البناية
شرح الهداية باب اليمين في الأكل والشرب قال: ومن حلف
لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها؛ لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل
فينصرف إلى ما يخرج منه، وهو الثمر، لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في الأكل والشرب]
[حلف لا يأكل شيئا فابتلع ما فيه]
م: (باب اليمين في الأكل والشرب) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما إذا حلف لا
يأكل أو لا يشرب لما ذكر أول حاجة الإنسان، وهو المسكن ذكر بعده ما يحتاج
إليه في البقاء وهو الأكل والشرب، والأصل أن الأكل إيصال شيء إلى جوفه مما
يتأتى فيه المضغ والهشم مهشومًا ممضوغا أو غير ممضوغ.
والشرب إيصال شيء إلى جوفه مما لا يتأتى فيه الهشم والمضغ، والذوق عبارة عن
معرفة الشيء من غير إحالة عينه أن الحقيقة تترك بدلالة حالة المتكلم كما في
يمين الفور، وبدلالة محل الكلام، وبدلالة اللفظ في نفسه، وبدلالة العادة.
وذكر الزندوسي: الأكل والشرب عبارة عن عمل الشفاه والحلق، والذوق عبارة عن
عمل الشفاه دون الحلق. والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه والمص
عبارة عن عمل اللهاة خاصة.
فعلى هذا لو حلف لا يأكل شيئًا فابتلع ما فيه لا يحنث لكن ذكر في " فتاوى
أبي الليث " مسألة تدل على الحنث، ولو حلف لا يأكل عنبًا أو رمانًا فجعل
يمضغ ويرمي تفله ويبلع ماء لم يحنث، لأن هذا يسمى مصًا لا أكلا ولا شربًا.
والحاصل أن الذي يصل إلى جوف الإنسان أربعة أوجه مأكول ومشروب وممضوغ
وملعوق فذكرت الثلاثة الأول وبقي اللعوق، وهو ما يتناوله باللحس بالأصبع
والشفاه، ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فشربه لم يحنث إذا ثرد فيه.
ولو حلف لا يثرد فيه فأكله لا يحنث، قالوا: هذا إذا كان اليمين بالعربية،
أما إذا كان بالفارسية فأكل أو شرب يحنث، وعليه الفتوى، كذا في " الوجيز "
و " فتاوى قاضي خان ".
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها)
ش: أي اليمين على ثمرها بالثاء المثلثة، حتى لو كانت لا ثمرة لها يقع على
ثمنها، ذكر في " الفوائد الحميدية " في " فتاوى الولوالجي " إذا أكل عين
النخلة لا يحنث وإن نوى م: (لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما
يخرج منه وهوالثمر، لأنه سبب له) ش: الضمير في منه وفي لأنه يرجع إلى ما في
قوله إلى ما يؤكل وهو عبارة عن النخلة، لأن النخلة لما كانت سببًا لا يخرج
منها م: (فيصلح مجازًا عنه) ش: الضمير في عنه يرجع إليها فيما يخرج، وكونه
مجازًا بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب.
(6/166)
لكن الشرط أن لا يتعين بصيغة جديدة حتى لا
يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ
وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبا فأكله لم يحنث، لكن الشرط أن لا
يتعين بصيغة جديدة حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ وإن حلف لا
يأكل من هذا البسر
وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب أو من هذا اللبن فصار الرطب تمرا أو صار
اللبن شيرازا لم يحنث، لأن صفة البسورة والرطوبة داعية إلى اليمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لكن الشرط أن لا يتعين) ش: أي ثمر النخلة م: (بصيغة جديدة، حتى لا يحنث
بالنبيذ) ش: أي بالنبيذ الذي يعمل من ثمرها م: (والخل) ش: أي وكذا لا يحنث
بالخل الذي يفعل منه م: (والدبس المطبوخ) ش: أي وكذا لا يحنث بالدبس
المطبوخ منه، لأن ما صنع من ذلك الثمر من الأشياء المذكورة ليس بثمر.
كما إذا حلف لا يأكل من هذا العنب فأكل من الزبيب أو عصيره لا يحنث، وإنما
قيد الدبس بالمطبوخ احترازًا عما إذا أطلق الدبس على ما يصير من الرطب
وغيره، ذكره في " الذخيرة "، وفي " المجمل ": الدبس عصارة الرطب.
[حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبًا فأكله]
م: (وإن حلف لا يأكل من هذا البسر) ش: فهو على ما يخرج منه، وهو حصرمه
وعنبه وزبيبه ودبسه، أي عصيره. ولو أكل من خل من ذلك لم يذكر محمد في "
الجامع الكبير ".
وقال البستاني في " شرح الجامع الكبير ": ينبغي أن لا يحنث، لأنه لا يخرج
من النخل والكرم كذلك، وذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يحنث. وإن حلف لا يأكل
من هذا البسر، قال الجوهري: البسر أوله طلع ثم حلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب
ثم تمر والواحدة بسرة م: (فصار رطبًا فأكله لم يحنث) ش: لأن اليمين إذا
تعلق باسم يبقى ببقاء ذلك الاسم، وتزول بزواله عليها ما يبقى.
م:
(وكذا) ش: أي وكذا لم يحنث م: (إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب أو من هذا
اللبن فصار الرطب تمرًا واللبن شيرازًا لم يحنث) ش: أي أو صار اللبن
شيرازًا بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء بعدها الألف في
آخره راء، وهو اللبن الرائب، أي الخاثر إذا استخرج تاءه قاله الأترازي.
وقال الكاكي مثله، إلا أنه قال بعده حتى صار [ ... ] كالفالوذج الخاثر، ولم
يذكره الجوهري، ويفهم من كلام صاحب " المغرب " أنه فارسي وليس بعربي، وهذا
التغيير الذي ذكر يقال له في لغة البلوين قيرس وهو الجبن، يجعل في خرقة
ويعقد رأسها ويعلق عليه وتد ويتقاطر منه الماء الذي فيه جميعه ويصير
كالفالوذج.
م: (لأن صفة البسورة والرطوبة) ش: وهي كونها بسرًا، أو الرطوبة وهي كونها
رطبًا م: (داعية إلى اليمين) ش: فلا ينصرف إلى ما يتخذ منه، والقاعدة في
هذا أن اليمين إذا انعقدت على يمين كان موصوفًا ندع ذلك الوصف إلى اليمين
فتنعقد اليمين تبعًا لذلك الوصف فيتنزل منزلة الاسم
(6/167)
وكذا كونه لبنا فيتقيد به، ولأن اللبن
مأكول فلا ينصرف اليمين إلى ما يتخذ منه، بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا
الصبي أو هذا الشاب فكلمه بعدما شاخ، لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي
عنه، فلا يعتبر الداعي داعيا في الشرع. ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل فأكل
بعدما صار كبشا حنث، لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين، فإن
الممتنع عينه أكثر امتناعا عن لحم الكبش.
قال: ومن حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث، لأنه ليس ببسر. ومن حلف لا
يأكل رطبا أو بسرا أو حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل مذنبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلذلك لا يحنث في الصورة المذكورة.
م: (وكذا كونه لبنًا) ش: داع إلى اليمين م: (فيتقيد به) ش: أي باللبن حتى
لا يحنث بأكل شرازه وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث وتوقف فيه بعض
أصحابه م: (ولأن اللبن مأكول فلا ينصرف اليمين إلى ما يتخذ منه) ش: أي من
اللبن مثل زبده وشرازه؛ لأن ما عقد عليه اليمين عنه توكل فلم ينصرف إلى ما
يتخذ منه، أي من اللبن م: (بخلاف ما إذا حلف) .
ش: جواب عما يقال فعلى ما ذكرتم إذا حلف م: لا يكلم هذا الصبي أو هذا
الشاب، فكلمه بعدما شاخ) ش: ينبغي أن لا يحنث، لأن الصبا مظنة الشفقة
والشباب شعبة من الجنون، فكانا وصفين داعيين إلى اليمين، وقد زالا عند
الشيخوخة، فكان الواجب أن لا يحنث. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا حلف أي الحالف
لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب فكلمه أي فكلم الصبي أو الشاب بعدما صار
شيخًا حنث.
م: (لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه) ش: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا» وترك
الرحمة بالصغير وترك التوقير للكبير من أعظم الهجران م: (فلا يعتبر الداعي)
ش: يعني إلى هذا اليمين م: (داعيًا في الشرع) ش: لأن المهجور شرعًا
كالمهجور عادة فانعقدت اليمين على الذات وهي موجودة حالة الشيخوخة، فيحنث
في يمينه. واعترض على دليل الكتب بأن سلمنا أن هجران المسلم حرام، لكن
الحرام يقع محلوفًا عليه كما لو قال: والله ليشربن الخمر خمرًا. وأجيب: بأن
الكلام في الحقيقة يجوز أن يترك هجران الشرع فيما إذا كان الكلام محتملًا
للمجاز حلالًا من المسلم على الصلاح. وأما أن ينعقد اليمين على الحرام
المحض فلا كلام فيه. م: (ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل) ش: بفتح الحاء
المهملة والميم، وهو ولد الضأنية في السنة الأولى، والجمع حملان م: (فأكل
بعدما صار كبشًا حنث، لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين، فإن
الممتنع عينه) ش: أي عين الحمل م: (أكثر امتناعًا عن لحم الكبش) ش: فلم
يقيد اليمين بلحم الحمل.
[حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف لا يأكل بسرًا فأكل رطبًا لم يحنث،
لأنه ليس ببسر ومن حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا أو حلف لا يأكل رطبًا أو
بسرًا فأكل مذنبًا) ش: بكسر النون، وهو ما
(6/168)
حنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقالا: لا يحنث في الرطب يعني بالبسر المذنب ولا في البسر بالرطب المذنب،
لأن الرطب المذنب يسمى رطبا، والبسر المذنب يسمى بسرا، فصار كما إذا كان
اليمين على الشراء، وله أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر، والبسر
المذنب على عكسه، فيكون أكله أكل البسر والرطب، وكل واحد مقصود في الأكل
بخلاف الشراء، لأنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه الكثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يبدأ الإرطاب من قبل ذنبه، وتفسيره البسر المذنب هو الذي عامته بسر وفيه
شيء من الرطب من قبل ذنبه م: (حنث عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-) ش: ذكر المصنف أبا حنيفة وحده. وذكر في " الإيضاح " و " المبسوط " و "
الأسرار " و " شروح الجامعين " قول محمد مع أبي حنيفة في أنه يحنث. وفي "
النهاية " والله أعلم بصحته. وفي " الكافي ": هكذا ذكر في " الهداية "
والنسخ المعتبرة تشهد بأنه مع أبي حنيفة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وأحمد.
م: (وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد: وبه قال الإصطخري وأبو علي من أصحاب الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يحنث في الرطب، يعني بالبسر المذنب، ولا في
البسر بالرطب المذنب) ش: أي ولا يحنث في قوله لا يأكل بسرًا فأكل رطبًا
مذنبًا م: (لأن الرطب المذنب يسمى رطبًا، والبسر المذنب يسمى بسرًا، فصار
كما إذا كان اليمين على الشراء) ش: يعني لو حلف لا يشتري رطبًا فاشترى
بسرًا مذنبًا لا يحنث.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر،
والبسر المذنب على عكسه) ش: وهو ما يكون في ذنبه قليل رطب م: (فيكون أكله)
ش: أي أكل كل واحد من الرطب المذنب والبسر المذنب م: (أكل البسر والرطب) ش:
فيحنث في الصورتين، وإن كان أحدهما غالبًا والآخر مغلوب. ألا ترى أنه لو
ميزه فأكله حنث بالاتفاق، وعلل المصنف بقوله م: (وكل واحد مقصود في الأكل)
ش: لأن الأكل فعل حسن، وهو المضغ والابتلاع، وكل جزء مقصود بالأكل، لأنه
إنما يأكل شيئًا فشيئًا فتحقق أكل البسر والرطب من الحالف فيحنث م: (بخلاف
الشراء) ش: لأن كل جزء غير مقصود بالشراء م: (لأنه) ش: أي لأن اليمين م:
(يصادف الجملة) ش: يعني يضاف إلى الجملة م: (فيتبع القليل فيه الكثير) ش:
لأن المغلوب يكون تبعًا للغالب.
فإن قلت: يشكل إذا حلف لا يشرب هذا اللبن فصب فيه ماء غلب اللبن لا يحنث
ولا شرب المحلوف عليه وزيادة.
قلت: إن اللبن بانصباب الماء فيه يتسع في جميع أجزاء الماء فيصير مشتبهًا
ولهذا لا ترى مكانه بخلاف ما نحن فيه لأنه يرى مكانه وكان قائمًا زمان
التناول.
فإن قلت: بلى، ولكن الحنث لا يحنث إلا بالمضغ والابتلاع، وعند ذلك يصير
مستهلكًا،
(6/169)
ولو حلف لا يشتري رطبا، فاشترى كباسة بسر
فيها رطب لا يحنث؛ لأن الشراء يصادف الجملة والمغلوب تابع. ولو كانت اليمين
على الأكل يحنث؛ لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا، فكان كل منهما مقصودا، وصار
كما إذا حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكله فاشترى حنطة فيها حبات شعير وأكلها
يحنث في الأكل دون الشراء لما قلنا
قال: ولو حلف لا يأكل لحما فأكل لحم السمك لا يحنث، والقياس أن يحنث لأنه
يسمى لحما في القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصار هذا بمنزلة ما لو حلف لا يأكل حنطة فأكل شعيرًا فيه حبات حنطة إن أكل
حبة يحنث، وإن جمع بين الحبات من النوعين في الأكل لا يحنث، لأنها إذ ذاك
تصير مستهلكة.
قلت: يعني الاستهلاك فيما ذكرت من النظير أظهر وأبين لأنه إذ ذاك لا يحنث
من طعم الحنطة شيئًا في حلقه، بخلاف ما إذا كان مذنبًا أو رطبا مذنبا، لأنه
يجد في حلقه شيئًا من خوصة البسر وحلاوة الرطب.
قال: أي محمد: وليس في كثير من النسخ لفظة قال:
[حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة]
م: (ولو حلف لا يشتري رطبًا فاشترى كباسة بسر) ش: بكسر الكاف وهو الفتو
والفتا أيضًا. وقال لعود القذف وهو عومة الكباسة العرجون والأهان، كذا ذكر
أبو عبيد في غريب المصنف م: (فيها) ش: أي في الكباسة م: (رطب لا يحنث، لأن
الشراء يصادف الجملة، والمغلوب تابع) ش: للغالب، وهذه المسألة كالبيان
للمسألة المتقدمة، وهو ظاهر.
م: (ولو كانت اليمين على الأكل يحنث) ش: بأن حلف لا يأكل رطبًا فأكله من
كباسة بر فيها رطب يحنث م: (لأن الأكل يصادفه) ش: أي يصادف الرطب م: (شيئًا
فشيئًا، فكان كل واحد منهما) ش: أي من الرطب والبسر م: (مقصودًا، فصار حكمه
كما إذا حلف لا يشتري شعيرًا أو لا يأكله) ش: أي لو حلف لا يأكل شعيرًا م:
(فاشترى حنطة فيها حبات شعير فأكلها يحنث في الأكل دون الشراء) ش: أي لا
يحنث في الشراء م: (لما قلنا) ش: وهو أن الشراء يصادف الجملة، والأكل
يصادفه شيئًا فشيئًا.
ولو عقد اليمين على البر يحنث في الوجوه كلها، لأن الحقيقة تركب في الأمر
للعرف، ولا عرف للبر، فتعتبر الحقيقة، بخلاف القطن والكتان، بأنه لو حلف لا
يمس قطنًا أو كتانًا فمس ثوبًا اتخذ من قطن أو كتان لا يحنث فيهما.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م:
[حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا]
(ولو حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحم السمك لا يحنث) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي
وأحمد م: (والقياس أن يحنث) ش: وهو قول مالك وأحمد في رواية بعض أصحاب
الشافعي م: (لأنه يسمى لحمًا في القرآن) ش: قال الله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ
تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] (فاطر: الآية 12) ، والمراد منه
لحم السمك بالفعل. وقال في " شرح الطحاوي " وروي عن أبي يوسف أنه قال:
يحنث.
(6/170)
وجه الاستحسان في التسمية مجازية، لأن
اللحم منشأه من الدم. ولا دم فيه لسكونه في الماء،
وإن أكل لحم خنزير أو لحم إنسان يحنث، لأنه لحم حقيقي، إلا أنه حرام،
واليمين قد يعقد للمنع من الحرام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه الاستحسان أن التسمية) ش: أي تسمية لحم السمك م: (مجازية) ش: أي
بطريق المجاز م: (لأن اللحم منشأه من الدم) ش: ولحم السمك لا ينشأ من الدم،
إذ الدموي لا يسكن الماء ولا يباح عن مطلقه بدلالة الألفاظ، ومبنى الأيمان
على العرف لا على ألفاظ القرآن، ولهذا لو حلف لا يركب دابة فركب كافرًا لا
يحنث بالإجماع، وإن سماه في القرآن، دابة، والعرف معنا، لأنه لا يسمى بائعه
لحمًا ولا مستعمل استعمال اللحوم في المباحات، إلا أن ينوي فحينئذ يعتبر،
لأنه لحم من وجه فيه تشديد عليه.
ولو حلف لا يجلس على الوتد فجلس على الجبل لا يحنث، وإن كان قال الله
تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7] (النبأ: الآية 7) ، لأن اللحم
منشأه من الدم م: (ولا دم فيه لسكونه في الماء) ش: لأن بين الدم والماء
منافاة في طبعهما.
فإن قلت: الدم موجود في السمك.
قلت: دم ضعيف، لأن الدم إذا شمس اسود، ودم السمك ليس كذلك.
[حلف ألا يأكل لحما فأكل لحما حراما]
م: (وإن أكل لحم خنزير أو إنسان) ش: أي أو لحم إنسان م: (يحنث) ش: وبه قال
مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأنه لحم حقيقي، إلا
أنه حرام، واليمين قد ينعقد للمنع من الحرام) ش: والحرام لا يمنع انعقاد
اليمين، ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابًا فشرب الخمر يحنث.
واعترض بأن الكفارة فيها معنى العبادة فلا يناط وجوبها بما هو حرام محض
وأكل لحم الخنزير والإنسان حرام محض، فكيف يتعلق وجوبه.
وأجيب: بأن هذه مغالطة، لأن الكفارة تجب بعد يمين نقضت بالحنث وقد وجدت،
وكون الحنث بأمر مباح أو حرام لا مدخل له في ذلك، هذا الذي ذكره الأكمل -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الأترازي: فإن قلت: قد ثبت قبل هذا أن مبنى الأيمان على العرف ولا سبق
أوهام الناس من لفظ اللحم أنه لحم الخنزير والإنسان، فينبغي أن لا يحنث.
قلت: إن الناظر لو ينظر إلى لحم الخنزير أو الإنسان سماه لحمًا على
الإطلاق، بخلاف لحم السمك، فإنه لا يسمى لحمًا على الإطلاق، فظهر الفرق.
وقال الكاكي: ولا يقال الكفارة فيها معنى العبادة، فكيف يجب بالحرام المحض،
لأنا نقول الحل والحرمة يراعى في السبب لا في الشرط، وسبب وجوب الكفارة
اليمين لا الحنث، وإنما لا يجوز به التكفير قبل الحنث ليكون
(6/171)
وكذا إذا أكل كبدا أو كرشا؛ لأنه لحم حقيقة
فإن نموه من الدم ويستعمل استعمال اللحم، وقيل في عرفنا لا يحنث، لأنه لا
يعد لحما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اليمين موصوفًا بالإباحة والحظر.
وأصل اليمين مباح، والحنث حرام، كذا قيل. وقال الشافعي في وجه لا يحنث، وبه
قال أشهب المالكي، لأن اليمين يقع على العادة، وهذا قاله الزاهد العتابي من
أصحابنا، فلا يحنث وعليه الفتوى، ذكره في " الكافي ".
وقال الأترازي: قال الإمام السغناقي في شرح الجامع الصغير: في لحم الخنزير
والآدمي، قيل الحالف إذا كان مسلمًا ينبغي أن لا يحنث لأن أكله ليس
بمتعارف، ومبنى الأيمان على العرف ثم قال: وهو الصحيح.
[حلف ألا يأكل لحما فأكل كبدا أو كرشا]
م: (وكذا) ش: أي وكذا يحنث م: إذا أكل كبدًا أو كرشًا) ش: فيما إذا حلف لا
يأكل لحمًا م: (لأنه لحم حقيقة) ش: أي لأن كل واحد من الكبد والكرش لحم
حقيقة، وفيه نظر لا يخفى م: (فإن نموه) ش: بضم النون والميم وتشديد الواو
المفتوحة، وهو مصدر نما ينمو نماه الله، إنما قال الجوهري: نما المال وغيره
ينما نما وربما قالوا ينمو نموًا. وقال الكسائي: لم أسمعه بالواو، وحكى أبو
عبيدة من ينمو وسمى م: (من الدم ويستعمل استعمال اللحم) ش: وفيه نظر أيضًا.
م: (وقيل في عرفنا لا يحنث، لأنه لا يعد لحمًا) ش: ينبغي أن يكون هذا
صحيحًا. قال: في " خلاصة الفتاوى " ولو أكل شيئًا من البطون كالكبد والطحال
يحنث، هذا في عرف أهل الكوفة وفي عرفنا لا يحنث.
وكذا قال صاحب " المحيط ": في عرفنا لا يحنث، لأنه لا يعد لحمًا ولا يستعمل
استعمال اللحوم.
قلت: هذا ظاهر، فلا يقال لبياع الكبود لحمًا ولا لبياع الكروش لحمًا ولا
يستعملان في الطباخ موضع اللحم، وفي " المحيط " لو أكل اللحم التي قيل
يحنث، وبه قال الشافعي وأحمد وقيل لا يحنث، وبه قال مالك.
ولو أكل الرأس والأكارع يحنث، وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
الأصح وأحمد في رواية، ويأكل القلب يحنث عندنا، وبه قال الشافعي: -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «إن في الجسد مضغة» والمضغة القطعة من اللحم.
وقال الشافعي: في الأصح لا يحنث وبأكل الشحم والإلية لا يحنث إلا إذا نوى
في اليمين باللحم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد
وبأكل شحم الظهر يحنث، وبه قال الشافعي في الأصح ومالك في وجه لا يحنث، وبه
قال أحمد لأنه يعرف باسم آخر، قال الله
(6/172)
قال: ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري شحما لم
يحنث إلا في شحم البطن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يحنث في
شحم الظهر أيضا وهو اللحم السمين لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار.
وله أنه لحم حقيقة، ألا ترى أنه ينشأ من الدم، ويستعمل استعماله ويحصل به
قوته. ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم، ولا يحنث ببيعه في اليمين
على بيع الشحم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعالى {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ
ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] (الأنعام: الآية 146) .
[حلف لا يأكل أو لا يشتري شحما]
م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير: م: (ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري
شحمًا لم يحنث إلا في شحم البطن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -)
ش: حتى لو أكل كل شحم وهو الذي خالطه لحم لم يحنث عنده، وهو الصحيح.
وقال الطحاوي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول محمد مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وبقول أبي حنيفة قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح
ومالك.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يحنث في شحم الظهر أيضًا، وهو اللحم
السمين) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه واحد في رواية م:
(لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار) ش: ويصلح لما يصلح له شحم
البطن، وكان كشحم البطن، ألا ترى أنه تعالى استثنى شحم الظهر بقوله {إِلَّا
مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] والأصل أن المستثنى أن يكون من
خبر المستثنى عنه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي شحم الظهر م: (لحم حقيقة، ألا
ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله) ش: استعمال اللحم في الحافية
اتخاذًا تصلها العلايا م: (ويحصل به قوته) ش: أي ويحصل بشحم الظهر قوة
اللحم ومرقه يسمى مرقة اللحم فلم يكن شحمًا مطلقًا، فلا يحنث آكله م:
(ولهذا يحنث بأكله) ش: أي بأكل شحم الظهر م: (في اليمين على أكل اللحم ولا
يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم) ش: قال تاج الشريعة: متى عقد يمينه
على الشراء ذكر شمس الأئمة السرخسي لأنه لا يحنث بشراء شحم الظهر بالاتفاق،
والخلاف فيما إذا لم ينو.
وفي " الذخيرة ": والصحيح قول أبي حنيفة. وفي " الكافي ": فصارت الشحوم
أربعة، شحم الظهر، وشحم مختلط بالعظم، وشحم على ظلة الأمعاء، وشحم البطن.
وفي شحم البطن يحنث بالاتفاق، والثلاثة على الاختلاف. ولو كانت يمينه على
الشراء لم يحنث بالاتفاق. وقيل هو على الخلاف أيضًا.
وفي " جامع قاضي خان ": اختلف المشايخ في محل الخلاف، قيل محل الخلاف في
اللحم السمين على الظهر. وقيل في الشحم المتصل من داخل، فإن كان الخلاف في
اللحم السمين فكلام أبي حنيفة أظهر، وإن كان الخلاف في اللحم المتصل بالظهر
فكل منهما أظهر. وقال
(6/173)
وقيل هذا بالعربية، فأما اسم - بيه -
بالفارسية لا يقع على شحم الظهر بحال.
ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما، أو شحما فاشترى إلية أو أكلها لم يحنث،
لأنه نوع ثالث حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم. ومن حلف لا يأكل من
هذه الحنطة لم يحنث حتى يقضمها ولو أكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإمام أبو حنيفة أظهر، وإن كان الخلاف في اللحم المتصل بالظهر، فكلاهما
أظهر.
وقال الإمام السرخسي: لا يحنث بشحم الظهر في قولهم جميعًا، أما الاستثناء
فمنقطع بدليل استثناء الحوايا بقوله {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ
بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] .
ولو قيل: المراد ما حملته الحوايا.
قلنا: ذاك إخبار وهو خلاف الأصل، والانقطاع في الاستثناء، وإن كان خلاف
الأصل لكنه ثبت بالدليل، وهو قوله {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام:
146] لأن أحدًا لم يقل بأن مخ العظم شحم، كذا في " جامع السرخسي " -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقيل هذا بالعربية) ش: أي هذا الاختلاف إذا قاله بالعربية. وقال في "
المحيط " هذا الاختلاف في عرفهم م: (فأما اسم - بيه -) ش: بكسر الباء
الفارسية وسكون الياء آخر الحروف والهاء م: (بالفارسية) ش: أي باللغة
الفارسية م: (لا يقع على شحم الظهر بحال) ش: يعني أصلًا لعدم العرف، وإذا
حلف لا يأكل أكلًا ينبغي أن يقع على شحم الظهر والبطن والإلية جميعًا. وفي
بعض النسخ جعل هذا من المنفي وليس بصحيح.
[حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما أو شحما فاشترى
إلية وأكلها]
م: (ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحمًا أو شحمًا فاشترى إلية وأكلها لم
يحنث لأنه) ش: أي لأن الإلية دبر والضمير على تأويل المذكور م: (نوع ثالث
حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال بعض أصحابه: وهو شحم فيحنث بيمين الشحم لا اللحم،
وبه قال أحمد، ولو حلف لا يأكل لحم شاة. فأكل لحم غيره يحنث.
وذكر أبو الليث أنه لا يحنث، سواء كان الحالف مصريًا أو قرويًا، وعليه
الفتوى. حلف لا يأكل لحم بقرة فأكل لحم جاموس لم يحنث.
م: (ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة لم يحنث حتى يقضمها) ش: القضم الأكل
بأطراف الأسنان. وفي " الكافي " ولا نية له فأكل من خبزها وسويقها لم يحنث
عند أبي حنيفة، وكذا من دقيقها حتى يقضمها، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ومالك م: (ولو أكل من خبزها) ش: أي من خبز هذه الحنطة التي حلف
عليها م: (لم يحنث، وهذا) ش: أي عدم الحنث م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد م: (إن أكل من خبزها حنث
(6/174)
لأنه مفهوم منه عرفًا، ولأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضمًا، وهي
قاضية على المجاز المتعارف على ما هو الأصل عنده، ولو قضمها يحنث عندهما
وهو الصحيح لعموم المجاز، كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان، وإليه
الإشارة بقوله في الخبز حنث أيضًا. قال ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل
من خبزه حنث، لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضًا) ش: وبه قال أحمد ومالك في رواية م: (لأنه مفهوم منه عرفًا) ش: أي
لأن أكل الخبز مفهوم منه في العرف ويأكل سويقها يحنث عند محمد، ولا يحنث
عند أبي حنيفة. ولو قضمها يحنث عند الكل إلا عند أحمد، وإنما وضع المسألة
في الحنطة المعينة، لأنه لو عقد يمينه على حنطة غير معينة ينبغي أن يكون
جوابه كجوابهما، ذكره شيخ الإسلام في أيمان الأصل. ثم هذا الخلاف فيما إذا
لم يكن له نية، فأما إذا نوى قيمته على ما نوى بالاتفاق، ذكره في " المبسوط
" و " الذخيرة ".
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له) ش: أي لقوله لا يأكل من هذه
الحنطة م: (حقيقة مستعملة) ش: بين الناس، وأوضحها بقوله م: (فإنها) ش: أي
فإن الحنطة م: (تغلى) ش: بالغين المعجمة على صيغة المجهول من الغليان، يقال
غليت القدر تغلي غليانًا، ولا يقال غليت وغلا في الأمر يغلو غلوًا، أي جاوز
فيه الحد، وعليه الشعر غلا.
م: (وتقلى وتؤكل قضمًا) ش: على صيغة المجهول أيضًا بالعارف من القلي، يقال
قليت السويق واللحم فهو مقلي، وقلوت فهو لغة، والرجل قلا بالتشديد والمد م:
(وهي قاضية) ش: أي الحقيقة المستعملة حاكمة م: (على المجاز المتعارف) ش:
بين الناس م: (على ما هو الأصل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. والأصل في
المسألة أن الكلام إذا كان له حقيقة مستعملة لمجاز متعارف فعند أبي حنيفة
العمل بالحقيقة المستعملة أولى، وعندهما العمل بعدم المجاز.
م: (ولو قضمها يحنث عندهما، وهو الصحيح) ش: احترز به عن رواية أخرى عنهما،
وهي أنه إذا أكل عين الحنطة لا يحنث، والأصح أنه يحنث عندهما. وفي رواية "
الجامع " ورجحها شمس الأئمة في " مبسوطه " وقاضي خان في " جامعه ".
ورجح في الذخيرة " و " الفوائد الضهيرية " عدم الحنث. وفي " الذخيرة " حلف
لا يأكل من هذه الحنطة فزرعها وأكل ما خرج منها لا يحنث م: (لعموم المجاز)
ش: وقد مر أن العمل به أولى عندهما: م: (كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار
فلان) ش: يحنث إذا دخلها حافيًا أو راكبًا م: (وإليه الإشارة) ش: أي وإلى
عموم المجاز الإشارة م: (بقوله في الخبز حنث أيضًا) ش: لأنه مفهوم منه
عرفًا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه
حنث، لأن
(6/175)
عينه غير مأكول فانصرف إلى ما يتخذ منه،
ولو استفه كما هو لا يحنث هو الصحيح لتعين المجاز مرادا.
ولو حلف لا يأكل خبزا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزا، وذلك خبز
الحنطة والشعير، لأنه هو المعتاد في غالب البلدان، ولو أكل من خبز القطائف
لا يحنث، لأنه لا يسمى خبزا مطلقا، إلا إذا نواه، لأنه محتمل كلامه. وكذا
إذا أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث، لأنه غير معتاد عندهم، حتى لو كان
بطبرستان أو في بلدة طعامهم ذلك يحنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عينه) ش: أي عين الدقيق م: (غير مأكول فانصرف إلى ما يتخذ منه) ش: وهو
الخبز، وكذا إذا أكل عصيرًا، وبه قال مالك وأحمد في " شرح الأقطع ".
قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أكل من خبزه لم يحنث، وإن استفه حنث
م: (ولو استفه كما هو) ش: من سفه الدواء سفه واستفا إسفافًا إذا قحمه. قال
الأترازي: وقال الكاكي: سفا السفوف بفتح السين، وهو كل دواء يؤخذ غير
معجون.
وقيل: السفوف دواء يوضع على الكف ويؤكل من غير مضغ م: (لا يحنث) ش: وبه قال
أحمد: م: (وهو الصحيح) ش: احترازًا عن قول بعض مشايخنا أنه يحنث، وبه قال
الشافعي.
ولو نوى الدقيق بعينه لم يحنث بأكل الخبز بالإجماع، لأنه نوى حقيقة كلامه.
والأصح أنه لا يحنث بعين الدقيق بغير نيته، لأن هذه حقيقة م: (لتعين المجاز
مرادًا) ش: من حيث المراد.
[حلف لا يأكل خبزا]
م: (ولو حلف لا يأكل خبزًا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزًا، وذلك
خبز الحنطة والشعير، لأنه هو المعتاد في غالب البلدان) ش: وقال الشافعي:
يحنث بأي خبز كان، ولم يفرق بين جنس وجنس، وبه قال مالك لاعتبار الحقيقة.
وفي " شرح الوجيز " هو المذهب.
وقال الكاكي: وما ذكر في " الوجيز " ولم يحنث بخبز الأرز إلا بطوشاق يخالف
ذلك [.....] فيه إمام الحرمين - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ولو أكل من خبز القطائف لا يحنث، لأنه لا يسمى خبزًا مطلقًا إلا إذا
نواه، لأنه محتمل كلامه) ش: فيحنث حينئذ قال بعد أن قال القطيفة دثار مخمل،
والجمع قطائف، ومنه القطائف التي تؤكل.
م: (وكذا) ش: أي وكذلك الحكم م: (إذا أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث، لأنه
غير معتاد عندهم) ش: أي عند أهل العراق، والعراق على صفي دجلة مثل بلاد مصر
على صفي النيل ودورهما نحو مسافة شهرين م: (حتى لو كان) ش: أي الحالف م:
(بطبرستان أو في بلدة) ش: أي ببلدة من بلاد طبرستان م: (طعامهم ذلك) ش: أي
خبز الأرز م: (يحنث) ش: وقال الأترازي: طبرستان اسم أيد وأعمالها معرب من
طبرستان، لأن أهلها يحاربون بالفاس، ثم قال هكذا قال بعضهم. ولنا فيه نظر.
(6/176)
ولو حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون
الباذنجان والجزر؛ لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق، إلا أن ينوي ما
يشوى من بيض أو غيره لمكان الحقيقة، وإن حلف لا يأكل الطبيخ فهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال النسفي في كتاب " أدب الكاتب " في باب ما يغير من أسماء البلاد، وأن
طبرستان بالفارسية معناه أخذه بالفاس، كأنه لم يوصل إليه حتى قطع شجرة.
وقال الكاكي: وطبرستان أيد وبلادها سرسان، لأن أهلها كانوا يحاربون بها
معنى الناس معرب. وقيل طبرستان والنسبة إليها طبري.
وقال الأكمل: وهي أهل دهاء، وأصلها طبرستان لأن أهلها كانوا يحاربون
بالتبر، وهو الفاس، فعربوه إلى طبرستان.
قلت: طبرستان لأن أصلها اسم إقليم من الأقاليم العراقية، وهي شرقي كملان،
وسميت ذلك لأن طبر بالفارسية الفاس، واستان الفاجة، ومن كثرة اشتباك
أشجارها لا يذهب فيها الجيش إلا بعد أن يقطع الأشجار من بين أيديهم بالطبر،
فسميت بذلك طبرستان، أي فاجتة الطبر، وقد ذكرنا بلادها في " التاريخ الكبير
"، وإنما يقال في النسبة إليها الطبري، ليكون الفرق بينهما وبين النسبة إلى
طبرية الشام، فإن النسبة إليها طبراني.
وفي " الذخيرة " حلف لا يأكل خبزًا ولا نية له فأكل كلية أو جوزبيخا أو
نوالة بزيدة. قال محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث في الوجوه
كلها، لأنها لا تسمى خبزًا مطلقًا. وقال أبو الليث: لو أكل كلية أو النوالة
المقطوعة يحنث، لأنها الكلية حقيقة وعرفًا، واختصاصها باسم آخر للزيادة لا
للنقصان، فلا يمنع دخولها تحت مطلق الاسم.
وأما النوالة فخبز، لأن ليها لا يجعله شيئًا آخر ولا يحنث بأكل الجزر، لأنه
لا يسمى خبزًا بل يسمى قطائف، فيسمى خبزًا مقيدًا، يقال خبز الجوزبيخ، كما
يقال بالفارسية، لأنه لو حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ودقه ثم شربه لم يحنث
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ليس بأكل، بل هو شرب، وهو
الحيلة فيما لو قال: إن أكلت هذه الخبزة فامرأته طالق، فينبغي أن يدقها
ويلقيها في عصيدة ثم يأكلها ويطبخ حتى يصير الخبز هالكًا فيأكل العصيدة ولا
يحنث. وفي " المحيط ": لو أكله مبلولًا حنث.
[حلف لا يأكل الشواء]
م: (ولو حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر) ش: أي
المشويان، وكذلك البيض المشوي م: (لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق)
ش: يعني ذكر اللحم مطلقًا م: (إلا أن ينوي ما يشوى من بيض أو غيره) ش:
كاللفت أو الباذنجان وهو القياس وبه أخذ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ومالك، فيحنث عندهما بكل مشوي بلا نية، وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (لمكان الحقيقة) ش: أي لمكان حقيقة كلامه، وفيه تشديد على
نفسه م: (وإن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على
(6/177)
على ما يطبخ من اللحم وهذا استحسان اعتبارا
للعرف، وهذا لأن التعميم متعذر، فيصرف إلى خاص هو متعارف، وهو اللحم
المطبوخ بالماء، إلا إذا نوى غير ذلك لأن فيه تشديد، وإن أكل من مرقه يحنث
لما فيه من أجزاء اللحم، ولأنه يسمى طبيخا، ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه
على ما يكبس في التنانير، ويباع في المصر ويقال يكنس، وفي الجامع الصغير
ولو حلف لا يأكل رأسا فهو على رءوس البقر والغنم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وقالا: وعلى الغنم خاصة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما يطبخ من اللحم) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره ".
وقال صاحب " الهداية ": م: (فهذا استحسان اعتبارًا للعرف) ش: وفي " المبسوط
": القياس أن يحنث في اللحم وغيره مما يطبخ والأخذ بالقياس ها هنا تفجش،
فإن المسهل من الدواء مطبوخ، ونحن نعلم أنه لم يرد به ذلك، فحملنا على أخص
الخصوص، وهو اللحم، ولا يقال لمن أكل الباقلاء المطبوخ أكل الطبيخ، وإن كان
طبخًا في الحقيقة، فلما كان كذلك حمل على المطبوخ باللحم الذي هو خاص
متعارف.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن التعميم متعذر) ش: لأنه لا يمكن
إجراءه على العموم م: (فيصرف إلى خاص متعارف، وهو اللحم المطبوخ بالماء) ش:
احترز به عن تقلية اليابسة، لأنها لا تسمى مطبوخة م: (إلا إذا نوى غير ذلك)
ش: فيصدق م: (لأنه فيه تشديد) ش: على نفسه، وقد نوى حقيقة كلامه.
[حلف لا يأكل الرءوس]
م: (وإن أكل من مرقه) ش: أي من مرق اللحم المطبوخ بالماء م: (يحنث لما فيه
من أجزاء اللحم) ش: وهي ما يذوب منه م: (ولأنه) ش: أي ولأن مرق اللحم
المطبوخ ولو طبخ م: (يسمى طبيخًا) ش: عرفًا. وقال الكاكي: ولو طبخ أرزًا
وعدسًا بودك فهو طبيخ [....] .
م: (ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس في التنانير) ش: أي يدخل
فيها من قولهم كبس الرجل رأسه في جب قميصه إذا أدخله، كذا في " المغرب "
ومادته كاف وباء موحدة وسين مهملة، ويقال كنس بالنون بدل الباء على صيغة
المبني للفاعل من كنس الطير في مكناس إذا دخل فيه، والأول هو الصحيح م:
(ويباع في المصر ويقال يكنس) ش: في الأسواق.
م: (وفي " الجامع الصغير " ولو حلف لا يأكل رأسًا فهو على رءوس البقر
والغنم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد: م: (يقع على
الغنم خاصة) ش: وقال فخر الإسلام: والقياس أن يقع على كل رأس حتى رأس السمك
لعمومه. وفي الاستحسان يقع على المتعارف.
(6/178)
وهذا اختلاف عصر وزمان كان العرف في زمنه
فيهما وفي زمنهما في الغنم خاصة وفي زماننا يفتى على حسب العادة كما هو
المذكور في المختصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي هذا الاختلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه
م: (اختلاف عصر وزمان) ش: لا اختلاف حجة وبرهان م: (كان العرف في زمنه
فيهما) ش: أي في زمن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البقر والغنم،
فأفتى بوقوع اليمين على رءوسهما.
م: (وفي زمنهما) ش: أي وفي زمن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد كان م:
(في الغنم خاصة) ش: فأفتيا بوقوع اليمين عليها لا غير وقال صاحب " المختلف
": أجمعوا على أنه لا يقع على رأس الجزور لعدم العرف إلا رواية عن أبي
حنيفة. ولا على رءوس الطير إلا أن ينويها.
وقال المصنف: م: (وفي زماننا يفتى على حسب العادة) ش: أي على اعتبار العرف
والعادة م: (كما هو المذكور في " المختصر ") ش: أي " مختصر القدوري "،
وعليه الفتوى، إذ العرف الظاهر أصل من مسائل الأيمان. وعند الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يمينه على ما يباع منفردًا، وهي رءوس الإبل والبقر
والغنم. فإن كان في بلد يباع فيه رءوس الصيد منفردًا حنث بأكلها، وإن كان
في بلد لا يباع فيه فقد قيل: لا يحنث.
وقيل: يحنث وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقع يمينه على رأس كل حيوان من
الغنم والصيد والطير والحيتان، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعموم
الاسم فيه حقيقة وعرفًا. وعند أشهب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحنث
إلا برءوس الأنعام الأربعة للعرف الغالب، هذا إذا لم ينو نوعًا، فإن نوى
قيمته على ما نوى بالإجماع، وعلى هذا الخلاف الشراء. وعن ابن أبي هريرة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحنث إلا
برأس الغنم.
فإن قيل: لحم الإشتار والخنزير لا يباع في الأسواق، ومع ذلك يحنث بالأكل
إذا حلف لا يأكل لحمًا. أجيب: لما حاصله في الفرق بأن الرأس غير مأكول
بجميع أجزائه، لأن منها العظم، فكانت الحقيقة متعذرة، فصار إلى المجاز
المتعارف هي ما يكبس في التنانير ويباع في الأسواق. وأما اللحم فيؤكل بجميع
أجزائه، فكانت الحقيقة ممكنة فلا تترك فيحنث بأكل لحم الإنسان والخنزير.
فإن قلت: الحقيقة إن لم تكن متعذرة فهي مهجورة شرعًا، والمهجور شرعًا
كالمهجور عادة. في المهجور شرعًا يصار إلى المجاز، كما في المهجور عادة.
قلت: المهجور شرعًا هو الذي لا يكون بشيء من أفراده معمولًا بها كالحلف على
ترك كلام الصبي، وها هنا ليس كذلك.
فإن قيل: سلمنا ذلك، ولكن لا يطرد في الشراء، فإن الرأس يشترى بجميع
أجزائه، فلم
(6/179)
قال: ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو
رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيارا لم يحنث، وإن أكل تفاحا أو بطيخا أو مشمشا
حنث، وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - حنث في
العنب والرطب والرمان أيضا، والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام
وبعده: أي يتنعم به زيادة على المعتاد، والرطب واليابس فيه سواء بعد أن
يكون التفكه به معتادا، حتى لا يحنث بيابس البطيخ، وهذا المعنى موجود في
التفاح وأخواته فيحنث بها، وغير موجود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تكن الحقيقة متعذرة.
وأجيب: بأن من الرءوس ما لا يجوز إضافة الشراء إليه كرأس النمل والذباب
والآدمي، فكانت متعذرة.
[حلف ألا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو غيره]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن حلف لا يأكل فاكهة فأكل
عنبًا أو رمانًا أو رطبًا أو قثاء أو خيارًا لم يحنث، وإن أكل تفاحًا أو
بطيخًا أو مشمشمًا حنث وهذا) ش: أي الحنث وعدم الحنث في الأشياء المذكورة
م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: حنث في العنب والرطب
والرمان أيضًا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد. وإذا
أكل تينًا أو خوخًا أو سفرجلًا أو إجاصًا أو كمثرى أو تفاحًا أو جوزًا أو
أرزًا أو فستقًا أو عنبًا يحنث بالإجماع سواء كان رطبًا أو يابسًا.
ولو أكل خيارًا أو قثاء أو جزرًا لا يحنث، لأنها من البقول. ولهذا يؤدم
معها والبطيخ من الفاكهة، كذا ذكره القدوري ويابس البطيخ لا يعد فاكهة، كذا
ذكر فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ".
وقال في " خلاصة الفتاوى ": ذكر شمس الأئمة الحلواني أن البطيخ ليس من
الفواكه. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه
وجهان، أصحهما أنه من الفواكه.
قلت: الأيمان مبنية على العرف، ولا أحد يتفكه بالبطيخ، وإنما يؤكل بالخبز
غالبًا، فيكون من الإدام، نعم إن كان في بلاد لا يكون عندهم إلا نادرًا،
ويرويه مثل الفاكهة لندرته وقلته.
م: (والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام
وبعده، أي يتنعم به زيادة على المعتاد) ش: أي على الغذاء الأصلي، ولهذا سمى
النار فاكهة الشتاء، والزواج فاكهة لزيادة التنعم فيها م: (والرطب واليابس
فيه) ش: أي في التفكه بهذه الأشياء م: (سواء بعد أن يكون التفكه معتادًا،
حتى لا يحنث بيابس البطيخ) ش: فإنه لا يعتاد بأنه فاكهة في عامة البلاد م:
(وهذا المعنى) ش: أي التفكه م: (موجود في التفاح وأخواته) ش: وهي التي
ذكرناها عند قولنا، وإذا أكل تينًا أو خوخًا ... إلى آخره.
م: (فيحنث بها) ش: أي بالتفاح وأخواتها م: (وغير موجود) ش: أي وهذا المعنى
غير
(6/180)
في القثاء والخيار؛ لأنهما من البقول بيعا
وأكلا فلا يحنث بهما.
وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان: إن معنى التفكه موجود فيها، فإنها
أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في
معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء، ولهذا كان اليابس منها من التوابل
أو من الأقوات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موجود م: (في القثاء والخيار، لأنهما من البقول بيعًا) ش: يعني من حيث
الطبع، فإنهما يباعان مع البقول م: (وأكلًا) ش: أي من حيث الأكل، فإنهما
يوضعان على المائدة مع البقول، هكذا شرحه الكاكي.
وقال الأكمل: وأما الكل فإنهما على الموائد، حيث يوضع النعناع والبصل م:
(فلا يحنث بهما) ش: أي بالقثاء والخيار بما إذا حلف لا يأكل فاكهة.
قلت: هذا لا يخلو عن خدش، لأن القثاء والخيار قط لا يوضعان مع موائد الطعام
نعم يؤكلان مع الخبز والخبز في بعض الأوقات، ولا البصل أيضًا لا يوضع مع
موائد الطعام. نعم يوضع البصل مع اللحم المسلوق البارد وحده، وهو الذي يسمى
لحي، والأحسن في هذا ما قاله صاحب " المحيط " العبرة للعرف وما يؤكل عادة
على سبيل التفكه يعد فاكهة في العرف ويدخل في اليمين، وإلا فلا.
م: (وأما العنب والرطب والرمان فهما) ش: أي فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقولان: إن معنى التفكه موجود فيها فإنها
أعز الفواكه، والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها) ش: فيحنث بأكلها م: (وأبو
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن هذه الأشياء) ش: أي العنب والرطب
والرمان) ش: مما يتغذى بها ويتداوى بها) ش: أما التغذي بالرطب والعنب
فظاهر. وأما التداوي بالرطب فإنه نافع للمعدة الباردة ويزيد في المني ولين
الطبع.
وأما التداوي بالعنب فإنه يسمى بسرعة تأثيره دمًا جيدًا، وينفع الصدر
والبطن وأما الرمان فإنه دواء صالح خصوصًا للكبد.
م: (فأوجب قصورًا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء) ش: يعني في
بقاء الإنسان وقوامه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاستعمال في بقاء الإنسان م:
(كان اليابس منها) ش: مثل الزبيب والتمر وحب الرمان يعد م: (من التوابل أو
من الأقوات) ش: فكان ناقصًا في معنى التفكه للاستعمال في بقاء الإنسان فلا
ينتظم الاسم بإطلاقه كالمكاتب حيث لا يتناول اسم المملوك في قوله كل مملوك
لي حر للنقصان في مملوكيته، والتوابل جمع تابل بالتاء المثناة من الفوقانية
وبالألف بعدها الباء الموحدة المفتوحة والمكسورة وباللام في آخره.
قال الأترازي: التابل الإبزار.
(6/181)
قال: ولو حلف لا يأتدم فكل شيء يصطبغ به
إدام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا تعريف الشيء بما هو أخفى منه.
وقال الجوهري: الإبزاري والأبازير: التوابل. ثم قال في باب اللام: التابل
والتابل وأخفى توابل القدر، يقال منه: توبلت القدر، حكاه أبو عبيد في "
مصنفه "، وهذا أيضًا غير مقنع، ولكن يعلم من قوله: توبلت القدر أن المراد
من التوابل هي الحوائج التي ترمى في القدر مع اللحم. قوله: من التوابل كما
في الرمان أو من الأقوات كما في يابس العنب والرطب، ويؤيد قول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس:
27] إلى قوله {وَأَبًّا} [عبس: 31] (عبس: الآية 27) .
وقَوْله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]
(الرحمن: الآية 68) ، فإن الله عطف الفاكهة على العنب والنخل في الآية
الأولى، وعطف النخل والرمان على الفاكهة في الآية الأخرى، والعطف يقتضي
المغايرة.
وقال الأترازي: فإن قلت: لا نسلم أن العطف يقتضي المغايرة، ألا ترى إلى
قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] (الأحزاب: الآية 7) ،
فلو كان العطف يقتضي المغايرة لم يكن المعطوفون من الأنبياء، قال الله
تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ
وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وإنما العطف في الآيتين لبيان فضيلة
المعطوف لا للمغايرة.
قلت: تفضيل الأنبياء والملائكة بعضهم على بعض إنما يعرف بالخبر، فاحتاج إلى
المخصص بالذكر، بخلاف ما نحن فيه، فإن قصد هذه الأشياء على سائر الفواكه
عرف بالحس والمشاهدة فلا حاجة إلى الخبر، إذ ليس الخبر كالمعاينة، فتعين
فائدة العطف للمغايرة، انتهى.
قلت: أجاب تاج الشريعة عن هذا بأحسن منه، فقال: الشيء قد يعطف على جنسه
للتخصيص والتفضيل، كما ذكر من النظير، كما ذكر من النظير، ولا يجوز ذلك
فيما نحن بصدده، لأنه موضع تعدد النعم، فلا يستقيم الشيء على جنسه، لأن
الحكيم في موضع التعداد لا يذكر نعمة واحدة مرتين، لأن فيه قصور النعم.
[حلف لا يتأدم]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو حلف لا يأتدم) ش: يعني
لو حلف لا يأكل إدامًا م: (فكل شيء يصطبغ فيه) ش: وفي بعض النسخ اصطبغ به،
قال الكاكي: اصطبغ بالطاء على بناء المفعول، هكذا المنقول. والاصطباغ - فإن
خورش كوفيين -[.....] وبعد الطاء بالباء.
وفي " المغرب ": الصبغ ما يصبغ به، ومنه الصبغ منه الإدام، لأن الخبز يغمس
فيه،
(6/182)
والشواء ليس بإدام والملح إدام وهذا عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يؤكل مع الخبز غالبا فهو إدام، وهو رواية عن
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإدام من الموادمة، وهي الموافقة وكل
ما يؤكل مع الخبز فهو موافق له كاللحم والبيض ونحوه. ولهما أن الإدام ما
يؤكل تبعا، والتبعية في الاختلاط حقيقة، ليكون قائما به، بحقيقة في أن لا
يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويكون كالخل والزبيب، ويقال اصطبغ بالخل وفي الخل لا يقال اصطبغ الخمر
بالخل م: (إدام) ش: كالخل والزيت والعسل والزبد واللبن والملح والمرق م:
(والشواء ليس بإدام) ش: لأنه يؤكل وحده م: (والملح إدام) ش: لأنه يؤكل مع
الخبز م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في ظاهر الرواية.
م: (وقال محمد: كل ما يؤكل مع الخبز غالبًا فهو إدام، وهو رواية) ش: أي قال
محمد رواية م: (عن أبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي وأحمد: م: (لأن الإدام من
المؤادمة) ش: أي مشتق منها م: (وهي) ش: أي المؤادمة م: (الموافقة معنى، وكل
ما يؤكل مع الخبز فهو موافق له كاللحم والبيض ونحوه) ش: مثل الخبز. وفي "
النهاية " وحاصل ذلك على ثلاثة أوجه، فالخل والزيت واللبن والعسل والزبد
وأمثالها ما يستطيع به فهو إدام بالإجماع والبطيخ والعنب والتمر وأمثالها
مما يؤكل وحدها غالبًا ليس بإدام بالاتفاق.
واختلفوا في الخبز والبيض واللحم، فجعلها محمدًا إدامًا باعتبار أن هذه
الأشياء لا تؤكل وحدها غالبًا، فكانت تبعًا للخبز، وموافقًا له - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - بعد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم وكتب ملك الروم إلى
معاوية أن ابعث إلى بشر إدام على يد بشر رجل، فبعث إليه جبنًا على يد رجل
يسكن في بيوت أصمارها فلو لم يكن الجبن إدامًا لما بعث إليه، لأنه من أرباب
الشأن.
ويقول محمد: أخذ أبو الليث بالعرف. وفي التمر للشافعي وأحمد رحمهما الله -
وجهان في وجه إدام لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وضع التمر على
الكسرة، فقال هذا إدام» . هذه رواية أبي داود. والثاني ليس بإدام، لأنه
فاكهة فأشبه الزبيب.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الإدام ما يؤكل تبعًا،
والتبعية في الاختلاط حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة، بأن يصير مع الخبز كشيء
واحد، فيتبعه ويقدم به، وهو معنى قوله م: (ليكون قائمًا به بحقيقة في أن لا
يؤكل على الانفراد حكمًا) ش: أي من حيث الحكم حاصل هذا أن التبعية على
نوعين حقيقة، وذلك في الاختلاط ليكون قائمًا به. وحكمه هو أن لا يؤكل على
الانفراد، واللحم ما يخلط، فيكون تبعًا حقيقة ويؤكل منفردًا، فلا يكون
تبعًا حكمًا، فلا يكون إدامًا. م: (وتمام الموافقة في الامتزاج أيضًا) ش:
جواب عن قوله لأن الإدام
(6/183)
والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها، بل
تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة، ولأنه يذوب فيكون تبعا، بخلاف اللحم
وما يضاهيه، لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد والعنب
والبطيخ ليسا بإدام هو الصحيح. وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع
الفجر إلى الظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من المؤادمة يعني سلمناه.
ولكن الإدامة الشاملة الكاملة في الامتزاج يعني حقيقة الموافقة بأن يكون
كشيء واحد بالامتزاج والإشراق إلا أن يكون مجاوزًا له، فإذا ثبتت الحقيقة
بطل المجاز.
وأما الحديث فلا حجة له فيه، لأن يقال الخليفة سيد العرب والعجم، وإن لم
يكن من العجم قاله الكاكي وفيه تأمل. وقال تاج الشريعة: وأما قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الحديث المذكور فإنه من أسماء الشرع.
والأيمان لا تتعلق بها.
م: (والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب) ش: فلا يكون إداما م:
(والملح لا يؤكل بانفراده عادة) ش: فلا يكون إدامًا م: (ولأنه يذوب فيكون
تبعًا) ش: فيكون إدامًا م: (بخلاف اللحم وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه مثل
الخبز والبيض، فإنها ليست بإدام م: (لأنه) ش: لأن اللحم وما يضاهيه م:
(يؤكل وحده، إلا أن ينويه) ش: لأنه يحتمل كلامه م: (لما فيه من التشديد) ش:
على نفسه.
م: (والعنب والبطيخ ليسا بإدام هو الصحيح) ش: احترز به عما قيل: إن العنب
والبطيخ على الخلاف. وذكر الإمام السرخسي أنهما ليسا بإدام بالإجماع، وهو
الصحيح، لأنهما يؤكلان غالبًا وحدهما.
وفي " المحيط " قال محمد: التمر والجوز ليسا بإدام، وكذا العنب والبطيخ،
وكذلك سائر الفاكهة، حتى لو كان في موضع يؤكل تعبًا للخبز يكون إدامًا
عنده، أما البقل ليس بإدام بالاتفاق لأن آكله لا يسمى مأدمًا. وعند الشافعي
والبقول والبصل والفجل والثمار إدام، لأنه يؤتدم به عادة، ذكره في " شرح
الوجيز ".
قال أي القدوري: م: (وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى
الظهر) ش: القدوري يتمايج في اللفظ؛ لأن الغداء عبارة عن طعام يؤكل في
الغداة لا اسم أكله، وكذلك أيضًا بالفتح والمد اسم لطعام العشي، ولكن معناه
أكل الغداء، وأكل العشاء على حذف المضاف قال الأترازي: ويجوز أن يقال: أراد
بالغداء الغداة وبالعشاء العشي مجازًا بإطلاق اسم السبب على المسبب. وإذا
حلف أحد أنه لا يتغدى، فإذا تغدى ما بين طلوع الفجر إلى وقت الظهر في
(6/184)
والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل؛ لأن
ما بين الزوال يسمى عشيا ولهذا يسمى الظهر أحد صلاتي العشاء في الحديث.
والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر لأنه مأخوذ من السحر، ويطلق على ما
يقرب منه، ثم الغداء والعشاء، ما يقصد به الشبع عادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي ساعة كانت من ذلك يحنث وعليه الكفارة.
م: (والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل، لأن ما بعد الزوال يسمى عشيًا)
ش: بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء. قال في " المغرب ": العشي ما بين
زوال الشمس إلى غروبها، والمشهور أنه آخر النهار.
وعن الأزهري: صلاة العشاء والظهر والعصر.
وقال الأترازي: لأن ما بعد الزوال يسمى عشاء بكسر العين الزوال، لما كان
عشاء كان الطعام الذي يؤكل في ذلك الوقت عشاء، فإذا فتح العين في موضعين
يلزم الفساد، وهذا حاصل كلامه لكن هذا على كون لفظ النسخة عشيًا. وأكثر لفظ
النسخ عشاء كما ضبطناه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون ما بعد الزوال عشيًا م: (يسمى الظهر أحد صلاتي
العشاء في الحديث) ش: قال الأترازي: كذا ركعتين في السنن، وسكت. وقال
الكاكي: ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى
إحدى صلاتي العشاء يريد الظهر أو العصر» . وقال الأكمل: ذكر في " الإيضاح "
في باب الحلف على العشاء، فقال: ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى إحدى صلاتي العشاء ركعتين، يريد به الراوي الظهر
أو العصر» .
قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إحدى صلاتي العشاء إما الظهر وإما
العصر، فسلم في ركعتين ... » الحديث "، فيا للعجب من هؤلاء في تقصيرهم فما
يتعلق بالأحاديث، وهم في ديار الحديث. قال الأترازي: يقول في السنن والحديث
في الصحيحين، والأكمل وشيخه الكاكي اكتفيا بما ذكر في " الإيضاح " من غير
بيان.
م: (والسحور) ش: بفتح السين ما يتسحر به من المأكول والمشروب، وبضم السين
مصدر م: (من نصف الليل إلى طلوع الفجر، لأن السحور مأخوذ منه) ش: أي مشتق
من السحر بفتحتين، وهذا الثلث الأخير من الليل إلى طلوع الفجر م: (ويطلق)
ش: أي يطلق السحور م: (على ما يقرب منه) ش: أي من السحر، لأنه قرب من الثلث
الأخير م: (ثم الغداء والعشاء) ش: بالفتح والمد فيهما م: (ما يقصد به
الشبع) ش: بكسر الشين وفتح الباء الموحدة م: (عادة) ش: في عادات الناس، لأن
التغدي عبارة عن أكل مترادف أكثر من نصفه شبعة، لأنه لا يقال: إنه تغدى إذا
(6/185)
وتعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم ويشترط أن
يكون أكثر من نصف الشبع
ومن قال: إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر، وقال: عنيت شيئا دون شيء لم
يدين في القضاء وغيره، لأنه النية إنما تصح في الملفوظ والثوب وما يضاهيه
غير مذكور تنصيصا، والمقتضى لا عموم له. فلغت نية التخصيص فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أكل لقمة أو لقمتين، وبه قال الشافعي م: (ويعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم)
ش: يعني إن كان كانت خبزا فخبز وإن كانت لحما فلحم وإن كانت لبنا فلبن.
وفي " المحيط " حتى لو كان الحالف مصريا يقع على الخبر، فلو تغدى بغيره من
الأرز والتمر واللبن لم يحنث، وإن كان بدويا فيتغدى بالتمر، فإن العبرة مما
يتعدى به على عادة أهل ذلك الموضع، حتى لغير الأرز بطبرستان، واللبن لأهل
البوادي، والتمر ببغداد، واللبن يحنث. وحاصل الكلام العبرة من حلف لا يدخل
بيتا فهو على المدر للبلدي، وعلى بيت الشعر للبدوي، وكذلك الحكم في التعشي.
م: (ويشترط أن يكون أكثر من نصف شبع) ش: قال الإمام الأسبيجابي: في " شرح
الطحاوي " ومن حلف لا يتغدى فإنه يقع على الغداء المعروف، فإن كان الرجل
كوفيا يقع على مد الحنطة والشعير، ولا يقع على اللبن والسويق، وإن كان
الرجل بدويا يقع على اللبن والسويق، وإن كان حجازيا يقع على السويق، وأما
في بلادنا فيقع على خبز الحنطة ويشترط أن يكون، أي الغداء أو العشاء أو
السحور أكثر من نصف الشبع، لأن للأكثر حكم الكل رواه المعلى عن أبي يوسف،
وهو الصحيح، لأن من أكل لقمة أو لقمتين يصح أن يقول ما تغديت وما تعشيت.
[قال إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر وقال
عنيت شيئا دون شيء]
م: (ومن قال: إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر، وقال عنيت) ش: أي قصدت م:
(شيئا دون شيء) ش: يعني قصدت ثوبا دون ثوب، أو طعام دون طعام، أو شرابا دون
شراب م: (لم يدين في القضاء وغيره) ش: يعني لا يصدق لا قضاء ولا ديانة.
وقال الشافعي: يصدق ديانة، لأنه للمقتضى عموما عنده، وكذا في رواية عن أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه أخذ الخصاف، والمذهب أنه لا تصح نيته م:
(لأن النية إنما تصح في الملفوظ) ش: حتى يعين ما يحتمل اللفظ م: (والثوب
وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه، مثل الطعام والشراب م: (غير مذكور تنصيصا)
ش: أي غير ملفوظ صريحا، فإنما هو مقدر اقتضاء، أي بطريق الاقتضاء.
م: (والمقتضى) ش: بفتح الضاد م: (لا عموم له فلغت نية التخصص فيه) ش: أي في
قوله إن لبست، أو إن أكلت أو إن شربت. قوله والمقتضى الحاجزة جواب عما
يقال: هب أنه غير ملفوظ تنصيصا ليس أنه ثابت تقضى، والمقتضى كالملفوظ،
فأجاب بقوله - والمقتضى..... إلى آخره.
(6/186)
وإن قال: إن لبست ثوبا، أو أكلت طعاما، أو
شربت شرابا لم يدين في القضاء خاصة، لأنه نكرة في محل الشرط فتعم فعملت نية
التخصيص فيه إلا أنه خلاف الظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: المقتضى أمر شرعي واقتضاء الأكمل إلى الطعام ليس كذلك، لأنه يعرفه
من له تعرف بالشرع.
قلت: يجوز أن يكون المصنف اختار ما اختاره بعض المحققين من أن التقضي هو
الذي لا يدل عليه اللفظ، ولا يكون سقوطا به، لكن يكون من ضرورة اللفظ أعم
من أن يكون شرعيا أو عقليا.
فإن قيل: سلمنا ذلك، لكن ما الفرق بين هذا وبينهما إذا قال: إن خرجت فعبدي
حر، ونوى السفر، فإنه يصدق ديانة، مع أن السفر أو الخروج غير مذكور لفظا،
وبينه وبينهما إذا حلف لا يساكن فلانا ونوى أن لا يساكنه في واحد، فإن
النية صحيحة مع أن المسكن غير مذكور لفظا، حتى لو ساكن معه في الدار لا
يحنث.
أجيب: بأن الأول ممنوعة منعها القضاة الأربعة أبو هيثم وأبو حازم وأبو طاهر
الدباس والقاضي القمر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وليس يعلم من قوله: إن خرجت
[.....] لغة، وقد وقع الثاني في صريح النفي، والأول في معناه فيتناولان
بعمومها عنده من الخروج والسفر، فجاز تخصيصهما إلا أنه خلاف الظاهر، فلا
يريد في القضاء، كذا لخصه الأكمل، وبيانه كما ينبغي هذا وإن سلمنا فالفرق
أن الخروج إلى مديد وقصير، وهما مختلفان اسما وحكما، فإن المؤيد يسمى سفرا،
وأحكامه خلاف أحكام الخروج. فإذا نوى أحد النوعين صحت نيته، كما لو حلف لا
يتزوج ونوى حبشية أو رومية يصدق، ولو نوى امرأة بعينها لا يصدق، لأن الأول
نوع.
والثاني في مسألتنا: حتى لو نوى الخروج إلى مكان بعينه كبغداد لا يصدق،
وكذا في المسألة الثانية نوى نوعان من المساكنة، لأن المساكنة أنواع ما
يكون في بلد واحد، وما يكون في دار واحدة وهو العرف، وما يكون في بيت واحد
وهو أتم ما يكون من المساكنة، كذا ذكره السرخسي وغيره.
[قال إن لبست ثوبا أو أكلت طعاما أو شربت
شرابا]
م: (وإن قال: إن لبست ثوبا، أو أكلت طعاما، أو شربت شرابا لم يدين في
القضاء خاصة) ش: يعني لم يصدق في القضاء خاصة، ويصدق ديانة م: (لأنه نكرة)
ش: أي لأن ثوبا من إن لبست وطعاما من إن أكلت وشرابا من إن شربت نكرة وقعت
م: (في محل الشرط) ش: وهو قوله: إن فعلت كذا م: (فتعم) ش: لأن الشرط في
معنى النفي، والنكرة في موضع النفي تعم، والعموم يحتمل الخصوص م: (فعلمت
نية التخصيص فيه، إلا أنه خلاف الظاهر) ش: إذ الظاهر العموم.
(6/187)
فلا يدين في القضاء
قال: ومن حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعا
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا شرب منها بإناء يحنث؛ لأنه
المتعارف المفهوم، وله أن كلمة " من " للتبعيض وحقيقته في الكرع، وهي
مستعملة. ولهذا يحنث بالكرع إجماعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلا يدين في القضاء) ش: أي فلا يصدق في الحكم، لأن في المتصدق فيه
تخفيف له، فلا يصدق، بخلاف ما إذا قيل له: إنك تريد أن تغتسل الليلة في هذه
الدار عن الجنابة، فقال: إن اغتسلت فعبدي حر، فهو عن الجنابة، لأنه جواب
متقيد بالسؤال.
ولو قال: إن اغتسلت الليلة في هذه الدار ولم يقل في هذا الدار فهو على كل
اغتسال قضاء لأنه زاد على حرف الجواب، فيكون مبتدأ ولكن مع هذا يصدق ديانة،
لأنه يحتمل أنه أراد به الجواب.
[حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يشرب من دجلة) ش: وهو نهر بغداد م:
(فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعًا) ش: والكرع يتناول الماء
بالفم من موضعه من غير أن يأخذ بيده، يقال كرع الرجل في الماء إذا مد عنقه
نحو يشرب منه، ومنه كره عكرمة الكرع من النهر، لأنه فعل البهيمة تدخل فيها
أكارعها، والكراع مستدق الساق م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -) م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (إذا شرب منها بإناء يحنث،
لأنه المتعارف المفهوم) ش: بين الناس من الشرب من دجلة وهو الشرب من ماء
مجرى دجلة، وهو المجاز، فيعمل لعموم المجاز. فيحنث كيفما شرب، كما إذا حلف
لا يضع قدمه في دار فلان يحنث في يمينه إذا دخلها راكبًا أو ماشيًا أو
حافيًا أو مستعملًا، لعموم المجاز، وهو الدخول، فكذا هنا، فصار كما إذا حلف
لا يشرب من هذه البئر فشرب من مائها بإناء يحنث.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن كلمة " من ") ش:
في قوله من دجلة - م: (للتبعيض) ش: اعلم أن " من " تأتي لمعان كثيرة، فإن
كان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يريد به أنه وضع لبعض وحده، فهذا لم يقل
به أحد من أئمة اللغة، وإن كان يريد أنه قد يستعمل للتبعيض، فمن أين أنه
يلزم أنه هنا للتبعيض، قاله الأترازي مع تطويل الكلام فيه.
قلت: دلت القرينة اللفظية والحالة هنا أن " من " هنا للتبعيض، وهذا ظاهر لا
يخفى م: (وحقيقته) ش: أي وحقيقة الشرب م: (في الكرع) ش: لأن الحقيقة ابتداء
أن يكون ابتداء الشرب متصلة بدجلة، وذلك بالشرب منها كرعًا: (وهي) ش:
الحقيقة م: (مستعملة) ش: مهجورة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل هذا أن الحقيقة مستعملة م: (يحنث بالكرع إجماعًا)
ش: دعوى الإجماع فيها نظر، لأنه اختلف المشايخ في الكرع عندهما. قال الإمام
العتابي في " شرح
(6/188)
فمنعت المصير إلى المجاز وإن كان متعارفا
وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث، لأنه بعد الاغتراف بقي
منسوبا إليه وهو الشرط، فصار كما إذا شرب من ماء نهر يأخذ من دجلة
ومن قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق، وليس في
الكوز ماء لم يحنث، فإن كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث، وهذا عند
أبي حنيفة ومحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجامع ": قال بعضهم: لا يحنث بالكرع عندهما لئلا يكون جمعًا بين الحقيقة
والمجاز. وقال بعضهم: يحنث وهو الصحيح لعموم المجاز، وليس هو يجمع بين
الحقيقة والمجاز فمنعوا، أي الحقيقة المستعملة م: (فمنعت المصير إلى المجاز
وإن كان متعارفًا) ش: هذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى الكرع فعندنا لا يحنث
بالمجاز ديانة وقضاء، لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن نوى العرف فعنده صدق
ديانة، لأنه يحتمل ولا يصدق قضاء، لأنه خلاف الحقيقة.
ولو حلف لا يشرب من هذا الجب فإن ملآنًا انصرف إلى الكرع عنده لتصير
الحقيقة إن لم يكن ملآنًا انصرف إلى المجاز، لامتناع الحقيقة، كذا نقل
الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع " عن الشيخ أبي القاسم الصفار،
ولو عنى بقوله: لا يشرب ماء دجلة هل يصح أم لا؟ حتى لا يشرب من نهر يأخذ من
دجلة هل يحنث أم لا؟ قال الشيخ أبو المعين: من مشايخنا من قال تصح نيته،
لأنه نوى إضمار الماء، وإليه ذهب الشيخ أبو بكر الأعمش. ومنهم من قال: لا
تصح نيته، لأن الماء نيته مقتضاة، فلا يظهر في حق قبول النية.
م: (وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث) ش: هذا لفظ القدوري
م: (لأنه) ش: أي لأن الماء م: (بعد الاغتراف بقي منسوبًا إليه) ش: أي إلى
دجلة م: (وهو الشرط) ش: أي شرط الحنث في الشرب كون الماء منسوبًا، والماء
في الإناء منسوب إليها، فكان الشرط قائمًا م: (فصار كما إذا شرب من نهر
يأخذ من دجلة) ش: لأن الشرط كون الماء من دجلة.
وفي " الكافي " لو قال لا أشرب من الفرات فشرب من نهر آخر منه لم يحنث
إجماعًا، أما عنده فلأن يمينه على الكرع، وأما عندهما فلأن النية إلى
الفرات انقطعت فخرج عن عموم المجاز أما لو قال: لا أشرب فشرب من نهر آخر من
الفرات حنث، لأن يمينه على ماء منسوب إلى الفرات، والنسبة لا تنقطع
بالأنهار الصغار. ولو قال: لا أشرب ماء فراتًا يحنث لكل ما أعذب في أي موضع
كان، وبه قال الشافعي؛ لأنه جعله وصفًا للماء، قال الله تعالى:
{وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] (المرسلات: الآية 27) ،
أي عذبًا.
[قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم
فامرأته طالق وليس في الكوز ماء]
م: (ومن قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق، وليس
في الكوز ماء لم يحنث) ش: سواء علم بأن فيه ماء أو لم يعلم م: (فإن كان فيه
ماء فأهريق) ش: أي فأريق، والهاء فيه زائدة م: (قبل الليل لم يحنث، وهذا)
ش: أي عدم الحنث م: (عند أبي حنيفة ومحمد
(6/189)
رحمهما الله - وقال أبو يوسف: حنث في ذلك
كله، يعني إذا مضى اليوم، وعلى هذا الخلاف إذا كان اليمين بالله تعالى
وأصله أن من شرط انعقاد اليمين وبقائه التصور عندهما خلافًا لأبي يوسف لأن
اليمين إنما ينعقد للبر، فلا بد من تصور البر ليمكن إيجابه وله أنه أمكن
القول بانعقاده موجبًا للبر على وجه يظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي: في وجه ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال أبو يوسف: حنث في ذلك كله) ش: أي فيما كان فيه الماء وفيما لم يكن
م: (يعني إذا مضى اليوم) ش: أشار به إلى أن اليمين إذا كانت مؤقتة باليوم
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين الثلاثة م: (إذا كان اليمين بالله) ش:
بأن قال: والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم، وليس في الكوز ماء،
أو كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث عندهما، خلافًا لأبي يوسف.
م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن من شرط انعقاد اليمين وبقائه
التصور عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (خلافًا لأبي
يوسف) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وتحقيق هذا أن تصور
شرط لإبقاء اليمين المطلقة عن الوقت، وبقاء اليمين العدة بالوقت عندهما،
وعند أبي يوسف لا يشترط تصور البر في انقياد اليمين المطلقة، ولا لبقائه في
اليمين المقيدة، ويتفرع على هذا الخلاف ما لو حلف لا يشربن ماء الكوز اليوم
فصب قبل مضي اليوم. فعندهما لا يبقى يميننه ولا يحنث أبدًا. وعند أبي يوسف
يحنث في آخر جزء من أجزاء الوقت، حتى تجب عليه الكفارة إذا مضى اليوم، وعلى
هذا: لو قال: إن لم أشرب هذا الماء الذي في هذا الكوز وعنده تبقى ويحنث،
مضى اليوم فأمن أنه كذا، فأهريق قبل الليل لم تبق اليمين عندهما، وعنده
تبقى ويحنث. وعلى هذا لو قال: لأقتلن فلانًا اليوم فمات فلان قبل مضي الليل
لا يبقى اليمين عندههما. وكذا لو قال: لتقتلنه وهو جاهل بموته، وإنما شرط
جهله لموته، لأنه لو علم بموته ينعقد اليمين بالإجماع ويحنث في الحال. وكذا
لو حلف إن أكل هذا الرغيف فأكل قبل الليل أو قال: لأقضين دينه وفلان قد مات
ولا أعلم به لم ينعقد يمينه عندهما، وعنده ينعقد ويحنث في الحال، وكذا لو
قال لأقضين فلانًا دينه فأبرأه فلان.
وكذا لو قال لزيد: إن رأيت عمرًا فلم أعلمك فامرأتي طالق ثم رآه مع زيد
فسكت ولم يقل شيئًا، أو قال هو عمرو لا يطلق عندهما لفوات الإعلام، فلم يبق
اليمين، وعنده يطلق لبقاء اليمين وفوات المعقود عليه.
م: (لأن اليمين إنما ينعقد للبر، فلا بد من تصور البر ليمكن إيجابه) ش: أي
إيجاب اليمين م: (وله) ش: أي ولأبي يوسف م: (أنه أمكن القول بانعقاده) ش:
حال كونه م: (موجبًا للبر على وجه
(6/190)
في حق الخلف وهو الكفارة. قلنا: لا بد من
تصور الأصل لينعقد في حق الخلف، ولهذا لم تنعقد الغموس موجبة الكفارة
ولو كانت اليمين مطلقة ففي الوجه الأول لا يحنث عندهما، وعند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في الحال، وفي الوجه الثاني يحنث في قولهم جميعًا،
فأبو يوسف فرق بين المطلق والمؤقت. ووجه الفرق في التأقيت للتوسعة، فلا يجب
الفعل إلا في آخر الوقت، فلا يحنث قبله. وفي المطلق يجب البر كما فرغ، وقد
عجز فيحنث في الحال، وهما فرقا بينهما. ووجه الفرق أن في المطلق يجب البر
كما فرغ، فإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يظهر في حق الخلف وهو الكفارة) ش: لأن عقد يمينه على فعل في المستقبل،
فينعقد. وإن عجز عن تحقيق ما أخبر يظهر في الخلف، لقوله: والله لأمسن
السماء م: (قلنا: لا بد من تصور الأصل) ش: أي أصل اليمين م: (لينعقد في حق
الخلف) ش: فإذا لم يتصور الأصل لا ينعقد في حق الخلف م: (ولهذا) ش: أي
ولأجل تصور الأصل لانعقاده في حق الحلف، وهو الكفارة م: (لم تنعقد الغموس)
ش: حال كونها م: (موجبة الكفارة) ش: لأنه لما لم يتصور الأصل لا يظهر في حق
الحلف وهو الكفارة.
فإن قلت: البر يتصور في صورة الإراقة، لأن من الجائز أن يعبد الله عز وجل
تلك القطرات المهراقة في ذلك الكوز.
قلت: إن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من أجزاء اليوم يجب أن لا
يسع فيه غيره، فلا يمكن القول فيه بإعادة الماء في الكوز، وشربه في ذلك
الزمان.
م: ولو كانت اليمين مطلقة) ش: أي عن ذكر الوقت م: (ففي الوجه الأول) ش:
يعني إذا لم يكن في الكوز ماء م: (لا يحنث عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة
ومحمد - رحمهما الله - م: (وعند أبي يوسف يحنث في الحال، وفي الوجه الثاني)
ش: وهو أن يكون فيه ماء أهريق م: (يحنث في قولهم جميعًا) ش: أي قول الثلاثة
م: (فأبو يوسف فرق بين المطلق والمؤقت) ش: أي بين اليمين المطلق عن ذكر
المؤقت، وبين اليمين المؤقت بالوقت.
م: (ووجه الفرق) ش: أي وجه فرق أبي يوسف م: (أن التأقيت للتوسعة) ش: على
نفسه، حتى يختار الفعل في أي وقت شاء م: (فلا يجب الفعل إلا في آخر الوقت)
ش: المقدر فما لم يخص ذلك الوقت لا يتحقق ترك الفعل، لأن الفعل لا يتعين
عليه في آخر أجزاء الوقت م: (فلا يحنث قبله) ش: فإذا فات الجزء الآخر فلم
يفعل يحنث حينئذ م: (وفي المطلق) ش: عن الوقت م: (يجب البر كما فرغ وقد عجز
فيحنث في الحال، وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد م: (فرقا بينهما) ش: أي بين
المطلق والمؤقت.
م: (ووجه الفرق في المطلق يجب البر كما فرغ) ش: لأنه لم يرد التوسعة على
نفسه م: (فإذا
(6/191)
فات البر بفوات ما عقد عليه اليمين يحنث في
يمينه، كما إذا مات الحالف والماء باق، أما في المؤقت يجب البر في الجزء
الأخير من الوقت وعند ذلك لم يبق محلية البر لعدم التصور، فلا يجب البر فيه
فتبطل اليمين كما إذا عقده ابتداء في هذه الحالة.
قال: ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا بتحويل الله عز وجل
انعقدت يمينه وحنث عقيبها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تنعقد لأنه
مستحيل عادة، فأشبه المستحيل حقيقة، فلا ينعقد. ولنا أن البر متصور حقيقة.
لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة، ألا ترى أن الملائكة يصعدون السماء،
وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى. وإذا كان متصورا ينعقد اليمين
موجبا لخلفه، ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فات البر بفوات ما عقد عليه اليمين يحنث في يمينه، كما إذا مات الحالف
والماء باق) ش: أشار بقوله كما إذا مات الحالف إلا أن بقاء المحل شرط للبر
لبقاء الحالف م: (أما في المؤقت يجب البر في الجزء الأخير من الوقت وعند
ذلك) ش: أي وعند الجزء الأخير م: (لم يبق محلية البر لعدم التصور، فلا يجب
البر فيه) ش: للعجز م: (ويبطل اليمين، كما إذا عقده ابتداء) ش: كما عقد
اليمين حال كونه مبتدأ م: (في هذه الحالة) ش: وأشار بهذا على أن وجود المحل
كما هو شرط لانعقاد اليمين ذلك شرط لبقائها.
[حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر
ذهبًا انعقدت يمينه وحنث عقيبها) ش: فتجب الكفارة وبه قال الشافعي في
الأظهر، وفي وجه هو مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينعقد لأنه مستحيل) ش: أي لأن صعود
السماء أو قلب الحجر ذهبًا محال م: (عادة فأشبه المستحيل حقيقة) ش: كما في
الحلف على شرب ماء كوز ليس فيه ماء م: (فلا ينعقد) ش: أي اليمين فلا يجب
شيء.
م: (ولنا أن البر متصور حقيقة، لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة) ش: بطريق
الكرامة م: (ألا ترى أن الملائكة يصعدون السماء) ش: وكذلك الأنبياء -
عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - صعدوا م: (وكذا) ش: أي وكذا يتصور م: (تحول الحجر
ذهبًا بتحويل الله عز وجل) ش: بأن يقع ذلك كرامة لبعض الأولياء، وكرامة
الأولياء بخلاف العادة حق عندنا.
م: (وإذا كان متصورًا ينعقد اليمين) ش: حال كونها م: (موجبًا لخلفه) ش: وهو
الكفارة، وذكر الضمير في حلفه على تأويل الحلف بالحاء المهملة م: (ثم يحنث
بحكم العجز الثابت عادة) ش: وإنما وجب الحنث في الحال لأن البر ليس له زمان
ينتظر، بخلاف ما قاس عليه زفر فإن شرب كوز ما ليس فيه ماء لا يتصور يظهر
الفرق.
(6/192)
كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال
إعادة الحياة، بخلاف مسألة الكوز، لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف،
ولا ماء فيه لا يتصور فلا ينعقد اليمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة) ش: وهو متصور،
فينعقد اليمين م: (بخلاف مسألة الكوز، لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت
الحلف، ولا ماء فيه) ش: أي والحال أنه لا ماء فيه م: (لا يتصور) ش: هو خبر
إن في قوله، لأن شرب الماء الذي في الكوز، فإذا كان غير متصور م: (فلا
ينعقد اليمين) ش:.
فإن قلت: يتصور أن يخلق الله فيه الماء، وقدرته أعظم من ذلك.
قلت: لو حلف بالله تعالى وفيه الماء، لا يكون هذا الماء هو الذي انعقد عليه
اليمين، والله أعلم.
(6/193)
باب اليمين في الكلام قال: ومن حلف لا يكلم
فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع، إلا أنه نائم حنث، لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه،
لكنه لم يفهم لنومه، فصار كما إذا ناداه، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم
لتغافله. وفي بعض روايات " المبسوط " شرط أن يوقظه، وعليه مشايخنا -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في الكلام]
[حلف لا يكلم فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع إلا
أنه نائم]
م: (باب اليمين في الكلام) ش: هذا باب في بيان أحكام اليمين في الكلام. قال
قوم: الكلام عذر وفعله كلم محذوف الزوائد نحو سليم سلامًا، وأعطى وإعطاء،
والدليل على ذلك أنه يعمل كسائر المصادر نحو عجب من كلامك زيدًا، حيث نصب
زيدًا، ولو كان اسمًا لم يجز إعماله. وقال الأكثرون: إنه اسم المصدر،
والمصدر الحقيقي المتكلم. وقال الله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى
تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (النساء: الآية 164) ، وقال تعالى {صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) .
فالكلام والسلام اسمان للمصدر والكلام في اللغة عبارة عن الكلم وهو الجرح
ويجمع على كلام بالكسر، وفي اصطلاح النحاة: الكلام ما تضمن كلمتين
بالإسناد. وفي " اصطلاح الفقهاء " الكلام الذي يخفى، كلم عبارة عن إسماع
كلامه لغيره. وعبارة أيضًا عن إسماع نعته. وفي " المحيط ": الكلام حقيقة
اسم لما ينافي السكوت والخرس ولكن في العرف اسم لحروف منطوقة مفهومة مقطعة
مسموعة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن حلف لا يكلم فلانًا
فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه) ش: أي إلا أن فلانًا م: (نائم حنث) ش: وبه
قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه، لكنه لم يفهم لنومه، فصار كما إذا ناداه،
وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله) ش: إذ التكلم عبارة عن إسماع الكلام
كما في تكلم نفسه فإنه عبارة عن إسماع نفسه، إلا أن سماع الغير أمر يبطن لا
يوقف عليه، فأقيم السبب المؤدي به مقامه، ويسقط اعتبار حقيقة السماع، كذا
ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وفي بعض روايات " المبسوط " شرط أن يوقظه) ش: أي شرط إيقاظ فلان الذي
حلف أنه لا يكلمه، فإنه قاله فناداه وأيقظه حنث شرط الإيقاظ وبه قال مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وذكر في بعض الروايات فناداه وأيقظه فهذا يدل
على أنه متى ناداه يحنث وإن لم يوقظه، كذا في " المبسوطين ".
ثم ذكر السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": والأظهر أنه لا يحنث
إذا لم يوقظه، لأن النائم كالغائب م: (وعليه) ش: أي على شرط الإيقاظ م:
(مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من
بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته)
(6/194)
وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع. وقال أبو
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث، لأن الإذن هو الإطلاق وإنه يتم بالإذن
كالرضاء، قلنا الرضاء من أعمال القلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[حلف لا يكلمه إلا بإذنه فإذن له ولم يعلم
بإذنه حتى كلمه]
م: (ولو حلف لا يكلمه إلا بإذنه فإذن له ولم يعلم بإذنه حتى كلمه حنث) ش:
وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وفي " شرح
الأقطع ": هذا هو المشهور من قولهم، أي من قول أصحابنا، وعند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحنث، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأن الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام) ش: ومنه قوله تعلى
{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] (التوبة: الآية 3) أي
إعلام م: (أو من الوقوع في الإذن) ش: أي أوان الإذن مشتق من الوقوع في
الإذن لتسميته م: (وكل ذلك) ش: أي الإذن من الأذان ومن الوقوع في الإذن م:
(لا يتحقق إلا بالسماع) ش: واعترض بأنه لو كان كذلك لما صار العبد مأذونًا
إذا أذن له مولاه، وهو لا يعلم لكنه يكون مأذونًا، فلم يكن الإذن محتاجًا
إلى الوقوع في الإذن.
وأجيب: بأن الإذن هذا فك الحجر في حق العقد ينصرف بأهلية نفسه ومالكيه،
فيثبت بمجرد الإذن، وأما في اليمين وقد حرمه كلامه إلا بإذنه، فصار الإذن
مستثنى لإباحة الكلام، فلا بد من الإعلام لذلك.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث، لأن الإذن هو الإطلاق،
وإنه يتم بالإذن) ش: على وزن الفاعل م: (كالرضاء) ش: يعني إذا حلف لا يكلمه
إلا برضاه، فرضي المحلوف عليه بالاستثناء ولم يعلم الحالف فكلمه لا يحنث،
لما أن الرضى يتم بالراضي، وكذلك الإذن يتم بالآذن م: (قلنا الرضاء من
أعمال القلب) ش: فيتم بالراضي م: (ولا كذلك الإذن على ما مر) ش: أنه إما من
الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الإذن، وذلك مقتضى السماع ولم
يوجد، ونقل في " تتمة الفتاوى " و " الفتاوى الصغرى " عن أيمان النوازل حلف
لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها من حيث لا يسمع لا يكون إذنًا في قول
أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذن.
وقال نصير بن يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كتبت إلى البلخي رسالة بما يختار
في هذه المسألة، فكتب إلي أن لا اختلاف في هذه المسألة وهو إذن إجماعًا،
إنما الاختلاف فيمن يقول لا تخرجي إلا بأمري، لأن الإذن يكون إذنًا بدون
السماع، وأما الأمر فلا يكون إذنًا بدون السماع. قال نصير إلا أن أبا
سليمان ذكر الاختلاف في الإذن وهكذا القدوري أعانه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن
حلف لا يكلمه
(6/195)
ولا كذلك الإذن على ما مر. قال: وإن حلف لا
يكلمه شهرا فهو من حين حلف، لأنه لو لم يذكر الشهر لتأبد اليمين، وذكر
الشهر لإخراج ما وراءه فبقي الذي يلي يمينه داخلا عملا بدلالة حاله، بخلاف
ما إذا قال والله لأصومن شهرا، لأنه لو لم يكن الشهر لا يتأبد اليمين، فكان
ذكره لتقدير الصوم به وإنه منكر فالتعيين إليه، وإن حلف لا يتكلم فقرأ
القرآن في صلاته لا يحنث وإن قرأ في غير صلاته حنث. وعلى هذا التسبيح
والتهليل والتكبير وفي القياس يحنث فيهما، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لأنه كلام حقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شهرًا فهو من حين حلف) ش: أي اعتبار الشهر من زمان الحلف م: (لأنه) ش: أي
لأن الحالف م: (لو لم يذكر الشهر لتأبد اليمين) ش: لأن النكرة تعم في موضع
النفي م: (فذكر الشهر لإخراج ما وراءه) ش: أي ما وراء الشهر.
م: (فبقي الذي يلي يمينه داخلًا) ش: أي ففي الشهر الذي يلي يمينه داخلًا في
الإيجاب م: (عملًا بدلالة حاله) ش: أي حال الحالف، لأنه الحامل على هذا
اليمين الغليظ الذي لحقه في الحال، فكان مراده أن لا يكلمه في هذه الحالة.
م: (بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرًا، لأنه لو لم يكن الشهر لا يتأبد
اليمين، فكان ذكره) ش: أي ذكر الشهر م: (لتقدير الصوم به) ش: أي بالشهر،
وأنه م: (وإن الشهر منكر فالتعيين إليه) ش: أي إلى الحالف فله أن يعين أي
شهر شاء مطلقًا متتابعًا أو متبوعًا، هذا في الصوم، أما في الاعتكاف فإنه
يعين أي شهر شاء. ويلزمه التتابع، لأن التتابع فيه أصل ليلًا ونهارًا، إلا
أنه إذا قال الشهر دون الليالي، فحينئذ له أن يفرق، بخلاف الصوم فإن
التفريق فيه أصل، لأنه لم يوجد إلا في الشهر خاصة، إلا إذا قال متتابعًا،
فيلزمه التتابع، ونظير المسألة الأولى أما إذا أجر داره شهرًا كان المراد
منه الشهر الذي يلي العقد، لأنه لو لم يذكر الشهر ينصرف العقد إلى الأكثر
لكنه يكون فاسدًا، فكان ذكر الشهر لإخراج ما وراءه، فبقي الشهر متصلًا
بالإيجاب بحكم أصل الإيجاب. م: (ولو حلف لا يتكلم فقرأ القرآن في صلاته لم
يحنث، وإن قرأ في غير صلاته حنث، وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا التفصيل م:
(التسبيح والتهليل والتكبير) ش: يعني إذا حلف لا يتكلم فقال: سبحان الله،
أو قال: لا إله إلا الله، أو قال: الله أكبر، فإن كان في الصلاة لا يحنث،
وإن كان خارج الصلاة يحنث. م: (وفي القياس يحنث فيهما) ش: أي في الصلاة
وخارجها بالتسبيح وأحسنه م: (وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (لأنه كلام حقيقة) ش: لأن الكلام اسم لحروف منطوقة تحتها،
يقال: فمفهومه يكون قارئ القرآن أو المسبح أو المهلل أو المكبر متكلمًا لا
محالة.
م: (ولنا أنه) ش: (أي أن كل واحد من هذه م: (في الصلاة ليس بكلام عرفًا ولا
شرعًا) ش: أما عرفًا فلأن الإنسان لا يحلف على ترك الكلام كي يترك الصلاة،
فعلم أن الموجود في الصلاة لا
(6/196)
ولنا أنه في الصلاة ليس بكلام عرفا ولا
شرعا، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من
كلام الناس» . وقيل: في عرفنا لا يحنث في غير الصلاة، لأنه لا يسمى متكلما
بل قارئا ومسبحا.
ولو قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار؛ لأن اسم اليوم
إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت. قال الله تعالى: {وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16)
والكلام لا يمتد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يسمى كلامًا حرفًا، ولأن الكلام حرام في الصلاة، وهذا مباح.
وأما شرعًا فقد أشار إليه بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي
قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن صلاتنا هذه لا
يصلح فيها شيء من كلام الناس» ش: هذا الحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب
ما يفسد الصلاة، وأخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وهو حديث طويل، وفيه «أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من
كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» .
م: (وقيل: في عرفنا لا يحنث في غير الصلاة، لأن لا يسمى متكلمًا بل قارئًا
ومسبحًا) ش: قال شيخ الإسلام: خارج الصلاة إذا سبح أو هلل أو كبر، لانصراف
يمينه إلى كلام الناس، وعليه الفتوى، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": هذا
في عادة أهل العراق، وأما في بلادنا إذا حلف الرجل أن لا يتكلم فقرأ القرآن
لا ينبغي أن يحنث، سواء قرأ في الصلاة أو في غير الصلاة، وإليه ذهب الصدر
الشهيد والعتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق]
م: (ولو قال: يوم أكلم فلانًا فامرأته طالق، فهو على الليل والنهار؛ لأن
اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت، قال تعالى: {وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] م: (الأنفال: الآية 16) ش:
أراد به مطلق الوقت.
م: (والكلام لا يمتد) ش: لأنه عرض كما يوجد بقاء الشيء، ولا يقبل الامتداد
لذاته بل يتخذ الأمثال كالضرب والجلوس والركوب وغير ذلك، لأن الثاني مثل
الأول صورة ومعنى، فجعل كالغير الممتدة.
أما الكلام الثاني بعد معنى غير ما يفيد الأول، فلم يقم فيه القول بتجدد
الأمثال، فيكون المراد من اليوم مطلق الوقت ليلًا كان أو نهارًا، فيحنث في
يمينه إذا وجد الكلام مطلقًا.
م: (وإن عني النهار خاصة) ش: أي وإن قصدت باليوم والنهار وهو زمان ممتد من
طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس م: (دين في القضاء) ش: يعني صدق في
الحكم، لأنه مستعمل فيه أيضًا م: (لأن اليوم مستعمل في النهار أيضًا) ش:
لأنه نوى حقيقة كلامه.
(6/197)
وإن عني النهار خاصة دين القضاء، لأن اليوم
مستعمل في النهار أيضا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصدق في
القضاء، لأنه خلاف المتعارف ولو قال ليلة أكلم فلانا فهو على الليل خاصة،
لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة، وما جاء استعماله في مطلق
الوقت
ولو قال: إن كلمت فلانا إلا أن يقدم فلان، أو قال: حتى يقدم فلان أو قال:
إلا أن يأذن فلان، أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق، فكلمه قبل القدوم أو
الإذن حنث. ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث، لأنه غاية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصدق في القضاء، لأنه خلاف
المتعارف) ش: أي لأن كون النهار مرادا من يوم قرن بفعل لا يمتد، خلاف
القرون في العرف م: (ولو قال ليلة أكلم فلانًا) ش: فامرأته طالق.
م: (فهو على الليل خاصة، لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة،
وما جاء استعماله) ش: أي استعمال الليل م: (في مطلق الوقت) ش: وفي "
المبسوط " الليل ضد النهار، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] (النحل: الآية 62) ، كما
أن النهار مختص بزمان الضياء فكذا الليل يختص بزمان الظلمة والسواد.
فإن قلت: الليل مستعمل لمطلق الوقت أيضًا، قال الشاعر:
وكنا جئنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذام وحمير
والمراد مطلق الوقت لا الملاقاة للمحاربة وهي تقع ليلًا ونهارًا، والظاهر
كونها في النهار، وبعده.
سقيناهم كأس سقينا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
قلت: الشاعر ذكر الليل بلفظ الجمع وأحد العددين إذ ذكر بلفظ الجمع يقتضي
دخول ما بإزائه من العدد. قال الله عز وجل {ثَلَاثَ لَيَالٍ} [مريم: 10]
وقال {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] (آل عمران: الآية
41) ، والقصة واحدة، وكلامنا في المفرد.
م: (ولو قال إن كلمت فلانًا إلا أن يقدم فلانًا، أو قال حتى يقدم فلان، أو
قال إلا أن يأذن فلان، أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق، فكلمه قبل القدوم)
ش: أي قبل قدوم فلان م: (أو الإذن حنث) ش: أي أو كلمه قبل الإذن حنث م:
(ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث، لأنه غاية) ش: أي لأن كل واحد من
القدوم والإذن غاية، وكلمة " حتى " للغاية، قال تعالى: {حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ} [القدر: 5] (القدر: الآية 5) . وأما كلمة " إلا " ها هنا بمعنى
الغاية، لأن حقيقة الاستثناء غير مرادة لتعذر استثناء الإذن والقدوم في
الكلام، لأنهما ليسا من جنسه، فجعل مجازًا عن الغاية لما بين الاستثناء
والغاية من المشابهة من حيث إن الحكم بعد كل واحد منهما يخالف الحكم قبله.
(6/198)
واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها،
فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين، وإن مات فلان سقطت اليمين، خلافا لأبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الممنوع عنه كلام ينتهي بالإذن والقدوم، ولم
يبق بعد الموت متصور الوجود. فسقطت اليمين، وعنده التصور ليس بشرط، فعند
سقوط الغاية يتأبد اليمين.
ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا بعينه أو امرأة فلان أو صديق فلان
فباع فلان عبده أو بانت منه امرأته أو عادى صديقه فكلمهم لم يحنث، لأنه عقد
يمينه على فعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها) ش: أي بعد الغاية م: (فلا
يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين) ش: بيانه أنه إذا كلمه بعد القدوم والإذن
لم يحنث، لأنه كلمه بعد انتهاء اليمين، وإذا كلمه قبل القدوم والإذن يحنث،
لأن شرط الحنث وجد حال بقاء اليمين. م: (وإن مات فلان) ش: يعني الذي أسند
إليه القدوم أو الإذن م: (سقطت اليمين) ش: لانتفاء قصور البر م: (خلافًا
لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه قال تبقى اليمين مؤيدة بعد سقوط
الغاية م: (لأن الممنوع عنه) ش: أي عن الحالف م: (كلام ينتهي بالإذن
والقدوم، ولم يبق بعد الموت متصور الوجود، فسقطت اليمين) .
ش: فإن قلت: إعادة الحياة ممكنة، فكان الواجب أن لا يبطل اليمين وانعقدت
على القدوم أو الإذن في حياة القائمة لا العادة بعد موته.
ولهذا قلنا: إذا قال: لأقتلن فلانًا وفلان ميت، ولم يعلم الحالف بموته لا
يحنث.
ولهذا قلنا إذا قال لأقتلن فلانًا وفلان ميت ينعقد اليمين، لأنها وقت
القائمة.
فإن قلت: إعادة عين الروح ممكن.
قلنا: الحياة غير الروح، لأن الله تعالى حي وليس له روح، كذا نقل عن
العلامة مولانا حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (وعنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (التصور ليس بشرط،
فعند سقوط الغاية) ش: وهو الإذن والقدوم م: (يتأبد اليمين) ش: وهذا الكلام
في بيان هذا الأصل بينهم.
[حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا بعينه فباع
فلان عبده فكلمه]
م: (ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدًا بعينه أو امرأة فلان أو صديق
فلان) ش: أي أو حلف لا يكلم صديق فلان م: (فباع فلان عبده أو بانت منه
امرأته أو عادى صديقه فكلمهم) ش: أي فكلم العبد في المسألة الأولى أو
المرأة في المسألة الثانية أو صديق فلان في المسألة الثالثة م: (لم يحنث
لأنه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان، إما إضافة ملك) ش: كما
في المسألة الأولى.
م: (أو إضافة النسبة) ش: كما في المسألتين الأخريين م: (ولم يوجد) ش: واحد
منهما م: (فلا يحنث) ش: الأصل في جنس هذه المسائل أنه متى عقد يمينه على
فعل في محل منسوب إلى الغير
(6/199)
واقع في محل مضاف إلى فلان، أما إضافة ملك
أو إضافة نسبة ولم يوجد فلا يحنث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مراعى للحنث.
ووجود النسبة وقت وجود المحلوف عليه، ولا يعتبر بالنسبة وقت اليمين إذا لم
يوجد وقت وجود الفعل المحلوف عليه، وإن كان منسوبًا إلى الغير لا بالملك
يراعى وجود النسبة وقت اليمين ولا تعتبر كالنسبة وقت وجود الفعل المحلوف
عليه.
مثال الأول: وهو قوله لا يكلم عبد فلان، وكذا لا يدخل دار فلان أو لا يركب
دابته أو لا يأكل طعامه أو لا يلبس ثوبه وإذا زال الملك ووجد الكلام أو
الدخول أو الركوب أو أكل الطعام أو لبس الثوب لا يحنث.
ومثال الثاني: هو قوله لا يكلم امرأة فلان أو صديق فلان فأبانها فلان، أو
عادى صديقه فكلمهم يحنث. ووجه القرآن في الفعل الأول الحامل على اليمين
يعني في الملك، لأن هذه الأشياء لا تعادي عادة. وفي الفعل الثاني بمعنى في
هؤلاء مكان هؤلاء هجر، ويعادي عادة بمعنى فيهم، لأن الأذى متصور منهم.
فإن قيل: يشكل هذا بعبد فلان، فإن الأذى متصور منه، كما في هؤلاء.
قلنا: ذكر ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادره " أن في العبد يحنث
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهذا وجد ظاهر الرواية أن العبد مملوك
ساقط الاعتبار عند الإحراز ملحق بالجمادات ولهذا تباع في الأسواق كالبهائم،
والظاهر أنه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه اليمين، بل يقصد سيده، كذا
في " المبسوط " " والذخيرة ".
فإن قلت: لم يكن له زوجة ولا صديق ثم اتحد الصديق والزوجة، ثم كلم ما يكون
حكمه.
قلت: لم يذكر هذا في " الجامع الصغير "، قالوا على قياس قول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث. وأما محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقد قال: في
الزيادات لا يحنث.
وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " يحتمل أن
يكون قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل ما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: وإن وجدت الإشارة مع ذلك بأن قال: لا أكلم صديق فلان هذه وزوجة
فلان هذه ثم زالت الزوجية والصداقة ثم كلم حنث في قولهم، لأن ذكر النسبة
للتعريف كالإشارة، فكانت الإشارة أولى.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هذا) ش: أي عدم الحنث م:
(في إضافة الملك بالاتفاق) ش: بين الثلاثة م: (وفي إضافة النسبة عند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث كالمرأة والصديق) ش: بيانه أن عند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يعتبر وجود النسبة وقت الحلف، فعلى هذا إذا طلق امرأته أو
(6/200)
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا في
إضافة الملك بالاتفاق، وفي إضافة النسبة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يحنث كالمرأة والصديق. قال في الزيادات: لأن هذه الإضافة للتعريف، لأن
المرأة والصديق مقصودان بالهجران فلا يشترط دوامها فيتعلق الحكم بعينه، كما
في الإشارة. ووجه ما ذكرها هنا وهي رواية الجامع الصغير أنه يحتمل أن يكون
غرضه هجرانه لأجل المضاف إليه، ولهذا لم يعينه، فلا يحنث بعد زوال الإضافة
بالشك
وإن كانت يمينه على عبد بعينه بأن قال: عبد فلان هذا أو امرأة فلان بعينها
أو صديق فلان بعينه لم يحنث في العبد وحنث في المرأة والصديق وهذا قول أبي
حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث في
العبد أيضا، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن حلف لا يدخل دار فلان
هذه فباعها ثم دخلها فهو على هذا الاختلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عادى صديقه يحنث عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال في الزيادات) ش:
وأشار إلى بيانه وجه هذا بقوله م: (لأن هذه الإضافة للتعريف، لأن المرأة
والصديق مقصودان بالهجران فلا يشترط دوامها) ش: أي دوام إضافة المرأة إلى
الزوج. وإضافة الصديق إلى فلان، لأن ما كان للتعريف لا يشترط دوامه
للاستيفاء عنه بعد التعريف م: (فيتعلق الحكم بعينه) ش: أي يتعلق حكم الحنث
يعني المقصود، وهو المرأة أو الصديق م: (كما في الإشارة) ش: بأن قال لا
أكلم صديق فلان هذا أو زوجة فلان هذه. م: (ووجه ما ذكرها هنا) ش: وهو عدم
الحنث بعد زوال الملك والنسبة وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(وهي رواية " الجامع الصغير " أنه يحتمل أن يكون غرضه هجرانه) ش: أي غرضه،
والحالف هجران المضاف م: (لأجل المضاف إليه، ولهذا) ش: أي ولأجل أن غرض
الحالف هجران المضاف لأجل المضاف إليه م: (لم يعينه) ش: أي لم يعين المضاف
حيث لم يقل صديق فلان هذا، أو امرأة فلان هذه م: (فلا يحنث بعد زوال
الإضافة بالشك) ش: لاحتمال أن يكون هجرانه لأجل المضاف إليه.
[حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها]
م: (وإن كانت يمينه على عبد بعينه بأن قال: عبد فلان هذا أو امرأة فلان
بعينها) ش: بأن قال امرأة فلان هذه م: (أو صديق فلان بعينه) ش: أي أو قال
صديق فلان بعينه م: (لم يحنث في العبد وحنث في المرأة والصديق وهذا) ش: أي
عدم الحنث م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في العبد أيضًا، وهو قول
زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
م: (وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها فهو على هذا الاختلاف)
ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في الدار المشار إليها إذا بيعت
ثم وجد الدخول كما في العبد المشار إليه إذا بيع ثم كلمه، وعندهما لا يحنث،
لأن العبد والدار لا يصلحان للمعاداة، أما الدار فظاهرة، وأما العبد فلأنه
يعادى لذاته وسقوط منزلته، وإنما يهجران لمعنى في صاحبها.
(6/201)
وجه قول محمد وزفر - رحمهما الله - أن
الإضافة للتعريف والإشارة أبلغ منها لكونها قاطعة للشركة، بخلاف الإضافة
فاعتبرت الإشارة، ولغت الإضافة وصار كالصديق والمرأة. ولهما أن الداعي إلى
اليمين معنى في المضاف إليه، لأن هذه الأعيان لا تهجر ولا تعادى لذواتها،
وكذا العبد لسقوط منزلته، بل لمعنى في ملاكها فتقيد اليمين بحال قيام الملك
بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصديق والمرأة لأنه يعادي لذاته
فكانت الإضافة للتعريف والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر لعدم التعيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا زال الملك ثم وجد الفعل لا يحنث بخلاف المرأة والصديق، فإنهما يصلحان
للمعاداة فكيف وقد أشار إليهما فيحنث بعد زوال الزوجية والعدامة.
م: (وجه قول محمد وزفر - رحمهما الله - أن الإضافة للتعريف والإشارة أبلغ
منها) ش: أي من الإضافة التي للتعريف م: (لكونها) ش: أي لكون الإشارة م:
(قاطعة للشركة) ش: لكونها بمنزلة وضع اليد عليه م: (بخلاف الإضافة) ش:
لجواز أن يكون لفلان عبيدًا، فإذا كان كذلك م: (فاعتبرت الإشارة، ولغت
الإضافة وصار كالمرأة والصديق) ش: أي وصار العبد المشار إليه كالصديق
والمرأة، أشار إليهما عند محمد وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا عند
الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة
وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الداعي إلى اليمين معنى في المضاف
إليه) ش: يعني لا نسلم أن الإضافة للتعريف، بل لبيان الداعي إلى اليمين
معنى في المضاف إليه م: (لأن هذه الأعيان) ش: أي الدابة، أي حيوان كان،
والدار والثوب م: (لا تعادى ولا تهجر لذواتها، وكذا العبد) ش: لا يهجر
لذاته، بل م: (لسقوط منزلته) ش: فإن قيل: يحتمل أن تعادى لذاتها على قول،
وجاء الخبر أن «الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس» قلنا ذاك احتمال لم
يعرف به العرف والعادة، فإن في العادة لا يعادى لذاتها، بل لسبب آخر وهو
غير معلوم، وفيما نحن فيه معادي بسبب أربابها عرفًا، وهو معنى قوله م: (بل
لمعنى في ملاكها) ش: أي يعادي بهجر هذه الأشياء لأجل معنى في ملاكها بضم
الميم وتشديد اللام، فإذا كان كذلك م: (فتقيد اليمين بحال قيام الملك) ش:
بقيام المعنى الداعي إذ ذاك.
م: (بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصديق والمرأة لأنه) ش: أي لأن
كل واحد منهما م: (يعادي لذاته) ش: وهو ظاهر م: (فكانت الإضافة للتعريف
والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر لعدم التعيين) ش: يعني الداعي إلى
المعنى الذي في المضاف إليه غير متعين الهجران، لأن مهجر لذاته لما ذكر أن
الحر يهجر عادة بعينه، وقد يهجر بغيره، فإذا جمع بين الإضافة والإشارة تعين
الهجران بعينه، ولأن في اعتبار الهجران لغير لغة الإشارة م: (بخلاف ما
تقدم) ش: وهي مسألة العبد لما ذكرنا من تعيين الهجران وجهة الإضافة.
[حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن
حلف لا يكلم
(6/202)
بخلاف ما تقدم.
قال وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث، لأن هذه الإضافة
لا تحتمل إلا التعريف، لأن الإنسان يعادي لمعنى في الطيلسان، فصار كما إذا
أشار إليه. ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه وقد صار شيخًا حنث؛ لأن الحكم
تعلق بالمشار إليه إذ الصفة في الحاضر لغو. وهذه الصفة ليست بداعية إلى
اليمين على ما مر من قبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحب هذا الطيلسان) ش: وهو تقريب طيلسان، وجمعه طيالسة، والهاء في الجمع
للعجمة، لأنه فارسي يعرب، وهو من لباس العجم مدورًا، وفي جمع التعاريف
الطيالسة لحمتها وسداها صوف.
وفي " المغرب " الطيلسان تقريب اللسان، وهو لباس العجم، ومنه قولهم في
الشتم يا ابن الطيلسان، يراد بك عجمية [ ... ] .
م: (فباعه) ش: أي فباع صاحب الطيلسان طيلسانه، م: (ثم كلمه حنث، لأن هذه
الإضافة لا تحتمل إلا التعريف، لأن الإنسان لا يعادي لمعنى في الطيلسان
فصار كما إذا أشار إليه) ش: أي إلى صاحب الطيلسان، فتعلقت اليمين به، وإن
كلم المشتري لا يحنث.
م: (ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه وقد صار شيخًا) ش: أي والحال أنه قد
صار شيخًا، قد علم أن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالًا لا بد فيها من
ذكر قد، وقد يحذف م: (حنث، لأن الحكم تعلق بالمشار إليه، إذ الصفة في
الحاضر لغو) ش: وفي الغائب معتبرة، إلا إذا كانت الصفة داعية إلى اليمين،
فحينئذ يعتبر.
وتنعقد اليمين بتلك الصفة، كما إذا حلف لا يأكل بسرًا فأكل بعد ما صار
رطبًا، أو حلف لا يأكل رطبًا فأكل بعد ما صار تمرًا لا يحنث لتقيد اليمين
بصفة البسورة أو الرطوبة، لأن تلك الصفة داعية إلى اليمين وهنا صفة الشأن
لم تعتبر داعية، لأن هجران الصغير مهجور شرعًا، لقوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا» فلو اعتبرت الصفة داعية
يلزم هجران المهجور شرعًا، فلا يجوز ذلك.
م: (وهذه الصفة ليست بداعية إلى اليمين) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على
ما قبله وقد اندرج بيانه فيما ذكرناه الآن م: (على ما مر من قبل) ش: أي في
أول باب اليمين في الأكل والشرب في مسألة ما لا يأكل لحم هذا الجمل.
(6/203)
|