البناية
شرح الهداية باب اليمين في الدخول والسكنى ومن حلف لا
يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث، لأن البيت
ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها. وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب
الدار لما ذكرنا، والظلة ما تكون على السكة. وقيل: إذا كان الدهليز بحيث لو
أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في الدخول والسكنى]
[حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة]
م: (باب اليمين في الدخول والسكنى) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين
المتعلق بدخول البيت وحكم السكنى فيه والدخول والانفصال من الظاهر الداخل
إلى الباطن والخروج على الكنس والسكنى عبارة عن كون السكون في مكان على
سبيل الاستقرار والدوام، فإن من جلس في مسجد أو بات فيه لا يعد ساكنًا فيه،
ولما كان انعقاد اليمين على فعل شيء أو تركه شرع بذكر الأفعال التي ينعقد
عليها اليمين بابًا. إلا أنه قدم هذا الباب على غيره لأنه أهم، لأن الإنسان
يحتاج إلى مسكن يدخل فيه ويستقر، ثم يترتب على ذلك سائر الأفعال من الأكل
والشرب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف لا يدخل بيتًا فدخل الكعبة أو المسجد
أو البيعة) ش: بكسر الباء متعبد النصارى م: (أو الكنيسة) ش: وهو متعبد
اليهود م: (لم يحنث، لأن البيت ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها)
ش: أي للبيتوتة، والمعتبر في الأيمان العادة والعرف، والألفاظ المستعملة في
الأيمان مبنية على العرف عندنا.
وقال أحمد: بني الأيمان على النية، سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه خاصًا أو
عامًا، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لكل امرئ ما نوى.»
قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مبنية على الحقيقة، لأنها مراد
وعند مالك على معاني علم القراءات، لأنه على أصح اللغات وأفصح.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لم يحنث م: (إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار) ش:
والظلة ما أظل فوق الباب خارج الدار لما ذكرنا، أشار إلى قوله لأن البيت ما
أعد للبيتوتة. وفي " التحفة " ولو دخل دهليز الدار يحنث، لأنه في الداخل
والظلة تكون على السكة م: (لما ذكرنا، والظلة ما تكون على السكة) ش: ما أظل
فوق الباب خارج الدار، وهو يصلح أن يكون تفسيرًا لما ذكره المصنف.
وأوضح ذلك " صاحب العصير "، فقال: الظلة هي التي أحد طرفي جذعها على هذه
الدار وطرفها الآخر على حائط الجار المقابل. وفي " الذخيرة ": أراد بالظلة
الساباط الذي يكون على باب الدار. قال صاحب " المغرب ": قول الفقهاء ظلة
الدار يريدون بها السدة التي فوق الباب، والكل في الحقيقة معنى واحد.
م: (وقيل: إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف يحنث،
لأنه يبات فيه عادة) ش: قيد بقوله وهو مسقف يبقى أن لا يحنث، ولكن الأصح أن
كل موضع إذا أغلق الباب لا يمكنه الخروج يكون من الدار، فعلى هذا يحنث
بدخوله الدهليز مطلقًا كما ذكره أولًا، وعلله
(6/146)
يحنث، لأنه يبات فيه عادة، وإن دخل صفة حنث
لأنه يبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات، فصار كالشتوي والصيفي. وقيل: هذا
إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة وهكذا كانت صفافهم وقيل: الجواب يجري على
إطلاقه وهو الصحيح.
ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث، ولو حلف لا يدخل هذه الدار
فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث، لأن الدار اسم للعرصة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقوله لأنه في الداخل.
م: (وإن دخل صفة حنث) ش: أي في يمينه لا يدخل بيتًا م: (لأنه يبنى للبيتوتة
فيه في بعض الأوقات، فصار كالشتوي والصيفي) ش: الشتوي هو الذي يبنى لأن
يبات فيه في الشتاء، والصيفي الذي يبنى، لأن يبات فيه في الصيف، فاستوى له
جدران أربعة في واحد منها باب، والصيفي له ثلاث جدران ليس إلا هو وهو
الصفة.
وفيه قول بعض المشايخ بخلاف هذا أشار إليه بقوله م: (وقيل هذا) ش: أي حنث
بدخول الصفة في المبتدأ لا يدخل بيتا م: (إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة،
وهكذا كانت صفافهم) ش: أي صفاف أهل الكوفة، فحينئذ لا يكون فرق بين البيت
والصفة، فيحنث. لأنه بيان فيها. وفي " المبسوط ": وفي عرفنا الصفة ذات
حوائط ثلاثة قد تكون على هيئة البيت، فلا يكون بيتًا فلا يحنث، وبه قال
الشافعي.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير: ذكر عن أبي حاتم [....] أمشي
بغداد، قال: هذه ليلة كانت مشتملة حتى انتهيت إلى الكوفة فرأيت صفافهم
مبسوطة، فعلمت أن الأيمان وضعها على تعارفهم.
قال أبو بكر الرازي في شرح " مختصر الطحاوي ": قال أصحابنا: ذلك على حسب
عاداتهم كانت بالكوفة يسمون بيتًا في جوف بيت آخر صفة، فأما اسم الصفة في
بغداد لا يتناول البيت ولا اسم يتناول الصفة.
م: (وقيل الجواب يجري على إطلاقه) ش: يعني يحنث أي صفة دخلها بصحة
البيتوتة، وإليه ذهب المصنف ونبه عليه بقولهم م: (وهو الصحيح) ش: وقال
الكاكي: وهو الصحيح احتراز تقيد الصفة بعرفهم، يعني الصحيح الإطلاق لوجود
البيتوتة في الصفة.
[حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة]
م: (ومن حلف لا يدخل دارًا فدخل دارا خربة لم يحنث ولو حلف لا يدخل هذه
الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث) ش: وقال الشافعي: لا يحنث في
الوجهين، وأشار المصنف إلى العرف بين الوجهين بقوله م: (لأن الدار اسم
للعرصة) ش: قال ابن الأثير: العرصة كل موضع واسع لا ينافيه. وقال الجوهري:
العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء،
(6/147)
عند العرب والعجم، يقال دار عامرة ودار
غامرة، وقد شهدت أشعار العرب بذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجمع العرصات والعراص.
قلت: ومنه عرصات يوم القيامة، وهي شديدة، وهي في لغة العجم كذلك، فلذلك قال
المصنف: م: (عند العرب والعجم) ش: وهي بسكون الراء، تفتح في الجمع م: (يقال
دار عامرة ودار غامرة) ش: أي دار عامرة بالعين المهملة، ودار غامرة بالغين
المعجمة.
قال الجوهري: الغامرة يعني بالغين المعجمة من الأرض خلاف العامرة، يعني
بالمهملة. وفي حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل على كل جريب عامر أو
غامر أو رهمًا ومصرًا. قال ابن الأثير: الغامر يعني بالغين المعجمة ما لم
يزرع مما يحتمل الزراعة من الأرض والجواب من الأرض ستون ذراعًا في ستين.
م: (وقد شهدت أشعار العرب بذلك) ش: أي بأن الدار اسم للعرصة، وجاء ذلك في
أشعار كثيرة، منها ما قال شعير العامري:
عقب الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غواها فرجا بها
قوله عقب ديار الأحباب العرب ما كان منها للحلول دون الإقامة وما كان منها
للإقامة وعفى يعفو لازم ويتعدى وهنا لازم، يعني اندرست. قوله بمنى بالتنوين
وهو موضع يجمع ضربه هي الحرم. قوله تأبد أقفر وخلا من الوحوش. قوله غواها
بفتح الغين المعجمة والرجاء بكسر الراء وبالجيم، وهما جبلان معروفان. وقيل
موضعان.
ومنها ما قال السنابقة:
يا دار مية بالعلياء والسند أقوت ... وطال عليها سالف الأبد
فيها أصيلا لا أسائلها ... أعقر جوابًا وما بالربع من أحد
يخاطب السنابقة دار مية اسم امرأة. والعلياء موضع مرتفع، وكذلك السند
بفتحتين موضع مرتفع من ارتفاع الوادي أو الجيد، ثم أخبر عنها بقوله أقدت أي
أقفرت وخلت عن أهلها وذهبوا وطال عليهم ما مضى من مرور الزمان، ثم يقول
وقفت عليها عشية أسائلها عن أهلها أين مضوا فلم تقدر على الجواب، ولم يكن
فيها أحد يكنى، والأصيلان لا أصله أصلان مصغر أصلان جمع أصيلًا، فأبدلوا من
النون لامًا. والأصيل الوقت بعد المغرب، ومنها ما قال حسان بن ثابت -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
تلك دار الألوف أصحت حلا ... بعد ما يحلها في نشاط
والنشاط شره من الصبي. هذه الأبيات كما ترى دالة على أن الدار سمي دارًا
بعد ارتحال
(6/148)
فالبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر
لغو، وفي الغائب معتبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أهلها عنها وآثارها ودرس رسومها وأطلالها. وقال الأترازي: وقد أورد الفقيه
أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي "
ها هنا يصلح بضبط الفقهاء، وهي الدار وإن زالت حوائطها. والبيت ليس ببيت
بعد أن ينهدم، ثم قال ولكن لا يصلح للاحتجاج به، فإن قائله ليس بمعلوم وإن
شاء مثله لكل أحد غير عسير، انتهى. وذكر الكاكي هذا البيت في معرض الاحتجاج
فلا بأس به؛ لأنه وإن لم يعرف قائله يصلح للاحتجاج ألا ترى أن النحاة
كثيرًا احتجوا بإثبات، لأنه لا يعرف قائلها، غير أنهم إذا عرفوا أن قائلها
من السفر المحدثين لم يحتجوا فيها إلا للاستشهاد.
م: (فالبناء وصف فيها) ش: أي في الدار م: (غير أن الوصف في الحاضر لغو، وفي
الغائب معتبر) ش: أي هذا إذا كانت الصفة لم تكن داعية إلى اليمين نفعه كون
الدار معينة. وفي الغائب إلى المنكر معتبرة، لأن الغائب يعرف بالوصف،
فتعلقت اليمين والدار موصوفة بصفة فلا يحنث بعد زوال تلك الصفة وفي المعين
لغو لأنه إشارة إلى تعريف فأغنت عن الوصف الذي وضع للتوضيح، فاستوى وجودها
وعدمها. وهنا اعتراضان:
الأول: نقض إجمالي، وهو أن يقال هذا. بل بما قال محمد: في كتاب الوكالة لو
وكله بشراء دار فاشترى دارًا خربة يلزم الموكل، وينبغي أن لا يقع للموكل،
لأن الصفة في الغائب معتبرة. والجواب أن الصفة في النكرة من كل وجه معتبرة،
والدار في اليمين منكرة من كل وجه. وفي الوكالة تفرقت من وجه، لأن التوكيل
بشرائها إنما يصح عند بيان الثمن أو محله وليست في اليمين كذلك، فلا يلزم
من صحته اتفاقًا، والوكالة صحة انعقاد اليمين بلا تحفة الاعتراض.
الثاني: بطريق المعارضة وهو أن يقال إن البناء لا يخلو إما أن يكون داخلًا
في المسمى أو لم يكن، فإن كان داخلًا وجب أن لا يختلف الحال بالغيبة
والحضور في الدخول كالعرصة، وإن لم يكن داخلًا وجب أن لا يختلف الحال أيضًا
في عدم الدخول، كما إذا حلف لا يكلم رجلًا ينعقد يمينه برجل قاعد عالم، أي
غير ذلك من الصفات الخارجة عنه. والجواب أن البناء صفة متعينة للدار.
فجاز أن يكون مرادا بحكم العرف المتعين. وفي الرجل التراجم في الصفات ثابت
من العلم والفعل والقدرة والصناعة والحسن والجمال، وهذه الصفات بأثرها يمنع
إرادتها عادة، وليس البعض أولى من البعض في الإرادة، فتمتنع الإرادة أصلًا
كذا ذكره في " النهاية " محالًا عن " الفوائد الظهيرية ".
وقال الأكمل: ورد بأن البناء ضده الخراب ومحل الدار محل نوادرها، فكيف صار
البناء صفة متعينة فهو في حيز النزاع. وأقول في جواب المعارضة المذكور من
التقسيم غير حاضر أو أن
(6/149)
ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت
أخرى فدخلها يحنث لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام، وإن جعلت مسجدا أو
حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث، لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر
عليها، وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه لأنه لا يعود اسم الدارية.
وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث لزوال
اسم البيت، لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث لأنه
يبات فيه والسقف وصف فيه، وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث، لأن الاسم
لم يبق بعد الانهدام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون داخلًا في المنكر لاحتياجه إلى التعريف غير داخل في المعروف لاستغنائه
عنه.
[حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت دارا
أخرى فدخلها]
م: (ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت دارًا أخرى فدخلها يحنث لما
ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام) ش: لم تبدل باعتبار أصله، وإنما يبدل
الوصف، وذلك لا يعتبر في الحاضر. وللشافعي فيه وجهان م: (وإن جعلت مسجدًا)
ش: أي وإن جعلت الدار مسجدًا م: (أو حمامًا أو بستانًا أو بيتًا فدخله لم
يحنث لأنها لم تبق دارًا لاعتراض اسم آخر عليها) ش: لأنها لم تبدل اسمها
كان ذلك بمنزلة متبدل العين.
م: (وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث
لزوال اسم البيت، فإنه لا يبات فيه، حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث،
لأن يبات فيه) ش: أي في البيت الذي زال سقفه وجدرانه باقية م: (والسقف وصف
فيه) ش: أي في البيت، إذ البيتوتة تحصل بدونه، والسقف صفة الكمال في البيت
ولم يضر زوال الوصف.
م: (وكذا إذا بنى) ش: أي ذلك البيت م: (بيتًا آخر فدخله لم يحنث، لأن الاسم
لم يبق بعد الانهدام) ش: لأن الثاني صار غير الأول، لأنه بصفة جديدة، وفي "
خلاصة الفتاوى " عن الأصل لو حلف لا يسكن بيتًا ولا نية له فسكن بيتًا من
شعر أو فسطاطًا أو خيمة لا يحنث إن كان الحالف من أهل المصر. وإن كان من
أهل البادية يحنث. وذكر بعضهم في شرحه منقولًا عن " الفوائد الظهيرية " أنه
إذا حلف لا يهدم بيتًا فهدم بيت العنكبوت يحنث [....] ، لأنه مخالف للأصل
وللرواية، فإن الشيخ أبا نصر قال: وإن حلف لا يخرب بيتا فخرب بيت العنكبوت
لم يحنث وإن سماه الله بيتًا، ذكره في مسألة لا يأكل لحمًا فأكل السمك لم
يحنث.
(6/150)
قال: ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على
سطحها حنث، لأن السطح من الدار، ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه
بالخروج إلى سطح المسجد. وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه أبي
الليث.
قال: وإذا دخل دهليزها يحنث ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم. وإن وقف
في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث، لأن الباب لإحراز
الدار وما فيها، فلم يكن الخارج من الدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها
حنث لأن السطح من الدار، ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى
سطح المسجد) ش: وكذا يصلح اقتداء الذي على سطح المسجد بمن فيه، وذكر في "
الشامل " حلف لا يدخل دار فلان، فقام على حائطه أو سطحه حنث. وقال في " شرح
الأقطع ": قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث. وقال بعض أصحابه:
يحنث.
م: (وقيل في عرفنا لا يحنث) ش: أي بالوقوف على سطح الدار. قال الفقيه أبو
الليث: في " النوازل " إن كان الحالف من بلاد العجم فإنه لا يحنث في هذا
كله ما لم يدخل الدار، لأن الناس لا يعرفون ذلك دخولًا في الدار. وفي "
جامع قاضي خان " هذا في عرفهم، وفي عرفنا الصعود على السطح والحائط لا يسمى
دخولًا فلا يحنث. ثم قال والصحيح جواب الكتاب إنه يحنث.
وفي " الفتاوى " قال: هذا إذا كان اليمين بالعربية، فإن كان بالفارسية وصعد
السطح أو نحوه أو شجرة فيها أو حائطًا فيها لا يحنث. وفي " الكافي " المجاز
في بلاد العجم أنه لا يحنث. وفي " الدهليز ": يحنث. وفي " الإيضاح ": ولو
كان فوق المسجد سكن لم يحنث؛ لأن ذلك ليس بمسجد، وفي " شرح الوجيز " ولو
كانت في الدار شجرة منشرة الأغصان يتعلق ببعضها.
فإن حصل في مجازات البيان حنث. وإن حصل في مجازات لأسترة السطح ففيه وجهان
وإن أعلا من ذلك يحنث وعند أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لو
كان بحيث لو سقط يسقط في الدار يحنث.
[حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له ثم دخل في
صحن داره]
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (وإذا دخل دهليزها يحنث ويجب أن يكون على
التفصيل الذي تقدم) ش: يعني إذا أغلق الباب ويبقى داخلًا وهو ضيق، وإنما
قال: هذا لأن القدوري أطلقه م: (وإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب
كان خارجًا لم يحنث، لأن الباب لإحراز الدار وما فيها، فلم يكن الخارج من
الدار) ش: أي خارج الباب من الدار لعدم الحرز به، وفي " المحيط " وكذا لو
قام على أسكفة الباب والباب بينه وبين الدار لا يحنث. ولو دخل رأسه أو إحدى
رجليه أو حلف أن لا يخرج فخرج إحدى رجليه أو رأسه لم يحنث، وبه قال الشافعي
(6/151)
قال: ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها
لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل استحسانا والقياس أن يحنث لأن الدوام له
حكم الابتداء. وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له، لأنه انفصال من الخارج
إلى الداخل. ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث،
وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث وكذا لو
حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته. وقال زفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث لوجود الشرط وإن قل. ولنا أن اليمين تعقد البر
فيستثنى منه زمان تحققه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد رحمهما الله في رواية لو حلف لا يدخل بيت
فلان ولا نية له، ثم دخل في صحن داره لم يحنث حتى يدخل البيت.
هذا في عرفهم وفي عرفنا الدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الدار، وعليه
الفتوى وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه واحد. حلف لا يدخل
دار فلان فمات صاحبها فدخل لم يحنث، سواء كان على الميت دين أم لا. ولو
باعها فلان ثم دخلها إن عينها بأن قال: هذه. لا يحنث عند أبي حنيفة وأبي
يوسف، وعند محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومالك وأحمد يحنث.
ولو دخل دارًا مشتركة بينه وبين غيره، فإن كان المحلوف عليه يسكنها يحنث.
ولو دخل دارًا يسكنها فلان بالإجارة أو بالإعارة يحنث وبه قال مالك وأحمد.
[حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها]
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم
يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل استحسانًا. والقياس أن يحنث) ش: وبه قال زفر
والشافعي رحمهما الله في وجه م: (لأن الدوام له حكم الابتداء) ش: أي لأن
الدوام على الفعل له حكم ابتداء الفعل كما إذا حلف لا يلبس هذا الثوب وهو
لابسه، أو لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، فدام على ذلك يحنث.
م: (وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له، لأنه انفصال من الخارج إلى
الداخل) ش: وليس دوام م: (ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه في
الحال لم يحنث. وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته
لم يحنث أو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث) ش: أي قياسًا م: (لوجود الشرط وإن
قل) ش: أي شرط الحنث وشرط الحنث يستوي فيه القليل والكثير. م: (ولنا أن
اليمين تعقد البر فيستثنى منه زمان تحققه) ش: إن تحقق البر.
فإن قلت: لا نسلم أن اليمين تعقد للبر، ألا ترى أن الحلف على البناء ينعقد،
والبر لا يتصور.
(6/152)
فإن لبث على حاله ساعة حنث، لأن هذه
الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها، ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما
ولبثت يوما، بخلاف الدخول لأنه لا يقال دخلت يوما يعني المدة والتوقيت،
ولو نوى الابتداء الخالص يصدق، لأنه محتمل كلامه. قال: ومن حلف لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: اليمين ثمة منعقدة للبر أيضًا للإمكان، لكن لعجز الظاهر انتقل الحكم
إلى الحلف، وهو الكفارة م: (فإن لبث على حاله ساعة حنث، لأن هذه الأفاعيل)
ش: وهو اللبس والركوب والسكنى م: (لها دوام بحدوث أمثالها) ش: أي يتحدد
أمثالها بدليل صحة ضرب المدة، وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنه يضرب لها مدة
يقال لبثت يومًا وركبت يومًا) ش: فكان للدوام حكم الابتداء فيحنث الآن يعني
الابتداء الخالص، فحينئذ لا يحنث باللبس.
م: (بخلاف الدخول، لأنه لا يقال دخلت يومًا يعني المدة والتوقيت) ش: إنما
قيد بمعنى المدة والتوقيت احترازًا عما يقال في مجاري كلامهم دخلت عليه
يومًا، قال إلى كذا وكذا خرجت عنه يومًا قال: إلى كذا، وإقرار الدخول
باليوم، لكن يراد به مطلق الوقت، ولا يراد به مضي المدة والتوقيت.
واعلم أن الأفعال على ضربين، ضرب يقبل الابتداء وضرب لا يقبله، والفاصل
بينهما قبول التوقيت وعدمه، قيل التوقيت قبل الامتداد وما لا فلا،
والاستدامة على الممتد بمنزلة الإنشاء. قال الله تعالى: {فَلَا تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] (الأنعام:
الآية 68) ، أي: فلا تمكث قاعدًا، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يعظ الناس قاعدًا، وعلى هذا قالوا: إذا قال لها: كلما ركبت
فأنت طالق فمكث ساعة يمكنها النزول فيها طلقت، وإن مكثت مثلها طلقت أخرى،
لأن للدوام حكم الابتداء وكلمة كلما تعم الأفعال تفكر الجزاء بتكسر الشرط،
ولو نص بما قال: كلما ركبت دابة فعلي أن أتصدق بدرهم فركب دابة فعليه درهم
وإن طال مكثه في الركوب. وإن كان ما ذكرتم صحيحًا لزمه أكثر من ذلك.
وأجيب بأن الاستدامة فيما يمتد بمنزلة الإنشاء إذا لم يكن الإنشاء الخالص
مرادًا ولهذا قلنا في هذا الفصل إذا كان راكبًا وقت اليمين لزمه في كل وقت
يمكنه النزول والركوب درهم لكون الإنشاء الخالص غير مراد.
[حلف لا يسكن هذه الدارفخرج بنفسه ومتاعه وأهله
فيها]
م: (ولو نوى الابتداء الخالص) ش: أي لا بقوله: ألبس بعد النزع ولا أركب بعد
النزول م: (يصدق) ش: فلا يحنث م: (لأنه محتمل كلامه) ش: سماه محتمل، وإن
كان قوله: لا يركب حقيقة في الابتداء، لأنه حقيقة فيه إذا لم يكن راكبًا،
أما إذا كان راكبًا في الابتداء من محتملاته. وقال تاج الشريعة: لا يحنث
لأنه قد يكون من حيث الابتداء، وقد يكون من حيث الدوام.
وقد يكون كلما بلفظ اللبس، فيكون ناويًا بتخصيص ما في لفظه، فصحت النية. م:
(قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يسكن هذه الدار) ش: وهو متأهل
بدليل قوله.
(6/153)
يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله
فيها ولم يرد الرجوع إليها حنث، لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله ومتاعه فيها
عرفا، فإن السوقي عامة نهاره في السوق ويقول أسكن سكة كذا، والبيت والمحلة
بمنزلة الدار،
ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا
بخلاف الأول، والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها) ش: ومتاعه مرفوع بالابتداء وأهله عطف
عليه وقوله فيها خبر المبتدأ، أي في الدار، والواو فيه للحال م: (ولم يرد
الرجوع إليها حنث) ش: وبه قال أحمد ومالك، وعن مالك لو أقام يومًا وليلة
حنث. وفي الأقل لم يحنث. وعند زفر يحنث عقيب اليمين. وقال الشيخ أبو نصر:
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث.
وقال الكاكي: عند الشافعي لا يحنث إذا خرج بنية التحويل، وهذا الخلاف مبني
على أصل بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو أن عنده العبرة
بحقيقة اللفظ أو العادة بخلافها لا تعتبر، وعندنا العبرة للعادة، لأنها
صارت على الحقيقة، والحالف يريد ذلك، فيحمل كلامه عليه، ألا ترى أن المديون
يقول لصاحب الدين لأجرتك يحمل ذلك على شدة المطل.
م: (لأنه) ش: أي لأن الحلف م: (يعد ساكنًا ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفًا)
ش: أي من حيث العرف والعادة، ثم أوضح ذلك بقوله م: (فإن السوقي عامة نهاره)
ش: أي في أكثر نهاره م: (في السوق) ش: مشغولًا لما يعانيه من الحرفة أو
البيع أو الشراء م: (ويقول أسكن سكة كذا) ش: بذكر سكة من سكن المدينة، فهذا
يدل على أنه يعد ساكنًا من أهله ومتاعه فيها م: (والبيت والمحلة بمنزلة
الدار) ش: أراد أن اليمين يقول لا أسكن هذا البيت، ولا أسكن هذه المحلة مثل
اليمين بقوله لا أسكن هذه الدار. وفي " الخلاصة " السكة والمحلة بمنزلة
الدار.
[حلف لا يسكن في هذا المصر فخرج وترك أهله
ومتاعه]
م: (ولو كان اليمين على المصر) ش: بأن حلف لا يسكن في هذا المصر أو في هذا
البلد م: (لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل) ش: بمعنى إذا انتقل إلى
مصر آخر بنفسه ولم ينقل الأهل والمتاع لا يحنث في يمينه م: (فيما روي عن
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا نقل أبو الليث في شرح " الجامع
الصغير " في " الأمالي " عن أبي يوسف م: (لأنه لا يعد ساكنًا في الذي انتقل
عنه عرفًا) ش: وإن لم ينقل الأهل والمتاع قال من يكون ببصرة لا يقال هو
ساكن ببغداد وإن كان أهله ونقله ببغداد م: (بخلاف الأول) ش: وهو قوله لا
أسكن هذه الدار ولا أسكن هذه السكة أو المحلة كما ذكر، وعند الشافعي المصر
كالدار يعني لما ذكر أنه يعتبر حقيقة اللفظ لا العادة.
م: (والقرية بمنزلة المصر) ش: وفي بعض الشروح والقرية كالمصر، يعني إذا
قال: لا أسكن هذه القرية فحكمه حكم من قال لا أسكن هذا المصر.
م: (في الصحيح من الجواب) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا أن القرية
كالدار، وهو
(6/154)
ثم قال أبو حنيفة: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- ولا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي فيه، وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت
بالكل فيبقى ما بقي شيء منه وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل
الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل ما
يقوم به كدخذائيته لأن ما رواء ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق
بالناس
وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا، والأصح أنها كالمصر، وهو اختيار
الشيخ الإمام الأجل برهان الدين والصدر الشهيد وقد عرفت أن جملة هذه
المسائل على ثلاثة أوجه، أما إن كانت المسألة في المصر أو القرية أو الدار،
وقد عرفت حكم كل واحد منهم.
م: (ثم قال أبو حنيفة: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا بد من نقل كل المتاع
حتى لو بقي فيه، وقد يحنث) ش: في يمينه م: (لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى)
ش: أي المسكن م: (ما بقي شيء منه) ش: أي من المتاع. ونقل صاحب " الأجناس "
عن " نوادر " أبي يوسف رواية علي بن الجعد: وإن ترك فيها إبرة أو مسلة حنث،
وبه قال أحمد.
وفي " المحيط " و " المبسوط " قال: مشايخنا إنما يشترط عند أبي حنيفة نقل
الكل بما يقصد به السكنى كالوتد والمكنسة وقطعة حصير بر في يمينه. واعترض
على قول أبي حنيفة بأن سكناه كان بجميع ما كان معه من الأهل والمتاع. فإذا
خرج بعضه انتفى سكناه، لا بأن الكل ينتفي بانتقال البعض. وأجيب: بأن الكل
ينتفي بانتفاء جزء حقيقي لا اعتباري وما ذكرتم ليس كذلك، وينبغي أن ينقل
إلى ترك آخر حتى يبر.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل الأكثر) ش: أي أكثر
المتاع م: (لأن نقل الكل قد يتعذر) ش: ويبقى الأقل لا يعد ساكنًا، وعليه
الفتوى، كذا في " الكافي " وفي " المحيط " م: (وقال محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يعتبر نقل ما يقوم به كدخذائيته) ش: هذه نسبة إلى كدخذا أي بفتح
الكاف وسكون الدال وضم الخاء المعجمة وبالذال المعجمة، وفي آخره ياء آخر
الحروف بعده ألف ساكنة وكدخذائي باللغة الفارسية اسم له من البيت الذي له
عيال وخدم. وكذا يسمى كرمى حاره الذي له كلام في أهلها كداخذ م: (لأن ما
رواء ذلك) ش: أي لأن ما رواء الكدخذائية م: (ليس من السكنى) ش: بعد لا يعد
من السكنى.
م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ في شرح " الجامع الصغير " م: (هذا أحسن وأرفق
بالناس) ش: وفي شرح الجميع واستحسنه المشايخ، وعليه الفتوى وكذا استحسنه
صاحب " المحيط ". وعن مالك بغير نقل عياله دون متاعه.
م: (وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر) ش: أراد به إذا نقل
على منزل آخر بلا تأخير لا يحنث. قال العتابي في شرح " الجامع الصغير ":
فإن لم يكن انتقل من ساعته، فإن كان
(6/155)
فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا
لا يبر، دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره، فما لم يتخذ وطنا آخر
يبقى وطنه الأول في حق الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليلًا لم يحنث، لأنه قدم ما لا يمكنه الامتناع عنه شيء عن اليمين. وفي "
خلاصة الفتاوى " لو تحقق العذر باللص وغيره، وهو معذور.
ونقل في " الأجناس " عن الهارونيات: أنه إذا أخذ في الأهبة فنقله عن
المنقلة بطلب الدابة أو من يحمل متاعه لا يحنث.
وقال في " فتاوى الولوالجي ": ولو خرج في طلب منزل من ساعته وخلف متاعه لم
يحنث، لأن الطلب من عمل النقل. ولو أخذ في النقلة شيئًا فيه، فإن كانت
النقلات لم تغير لم يحنث، لأنه في النقل، فإن كان يمكنه أن يتأخر من ينقل
متاعه في يوم، فليس ذلك، ولا يلزمه النقل بأسرع الوجوه، بل يعذر ما سمي
ناقلًا في العرف.
وفي " الشامل ": إن لم يمكنه النقل من ساعته بعذر الليل أو بمنع ذي سلطان
أو عدم موضع آخر ينقل إليه لم يحنث، لأن حالة الضرورة مستثناة، خلافًا
لزفر. وكذا لو سد عليه الباب فلم يقدر على النقل أو كان شريفًا أو وضيعًا
لا يقدر على النقل إلا منعته بنفسه ولم يجد أحدًا ينقلها لم يحنث حتى يجد
من ينقلها، ويلحق الموجود بالمعدوم للعذر.
ونوقض بما ذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل أن من قال: إن لم أخرج
من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد ومنع من الخروج يحنث، وكذا لو قال
لامرأته وهي في منزل والدها إن لم تحضري الليلة منزلي فأنت طالق فمنعها
الوالد عن الحضور يحنث. وأجيب بأن في مسألة الكتب شرط الحنث المسكني، وإنه
فعل وجودي لا يحصل بدون الاختيار، ولا يحصل الاختيار مع وجود الموانع
المذكورة. وأما في صورة النقض فشرط الحنث عدم الخروج، والعدم لا يحتاج إلى
الاختيار.
م: (فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد لا يبر) ش: وفي جامع " قاضي خان "
اختلفوا فيه قال بعضهم: لا يحنث، لأنه لم يبق ساكنًا فيها. وقال بعضهم:
يحنث، لأن سكناه لا ينقضي إلا بسكنى أخرى لا استدلالًا بمسألة الزيادات،
أشار إليه المصنف بقوله.
م: (دليله في الزيادات) ش: أي دليل ما قالوا في كتب الزيادات، ولفظ دليل
مرفوع بالابتداء وخبره قوله في الزيادات، وقوله م: (أن من خرج بعياله) ش:
بدل منه، أي بأن خرج رجله م: (من مصره) ش: ومعه عياله م: (فما لم يتخذ
وطنًا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة) ش: يعني لا يقصر.
قال تاج الشريعة: صورته رجل بخاري متوطن بها، خرج منها بعياله إلى سمرقند،
فلما
(6/156)
كذا هذا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصل إلى الكوفة مثلًا رجع وأراد الذهاب إلى خراسان، فدخل بخارى فإنه يتم
الصلاة، لأنه ما انتقض منها في حق الصلاة، فكذا في غيرها، انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره صورة ما ذكر المصنف. وأما الصورة المذكورة في الزيادات
في كوفي انتقل بأهله ومتاعه إلى مكة ليس وطنها فلما وصلها بدا له أن يعود
إلى خراسان فعاد ومر بالكوفة قال: يصلي بها ركعتين، لأن وطنه بها انقطع،
وإن بدا له قبل أن يدخلها فإنه إذا مر بالكوفة قال: يصلي بها ركعتين صلى
بها أربعًا، لأنه لم يتخذ وطنًا بقي وطنه بالكوفة.
م: (كذا هذا) ش: يعني كذا حكم هذا الرجل الذي حلف لا يسكن هذه الدار أنه
إذا انتقل إلى السكنة أو إلى المسجد لا يبر في يمينه، لأنه لما لم يتخذ
وطنًا آخر وطنه الأول فافهم، فإنه موضع دقيق.
(6/157)
باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب
وغير ذلك قال: ومن حلف لا يخرج من المسجد فأمر إنسانا فحمله فأخرجه حنث،
لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر، فصار كما إذا ركب دابة فخرجت، ولو أخرجه
مكرها لم يحنث، لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الآمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير
ذلك] [حلف لا يخرج من المسجد فأمر
إنسانا فحمله فأخرجه]
م: (باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك) ش: أي هذا الباب في
بيان حكم اليمين في الخروج، وهو انفصال من الداخل إلى الخارج، وذكر باب
الخروج بعد باب الدخول تحقيقًا للمقابلة، وذكر الإتيان لأنهما يتواردان بعد
الخروج، ذكرهما عند ذكره، وأراد بقوله - وغير ذلك - نحو قوله لا تخرج
امرأته إلا بإذنه. وقوله لرجل اجلس فقعد عندي. وقوله لا تركب دابة فلان.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن حلف لا يخرج من المسجد)
ش: قيد المسجد اتفاقًا، لأن الحكم في البيت والدار كذلك، أو نسب عدم الخروج
إلى المسجد بناء على غالب حال المسلم، لأنه في الغالب يكون ملازمًا ولا
يخرج منه، كذلك قالوا.
قلت: المسألة في " الجامع الصغير " كذا وقعت، وأوردها كما هي من غير تعبير
لفظها م: (فأمر إنسانًا فحمله فأخرجه حنث، لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر
فصار كما إذا ركب دابة فخرجت به) ش: لأن خروجه ينسب إليه والدابة آلته.
م: (ولو أخرجه مكرهًا) ش: أي ولو أخرج هذا الحالف إنسانًا حال كونه مكروهًا
م: (لم يحنث) ش: وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في
رواية م: (لأن الفعل) ش: أي الخروج م: (لم ينتقل إليه) ش: أي إلى الحالف م:
(لعدم الآمر) ش: حاصله أنه أخرج ولم يخرج فلم يوجد شرط الحنث.
وقال مالك: إن استصعب على الحاصل لم يحنث، وإن راضى عليه يحنث، يعني إذا
كان قادرا على الامتناع وسكن عنده، ويحنث، لأن سكونه في هذه الحالة بمثابة
الإذن، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وصورة المسألة في الإخراج فيما إذا حمله
الإنسان وأخرجه مكرهًا، لأنه لم يوجد منه فعل حمل، أما إذا حدده وجنح بنفسه
خوفًا منه حنث لوجود الفعل منه، وبه قال مالك.
وقال الأترازي: أما إذا حمل فرضي به بقلبه ولم يأمره، فجوابه لم يذكر في "
الجامع الصغير " قال في " شرح الطحاوي ": اختلف المشايخ فيه، قال: بعضهم
يحنث كما إذا خرج طائعا، لأنه لما كان ممكنًا من الامتناع فلم يمتنع صار
كأمر الإخرج. وقال بعضهم: لا يحنث، لأنه لم يوجد منه فعل ينسب إليه، ولهذا
كان يقول الفقيه أبو جعفر.
(6/158)
ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في
الصحيح، لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضاء.
قال: ولو حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج ثم أتى حاجة أخرى لم
يحنث، لأن الموجود خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج. ولو حلف لا يخرج
إلى مكة فخرج يريدها، ثم رجع حنث لوجود الخروج على قصد مكة وهو الشرط، إذ
الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج. ولو حلف لا يأتيها لم يحنث حتى
يدخلها، لأنه عبارة عن الوصول. قال الله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ
فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] (الشعراء:
الآية 16) ، ولو حلف لا يذهب إليها قيل هو كالإتيان، وقيل: هو كالخروج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهكذا روي عن أبي يوسف في " الأمالي "، ثم في صورة الحمل مكرهًا لا يحنث
بالاتفاق، ولكن هل ينحل اليمين أم لا؟ فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم:
ينحل، وعليه السيد أبو شجاع، فقال: سئل شيخنا شمس الأئمة الحلواني عن هذا
ينحل اليمين. وقال بعضهم: لا ينحل، وهو الصحيح، كذا قال التمرتاشي وغيره.
م: (ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في الصحيح) ش: أي القول الصحيح
احترازًا عن قول بعض المشايخ، وقد مر ذكره م: (لأن الانتقال بالأمر لا
بمجرد الرضاء) ش: أي لأن انتقال الفعل إليه يكون بأمره، ولا يكون بمجرد
رضاه، ففيه دليل أن من أمر إنسانًا بإتلاف ماله فأتلفه لم يضمن، وإن أتلفه
بغير أمره وصاحب المال ساكت لا ينهاه ضمن، لأن فعله لم ينتقل إلى صاحب
المال.
[حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج إليها
ثم أتى إلى حاجة أخرى]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو حلف لا يخرج من داره
إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى إلى حاجة أخرى لم يحنث، لأن الموجود خروج
مستثنى، والمضي بعد ذلك) ش: أي بعد الخروج المستثنى م: (ليس بخروج) ش: لأن
الخروج انفصال من الباطن إلى الخارج ولم يوجد، والوجود الإتيان إلى حاجة
ليس بخروج لأنه عبارة عن الدخول والخروج عبارة عن الانفصال، ولا دوائم
للخروج بالإجماع.
م: (ولو حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها) ش: أي يريد مكة م: (ثم رجع حنث
لوجود الخروج على قصد مكة، وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى
الخارج) ش: والانفصال لا يمتد م: (ولو حلف لا يأتيها لم يحنث حتى يدخلها
لأنه) ش: أي لأن الإتيان م: (عبارة عن الوصول، قال تعالى {فَأْتِيَا
فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16]
(الشعراء: الآية 16) ش: لأن القول لا يكون إلا بعد الوصول إليه.
م: (ولو حلف لا يذهب إليها) ش: أي إلى مكة م: (قيل هو كالإتيان) ش: أي حكمه
حكمه حكم ما لو قال لا يأتيها، وهو قول نصر بن يحيى م: (وقيل هو كالخروج)
ش: أي حكمه حكم ما لو قال لا يخرج إلى مكة، وهو قول محمد بن سلمة. حاصل هذا
أنه ثلاث مسائل، الخروج والإتيان والذهاب، ففي مسألة الخروج يحنث، وفي
مسألة الإتيان لا يحنث، وأما مسألة الذهاب فلم
(6/159)
وهو الأصح، لأنه عبارة عن الزوال قال: وإن
حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن
البر قبل ذلك مرجو،
ولو حلف ليأتينه غدا إن استطاع، فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يذكر جوابها في " الجامع الصغير " واختلف فيه المشايخ كما ذكرنا م: (وهو
الأصح) ش: أي الأصح قول من قال إن الذهاب كالخروج، وهو قول محمد بن سلمة م:
(لأنه) ش: أي لأن الذهاب م: (عبارة عن الزوال) ش: وقد استعمل الذهاب في
الأمرين جميعًا بمعنى الإتيان كما قال الله تعالى {اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ} [طه: 43] والمراد به الإتيان والإذهاب الإزالة، فيكون الذهاب
زوالًا فلا يشترط فيه الوصول. وفي بعض النسخ بعد قوله ومعنى الإزالة كما في
قَوْله تَعَالَى {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}
[الأحزاب: 33] (الأحزاب: الآية 33) ، أي ليزيل عبارة عن الزوال، وليس هذا
الموجود في كثير من النسخ.
م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ": م: (وإن حلف ليأتين البصرة فلم
يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن البر قبل ذلك) ش: أي قبل
الموت م: (مرجو) ش: إلا أن الحالف ما دام حيًا مرجي وجود البر، وهو الإتيان
فلا يحنث، فإن مات فقد تعذر شرط البر، وتحقق شرط الحنث، وهو ترك الإتيان
فيحنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن هذه اليمين مطلقة عن الوقت.
بخلاف اليمين المؤقتة، مثل أن يقول إن لم أدخل هذه الدار اليوم فعبدي حر،
فإن اليمين معلق بآخر الوقت ولم يدخل الدار يحنث، أما إذا فات الوقت قبل
دخوله وهو حي يحنث ويعتق العبد.
[حلف رجل ليأتين زيدا في غد إن استطاع على ذلك]
م: (ولو حلف ليأتينه غدًا إن استطاع) ش: أي لو حلف رجل ليأتين زيدًا في غد
إن استطاع على ذلك م: (فهذا على استطاعة الصحة) ش: أي صحة الأسباب والآلات،
لأن الاستطاعة تطلق على معنيين، أحدهما هذا، قال الله تعالى {وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل
عمران: 97] (البقرة: الآية 196) وفسره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بالزاد والراحلة، والثاني القدرة الحقيقية.
وهو معنى قوله م: (دون القدرة) ش: أي لا يحمل على القدرة الحقيقية التي
يترتب عليها الفعل عند إرادة جازمة يخلق الله تعالى عند الفعل لا قبله
عندنا، خلافًا للمعتزلة، فعندهم سابقة على الفعل، وبه قال الكرامية، وتسمى
هذه الاستطاعة القضاة على ما يجيء.
وقال الأترازي: وقول القدرة فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة، وقد أراد
بالأول استطاعة الحال، وبالثاني استطاعة الفعل لنا فيه نظر، لأن المفهوم من
قوله دون القدرة دون استطاعة القدرة، فكأنه قال دون قدرة القدرة لأن
للاستطاعة والقدرة من الألفاظ المترادفة، وهي عبارة ركيكة.
(6/160)
وفسره في " الجامع الصغير " وقال: إذا لم
يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه، فلم يأت حنث، وإن
عنى استطاعة القضاء دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهذا لأن حقيقة
الاستطاعة فيما يقارن الفعل، ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في
المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه، وتصح نية الأول ديانة، لأنه نوى حقيقة
كلامه ثم قيل تصح قضاء أيضا لما بينا وقيل لا تصح لأنه خلاف الظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو قال دون الفعل فكان دون القدرة كان أولى، فلعله سهو من الكتاب صحف
القدرة بالنجاة وكتب القدرة مكانه. م: (وفسره في " الجامع الصغير ") ش: أي
محمد فسر حكم هذه المسألة في " الجامع الصغير " م: (فقال إذا لم يمرض ولم
يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر معه على إتيانه، فلم يأت حنث) ش: وإذا
امتنع من الإتيان لعذر مرض أو منع سلطان ونحو ذلك لا يحنث، لأنه ليس
بمستطيع، وإذا امتنع بلا عذر يحنث، لأنه مستطيع.
م: (وإن عنى استطاعة القضاء دين فيما بينه وبين الله تعالى) ش: أي استطاعة
القضاء والقدر التي يقارن الفعل عند أهل السنة، وسمي استطاعة القضاء لأن
الفعل يوجد بإيجاد الله تعالى وقضائه وقدرته.
فإذا قضى بوجود الفعل أوجد قدرة العبد مع ذلك الفعل ولم يوجد ذلك الفعل لم
يوجد القدرة، لأنها خلقت لأجل ذلك الفعل انقضى عليه بالوجود فتمت استطاعة
القضاء، فلا يحنث ديانة أبدًا. لأنه في أي حال لم يفعل هو غير مستطيع
حقيقة، لأنها تسبق الفعل، ذكره البزدوي في " مبسوطه " و " جامعه ". م:
(وهذا) ش: أشار به إلى قوله ما قبله م: (لأن حقيقة الاستطاعة فيما يقارن
الفعل) ش: يعني لا تسبق الفعل وهي عرض يخلفه الله تعالى مع الفعل معًا وهي
عليه للفعل عندنا وزعمت المعتزلة أنها سابقة على الفعل وموضع هذا علم
الكلام م: (ويطلق اسم الاستطاعة على سلامة الآلات وصحة الأسباب في
المتعارف) ش: لأن الغالب في كلام الناس هذه الاستطاعة لا استطاعة الفعل
يحمل المطلق على المتعارف. وهو معنى قوله م: (فعند الإطلاق ينصرف إليه) ش:
أي إلى المتعارف م: (وتصح نية الأول) ش: وهو استطاعة الفعل م: (ديانة) ش:
يعني من حيث الديانة، يعني فيما بينه وبين الله تعالى م: (لأنه نوى حقيقة
كلامه) ش: لأنها مما يطلق على اسم الاستطاعة بالنصوص حتى امتنع عن الإتيان
بعذر أو بغير عذر لا يحنث، أراد في يمينه، لأن الاستطاعة لم توجد أنها لا
تسبق الفعل، ولكن هل يصدق قضاء فيه اختلاف الرواية أشار إليه بقوله.
م: (ثم قيل تصح) ش: أي تصح نية الاستطاعة قضاء. قال الشيخ أبو نصر: قال
الطحاوي: يصدق م: (قضاء أيضًا لما بينا) ش: أراد قوله لأنه نوى حقيقة كلامه
م: (وقيل لا تصح) ش: وهو قول أبي بكر الرازي: م: (لأنه خلاف الظاهر) ش: فيه
تحقق له.
(6/161)
قال: ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه
فأذن لها مرة، فخرجت ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه حنث، ولا بد من الإذن في
كل خروج، لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن، وما وراءه داخل في الحظر العام.
ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء، لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف
الظاهر. ولو قال: إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة فخرجت ثم خرجت بعدها
بغير إذنه لم يحنث، لأن هذه كلمة غاية فتنتهي اليمين به، كما إذا قال: حتى
آذن لك. ولو أرادت المرأة الخروج فقال إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم
يحنث، وكذلك إن أراد رجل ضرب عبده فقال له آخر إن ضربته فعبدي حر فتركه ثم
ضربه، وهذه تسمى يمين الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الحلف على شيء يتكرر بتكرر المحلوف عليه أم
لا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها
مرة فخرجت ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه حنث، ولا بد من الإذن في كل خروج،
لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن) ش: لأن تقديره والله لا تخرجي إلا خروجًا
ملصقًا بإذني، لأن الباء للإلصاق يقتضي ملصقًا وملصقًا به م: (وما وراءه)
ش: أي وما وراءه المستثنى م: (داخل في الحظر العام) ش: لأن اليمين باقية،
لأنه نهاها عن الخروج عامًا بوقوع النكرة في موضع النفي.
م: (ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف
الظاهر) ش: لكونه مخالفًا لمقتضى الباء م: (ولو قال: إلا أن آذن لك فأذن
لها مرة واحدة فخرجت ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث) ش: لوقوع الكفاية
بإذن واحد، واعترض عليه بقوله تعالى {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] (الأحزاب: الآية 53) ، وكان
مراد الإذن لازما وأجيب بأن ذلك بدليل خارجي، وهو قَوْله تَعَالَى {إِنَّ
ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] .
م: (لأن هذه) ش: أي قوله إلا أن آذن لك م: (كلمة غاية) ش: يعني تفيد معنى
الغاية، لأن الإذن موضوع لها، بل الاستثناء تعذر حمله عليه، لأن صدر الكلام
ليس من جنس الإذن، حتى يستثنى الإذن منه، فجعل مجازًا عن حق المناسبة
بينهما، وهو أن حكم ما قبل الغاية يخالف ما بعدها كما إن حكم ما قبل
الاستثناء يخالف حكم ما بعده م: (فينتهي اليمين به) ش: أي بإذنه م: (كما
إذا قال: حتى آذن لك) ش: حيث ترتفع اليمين بالإذن، لأنه يصير غاية فترتفع
به اليمين.
م: (ولو أرادت المرأة الخروج) ش: أي لو أرادت المرأة الخروج م: (فقال إن
خرجت فأنت طالق فجلست ساعة ثم خرجت لم يحنث، وكذلك إذا أراد رجل ضرب عبده،
فقال له آخر إن ضربته فعبدي حر، فتركه ثم ضربه) ش: لم يعتق، وكذلك الرجل
يقول لآخر اجلس فقعد فيقول إن تغديت فعبدي حر، ثم أتى أهله في ذلك فتغدى
عندهم لم يحنث، إنما اليمين في ذلك على الفور.
م: (وهذه تسمى يمين الفور) ش: أي يمين الحال، وهي كل يمين خرجت جوابًا
بالكلام أو بناء على أمر يتقيد بذلك، بدلالة الحال، ولا يحنث في يمينه
استحسانًا، خلافًا لزفر، والفور مصدر فارت القدر إذا غليت فاستعير للسرعة،
ثم سميت الحالة التي ليس فيها به فصل، جاء فلان
(6/162)
وتفرد أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بإظهاره. ووجهه أن مراد المتكلم الرد عن تلك الضربة والخرجة عرفا، ومبنى
الأيمان عليه..
ولو قال له رجل اجلس فتغد عندي، فقال: إن تغديت فعبدي حر فخرج فرجع إلى
منزله وتغدى لم يحنث، لأن كلامه خرج مخرج الجواب، فينطبق على السؤال،
فينصرف إلى الغداء المدعو إليه. بخلاف ما إذا قال: إن تغديت اليوم، لأنه
زاد على حرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فخرج من فوره، أي من ساعته، وفي " الفوائد الظهيرية ": سميت بهذا الاسم
باعتبار ثوران الغضب.
م: (وتفرد أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإظهاره) ش: أي لم يبينه أحد
فيه، وكانوا يقولون اليمين على نوعين مطلقة ومقيدة بوقت فاستنبط أبو حنيفة
فيها قسمًا ثالثًا وهي مطلقة لفظًا ومؤقتة معنى وإنما أخذها من حديث جابر
بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن جبير دعيا إلى نصرة إنسان
فحلفا أن لا ينصراه ثم نصراه بعد ذلك لم يحنثا وأقر في ذلك العرف ومبنى
الأيمان على العرف.
م: (ووجهه) ش: أي ووجه هذا الكلام م: (أن مراد المتكلم الرد عن تلك الضربة)
ش: في قوله إذا أراد رجل ضرب عبده م: (والخرجة) ش: في قوله إن خرجت فأنت
طالق م: (عرفًا) ش: يعني من حيث العرف م: (ومبنى الأيمان عليه) ش: أي على
العرف وحاصل الكلام أن قصد الزوج في مسألة الخروج منعها من الخروج الذي
شبهت قوله فصار كأنه قال: إن خرجت هذه الخرجة فقصدت اليمين بتلك الخرجة،
وكذلك قصده أن يمنع مولى العبد عن الضرب الذي تهيأ له، فكأنه قال: إن ضربت
هذه الضربة التي تهيأت لها فتعينت اليمين بتلك الضربة بدلالة الحالة عرفًا.
م: (ولو قال له رجل اجلس فتغد عندي، فقال إن تغديت فعبدي حر فخرج فرجع إلى
منزله) ش: وفي بعض النسخ فخرج إلى منزله م: (وتغدى لم يحنث) ش: أي في
الاستحسان، والقياس أن يحنث، وهو قول زفر والشافعي -رحمهما الله لأنه عقد
يمينه على مطلق الغد يتناول كل غد، كما لو قال ابتداء والله لا أتغدى.
ووجه الاستحسان وهو قوله م: (لأن كلامه خرج مخرج الجواب) ش: بكلامه م:
(فينطبق على السؤال، فينصرف إلى الغداء المدعو إليه) ش: فصار كأنه قال إن
تغديت الغداء الذي دعوتني إليه فانصرف يمينه إلى ذلك الغد دلالة الحال.
م: (بخلاف ما إذا قال إن تغديت اليوم، لأنه زاد على حرف الجواب) ش: لأنه
ينصرف كلامه إلى الغداء المدعو إليه فلا يتقيد يمينه بذلك، فلا يجعل في
كلامه بانيًا على سؤال الرجل م: (فيجعل مبتدئًا) ش: في الكلام محترزًا عن
إلغاء الزيادة التي تكلم فيها.
فإن قيل: ليس كذلك بأن الله تعالى قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ
يَامُوسَى} [طه: 17] {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ
بِهَا عَلَى} [طه: 18] .... (طه: الآية 18) ، فقد زاد على قدر الجواب، ومع
ذلك جعل مجيبًا لا سيدًا. قلنا كلمة ما مستعمل للسؤال على الذات والسؤال عن
الصفات، ولما استعمل
(6/163)
الجواب فيجعل مبتدئا،
ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم
يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أنه إذا كان عليه دين مستغرق
لا يحنث، وإن نوى لأنه لا ملك للمولى فيه عنده، وإن كان الدين غير مستغرق
أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه، لأن الملك فيه للمولى، لكنه يضاف
إلى العبد عرفا، وكذا شرعا. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا وله
مال فهو للبائع» .... " الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في حيز السؤال أثبته على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن السؤال وقع عن
الذات والصفة فجمع بينهما ليكون مجيبًا على كل حال.
[حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له
مديون أو غير مديون]
م: (ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون
لم يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إذا لم ينو، ولا بد
من تقدير هذا لأجل الاستثناء الذي يأتي الدابة ما يدب على الأرض لغة، ولكن
المراد من دابة فلان فرسه وحماره وبغله، حتى لو ركب بعيره أو بغلته لم يحنث
والقياس أن يحنث لأن اسم الدابة يتناولهما حقيقة. وفي الاستحسان لا يحنث
لعلمنا أنه يردا لضمهم في كل ما يدب على الأرض.
وقد عقد يمينه على فعل الركوب، فيتناول ما يركب من الدواب في الغالب وهو
الخيل، والضهم في البغال والحمير مؤيدة قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] ش: (النحل: الآية 8)
، فمر بالركوب فيها وفي الأنعام بالأكل بقوله {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا
لَكُمْ} [النحل: 5] ....
. الآية. والفيل والبقر، وإن كان يركب في بعض الأوقات فذلك لا يدل على أن
اليمين يتناوله أن البقر والجاموس يركب أيضًا في بعض المواضع ثم لا يفهم
أحد من قول القائل لا تركب دابة فلان البقرة إلا أن ينوي جميع ذلك فيقع
عليه ما نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد عليه، ولو نوى الخيل وحدها لا يصدق لا
قضاء ولا ديانة، لأن في لفظه الركوب لا المركب وبنيته يصح في اللفظ لا فيما
لفظه التخصيص.
م: (إلا أنه) ش: أشار من يقدر غير ملفوظ، وهو الذي قدرناه بعد قوله لم
يحنث، يعني إذا لم ينو يعني لا يحنث بركوب دابة العبد المأذون، سواء كان
عليه دين أو لم يكن إذا لم ينو، إلا أنه م: (إذا كان عليه دين مستغرق) ش:
بكسر الراء م: (لا يحنث وإن نوى) ش: واصل بما قبله، أي وإن نوى ركوب العبد
م: (لأنه لا ملك للمولى فيه) ش: أي في العبد الذي استغرق دين كسبه م:
(عنده) ش: أي عند أبي حنيفة.
م: (وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه) ش:
فإذا نواه حنث م: (لأن الملك فيه للمولى، لكنه مضاف إلى العبد عرفًا) ش: أي
من حيث العرف، حيث يقال دابة عبد فلان م: (وكذا) ش: أي وكذا يضاف إلى العبد
م: (شرعًا) ش: أي من حيث الشرع، استدل عليه بقوله م: (قال - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م:
«من باع عبدًا وله مال فهو للبائع»
(6/164)
فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الوجوه كلها يحنث إذا نواه لاختلال
الإضافة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث وإن لم ينو لاعتبار حقيقة
الملك، إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحديث) ش: قال الأترازي: كذا ذكر فخر الإسلام في " الجامع الصغير ". وقال
الكاكي: وتمامه فما له لمولاه. وفي بعض الروايات فهو لبائعه.
قلت: الحديث أخرجه الأئمة الستة كلهم عن الزهري عن سالم عن ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط
المبتاع ومن باع نخلًا فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع» م: (فتختل
الإضافة إلى المولى) ش: لأنه يضاف إلى المولى م: (فلا بد من النية) ش:
ويضاف إلى العبد أيضًا ولا يدخل تحت مطلق الإضافة إلا بالنية.
م: (وقال أبو يوسف في الوجوه كلها) ش: أي فيما إذا لم يكن عليه دين أو كان
عليه دين مستغرق أو غير مستغرق م: (يحنث إذا نواه لاختلال الإضافة) ش: أي
إضافة الدابة تارة إلى المولى وتارة إلى العبد كما ذكرنا.
م: (وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث) ش: أي في الوجوه كلها سواء كان
عليه دين أو لا، وسواء كان الدين مستغرقًا أو لم يكن، وسواء نوى أو لم ينو،
لأن دابة مملوك له، فوجب أن يحنث، لأن العبد وما في يده لمولاه م: (وإن لم
ينو) ش: واصل بما قبله م: (لاعتبار حقيقة الملك) ش: يعني للمولى م: (إذ
الدين لا يمنع وقوعه) ش: أي وقوع الملك م: (للسيد عندهما) ش: أي عند أبي
يوسف ومحمد، ويقول قال: مالك والشافعي - رحمهما الله وأحمد، ولو ركب دابة
مكاتبه لا يحنث في قولهم جميعًا. ولو قال: أعتقت عبدي وله عبد فهو على هذا
الخلاف.
(6/165)
|