البناية شرح الهداية

فصل قال: ومن حلف لا يكلم حينا أو زمانا أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر؛ لأن الحين قد يراد به الزمان القليل، وقد يراد به أربعون سنة، قال الله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] الإنسان الآية: 1، وقد يراد به ستة أشهر، قال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] (إبراهيم: الآية 35) ، وهذا هو الوسط، فينصرف إلى يمينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل اليمين المتعلق بالزمان] [حلف لا يكلم حينا أو زمنا]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل متعلقة بالباب المذكور، وإنما ذكر لفظ فصل، ولم يذكر لفظ باب، لأن مسائله داخلة في الباب المذكور بالتبعية. قال الكاكي: ومسائل هذا الفصل في الكلام أيضًا، إلا أنها تتعلق بالزمان وما قبلها متعلق بالأعيان، فالأعيان أصل والأزمان تابع له، انتهى. وفي قوله تابع له نظر لا يخفى، والترجيح بلا دليل لا يجوز.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يكلم حينًا أو زمنًا) ش: أي أو قال: لا يكلمه زمانًا أو الحين، أي أو قال: لا يكلمه م: (الحين) ش: بالألف واللام م: (أو الزمان) ش: أي أو قال: لا يكلمه الزمان معرفًا م: (فهو) ش: أي محلف واقع م: (على ستة أشهر) ش: وبه قال أحمد. وقال الشافعي: أدنى مدة، وهو ساعة، لأنه ثابت بتعين. وفي " شرح الأقطع " قال الشافعي: إذا حلف على نفي قيمته على ساعة واحدة. وإن حلف على الإثبات ففعل ذلك في آخر عمره جاز.
وقال مالك: يحمل على ستة. قال الله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] (إبراهيم: الآية 25) والمراد بها لستة أشهر، ولأنه الوسط من المدة.
قلنا: المراد من قوله كل حين ستة أشهر، كذا قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لأن من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك التمر ستة التمر، فكان هو الوسط، فعند الإطلاق يحمل على الوسط، فخير الأمور أوساطها.
م: (لأن الحين قد يراد به الزمان القليل) ش: قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] (الروم: الآية 17) ، والمراد به وقت الصلاة م: (وقد يراد به) ش: أربعون سنة م: (قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] م: (الإنسان: الآية 1) ش:، قال: أهل التفسير المراد به أربعون سنة م: (وقد يراد به ستة أشهر، قال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] م: (إبراهيم: الآية 25) ش: وقد ذكرنا الآن عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ستة أشهر م: (وهذا هو الوسط) ش: أي الحين الذي بمعنى ستة أشهر هو الوسط، وقد مر الآن، فإذا كان كذلك م: (فينصرف إلى يمينه) ش: أي إلى قدر ستة أشهر إذا لم يكن له نية.

(6/204)


وهذا لأن اليسير لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة، والمؤبد لا يقصد به غالبا، لأنه بمنزلة الأبد ولو سكت عنه، يتأبد فتعين ما ذكرنا،
وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى، وهذا إذا لم تكن له نية، أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه، وكذلك الدهر عندهما، وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدهر لا أدري ما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر لماذا؟ م: (لأن اليسير لا يقصد بالمنع) ش: لعدم الحاجة إلى اليمين في الامتناع عن الكلام في ساعة واحدة م: (لوجود الامتناع فيه عادة) ش: أي قدر الساعة من حيث العادة م: (والمديد) ش: أي الزمان المديد م: (لا يقصد غالبًا، لأنه بمنزلة الأبد) ش: لأن من أراد ذلك يقول أبدًا في العرف، فلو كان مراده ذلك لم يذكر الحين م: (ولو سكت عنه) ش: أي عن المديد م: (يتأبد) ش: أي اليمين م: (فتعين ما ذكرنا) ش: وهو الوسط. اعلم أن الحين هو الزمان قليله وكثيره، كذا في " المجمل " وغيره، وقال الزجاج في تفسيره: جميع ما شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أن الحين اسم زمان كالوقت يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت، ثم قال: والدليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة أنشد الأصمعي في صفة الحية والملدوغ.
وما قبله فنبت كما ساورتني ضئيلة ... الراقشي في أنيابها السم ناقع
قوله: تناذرها - أي أنذر بعضهم بعضًا قولهم تطلقه بتشديد اللام معناه أن السم سحق لا وقتًا، ويعود وقتًا. ومعنى ساورتني وأثنى من ساور إليه الأسد أي وثب، والضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وباللام هي الحية التي تنقبض وينضم بعضها إلى بعض والرقش بضم الراء وسكون القاف وبالسين المعجمة جمع رقشاء، وهي الحية التي في ظهرها خطوط ونقط، وناقع بالنون والقاف، أي ثابت.

[قال لا أكلمه دهرا أو الدهر]
م: (وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى) ش: واحد م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر في قوله لا يكلمه حينًا أو زمانًا أو قالهما بالتعريف م: (إذا لم يكن له نية، فأما إذا نوى شيئًا) ش: من معاني الحين أو الزمان م: (فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: فيعمل به، م: (وكذلك الدهر) ش: يعني يحمل على ستة أشهر إذا قال لا أكلمه دهرًا أو الدهر م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال أبو حنيفة: الدهر لا أدري ما هو) ش: أي لا أدري كيف هو في حكم التقدير، قال أبو بكر الرازي: في شرح " مختصر الطحاوي " المشهور من قولهما أن الدهر بالألف واللام على الأبد قد ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "، ولم يذكر فيه خلافًا.
وكان أبو الحسن يقول: إن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الدهر وهو دهرًا واحدًا، وإنه لم يجيب عنه بشيء، والغالب في كلام الناس أن الدهر على الأبد يقال: فلان يصوم الدهر

(6/205)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعنون الأبد.
وقال الكاكي: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أدري ما الدهر، لأن الناس يستعملونه بمعنى الحين والزمان، وبمعنى الأبد، ألا ترى أن معرفته على الأبد بخلاف الحين والزمان، لأن معرفتهما ومنكرهما سواء يقال فلان دهري بضم الدال إذا كان معمرًا، ودهري بالفتح إذا قال بالدهر وأنكر الصانع، قال تعالى: حكاية عنهم {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] (الجاثية: الآية 24) ، فكان مجملًا، فلم يقف على مراد المتكلم، والترجيح بلا دليل لا يجوز، فكان قوله لا أدري من كمال علمه وورعه.
وروي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل عن شيء، فقال: لا أدري ثم قال: بعد ذلك طوبى لابن عمر سئل عن شيء لا يدري فقال: لا أدري. ثم قيل إنما قال لا أدري ثم قال بعد ذلك حفظًا للسانه عن الكلام في معنى الدهر، فقد جاء في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» ، معناه أنه خالق الدهر.
وقد جاء في حديث آخر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حكاية عن الله عز وجل: «استقرضت من عبدي وأبى أن يقرضني وهو يسبني ولا يدري سب الدهر ويقول إنما أنا الدهر» وكما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سئل عن خير البقاع فقال: لا أدري حتى أسأل ربي فصعد ثم نزل، فقال: سألت الله عز وجل خير البقاع مساجدها، وخير أهلها من يكون أول الناس دخولًا وآخرهم خروجًا» ، فعرفنا أن الوقت في مثل هذا من الكمال لا من النقصان، كذا في " المبسوط " و " جامع فخر الإسلام " و " قاضي خان ".
وقيل: وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أن الدهر لا نص عليه عنه عن أحد من أهل اللغة، ودلالة متعارضة فيجب التوقف فيه. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] (الجاثية: الآية 24) ، وإلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» . ولهذا قال صاحب الحمرة: الدهر معروف. ثم قال: وقال يوم الدهر مدة الدنيا من ابتدائها إلى انقضائها وقال آخرون بل دهر كل قوم هو زمانهم.
وقال ثعلب في " التتمة ": الدهر الزمان الليل والنهار لا خير لك. ثم أنشد:
أهل الدهر إلا ليلة ونهارها ... إلى طلوع الشمس ثم غبارها
فلما لم يثبت العرف فيه لم يصح إلحاق الدهر والحين قياسًا، لأن درك اللعان بالقياس لا يستقيم. ولهذا إذا ذكر الدهر معرفًا يقع على الأبد اتفاقًا على ظاهر الرواية بخلاف الحين والزمان، ولو قال: لا أكلم حينًا فهو على ثمانين سنة عندنا، وعند أحمد، وعند مالك -

(6/206)


وهذا الاختلاف في المنكر هو الصحيح، أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفا، لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رحمهما الله - على أربعين سنة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع العمر م: (وهذا الاختلاف في المنكر) ش: الاختلاف المذكور في قوله لا أكلمه دهرًا بدون الألف واللام.
م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن رواية بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا أفرق على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين قوله دهرًا وبين قوله الدهر.
وإذا كان الاختلاف في المنكر فالمعرف يكون متفقًا عليه، فإما أن يكون ستة أشهر كما قالوا، وإما أن يكون على الأبد بلا خلاف بينهم، وهو الذي أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفًا) .
ش: فإن قيل: ذكرت في " الجامع الكبير " وأجمعوا فيمن قال إن كلمتك دهورًا أو شهورًا أو سنينًا أو جمعًا أو أيامًا يقع على ثلاثة من هذه المذكورات، لأنها أوفى الجمع المتفق عليه. فكيف قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري الدهر. وقد حكم في دهور أن أدناه ثلاثة دهور فكل دهر ستة أشهر كما هو قولهما، ومن لا يدري معنى الفرد لا يدري معنى الجمع، إذ الجمع عبارة عن ثلاثة أفراد.
قلنا: هذا تفريع بمسألة الدهر على قول من يعرف الدهر، كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها، ولذلك قال بالمعرفة إذا كانت يمينه بالدهور على صيغة الجمع محلى بالألف واللام كما هو أصله في السنين والشهور، وإليه أشار بالعشرة التمرتاشي. وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أوفى الجمع من هذه المذكورات ثلاثة، ولكن لا يلزم من هذا معرفة المراد من الدهر المنكر، يعني لو عرف المراد منه يكون المراد من الدهور ثلاث سنين، ومما يليق ذكره هنا ما قاله بعضهم من قال: لا أدري لما لم يدره، فقد اقتدى في النفقة بالنعمات في الدهر والخنثى كذلك جوابه. ومحل أطفال ووقت ختان.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن دهرًا يستعمل استعمال الحين والزمان، يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى واحد، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسًا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال) ش: إذ هو باق بمعنى الزمان وبمعنى الأبد.
وقولهم دهرًا داهر ودهار برأي شديد. ويقال ماذا بدهري، أي عاد يوم وما دهري بكذا، أي همني ويراد به العمر، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صام الدهر» مستعملًا في معان مختلفة، توقف أبو

(6/207)


ولو حلف لا يكلمه أياما فهو على ثلاثة أيام، لأنه اسم جمع ذكر منكرا، فيتناول أقل الجمع وهو الثلاث، ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا على أيام الأسبوع. ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عنده، وعندهما على اثني عشر شهرا، لأن اللام للمعهود، وهو ما ذكرنا، لأنه يدور عليها، وله أنه جمع معرف، فينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع وذلك عشرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حنيفة في تقديره كما ذكرناه.

[حلف لا يكلمه أياما]
م: (ولو حلف لا يكلمه أيامًا فهو على ثلاثة أيام، لأنه اسم جمع ذكر منكرًا فيتناول أقل الجمع، وهو الثالث) ش: هذا لفظ القدوري، وهو رواية الجامع الكبير، وذكر فيه أنه بالاتفاق وذكر في كتاب الأيمان أنه على عشرة أيام عنده، أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في العرف.
وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " والمذكور في " الجامع " أصح، وذلك لأن ذكر الأيام بالتنكير ولا دلالة فيه على الجنس والعهد، فيقع على أقل الجمع، وهو الثلاثة.
م: (ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة. وقالا: على أيام الأسبوع. ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عنده) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما على اثني عشر شهرًا، لأن اللام للمعهود) ش: لأن في الأيام المعهودة في عرف الناس أيام الأسبوع فكانت الجمعة هي المرادة، وفي الشهور المعهودة شهور السنة، فكانت السنة هي المرادة م: (وهو ما ذكرنا) ش: أن اللام للعهد م: (لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (يدور عليها) ش: أي على اثني عشر. قال الأترازي: وكان القياس أن يقول لأنها تدور عليه، لكن أقول المذكور في الأول، وفي الإفراد في الثاني، فافهم. ونقل الأكمل هذا برمته بقوله وقيل، أي لأن الشهر يدور على اثني عشر وكان القياس إلى آخره، ثم سكت عنه، فالظاهر أنه لم يكن عنده معنى غير هذا حتى سكت ولم يقل شيئًا.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي لفظ الشهور م: (جمع معرف بالألف واللام ينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، وذلك عشرة) ش: أي عشرة. والأصل هنا أن حرف التعريف إذا دخلت في اسم الجمع ينصرف إلى أقصى ما يطلق عليه اسم الجمع عند أبي حنيفة، وهو العشرة، لأن الناس يقولون في العرف ثلاثة أيام وأربعة أيام إلى عشرة أيام، ثم بعد ذلك يقولون أحد عشر يومًا ومائة يوم وألف يوم.
فإن كان العشرة أقصى ما ينتهي إليه لفظ الجمع كانت هي المرادة، لأن اللام للجنس، بخلاف ما إذا حلف بقوله: إن تزوجت النساء، حيث تقع اليمين على الواحدة لتعذر صوته إلى الجمع.

(6/208)


وكذا الجواب عنده في الجمع والسنين، وعندهما ينصرف إلى العمر لأنه لا معهود دونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن عنى الجمع قيل لا يصدق، لأنه خلاف الظاهر. وقيل يصدق لأنه نوى حقيقة كلامه. وقال أبو حنيفة: يقال: أي اللام للعهد، والعشرة معهودة في الجمع المعرف، فإنه أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، فإنه يقال: ثلاثة أيام إلى العشرة، ثم يقال أحد عشر يومًا، فكان تعريفًا لهذا المعهود.
فإن قلت: هذا لا يستقيم في الشهور، فإنه لا يقال: ثلاثة شهور بل يقال: ثلاثة أشهر.
قلت: بل يقال ثلاثة شهور أيضًا، كما يقال: ثلاثة فرد.
فإن قلت: هذا هكذا عند اقتران العدد، لا عند تجرده عنه. وقد قيل في قَوْله تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا} [آل عمران: 140] (آل عمران: الآية 140) ، أي أيام الدنيا.
قلت: اسم الجمع للعشرة وما دونها حقيقة في حالتي الإبهام والتعيين، ويقع على ما وراء العشرة في حالة الإبهام دون التعيين، فكان الصرف إلى ما صرف في الحالين أولى.
فإن قلت: يشكل هذا بقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 160] (الأعراف: الآية 160) وما قال سبطًا.
قلت: لا يرد هذا السؤال، لأن لفظ الأسباط ليس بتمييز، وإنما التمييز محذوف، تقديره وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أسباطًا، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.
م: (وكذا الجواب عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجمع) ش: جمع جمعة، يعني إذا حلف لا يكلم الجمع يقع على عشر جمع م: (والسنين) ش: يعني وكذا الجواب في السنين، يعني إذا حلف لا يكلم السنين يقع على عشر سنين. وفي " المحيط " قال: لا أكلمه الأيام والشهور أو السنين أو الجمع أو الدهر أو الأزمنة فهو على العشرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما الأيام على الأسبوع، يعني سبعة أيام والشهور على السبعة وغيرها على العمر.
م: (وعندها ينصرف إلى العمر، لأنه لا معهود دونه) ش: أي دون العمر، لأن الأصل عندهما أن ينظر إن كان ثمة معهود ينصرف إليه، ولا ينصرف إلى جميع العمر. وفي الأيام إلى المعهود في عرف الناس أيام الأسبوع، فكانت الجمعة هي المرادة.
وفي الشهور المعهودة شهور السنة، فكانت السنة هي المرادة ولا معهود في الجمع والسنين، فانصرف يمينه إلى جميع العمر. ولو قال جمعًا أو قال: سنين بالتنكير يقع على ثلاثة من ذلك بالاتفاق.
وفي " الكافي " وقيل: تنصرف الأيام على سبعة اتفاقًا، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تنصرف إلى الثلاثة في المنكر، لأنه أقل الجمع في المنكر في الأيام، العرف ينصرف

(6/209)


ومن قال لعبده: إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر، فالأيام الكثيرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة أيام، لأنه أكثر ما يتناوله اسم الأيام، وقالا: سبعة أيام، لأن ما زاد عليها تكرار، وقيل لو كان اليمين بالفارسية ينصرف إلى سبعة أيام، لأنه يذكر فيها بلفظ الفرد دون الجمع والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عند مالك إلى الأبد.
وقال بعض أصحابه: ينصرف إلى الأسبوع، ويحمل الشهور على اثني عشر، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي قوله عن مالك ينصرف إلى الأبد والسنين، والجمع ينصرف إلى الأبد لقولهم وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[قال لعبده إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر]
م: (ومن قال: لعبده إن خدمتني أيامًا كثيرة فأنت حر، فالأيام الكثيرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة أيام، لأنه أكثر ما يشار له اسم الأيام) ش: لأن أكثر عدد يضاف إلى الأيام عشرة، فبعد ذلك لا يسمى أيامًا يقال: ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، ثم يترك ذكر الأيام فيقال أحد عشر يومًا مائة يوم وألف يوم.
م: (وقالا: سبعة أيام، لأن ما زاد عليها تكرار) ش: فتكون الأيام الكثيرة سبعة. وقيل: هذا بالاتفاق كما ذكرنا عن قريب م: (وقيل لو كان اليمين بالفارسية) ش: بأن قال: لعبده أكثر خدمتها ردزها، أي سئل نوازًا أو يخدم سبعة أيام فيعتق، وهو معنى قوله م: (ينصرف إلى سبعة أيام، لأنه يذكر فيها بلفظ المفرد دون الجمع) ش:.
وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر، لأن لفظ المفرد بالفارسي لا يخلو من أحد الأمرين. إما أن يفهم منه معنى الجمع أم لا، فإن فهم فينبغي أن يكون العربي والفارسي سواء، وإن لم يفهم ينبغي أن لا يكون الأسبوع مرادًا أيضًا. انتهى.
وقال الأكمل: يمكن أن يجاب عنه بأن يفهم منه معنى الجمع. قوله: ينبغي أن يكون العربي والفارسي سواء.
قلنا: ممنوع لأنه لفظ الفارسي، وإن المراد معنى الجمع لكن ينتهي إلى العشرة وتخصيص أيام الأسبوع لكونه المعهود أو لعدم القائل بالفصل.

(6/210)


باب اليمين في العتق والطلاق ومن قال: لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت، وكذلك إذا قال لأمته إذا ولدت ولدا فأنت حرة، لأن الموجود مولود، فيكون ولدا حقيقة، ويسمى به في العرف ويعتبر ولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد له فيتحقق الشرط، وهو ولادة الولد. ولو قال: إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق واحد منهما، لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما بينا فينحل اليمين لا إلى جزاء، لأن الميت ليس بمحل للحرية، وهي الجزاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في العتق والطلاق] [قال لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا]
م: (باب اليمين في العتق والطلاق) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين في العتق والطلاق، وقدم هذا الباب على غيره، لأن الحلف بهما أكثر وقوعًا، فكانت معرفة كأنه من غيره.
م: (ومن قال لامرأته: إذا ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت ولدًا ميتًا طلقت، وكذلك إذا قال لأمته: إذا ولدت ولدًا فأنت حرة) ش: فولدت ولدًا ميتًا عتقت م: (لأن الموجود مولود فيكون ولدًا حقيقة) ش: يعني يكون ولدًا باعتبار الحقيقة وعرفًا وشرعًا.
أما حقيقة فظاهر، وأما عرفًا فكذلك، أشار إليه بقوله م: (ويسمى به) ش: أي بالولد م: (في العرف) ش: وأما شرعًا فهو قوله: م: (ويعتبر ولدًا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده) ش: أي بعد الولد.
م: (نفاس وأمه أم ولد له فيتحقق الشرط، وهو ولادة الولد) ش: فتطلق الحرة وتعتق الأمة وفيما ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعليل أنه يجيء في الآخرة ويرجى شفاعته بدليل ما روى أبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في «السقط يظل محبنطئا على باب الجنة» والمحبنطئ يروى لغيرهم، فعلى الأول معنى المتغضب المستبطئ للشيء، وعلى الثاني معناه العظيم البطن المنتفخ، يعني مغضب وينفتح بطنه حتى يدخل أبواه الجنة. م: (ولو قال: إذا ولدت ولدًا فهو حر فولدت ولدًا ميتًا ثم آخر) ش: أي ولدت ولدًا آخر م: (حيًا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يعتق واحد منهما، لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت) ش: لأن شرط الحرية ولادة الولد، وقد تحققت ولادة الميت م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن الموجود مولود.
فإذا كان كذلك م: (فينحل اليمين لا إلى جزاء) ش: كما إذا قال لعبده إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار ينحل اليمين لا إلى جزاء، حتى إذا اشتراه فدخل الدار لا يعتق. وكذا إذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق فأبانها وانقضت عدتها ثم دخلت الدار ينحل اليمين لا إلى جزاء، حتى إذا تزوجها ثم دخلت الدار لا تطلق م: (لأن الميت ليس بمحل للحرية، وهي الجزاء)

(6/211)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مطلق اسم الولد مقيد بوصف الحياة لأنه قصد إثبات الحرية جزاء وهي قوة حكمية تظهر في دفع تسلط الغير، ولا تثبت في الميت فيتقيد بوصف الحياة فصار كما إذا قال إذا ولدت ولدا حيا بخلاف جزاء الطلاق وحرية الأم لأنه لا يصلح مقيدا،
وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق لأن الأول اسم لفرد سابق. فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق واحد منهم لانعدام التفرد في الأولين، والسبق في الثالث فانعدمت الأولية، وإن قال أول عبد أشتريه وحده، فهو حر عتق الثالث؛ لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء، لأن وحده للحال لغة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأن الحرية عبارة عن قدرة حكمية تثبت في المحل يحنث بدفع تسلط الغير عليه والميت ليس بأهل للقوة الحكمية المذكورة.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مطلق اسم الولد مقيد بوصف الحياة) ش: تصحيح الكلام العاقل، ولو لم يقيد بوصف الحياة صار لغوًا م: (لأنه قصد إثبات الحرية جزاء) ش: يعني من حيث الجزاء.
م: (وهي) ش: أي الحرية م: (قوة حكمية تظهر في دفع تسلط الغير عليه ولا تثبت) ش: أي القوة الحكمية م: (في الميت) ش: لأنه ليس بأهل لذلك م: (فيتقيد) ش: أي الولد م: (بوصف الحياة فصار كما إذا قال إذا ولدت ولدًا حيًا) ش: فولدت ولدًا حيًا ولم يوجد.
م: (بخلاف جزاء الطلاق) ش: في قوله لامرأته: إن ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت ولدًا يقع الطلاق م: (وحرية الأم) ش: في قوله لأمته إذا ولدت ولدًا فأنت حرة فولدت ولدًا ميتًا يقع العتق م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من جزاء الطلاق وحرية الأم م: (لا يصلح مقيدًا) ش: للحياة لاستغنائهما عن حياة الولد.
ولهذا إذا وضعت الولد بالموت صريحًا، وعلق الطلاق وحرية الأم، وبه قال إذا ولدت ولدًا ميتًا فأنت طالق، أو قال فأنت حرة، كان صحيحًا.

[قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا]
م: (وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدًا عتق، لأن الأول اسم لفرد سابق) ش: لا يشاركه غيره فيه، فالذي اشتراه فرد سابق فيعتق م: (فإن اشترى عبدين معًا) ش: يعني بصفة واحدة م: (ثم آخر) ش: يعني ثم اشترى عبدًا آخر م: (لم يعتق واحد منهم، لانعدام التفرد في الأولين) ش: أي في العبدين الأولين م: (والسبق) ش: أي ولانعدام السبق م: (في الثالث) ش: أي في العبد الثالث م: (فانعدمت الأولية) ش: يعني لم توجد.
م: (وإن قال: أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء، لأنه وحده للحال لغة) ش: أي حال كونه وحده، وفي قوله: لغة نظر، لأن وحده حال من جهة

(6/212)


والثالث سابق في هذا الوصف،
وإن قال آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدا ومات لم يعتق لأن الآخر فرد لاحق ولا سابق له، فلا يكون لاحقا، ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات عتق الآخر لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية، ويعتق يوم اشتراه وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يعتبر من جميع المال، وقال يعتق يوم مات حتى يعتبر من الثلث، لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت، فكان الشرط متحققا عند الموت، فيقتصر عليه. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموت معرف، فأما اتصافه بالآخرية من وقت الشراء فيثبت مستندا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإعراب لا من جهة اللغة.
م: (والثالث) ش: أي العبد الثالث م: (سابق في هذا الوصف) ش: لأنه هو التوحد في الشراء بخلاف قوله أول عبد أشتريه واحدًا فاشترى عبدين ثم آخر لا يعتق واحد منهم لانعدام الأولية.
لأن العبدين ليسا بفرد سابق، والفرق بين قوله وحده، وبين قوله واحدًا أن الواحد يقتضي الانفراد في الذات، ووحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به، ألا ترى أنه لو قال في الدار رجل واحد كان صادقًا إذا كان معه صبي أو امرأة بخلاف ما إذا قال في الدار رجل وحده [كان] كاذبًا إذا كان معه صبي أو امرأة.

[قال آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدا ثم مات]
م: (وإن قال: آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدًا ثم مات) ش: أي المولى م: (لم يعتق، لأن الآخر فرد لاحق ولا سابق له، فلا يكون لاحقًا) ش: فلا يعتق لعدم الشرط، ولأنه أول فلا يكون آخرًا، لأنه ليس من صفات المخلوقين أن يكون الواحد أولًا وآخرًا، وإنما هو من صفات الباري عز وجل.
م: (ولو اشترى عبدًا ثم عبدًا) ش: أي ثم اشترى عبدًا آخر م: (ثم مات عتق الآخر، لأنه فرد لاحق، فاتصف بالآخرية ويعتق يوم اشتراه. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يعتبر من جميع المال) ش: إذا كان الشراء في وقت الصحة م: (وقالا: يعتق يوم مات حتى يعتبر من الثلث، لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك) ش: أي عدم شراء غيره م: (يتحقق بالموت) ش: أي بموت الولي م: (فكان الشرط متحققًا عند الموت، فيقتصر عليه) ش: أي فيقتصر العتق على زمان الموت، فيعتق قبيل الموت بلا فصل.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموت معرف) ش: أي غير شرط له يعرف أن العبد الثاني هو آخر عبد اشتراه م: (فأما اتصافه بالآخرية من وقت الشراء) ش: يعني هذه الصفة حصلت له من وقت الشراء، إلا أن هذه الصفة تعرض للزوال بأن يشتري غيره بعده.
فإذا مات ولم يشتر لم يوجد ما يبطلها م: (فيثبت) ش: أي العتق م: (مستندًا) ش: إلى وقت كان آخرًا من وقت الشراء.

(6/213)


وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به، وفائدته تظهر في حرمان الإرث وعدمه. ومن قال: كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين عتق الأول لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه، ويشترط كونه سارا بالعرف، وهذا إنما يتحقق من الأول، وإن بشروه معا عتقوا؛ لأنها تحققت من الكل،
ولو قال: إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه لم يجزئه، لأن الشرط قران النية بعلة العتق وهي اليمين، فأما الشراء فشرطه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: (تعليق الطلقات الثلاثة به) ش: أي بوصف الآخرية أو بلفظ الآخر بأن قال آخر امرأة تزوجها فهي طالق ثلاثًا فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات تطلق الثانية من حين تزوجها ولا ترث، وعندهما تطلق في آخر حياة الزوج، ويصير الزوج فارًا فترث المرأة وأشار إليه بقوله م: (وفائدته) ش: أي فائدة الخلاف المذكور م: (تظهر في حرمان الإرث) ش: أي من الزوج م: (وعدمه) ش: أي وعدم الحرمان، وقد مر بيانه.
م: (ومن قال: كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر، فبشره ثلاثة) ش: أي ثلاثة عبيد حال كونهم م: (متفرقين عتق الأول) ش: أي العبد الأول م: (لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه) ش: من السرور. فالحاصل أن البشارة اسم لخبر غائب عن المخبر علمه، وقد يكون بالشر، وقد يكون بالخير، لأنه في العرف مستعمل فيما بينه وبين الخبرية، ويتحقق من واحد وأكثر بأن أخبروه في هذه المسألة مجتمعين عتقوا، لأن البشارة حصلت منهم، وإن أخبروه متفرقين عتق الأول خاصة م: (ويشترط كونه سارًا) ش: أي كون هذا الخبر سارًا م: (في العرف) ش: لما ذكرنا أنه يستعمل في الخير والشر.
م: (وهذا) ش: أي كون هذا الخبر سارًا يغير به بشرة الوجه م: (إنما يتحقق من الأول) ش: أي العبد الأول، لأن الثاني أخره لما كان معلومًا عنده، فلا تتغير به عندهما م: (ولو بشروه معًا) ش: يعني مجتمعين م: (عتقوا) ش: جميعًا م: (لأنها) ش: أي لأن البشارة على الوجه المذكور م: (تحققت من الكل) ش: فيعتق الكل وقد ذكرناه.

[قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه]
م: (ولو قال: إن اشتريت فلانًا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه لم يجزئه) ش: أي عن الكفارة م: (لأن الشرط) ش: أي شرط الخروج عن عهدة التكفير م: (قران النية) ش: أي نية التكفير م: (بعلة العتق وهو اليمين) ش: سمي جزاء اليمين، وهو قوله أنت حر يمينًا، لأن الجزاء معظم اليمين، إذ اليمين تختلف الأجزية، يقال يمين الطلاق ويمين العتاق.
وإنما ذكر الضمير في قوله وهو اليمين باعتبار المذكور والأصل وهو اليمين، وكذا هو في بعض النسخ، وهي اليمين ولم يوجد منه التكفير وقت يمينه، لأن الكلام فيه م: (وأما الشراء فشرطه) ش: أي شرط العتق، ولا أثر للشرط في العتق، فيكون معتقًا بيمينه ولم يقرن نية الكفارة بها، حتى لو اقترنت جاز، كذا في " المبسوط ".

(6/214)


وإن اشترى أباه ينوي عن كفارة يمينه أجزأه عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله. لهما أن الشراء شرط العتق، فأما العلة فهي القرابة، وهذا لأن الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالته، وبينهما منافاة، ولنا أن شراء القريب إعتاق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» جعل نفس الشراء إعتاقًا، لأنه لا يشترط غيره، فصار نظير قوله سقاه فأرواه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حاصله أن نية الكفارة لم تقترن بعلة العتق، بل اقترنت بشرط العتق، وليس للشرط أثر في إيجاب العتق، لأن العتق يثبت بقول سابق، وهو قوله فهو حر نصًا، كأنه قال: عبدي حر ثم نوى عن كفارة يمينه لا يجوز، فكذا هو.

[اشترى أباه نوى عن كفارة يمينه]
م: (وإن اشترى أباه ينوى عن كفارة يمينه أجزأه عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولًا.
م: (ولهما) ش: أي زفر والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الشراء شرط الإعتاق، وأما العلة فهي القرابة) ش: المتقدمة، فصار كعتقه يمين متقدمة، وإنما اقترنت النية بالشراء الذي هو الشرط لا بالعلة. والدليل على أن استحقاق العتق بالقرابة أن أحد الشريكين إذا ادعى نسبة فضمن شريكه نصيبه كما لو أعتقه م: (وهذا) ش: أي كون الشراء شرطًا لا علة م: (لأن الشرط إثبات الملك) ش: وهو ظاهر م: (والإعتاق إزالته) ش: لأنه ليس بإثبات للملك م: (وبينهما منافاة) ش: فلا يكون الشراء إعتاقًا.
م: (ولنا أن شراء القريب إعتاقه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير البخاري كلهم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يجزي ولد....» الحديث.
م: (جعل نفس الشراء إعتاقًا) ش: أي الحديث أو الشارع بعين الشراء إنما قالا: محال م: (لأنه لا يشترط) ش: أي في الحديث م: (غيره) ش: أي غير الشراء بالإجماع، فلا يحتاج إلى إعانة آخر ومثله وارد في كلام العرب، أشار إليه بقوله: م: (وصار نظير قوله: سقاه فأرواه) ش: أي بالنفي نفسه، وكذا يقال ضربه فأوجعه، أي نفس الضرب. وقال الأكمل: قوله سقاه فأرواه، جواب عما يقال عطف الإعتاق على الشراء بألف، وهو يقتضي الذي بزمان، وإن عطف فلا يكون نفسه.
ووجهه أن الفعل إذا عطف على فعل آخر بألف كان الثاني ثابتًا بالأول في كلام العرب،

(6/215)


ولو اشترى أم ولده لم يجزئه، ومعنى هذه المسألة أن يقول لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمين، ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط، ولا يجزئه عن الكفارة، لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد، فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال ضربه فأوجعه وأطعمه فأشبعه، وسقاه فأرواه أي بذلك الفعل لا بغيره، وفيه بحسب وهو أن شراء القريب هل يثبت الملك للمشتري القريب أو لا؟، فإن أثبته لا يزيله، لأن المثبت بعينه لا يكون مزيدًا.
وإن لم يثبت لا يعتق عليه، لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم لا يقال شراء القريب يثبت الملك، لأن ثبوت الملك في القريب إعتاق بواسطة موجبة، وهو ثبوت الملك، لأنه أسند استحالته لأنه يلزم أن يكون مثلث الشيء، ونفي ثبوته إزالة له.
والجواب أن قولهم: ثبوت الملك في القريب إعتاق معناه أن الشرع أخرج القريب عن محلية الملك بقاء، كما أنه أخرج الحر عن محليته ابتداء وبقاء، وهذا لأن العتق لا يقع إلا في الملك. فلو لم يقل بثبوت الملك ابتداء لم يتصور زواله.
ثم إن المصنف قال: ومن اشترى أباه، وكذا الحكم إذا اشترى أخاه، وكذلك على الخلاف المذكور إذا وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به، وهو نوى عن كفارته كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الكافي ".
ولو ورث أباه ينوي به الكفارة لا يجزئه هذا الميراث يدخل في ملك الوارث بدون صنعه واختياره. والتكفير يتأدى بالتجويز الذي هو صفة. وفي الهبة والصدقة والوصية تحصيل صنعه وهو القبول.

[يقول لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني فاشتراها]
م: (ولو اشترى أم ولده ولم يجزئه) ش: عن الكفارة م: (ومعنى هذه المسألة) ش: وهي من مسائل " الجامع الصغير " م: (أن يقول لأمة قد استولدها بالنكاح: إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني فاشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط) ش: وهو الشراء م: (ولا يجزئه عن الكفارة، لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد، فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه) ش: لأن الموجب باليمين ما يستحق حريتها من كل وجه، وهو معنى قوله فلا تضاف أي الحرية إلى اليمين من كل وجه. ولقائل أن يقول القريب مستحق للعتق بالشراء كما أن أم الولد مستحقة له بالاستيلاد، فما بالها لم تعتق إذا اشتراها بنية الكفارة بعد التعليق كما عتق القريب. والجواب أن الاستيلاد فعل اختياري من جهة المستولد، فكانت الحرية من جهتين، جهة الاستيلاد والشراء، فلم يقع عن الكفارة من كل وجه، بخلاف القرابة فإنها ليست كذلك، فلم يكن من جهة القريب في حريته سوى الشراء، فإذا اشتراه ناويًا بالكفارة كانت الحرية عن الكفارة من كل وجه.

(6/216)


بخلاف ما إذا قال لأمة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني حيث يجزيه عنها إذا اشتراها، لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل الإضافة إلى اليمين وقد قارنته النية، ومن قال: إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت، لأن اليمين انعقدت في حقها لمصادقتها الملك، وهذا لأن الجارية منكرة في هذا الشرط، فيتناول كل جارية على الانفراد،
وإن اشترى جارية فتسرى بها لم تعتق بهذه اليمين، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول التسري لا يصح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك، فصار كما إذا قال لأجنبية إن طلقتك فعبدي حر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قال لأمة) ش: وفي بعض النسخ لقنة م: (إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمين حيث يجزئه عنها) ش: أي عن كفارة يمين م: (إذا اشتراها، لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى) ش: وإنما هي بالشراء م: (فلم تختل الإضافة إلى اليمين) ش: أي إضافة الحرية إلى اليمين لم تنحل لعدم استحقاقه القنية الحرية م: (وقد قارنته النية) ش: أي والحال أن نية الكفارة قارنت الشراء.
م: (ومن قال: إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت، لأن اليمين انعقدت في حقها لمصادقتها الملك) ش: وكل من انعقد في حقه اليمين إذا وجد الشرط فيه يترتب على الجزاء. واعلم أن معنى تسريت اتخذت سرية وهي فعلية منسوبة إلى السر، وهو الجماع أو الخفاء إلى الدهر دهري بالضم، وإلى الأرض السهلة سهيلي، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسرى معنى لغوي وشرعي أما في اللغة فالتسري مأخوذ من السرية واحدة السرايا، وهي الأمة التي يبوء لها بيت وكان الأخفش يقول: إنها مشتقة من السرور، لأنه لوثها، يقال تمر تسرت وتسريت أيضًا كما يقال بطست وبطن قلبت أحد النونين ياء. وقيل السرية مأخوذة من السرى وهو السيد، لأنه إذا اتخذها سرية فقد جعلها سيدة الجواري.
وأما في الشرع فالتسري عبارة عن التحصين من الوطء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وقال في وجه الوطء مع الإنزال والتحصين. وقال في وجه: يكفي الوطء، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط مع الوطء طلب الولد، حتى لو وطئها وعزل عنها لا تكون بسرية عنده، وعندهما السري عبارة عن أن يبوئها بيتًا ويحصنها وإن لم يطلب ولدها.
م: (وهذا) ش: توضيح لانعقاد اليمين في حقها م: (لأن الجارية منكرة في هذا الشرط، فيتناول كل جارية على الانفراد) ش: لأن النكرة وقعت في موضع النفي فعمت.

[اشترى جارية فتسرى بها]
م: (وإن اشترى جارية فتسرى بها لم تعتق، خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده تعتق في الحالين م: (فإنه) ش: أي فإن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: التسري لا يصلح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك لا يصح إلا به، وصار كما إذا قال لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر، يصير

(6/217)


يصير التزوج مذكورا. ولنا أن الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري، وهو شرط فيتقدر بقدره، فلا يظهر في حق صحة الجزاء، وهو الحرية، وفي مسألة الطلاق إنما يظهر في حق الشرط دون الجزاء، حتى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها وطلقها واحدة لا تطلق ثلاثا فهذه وزان مسألتنا.
ومن قال: كل مملوك لي حر تعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده لوجود الإضافة المطلقة في هؤلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التزوج مذكورًا) ش: دلالة، لأن الطلاق يصرف فلا يصح بدون متابعة النكاح، فكأنه قال: إن نكحتك وطلقتك فعبدي حر.
فإن قيل: هذا قول بالاقتضاء، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقول باقتضاء يحتاج فيه إلى التكفير بخلاف الدالة، فإن الثابت بها يفهم، ولهذا عند فلان سرية يفهم منه في أول الوهلة أن عنده جارية موطوءة، فلا يرد عليه السؤال.
م: (ولنا أن الملك يصير مذكورًا ضرورة صحة التسري، وهو شرط) ش: أي التسري شرط م: (فيتقدر بقدره) ش: أي يتقدر الملك بقدر الضرورة، وكذا الضمير الراجع إلى الضرورة بالذكر على تأويل الاضطرار م: (فلا يظهر في حق صحة الجزاء، وهو الحرية) ش: فلم يصح اليمين في حق الأمة المشتراة م: (وفي مسألة الطلاق) ش: جواب عن قوله كما إذا قال لأجنبية، تقريره أن في مسألة الطلاق، وهي إذا قال لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر م: (إنما يظهر) ش: أي إنما يظهر ملك النكاح.
م: (في حق الشرط) ش: يعني في حق الطلاق الذي هو شرط م: (دون الجزاء) ش: يعني لا يظهر في حق الجزاء م: (حتى لو قال لها) ش: أي لأجنبية م: (إن طلقتك فأنت طالق ثلاثًا فتزوجها وطلقها) ش: يعني واحدة م: (لا تطلق ثلاثة) ش: لأن ملك النكاح ثبت اقتضاء ضرورة صحة الشرط. فلم يظهر في حق صحة الجزاء.
م: (فهذه وزان مسألتنا) ش: أي هذه المسألة وهي قوله إن طلقتك فأنت طالق فتزوجها وطلقها لا تطلق ثلاثًا نظير مسألتنا، وهي قوله: إن سريت جارية فهي حرة، لأن في كل منهما لم يظهر الملك الثابت ضرورة في حق صحة الجزاء، ونظير مسألة زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي قوله لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر، أي إذا قال: لا تسريت جارية فعبدي حر فتسراها فشراها يعتق العبد، كما إذا تزوجها فطلقها يعتق العبد، لأن الملك قائم في العبد في الحال في الصورتين جميعًا.
فالحاصل أن الملك وقع شرطًا للشرط الذي هو الطلاق والسرى، فلا يكون بشرط الشرط شرطًا للجزاء.

[قال كل مملوك لي حر]
م: (ومن قال كل مملوك لي حر يعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده لوجود الإضافة المطلقة في هؤلاء) ش: يعني أن كل واحد من هؤلاء بالإضافة إلى نفسه بقوله لي كامل.

(6/218)


إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدا ولا يعتق مكاتبوه إلا أن ينويهم، لأن الملك غير ثابت يدا، ولهذا لا يملك اكتسابه ولا يحل له وطء المكاتبة، بخلاف أم الولد والمدبرة، فاختلت الإضافة فلا بد من النية. ومن قال لنسوة له هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة، وله الخيار في الأوليين لأن كلمة أو لإثبات أحد المذكورين، وقد أدخلها بين الأوليين، ثم عطف الثالثة على المطلقة، لأن العطف للمشاركة في الحكم، فيختص بمحل، فصار كما إذا قال إحداكما طالق وهذه، وكذا إذا قال لعبد له هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير، وله الخيار في الأولين لما بينا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدًا) ش: فإذا كان كذلك دخلوا بحيث كل فيعتقون م: (ولا يعتق مكاتبوه إلا أن ينويهم، لأن الملك غير ثابت يدًا، ولهذا لا يملك اكتسابه) ش: أي اكتساب المكاتب م: (ولا يحل له وطء المكاتبة) ش: فكان المكاتب مملوكًا من وجه دون وجه م: (بخلاف أم الولد والمدبرة فاختلت الإضافة) ش: أي إضافة الملك إلى المكاتب. م: (فلا بد من النية) ش: فإذا نوى عملت بنيته وكذا معتق البعض لا يعتق إلا بالنية.
وفي " المبسوط " ولو نوى بقوله كل مملوك لي الرجال دون النساء يصدق ديانة لا قضاء، لأنه نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه، ولا عموم لا لفظ له، فلا يعمل بنيته، بخلاف الرجال، لأن لفظ المملوك للرجال حقيقة دون النساء، ويقال: للأنثى مملوكة، وليس عند الاختلاط مستعمل لهما المملوكة عادة ولو نوى الذكر فقد نوى حقيقة كلامه ولكنه خلاف الظاهر، فلا يصدق قضاء ويصدق ديانة. ولهذا لو نوى النساء وحدها لا يصدق ديانة ولا قضاء. ولو قال لم أنو المدبر لم يصدق قضاء وديانة. وفي رواية يصدق ديانة.
م: (ومن قال لنسوة له: هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة، وله الخيار في الأوليين) ش: أي في تعيين إحداهما م: (لأن أو لإثبات أحد المذكورين) ش: أي لإحدى الأوليين م: (وقد أدخلها بين الأوليين ثم عطف الثالثة على المطلقة لأن العطف للمشاركة في الحكم، فيختص بمحله) ش: أي يختص العطف محل الحكم، ومحل الحكم المطلقة من إحدى الأوليين، فكانت الثالثة طالقًا، لأن الواو تقتضي الاشتراك في الحكم، والحكم هذا هو الطلاق م: (فصار كما إذا قال: إحداكما طالق وهذه، وكذا إن قال لعبد له هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير، وله الخيار في الأوليين) ش: أي في تعيين أحد العبدين الأولين. وأما الآخر فيعتق بلا شك.
فإن قلت: لم لا يكون الشك في المرأة الثالثة أيضًا، لأن الواو للجمع، وقد جمع الثالثة مع الثانية، وفي الثانية شك فينبغي أن يقع الشك في الثالثة، ولهذا قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [ ... ] ، ويخير بين أن يوقع على الأولى أو على الأخريين، كما إذا قال: هذه طالق أو هاتان، ذكر قولهما في " جامع السغناقي ".

(6/219)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: نعم إنها للجميع لكنه ذكر الثالثة بعد وقوع الطلاق على أحد الأوليين غير عين فاقتضت الجمع بين طلاق الثالثة وبين طلاق إحدى الأوليين، فصارت الثالثة مرادة بإيجاب الطلاق.
وكذا العبد الثالث، فكأنه قال: إحداكما طالق. وقال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " إذا قال: أنت طالق وفلانة فالأولى طالق، والخيار في الأخريين.
فإن قلت: العطف كما يصح على من وقع عليه الحكم يصح أيضًا على من لم يقع عليه الحكم، والأصل عدم الحكم، فيعطف على من يقع عليه الحكم، كما في قوله والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا، فإنه إن كلم الأول حنث، وإن كلم أحد الآخرين لم يحنث حتى كلمهما، ويكون الثالث معطوفًا على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم منفردًا. وهذا لأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فصار كأنه قال: هذه طالق أو هاتان، فحينئذ كان هو مخيرًا في الطلاق والعتاق إن شاء أوقع على الأولى، وإن شاء أوقع على الأخريين.
قلت: أجيب بأن هذا الذي ذكرته هو رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فأما الذي ذكره في الكتب فهو ظاهر الرواية والعرف بين ظاهر الرواية في الطلاق والعتاق، وبين قوله: والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا وفلانًا في أن الثالث معطوف على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم، وهو مسألة الجامع هو أن كلمة " أو " إذا دخلت بين شيئين يتناول أحدهما، فإذا عطف الثالث على إحداهما صار كأنه قال أحدكما طالق وهذه، ولو عطف على هذا كان الحكم ما قلنا.
أما في مسائل الجامع فالموضع موضع الشيء لا يعم، كما في قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] (الإنسان: الآية 24) .، فصار كأنه قال والله لا أكلم فلانًا ولا فلانًا، فلما ذكر الثالث بحرف الواو صار كأنه قال ولا هذين. ولو قضى على هذا كان الحكم هكذا فكذا هذا.

(6/220)