البناية شرح الهداية

باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا قال: واليمين بالله تعالى أو باسم آخر من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه، لأن الحلف بها متعارف،
ومعنى اليمين وهو القوة حاصل، لأنه يعتقد تعظيم الله وصفاته، فصلح ذكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا] [اليمين بالله أو باسم آخر من أسماء الله عز وجل]
م: (باب ما يكون يميناً وما لا يكون يميناً)
ش: أي هذا باب في بيان ما يكون يميناً من الألفاظ وما لا يكون يميناً
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (واليمين بالله) . ش: أي بلفظ الله لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» رواه مالك في الموطأ. م: (أو باسم آخر) . ش: أي اليمين باسم آخر. م: (من أسماء الله - عز وجل - كالرحمن والرحيم) . ش: قال الكاكي ثم جميع أسماء الله تعالى في ذلك سواء يفارق الناس الحلف به أولاً، وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح، وبه قال مالك وأحمد والشافعي وقوله للحديث المذكور.
والحلف بجميع أسمائه حلف بالله. وذكر شمس الأئمة البيهقي في " الشامل "، ثم اليمين اسم آخر من أسماء الله تعالى إذا كان اسماً لا يشارك فيه غيره يكون يميناً، لأنه لا يحتمل غير اليمين.
ولو حلف باسم يشارك فيه غيره كالحكم والعزيز إن نوى به يكون يميناً، وإلا فلا لأنه يحتمل وسوى في " التحفة " بين أن يكون اسماً خاصاً لله تعالى، أو اسماً يشارك فيه غيره. وقال الأترازي: فيه نظر لأنه بالإجمال لا يتعين اسم الله مراداً.
م: (أو بصفة) . ش: أي اليمين بصفة. م: من صفاته التي يحلف بها عرفاً كعزة الله وجلاله وكبريائه، لأن الحلف بها متعارف) . ش: أي الحلف بصفة من صفاته متعارف المراد بالصفة هي الحقيقة وهي المعنى القائم بالذات اسماً لعزة ونحوها لا لصفة ألحق به كقولك مررت برجل قائم، قال الأترازي: ثم صفاته تعالى إن كان من صفات الذات يجوز اليمين بها، وإن كانت من صفات الفعل، فلا يجوز اليمين بها. والفصل بينهما أن كل ما لا يجوز أن يوصف الله بضده فهي من صفات الذات كعزة الله تعالى وجلاله وكبريائه وقدرته إلا العلم فإن اليمين به لا يجوز لجواز إرادة المعلوم كما قال الله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] [البقرة الآية: 255] ، أي من معلوماته، كذا قال الزمخشري. وكل ما يجوز أن يوصف الله عز وجل بضده، فهي من صفات الفعل كالرحمة والغضب والسخط عليها على ما يجيء الآن.

[الحلف بصفات الذات كالقدرة والعظمة]
م: (ومعنى اليمين وهو القوة حاصل) . ش: أي في صفاته التي علق بها عرفاً. م: (لأنه) . ش: أي لأن الحالف. م: (يعتقد بعظمة الله وصفاته فصلح ذكره) . ش: أي ذكر الحالف اسم الله تعالى وصفاته

(6/120)


حاملا ومانعا.
قال: إلا قوله وعلم الله، فإنه لا يكون يمينا لأنه غير متعارف، ولأنه يذكر ويراد به المعلوم، يقال: اللهم اغفر علمك فينا، أي معلوماتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صلح. م: (حاملاً) . ش: على اليمين. م: (ومانعاً) . ش: حاصل الكلام أن يقال إن مبنى الأيمان على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يميناً وإلا فلا وهو اختيار مشايخ ما وراء النهر لأن اليمين إنما يعتقد للحمل أو المنع.
وذا إنما يكون بما يعتقد الحالف تعظيمه، وكل مؤمن يعتقد بعظمة الله وصفاته، إذ هو معظم بجميع أسمائه وصفاته، فصارت حرمة ذاته وصفاته حاملاً أو مانعاً على ما قصد الحالف نفياً وإثباتاً.
وفي " المبسوط " قال مشايخنا العراقيون الحلف بصفات الذات كالقدرة والعظمة والعزة والجلال والكبرياء غير، والحلف بصفات الفعل كالرحمة والسخط والغضب، ولا يكون يميناً، وقالوا ذكر صفات الذات لذكر الذات وذكر صفات الفعل ليس لذكر الذات، والحلف بالله مشروع دون غيره.
وعلى هذا ينبغي أن يكون وعلم الله، يميناً، لأنه من صفات الذات ولكنهم تركوا هذا القياس، لأن العلم يذكر ويراد به المعلوم بجميع.

[قال وعلم الله أو قدرة الله تعالى ونوى به اليمين أو أطلق]
م: (قال إلا قوله وعلم الله) . ش: وفي بعض النسخ قال، أي القدوري إلا قوله وعلم الله، وهذا مستثنى منقطع من قوله - أو بصفة من صفاته - التي يحلف بها عرفاً. م: (فإنه) . ش: أي فإن الحلف بعلم الله. م: (لا يكون يميناً، لأنه غير متعارف) . ش: لأن اليمين إذا لم يكن متعارفاً كان استثناء عن العرف منقطعاً.
وقال الشيخ أبو نصر: هذا الذي ذكره القدوري استحساناً، والقياس أن يكون يميناً، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قلت: قال الشافعي: إذا قال وعلم الله أو قدرة الله تعالى، ونوى به اليمين أو أطلق فهو يمين، ولو قال أردت المعلوم أو المقدور لم يكن يميناً، وكذا في خلق الله وزرق الله لم يكن يميناً بلا نية وقال مالك: لا ينعقد اليمين بصفات الفعل، وبه قال أحمد في رواية لأنه مشترك، ومع الاشتراك حرمة له فلا ينعقد اليمين به، وعن أحمد في القدرة مثل قولنا.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن العلم. م: (يذكر ويراد به المعلوم، يقال اللهم اغفر علمك فينا أي معلوماتك) .
ش: فإن قلت: على هذه القدرة فإنها تصح بها اليمين مع صحة إرادة المقدور، وبهذا يقال انظر إلى قدرة الله تعالى.
قلت: لا نسلم لأن المقدور بالموجود خرج أن يكون مقدوراً، لأن التحصيل محل، فلم

(6/121)


ولو قال وغضب الله وسخطه لم يكن حالفا، وكذا ورحمة الله، لأن الحلف بهما غير متعارف، ولأن الرحمة قد يراد بها أثرها وهو المطر أو الجنة والغضب والسخط يراد بهما العقوبة.
ومن حلف بغير الله لم يكن حالفا كالنبي والكعبة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر» . وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتمل إرادة بالحلف وقيل الموجود معدوم ولا تعارف في الحلف بالمعدوم، فكان المراد بالحلف بالقدرة هي الصفة القائمة بذات الله تعالى، بخلاف العلم إذا أريد به المعلوم، حيث لا يخرج المعلوم عن أن يكون معلوماً بالموجود، فظهر الفرق بين العلم والقدرة.

[قال وغضب الله وسخطه]
م: (ولو قال وغضب الله وسخطه لم يكن حالفاً) . ش: وكذا إذا قال وعذاب الله أو ثوابه أو رضاه، وبه صرح الحاكم في " الكافي " م: (وكذا) . ش: أي وكذا ليس يمين إذا قال. م: (ورحمة الله لأن الحلف بهما) . ش: أي بغضب الله وبرحمته. م: (غير متعارف) . ش: لأن الأصل أن كل ما يتعارفه العرف يميناً ولم يرد به النهي في الشريعة كان يميناً وكل ما لا يتعارفه العرف يميناً لا يكون يميناً. م: (ولأن الرحمة قد) . ش: يذكر. م: (يراد بها أثرها وهو المطر) . ش: قيل هذا منقوض، بقدرة الله تعالى فإنه يقال انظر إلى قدرة الله تعالى، والمراد أثره، [....
... ] ، ومع ذلك يحلف بها. م: (أو الجنة) . ش: أي يذكر الرحمة ويرد بها الجنة، قال الله عز وجل {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] .
م: (والغضب) . ش: مبتدأ. م: (والسخط) . ش: عطف عليه وقوله. م: (يراد بهما العقوبة) . ش: خبر المبتدأ، ولو قال وأمانة الله يكون يميناً، لأن معناه والله اليمين، وأنه من صفات ذاته، كذا في " الشامل " وهذا الخلاف ما ذكره صاحب " التحفة " عن الطحاوي أنه لا يكون يميناً، وإن نوى بخلاف ما روي عن أبي يوسف أنه لا يكون يميناً، وهو الأصح لما روي عن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف بالأمانة فليس منا» ، وهو الأصح.

[حلف بالنبي وبالكعبة]
م: (ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً كالنبي والكعبة) . ش: أي قال والنبي لا أفعل هذا والكعبة كذلك. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من كان منكم حالفاً فليحف بالله أو ليذر» . ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي عن نافع «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدركه في ركب وهو يحلف بأبيه، فقال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت " ولفظ الصحيحين: " أو ليصمت» وقال مخرج الأحاديث. عجب من الشيخ زكي الدين كيف عزاه للنسائي وترك الترمذي والنسائي لم يذكر، وذكره برمته.
م: (وكذا إذا حلف بالقرآن) . ش: لا يكون يميناً. م: (لأنه غير متعارف) . ش: لأنه يراد به المقدور هو غير الله تعالى. وقال الشافعي ظني ليس ينبغي أن يحلف رجل بتوريته من كتاب الله تعالى ولا بالقرآن ولا بالكعبة، ولا بالصلاة ولا بالصيام ولا شيء من طاعات الله عز وجل.
قال الأترازي: أنه لو حلف فقال والصلاة لا أفعل، كذا كان قد حلف بغير الله. وقال أبو

(6/122)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن يقول: والنبي والقرآن، أما لو قال: أنا بريء منهما يكون يمينا، لأن التبري منهما كفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوسف: إن قال والرحمن لا أفعل كذا، وعنى به سورة الرحمن لا حنث عليه كذا ذكره الناطفي في " الأجناس ". وكذلك لو قال والرسول والنبي والمسجد الحرام وبيت الله لا يكون يميناً، كذا في " شرح الطحاوي "، وقال في " الكافي " وما اعتاده الناس من الحلف مجاز [تووسرتوا] .
فإن اعتقد أنه حلف وأن البر به واجب يكفر كذا في " محاسن الشرائع "، وفي " التتمة " قال علي الرازي: أخاف على من قال بحياتي وحياتي، وما أشبه ذلك أنه يكفر، ولولا أن العامة يقولون ولا يعلمونه، لعله أنه شرك، لأنه لا يمين إلا بالله، فإذا حلف بغير الله فكأنه أشرك معه غيره.
وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، ثم الحلف بالكعبة والنبي والقرآن والعرش والكرسي وما أشبه ذلك لا ينعقد عند الجمهور. وعن أحمد ينعقد اليمين بالحلف بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في رواية وعن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فإن قيل: إن الله تعالى أقسم بغير ذاته وصفاته لقوله والشمس والليل، والضحى ونحو ذلك كثر في القرآن قلنا. الله تعالى ولاية الإيجاد والأمر والنهي والتعظيم والتحقير، وله أن يثبت الحرمة لمن شاء، وليس للعبد ذلك بل عليه أن ينتهي عما نهاه الله تعالى عنه. وقد نهى الله تعالى أن يحلف بغيره.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معناه) . ش: أي قال المصنف معنى قول الحالف بالقرآن أو بالنبي. م: (أن يقول والنبي والقرآن) . ش: لا أفعل كذا. م: (أما لو قال أنا بريء من النبي أو من القرآن يكون يميناً لأن التبري منهما) . ش: أي من النبي والقرآن. م: (كفر) . ش: وكذا إذا قال هو بريء من الصلاة والصوم يكون يميناً عندنا، خلافاً للشافعي.
وكذا إذا قال هو بريء من الإسلام إن فعل كذا، خلافاً للشافعي، وعليه نص في " شرح الطحاوي ". وقال في " النوازل ": إن قال والكتب الأربعة فليس هذا يمين، وإن قال هو أنا بريء من الكتب الأربعة فعليه كفارة يمين واحدة وإن قال أنا بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور، وبريء من القرآن وجبت عليه أربع كفارات. وقال في " خلاصة الفتاوى " ولو

(6/123)


قال: والحلف بحروف القسم، وحروف القسم الواو كقوله والله. والباء كقوله بالله، والتاء كقوله تالله، لأن كل ذلك معهود في الأيمان ومذكور في القرآن
وقد يضمر الحرف، فيكون حالفا كقوله: الله لا أفعل كذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال بحرمته شهد الله ولا إله إلا الله لا يكون يميناً.
وقال في فتاوى " الولوالجي ": رجل رفع كتاباً من كتب الفقه أو دفتر حساب فيها مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال أنا بريء مما فيه إن دخلت، فدخل تلزمه الكفارة لأنه يمين بالله تعالى. ولو قال أنا بريء من المصحف لا يكون يميناً، لأن المصحف جلد وأوراق.
ولو قال أنا بريء مما في المصحف يكون يميناً لأن ما في المصحف قرآن، ولو قال أنا بريء من الحجة التي حججت أو من الصلاة التي صليت فليس بيمين، بخلاف ما لو قال أنا بريء من القرآن الذي تعلمته فإنه يمين، ولو قال أنا بريء من شهر رمضان وأراد به البراءة من فرضيته فهو يمين، ولو أراد به البراءة عن آخرها لا يكون يميناً، وإن لم يكن له نية لا يكون يميناً.

[الحلف بحروف القسم]
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (والحلف بحروف القسم) . ش: أي الحلف يكون بحروف القسم. م: (وحروف القسم) . ش: ثلاثة، أحدها. م: (الواو، كقوله والله، والباء) . ش: أي الثاني حرف الباء. م: (كقوله بالله والتاء) . ش: الثالث حرف التاء. م: (كقوله تالله) . ش: الأصل فيها الباء الموحدة، لأنها للإلصاق، وهي تضيف الحلف إلى المحلوف به في قولك أحلف بالله، ثم يحذف الفعل تخفيفاً، ويكتفي بحرف القسم ويبدل منها الواو، لمناسبة بينهما لأن وضعها للجمع وفي الجمع معنى الإلصاق. ثم يبدل من الواو التاء لمناسبة بينهما، لأنهما من حروف الزوائد كما في تراث أصله وارث وحجة أصلها وحمه، وبما كانت الباء أصلاً دخلت في اسم الله وغيره في المظهر لما كانت بدلاً، والمضمر والواو معاً البدل انحطت بدرجة حيث لم يدخل في المظهر والمضمر جميعاً انحطت بدرجة حيث دخلت في المظهر دون المضمر، والتاء لما كانت بدلاً على اسم الله تعالى وحده. وقال عبد القادر حكاه أبو الحسن من قولهم ترى فشاذ لا يؤخذ به.
م: (لأن كل ذلك) . ش: أي المذكور من الحروف. م: (معهود في الأيمان) . ش: التي تستعمل بين الناس. م: (ومذكور في القرآن) . ش: كقوله تعالى: {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] [لقمان الآية: 13] ، وكقوله تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] [الأنعام الآية 23] ، وكقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] [الأنبياء الآية 57] .

[إضمار حروف القسم في اليمين]
م: (وقد تضمر حروف القسم، فيكون حالفاً كقوله الله لا أفعل كذا) . ش: فإن حرف القسم أضمر في قوله الله لا أفعل كذا، فإن أصله والله لا أفعل كذا، أو أراد بقوله فيكون حالفاً أن إضمار حرف القسم وإظهاره سواء في تحقيق اليمين، ثم أشار إلى وجه الإضمار بقوله. م: (لأن

(6/124)


لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازاً. ثم قيل ينصب لانتزاع حرف خافض. وقيل: يخفض فتكون الكسرة دالة على المحذوف. وكذا إذا قال: لله في المختار، لأن الباء تبدل بها، قال الله تعالى: {آمنتم له} [طه: 71] (طه: الآية 71) ، أي آمنتم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حذف الحرف من عادة العرب إيجازاً) . ش: أي لإيجاز، أي الاختصار، لأنه مطلوب في كلامهم، ثم إن المصنف ذكر لفظ الإضمار في الرواية وذكر لفظ الحذف في التعليل بطريق المسامحة لما أن بين الإضمار والحذف فرقاً، فإن في الضمير ما يبقى أثره نحو قوله: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] [النساء الآية 171] ، أي يكون الانتهاء خيراً لكم، والمحذوف ما لا يبقى أثره نحو قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] [يوسف الآية: 82] .
م: (ثم قيل ينصب لانتزاع حرف خافض) . ش: أراد بهذا إلى بيان الخلاف في وجه النصب والخفض في لفظ القسم به بعد حرف القسم، فقيل ينصب، وهو قول البصريين، وعلل وجه النصب بقوله الانتزاع حرف خافض، وهو حرف القسم، لأن الأصل الله لا أفعل، كذا والله لا أفعل كذا.
فلما حذفت الواو وانتصب بنزع الخافض. م: (وقيل يخفض) . ش: وهو قول الكوفيين، هذا ذكره في " المبسوط " م: (فتكون الكسرة دالة على المحذوف) . ش: أي الكسرة التي على المحلوف به والمحذوف هو حرف القسم قال الكاكي: تعليله النصب بانتزاع الخافض والجر بدلالة الكسرة عليه غير مستقيم عند أهل النحو، لما أن انتصابه على أنه عند حذف حرف لاتصال فعل أحلف بالمحلوف به، إلا أن تأويل قوله الانتزاع الخافض، أي بسبب انتزاع الخافض يصل أحلف بالمحلوف به، وكذا الجر لإضمار حرف الجر، والعامل يعمل عمله عند الإضمار، بخلاف الحذف كما ذكرنا، إلا أن يؤول ويقول المراد بالمحذوف المضمر تسامحاً.
وقال الأكمل: هذه وظيفة نحوية في الأصل والأصول يبحث عنها من حيث البساط المزيل الفقيه بها والواصل إلى حد الاشتغال بكتاب " الهداية " لا يدون، وأن يكون قد وقف على ذلك ورآه.
م: (وكذا إذا قال: لله) . ش: يعني وكذا يكون يميناً إذا قال لله علي أن لا أكلم فلاناً. م: (في المختار) . ش: إنما قال في المختار احترازا عما روي عن أبي حنيفة أنه قال: لو قال لله علي أن لا أكلم فلاناً أنها ليست بيمين إلا أن ينوي، لأن الصيغة النظر، ويحتمل معنى اليمين ذكره الولوالجي في فتاواه. م: (لأن الباء تبدل بها) . ش: أي باللام. م: (قال الله تعالى: {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] (طه: الآية 71) أي آمنتم به) . ش: فإنهما يتعاقبان. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج به.
وفي " فتاوى قاضي خان " قال بالله لأفعلن كذا وسكن الهاء أو رفعها أو نصبها يكون يميناً،

(6/125)


وقال أبو حنيفة: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قال وحق الله فليس بحالف، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا، لأن الحق من صفات الله تعالى، وهو حقيته فصار كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف. ولهما أنه يراد به طاعة الله تعالى، إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفا بغير الله. قالوا: ولو قال والحق يكون يمينا. ولو قال حقا لا يكون يمينا؛ لأن الحق المعرف من أسماء الله تعالى، والمنكر يراد به تحقيق الوعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن ذكر اسم الله عز وجل والخطأ في الإعراب لا يمنع صحة القسم لا في عرف الاستعمال ولا عرف الشرع، لما روي في الحديث وكأنه والله ما أردت بالرفع وروي بالجر وعليه الجمهور.
وعن بعض من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية: أنه لو قال بالرفع لا يكون يميناً إلا بالنية، لأنه لم يأت بالموضوع ولا قصده، ويحتمل ابتداء الفعال والكلام، ويحتمل اليمين، فلا يكون يميناً إلا بالنية، وعليه جمع من أصحاب الشافعي. وفي " المحيط " إذا قال بالله لا يكون يميناً إلا إذا نوى. يعني إذا قال بكسر اللام ويكون إليها.

[قال وحق الله هل يكون يمينا]
م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قال وحق الله فليس بحالف) . ش: يعني لا يكون يميناً. م: (وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه) . ش: أي وعن أبي يوسف. م: (في رواية أخرى أنه يكون يميناً) . ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. م: (لأن الحق من صفات الله وهو حقيته) . ش: أي كونه حقاً. م: (فصار) . ش: الحالف. م: (كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف) . ش: لأن الحق من أسماء الله تعالى، ولهذا ذكر في عدد أسماء الله. وقال الله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] [النور الآية: 25] .
م: (ولهما) . ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أنه يراد به) . ش: أي الحق. م: (طاعة الله تعالى، إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفاً بغير الله) . ش: والحالف بالعبادات لا يجوز. م: (قالوا) . ش: أي أصحابنا كلهم قالوا. م: (ولو قال والحق) . ش: معرف حيث. م: (يكون يميناً) . ش: بالإجماع. م: (ولو قال حقاً لا يكون يميناً) . ش: ذكره بسبيل التفريع لما قبله. م: (لأن الحق المعرف من أسماء الله تعالى والمنكر يراد به تحقيق الوعد) . ش: يريد به الفرق بين الحق وحقاً بأن الفرق اسم من أسماء الله تعالى قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] [المؤمنون الآية: 71] ، والحلف به متعارف، فيكون يميناً. وأما المنكر فهو مصدر منصوب بفعل مقدر، فكأنه قال افعل هذا الفعل لا محالة، وليس فيه معنى الحلف فضلاً عن اليمين.
وقال الفقيه أبو الليث في " النوازل " قال أبو نصر البلخي: بحق الله يكون يميناً، لأن الناس يحلفون به. ولو قال حقاً لا يكون يميناً، وهو بمنزلة قوله صدقاً، وهو قول محمد بن سلمة.

(6/126)


ولو قال: أقسم أو أقسم بالله أو أحلف أو أحلف بالله، أو أشهد أو أشهد بالله فهو حالف، لأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف، وهذه الصيغة للحال حقيقة، وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الحسين بن أبي مطيع حق يمين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] [المؤمنون الآية: 71] ، فالحق هو الله تعالى، فصار كأنه قال والله لا أفعل كذا. وقال أبو نصير: لو قال والحق لا أفعل كذا إن نوى به اسم الله تعالى فهو يمين، وإن لم يرد به اسم الله لا يكون يميناً.
وقال الأترازي: لنا نظر في قوله - بحق الله يكون يميناً - لأن الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، فيكون الحق إذن لغير الله تعالى انتهى.
أراد به قول أبي نصر البلخي المذكور، قلت: الإضافة التي تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه إذا كانت الإضافة بمعنى اللام، كما في غلام زيد، وهنا يحتمل أن تكون الإضافة بمعنى من كما في خاتم فضة، وهذا لا يخفى على المتأمل. .

[قال أقسم أو أقسم بالله هل يكون يمينا]
م: (ولو قال أقسم أو أقسم بالله، أو أحلف أو أحلف بالله، أو أشهد أو أشهد بالله، فهو حالف) . ش: وكذا لو قال أعزم أو أعزم بالله. وقال زفر إذا لم يقل بالله في هذا القول لا يكون يميناً، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نوى أو لم ينو. وقال مالك: إذا نوى اليمين بقوله أقسم بالله إلى آخره يكون يميناً، وإذا أطلق فلا. وعن أحمد إذا لم يقل بالله فهو يمين أيضاً في رواية. وفي رواية كمذهبنا، سواء نوى اليمين أو لا. وفي رواية لا بد من ذكر الله.
م: (لأن هذه الألفاظ) . ش: أي أقسم وأخواته. م: (مستعملة في الحلف) . ش: أما الأول فلقوله عز وجل: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] (القلم الآية: 17) ، وأما الثاني فلقوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 62] (النساء الآية: 62) ، وأما الثالث: فلقوله تعالى: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] (المنافقون الآية 1) ، ثم قال بعد ذلك: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] ثم قولهم {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] يميناً وهم لم يقولوا نشهد، والعزم عبارة عن قصد التبليغ الذي ينتهي إليه قصد العازم، فكان يميناً، لأنه تصريح لمعناه. م: (وهذه الصيغة) . ش: أي صيغة أقسم. م: (للحال حقيقة) . ش: بمنزلة اخترت، وكذا قول الموحد أشهد وقول الشاهد عند القاضي أشهد للحال.
م: (وتستعمل للاستقبال بقرينة) . ش: سوف والسين. م: (فجعل حالفاً) . ش: حقيقة عند الفقهاء، كذا في الشرع في جعل قول المرأة: أختار نفسي عند التخيير. م: (في الحال) . ش: عند ذكر لفظ من الألفاظ المذكورة.
فإن قيل: اليمين ما كان حاملاً ومانعاً على فعل أو ترك، وعند الترك البر موجباً للكفارة، فقوله أقسم لا يكون من البر موجباً مجرداً، لأنه لم ينعقد على فعل شيء أو تركه، وكيف يكون يميناً.

(6/127)


والشهادة يمين، قال الله تعالى: {قالوا نشهد إنّك لرسول الله} [المنافقون: 1] ثم قال: {اتّخذوا أيمانهم جنّة} [المنافقون: 2] (المنافقون) ،
والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور، فصرف إليه، ولهذا قيل لا يحتاج إلى النية، وقيل لا بد منها لاحتمال العدة
واليمين بغير الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولأن الكفارة ساترة لذنب هتك حرمة اسم الله، وليس في أقسم مجرد هتك حرمة اسم الله فكيف يكون موجباً للكفارة، لأن صيغة فعل المضارع كما يكون للحال يكون للاستقبال، فلا تجب الكفارة بالشك خصوصاً في حق الكفارة فإنها تلحقه بالحدود، ولهذا تداخلت.
قلنا. قوله أقسم للحال حقيقة كما قال المصنف، فكان بمنزلة قوله على يمين أو يمين الله، والإقرار باليمين يمين موجباً للكفارة ذكره في " الذخيرة " والبيهقي.

[هل الشهادة يمين]
م: (والشهادة يمين) . ش: يعني إذا قال أشهد فإنه يمين، واستدل عليه بقوله. م: (قال الله تعالى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] . ش: هذا إخبار عن قول المنافقين إذ جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا نشهد إنك لرسول الله، فهذا يمين منهم يدل عليه ما حكى الله عنهم بقوله {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] فأخبر الله تعالى أن قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين منهم، وأشار إليه المصنف بقوله م: (ثم قال) ش: أي ثم قال الله م: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] . ش: (المنافقون) . ش: قصدوا الجنة الوقاية.
وفي تفسير الشهادة تجري مجرى اليمين فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل أشهد في موضع أقسم، وبه شهد أبو حنيفة على أن أشهد يمين.

م: (والحلف بالله هو المعهود المشروع) . ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب من يقول إن قوله - أحلف - ينبغي أن لا يكون يميناً، لجواز أن يكون حالفاً بغير الله تعالى الحلف بالله هو المعهود المشروع، أي المعهود من الناس والمنصوص عليه في الشريعة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليذر» . م: (وبغيره محظور) . ش: أي حلف بغير الله حرام ممنوع. م: (فصرت إليه) . ش: إلى قوله - أحلف - ينصرف إلى الحلف بالله، لأن الظاهر من حال المسلم الإتيان بالمشروع دون غيره.
م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل أن الحلف بالله هو المعهود المشروع، وبغيره محظور. م: (قيل لا يحتاج إلى النية) . ش: في قوله - أحلف - أو أشهد - أو - أقسم - يكون يميناً صرف إلى ما هو المعهود في الشرع، وعليه صاحب " التحفة " م: (وقيل لا بد منها) . ش: أي من النية. م: (لاحتمال العدة) . ش: أي الوعد، لأن اللفظ يحتمله، والعدة أصله الوعد، فلما حذفت الواو تبعاً لفعله عوض عنهما التاء.

م: (واليمين بغير الله) . ش: بجر اليمين عطفاً على العدة، ولاحتمال اليمين بغير الله، فلا يتعين اليمين بالله إلا بالنية، وإليه ذهب أبو نصر الأقطع.

(6/128)


ولو قال بالفارسية سوكند ميخورم بخداي، يكون يمينا، لأنه للحال. ولو قال: سوكند خورم - قيل لا يكون يمينا. ولو قال بالفارسية - سوكند خورم بطلاق زنم - لا يكون يمينا لعدم التعارف. قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذا قوله لعمر الله وايم الله لأن عمر الله بقاء الله، وايم الله معناه ايمن الله، وهو جمع يمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[القسم بغير العربية]
م: (ولو قال بالفارسية - سوكند ميخورم بخداي - يكون يمينًا لأنه) ش: أي لأن هذا اللفظ م: (للحال) ش: فيصح اليمين، لأن معناه بالعربي الحلف بالله، وصيغة أحلف للحالف ينعقد اليمين و - سوكند - بفتح السين وسكون الواو وفتح الكاف الصماء وسكون النون وبالدال المهملة، ومعناه اليمين و - ميخورم - بكسر الميم وسكون الياء وضم الخاء المعجمة، وفتح الراء المهملة وسكون الميم، ومعناه أحلف، و - بخد - بفتح الباء الموحدة وضم الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة المقصورة، ومعناه بالله. م: (ولو قال - سوكند خورم - قيل لا يكون يمينًا) ش: لأنه بغير لفظ - مي - قيل لفظ - خورم - يكون للاستقبال، فلا يكون يمينًا، وقيل لا فرق بين اللفظين في أنه يكون يمينًا ولو قال - سوكند خورده - إن كان صادقًا يكون يمينًا.
وإن كان كاذبًا فلا شيء عليه م: (ولو قال بالفارسية - سوكند خورم بطلاق زنم - لا يكون يمينًا لعدم التعارف) ش: بينهم في كونه يمينًا، والباقي - بطلاق مفتوحة مضاف إلى - زنم - بفتح الزاي والنون وسكون الميم ومعناه أحلف بطلاق امرأتي لا أفعل كذا لا يكون يمينًا لأنه ليس بمتعارف عندهم. ومعنى - زنم - امرأتي. وإن - اسم المرأة، وزيد فيه الميم الساكنة ليدل على معنى امرأتي، والميم بمعنى ياء المتكلم، ولم أجد من الشراح من تكلم في هذا الموضوع ولا ذكر ما ذكره المصنف، مع أنهم أهل اللسان، غير أن الكاكي ذكر مثل ما ذكره المصنف ولم يضبط شيئًا من ذلك ولا تسر النظامة، بالعربي والعبد الضعيف، تكلم فيه كما ينبغي مع كوني دخيلًا في هذا اللسان.
م: (قال) ش: أي المصنف م: (وكذا قوله لعمر الله، وأيم الله) ش: هذا عطف على أصل المسألة، وهو قوله أقسم إلى آخره، أي وكذا يكون يمينًا هذان اللفظان، أما قوله - لعمر الله - فقوله تعالى م: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] م: (الحجر: 72) ، والعمر بفتح العين وضمها البقاء، إلا أن الضم لم يستعمل في القسم.
وأشار المصنف إلى معناه أن البقاء بقوله م: (لأن عمر الله بقاء الله) ش: والبقاء من صفات الذات فجاز الحلف به مكان قال والله الباقي وأيم الله، فقد جاء في لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في حديث رواه البخاري عن ابن عمر قال «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث..... الحديث وفيه واسم الله إنه كان عليهم أمامة بن زيد للإمارة» الحديث.
م: (وأيم الله معناه أيمن الله، وهو جمع يمين) ش: هو مذهب أهل الكوفة، فكان التقدير

(6/129)


وقيل: معناه والله وايم صلة كالواو،
والحلف باللفظين متعارف، وكذا قوله وعهد الله وميثاقه، لأن العهد يمين، قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله} [النحل: 91] (النحل: الآية 91) . والميثاق عبارة عن العهد، وكذا إذا قال علي نذر، أو نذر الله؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر نذرا ولم يسم فعليه كفارة يمين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وايمن الله فيمن، كأنه قال حلفت بالله فيكون يمينًا، وبه قال أحمد والشافعي في وجه لا يكون يمينًا بدون النية.
م: (وقيل معناه والله، وأيم صلة) ش: أي من صلات القسم من الله م: (كالواو) ش: أي في وأيم الله، وهذا عند البصريين، قال الأكمل معناه والله، وكلمة أيم صلة أي كلمة مستقلة كالواو وفيه تأمل. وقال الزمخشري: حذف نون أيم وحذف همزته عند الدرج في التحقق في القسم.

[الحلف باللفظين عمر الله وأيم الله]
م: والحلف باللفظين) ش: وهما عمر الله وأيم الله م: (متعارف) ش: عند العرب استعملتهما في القسم والحلف باللفظين وهما عمر الله وأيم الله متعارف، يعني أن العرب استعملتهما في القسم ولم يرد النهي عنه، وهما مشهوران لغة وعرفًا وشرعًا م: (وكذا قوله وعهد الله وميثاقه) ش: أي وكذا يمين قول الحلف بعهد الله وميثاقه وبه قال مالك وأحمد والشافعي لا يكون يمينًا بغير النية م: (لأن العهد يمين، قال الله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] النحل الآية: 91) ش: {إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وقد جعل الله عهد الله في القرآن يمينًا كما ترى م: (والميثاق عبارة عن العهد) ش: يعني في معناه. فإذا حلف بميثاق الله يكون يمينًا كما في عهد الله وكذا إذا حلف بذمة الله لا يكون يمينًا، كذا في الأصل، والذمة: العهد كذا في " الفائق "، فعلى هذا يكون ذمة الله يمينًا لعهد الله لأنه في معناه.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون يمينًا م: (إذا قال علي نذر أو نذر الله لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نذر نذرًا ولم يسم فعليه كفارة يمين» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " من نذر " الحديث، وروى الترمذي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين» وقال الحاكم في " كافيه " وإن حلف بالنذر فإن نوى شيئًا من حج أو عمرة فعليه ما نوى وإن لم يكن له نية فعليه كفارة يمين.
وهاهنا أربع مسائل:
الأولى: إن نذر نذرًا مطلقًا فهو يمين كما ذكره في الكتب.

(6/130)


وإن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا، لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع، وقد أمكن القول بوجوبه بغيره بجعله يمينا كما نقول في تحريم الحلال، ولو قال: ذلك لشيء قد فعله فهو الغموس. ولا يكفر اعتبارا بالمستقبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثانية: أن يقول لله علي نذر صوم كذا، فعليه الوفاء بما نذر.
الثالثة: أن يعلق نذرًا بشرط كما إذا قال إذا جاء فلان، وإذا شفى الله مريضي فعلي صوم يوم كذا فعليه الوفاء بما سمى.
الرابعة: أن يقول علي نذر أن لا أفعل كذا، فهو ينعقد يمينًا ويوجبه موجب اليمين.
وللشافعي ثلاثة أقوال في هذه المسألة: في قول يمين، وفي قول يتخير بين الوفاء بالنذر والكفارة، وبه قال أحمد، وفي قوله يجب الوفاء بما سمى.

[قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر]
م: (وإن قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينًا، لأنه) ش: أي لأن هذا القائل م: (لما جعل الشرط علمًا على الكفر) ش: أي بما جعل ذلك الشيء الذي حلف عليه علمًا، أي علامة على الكفر يعني شرطًا له م: (فقد اعتقده واجب الامتناع) ش: أي فقد اعتقد المحلوف عليه واجب الامتناع هتك حرمة اسم الله، فصار يمينًا، فكأنه قال حرمت على نفسي ما حلفت عليه. م: (وقد أمكن القول بوجوبه بغيره بجعله يمينًا) ش: أي بوجوب الامتناع بغير الشرط، وهو اليمين، وقال تاج الشريعة: قوله بوجوبه بغير الله، وهو مباشرة الفعل الذي يحصل به النصرانية أو اليهودية يعني أنه اعتقد فعل كذا يصير نصرانيًا فيجب الامتناع من ذلك الفعل.
م: (كما نقول في تحريم الحلال) ش: بأن قال كل حل علي حرام، فإنه يكون يمينًا.
فإن قلت: يشكل إذا قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله حيث لا يجعل يمينًا، وإن جعل علمًا على غضب الله الذي هو أحب الامتناع.
قلت: الغضب قد يتحقق بارتكاب محظور فهو من فروع اليمين، وبه لا يصير حالفًا، لأنه حرمة تلك الأشياء مما يحتمل الفسخ والتبديل، فلا يكون في معنى حرمة اسم الله، بخلاف حرمة الكفر، لأنه لا يحتمل الفسخ، والتبديل.
م: (ولو قال ذلك) ش: أي قوله إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر م: لشيء قد فعله) ش: في الماضي كاذبًا قصدًا م: (فهو الغموس) ش: أي اليمين الغموس لا كفارة فيها عندنا، ولكن هل يكفر أم لا فيه اختلاف المشايخ.
م: (ولا يكفر) ش: وروي ذلك عن أبي عبد الله البلخي، فإنه قال لا يكفر، وكذا روي عن أبي يوسف م: (اعتبارًا بالمستقبل) ش: أي اعتبار الماضي بالمستقبل، لأن الكفر بالاعتقاد وهو لم يقصد الكفر، وإنما قصد أن يصدق في مقابلته.

(6/131)


وقيل يكفر، لأنه تنجيز معنى فصار كما إذا قال هو يهودي، والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين، فإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما، لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل.
ولو قال: إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحالف، لأنه دعاء على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشروط، ولأنه غير متعارف، وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا، لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل يكفر) ش: قال محمد بن مقاتل الرازي كذا في " شرح الطحاوي) م: (لأنه) ش: أي لأن ذلك القول في الماضي م: (تنجيز معنى) ش: وإن كان تعليقًا صورة، لأن عينه بما هو موجود وتعليق بشيء كائن يتنجز، فكأنه قال هو كافر لأن كلامه خرج مخرج التحقيق فيكفر به.
م: (فصار كما إذا قال هو يهودي) ش: لأنه صريح بالكفر م: (والصحيح أنه لا يكفر فيهما) ش: أي في الماضي والمستقبل م: (إن كان يعلم أنه يمين، فإن كان عنده أن يكفر بالحلف يكفر فيهما) ش: أي في الماضي والمستقبل م: (لأنه رضي بالكفر، حيث أقدم على الفعل) ش: لأنه بالإقدام صار مختار الكفر، واختيار الكفر كفر. وفي " المحيط " لو قال إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فهو يمين.

[قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله]
م: (ولو قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحالف، لأنه دعاء على نفسه، ولا يتعلق ذلك بالشرط) ش: لأن الشرط ما له أثر من وجود الجزاء عند وجوده لتعلقه به، ولا أثر لوجود الشرط مع وجود المعصية في وجود الغضب، ولا يقدم الشرط مع وجود المعصية في وجود الغضب، ولا يقدم الشرط مع وجود المعصية في عدم الغضب، فعلم أن الغضب من سيئات المعصية لا من سيئات التعليق.
وكذا لا أثر في وجود هذه الأفعال، لأن وجودها بأسباب أخر م: (ولأنه غير متعارف) ش: أي ولأن قوله إن فعلت فعلي غضب الله أو سخطه غير متعارف باليمين، وقال الحاكم لو دعا على نفسه باللعنة أو الموت أو عذاب النار لا يكون يمينًا.
وكذا إذا قال هو يأكل الميتة أو يستحل الدم أو لحم الخنزير أو يترك الصلاة أو الزكاة إن فعل كذا لا يكون يمينًا، لأن ذلك وعد لا إلزام شيء.
م: (وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا) ش: يعني لا يكون يمينًا بهذه الألفاظ م: (لأن حرمة هذه الأشياء) ش: أي حرمة الزنا والسرقة، وشرب الخمر وأكل الربا م: (تحتمل النسخ والتبديل) ش: أما الزنا والسرقة فلا يحتملان النسخ.
ولكن ذلك الفعل المقصود بالزنا، وذلك العين المقصود بالسرقة بعينه جاز أن يكون حلالًا بوجه النكاح وملك اليمين، فسمي احتمالًا نقلًا بهما من الحرمة إلى الحل بالسبب الزنا نسخًا

(6/132)


فلم تكن في معنى حرمة الاسم، ولأنه ليس بمتعارف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتبديلًا، إذ المراد بالنسخ الرفع، وبالتبديل التعبير، وأما الخمر والربا فيحتملان النسخ، وهذا كان الخمس حلالًا ثم نسخ، والربا يحتمل النسخ من نفسها، وإن لم يرد النسخ في حقه.
ولهذا كان صباحًا في دار الحرب، ولأنه لا يكون زانيًا أو سارقًا أو شارب خمر أو آكل ربا بمجرد قوله - أو زان أو سارق - فيما بينه وبين الله تعالى بدون اتصال الفعل بالحالف، بخلاف قوله أنا يهودي أو نصراني.
م: (فلم تكن في معنى حرمة الاسم) ش: أي فلم يكن في معنى حرمة هتك اسم الله تعالى، لأن حرمة اسم الله تعالى لا يحتمل النسخ أصلًا لقيام دليل حد الزانية وهو حد العالم وليس كذلك الأشياء المذكورة لما ذكرنا م: (ولأنه ليس بمتعارف) ش: أي لأن الحلف بهذه الأشياء ليس بمتعارف، وهذا هو الأصح في التعليل، ولا خلاف للأئمة الأربعة في هذه المسائل.
فروع: أو قال إني عبدك أشهدك وأشهد ملائكتك أني لا أدخل دار فلان فليس بيمين. ولو قال إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فهي يمين واحدة، ولو قال أنا بريء من الإنجيل، وبريء من التوراة، وبريء من الزبور، وبريء من الفرقان، فهذه أربعة أيمان.
وكذا ولو قال بريء من الله، وبريء من رسول الله، والله ورسوله بريئان منه فهو أربعة أيمان.
لو قال بريء من الله ورسوله فيمين واحدة، ولو قال والله والرحمن يكون يمينين إلا أن يذكر الأول. وروى الحسن عن أبي حنيفة وبه قال زفر يكون يمينًا واحدة وإن دخل بينهما حرف العطف، ولو قال والله فهو يمين، ولو قال والله ووالله يكون يمينا واحدًا استحسانًا.
وفي " المنتقى ": لو قال والله ووالله، أو قال والله ثم والله لا أفعل كذا، وإن فعلت كذا فهو يمين واحدة، استحسانًا، وفي القياس يمينان وبه نأخذ، وعن أبي يوسف إذا قال والله لا أكلمك فيهما يمينان.
وروى الحسن إن نوى بالثاني الخبر عن الأول يصدق ديانة. ولو قال والله لا أكلمك ولو قال والله لا أكلم فلانًا يوما والله لا أكلمه شهرًا، والله لا أكلمه سنة، إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاث أيمان، وإن كلمه بعد يوم فعليه يمينان، وإن كلمه بعد شهر فعليه يمين واحدة، وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه.

(6/133)