البناية شرح الهداية

فصل في الكفارة قال: كفارة اليمين عتق رقبة يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار، وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحدة ثوبا فما زاد وأدناه ما يجوز فيه الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الكفارة] [كفارة اليمين]
م: (فصل في الكفارة) ش: أي هذا فصل في بيان الكفارة، ولما فرغ من بيان الموجب بكسر الجيم وهو الحنث شرع في بيان الموجب بالفتح، وهو الكفارة، لأنها موجبة عند الحنث، فإن اليمين سبب الكفارة بطريق الانقلاب.
وقال بعض أصحاب الشافعي: اليمين سبب عند الحنث كملك النصاب عند تمام الحول. وقال عامة أصحابه السبب اليمين، والحنث جميعًا لأنه لو كان مجرد اليمين سبب لوجبت الكفارة. وإن لم يوجد الحنث، لكن يلزم عليهم أن لا يجوز الكفارة، قبل الحنث لعدم السبب قبله، ولهذا اختار صاحب " الوجيز " الأول.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكفارة اليمين عتق رقبة يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار) ش: بعين الرقبة المسلمة والكافرة، والذكر والأنثى والصغير والكبير، إن الله عز وجل أطلق الرقبة في الموضعين ولم يقيد فجاز هنا ما جاز ثمة ولا تجزئ العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين والمقطوع يده ورجله من جانب الواحد، بخلاف العوراء، ومقطوعة إحدى اليدين وأحد الرجلين، وفي الأصم اختلاف المشايخ والأصح الجواز إذا صح [......] .
م: (وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد ثوبًا) ش: علم أن الواجب على الغني أحد الأشياء الثلاثة وهي عتق رقبة وكسوة عشرة مساكين وطعام عشرة منهم، ويتعين ذلك باختيار العبد، لأن كلمة أو في الآية للتخيير وهو مذهب عامة الفقهاء والمتكلمين.
وقال بعضهم: أحدها واجب عينا عند الله تعالى، وإن كان مجهولا عند العباد والله تعالى يعلم أن العبد يختار ما هو الواجب عنده عز وجل.
وقالت المعتزلة: الواجب الكل على البدل على معنى أنه لا يجب تحصيل الكل، ولا يجوز ترك الكل، وإذا أتى بواحد كفى، ثم إن الكسوة إذا اختار الكسوة غير عشرة مساكين لكل مسكين ثوبًا وإزارًا ورداء وقميصا أو كيسًا أو جبة أو ملحفة، لأن لابس هذه الأشياء يسمى مكتسبًا فيجزئ كل واحد.
م: (فما زاد) ش: أي فما زاد على الثوب م: (وأدناه) ش: أي أدنى الثوب م: (ما يجوز فيه الصلاة) ش: لأن لبس ما لا يجوز فيه الصلاة لا يسمى لابسًا.

(6/134)


وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة.
فإن لم يقدر على أحد هذه الأشياء الثلاثة صام ثلاثة أيام متتابعات، وقال: الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخير لإطلاق النص. ولنا قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصيام ثلاثة أيام متتابعات - وهي كالخبر المشهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار) ش: يعني لكل واحد من عشرة مساكين صاعًا من تمر أو شعير أو نصف صاع من حنطة أو دقيق أو سويق.
فإن دعا عشرة مساكين فغداهم وعشاهم أجزأه، ولذلك إن أطعم خبزًا ليس معه إدام، وإن غداهم وعشاهم وفيهم صبي فيظلم أو فوق ذلك شيئًا لم يجزئه وعليه إطعام مسكين واحد، كذا ذكر الحاكم وغيره.
م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب الكفارة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] ..... الآية المائدة: الآية 89) ش: أي أقر الآية، أو الآية فيهما، فعلى الأول النصب على المفعول به، وعلى الثاني الرفع على الابتداء بحذف الخبر م: (وكلمة أو للتخيير فكان الواجب فيه) ش: أي في التكفير م: (أحد الأشياء الثلاثة) ش: لأن هذا يقتضي التخيير.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن لم يقدر على أحد هذه الأشياء الثلاثة) ش: لأن المعسر لا يقدر على شيء من ذلك م: (صام ثلاثة أيام متتابعات) ش: فإن صامها متفرقة لم يجزئه م: (وقال الشافعي: يخير) ش: يعني إن شاء فرق، وإن شاء تابع م: (لإطلاق النص) ش: أي القرآن، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وظاهر مذهب أحمد كقولنا، وهو قول الشافعي.
فإن قيل: الشافعي يحمل المطلق على المقيد في حادثة أو حادثتين فكيف لم يحمل فيهما مع ورود القرابة مطلقًا ومقيدًا.
قلنا: إنه يقول لعارض هنا أصلان متعارضان أحدهما مقيد بالتفريق، وهو صوم المتعة في الحج. والثاني مقيد بالتابع، وهو صوم كفارة الظهار والقتل، فلا يمكن إلحاقه بأحدهما إذ إلحاقه بأحدهما يوجب ترك العمل لنص الآخرون.
م: (ولنا قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصام ثلاثة أيام متتابعات وهي) ش: أي قراءة ابن مسعود هنا م: (كالخبر المشهور) ش: قال الأترازي: وقراءته كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة، ويجوز الزيادة على النص بالمشهور.
وقال تاج الشريعة: لأنها نقلت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد اشتهرت في السلف [.....] والزيادة بالخبر المشهور صحيحة.

(6/135)


ثم المذكور في الكتاب في بيان أدنى الكسوة مروي عن محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: كالخبر المشهور، لأنه يقرأ سماعًا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يثبت قراءته لعدم التواتر، فصار كالرواية المشهورة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصح التقييد بها، وعندنا لا يحمل المطلق على المقيد كما في صدقة الفطر لإمكان العلم بهما، وها هنا غير ممكن، لأنهما في حكم واحد في حادثة واحدة، وهو الصوم، لأنه لا يقبل وصفين قضاء دين في وجوده.
فإذا ثبت تقييده بالتتابع في تلك القراءة لم يبق مطلقًا ضرورة، بخلاف صدقة الفطر، فإنهما وردا في السبب، ولا منافاة بين الشيئين، وأما صوم المتعة لم يجز قبل أيام النحر، لأنه لم يشرع قبلها لا لأن التفريق واجب.

م: (ثم المذكور في الكتاب) ش: قال الكاكي: أي في المشهور، وقال الأترازي: أي في " مختصر القدوري "، وأراد بالمذكور في قوله في أول الفصل، وأدناه ما يجوز فيه الصلاة م: (في بيان أدنى الكسوة مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: مروي خبر المبتدأ، أعني قوله المذكور، والمذكور هو أدنى ما يجوز فيه الصلاة وهو السراويل، وبه قال أحمد وفي السراويل: اختلاف الرواية.
وقال في " نوادر هشام ": لا يجوز، في " نوادر " ابن سماعة يجوز، كذا في " الأجناس ". وقال الكرخي في " مختصره ": لا يجزئ في ذلك العمامة ولا القلنسوة ولا السراويل، روى ذلك ابن سماعة وبشر وعلي بن الجعل عن أبي يوسف، ورواه أبو عمر، ومحمد الكتابي في إملاء محمد عنه كذلك. لأن لابسه يسمى عريانًا، فلا يتناوله اسم الكسوة.
وفي " الخلاصة ": عن محمد: إن أعطى المرأة لا يجوز، وإن أعطى الرجل يجوز لجواز صلاته فيه كالقميص، وذكر ابن شجاع في كتاب " الكفارات " من وصفه قال أبو حنيفة: إن كانت العمامة قدرها قدر الإزار الشائع أو ما يقطع قميصًا يجزئ وإلا لم يجزه.
وهذا كله إذا كسى رجلًا، فأما إذا كسى امرأة، قال الطحاوي: يزيد فيه الخمار؛ لأن رأسها عورة لا يجوز الصلاة إذا كانت مكشوفة، وقال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي ": فإن أعطى كل مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة، ولكنه يجزئ من الطعام إذا كان نصف ثوب يساوي نصف صاع من حنطة.
ولو أعطى عشرة مساكين ثوبًا بينهم، وهو ثوب كثير القيمة يصيب كل إنسان منه أكثر من درع وخمار.
وقال الشافعي: يعتبر ما يطلق على اسم الكسوة حتى يجوز قميص أو سراويل أو عمامة أو جبة أو قميصًا أو مقنعة أو إزارًا أو رداء أو طرًا، لأن الاسم يقع على جميع ذلك، وله في الفدرة والخف وجهان، وعندنا ومالك وأحمد: لا يجوز القلنسوة والخف.

(6/136)


وعن أبي يوسف وأبي حنيفة - رحمهما الله - إن أدناه ما يستر عامة بدنه، حتى لا يجوز السراويل وهو الصحيح، لأن لابسه يسمى عريانا في العرف، لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة، وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزيه بالمال، لأنه أداها بعد السبب، وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح،
ولنا أن الكفارة لستر الجناية. ولا جناية ها هنا، واليمين ليست بسبب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا يجوز أقل من ثلاثة أثواب: قميص وسدر ورداء وعن أبي موسى الأشعري: أنه يجزئ ثوبان، ثم اعتبار الفقر والغنى عند إرادة التكفير عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عند الحنث، حتى لو كان موسرًا عند الحنث ثم أعسر جاز الصوم عندنا، ولكن لا، وعنده على القلب.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أدناه) ش: أي أدنى ما يجزئ أن يكفر به م: (ما يستر عامة بدنه حتى لا يجوز السراويل) ش: لأنه لا تستر عامة البدن وهو الصحيح، أي هذا المروي عن أبي حنيفة م: (وهو الصحيح، لأن لابسه) ش: أي لابس السراويل م: (يسمى عريانًا في العرف، لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة) ش: يعني لو أعطاه ثوبًا لا يجزئه عن الكسوة، مثل سراويل أو خف أو نصف ثوب يجزئه عن الإطعام إذا بلغت فيه نصف صاع من بر.
وبه قال مالك وأحمد، ثم في ظاهر الرواية يجزئه عن الطعام بغير نية، وعن أبي يوسف: إذا نوى يكون بدلًا عن الطعام، ويجزئه عنه وإلا لا. وقال زفر: لا يجزئه عن الطعام نوى أو لم ينو. وعند الشافعي: لا يجوز اعتبار القيمة في الكفارة كما في الزكاة.
م: (وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه، وقال الشافعي: يجزئه بالمال) ش: أي يجزئ التكفير بالمال قبل الحنث، وبه قال مالك وأحمد، وقيد بالمال لأن ظاهر مذهبه أن الصوم لا يجوز، لأن العبادات البدنية لا تقوم على وقت الأداء، وفي وجه يجوز، وهو قوله القديم، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه أداها بعد السبب، وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح) ش: قبل الوقت، وكذا كفارة الظهار، فإنها تجوز بعد الظهار وقبل العود كالزكاة، فإنها تجوز قبل الحلول.

[التكفير قبل الحنث]
م: (ولنا أن الكفارة تستر الجناية) ش: لأنها تكفر الخطيئة، أي تستر بها ولا يتصور سترها قبل وجودها، وهو معنى قوله م: (ولا جناية ها هنا) ش: ولا يصح التكفير قبل الحنث، لأنه يلزم تقديم السبب على المسبب فهو فاجر كما لو كفر قبل الإفطار م: (واليمين ليست بسبب) ش: هذا جواب عن قوله لأنه أداها بعد السبب، تقديره لا نسلم أن اليمين سبب لوجوب الكفارة، لأن أدنى درجات السبب أن يكون مفضيًا إلى الحكم وطريقًا له، واليمين مانعة الحنث، وهو معنى قوله م: (

(6/137)


لأنه مانع غير مفض، بخلاف الجرح، لأنه مفض ثم لا يسترد من المسكين لوقوعه صدقة.
قال: ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانا ينبغي أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه مانع غير مفض) ش: وتذكير الضمير باعتبار المذكور أو باعتبار ظاهر اللفظ مفض إلى الحكم والسبب ما يكون مفضيًا كما ذكرنا.
م: (بخلاف الجرح) ش: جواب عن قياس المنازع فيه على الجرح قبل الموت م: (لأنه) ش: أي لأن الجرح م: (مفض) ش: إلى زهوق الروح، بخلاف الظهار، لأن نفس الظهار جناية، ويجوز الزكاة قبل الحول، لأنها شكر لنعمة المال، وهو موجود، ومفضي الحول تأجيل فيه، وإضافة الكفارة إلى اليمين مجاز، لأنها على عوض أن يصير سبب على تقدير الحنث.
فإن قلت: احتج الشافعي بظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر يمينك وآت الذي هو خير» متفق عليه، وفي لفظ أبي داود: " ثم آت الذي هو خير ".
قلت: أصحابنا احتجوا بحديث عبد الرحمن بن سمرة، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «لا تسأل الإمارة» الحديث، وفي آخره: «وإذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» .... الحديث في الصحيح، ولا يقال: الواو للجمع ثم للترتيب، فيدل على الجمع لا على التأخير والتقديم، بخلاف ثم للترتيب، لأنه جاء في رواية أخرى، ثم ليكفر يحتمل ما رواه الشافعي على أنه بمعنى الواو، لأن ثم يجيء بمعنى الواو، قال الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} [يونس: 46] (يونس: الآية 46) فيكون ما روينا محكمًا في التأخير، وما رواه محتمل فحمل عليها ما ذكرنا إعمالًا للضرر، لأنه أمر بالتكفير مطلقًا، ومطلق التكفير لا يجوز قبل الحنث، لأنه لا يجوز بالصوم إجماعًا.
م: (ثم لا يسترد من المسكين) ش: عطف على قولهم: لم يجزه يعني لا يسترد المال عن المسكين، وإن كان لا يقع عن الكفارة م: (لوقوعه صدقة) ش: لأنه قصد شيء حصول الصواب ورفع الذنب ولم يرفع الذنب لعدمه فيحصل الصواب لإمكانه فيكون صدقة، ولا رجوع فيها.

[حلف على معصية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانًا ينبغي أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منها فليأت بالذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه» ش: هذا الحديث مر معنا الآن ومضى الكلام فيه، ومعنى قوله على يمين، أي على مقسم عليه في فعل أو على ترك، لأن

(6/138)


ولأن فيما قلناه تقوية البر إلى جابر، وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال كفره أو بعد إسلامه فلا حنث عليه، لأنه ليس بأهل لليمين، لأنها تنعقد لتعظيم الله تعالى، ومع الكفر لا يكون معظما. ولا هو أهل للكفارة لأنها عبادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اليمين مركبة من مقسم به، وهو بالله ومقسم عليه، وهو قوله لأفعلن أو لأفعل فكان من باب ذكر الكل وإرادة البعض. وقال الأكمل: في وجه الاستدلال به نظر، لأنه قال ورأى غيرها خيرًا منها فالمدعي مطلق والدليل مشروط برؤية خير، والجواب أن حال المسلم يقتضي أن يرى ترك المعصية خيرًا منها فيجعل الشرط موجودًا نظرًا إلى حاله.
م: (ولأن فيما قلناه) ش: يعني إذ الكفارة بعد الحنث م: (تقوية البر إلى جابر، وهو الكفارة ولا جابر) ش: وهو الكفارة لما أن الجابر يقتضي سبق ذلك المحمود وهو حل اليمين بالحنث فيما قلنا، فتصبح الكفارة جائزة ولا جائزة م: (للمعصية في ضده) ش: أي في ضد ما قلناه وأراد بالضد التي في اليمين، أي لا جائزة لمعصية الحنث، فيما قال الشافعي، لأن الحنث لما يتأخر عن الكفارة لم تصبح الكفارة السابقة جائزة لذلك الحنث، لأن الجائز لا يتقدم، كذا في " النهاية ".
وقال الأكمل: وقال في بعض الشروح، ولأن فيما قلنا أي في الحنث النفس والتكفير بعد ذلك لتفويت البر إلى جابر، والجابر هو الكفارة والفوات إلى جابر كلا فوات، فتكون المعصية الحصالة بتفويت البر كلا معصية لوجود الجابر.
أما إذا أتى بالبر وهو ترك الصلاة وقطع الكلام عن الأب، وقتل فلان بغير حق تحصيل المعصية بلا جابر لها فتكون المعصية قائمة لا محالة، فلهذا قلنا يحنث نفسه ويكفر عن يمينه، وكلا الوجهين صحيح، والثاني أيسر. قلت: أراد بالقائل بقوله وقال في بعض شروح الأترازي لأنه قال في شرحه هكذا ويرده الأكمل برمته.
م: (وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال الكفر أو بعد الإسلام، فلا حنث عليه) ش: أي فلا كفارة عليه، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأحمد تلزم الكفارة بالمال، دون الصوم م: (لأنه) ش: أي لأن الكافر م: (ليس بأهل لليمين، لأنها تنعقد لتعظيم الله تعالى، ومع الكفر لا يكون معظمًا) ش: لأنه هاتك حرمة الله تعالى، بإصراره على الكفر.
والتعظيم مع الهتك لا يجتمعان، والبر لا يتحقق إلا من معظم، ولا يلزم استخلافه في المظالم أو المنصوبات أو هو مشروع في حقه، لأنه من أهل مقصود الاستخلاف وهو النكول والإقرار.
وكذا هو من أهل اليمين بالطلاق والعتاق، لأنه من أهل حكمنا م: (ولا هو أهل للكفارة) ش: أي ولا الكافر أهل للكفارة م: (لأنها عبادة) ش: لكونها ساترة للذنب.

(6/139)


ومن حرم على نفسه شيئا مما يملكه لم يصر محرما، وعليه إن استباحه كفارة يمين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا كفارة عليه لأن تحريم الحلال قلب المشروع، فلا ينعقد به تصرف مشروع وهو اليمين. ولنا أن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة، وقد أمكن إعماله بثبوت الحرمة لغيره بإثبات موجب اليمين، فيصار إليه، ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة، وهو المعني من الاستباحة المذكورة، لأن التحريم إذا ثبت تناول كل جزء منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تحريم بعض ما يملك]
م: (ومن حرم على نفسه شيئًا مما يملكه) ش: سواء كان ثوبًا أو طعامًا أو أمة أو غيرها، بأن قال حرام علي ثوبي هذا أو طعامي هذا أو أمتي هذه ونحو ذلك م: (لم يصر محرمًا) ش: أي بعينه، بل صار محرمًا بالنص.
فلهذا قال عقبه م: (وعليه إن استباحه) ش: أي يعامل به معاملة المباح، فإن أكل الطعام أو لبس الثوب أو وطئ الأمة فعليه م: (كفارة يمين وقال الشافعي لا كفارة عليه لأنه ليس يمين إلا في النساء والجواري وبه قال أحمد، وقال مالك من حرم على نفسه شيئًا غير امرأته لا يلزمه شيء وليس يمين م: (لأن تحريم الحلال قلب المشروع فلا ينعقد به، تصرف مشروع وهو اليمين) ش: كعكسه، وهو تحليل الحرام.
م: (ولنا أن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة، وقد أمكن إعماله) ش: أي إعمال اللفظ م: (بثبوت الحرمة لغيره) ش: أي بغير اللفظ م: (بإثبات موجب اليمين) ش: وهو الكفارة، وأصله ليس في وسعه إثبات الحرمة لذاته وعينه قلبت الحرمة لغيره، وهو جناية حرمة اليمين، وهو الكفارة على تقديم الحنث م: (فيصار إليه) ش: أي إلى ثبوت الحرمة لغيره.
م: (ثم إذا فعل مما حرمه قليلًا كان أو كثيرًا) ش: انتصاب قليلا على أنه مفعول لقوله فعل م: (حنث، ووجبت الكفارة) ش: لأن التحريم ثبت بتناول كل جزء م: (وهو المعني) ش: بكسر النون وتشديد الياء، أي المعصوم م: (من الاستباحة المذكورة) ش: أي فعل ما حرمته هو المراد من الاستباحة التي ذكرها م: (لأن التحريم إذا ثبت) ش: يعني تحريم العين، وهو دليل قوله إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث، وذلك لأن تحريم المعني إذا ثبت تبين م: (تناول كل جزء منه) ش: أي مما حرمه فيحنث بالقليل والكثير.
وقال الأكمل: وعورض بأن اليمين إما أن يذكر مقسم به، وهو عند ذكر اسم من أسمائه أو صفة من صفاته كما تقدم أو بأن يذكر شرطه وجزاءه، وليس شيء منهما بموجود فكيف صار يمينًا واجب بسقوطهما بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] (التحريم الآية 2) ، بعد قوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] في تحريم العدل أو تحريم ما به أطلق الأيمان على تحريم إطلاق، وفرض تحلة الأيمان والرأي لا يعارض النصوص السمعية.

(6/140)


ولو قال: كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك، والقياس أن يحنث كما فرغ، لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه، وهذا قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وجه الاستحسان أن المقصود هو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم، وإذا سقط اعتباره ينصرف يمينه إلى الطعام والشراب للعرف، فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم، وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب، وهذا كله جواب ظاهر الرواية. ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تحريم الحلال]
م: (ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب، إلا أن ينوي غير ذلك) ش: هذا ظاهر الرواية قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا قاله لرجل هو علي حرام سئل عن نيته، فإن نوى يمينًا فهو يمين وكفرها، ولأنه حل امرأته في ذلك أن ينويها، فإن نواها دخلت فيه. فإذا أكل أو شرب أو قرب امرأته حنث وسقط عنه الإيلاء، فإن نوى فيه الطلاق، فالقول فيه كالقول في الحرام، أي يصح ما نوى، وإن نوى الكذب فهو كذب م: (والقياس أنه يحنث كما فرغ) ش: من اليمين م: (لأنه باشر فعلًا مباحًا وهو التنفس ونحوه) ش: بفتح العينين وفتح الشفتين أو ضمهما م: (وهذا قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده كما يفرغ من اليمين يحنث. م: (وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم) ش: لأن صيغة العموم إذا لم تكن أجراها على عمومها يراد بها أخص الخصوص للتعيين، وهنا لا يمكن ذلك، لأن الإنسان لا يمكنه مع نفسه عن النفس وفتح العين وذلك له حلال، فحمل على الحلال الأعم وهو ما يعيش به من المطعوم والمشروب.
وهو معنى قوله م: (وإذا سقط اعتباره) ش: أي اعتبار العموم م: (ينصرف يمينه إلى الطعام والشراب للعرف) ش: بين الناس م: (فإنه يستعمل فيما يتناول عادة) ش: هذا القليل لقوله للعرف معنى إنما انصرف قوله كل حل علي حرام إلى الطعام والشراب، لأنه في عرف الناس يستعمل في ذلك م: (ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم) ش: لأنه لا يمكن إجراء اللفظ على العموم لما قلنا. م: (وإذا نواها) ش: أي إذا نوى المرأة م: (كان إيلاء) ش: لأن اليمين في الزوجات إيلاء وإن جامعها في المدة كفر عن يمينه، وإن لم يقربها حتى مضت مدة الإيلاء، بانت بالإيلاء م: (لا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب) ش: حتى إذا أكل أو شرب حنث م: (وهذا كله) ش: أي هذا المذكور كله م: (جواب ظاهر الرواية) ش: وهو رواية المبسوط م: (ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: قالوا أراد بهم مشايخ بلخ كأبي بكر الإسكاف، وأبي بكر بن أبي سعيد، والفقيه أبي جعفر حيث م: (قالوا يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال) ش: فيما بين الناس في هذا الزمان أنهم يرون بهذا اللفظ الطلاق م: (وعليه الفتوى) ش: قال أبو الليث: وبه نأخذ.

(6/141)


وكذا ينبغي في قوله حلال يروى حرام للعرف،
واختلفوا في قوله - هرجه بدست راست كيرم يروى حرام - أنه هل تشترط النية، والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف.
ومن نذر نذرا مطلقا فعليه الوفاء به، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " فتاوى النسفي " حلال المسلمين علي حرام ينصرف الطلاق بلا نية للعرف، وإن لم يكن له امرأة يجب عليه كفارة، وإن كانت له امرأتان يقع الطلاق على واحدة، وإليه البيان في الأظهر لقوله امرأتي طالق، [....] .
وكذا لو قال حلال الله علي حرام، أو حلال هذا، أي أو حلال [.....] ويروى حرام وله امرأة تنصرف إليها من غير نية للعرف، فإن مراد العامة من هذا اللفظ الطلاق.
م: (وكذا ينبغي في قوله - حلال يروى حرام -) ش: أي وكذا ينبغي أن يقع الطلاق بلا نية في قوله - حلال يروى - يعني حلال علي حرام م: (للعرف) ش: أي لأجل عرف الناس بذلك في الطلاق.

م: (واختلفوا في قوله) ش: أي اختلف المشايخ في قول الرجل م: (هرجه بدست راست كيرم يروى حرام - أنه هل يشترط النية) ش: أي لا يشترط م: (والأظهر أنه يجعل طلاقًا، من غير نية للعرف) ش: قوله - هرجه - بفتح الهاء وسكون الراء وكسر الجيم الفارسية، وسكون الهاء، ومعناه كل شيء. قوله - بدست - بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من قوله ومعناه بيدي.
قوله - راست - بفتح الراء وسكون السين المهملة بعد الألف وبالتاء المثناة من فوق، ومعناه اليمين يعني بيدي اليمين. قوله - كيرم - بكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف، معناه علي. وفي " خلاصة الفتاوى " هرجه بدست كيرم هر من حرام - لا يصدق أنه لم ينو.
ولو قال: هرجه بدست راست كرفته أم - فهو بمنزلة قوله - كيرم - ولو قال - هرجه بدست حيب كيرم - في " مجمع النوازل " لا يكون طلاقًا وإن نوى. ولو قال - هرجه بدست راست كرفتم - لا يكون طلاقًا أن المعرف في قوله - كيرم - ولا عرف في قوله - كرفتم -، ولو قال هرجه بدست راست كيرم - ولم يقل - راست أوجب - فهو بمنزلة قوله - هرجه بدست راست كيرم.
م:

[قال لله علي صوم سنة بدون التعليق بشيء]
(ومن نذر نذرًا مطلقًا) ش: أي مطلقًا عن ذكر الشرط بأن قال لله علي صوم سنة بدون التعليق بشيء م: (فعليه الوفاء به) ش: أي بما سمى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى» ش: هذا الحديث غريب.
وفي جواب الوفاء بالنذر أحاديث صحاح مما أخرجه البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن

(6/142)


وإن علق النذر بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر لإطلاق الحديث، ولأن المعلق بشرط كالمنجز عنده. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عنه. وقال: إذا قال: إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة مال ملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلًا قال يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت قبل أن تحج فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو كان عليها دين أكنت قاضيه، قال نعم، قال فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء» .
وفي رواية: أن أختي، وفيها ما أخرجه البخاري ومسلم «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك» ، وزاد البخاري: فاعتكف ليلة. ومنها ما رواه أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال أوف بنذرك ... » الحديث.

[تعليق النذر بشرط]
م: (وإن علق النذر بشرط) ش: بأن قال إن شفى الله مريضي أو رد الله غائبي أو مات عدوي فعلي صوم شهر أو سنة م: (فوجد الشرط فعليه الوفاء) ش: بتعيين م: (بنفس النذر) ش: ولا يخرج عنه بالكفارة م: (لإطلاق الحديث) ش: المذكور، فإنه لم يفصل بين كون النذر مطلقًا أو معلقًا بشرط م: (ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده) ش: أي عند وجوده ولو نجز النذر عند وجود الشرط لم تجزئه الكفارة، فكذا هنا، وبه قال مالك: في المشهور عنه. وقيل إن كان النذر في مباح يتخير، وفي الطاعة يلزمه الوفاء مطلقًا.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عنه) ش: أي عن نفس الوفاء بالنذر إلى التخيير بين الكفارة والوفاء. وعن عبد العزيز بن خالد الترمذي قال: خرجت حاجًا، فلما دخلت الكوفة قرأت كتاب القدوري والكفارة على أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فلما انتهيت إلى هذه المسألة، قال: فإن من رأيي أن يراجع فرجعت عن الحج، أو قد توفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأخبرني الوليد بن أبان أنه رجع قبل موته بسبعة أيام، وبه يفتي إسماعيل الزاهد وشمس الأئمة السرخسي لكثرة البلوى به في هذا الزمان، وهذا لأن كلامه نذر فظاهره يمين بمعناه.
م: (وقال: إذا قال) ش: أي وقال أبو حنيفة: إذا قال الرجل م: إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة) ش: أي أو قال فعلي صدقة م: (مال ملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد ومالك في رواية.
وفي القديم: يتعين الكفارة ويكون هذا نظرًا للحاج م: (ويخرج عن العهدة) ش: أي عن عهدة اليمين م: (بالوفاء بما سمى أيضًا) ش: حتى لو كان معسرًا كان مخيرًا بين أن يصوم ثلاثة أيام

(6/143)


وهذا إذا كان شرطا لا يريد كونه؛ لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر، فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله: إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه، وهو المنع، وهذا التفصيل هو الصحيح.
قال: ومن حلف على يمين وقال: إن شاء الله متصلا بيمينه فلا حنث عليه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأن يصوم شهرًا، وهذا مروي عن أبي حنيفة في " النوادر ". ووجه ما روي في السنن مسندًا إلى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كفارة النذر كفارة اليمين» .
م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (إذا كان شرطًا) ش: أي إذا كان النذر معلقًا بشرط م: (لا يريد كونه) ش: مثل إن شربت الخمر فعلي صوم سنة م: (لأن فيه معنى اليمين وهو المنع) ش: عن اتخاذ الشرط م: (وهو بظاهره نذر) ش: وهو ظاهر م: (فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء) ش: أي التكفير أو النذر م: (بخلاف ما إذا كان شرطًا) ش: أي بخلاف ما إذا علق بشرط م: (يريد كونه) ش: أي كون الشرط م: (كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه وهو المنع) ش: لأن قصده الرغبة فيما حوله شرطًا م: (وهذا التفصيل) ش: أي الذي ذكرنا بين شرط لا يريد كونه وبين شرط يريد كونه م: (وهو الصحيح) .
ش: وقال الأكمل: وفيه نظر، لأنه إن أراد حصر الصحة فيه من حيث الرواية فليس بصحيح، لأنه غير ظاهر الرواية، وإن أراد حصرها فيه من حيث الدراية لدفع التعارض فالدفع ممكن من حيث حمل أحدهما على المرسل والآخر على المعلق من غير تفرقة بين ما يريد كونه وما لا يريد، على أن فيه إيماء إلى القصور في الذهاب إلى ظاهر الرواية.

[تعليق الحلف بالمشيئة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف على شيء) ش: وفي بعض النسخ على يمين، وعلى هذا قال الأترازي: ومعنى قوله على يمين، أي على مقسم عليه م: (وقال: إن شاء الله تعالى متصلًا بيمينه فلا حنث عليه) ش: وفي " المبسوط " حلف على يمين أو نذر وقال: إن شاء الله متصلًا لا حنث عليه، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال مالك: يلزمه حكم اليمين والنذر م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وبمعناه أحاديث منها ما أخرجها أصحاب السنن الأربعة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث» . انتهى بلفظ النسائي.

(6/144)


إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ رجوع، ولا رجوع في اليمين، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي لفظ له: «فهو بالخيار إن شاء مضى وإن شاء ترك» ، ولفظ ابن ماجه نحوه، ولفظ أبي داود «من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد ... » ولفظ الترمذي: «فقال إن شاء الله فلا حنث عليه» وقال: حديث حسن. ومنها ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث» .
م: (إلا أنه) ش: استثنى من قوله فلا حنث عليه، يعني إنما لم يحنث إذا كان الاستثناء متصلًا بيمينه وهو معنى قوله م: (لا بد من الاتصال) ش: بأن يقطع قوله إن شاء الله بكلام أو سكوت، والفصل انقطاع النفس لا يعتبر لتعذر الاحتراز عنه، أما إذا كان الاستثناء منفصلًا فلا عدة به، فعليه الحنث م: (لأنه بعد الفراغ رجوع) ش: عن اليمين م: (ولا رجوع في اليمين) ش:.
فإن قلت: هذا تعليل في مقابلة النص فإن الحديث بإطلاقه لا يفصل بين المتصل والمنفصل.
قلت: الدلائل الدالة من النصوص وغيرها على اللزوم المقهور هي التي توجب الاتصال. فإن جواز الاستثناء منفصلًا يقضي إلى إخراج المقهور كلها من البيوع والأنكحة وغيرها من أن تكون تلزمه، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى وهذا التعليل يوافق تلك الأدلة، فيحمل حديث الاستثناء على الاتصال توفيقًا بين الأدلة، والله أعلم بالصواب.

(6/145)