر، فلم يمنع صحة التسمية، وفي "
التحفة ": ولو أعتق على عرض في الذمة بعينه، وهو ملك غيره فإنه يعتق بأن
أجاز المالك المستحق عينه جاز، وإن لم يجز يجب على العبد قيمة رقبته.
وكذلك لو أعتق على عرض بغير عينه معلوم الجنس جاز، وإن كان موصوفاً فعليه
للتسليمة، وإن لم يكن موصوفاً فعليه الوسط من ذلك، فإن جاء بالقيمة أجبر
المولى على القبول كما في المهر، ولو أعتقه على مجهول الجنس بأن قال: أنت
حر على ثوب يعتق ويلزمه قيمة مثله، لأن جهالة الجنس تمنع صحة البدل كما في
المهر وأدى فاستحق من يد المولى إن كان بغير عينه في العقد فعلى العبد
مثله، لأنه لم يعجز عن الذي هو موجب العقد، وإن كان غنياً في العقد، وهو
عرض أو حيوان فإنه يرجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بقيمة المستحق
فعلى هذا الخلاف إذا باع نفس العبد منه بجارية ثم استحقت الجارية أو هلكت
قبل التسليم فعندهما يرجع بقيمة العبد، وعنده يرجع بقيمة الجارية.
وفي " الكافي " للحاكم: فإن اختلفا في المال فالقول قول العبد، بيانه ما
قال في " الشامل " قال المولى: أعتقتك على وصيف، وقال العبد: على كر حنطة
فالقول قول العبد مع يمينه، لأن العبد لو أنكر أصل المال كان القول قوله
فكذلك وصفه والبينة للمولى، وقال في " الشامل " أيضاً: اختلفا في قدر المال
فالقول للمولى والبينة للعبد، لأن القول في أصل العقد، وكذلك في صفته.
(6/77)
قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار
مأذونا، وذلك مثل أن يقول إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر، ومعنى قوله صح أنه
يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا، لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء،
وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء على ما نبين إن شاء الله تعالى.
وإنما صار مأذونا لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه؛ ومراده التجارة
دون التكدي فكان إذنا له دلالة. وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق
العبد ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضا بالتخلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[علق الرجل عتق عبده بأداء المال]
م: (قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح) . ش: أي قال القدروي: ولو علق الرجل
عتق عبده بأداء المال صح العتق، فلا يعتق قبل الأداء، ولا يحتاج فيه إلى
قبول العبد، ولا يرتد برده وللمولى أن يبيعه قبل الأداء، كما في التعليق
بسائر الشروط. م: (وصار) . ش: أي العبد. م: (مأذوناً) . ش: يسعى في التكسب
لأداء المال. م: (وذلك) . ش: أي تعليقه بأداء المال. م: (مثل أن يقول: إن
أديت إلي ألف درهم فأنت حر ومعنى قوله صح) . ش: أي معنى قول القدروي. م:
(أنه) . ش: أي أن العبد م: (يعتق عند الأداء) . ش: أي أداء المال المشروط.
م: (من غير أن يصير مكاتبا) . ش: يعني لا يثبت له أحكام المكاتبين، حتى لو
مات وترك ديناً، فما لمولاه لمولاه، ولا يؤدي عنه، ولو مات المولى فالعبد
رقيق يورث عنه ما في يده من أكسابه، ولو كانت أمة فولدت ثم أدت لم يعتق
عبدها ولو حط المال وأبرأه المولى لم يعتق ولو كان مكاتباً لكان الحكم على
عكس ما ذكره في الجميع.
م: (لأنه) . ش: أي لأن قول المولى إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر. م: (صريح
في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء) . ش: أي
عند أداء المال. م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) . ش: أي بعد خطوط عند
قوله ولما أنه تعليق نظراً إلى اللفظ ومعاوضة نظراً إلى المقصود. م: (وإنما
صار مأذوناً لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة) ش:
يعني من الترغيب في الاكتساب لأنها هي المشروعة عند الاختيار. م: (دون
التكدي) . ش: لأنه بدل مرء وينجسه. والتكدي في الأصل لفظ فارسي ومعناه
السؤال من الناس والدوران فيه. م: (فكان) . ش: أي حقه على أداء المال. م:
(إذناً له دلالة) . ش: أي من حيث الدلالة، لأن مراده التجارة، ولا يتمكن من
ذلك إلا بالإذن إما صريحاً وإما دلالة.
م: (وإن أحضر المال) . ش: أي وإن أحضر العبد المال المشروط. م: (أجبره
الحاكم) . ش: أي أن المولى. م: (على قبضه وعتق العبد) . ش: لأنه قام بما
شرط عليه. م: (ومعنى الإجبار فيه) . ش: أي في هذا الموضع. م: (وفي سائر
الحقوق) . ش: كالثمن، وبدل الخلع وبدل الكتابة وما أشبهها. م: (أنه) . ش:
أي أن المولى. م: (ينزل قابضا بالتخلية) . ش: وهي رفع اليد والموانع. وقال
الكاكي: شرطها أن لو يمد يده أمكنه قبضه، وهو قول الشافعي أن يكون معنى
الإجبار في القبض ما هو المفهوم عند الناس، وهو أن يكره على القبض بالتراجم
بالضرب والحبس.
(6/78)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجبر
على القبول وهو القياس، لأنه تصرف يمين إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا،
ولهذا لا يتوقف على قبول العبد، ولا يحتمل الفسخ، ولا جبر على مباشرة شروط
الإيمان، لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط، بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة
والبدل فيها واجب ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ، ومعاوضة نظرا إلى
المقصود؛ لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد
شرف الحرية والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة، ولهذا كان عوضا في
الطلاق في مثل هذا اللفظ، حتى كان بائنا، فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا
باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق
بمكاتبته، ولا يسري إلى الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا يجبر على القبول، وهو القياس، لأنه تصرف يمين) . ش: وليس
المراد اليمين بالله واليمين بغير الله هو الشرط والجزاء. م: (إذ هو) . ش:
أي لأنه. م: (تعليق العتق بالشرط لفظا) . ش: احترازا عن الكتابة، فإنها
ليست بتعليق لفظي، فإنه لو قال لعبده: كاتبتك على كذا من المال صحت
الكتابة، وليس فيه تعليق لفظي لعدم ألفاظ الشرط فيه. م: (ولهذا) . ش: أي
ولأجل ذلك. م: (لا يتوقف على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ) . ش: ويمكنه أن
يبيعه قبل الأداء. م: (ولا جبر على مباشرة شروط الأيمان) . ش: هذا متصل
بقوله - لأنه تصرف يمين -. م: (لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط) . ش: فصار
كالتعليق بدخول الدار. م: (بخلاف الكتابة) . ش: حيث يجبر فيها. م: (لأنها)
. ش: أي لأن الكتابة. م: (معاوضة والبدل فيها واجب) . ش: فلذلك يجبر.
م: (ولنا أنه) . ش: أي أن قول الرجل إن أديت إلى البقاء فأنت حر. م: (تعليق
نظراً إلى اللفظ) . ش: لأن فيه حرف الشرط. م: (ومعاوضة نظرا إلى المقصود) .
ش: أي مقصود المولى، وهو حصول المال، ومقصود العبد وهو حصول الحرية. وأوضح
ذلك بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن المولى. م: (علق عتقه بالأداء) . ش: أي
بأداء المال. م: (إلا ليحثه) . ش: أي ليحرضه. م: (على دفع المال فينال
العبد شرف الحرية والمولى) . ش: أي ولينال المولى. م: (المال بمقابلته) .
ش: أي بمقابلة العتق. م: (بمنزلة الكتابة) . ش: فإنها معاوضة في الأصل،
ومعنى الشرط تابع، ولهذا إذا مات المولى لا تنفسخ الكتابة.
م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون المال بمقابلة العتق معاوضة نظراً إلى
المقصود. م: (كان) . ش: أي المال. م: (عوضاً في الطلاق في مثل هذا اللفظ) .
ش: نحو ما إذا قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت طالق. م: (حتى كان) . ش: أي
الطلاق. م: (بائناً) . ش: إذا طلقها بهذه الصفة لوقوعه على عوض. م:
(فجعلناه) . ش: أي فجعلنا قول المولى إن أديت إلي ألفاً فأنت حر. م:
(تعليقاً في الابتداء) . ش: أي في أول الأمر. م: (عملاً باللفظ) . ش: وهو
كونه بحرف الشرط. م: (دفعا للضرر عن المولى) . ش: أي لأجل دفع الضرر عن
المولى.
م: (حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاتبته ولا يسري إلى
الولد المولود قبل الأداء)
(6/79)
المولود قبل الأداء، وجعلناه معاوضة في
الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد، حتى يجبر المولى على القبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي قبل أداء المال بأن قال لأمته: إن أديت إلي ألفا فأنت حرة. ثم ولدت
ثم أدت المال لم يعتق الولد معها. م: (وجعلناه) . ش: أي القول المذكور. م:
(معاوضة في الانتهاء) . ش: أي في انتهاء الأمر. م: (عند الأداء) . ش: أي
أداء المال. م: (دفعاً للضرر عن العبد) . ش: فإنه ما تحمل المشقة في اكتساب
المال إلا لينال شرف الحرية. م: (حتى يجبر المولى على القبول) . ش: أي قبول
المال. ولو أجبر المولى لا يتضرر به لأخذ العوض وقد رضي بالعتق بأدائه حيث
علقه.
فإن قيل: لا يمكن جعله معاوضة أصلاً، لأن البدل والمبدل كلاهما عند الأداء
ملك المولى، لأنه قبل الأداء عبد وهو وما في يده لمولاه. أجيب بأنه لما ثبت
عند الأداء معنى الكتابة ثبت شرط صحته اقتضاء، وهو أن يصير العبد أحق
بالمولى، فيثبت بهذا سابقاً على الأداء متى وجد الأداء وصار كما إذا كانت
عبده على نفسه وماله كان الكسب مالا قبل الكتابة، فإنه يصير أحق لذلك
المال، حتى لو أدى ذلك عتق، ذكره صاحب النهاية ثم قال كذا في " مبسوط " شيخ
الإسلام.
وقال الأكمل: وفيه نظر من وجهين؛ أحدهما أن معنى ثبوت الكتابة هو المعارض،
فلا بد من إثباته. والثاني أن حصول شرط صحة الشيء عبارة لا يقتضي صحته
فضلاً عن حصول اقتضاء، ولعل الصواب في الجواب أن يقال لما صحت الكتابة
والمعنى الذي ذكر ثم قائم فيها معاوضة ليس فيها معنى التعليق فلا يصح العتق
على مال، وفيه معنى التعليق أولى، فيكون ملحقاً بالكتابة دلالة.
وقال الأترازي: فإن قلت كيف يصح جعله معاوضة والعوض والمعوض عن المولى
جميعاً؟.
قلت: هذه مغالطة، لأن العوض هنا هو العتق، وهو يحصل للعبد لا للمولى.
فإن قلت: ترد عليكم الأحكام منها إذا قال إن أديت إلي خمراً، فأنت حر، حيث
لا يجبر على القبول، وكذا إذا قال إن أديت إلى ثوباً فأنت حر، ومنها إذا
قال إن أديت إلي ألفاً فحججت بها فأنت حر لا يجبر على القبول. ومنها إذا
باع العبد ثم اشتراه ثم جاءه بألف لا يجبر على القبول.
قلت: لا يجري في الخمر لأن المسلم ممنوع منه، لكن إذا أداها عتق. وأما
الثوب فإنه مجهول الجنس. وأما الحج فتعليق فيه شيئان، إما الحج أو الحال
ولهذا لا يعتق بمجرد الأداء ما لم يوجد الحج، وليس فيه معنى المعاوضة، فلا
يصح الجبر.
ولو قال: إن أديت إلي ألفاً أحج بها يجبر على القبول ويعتق العبد وجد الحج
أو لا. لأن الحج وقع صورة لا شرطا، ويصح البيع في المسألة الأخيرة بطل معنى
الكتابة، فلا يجبر
(6/80)
فعلى هذا يدور الفقه وتخرج المسائل، نظيره
الهبة بشرط العوض، ولو أدى البعض يجبر على القبول، إلا أنه لا يعتق ما لم
يؤد الكل لعدم الشرط، كما إذا حط البعض وأدى الباقي، ثم لو أدى ألفا
اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها، ولو كان اكتسبها
بعده لم يرجع المولى عليه، لأنه مأذون من جهته بالأداء منه، ثم الأداء في
قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير، وفي قوله إذا أديت لا يقتصر،
لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على القبول.
م: (فعلى هذا يدور الفقه) . ش: أي على اعتبار الشبهين يدور الفقه إلى
المسائل الفقهية. وقال الكاكي: أي المعنى الفقهي. م: (وتخريج المسائل) . ش:
عطف على قوله يدور، وهو صيغة المجهول منها. م: (نظيره الهبة بشرط العوض) .
ش: جعلناها هبة ابتداء حتى لا يفيد الملك قبل القبض، ولا يجري تسليمه،
ويفيد بالشيوع فيما يحتمل القسمة ولا يستحق فيها الشفقة ويردها بالعيب،
ويترتب عليها أحكام البيع بعد القبض حتى لا يتمكن البائع من الرجوع.
م: (ولو أدى البعض يجبر على القبول) . ش: لأنه حر منه جهة، ففي عوض عند
الأداء فصار للبعض حكم الإعراض نصاً لبعض بدل الكتابة وبعض اليمين. وفي "
شرح الطحاوي " ولو أتى العبد بخمسمائة فالقياس أن يجبر، لأنه لا يعتق
بقبوله هذا، وهو قول أبي يوسف.
وفي " الاستحسان " يجبر على قبول كما في المكاتب. م: (إلا أنه لا يعتق ما
لم يؤد الكل لعدم الشرط) . ش: وهو أداء الكل. م: (كما إذا حط البعض) . ش:
يعني إذا حط المولى بعض الألف فيما إذا قال له إن أديت إلي ألفاً فأنت حر.
م: (وأدى الباقي) . ش: أي باقي الألف لا يعتق لعدم الشرط، لأن الشرط أداء
الألف ولم يوجد كما إذا أدى الدنانير مكان الدراهم، وقد فسر الحاكم في "
الكافي " على هذا الحكم.
م: (ثم لو أدى ألفاً اكتسبها) . ش: العبد. م: (قبل التعليق رجع المولى
عليه) . ش: بألف أخرى مثلها. م: (وعتق لاستحقاقها) . ش: أي لاستحقاق المولى
الألف كأنه كان يستحقها، لأن العبد وما في يده لمولاه. م: (ولو كان اكتسبها
بعده) . ش: أي ولو كان العبد اكتسب تلك الألف بعد التعليق. م: (لم يرجع
عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه) . ش: أي لأن العبد مأذون من جهة
المولى بالاكتساب والأداء منه، لكنه يأخذ الباقي، لأن مال المأذون في
التجارة للمولى، بخلاف المكاتب، كذا في " الشامل " وغيره.
م: (ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير) . ش: يعني
للعبد بين الأداء والامتناع، وهذا هو ظاهر الرواية، وروى بشر عن أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقتصر (وفي قوله إذا أديت) . ش: يعني إذا أديت
إلي ألفاً فأنت حر. م: (لا يقتصر، لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى) . ش:
والوقت يعم فلا يقتصر على المجلس، كما في قوله متى أديت إلي ألفاً فأنت حر
لا يقتصر
(6/81)
ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف
درهم فالقبول بعد الموت لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت، فصار كما إذا
قال: أنت حر غدا بألف درهم، بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث
يكون القبول إليه في الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب
المال لقيام الرق، قالوا: لا يعتق عليه في مسألة الكتاب، وإن قبل بعد الموت
ما لم يعتقه الورثة، لأن الميت ليس بأهل للإعتاق، وهذا صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على المجلس.
[قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم]
م: (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت) . ش:
أي قبل العبد بعد موت المولى. م: (لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت) . ش:
فيكون نزول إيجاب المعتق بعد الموت والقبول يكون عند زوال الإيجاب. م:
(فصار كما إذا قال أنت حر غداً بألف درهم) . ش: يكون القبول غداً، لأنه وقت
نزول الإيجاب، فإذا قبل بعد الموت هل يعتق أم لا؟
قال في " شرح الطحاوي " لم يعتق بالقبول حتى يعتقه الورثة والوصي، لأن
الأصل أن كل عتق فأخر وقوعه بعد الموت ولو ساعة لا يعتق إلا بالإعتاق، ألا
ترى أنه لو قال لعبده أنت حر بعد موتي بشهر لا يعتق حتى يعتقه الورثة بعد
شهر.
م: (بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في
الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق) . ش:
لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً صحيحاً، هذا قول أبي يوسف على ما ذكره
صاحب الأجناس عن نوادر بشر بن الوليد إذا قال أنت مدبر على ألف درهم، قال
أبو حنيفة ليس القبول الساعة، وله أن يبيعه فإذا مات المولى وهو في ملكه
وقال قبلت إذاً ألف عتق. وقال أبو يوسف: إن لم يقبل حين قال له ذلك فليس له
أن يقبل بعد ذلك، وإن قبل كان مدبراً، وعليه الألف إذا مات السيد.
م: (قالوا) . ش: أي قال المتأخرون من مشايخنا. م: (لا يعتق في مسألة
الكتاب) . ش: أي في مسألة " الجامع الصغير "، وهي قوله: أنت حر بعد موتي
على ألف درهم. م: (وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الورثة) . ش: قال
التمرتاشي: أو الوصي، فإن امتنعوا فالقاضي. م: (لأن الميت ليس من أهل
الإعتاق، وهذا صحيح) . ش: أي قول المشايخ صحيح أنه لا يعتق ما لم يعتقه
الورثة، بناء على أنه إيجاب ضمان إلى ما بعد الموت، وأهلية الوجوب شرط
الإيجاب، وقد عدمت بالموت، بخلاف التدبير، فإنه إيجاب في الحال، والأهلية
ثابتة، والموت شرط والأهلية ليست بثابتة بشرط عنه كما لو قال: إن خلت الدار
فأنت حر فوجد الشروط وهو مجنون.
وقال الأترازي: ولنا فيه نظر قدمناه، وهو قوله فيما تقدم. فإن قبل بعد
الموت ينبغي أن يعتق لكلام صدر من الأهل مضافاً إلى المحل وإن كان الميت
ليس بأهل الإعتاق. ألا ترى أن الإيجاب نزل معتبراً بعد الموت حكماً لكلام
صدر من الأهل وإن كان في ذلك الوقت ليس بأهل
(6/82)
قال: ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين
فقبل العبد عتق ثم مات من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين، أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة
معلومة عوضا فيتعلق العتق بالقبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للإيجاب، ولهذا يترتب القبول عليه، وأيضاً إن القول لا يعتبر حال الحياة.
وإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم، أي من الورثة أو
الوصي لا يكون معتبراً بعد الوفاة أيضاً، فلا يبقى فائدة، أو لقوله بالقبول
بعد الموت.
[قال لعبده أنت حر على أن تخدمني أربع سنين
فمات المولى أو العبد]
م: (قال: ومن أعتق عبده) . ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن أعتق
عبده. م: (على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق ثم مات) . ش: أي المولى أو
العبد كما بين في آخر المسألة. م: (من ساعته) . ش: أي ساعة البدل. م:
(فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين) . ش: هذا الذي ذكره قول
أبي حنيفة الآخر، وقوله الأول كقول محمد، كذا ذكره الفقيه أبو الليث في "
شرح الجامع الصغير ". وقول زفر والشافعي كقول محمد، وخدمة البيت المعروف
بين الناس، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ".
وشرح المسألة ما قال في " شرح الطحاوي ": لو قال لعبده أنت حر على أن
تخدمني أربع سنين، فإن مات المولى قبل الخدمة بطلت الخدمة، لأن شرط الخدمة
للمولى، وقد مات المولى، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف عليه قيمة نفسه، وعند
محمد وعليه قيمة خدمة أربع سنين. ولو كان خدم سنة ثم مات فعلى قولهما عليه
ثلاثة أرباع قيمة نفسه، وعلى قول محمد عليه خدمة ثلاث سنين، وكذا لو مات
العبد وترك مالاً يقضي من مال بقيمة نفسه عندهما. وعند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يقضي بقيمة الخدمة.
وقال في " الشامل ": فإن مات المولى فلورثته قيمة نفسه إلا قدر قيمة ما خدم
عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيمة ما بقي، وكذلك إن مات العبد
أخذ من تركته، أما العتق للتفصيل. لأنه ذكر أولاً سنين العتق ووجوب القيمة،
لكن هي قيمة النفس عندهما. وعند محمد قيمة الخدمة. فقال بعد ذلك. م: (أما
العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضاً من العتق، فيتعلق العتق
بالقبول) . ش: أي بقبوله في المجلس قبل التسليم كما في البيع الخدمة، لأن
المولى جعل الإعتاق على الخدمة، فكان معاوضة وقضية المعاوضة ثبوت الحكم
بمجرد القبول قبل التسليم كما في البيع. وقال الأترازي بعد قوله - أما
العتق - للتفضيل كما ذكرنا، لكن بقي المصنف أن يقول وأما وجوب قيمة النفس
عندهما فلأجل هذا، وأما وجوب قيمة الخدمة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فلأجل كذا، فلم يعرفه ما هو حق الكلام، انتهى.
قلت: الذي نفى عليه من الكلام علم مما ذكره في أثناء الكلام، فاقتصر على
ذكره.
(6/83)
وقد وجد ولزمه خدمة أربع سنين لأنه يصلح
عوضا، فصار كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد فالخلافية فيه بناء
على خلافية أخرى، وهي أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها، ثم استحقت
الجارية أو هلكت يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما، وبقيمة الجارية
عنده، وهي معروفة ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك
والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار
نظيرها،
ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن
تتزوجه فالعتق جائز، ولا شيء على الآمر؛ لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على
ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال
لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقد وجد) . ش: أي القبول. م: (ولزمه خدمة) . ش: أي ولزم العبد خدمة
المولى. م: (أربع سنين لأنه يصلح عوضاً) . ش: أي لأن الخدمة على تأويل
المذكور إنما يصح عوضاً، لأن المنفعة أحلت حكم المالية بالعقد، ولهذا صلح
مهراً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد بعد القبول. م:
(كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد) . ش: بعد القبول، لأن الخدمة
تصلح عوضاً عن الإعتاق كالألف فعتق في الصورتين بالقبول، ثم إذا مات العبد.
م: (فالخلافية فيه) . ش: أي في المسألة الخلافية في الإعتاق على الخدمة في
المدة المعلومة. م: (بناء على خلافية أخرى وهي) . ش: أي صورة المسألة
الأخرى. م: (أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها) . ش: فقبل العبد. م:
(وعتق ثم استحقت الجارية أو هلكت) . ش: قبل التسليم. م: (يرجع المولى على
العبد بقيمة نفسه عندهما) . ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وبقيمة
الجارية) . ش: أي ويرجع بقيمة الجارية. م: (عنده) . ش: أي عند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهي) . ش: أي مسألة بيع العبد منه بجارية إذا
استحقت. م: (معروفة) . ش: في طريقتها الخلافية وهناك موضع وبيانها واحد
عياناً.
م: (ووجه البناء) . ش: أي بناء تلك الخلافية على هذه الخلافية. م: (أنه) .
ش: أي أن البيان. م: (كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك، والاستحقاق يتعذر
الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار نظيرها) . ش: أي صار
الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد أو المولى نظير الخلافية الأخرى في أن
الواجب عند محمد قيمة الخدمة، وعندهما الواجب قيمة العبد.
[قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن
تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه]
م: (ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها) . ش: وفي
بعض نسخ " الجامع الصغير ": ذكر لفظ علي قبل قوله على أن تزوجنيها، وفي
البعض لم يذكر لفظ علي إذ الوجوب مستفاد على الحالين، لكن ذكر على أول علي
المراد. م: (ففعل) . ش: أي للأمور فعل ما قال الرجل. م: (فأبت) . ش: أي
الأمة. م: (أن تتزوجه) . ش: أي أن تتزوج الآمر. م: (فالعتق جائزة ولا شيء
على الآمر، لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه
شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف
درهم علي ففعل، حيث يجب الألف على
(6/84)
ففعل حيث يجب الألف على الآمر، لأن اشتراط
البدل على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، وقد قررناه من قبل.
ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم والمسألة بحالها قسمت الألف على
قيمتها ومهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر وما أصاب مهر المثل بطل عنه
لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف، وإذا كان كذلك فقد قابل
الألف بالرقبة شراء، وبالبضع نكاحا فانقسم عليها، ووجبت حصة ما سلم له وهو
الرقبة، وبطل عنه ما لم يسلم وهو البضع، فلو زوجت نفسها منه لم يذكره.
وجوابه أن ما أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول، وهي للمولى في الوجه الثاني،
وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها في الوجهين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآمر، لأن اشتراط البدل) . ش: في الخلع على المرأة مشروع من غير أن يسلم
لها شيء، لأن الخلع إسقاط محض، فلما جاز على المرأة من سلامة شيء لها جاز
م: (على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز) . ش: كذلك، بخلاف
الإعتاق، فإن فيه معنى الإثبات، وإن كان هو إزالة الملك لأن يحصل العبد قوة
حكمية لم تكن ثابتة قبل الإعتاق، فكان في معنى المعاوضة.
واشتراط العوض لا يجوز على غير من سلم له المعوض، فلا يجب على الأجنبي بناء
لأنه لم يسلم له شيء بهذا الضمان. وذكر شمس الأئمة: بأن المرأة لا تجبر على
تزويج نفسها منه بعد العتاق لأنها صارت مالكة أمر نفسها بمنزلة من أعتق
أمته على أن تزوج نفسها منه فقبلت ثم أبت بعد الإعتاق لا تجبر على ذلك.
م: (وقد قررناه من قبل) . ش: أي في باب الخلع في مثاله خلع الأب ابنته
الصغيرة على وجه الاستشارة في بدل العتق على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى.
[قال أعتق أمتك عني على ألف درهم على أن
يتزوجها ففعل فأبت أن تزوجه]
م: (ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم. فالمسألة بحالها) . ش: أي قال
على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تزوجه. م: (قسمت الألف على قيمتها ومهر
مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر، وما أصاب مهر المثل بطل عنه) . ش: أي
عن الآمر. م: (لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء) . ش: كأنه قال: بع
أمتك مني ثم أعتقها. م: (على ما عرف) . ش: أي في أصول الفقه. م: (وإذا كان
كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء) . ش: أي من حيث الشراء. م: (وبالبضع) .
ش: أي وقابله بالبضع. م: (نكاحاً) . ش: أي من حيث النكاح. م: (فانقسم
عليها) . ش: أي على الرقبة والبضع.
م: (ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة) . ش: لأنها سلمت له حيث وقع العتق
منه. م: (وبطل عنه ما لم يسلم، وهو البضع) . ش: حيث لم تتزوجه. م: (فلو
زوجت نفسها منه لم يذكره) . ش: يعني في " الجامع الصغير " م: (وجوابه أن ما
أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول) . ش: وهو ما إذا لم يقل عني، وكذا سقط في
الوجه الأول القيمة، لعدم وجوب الضمان. م: (وهي للمولى في الوجه الثاني) .
ش: أي حصة القيمة للمولى في الوجه الثاني، وهو ما إذا قال عني. م: (وما
أصاب مهر مثلها كان مهراً لها في الوجهين) . ش: أي فيما إذا قال عني أو لم
يقل.
(6/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال التمرتاشي: فإن تزوجت فلها مهر مثلها، ولا يكون قيمتها مهراً لأنه ليس
بمال. وعن أبي يوسف أنه جعل العتق مهراً، إلا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
أعتق صفية ونكحها، وجعل عتقها مهرها» قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مخصوص بالنكاح بغير مهر، فإن أبت فعليه قيمتها، لأن الشرط فات،
وكذا لو أعتقت عبداً أو تزوجها، فإن فعلت فلها مهرها، وإن أبى فعليه قيمته.
(6/86)
باب التدبير
وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر
أو قد دبرتك فقد صار مدبرا، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير، فإنه إثبات
العتق عن دبر، ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية
كما في الكتابة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في حكم التدبير]
[تعريف التدبير]
م: (باب في حكم التدبير)
ش: أي هذا باب في بيان حكم التدبير، ولما فرغ من الإعتاق المطلق عن قيد شرع
في الإعتاق المقيد، وهو التدبير أو المركب بمنزلة المقيد، والمفرد بمنزلة
المطلق، والمركب بعد المفرد لا محالة.
وقال الأترازي: لما فرغ من العتق الواقع في حالة الحياة شرع في العتق
الواقع بعد الموت، لأن الموت يتلو الحياة، والتدبير في اللغة: هو النظر في
عاقبة الأمر، وكأن المولى لما نظر في عاقبة أمره وأمر عاقبته أخرج عبده إلى
الحرية بعده. وفي الشرع هو العتق الواقع عن دبر من الإنسان.
[قال المولى لمملوكه أنت مدبر]
م: (وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو
أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبراً، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير
فإنه إثبات العتق عن دبر) . ش: في " الإيضاح " " والتحفة " " والينابيع "
ألفاظه ثلاثة أنواع:
أحدها: الصريح كقولك: دبرتك وأنت مدبر، وأنت حر عن دبر مني وكذلك حررتك لو
أعتقتك أو أنت محرر أو عتيق أو معتق بعد موتي، يصير مدبراً.
والثاني: بلفظ اليمين مثل قوله: إن مت أو إن حدث لي حادث، والمراد بالحادث
الموت عادة فأنت حر، وكذا إذا قال مع موتي أو في موتي، وروى هشام عن محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله أنت مدبر بعد موتي يصير مدبراً للحال، وكذا لو
قال: أعتقتك بعد موتي أو حررتك.
والثالث: بلفظ الوصية بأن قال: وصيت لك برقبتك أو بنفسك فالكل سواء، وكذا
لو قال: أوصيت بثلث مالي فتدخل رقبته فيه، لأن رقبته من جملة ماله فكان
يوصي له بثلث رقبته.
م: (ثم لا يجوز بيعه) . ش: أي بيع المدبر ولا هبته، ولا إخراجه عن ملكه إلا
إلى الحرية كما في الكتابة، حيث لا يجوز بيع المكاتب. م: (ولا هبته ولا
إخراجه عن ملكه إلا بالحرية كما في الكتابة) . ش: وبقولنا قال عامة العلماء
والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وهو مروي عن عمر وعثمان وابن
مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال شريح وقتادة
والثوري والأوزاعي، وهو مذهب مالك في " الموطأ ".
م: (وقال الشافعي: يجوز) . ش: لأن يبيعه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وداود، وكذا هبته وصدقته وغيرها ولا يباع في الدين عند الجمهور، وعند
مالك يباع في الدين حال حياة سيده
(6/87)
تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع
والهبة، كما في سائر التعليقات، وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية
وهي غير مانعة من ذلك. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المدبر لا يباع
ولا يوهب ولا يورث» وهو حر من الثلث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبعد موته. م: (لأنه) . ش: أي لأن التدبير. م: (تعليق العتق بشرط، فلا
يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات) . ش: قبل وجود الشرط، فكذا
في هذا التعليق. م: (وكما في المدبر المقيد) . ش: فإنه يجوز بالاتفاق. م:
(ولأن التدبير وصية) . ش: يعتق بدليل أنه يعتبر من الثلث. م: (وهي غير
مانعة من ذلك) . ش: إذ الوصية غير مانعة من البيع والهبة وغيرهما، لأن
الوصايا ليست بلازمة ولهذا يجوز الرجوع عنها صريحة ودلالة، فكذا هذه
الوصية.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو
حر من الثلث» . ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني بنص: " لا يورث " من رواية
عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال» .
قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر
من قوله وقال الأترازي: ولنا ما ذكر محمد في الأصل حديث أبي جعفر أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «باع خدمة المدبر ولم يبع
رقبته» يعني أجر المدبر.
وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن عمر «المدبر لا يباع ولا يوهب
وهو حر من ثلث المال» . وقال الأترازي أيضاً: وجه قول الشافعي ما روى جابر
في صحيح البخاري «أعتق رجل منا عبد له عن دبر فدعى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به فباعه، قال جابر مات الغلام عام أو قال في السنين
اشتراه نعيم بن عبد الله بن النجاد بثمانمائة درهم» . وفي بعض الروايات
بسبع أو تسعمائة.
وقال في " جامع الترمذي ": كان عبداً قبطياً مات في إمارة ابن الزبير فلو
لم يجز بيع المدبر لما باعه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ثم قال الأترازي: وما رواه الشافعي يحمل على المدبر المقيد أو على ابتداء
(6/88)
ولأنه سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد
الموت، ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد
الموت ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية
إلى زمان بطلان الأهلية، بخلاف سائر التعليقات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإسلام حين كان يباع الحر أو على بيع الخدمة لا الرقبة توفيقاً بين حديثنا
وحديثه، وكان من قبل الشافعي قد أجمعوا على عدم جواز بيعه مع أبي حنيفة
وسفيان ومالك والأوزاعي ثم لما نشأ الشافعي بعدهم جوزه فصار هذا منه خرقاً
للإجماع فلا يجوز، انتهى كلامه.
قلت: في كلامه نظر في موضعين.
الأول: قول توفيقاً بين حديثنا وحديثه، وكيف يوفق بينهما وحديثه صحيح
وحديثنا لم يبلغ إلى الصحة.
والثاني: إن قوله فصار هذا منه خرقاً للإجماع غير مسلم، لأن الشافعي لم
ينفرد، وهو مذهب جابر وعطاء، ووافقه أحمد وإسحاق وداود.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد
الموت) . ش: بالإجماع. م: (ولا سبب غيره، ثم جعله سبباً في الحال أولى
لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت) . ش: لكون كلامه عرضاً لا يبقى، فتعين أن
يكون سبباً في الحال، ولا يقال إنه موجود حكماً بعد موته، وإن كان معدوماً
كما جعل كالموجود في بعض الأحكام، لأنا نقول الشيء إنما يصير موجوداً حكما
إذا أمكن وجوده حقيقة، ولا إمكان لوجوده حقيقة بعد الموت لاستحالة وجود
الفعل من الميت.
وقال الأترازي: وما قاله صاحب " الهداية " قبل باب عتق أحد العبدين بقوله -
وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت - فذاك منه تناقض لا محالة. وقال الأكمل:
يحمل ما ذكر هنا على غير الأولى، فيندفع التناقض، أو يكون قد اطلع على
رواية عن أصحابنا أنه يجوز، وأن يكون سبباً بعد الموت، أو اختيار جوازه
بالاجتهاد.
م: (ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية إلى
زمان بطلان الأهلية) . ش: فلا يتصور انعقاد السبب من غير الأهل. م: (بخلاف
سائر التعليقات) . ش: هذا جواب عما يقال في التدبير تعليق شيء من السبب
ثابتا في الحال وإنما يكون عند الشرط فما بال التدبير يخالف سائر التعليقات
فأجاب بقوله: بخلاف سائر التعليقات قال الكاكي هو متعلق بقوله حال بطلان
أهلية التصرف، وأهلية التصرف باقية في سائر التعليقات عند وجود الشرط. أما
هاهنا لا تبقى أهلية التصرف بعد موته، فلو لم يجعل سببا في الحال بقي كلامه
من كل وجه.
فإن قيل: وجود أهلية المعلق حال وجود الشرط ليس بشرط، لما مر أنه لو علق
الطلاق أو العتاق ثم جن ثم وجد الشرط وهو مجنون يقعان، فكان التدبير بمنزلة
سائر التعليقات
(6/89)
لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط لأنه
يمين واليمين مانع والمنع هو المقصود، وإنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق وأمكن
تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا، ولأنه وصية
والوصية خلافة في الحال كالوراثة وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما
يضاهيه ذلك. قال: وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت له أمة يحل وطؤها
وله أن يزوجها، لأن الملك فيها ثابت له وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا: الأهلية فيما نحن فيه تبطل من كل وجه. وفي المجنون من وجه، فإنه أهل
للملك وزواله قد يكون أهلاً لإيقاع الطلاق والعتاق، ألا ترى أن الولي لو
زوجه امرأة يصح النكاح، ولو باشر هو بنفسه أسباب حرمة المصاهرة، ولو ارتد
ولحق بدار الحرب يثبت الحرمة بينه وبين منكوحته، وفي الموت تبطل الأهلية من
كل وجه، ألا ترى أن نفس التعليق يبطل بالموت ولا يبطل بالجنون، فعلى هذا لا
يلزم من عدم اشتراط مثل هذه الأهلية. م: (لأن المانع من السببية) . ش: وثم
يعني موجود. م: (قبل الشرط) . ش: لأنه انعقد تصرفاً آخر في الحال. م: (لأنه
يمين) . ش: يعني لأنه لا يصير يميناً. م: (واليمين مانع) . ش: من مباشرة
الشروط والمانع من الشروط مانع من الحكم، والمانع من الحكم لا يكون سبباً
للحكم. م: (والمنع هو المقصود) . ش: أي المنع عن تحقيق الشرط هو المقصود.
م: (وإنه) . ش: أن وإن المنع. م: (يضاد وقوع الطلاق والعتاق) . ش: أي
المانع لوقوعهما يضاد وقوعها، فيكون التعليق سببا في الحال. م: (وأمكن
تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط) . ش: أي إلى زمان وقوع الشرط. م: (لقيام
الأهلية عنده فافترقا) . ش: أي فافترق التدبير المطلق وسائر التعليقات.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (وصية) . ش: هذا فرق آخر بين التدبير
وسائر التعليقات. م: (والوصية خلافة في الحال) . ش: لأن الموصي يجعل الموصى
له خلافاً بعض ماله بعد الموت كالورثة، وإنها ليست بخلافة في الحال. واعترض
أن لو كان وصية ليبطل إذا قتل المدبر سيده، لأن الوصية للقاتل لا يجوز وجاز
البيع، لأن الوصي يجوز له بيع الموصى به، ويكون رجوعاً عن الوصية، وليس
الأمر كذلك، والجواب عنها جميعاً أن ذلك في وصيته ولم يكن على وجه التعليق،
لأن الوصية المطلقة والتدبير ليس كذلك. ووجه انتقاص ذلك أن بطلان الوصية
بالنقل وجواز البيع وكونه رجوعاً إنما يصح في موصى به يقبل الفسخ والبطلان
والتدبير، لكونه إعتاقاً لا يقبل ذلك.
م: (وإبطال السبب) . ش: تتمة الدليل متصل بقوله لأنه بسبب الحرية. م: (وفي
البيع وما يضاهيه) . ش: أي وما يشابهه مثل الهبة والصدقة. م: (ذلك) . ش:
إشارة إلى إبطال التدبير فلا يجوز.
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره) . ش: لأن
التدبير المطلق لا يرسل الملك في الحال. م: (وإن كانت له أمة يحل وطؤها وله
أن يزوجها لأن الملك فيها ثابت له) . ش: أي للمولى. م: (وبه) . ش: أي وعتق
المدبر من ثلث ماله. م: (يستفاد ولاية هذه التصرفات) . ش: إشارة
(6/90)
فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله
لما روينا، ولأن التدبير وصية، لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت والحكم غير
ثابت فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره يسعى في ثلثيه، وإن كان على
المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم الدين على الوصية، ولا يمكن نقض العتق،
فيجب رد قيمته،
وولد المدبرة مدبر، وعلى ذلك نقل إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
-
وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا
أو من مرض كذا فليس بمدبر، ويجوز بيعه، لأن السبب لم ينعقد في الحال لتردده
في تلك الصفة بخلاف المدبر المطلق، لأنه تعلق عتقه بمطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى الاستخدام والإجارة، والوطء والتزويج. م: (فإذا مات المولى عتق المدبر
من ثلث ماله) . ش: وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد وسعيد بن جبير: يعتق من
رأس المال، وبه قال زفر والليث بن سعد. م: (لما روينا) . ش: إشارة إلى حديث
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: (لأن التدبير وصية لأنه
تبرع يضاف إلى وقت الموت والحكم) . ش: وهو العتق. م: (غير ثابت في الحال
فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره) . ش: أي غير المدبر. م: (يسعى
في ثلثيه وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم الدين على الوصية
ولا يمكن نقض العتق) . ش: يعني فسخه،. م: (فيجب رد قيمته) . ش: التي سميت
له.
[ولد العبد المدبر]
م: (وولد المدبرة مدبر) . ش: هذا لفظ القدروي في مختصره وعامة النسخ هاهنا
بالتأنيث في المضاف إليه وهو الصواب، وفي بعض النسخ بالتذكير قال الأترازي:
وليس بصحيح، لأن ولد العبد المدبر لا يخلو إما أن يكون من أمة أو حرة، فإن
كان من أمة يكون رقيقاً لمولاه، ولا يكون مدبراً كابنه، وإن كان من حرة
يكون حراً بخلاف ما إذا كان ولد من أمة مدبرة، فإنه يكون مدبراً اتباعاً
لأمه، لأن الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد.
ولهذا شرح في " الشامل " بالتأنيث، وقال: وولد المدبرة بمنزلتها لما روي عن
عثمان وزيد بن ثابت وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن ولد
المدبرة مدبر وكذلك في " فتاوى الولوالجي "، حيث قال: وولد المدبرة
بمنزلتها كولد الحرة، وهذا مذهبنا، وقال الشافعي: لا يدخل الولد في
تدبيرها.
م: (وعلى ذلك) . ش: أي كون ولد المدبرة مدبراً. م: (نقل إجماع الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) . ش: لأنه روي أن خوصم عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في أولاد مدبرة فقضى أن ما ولدته قبل التدبير
عبد، وما ولدته بعد التدبير مدبر، وقال ذلك بمحضر من الصحابة من غير خلاف.
[علق التدبير بموته على صفة]
م: (وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري
هذا أو من مرض كذا فليس بمدبر، ويجوز بيعه، لأن السبب لم ينعقد في الحال
لتردده في تلك الصفة) . ش: لأنه ربما يرجع من تلك السفر، ويبرأ من ذلك
المرض. م: (بخلاف المدبر المطلق، لأنه تعلق عتقه بمطلق
(6/91)
الموت فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها
عتق كما يعتق المدبر، معناه من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير في آخر جزء من
أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة فيه، فلهذا يعتبر من الثلث، ومن المقيد أن
يقول إن مت إلى سنة أو عشر سنين لما ذكرنا بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة
ومثله لا يعيش إليه في الغالب؛ لأنه كالكائن لا محالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموت) . ش: وهو كائن لا محالة تحقيق هذا أن المعلق به إذا كان على خطر
الوجود كان بمعنى اليمين وقد عرفت أن صفة كونه يميناً يمنع من السببية،
وأما إذا كان أمراً كائناً لا محالة لم يكن في معنى اليمين، فكان سبباً.
فإن قيل: إذا لم ينعقد السبب في الحال ففي أي وقت ينعقد، فإن انعقد بعد
الموت فليس بحال أهلية الإيجاب، وإن انعقد قبله فكيف يجوز معه، فالجواب أنه
موقوف.. م: (فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر،
معناه) . ش: أي معنى قول القدوري عتق. م: (من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير
في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة منه، فلهذا) . ش: إيضاح لثبوت
الحكم في آخر جزء من أجزاء حياته. م: (يعتبر من الثلث ومن المقيد) . ش: أي
من جملة التدبير المقيد. م: (أن يقول: إن مت إلى سنة أو عشر سنين فأنت حر
لما ذكرنا) . ش: أي التردد في الصفة. م: (بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة
فأنت حر ومثله لا يعيش إليه) . ش: إلى ذلك الوقت. م: (في الغالب) . ش: يكون
مدبراً. م: (لأنه كالكائن لا محالة) . ش: وهذا الذي ذكره رواية الحسن عن
أبي حنيفة في " المنتقى "، وبه قال مالك. وذكر الفقيه أبو الليث في "
النوازل ": أن رجلاً قال لعبد: أنت حر إن مت إلى مائتي سنة قال أبو يوسف:
هذا مدبر مقيد، وله أن يبيعه. وقال الحسن بن زياد: لا يجوز بيعه، لأنه علم
أنه لا يعيش إلى تلك المدة، فصار كأنه قال: إذا مت فأنت حر.
(6/92)
باب الاستيلاد
إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له لا يجوز بيعها ولا تمليكها،
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أعتقها ولدها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الاستيلاد]
[تعريف الاستيلاد]
م: (باب الاستيلاد) .
ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستيلاد، وهو طلب الولد لغة وأم الولد من
الأسماء الغالبة على بعض من يقع عليه الاسم كالنجم للثريا. وفي الشرع أم
الولد مملوكة يثبت نسب ولدها من مالك لها أو مالك له بعضها، وذلك لأن
الاستيلاد اتباع ثابت النسب، فإذا ثبت النسب ثبت الاستيلاد وإلا فلا. ولما
فرغ من بيان التدبير شرع في بيان الاستيلاد وعقيبه لمناسبة بينهما من حيث
إن كل واحد منهما حق الحرية حقيقتها.
[بيع أم الولد]
م: (إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد لا يجوز بيعها) . ش: خلافاً
لبشر بن غياث وداود تابعه من الظاهرية، واحتجوا بما رواه أبو داود والنسائي
وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله أنه قال «بعنا أمهات الأولاد على عهد
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، " فلما كان عمر
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نهانا فانتهينا» وذكر ابن حزم في "
المحلى ": أن بيعها مروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - وعلي وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وزيد بن ثابت، وعن عمر:
أنها إن عتقت وأسلمت عتقت، وإن كفرت وفجرت رقت، وروي مثله عن عمر بن عبد
العزيز، وأجاب أصحابنا بأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما نهى
عن ذلك أجمعوا عليه.
واحتجوا أيضاً بما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل ولدت
أمته منه فهي معتقة عن دبر منه» رواه أحمد وابن ماجه، وهو حديث مشهور تلقته
الأئمة بالقبول «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مارية
القبطية أم إبراهيم حين قيل له " ألا تعتقها، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
" أعتقها ولدها» ، رواه ابن ماجه والدارقطني. وقال الخطابي: وقد ثبت أنه -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة»
فلو كانت مارية مالاً لبيعت وصار ثمنها صدقة.
م: (ولا تمليكها، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «أعتقها ولدها» . ش: هذا
(6/93)
أخبر عن إعتاقها فيثبت بعض مواجبه وهو حرمة
البيع، ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد، فإن
الماءين قد اختلطا بحيث لا يمكن التمييز بينهما على ما عرف في حرمة
المصاهرة، إلا أن بعد الانفصال تبقى الجزئية حكما لا حقيقة، فضعف السبب،
فأوجب حكما مؤجلا إلى ما بعد الموت، وبقاء الجزئية حكما باعتبار النسب، وهو
من جانب الرجل، فكذا الحرية تثبت في حقهم لا في حقهن، حتى إذا ملكت الحرة
زوجها وقد ولدت منه لا يعتق بموتها وثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال
فيمتنع جواز البيع وإخراجها لا إلى الحرية في الحال ويوجب عتقها بعد موته،
وكذا إذا كان بعضها مملوكا له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قاله في مارية القبطية، وقد مر الآن. م: (أخبر عن إعتاقها) . ش: أي أخبر
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إعتاق مارية. م: (فيثبت
بعض مواجبه وهو) . ش: أي بعض مواجب قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:. م:
(حرمة البيع) . ش: أي بيعها، لأن الحديث وإن دل على تنجيز الحرية، لكن
عارضه ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وهو المذكور
آنفاً، فعملنا بهما جميعاً، ومبنى البيع في الحديث الأول، والتنجيز بالحديث
الثاني لا يقال محلية البيع معلومة فيهما بيقين، فلا يرتفع إلا بيقين مثله
وخبر الواحد لا يوجبه، لأنا نقول الأحاديث الدالة على عتقها من المشاهير،
وقد انضم إليها الإجماع اللاحق، فرجحناها.
م: (ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد، فإن الماءين
قد اختلطا بحيث لا يمكن التمييز بينهما) . ش: أي بين المائين. م: (على ما
عرف في حرمة المصاهرة) . ش: وهي تمنع بيعها وهبتها، لأن بيع جزء الحر وهبته
حرام. م: (إلا بعد الانفصال) . ش: جواب عما يقال لو كانت هذه الجزئية
معتبرة لتنجز العتق، لأن الجزئية توجبه ولستم قائلين به، فأجاب بقوله بعد
الانفصال. م: (تبقى الجزئية حكماً لا حقيقة فضعف السبب) . ش: أي سبب العتق
هو الجزئية بينهما. م: (فأوجب حكماً مؤجلاً إلى ما بعد الموت) . ش: ولم
يثبت في الحال ولم يجز بيعها [....] . م: (وبقاء الجزئية حكما) . ش: هذا
جواب عما يقال: لو كانت الحرية حكما معتق من ملكه امرأته التي ولدت منه بعد
موتها، وليس كذلك فأجاب بقوله - وبقاء الحرية حكما - أي من حيث الحكم. م:
(باعتبار النسب وهو) . ش: أي النسب. م: (من جانب الرجال) . ش: أي النسب إلى
الآباء لا إلى الأمهات.
م: (فكذا الحرية تثبت في حقهم) . ش: أي في حق الرجال. م: (لا في حقهن) . ش:
أي في حق الأمهات. قوله - فكذا الحرية - صحت الرواية بالحاء لا بالجيم،
وهذا نتيجة ما تقدم، فلهذا ذكر بالفاء، يعني أن الحرية لما كانت باعتبار
النسب أنتج أن الحرية وقعت في حقهم. م: (حتى إذا ملكت الحرة زوجها، وقد
ولدت منه لم يعتق) . ش: أي الزوج. م: (بموتها) . ش: أي بموت الحرة. م:
(وثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال، فيمتنع جواز البيع وإخراجها لا
إلى الحرية في الحال، فوجب لولي وكذا إذا كان بعضها مملوكا له) . ش: يعني
إذا كانت الجارية مشتركة بين اثنين فاستولدها
(6/94)
لأن الاستيلاد لا يتجزأ فإنه فرع النسب
فيعتبر بأصله قال وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها، لأن الملك فيها
قائم فأشبهت المدبرة، ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به، وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت نسبه منه وإن لم يدع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما يكون كل الجارية أم ولد له.
م: (لأن الاستيلاد لا يتجزأ، فإنه فرع النسب، فيعتبر بأصله) . ش: وهو
النسب، فالنسب لا يتجزأ فكذلك فرعه، وهو الاستيلاد فيما يمكن نقل الملك
فيه، وهذا بخلاف ما قال في باب العبد نصيبه بقوله والاستيلاد يتجزأ عنده
حتى استولد نصيبه من مدبره يقتصر عليه، لأن نصيب شريك انتقل فاقتصر
الاستيلاد على نسب المستولد.
قال الأترازي: ومعنى قولنا الاستيلاد لا يتجزأ فيما يمكن نقل الملك عنه،
والمدبرة ليس بقابلة للنقل من ملك إلى ملك، فلا يتناقض ما قال هاهنا.
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وله وطؤها) . ش: أي للمولى وطء أم ولده. م:
(واستخدامها وإجارتها وتزويجها، لأن الملك فيها قائم فأشبهت المدبرة) . ش:
وله أن يزوجها قبل أن يستبرئها. فإن قيل شغل الرحم بمائه محتمل، واحتمال
ذلك يمنع جواز النكاح، كما في المعتدة.
أجيب: بأن محلية جواز النكاح كانت ثابتة قبل الوطء، وقد وقع الشك في
زوالها، فلا يرتفع به بخلاف النكاح، فإن المنكوحة خرجت عن محلية الغير، فلا
يعود إليها إلا بعد الفراغ حقيقة، وذلك بعد العدة. م: (ولا يثبت نسب ولدها)
. ش: أي ولد الأمة. م: (إلا أن يعترف به) . ش: هي إن اعترف به المولى، أي
بوطئها، وبه قال الثوري والشعبي، والحسن البصري، وهو مروي عن زيد بن ثابت
مع العزل.
م: (وقال الشافعي: يثبت نسبه منه، وإن لم يدع) . ش: وبه قال مالك وأحمد،
فإنه يثبت النسب منه إذا أقر بوطئها، وإن عزل عنها إلا أن يدعي أنه
استبرأها بعد الوطء بحيضة، وهو ضعيف، لأنهم زعموا أنها بالوطء صارت فراشاً
كالنكاح، وفيه يلزم الولد وإن اشتراها. ولو وطئها من دبرها يلزمه الولد عند
مالك، ومثله عن أحمد، وهو وجه للشافعية وضعفوه.
وروى الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس: أنه كان يأتي جارية فحملت منه.
فقال: ليس مني، إني آتيها إتياناً لا أريد به الولد. وعن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أنه كان يعزل عن جارية فجاءت بولد أسود فشق
عليه، فقال: ممن هو، فقالت من راعي الإبل، فحمد الله وأثنى عليه، ولم يلزمه
".
وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يطأ جارية مارشية
ويعزل عنها فجاءت بولد فأعتق الولد وجلدها، وعنه أنه قال لها: ممن حملت،
قالت: منك، فقال كذبت ما وصل إليك
(6/95)
لأنه لما ثبت النسب بالعقد فلأن يثبت
بالوطء وأنه أكثر إفضاء أولى. ولنا أن وطء الأمة يقصد قضاء الشهوة دون
الولد لوجود المانع عنه، فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء
بخلاف العقد، لأن الولد يتعين مقصودا منه، فلا يحتاج إلى الدعوة فإن جاءت
بعد ذلك بولد ثبت نسبه بغير إقرار، معناه بعد اعتراف منه بالولد الأول لأنه
بدعوى الولد الأول يتعين الولد مقصودا منها، فصارت فراشا كالمعقودة بعد
النكاح، إلا أنه إذا نفاه ينتفي بقوله، لأن فراشها ضعيف حتى ملك نقله
بالتزويج، بخلاف المنكوحة، حيث لا ينتفي الولد نفيه إلا باللعان لتأكد
الفراش حتى لا يملك إبطاله بالتزويج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مما يكون الحمل منه، ولم يلزمه مع اعترافه بوطئها فهو حجة عليهم.
م: (لأنه لما ثبت النسب بالعقد فلأن يثبت بالوطء، وأنه أكثر إفضاء أولى) .
ش: أي والحال أنه إن كان الوطء أكثر إفضاء إلى الولد من العقد. م: (ولنا أن
وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه) . ش: أي من طلب
الولد.
والمانع سقوط التقديم عنها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن أم
الولد ليست بمتقومة عنده، ونقصان القيمة عند صاحبها، لأن قيمتها ثلث قيمة
القن لبقاء منفعة الوطء وزوال منفعة السعاية والبيع. م: (فلا بد من الدعوة
بمنزلة ملك اليمين من غير وطء) . ش: فإنه لا يثبت النسب فيه بغير الدعوة.
م: (بخلاف العقد) . ش: أي عقد النكاح. م: (لأن الولد يتعين مقصوداً منه) .
ش: أي من العقد، ولأن الولد هو المقصود من العقد في المنكوحة لا يقال: إن
النسب باعتبار الحرية أو بما وضع لها، والعقد عدمه لا مدخل له في ذلك لأنا
نقول: لو كان ذلك مراده لثبت من الزاني وليس كذلك وإنما النظر إلى
الموضوعات الأصلية والعقد موضوع لذلك. م: (فلا يحتاج إلى الدعوة) . ش: ووطء
الأمة ليس بموضوع فيحتاج إليها.
م: (وإن جاءت بعد ذلك بولد يثبت نسبه عنه بغير إقرار) . ش: هذا لفظ
القدوري. وقال المصنف. م: (معناه) . ش: أي معنى كلام القدوري. م: (بعد
اعتراف منه) . ش: أي من المولى. م: (بالولد الأول، لأنه بدعوى الولد الأول
تعين الولد مقصوداً منها، فصارت فراشاً كالمعقودة بعد النكاح) . ش: أي
كالمنكوحة، فلما صارت فراشا لم يكن حاجة إلى الدعوى في ثبوت النسب. م: (إلا
إذا نفاه ينتفي بقوله) . ش: أي ينتفي النسب عنه بمجرد النفي من غير لعان.
م: (لأن فراشها) . ش: أي فراش أم الولد. م: (ضعيف حتى يملك نقله) . ش: أي
حتى يملك المولى نقل فراشه. م: (بالتزويج) .
م: (بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفي الولد بنفيه إلا باللعان لتأكد الفراش حتى
لا يملك إبطاله بالتزويج) . ش: الحاصل ثلاثة قوى كفراش الزوجة يثبت نسب
ولدها من غير دعوى، ولا ينتفي إلا باللعان ووسط كفراش أم الولد يثبت نسب
ولدها من غير دعوى، وينتفي من غير لعان. وضعيف كفراش الأمة لا يثبت نسب
ولدها بالدعوى، وينتفي من غير لعان، فأشبه فراش أم
(6/96)
وهذا الذي ذكرناه حكم فأما الديانة فإن كان
وطئها وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعي، لأن الظاهر أن الولد
منه، وإن عزل عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر يقابله
ظاهر آخر هكذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيه روايتان أخريان
عن أبي يوسف وعن محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولد فراش المنكوحة من وجه من حيث إن نسب ولدها يثبت من غير دعوى، فصار
فيه قوة وفراش الأمة من وجه حيث ينتفي نسب ولدها بمجرد النفي فصار فيه ضعف،
فكان وسطاً.
م: (وهذا الذي ذكرناه حكم) . ش: من مختصر القدوري في قوله: ولا يثبت نسب
ولدها، إلا أن يعترف به بيان الحكم والقضاء يعني لا يثبت نسب ولد الأمة من
المولى قبل اعترافه قضاء. م: (فأما الديانة) . ش: وهي الأمر فيما بينه وبين
الله تعالى. م: (فإن كان وطئها، وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به
ويدعي) . ش: أي الولد. م: (لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها ولم
يحصنها) . ش: المراد من التحصين أن يمنعها من الخارج والبروز عن مظان
الريبة والعزل أن يطأها ولا ينزل موضع المجامعة. م: (جاز له أن ينفيه، لأن
هذا الظاهر) . ش: وهو أن الولد منه عند التحصين وعدم العزل. م: (يقابله
ظاهر آخر) . ش: أي يعارضه ظاهر آخر وهو العزل أو يذكر التحصين فيتعارض
الظاهران، فوقع الشك والاحتمال في كون الولد من المولى، فلم يلزمه الدعوة
بالشك والاحتمال، فجاز نفيه.
م: (هكذا) . ش: أي لزوم الدعوى في الصورة الأولى وجواز النفي في الصورة
الثانية. م: (روي عن أبي حنيفة، وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف ومحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وفي بعض النسخ أخريان، وهو الصحيح، وقال
الأترازي: وقال بعضهم في شرحه والأصح آخران.
قلت: أراد به الكاكي، فإنه قال هكذا، ثم قال الأترازي: وذاك ليس بشيء كآخر،
وإن ثم أطال الكلام فيه، فلا يحتاج إلى ذكره، لأن من له يد في موضع هذا
يعرفه، ومن لا يد له لا يفهمه.
وقال الكاكي أيضاً: قوله عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله - في بعض النسخ
بتكرار عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية واحدة، وعن محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - كذلك وتلك الروايات بلفظ الوجوب. كذا في " المبسوط ".
وقال الأترازي: قال بعض الشارحين، أي عن أبي يوسف رواية واحدة. وعن محمد
رواية واحدة، وهو فائدة إعادة " عن ".
قلت: هذا أيضاً كلام الكاكي.
ثم قال الأترازي: ولنا نظر في إعادة - عن - لأنك إذا قلت أخذ درهما عن زيد
أو عمرو بلا تكرار - عن لا يفهم الدرهمين أحداً، والدرهمين أخيرين أحداً عن
عمرو، بل المفهوم أن
(6/97)
ذكرناهما في " كفاية المنتهى "، وإن زوجها
فجاءت بولد فهو في حكم أمه، لأن حق الحرية يسري إلى الولد كالتدبير، ألا
ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق، والنسب يثبت من الزوج، لأن الفراش له
وإن كان النكاح فاسدا، إذ الفاسد ملحق بالصحيح في حق الأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدرهمين بعضهما حصل عن زيد، والبعض الباقي عن عمرو، فكذا فيما نحن فيه بعض
الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعضهما عن محمد، فيكون عن كل
منهما رواية واحدة فلا حاجة إلى تكرار - عن - يوهم أن الروايتين عن أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروايتان أخريان عن محمد، وليس كذلك.
م: (ذكرناهما في " كفاية المنتهى ") . ش: فإنه صنفه قبل " الهداية " وهو
عزيز. وذكر الروايتين في " المبسوط "، فقال: وعن أبي يوسف إذا وطئها ولم
يسترها بعد ذلك، حتى جاء بولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل.
وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا ينبغي أن يدعي النسب إذا لم يعلم
أنه منه، ولكن ينبغي أن يعتق الولد وقد يستمتع بها ويعتقها بعد موته، لأن
استحقاق نسب ليس منه لا يحل شرعاً فيحتاط من الجانبين، وذلك في أن لا يدعي
النسب، ولكن يعتق الولد بعتقها بعد موته لاحتمال أن يكون منه، وذكر في
إيضاح تلك الروايتين بلفظ الاستحباب، فقال أبو يوسف: أحب إلي أن يدعيه،
وقال محمد: أحب أن يعتق الولد إلى آخره.
م: (فإن زوجها) . ش: المولى من رجل. م: (فجاءت بولد فهو في حكم أمه) . ش:
قال الحاكم في " الكافي ": فالولد بمنزلة الأم، يعني إذا مات المولى يعتقان
من جميع المال. م: (لأن حق الحرية يسري إلى الولد) . ش: لأن الولد جزء الأم
فيحدث إلى وصفها. م: (كالتدبير، ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق،
والنسب يثبت من الزوج، لأن الفراش له) . ش: وفراشها من المولى لا يثبت نسبه
منه، لأن النسب ليس بمتجزئ، فلا يثبت من المولى بعد أن ثبتت من الزوج،
ويعتق ولدها بدعوى المولى وإذا لم يثبت النسب منه لإقراره بالحرية. م: (وإن
كان النكاح فاسداً) . ش: وصل بما قبله. م: (إذ الفاسد) . ش: أي النكاح
الفاسد. م: (ملحق بالصحيح) . ش: أي بالنكاح الصحيح. م: (في حق الأحكام) .
ش: مثل ثبوت النسب ووجوب المهر والعدة، لكن بعد الدخول، لأن النكاح الفاسد
لا حكم له قبل الدخول، لكونه واجب الرفع، فإذا دخل بها يكون له شبهة
الصحيح، فليحق به في حق الأحكام. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه، ومن
الأحكام ثبوت النسب وعدم جواز البيع والوصية، فلا تعلق له بالنكاح أصلاً
بالصحيح ولا بالفاسد، فلا أدري أين كان.
قلت: هذا الشارح وقت الشرح، انتهى.
قلت: أراد بالبعض الأكمل، فإنه قال في " شرحه "، ومن الأحكام ثبوت النسب
إلى
(6/98)
ولو ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه؛ لأنه
ثابت النسب من غيره ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له لإقراره، وإذا مات
المولى عتقت من جميع المال لحديث سعد بن المسيب «أن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - " أمر بعتق أمهات الأولاد، وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من
الثلث» ولأن الحاجة إلى الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخره، وهذا يدل على أن شرح الأكمل قبل شرح الأترازي، لأنه ذكر في الرابع من
شرحه أنه فرغ منه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وكان قدوم الأكمل القاهرة
في سنة ثلاثين وسبعمائة ثم كان قدوم الأترازي بعد ذلك بمدة.
م: (ولو ادعاه المولى) . ش: أي لو ادعاه المولى ولد أم الولد الذي ولد من
الزوج بعد أن تزوجها فولدت. م: (لا يثبت نسبه منه) . ش: أي نسب الولد من
المولى. م: (لأنه ثابت النسب من غيره، ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له
لإقراره) . ش: أي فيما إذا كانت قنة، أما إذا كانت أم ولد فأمومية الولد
ثابتة قبل الدعوى.
فإن قيل: كيف تثبت أمومية الولد مع عدم ثبوت النسب وأمية الولد هاهنا مبنية
على ثبوت النسب بدعوى الولد، بخلاف ابتداء الإقرار بالإسناد، فإن ذلك مبني
على دعوى الولد. قلنا: مجرد الإقرار بالاستيلاد كان لثبوت الاستيلاد، وإن
كان في ضمن شيء آخر لم يثبت ذلك الشيء.
م: (وإذا مات المولى عتقت من جميع المال لحديث سعيد بن المسيب «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن
في دين ولا يجعلن من الثلث» . ش: هذا حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن عبد
الرحمن الإفريقي عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب «أن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أعتق أمهات الأولاد وقال: أعتقهن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
وأخرج الدارقطني أيضاً عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا
يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة»
.
م: (ولأن الحاجة إلى الولد أصلية) ش: أراد أن الولد من الجوارح الأصلية،
لأن المرء يحتاج
(6/99)
أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين
بخلاف التدبير، لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج ولا سعاية عليها في دين
المولى للغرماء لما روينا، ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند
أبي حنيفة، فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر لأنه مال متقوم،
وإذا أسلمت أم ولد النصراني فعليها أن تسعى في قيمتها، وهي بمنزلة المكاتبة
لا تعتق حتى تؤدي السعاية. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تعتق في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى بقاء النسل. م: (فتقدم على حق الورثة، والدين كالتكفين) . ش: المدبر
على الورثة والدين لأنه وصية لكونه من الزوائد. م: (بخلاف التدبير) . ش: أي
الاستيلاد بخلاف التدبير ولهذا لا يقدم ولا سعاية عليها، المدبر على الورثة
والدين. م: (لأنه وصية) . ش: لكونه من زوائد التدبير وصية. م: (بما هو من
زوائد الحوائج ولا سعاية عليها) . ش: أي على أم الولد. م: (في دين المولى
للغرماء لما روينا) . ش: قال الكاكي إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ
-: «أعتقها ولدها» .
وقال الأترازي: إشارة إلى حديث سعيد بن المسيب وهو «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بعتق أمهات الأولاد أن لا يبعن في دين.
وفي بعض نسخ الفقه: وأن لا يبعن في دين» .
م: (ولأنها) . ش: أي ولأن أم ولد. م: (ليست بمال متقوم) . ش: لأنها تحرز
إحراز الأموال. م: (حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة) . ش: يعني إذا غصب
رجل أم الولد فماتت منه نفسها عند الغاصب لم يضمنها. م: (عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: خلافاً لهما. وأما المدبر إذا مات عند الغاصب فهو
ضامن القيمة بالإعتاق لأن المدبر متقوم بالإجماع، وفي " تحفة الفقهاء ": أم
الولد لا تضمن عند أبي حنيفة بالغصب ولا بالقبض في البيع الفاسد ولا
بالإعتاق بأن كانت أم ولد بين شريكين فأعتقها أحدهما لم يضمن المعتق لشريكه
ولم تسع أيضاً في شيء.
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يضمن في ذلك كله. م: (فلا يتعلق بها
حق الغرماء كالقصاص) . ش: إذا قال مات وهو مديون ليس لأرباب الديون أن
يأخذوا من عليه القصاص بدينهم ويستوفوا منه ديونهم بمقابلة ما وجب عليه في
القصاص من ديونهم، لأن القصاص ليس بمال متقوم حتى يأخذوا بمقابلته شيئاً
متقوماً وكذا إذا قتل المديون شخصاً لا يقدر الغرماء على منع ولي القصاص من
استيفاء القصاص، وكذا إذا قتل رجل مديوناً، والمديون قد عفى لا يقدر
الغرماء على المديون عن العفو.. م: (بخلاف المدبر لأنه مال متقوم) . ش:
بالإجماع، وقد ذكرناه عن قريب.
[أسلمت أم ولد النصراني]
م: (وإذا أسلمت أم ولد النصراني فعليها أن تسعى في قيمتها، وهي بمنزلة
المكاتبة لا تعتق حتى تؤدي السعاية) . ش: قال الجوهري: وسعى المكاتب في عتق
رقبته سعاية. م: (وقال زفر: تعتق في الحال) . ش: يعني قبل السعاية وبعدها.
وفي بعض النسخ " تعتق في الحال "، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والظاهرية، إلا أنه بغير سعاية عندهما، وعند زفر بالسعاية، وقال الشافعي
وأحمد -
(6/100)
والسعاية دين عليها، وهذا الخلاف فيما إذا
عرض على المولى الإسلام فأبى، فإن أسلم تبقى على حالها، له أن إزالة الذل
عنها بعد ما أسلمت واجب، وذلك بالبيع أو الإعتاق، وقد تعذر البيع فتعين
الإعتاق ولنا أن النظر من الجانبين في جعلها مكاتبة لأنه يندفع الذل عنها
لصيرورتها حرة يدا، والضرر عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلا لشرف الحرية،
فيصل الذمي إلى بدل ملكه. أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى في الكسب، ومالية
أم الولد يعتقدها الذمي متقومة، فيترك وما يعتقده، ولأنها إن لم تكن متقومة
فهي محترمة، وهذا يكفي لوجوب الضمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رحمهما الله - في المشهور، ويمنع الذمي من وطئها والاستمتاع بها، ويحال ما
بينهما ولا يمكن من الخلوة بها، وأجبر على نفقتها، فإن أسلم حلت له، وإن
مات قبل إسلامه أو بعده عتقت بموته. وعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في
رواية تستسعى في قيمتها، فإن أدت عتقت. م: (والسعاية دين عليها) . ش: أي
على أم الولد المذكور.
م: (وهذا الخلاف) . ش: يعني بيننا وبين زفر. م: (فيما إذا عرض على المولى
الإسلام فأبى) . ش: أي امتنع عن الإسلام. م: (فإن أسلم تبقى) . ش: أي أم
الولد المذكورة. م: (على حالها له) . ش: أي لزفر. م: (أن إزالة الذل عنها
بعد ما أسلمت واجب وذلك بالبيع أو الإعتاق، وقد تعذر البيع) . ش: لأن أم
الولد لا يجوز بيعها. م: (فتعين الإعتاق) . ش: لإزالة ذلها. م: (ولنا أن
النظر من الجانبين) . ش: أي جانب أم الولد وجانب النصراني. م: (في جعلها
مكاتبة، لأنه يندفع الذي عنها لصيرورتها حرة يداً والضرر) . ش: أي ويندفع
الضرر. م: (عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلاً لشرف الحية فيصل الذمي إلى
بدل ملكه، أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى) . ش: أي تتكاسل. م: (في الكسب) .
ش: حاصل الكلام أنه لا يجوز أن يبطل ملك النصراني مجاناً، لأنه معصوم، فوجب
عليها السعاية فلا تعتق ما لم تؤد قيمتها، لأنها إذا عتقت فسعت بعد ذلك كما
هو مذهب زفر يؤدي إلى تعطل حق المولى لتوانيها في الكسب حينئذ، لحصول
الحرية قبل السعاية. وقلنا: تسعى ثم تعتق نظراً للجانبين، لأنها إذا سعت
تصل إلى شرف الحرية. وهي حرة يداً حال السعاية، ويصل المولى إلى بدل ملكه.
م: (ومالية أم الولد) . ش: جواب عما يقال كيف تسعى أم ولد النصراني،
والسعاية في القيمة دليل التقوم، وأم الولد ليست بمتقومة عند أبي حنيفة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأجاب بقوله ومالية أم الولد. م: (يعتقدها الذمي
متقومة، فيترك وما يعتقده) . ش: أي يترك الذمي مع ما يعتقده، والواو بمعنى
مع لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتركوهم وما يدينون. م: (ولأنها) . ش: أي
ولأن مالية أم الولد. م: (إن لم تكن متقومة فهي محترمة، وهذا) . ش: أي
كونها محترمة. م: (يكفي لوجوب الضمان) . ش: هذا جواب آخر عن السؤال
المذكور، واعترض عليه بأن الأمة أم لو كان كافياً لوجوب الضمان لوجب على
غاصب أم الولد. وأجيب بأن مبنى الضمان في الغصب على المماثلة ولا مماثلة
بين ماليتها لانتفاء تقومها، وبين ما يضمن به من المال المتقوم.
(6/101)
كما في القصاص المشترك إذا عفى أحد
الأولياء يجب المال للباقين، ولو مات مولاها عتقت بلا سعاية، لأنها أم ولد
له، ولو عجزت في حياته لا ترد قنة لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام
الموجب.
ومن استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له، وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصير أم ولد له، ولو استولدها بملك يمين ثم استحقت
ثم ملكها تصير أم ولد له عندنا، وله فيها قولان وهو ولد المغرور. له أنها
علقت برقيق فلا تكون أم ولد له، كما إذا علقت من الزنا، ثم ملكها الزاني،
وهذا لأن أمومية الولد باعتبار علوق الولد حرا، لأنه جزء الأم في تلك
الحالة، والجزء لا يخالف الكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كما في القصاص المشترك) . ش: يعني إذا كان القصاص مشتركاً بين جماعة.
م: (إذا عفى أحد الأولياء يجب المال للباقين) . ش: وإن لم يكن القصاص مالاً
متقوماً لكنه حق محترم، فجاز أن يكون موجباً للضمان لاحتباس نصيب الآخرين
عنده بعفو أحدهم.. م: (ولو مات مولاها) . ش: أي مولى أم ولد النصراني وهو
نصراني. م: (عتقت بلا سعاية لأنها أم ولد له) . ش: وليس عليها سعاية. م:
(ولو عجزت في حياته لا ترد قنة، لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام
الموجب) . ش: أي الموجب لكتابته. وهو إسلام الولد.
[استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها]
م: (ومن استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له) . ش: أي شرعا
لأنها كانت أم ولد حقيقة.. م: (وقال الشافعي لا تصير أم ولد له) . ش: وبه
قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد في رواية، وفي رواية كقولنا، وفي "
شرح الطحاوي ": فإن استولدها وهي في ملك الغير بنكاح ثم اشتراها مع الولد
أو بغير الولد صارت أم ولد له عندنا، خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وكذلك لو ثبت ولدها بوطء بشبهة ثم ملكها فهي أم ولد له من حين ملكها، إلا
من وقت العلوق عندنا، كذا في " التحفة "، وفائدة كونها أم ولد من وقت الملك
أنه لو ملك ولدها منه عتق عليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» ولو تملك ولدها من غيره لم يعتق، لأنه
بائن أم ولد له، وله بيعه لأن الاستيلاد ثبت فيها من حيث ملكها، وعند زفر
من ولد بعد ثبوت نسب ولدها منه ثم ملكه فهو ابن أم ولد له.. م: (ولو
استولدها بملك يمين ثم استحقت ثم ملكها تصير أم ولد له عندنا) . ش: خلافاً
للشافعي. م: (وله) . ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (في قولان) .
ش: في قول تصير أم ولد له، وفي قول لا تصير. م: (وهو ولد المغرور) . ش: من
يطأ امرأة معتمداً على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم يستحق ولده حر بالقيمة
يوم الخصومة.
م: (له) . ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أنها علقت برقيق فلا
تكون أم ولد له كما إذا علقت من الزنا ثم ملكها الزاني، وهذا) . ش: إشارة
إلى قوله - فلا تكون أم ولد -. م: (لأن أمومية الولد باعتبار علوق الولد
حراً) . ش: بأن استولدها في ملكه. م: (لأنه) . ش: أي لأن الولد. م: (جزء
الأم في تلك الحالة) . ش: أي في حالة العلوق. م: (والجزء لا يخالف الكل) .
ش: وفي صورة النكاح ليس كذلك،
(6/102)
ولنا أن السبب هو الجزئية على ما ذكرنا من
قبل، والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل واحد منهما
كملا، وقد ثبت النسب فتثبت الجزئية بهذه الواسطة بخلاف الزنا، لأنه لا نسب
فيه الولد إلى الزاني وإنما يعتق على الزاني إذا ملكه لأنه جزؤه حقيقة بغير
واسطة، نظيره من الزنا حيث لا يعتق عليه، لأنه ينسب إليه بواسطة نسبته إلى
الولد، وهي غير ثابتة،
وإذا وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه وصارت أم ولد له،
وعليه قيمتها وليس عليه عقرها، ولا قيمة ولدها، وقد ذكرنا المسألة بدلائلها
في كتاب النكاح من هذا الكتاب، وإنما لا يضمن قيمة الولد لأنه حر الأصل
لإسناد الملك إلى ما قبل الاستيلاد، وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت
النسب؛ لأنه لا ولاية للجد حال قيام الأب ولو كان الأب ميتا يثبت من الجد
كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن الأم رقيقة لمولاها في تلك الحالة، فلو انعقد الولد حراً. كان الجزء
مخالفاً للكل.
م: (ولنا أن السبب) . ش: أي سبب الاستيلاد. م: (هو الجزئية) . ش: الحاصلة
بين الوالدين. م: (على ما ذكرنا من قبل) . ش: إشارة إلى قوله في أول الباب
- لأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد -. م: (والجزئية
إنما تثبت بينهما) . ش: أي بين الواطئ والموطوءة. م: (بنسبة الولد إلى كل
منهما كملاً، وقد ثبت النسب) . ش: بالنكاح. م: (فثبت الجزئية بهذه الواسطة)
. ش: وإذا ثبتت الجزئية ثبتت أمومية الولد. م: (بخلاف الزنا) . ش: جواب عن
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا علقت بالزنا. م: (لأنه لا نسب
فيه) . ش: أي في الزنا. م: (الولد إلى الزاني) . ش: فلا تثبت الحرية
المعتبرة في الباب، وهي الجزئية الحكمية من نسبة الولد إلى الزاني كيف يعتق
عليه إذا ملكه.
فأجاب بقوله. م: (وإنما يعتق) . ش: أي الولد. م: (على الزاني إذا ملكه،
لأنه جزؤه حقيقة بغير واسطة) . ش: بخلاف أمومية الولد بالزنا، مثل من اشترى
أخاه من الزنا على ما هي، أشار إليه بقوله. م: (نظيره) . ش: أي نظير أم
الولد. م: (من الزنا حيث لا يعتق عليه) . ش: مثل من اشترى أخاه من الزنا لا
يعتق عليه. م: (لأنه) . ش: أي لأن الأخ. م: (ينسب إليه بواسطة نسبته إلى
الولد، وهي غير ثابتة) . ش: المراد بالأخ الأخ لأب، أما الأخ لأم فإنه يعتق
عليه إذا ملكه، وإن كان من الزنا، لأن النسبة بينهما ثابتة.
[وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه]
م: (وإذا وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه، وصارت أم ولد له
وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها، وقد ذكرنا المسألة بدلائلها
في كتاب النكاح) . ش: أي في آخر كتاب نكاح الرقيق، وأراد بالعقر مهر المثل.
وفي " المحيط " العقر قدر ما تستأجر هذه المرأة لو كان الاستئجار للزجر
حلالاً. م: (وإنما لا يضمن قيمة الولد، لأنه حر الأصل لإسناد الملك إلى ما
قبل الاستيلاد) . ش: ولأن الملك انتقل إلى الإيجاب قبيل الوطء.
م: (وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب، لأنه لا ولاية للجد حال
قيام الأب ولو كان الأب ميتاً يثبت من الجد كما يثبت نسبه من الأب لظهور
ولايته عند فقد الأب) . ش: وكذا إذا كان
(6/103)
يثبت نسبه من الأب لظهور ولايته عند فقد
الأب؛ وكفر الأب ورقه بمنزلة موته لأنه قاطع الولاية
وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه لأنه
ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ، لما أن
سببه لا يتجزأ وهو العلوق، إذ الولد الواحد لا يتعلق من مائين وصارت أم ولد
له؛ لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يصير نصيبه أم ولد له ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك ويضمن نصف
قيمتها؛ لأنه تملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد ويضمن نصف عقرها، لأنه
وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب
صاحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب حياً ولاية مثل أن يكون عبداً أو كافراً أو مجنوناً فالولاية للجد
فيصح دعوته، فإذا عادت ولاية الأب بأن أسلم أو أعتق أو فاق قبل الدعوة لم
تقبل دعوة الجد على ذلك.
ولو كان الأب مرتداً لم تصح دعوة الجد عندهما، لأن تصرفات المرتد نافذة
عندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - موقوفة قال: [إن أسلم الأب لم
تصح دعوة....] وإن مات على الردة أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه تصح. م:
(وكفر الأب ورقه بمنزلة موته، لأنه قاطع الولاية) . ش: أي لأن كل واحد من
الكفر والرق قاطع للولاية.
[الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما]
م: (وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما) . ش: سواء
ادعى في صحته أو مرضه. م: (ثبت نسبه منه لأنه لما ثبت النسب في نصفه
لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه) . ش: أي أن النسب. م: (لا يتجزأ
لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق، إذ الولد الواحد لا يتعلق من مائين،
وصارت أم ولد له لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يصير نصيبه أم ولد له، ثم تملك نصيب صاحبه، إذا هو قابل للملك) .
ش: لاستحالة أن يخلق الولد من ماء الرجلين وثبوت ما لا يتجزأ كثبوت كله،
ويضمن نصف قيمتها، لأنه يملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد، أي في
الجارية المذكورة لعدم التجزؤ، فيضمن نصف القيمة ويعتبر قيمة يوم وطئها،
فعلقت، وبه صرح الحاكم.
م: (ويضمن نصف عقرها، لأنه وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكماً) . ش: أي
من حيث الحكم. م: (للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه) . ش: إذ هو قابل
للملك. قال الأترازي: الضمير المنسوب راجع إلى الوطء لا إلى الاستيلاد، أي
سبب الملك عقيب الوطء، وهذا لأن الملك لا يثبت عقيب الاستيلاد بل يثبت معه
من وقت العلوق، والعلوق بعد الوطء، فيكون الملك بعد الوطء، فيكون الوطء
مضافاً لنصيب شريكه أيضاً. ثم قال الأترازي: وظن بعض الشارحين أن الضمير
يرجع إلى الاستيلاد، فقال وهذا على اختيار بعض المشايخ، وأما الأصح من
المذهب فالحكم مع علته يفترقان.
قلت: أراد ببعض الشارحين صاحب " النهاية ". وقال الأترازي: وذلك ليس بشيء،
لأن
(6/104)
بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه لأن
الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه فصارا واطئا ملك نفسه، ولا يغرم
قيمة ولدها، لأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يتعلق شيء منه على
ملك الشريك. فإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما، معناه إذا حملت على ملكهما.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع إلى قول القافة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحب " النهاية " لم يجز ذلك المذهب بدليل أنه يثبت الملك من زمان
الاستيلاد عقيب الاستيلاد ألا ترى أنه قال: ولا يغرم قيمة ولدها، لأن النسب
يثبت مستنداً إلى وقت العلوق فلم يبق منه شيء على ملك الشريك، فعلم أن ملك
الشريك انتقل إلى صاحب الدعوة من زمان العلوق، وهو زمان الاستيلاد لا بعده.
وقال الأكمل: يجوز أن يكون مراده بالتعقيب الذاتي لا الزماني، وحينئذ يكون
قادراً على الأصح من المذهب.
م: (بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه) . ش: حيث لا يلزمه العقر. م: (لأن
الملك هنالك يثبت شرطاً للاستيلاد) . ش: أي لثبوته. م: (فيتقدمه) . ش: أي
فيتقدم ملك الاستيلاد، أي فإن قيل: الملك أثبت صورة الاستيلاد، فيثبت
سابقاً على العلوق في حق الاستيلاد لا في حق غيره، لأن ما ثبت بالضرورة
يتقدر بقدرها. قلنا: الاستيلاد عبارة. م: (فصار واطئاً ملك نفسه) . ش: وهذه
التفرقة بين الشريك والد من حيث إن ملك الشريك في النصف قائم، وفيه العلوق
وذلك يكفي للاستيلاد، فيجعل تملك نصيب صاحبه حكماً للاستيلاد، فيكون الوطء
واقعاً في غير ملكه، وذلك يوجب الحد، لكنه سقط لشبهة الشركة، فيجب العقر.
وأما الأب فلم يكن له ملك في الجارية، وقد استولدها فيجعل ملكها شرطاً
للاستيلاد في ملكه حملاً لأمره على الصحاح، فيكون الوطء في ملكه، والوطء في
ملكه لا يوجب العقر. م: (ولا يغرم) . ش: أي الشريك للمدعي. م: (قيمة ولدها)
. ش: أي ولد الجارية المشتركة. م: (لأن النسب يثبت مستنداً إلى وقت العلوق،
فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك) . ش: لأنه لما علق العلق حر الأصل، لأن
نصفه المعلق على ملكه، وإنه يمنع ثبوت الرق فيه.. م: (فإن ادعياه معاً) .
ش: أي فإن ادعى الشريكان الولد مجتمعين. م: (ثبت نسبه منهما) . ش: أي من
الشريكين، هذا لفظ القدوري. وقال المصنف:. م: (معناه) . ش: أي معنى قول
القدوري. م: (ثبت نسبه منهما إذا حملت على ملكهما) . ش: فإن ولدت لستة أشهر
منذ اشتراها فولدت ولداً، كذا فسره العتابي في شرح " الجامع الصغير "،
تفسير الحمل على ملكهما، لأنه إذا لم يكن العلوق في ملكهما، بأن ولدت لأقل
من ستة أشهر من وقت الشراء كان دعوى تحرير لا دعوى استيلاد، فيعتق الولد
ولا يثبت الاستيلاد، ولأن دعوى الاستيلاد إذا لم يكن العلوق في ملك المدعي
وتشهد الحرية فيها إلى وقت العلوق، ودعوى التحرير أن لا يكون العلوق في
الملك المدعى تفتقر الحرية فيها إلى وقت الدعوى.
م: (وقال الشافعي: يرجع إلى قول القافة) . ش: بلفظ المبني للمفعول، والقافة
بالقاف، والفاء المخففة، جمع القائف، كالحاكة في جمع الحائك، والقائف: هو
الذي يعرف الآثار ويتبعها،
(6/105)
لأن إثبات النسب من شخصين معا مع علمنا أن
الولد لا يتخلق من مائين متعذر، فعملنا بالشبه، وقد سر رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقول القائف في أسامة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، ولنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى شريح في هذه
الحادثة: لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما، وهو ابنهما يرثهما ويرثانه،
وهو للباقي منهما، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويعرف شبه الرجل في ولده وأخيه، من قاف أثره يقوفه. مقلوب، يقال: يقفوه، أي
تبعه، ثم " القافية " مشهورة في بني مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة بن
خزيمة. وقيل: " القافية " في أسد. وبقول الشافعي قال أحمد، وقال مالك: يعمل
به في الإماء دون الحرائر. وبقولنا قال الثوري وإسحاق بن راهويه.
م: (لأن إثبات النسب من شخصين معاً مع علمنا أن الولد لا يتخلق من مائين
متعذر، فعملنا بالشبه، وقد سر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بقول القائف في أسامة بن زيد) . ش: هذا أخرجه الأئمة الستة في
كتبهم عن سفيان بن عتبة عن الزهري عن عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا - قالت: دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ذات يوم مسروراً، فقال: يا عائشة أتدري أن محرزاً المدلجي دخل
علي وعندي أسامة بن زيد وزيداً عليهما قطيفة، وقد غطى إياه رؤوسهما فبدت
أقدامهما، فقال: هذه أقدام بعضها من بعض» قال أبو داود: وكان أسامة أسود،
وكان زيد أبيض، وسمي محرز محرزاً، لأنه كان إذا أمر أحد حلق لحيته وقيل حرز
ناصيته، وقال الشافعي: لو كان العمل بالشبه باطلاً لما سر به رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يسر
إلا للحق.
م: (ولنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى شريح) . ش: وهو شريح بن
الحارث الكوفي، قاضي الكوفة من كبار التابعين، عاش مائة وعشرين سنة، واستقر
بها زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - على الكوفة، ولم يزل بعد
ذلك قاضياً خمساً وسبعين سنة ولم يتعطل عنها إلا ثلاث سنين؛ امتنع فيها من
القضاء في فتنة ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ومات سنة
تسع وسبعين، ويقال: سنة ثمانين. م: (في هذه الحادثة) . ش: وهي التي كانت
فيها دعوى الشريكين مع الولد الذي ولدته الجارية المشتركة بينهما. م:
(لبسا) . ش: أي الشريكان، من لبس الأمر على فلان تلبساً إذا غماه عليه. م:
(فلبس عليهما) . ش: أي النسب بينهما م: (ولو بينا لبين لهما، وهو ابنهما
يرثهما ويرثانه، وهو للباقي منهما) ش: أي الولد للباقي من الشريكين، يعني
إذا مات الولد بعد موت أحدهما يكون الميراث للأب الحي، ولا شيء لورثة
الشريك.
م: (وكان ذلك بمحضر من الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ") . ش: أراد
به إرادة في سرير المجمع عليه. وقال الأترازي: تحل محل الإجماع، والحديث
رواه البيهقي، أخرجه عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمرو وجابر وطئا جارية
في شهر واحد فجاءت بغلام فارتفعا إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- فدعى بثلاثة من القافة فاجتمعوا على أن الشبهة بينهما جمعاً، وكان عمر
(6/106)
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثل
ذلك، ولأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا
يتجزأ ولكن تتعلق به أحكام متجزئة، فيما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على
التجزئة، وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما كملا كأن ليس معه غيره،
إلا إذا كان أحد الشريكين أبا للآخر، أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا
لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام، وفي حق الأب وهو ماله من الحق في
نصيب الابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قائفاً يقول، وقال: قد كانت الكلبة تنزو عليها الأسود والأصفر والأغبر،
فيؤدي إلى كل كلب شبهه، ولم أكن أرى هذا في الناس حتى رأيت هذا، فجعله عمر
لهما يرثهما ويرثانه، وهو الباقي منهما. وقال البيهقي: هذا منقطع ومبارك بن
فضالة ليس بحجة.
م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مثل ذلك) . ش: أي مثل لما
روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأخرجه الطحاوي في " شرح
الآثار " عن سماك عن مولى لابن مخزوم قال: وقع رجلان على جارية في طهر
واحد، فعلقت الجارية، فلم يدر من إليهما هو فقافيا علياً - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ -، فقال: هو لكما يرثكما وترثانه، وهو الباقي منكما. م:
(ولأنهما) . ش: أي الشريكان. م: (استويا في سبب الاستحقاق) . ش: أراد
السبب، لأن الاستحقاق يثبت لا بالملك كان ثابتاً من قبل فلو لم تكن الدعوى
ما كان يستحق بمجرد الملك انتهى.
قلت: رواه الكاكي، فإنه قال سبب استحقاق الملك. وقال الأكمل: استحقاق الملك
وقيل الدعوى. م: (فيستويان فيه) . ش: أي في الاستحقاق.
م: (والنسب وإن كان لا يتجزأ) . ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- لأن إثبات النسب إلى آخره، وتقريره أن النسب وإن كان لا يتجزأ. م: (ولكن
تتعلق به أحكام متجزئة) . ش: كالنفقة وميراث الولد وولاية التصرف في ماله.
م: (فيما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة ما لا يقبلها) . ش: أي
التجزئة. م: (يثبت) . ش: وولاية الإنكاح. م: (في حق كل واحد منهما كملاً
كأن ليس معه غيره) . ش: لعدم قبول التجزئة.
م: (إلا إذا كان أحد الشريكين أباً للآخر) . ش: هذا استثناء من قوله - وما
لا يقبلها - أي ما لا يقبل التجزئة كالنسب في حق كل واحد منهما إلا إذا كان
أحد الشريكين أباً للآخر فادعيا معاً ولد جارية بينهما يكون الأب أولى
لوجود الترجيح، وعلى الأب نصف قيمة الجارية، وعلى كل واحد نصف العقر،
فيتقاصان.
م: (أو كان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً) . ش: فادعياه معاً، فالمسلم أولى.
م: (لوجود المرجح في حق المسلم، وهو الإسلام، وفي حق الأب) . ش: أي وجود
المرجح في حق الأب. م: (وهو ما له من الحق في نصيب الابن) . ش: لأن للأب
حقيقة الملك في نصيبه وشبهة الملك في نصيب ابنه، وإذا أسلم المدعي ثم ولدت
الأمة فادعياه معاً ثبت نسبه منهما لاستواء حالهما، وإذا كانت الدعوى
(6/107)
وسرور النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما
روي؛ لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة، وكان قول القائف مقطعا لطعنهم
فسر به، وكانت الأمة أم ولدهما لصحة دعوة كل واحد منهما في نصيبه في الولد،
فيصير نصيبه منها أم ولد تبعا لولدها، وعلى كل واحد منهما نصف العقر قصاصا
بما له على الآخر، ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل لأنه أقر له
بميراثه كله، وهو حجة في حقه، ويرثان منه ميراث أب واحد لاستوائهما في
النسب كما إذا أقاما البينة.
وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه، فإن صدقه المكاتب ثبت نسب
الولد منه، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتبر تصديقه اعتبارا
بالأب يدعي ولد جارية ابنه، ووجه الظاهر وهو الفرق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من ذمي ومرتد فالولد للمرتد، لأنه أقرب إلى الإسلام وغرم كل واحد لصاحبه
نصف العقر، كذا في " الشامل ".
ثم اعلم أن النسب يثبت من اثنين باتفاق أصحابنا، وفيما فسرت ذلك اختلفوا،
فعن أبي حنيفة من اثنين فقط. وقال محمد: من ثلاثة لا غير. م: (وسرور النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ش: هذا جواب لاحتجاج الخصم بقوله
وقد سر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقول يقول " القائف "
تقرير أن رسول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (فيما روي)
. ش: يجوز على صيغة المعلوم أي فيما روى الشافعي ويجوز على صيغة المجهول.
م: (لأن الكفار كانوا يطعنون) . ش: بضم العين من باب نصر، يقال طعن عليه في
حسبه طعنا وطعانا. م: (في نسب أسامة، وكان قول القائف مقطعها لطعنهم فسر
به) . ش: أي فلأجل ذلك فسر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-. م: (وكانت الأمة أم ولدهما) . ش: أي للشريكين. م: (لصحة دعوى كل واحد
منهما في نصيبه من الولد، فيصير نسبه منهما أم ولد له تبعاً لولدها وعلى كل
واحد منهما نصف العقر قصاصاً بما له على الآخر) . ش: بفتح اللام، أي بالذي
له. م: (ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، لأنه أقر له بميراثه
كله، وهو حجة في حقه، ويرثان منه ميراث أب واحد لاستوائهما في النسب) . ش:
وهو الدعوى. م: (كما إذا أقاما البينة) . ش: أي كل واحد وعلى أب مجهول
النسب يكون ذلك بينهما، فكذا هذا.
[وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه]
م: (وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه، فإن صدقه المكاتب ثبت
نسب الولد منه، وعن أبي يوسف أنه لا يعتبر تصديقه) . ش: أي تصديق المكاتب
يعني يثبت النسب بمجرد دعوى المولى. م: (اعتباراً بالأب يدعي ولد جارية
ابنه) . ش: وقد حملت في ملك الابن لا يشترط التصديق، بل يثبت النسب بمجرد
دعوى الأب فكذا هنا بل أولى لأن دعوة المولى أقوى من دعوى الأب، لأن المولى
له حق في مكاتب المكاتب، لأن مال الكتابة موقوف على مولاه، لأن المكاتب عبد
ما بقي عليه درهم.
م: (ووجه الظاهر وهو الفرق) . ش: بين استيلاد جارية الابن حيث يثبت فيه
النسب بغير
(6/108)
أن المولى لا يملك التصرف في اكتساب مكاتبه
حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه، فلا يعتبر تصديق الابن، وعليه عقرها لأنه
لا يتقدمه الملك لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد، لما نذكره، وقيمة
ولدها لأنه في معنى المغرور حيث إنه اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض
برقه، فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه، ولا تصير الجارية أم ولد له لأنه
لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور. وإن كذبه المكاتب في النسب لم
يثبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تصديق، وجارية المكاتب حيث يشترط فيها التصديق. م: (أن المولى لا يملك
التصرف في اكتساب مكاتبه) . ش: لحجره على نفسه. م: (حتى لا يتملكه) . ش: أي
لا يتملك كسب المكاتب عند الحاجة. م: (والأب يملك تملكه) . ش: أي تملك مال
ابنه، لأنه لم يحجر على نصيبه. م: (فلا يعتبر تصديق الابن، وعليه عقرها) .
ش: أي وعلى المولى عقر جارية المكاتب. م: (لأنه لا يتقدمه الملك) . ش: قال
الأكمل: لأن الملك لا يتقدم الأصلي.
قال الأترازي: الضمير المنصوب راجع إلى الوطء الذي دل عليه قوله وطئ. م:
(لأن ما له من الحق كاف) . ش: أي لأن ماله من حق الملك كاف. م: (لصحة
الاستيلاد لما نذكره) . ش: أي نذكر الحق الذي للمولى على المكاتب، لأنه في
مال المكاتب.
قال الأترازي: في قول صاحب " الهداية " نظر، لأنه قال ماله من الحق كاف
لصحة الاستيلاد، أي ما ثبت للمولى من الحق كاف لصحة الاستيلاد، والمفهوم
منه ثبوت الاستيلاد جارية المكاتب والمنصوص في الكتب عن أصحابنا أن
الاستيلاد لا يثبت وهو نفسه يصرح بهذا أيضاً بعد خطين بقوله - ولا تصير
الجارية أم ولده - أي للمولى، فإذا لم تصر الجارية أم ولد له من ابن يصح
الاستيلاد، انتهى. وقال الأكمل بعد أن نقل كلام الأترازي برمته فقال: قيل
في كلام المصنف نظر، ثم قال: والجواب أن دلالة لفظ الاستيلاد على طلب نسب
الولد أقوى من دلالته على كونه أم ولد فكأن المراد بقوله - لصحة الاستيلاد
- لصحة نسب الولد، لدلالة ما بعده، فإن المصنف أجل قدراً من أن يقع بين
كلاميه في سطرين تناقض، وفيه تأمل معطوف على قوله يقرها. قال:. م: (وقيمة
ولدها لأنه في معنى المغرور حيث اعتمد دليلاً وهو أنه) . ش: أي أن الولد.
م: (كسبه فلم يرض برقه) . ش: فيكون جواباً لقيمته دفعاً للضرر عن المكاتب
ثابت النسب، أي ولا تصير الجارية أم ولد له، أي للمولى، لأنه لا تملك له
فيها حقيقة كما في ولد المغرور.
قال الأترازي: كان ينبغي أن يقول كما في المغرور بلا ذكر الولد على معنى أن
الجارية لا تصير أم ولد للمغرور لعدم الملك فيها، وهذا هو حق الكلام، أما
قوله: كما في ولد المغرور متعلق بقوله. م: (فيكون حرا بالقيمة ثابت بالنسب
منه) . ش: وحينئذ لا بد من ذكر الولد، وعلى تقديرين أن يكون متعلقاً بقوله.
م: (لا تصير الجارية أم ولد له، لأنه لا ملك له فيها حقيقة) . ش: تقديره.
م: (كما في ولد المغرور، فإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت) . ش: هذا
معطوف على قوله - فإن صدقه المكاتب -
(6/109)
لما بينا أنه لا بد من تصديقه، فلو ملكه
يوما ثبت نسبه منه لقيام الموجب وزوال حق المكاتب إذ هو المانع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لما بينا أنه لا بد من تصديقه فلو ملكه يوماً) . ش: يعني لو ملك المولى
بعد تكذيب المكاتب بمولاه. م: (ثبت نسبه منه لقيام الموجب) . ش: وهو
الإقرار بالاستيلاد. م: (وزوال حق المكاتب إذ هو المانع) . ش: وقد زال ذلك
بالنقل إلى الموت فيثبت النسب لزوال المانع والله أعلم.
فروع: وفي " التكملة " ولا يحل للمولى وطء مكاتبته. ولو وطئها فعليه عقر.
وفي " الإسبيجابي " لو علقت منه كان بالخيار إن شاء عجزت نفسها فصارت أم
ولد، وإن شاءت مضت على الكتابة وأخذت عقرها، وفي " التنبيه " يلزمه عقرها،
وإن أحلها تصير أم ولد له، فإن أدت الكتابة عتقت وتعتق بموت سيدها أيضا.
وفي " المغني ": ووطء المكاتب بغير شرط حرام عند الجمهور والأئمة الأربعة،
ولو شرط وطأها فهو باطل أيضاً عند الجمهور. وقال أحمد وابن المسيب: له ذلك
عند الشرط، ولا حد عليه عند أهل العلم. وعن الحسن والزهري يحد. ولو وطئ
جارية مكاتبه فعليه عقرها، وهو قول الشافعي وأحمد. وقال مالك: لا شيء عليه،
لأنها ملكه. وفي " المحيط " يجوز إعتاق أم الولد، وكتابتها لتعجيل الحرية،
وكذا تدبيرها، وفي غيرها لا يصح تدبيرها.
وفي " جوامع الفقه ": استولد مدبرة التدبير وتعق عن جميع المال، ولا تسعى
في الدين. ولو باع خدمة أم الولد منها جاز، وعتقت كما لو باع رقبة العبد
منه هكذا رواه ابن سماعة عن أبي يوسف بيع الخدمة باطل ولا تعتق، بخلاف
رقبتها منها حيث تعتق. ولو ولدت جارية منه وقال لمولاها أصلها لي والولد
ولدي، وصدقه المولى في الإحلال، وكذبه في الولد ثبت نسبه، وصارت أم ولد له،
ولو صدقه في الولد ثبت نسبه وهو عبد لمولاه، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(6/110)
|