البناية
شرح الهداية باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك
ومن قال: لامرأته إن لبست من غير ذلك فهو هدي فاشترى قطنا فغزلته ونسجته
فلبسه فهو هدي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ليس عليه أن
يهدي حتى تغزل من قطن ملكه يوم حلف، ومعنى الهدي التصدق به مكة لأنه اسم
لما يهدى إليها. لهما أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك،
ولم يوجد لأن اللبس وغزل الثوب من أسباب الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك]
[قال لامرأته إن لبست من غير ذلك فهو هدي
فاشترى قطنا فغزلته ونسجته فلبسه]
م: (باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك) ش: أي هذا باب في بيان
أحكام اليمين في لبس الثياب والحلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع
حلي بفتح الحاء وسكون اللام، بمعنى الحلي وجمع الحلية حلي بالكسر والقصر،
وقد جاء ضم الحاء في قليل الاستعمال، كما جاء في لحي جمع لحية، وجاء ضم
أيضًا.
و" الحلي ": في اللغة ما لبس من ذهب أو فضة أو جوهر، كذا في " الجمهرة ".
وقال ابن الأثير: الحلي اسم لكل ما يزيد من مصاغ الذهب والفضة، وقوله: غير
ذلك مثل الحلف على أن لا يجلس على الأرض، ولا يجلس على سرير.
م: (ومن قال لامرأته: إن لبست من غير ذلك فهو هدي) ش: أي صدقة تصدق به على
فقراء مكة م: (فاشترى قطنًا فغزلته ونسجته فلبسه فهو هدي عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الهدي اسم لما يهدى إلى مكة، أي يستعمل إليها
للتصدق، ثم إذا نذر أن يهدي ثوبًا جاز له أن يتصدق به على مساكين مكة
وغيرها. ولو نذر أن يهدي لحمًا لا يجوز أن لا يذبح بمكة ويتصدق.
ولو تصدق به حيًا لا يجوز، ولا يكون هديًا حتى يذبح. ثم إذا سرق لا شيء
عليه.
كذا ذكره صاحب " الأجناس "، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] (الحج: الآية 33) ، وإذا نذر بما
لا ينقل يكون نذرًا بالقيمة لتعذر نقل العين.
م: (وقالا: ليس عليه أن يهدي حتى تغزله) ش: أي امرأته م: (من قطن ملكه يوم
حلف، ومعنى الهدي التصدق به) ش: أي بالثوب م: (بمكة، لأنه اسم لما يهدى
إليها) ش: وقد بسطنا الكلام آنفًا م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -
رحمهما الله - م: (أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافًا إلى سبب الملك) ش:
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر فيما لا يملك ابن
آدم» .
م: (ولم يوجد) ش: أي واحد منهما م: (لأن اللبس وغزل الثوب من أسباب الملك)
ش: فلا يصح اليمين في حق القطن المشترى بهذا يحلف، وهذا هو القياس.
(6/238)
وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج،
والمعتاد هو المراد، وذلك سبب الملك، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك له
وقت النذر، لأن القطن لم يصر مذكورا.
ومن حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة لم يحنث، لأنه ليس بحلي عرفا ولا شرعا،
حتى أبيح استعماله للرجال والتختم به لقصد الختم، وإن كان من ذهب حنث، لأنه
حلي ولهذا لا يحل استعماله للرجال. ولو لبس عقد لؤلؤ غير مرصع لا يحنث عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يحنث لأنه حلي حقيقة، حتى سمي به
في القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن غزل المرأة عادة
يكون من قطن الزوج) ش: إلا نادرًا، ومبنى الأيمان على العرف والعادة، فيكون
اليمين مقيدة بالعادة م: (والمعتاد هو المراد، وذلك سبب الملك) ش: أي لملك
الزوج، فكأنه قال: إن لبست من غزلك من قطن أملكه، فلو قال هكذا يتناول
القطن الحادث، فكذلك هذا.
م: (ولهذا يحنث) ش: إيضاح لقوله، وذلك سبب لملكه م: (إذا غزلت من قطن مملوك
له وقت النذر، لأن القطن لم يصر مذكورًا) ش: حاصل المعنى أن يحنث بلبس
القطن المغزول المملوك يوم النذر، مع أن القطن المملوك له يوم النذر ليس
بمذكور وقت اليمين، لكنه أريد بذلك بدلالة العادة، فكذا في المشترى، فكانت
الإضافة إلى غزلها إلى ملكه عادة.
[حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة]
م: (ومن حلف لا يلبس حليًا) ش: بفتح الحاء وسكون اللام م: (فلبس خاتم فضة
لم يحنث، لأنه ليس بحلي عرفًا ولا شرعًا، حتى أبيح استعماله للرجال) ش:
وعند الأئمة الثلاثة يحنث. وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع
الصغير ": فإن كان الخاتم مما يلبسه النساء ينبغي أن يحنث. وفي " جامع قاضي
خان " قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: هذا إذا كان خاتم الفضة مصنوعًا
على هيئة خاتم إذا لم يكن فيه فص، فإن كان فيه فص حنث، ويحنث بلبس السوار
والخلخال والقلادة والقرط والدملوج، سواء كان من فضة أو ذهب بالإجماع.
م: (والتختم به لقصد الختم) ش: أي أبيح التختم بخاتم الفضة لأجل الختم بفتح
الخاء وسكون التاء، يعني لا لأجل الزينة.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما حل التختم لإقامة السنة لا
للتزين، فلم يكن حليًا كاملًا، فلا يدخل تحت مطلق اسم الحلي.
م: (وإن كان) ش: أي الخاتم م: (من ذهب حنث، لأنه حلي، ولهذا لا يحل
استعماله) ش: أي استعمال الذهب م: (للرجال) ش: سواء كان فيه فص أو لم يكن
م: (ولو لبس عقد لؤلؤ) ش: بكسر العين وهو القلادة م: (غير مرصع) ش: أي غير
مركب بذهب وفضة من الترصيع وهو التركيب م: (لم يحنث عند أبي حنيفة. وقالا:
يحنث) ش: وبه قال الثلاثة: م: (لأنه حلي حقيقة حتى سمي به) ش: أي بالحلي م:
(في القرآن) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً
تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]
(6/239)
وله أنه لا يتحلى به عرفا إلا مرصعا، ومبنى
الأيمان على العرف. وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتى بقولهما،
ومن حلف لا ينام على فراش فنام عليه وفوقه قرام حنث، لأنه تبع للفراش فيعد
نائما عليه، وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لا يحنث، لأن مثل الشيء لا
يكون تبعا له، فتنقطع النسبة عن الأول. ولو حلف لا يجلس على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(النحل: الآية 14) ، والمستخرج من الجوهر اللؤلؤ غير مرصع، وعلى هذا الخلاف
عقد زبرجد أو زمرد غير مرصع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي
اللؤلؤ م: (لا يتحلى به عرفًا إلا مرصعًا، ومبنى الأيمان على العرف) ش:
وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والرعياني: ومن مشايخنا - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - من قال على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس بلبس
المرأة والرجال اللؤلؤ.
م: (وقيل هذا اختلاف عصر وزمان) ش: لا حجة وبرهان، لأنه لا يتحلى به وحده
في زمانه وفي زمانهما كان يتحلى به وحده. قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: كل واحد منهم قال على عادة زمانه.
وقال صاحب الهداية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويفتى بقولهما) ش: لأن قولهما
أقرب إلى عرف ديارنا.
قلت: هكذا العرف في سائر الديار، خصوصًا في الديار المصرية.
[حلف لا ينام على فراش فنام عليه وفوقه قرام]
م: (ومن حلف لا ينام على فراش) ش: أي فراش معنى، بدليل قوله وإن جعل فوقه
فراش آخر م: (فنام عليه) ش: لا يحنث، فلو كان المراد منكرًا حنث، لأنه نام
على فراش فنام عليه م: (وفوقه قرام) ش: بكسر القاف وتخفيف الراء وهو
الرقيق، كذا في " الجمهرة " م: (حنث لأنه) ش: أي لأن القوم م: (تبع للفراش،
فيعد نائمًا عليه) ش: الأصل في هذا أن الشيء، إذا كان فوق شيء، فإن كان
الأعلى يصلح أن يكون أصلًا بنفسه يضاف الجلوس والنوم إليه لا إلى الذي
تحته، وإن كان الأعلى تبعًا يضاف إلى ما تحته، فاعتبر ذلك في الذي مضى، وفي
الذي يأتي وهو قوله.
م: (وإن جعل فوقه فراشًا آخر فنام عليه لا يحنث، لأن مثل الشيء لا يكون
تبعًا له، فقطع النسب عن الأول) ش: أي عن الفراش الأول فلا يحنث، لأن يمينه
على الأول، ولم يتم على الأول، وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهي رواية "
الجامع الكبير ".
وقال صاحب " المختلف ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ":
يحنث، لأنه نام عليهما جميعًا ويقال في العرف أيضًا نام على الفراشين.
م: (ولو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث، لأنه لا
يسمى
(6/240)
الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث، لأنه
لا يسمى جالسًا على الأرض، بخلاف ما إذا حال بينه وبين الأرض لباسه، لأنه
تبع له، فلا يعتبر حائلًا. وإن حلف لا يجلس على سرير فجلس على سرير فوقه
بساط أو حصير حنث، لأنه يعد جالسًا عليه، والجلوس على السرير في العادة
كذلك، بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرًا آخر، لأنه مثل الأول، فتقطع النسبة
عنه، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جالسًا على الأرض، بخلاف ما إذا حال بينه وبين الأرض لباسه) ش: أي صار لباس
الحالف حائلًا، أي حاجزًا بين الحالف وبين الأرض م: (لأنه) ش: أي لأن لباس
الحالف م: (تبع له) ش: أي للحالف م: (فلا يعتبر حائلًا) ش: فيحنث.
م: (ولو حلف لا يجلس فجلس على سرير فوقه بساط أو حصير حنث، لأنه يعد جالسًا
عليه) ش: أي على السرير م: (والجلوس على السرير في العادة كذلك) ش: ألا ترى
أنهم يقولون جلس الأمير على السرير، وإن كان فوق السرير بساطًا فيعدونه
تبعًا للسرير م: (بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرًا آخر، لأنه مثل الأول، فتقطع
النسبة عنه) ش: وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإن حلف لا يمشي على
الأرض فمشى عليها بنعل أو خف حنث، وإن حلف على بساط لم يحنث، وإن مشى على
ظهر أحجار حنث، لأنها من الأرض.
(6/241)
باب اليمين في القتل والضرب وغيره ومن قال
لآخر: إن ضربتك فعبدي حر، فهو على الحياة؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم يتصل
بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت، ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة في
قول العامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في القتل والضرب وغيره]
[قال إن ضربتك فعبدي حر فمات فضربه]
م: (باب اليمين في القتل والضرب وغيره) ش: أي هذا باب في بيان حكم اليمين
في الضرب والخنق والعض وحكم اليمين في القتل قوله - وغيره - أي وغير
المذكور من الضرب والقتل مثل القتل والخنق والعض.
م: ومن قال إن ضربتك فعبدي حر) ش: فمات فضربه م: (فهو على الحياة) ش: أي
حلف على كل كونه المخاطب حيًا م: (لأن الضرب اسم لفعل مؤلم) ش: أي موجع م:
(يتصل بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت) ش: ونوقض بقوله تعالى: {وَخُذْ
بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] (ص: الآية 44) ،
وصف النبي أيوب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في يمينه بالضرب بهذا الذي ذكر ولم
يوجد الإيلام لما أن الضغث عبارة عن الحزمة الصغيرة من ريحان أو حشيش، فلم
يكن لمجموعه إيلام، فكيف الجزاء.
وأجيب: بأنه جاز أن يكون هذا حكمًا ثابتًا بالنص في حق أيوب - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - خاصة، إكرامًا له في حق امرأته تخفيفًا عليها، لعدم جنايتها
على خلاف القياس، ولا يلحق به غيره.
وقيل ذلك ثبت رخصة في حقه خاصة، حيث حلل الله يمينه بأهون شيء أراه عن
امرأته وحسن خدمتها إياه، وكلامها في الغريمة فلا يقاس على ما ثبت رخصة،
بخلاف القياس وغيره.
وفي " شرح الطحاوي " ومن حلف ليضربن فلانًا مائة سوط فضرب بها مرة واحدة إن
وصل إليه كل سوط بحاله، بر في يمينه، والإيلام شرط فيه، لأن المقصود من
الضرب الإيلام، وبه قال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الشافعي: يبر بمجرد الضرب بدون الإيلام. وقال مالك وأحمد - رحمهما
الله: يحنث. وفي وصول الألم شرط عندهما.
م: (ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، بأن
يقال: إن قولكم الإيلام لا يتحقق في الميت، لكن يعذب الميت في القبر، فأجاب
بقوله ومن يوضع.... إلى آخره م: (في قول العامة) ش: احترز به عن قول
الكرامية والصالحية، وهم قوم ينسبون إلى أبي الحسين الصالحي، فإنهم لا
يشترطون الحياة شرطًا لتعذيب المسبب، وعذاب القبر ثابت عند أهل السنة وإن
اختلفوا في كيفيته.
فقال بعضهم: يؤمن بأهل العذاب ويسكت عن الكيفية، لأن الواجب علينا تصديق ما
جاء في السنة المشهورة، وهو التعذيب بعد الموت. وعند العامة يوضع فيه
الحياة، لأن الإيلام
(6/242)
وكذلك الكسوة، لأنه يراد به التمليك عند
الإطلاق، ومنه الكسوة في الكفارة، وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به
الستر. وقيل بالفارسية ينصرف إلى اللبس، وكذا الكلام والدخول، لأن المقصود
من الكلام الإفهام، والموت ينافيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يكون بلا حياة ولا علم. ثم اختلفوا فقيل يوضع فيه الحياة بقدر ما يتألم
لا الحياة المطلقة. وقيل يوضع فيه الحياة من كل وجه.
م: (وكذلك الكسوة) ش: يعني إن قال إن كسوتك فعبدي حر، فكساه بعد الموت لا
يحنث م: (لأنه يراد به) ش: أي بالكسوة على تأويل الاكتساء م: (التمليك) ش:
أي تمليك الثوب م: (ومنه الكسوة في الكفارة) ش: أي في كفارة اليمين، قال
الله عز وجل: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] فلو أنه أكسى عشرة أموات
عن كفارة يمينه لم يجزه، لعدم التمليك، يؤيده أن الرجل لو قال كسوتك هذا
الثوب يصير هبة.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر لا يخفى م: (وهو) ش: أي
التمليك م: (من الميت لا يتحقق) ش: ولهذا لو تبرع عليه أحد بالكفن ثم أكله
السبع يعود الكفن إلى المتبرع لا إلى وارث الميت، ذكره التمرتاشي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أن ينوي به) ش: أي بالكسوة على تأويل الاكتساء
م: (الستر) ش: فحينئذ يحنث، لأن فيه تشديدًا عليه، والميت يستر كالحي.
فإن قيل: الميت مما يكسى الكفن.
قلنا: لا، ولكن يلبس الكفن، والإلباس غير الاكتساء، فإنه لا يبنى على
التمليك، والاكتساء يبنى على التمليك، يقال كسا الأمير فلانًا، أي ملكه
كسوة، والإلباس عبارة عن الستر والتغطية، والميت محل لذلك، ألا ترى أنه لو
حلف لا يلبس فلانًا ثوبًا فهو على الحياة والوفاة جميعًا كذا كره قاضي خان
والمحبوبي - رحمهما الله.
م: (وقيل بالفارسية) ش: قائله أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اليمين
المذكور إذا كانت باللغة الفارسية م: (ينصرف إلى اللبس) ش: يعني يراد به
اللبس، ولا يراد به التمليك م: (وكذا الكلام) ش: وإن حلف لا يكلم فلانًا
فكلمه بعد موته لا يحنث م: (والدخول) ش: بأن حلف لا يدخل على فلان فدخل
عليه بعد ما مات لا يحنث في يمينه م: (لأن المقصود من الكلام الإفهام) ش:
أي إفهامه فلانًا م: (والموت ينافيه) ش: أي ينافي الكلام، لأن المراد من
الكلام الإسماع، والميت ليس بأهل الإسماع. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى:
{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم: 52] (الروم: الآية 52) ، وإلى
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:
22] (فاطر: الآية 22) .
فإن قيل: قد روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلم أصحاب
القليب يوم بدر حيث سماهم بأسمائهم " فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فقد
وجدت ما وعدني ربي حقًا» » .
(6/243)
والمراد من الدخول عليه زيارته، وبعد الموت
يزار قبره لا هو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أجاب الأكمل: بأن ذلك كان معجزة له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنهم لما قالوا يا رسول
الله إنهم لا يسمعون، فقال: إنهم يسمعون كما تسمعون، وإنما أراد بهم -
وإنهم يعلمون أن الذي قلت لهم حقًا.
قال الكاكي: فإن قيل: قد روي «أن قتلى بدر لما ألقوا في القليب قام رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأس القليب، وقال هل وجدتم
ما وعد ربكم حقًا، فقال عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتكلم الميت يا
رسول الله؟! فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أنتم بأسمع من
هؤلاء» .
قلنا: هو غير ثابت، فإنه لما بلغ هذا الحديث عائشة، قالت: كذبتم على رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه تعالى قال: {إِنَّكَ لَا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] (الروم: الآية 52) ، {وَمَا أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] (فاطر: الآية 22) ، على أنه -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان مخصوصًا به معجزة له.
وقيل: المقصود به وعظ الأحياء لا إفهام الموتى كما روي عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - " أنه إذا أتى المقابر قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " سلام عليكم ديار قوم مؤمنين أما نساؤكم فقد نكحت، وأما
أموالكم فقد قسمت، وأما دوركم فقد سكنت، فهذا خبركم عندنا، فما خبرنا عندكم
"، وكان يقول: " سبيل للأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم
تجبك جوابًا بإجابتك اعتبارًا "، كان ذلك على سبيل الوعظ للأحياء لا للخطاب
للموتى.
[قال لامرأته إن وطئتك أو قبلتك فعبده حر]
م: (والمراد من الدخول عليه) ش: أي على فلان م: (زيارته، وبعد الموت يزار
قبره لا هو) ش: أي لا يزار الميت، لأن المراد من الدخول عليه إكرامه
بتعظيمه أو إهانته بتحقيره أو زيارته فلا يتحقق الكل بعد الموت. ولأن الميت
كالغائب في حق الأخيار، ومن طاف بباب رجل لا يعد زائرًا له.
ولو دخل عليه وهو نائم لا يعد زائرًا أولى، وقال في " شرح الطحاوي ": الأصل
في هذا أن في كل بلد [....
] يقع على الحياة دون الممات كالضرب والجماع والشتم والكسوة والدخول عليه.
وفي " الكافي ": الأصل في هذا أن ما يشارك الميت فيه الحي فاليمين، وقال
على الحالين، وأما ما اختص به الحي فيتقيد بالحياة. فلو قال: إن ضربتك أو
كسوتك أو كلمتك أو دخلت عليك أو قال لامرأته إن وطئتك أو قبلتك فعبده حر
يتقيد بالحياة، حتى لو فعل هذه الأشياء بعد الموت لا يحنث، والغرض في الوطء
والتقبيل لا يتحقق بعد الموت.
فإن قيل: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل عثمان بن
مظعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد ما أدرج في الكفن» وقبل أبو بكر بين
عيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما أدرج في
الكفن.
(6/244)
ولو قال: إن غسلتك فعبدي حر، فغسله بعدما
مات يحنث، لأن الغسل هو الإسالة، ومعناه التطهير، ويتحقق ذلك في الميت،
ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث، لأنه اسم لفعل
مؤلم، وقد تحقق الإيلام، وقيل: لا يحنث في حال الملاعبة، لأنه يسمى ممازحة
لا ضربا. ومن قال: إن لم أقتل فلانا فامرأته طالق، وفلان ميت وهو عالم به
حنث؛ لأنه عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه، وهو متصور فينعقد ثم
يحنث للعجز العادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا: هذا ضرب الشفقة أو التعظيم والموت لا ينافيه، وتقبيل النساء لإقضاء
الشهوة، فيقيد بالحياة حتى لو كان للشفقة أو التعظيم كما في الولد أو
الوالد والعالم. قيل لا يقيد بالحياة.
وقيل يتقيد أيضًا، لأن الأوهام لا تنصرف إلى تقبيل الميت بخلاف. وإن غسلتك
أو حملتك [......] ، فلأنها لا تقيد بالحياة، لأن الغسل يراد به التنظيم
والتطهير، وهذا يتحقق في الميت أشار إليه بقوله: م: (ولو قال: إن غسلتك
فعبدي حر، فغسله بعد ما مات يحنث، لأن الغسل هو الإسالة، ومعناه التطهير،
ويتحقق ذلك في الميت) ش: ألا ترى أنه يجب غسل الميت بتطهير كيف ينافيه، ولو
صلى على ميت قبل الغسل لم يجز، وبعده يجوز.
[حلف لا يضرب امرأته فشد شعرها أو عضها أو
خنقها]
م: (ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو عضها أو خنقها حنث، لأنه) ش: أي
لأن الضرب م: (اسم لفعل مؤلم، وقد تحقق الإيلام) ش: بهذا الفعل، وكذلك إذا
قرصها أو وجأها، ذكره في الأصل، وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله - فمالك
يعتبر وصول الألم إلى جسمها أو قلبها من سب أو شتم أو غيره ليتحقق الإيلام
بها، وهو المقصود، وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قوله، وعند
الشافعي العض والخنق والقرص ونتف الشعر فليس بضرب، ولا يشترط فيه الإيلام.
م: (وقيل لا يحنث في حال الملاعبة، لأنه يسمى ممازحة لا ضربًا) ش: قال
الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا يدل على أنه لو ضربه حال الممازحة لا
يحنث.
وقال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ":
هذا إذا كان في الغضب، أما إذا كان يلاعبها فضربها برأسه خطأ منه فأصاب
أنفها فأدماه وآلمها لم يحنث، لأن هذا لا يعد ضربًا.
ونقل في " الخلاصة " عن " المنتقى ": إذا حلف لا يضرب فلانًا فنعص ثوبه
فأصاب وجهه، أو رماه بحجر أو نشابة فأصابه لا يحنث.
م: (ومن قال: إن لم أقتل فلانًا فامرأته طالق، وفلان ميت، وهو عالم به حنث،
لأنه عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه، وهو متصور) ش: يعني يمكن
بالنظر إلى قدرة الله م: (فينعقد) ش: يمينه عليه م: (ثم يحنث للعجز العادي)
ش: أي لعجزه عادة عن قتله.
(6/245)
وإن لم يعلم به لا يحنث. لأنه عقد يمينه
على حياة كانت فيه. ولا يتصور فيصير قياس مسألة الكوز على الاختلاف. وليس
في تلك المسألة تفصيل العلم هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن لم يعلم به لا يحنث، لأنه عقد يمينه على حياة كانت فيه، ولا يتصور)
ش: البر، فلما لم يتصور البر لم يتصور الحنث م: (فيصير) ش: أي حكم هذه
المسألة م: (قياس مسألة الكوز) ش: إذا حلف إن لم أشرب الماء الذي في هذا
الكوز اليوم، فامرأته طالق م: (على الاختلاف) ش: المذكور فيها، وهو أن
عندهما لا يحنث.
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث، كما قال في مسألة الكوز، لأن
تصور البر ليس بشرط عنده، وقد مر تقريره في باب اليمين في الأكل والشرب.
م: (وليس في تلك المسألة) ش: أي في مسألة الكوز م: (تفصيل العلم) ش: يعني
أنه لا يقال فيها أنه علم أو لم يعلم، يعني سواء علم عدم الماء في الكوز أو
لم يعلم بخلاف قتل فلان، فإنه إذا علم بموته يحنث، وإذا لم يعلم بموته لا
يحنث م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول المشايخ في العراق، فإنهم قالوا في
مسألة الكوز، هذا إذا لم يعلم، يعني عدم الحنث عند أبي حنيفة ومحمد -
رحمهما الله - إذا لم يعلم بعدم الماء في الكوز، فأما إذا علم فيحنث أي يصح
يمينه، فيحنث نقل قولهم فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "
الجامع الصغير ".
(6/246)
باب اليمين في تقاضي الدراهم قال: ومن حلف
ليقضين دينه إلى قريب، فهو على ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد، فهو أكثر
من الشهر، لأن ما دونه يعد قريبا، والشهر وما زاد عليه يعد بعيدا، ولهذا
يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر. ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم،
فقضاه ثم وجد فلان بعضها زيوفا أو بنهرجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اليمين في تقاضي الدراهم]
[حلف ليقضين دينه إلى قريب]
م: (باب اليمين في تقاضي الدراهم) ش: أي هذا باب في بيان اليمين بتقاضي
الدين، وإنما خص الدراهم بالذكر دون الدنانير، لأنها أكثر استعمالًا حتى
قدر أقل المهر ونصاب السرقة بها دون الدنانير، ونقب الباب بتقاضي الدين،
يعني استيفائه وهو الطلب بقضائه، وذكر مسائله بلفظ القضاء، وهو الأداء.
والقضاء يجيء بمعنى الأداء قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}
[الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) ، أي إذا أديت.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن حلف ليقضين دينه إلى
قريب، فهو على ما دون الشهر، وإن قال بعيد فهو أكثر من الشهر، لأن ما دونه
يعد قريبًا، والشهر وما زاد عليه يعد بعيدًا) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا حد لذلك كما قاله في " شرح الأقطع "، وبيان مذهبه أن مدة
القريب والبعيد لا تنفذ بشيء.
وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوقوعهما على القليل والكثير فمتى قضاه
بر، وإنما يحنث إذا مات قبل أن يقضيه مع التمكن م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن
ما زاد على الشهر يعده بعيدًا م: (يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر) ش:
وهذا فيما إذا لم ينو، أما إذا نوى. فهو على ما نوى بدليل ما ذكره في "
الأجناس ".
وقال: لو حلف والله لا أكلمك قريبًا، فهو على أقل من شهر بيوم، ثم قال أبو
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نوى أكثر من شهر يدين في القضاء وفي "
فتاوى الولوالجي ": لو قال: لأعطين حقك عاجلًا، وهو ينوي وقتًا، فهو على ما
نوى، وإن نوى ستة، لأن الدنى كلها قريب عاجل.
فإن قيل: ما من زمان إلا وهو قريب، بالإضافة إلى ما هو فوقه، وبعيد
بالإضافة إلى ما هو دونه، فلم يدل دليل على إرادة البعض دون البعض.
وأجيب: بأنا لا نسلم عدم الدلالة، وكيف لا يدل والعرف دليل يمينه، ومبنى
الأيمان على العرف.
م: (ومن حلف ليقضين فلانًا دينه اليوم فقضاه، ثم وجد فلانًا بعضها) ش: أي
بعض دراهم الدين م: (زيوفًا) ش: جمع زيف، وهو ما زيفه بيت المال، ولكن يروج
فيما بين التجار، وهو من زافت عليه دراهم، أي صارت مردودة عليه م: (أو
بنهرجة) ش: قال الأترازي: البنهرج ما
(6/247)
أو مستحقة لم يحنث الحالف، لأن الزيافة
عيب، والعيب لا يعدم الجنس. ولهذا لو تجوز به، صار مستوفيا فوجد شرط البر،
وقبض المستحقة صحيح. ولا يرتفع برده البر المتحقق وإن وجدها رصاصا أو ستوقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يهرجه التجار لغش فيه وهو أردى من الزيف.
وقال الكاكي: قيل البهرجة لفظة أعجمية معربة، وأصلها بنهرجة، وهو الخط،
يعني خط هذه الدراهم من الفضة أقل ومن الغير أكثر مما يوجد في دار الضرب.
وفي " المبسوط ": البنهرجة ما يهرجه التجار والتسامح منهم تجويزه.
والمستفضي منهم لا يجوز به لغش فيه م: (أو مستحقة) ش: أي أو وجدها فلان
مستحقة استحقها شخص ينيب م: (لم يحنث الحالف) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بقولنا.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حنث. قال اللخمي - من أصحابه - هذا مراعاة
اللفظ، أما بالنظر إلى القامة لا يحنث م: (لأن الزيافة عيب) ش: وفي "
المغرب ": قياس مصدره الزيوف، وأما الزيافة لغة الفقهاء - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - م: (والعيب لا يعدم الجنس) ش: يعني اسم الدراهم لا يزول بهذه
الأوصاف لأنها غير العيب لا يعدم الجنس.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم زوال اسم الدراهم بهذه الأوصاف م: (لو تجوز به)
ش: أي لو تسامح القابض بالدراهم الزيوف والبنهرجة م: (صار مستوفيًا) ش:
حقه.
وكذا لا تجوز بها في رأس مال المسلم وبدل الصوم فيجوز ولو فات بذلك اسم
الدراهم لكان يفسد ألا وهو حرام فيهما م: (فوجد شرط البر) ش: فلا يحنث.
[أدى المكاتب بدل الكتابة وحكم بعتقه ثم وجد
البدل ستوقة]
م: (وقبض المستحقة صحيح) ش: حتى لو أجازت المستحق جاز وعند عدم الإجازة
ينفسخ القبض.
وكذا لو أجازه المستحق في الصرف والسلم بعد الافتراق جاز فيوجد شرط البر
فيه.
م: (ولا يرتفع برده) ش: أي برد ما قضى من الزيوف والبهرجة أو المستحقة م:
(البر المتحقق) ش: لأن شرطه البر، لا يحتمل الإنقاض لأن اليمين لما انحلت
بوجود الشرط لم يقل الفسخ، والإنقاض كالكتابة فإن مولى المكاتب إذا رأى
البدل لكونه زيوفًا أو بهرجة أو استرد بالاستحقاق لا ينقض العتق، بخلاف
قضاء الدين، فإنه ينقض برد القيود بعيب، أو الاستحقاق لأن بناء القامة وقد
زالت.
م: (وإن وجدها رصاصًا أو ستوقة) ش: بفتح السين فارسية معربة ومعناها ثلاث
طاقات، لأنها صفر مموه من الجانبين بالفضة، وقيل، والمستوقة أردى من
البنهرجة.
(6/248)
حنث، لأنهما ليسا من جنس الدراهم، حتى لا
يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم، وإن باعه بها عبدا وقبضه بر في يمينه،
لأن قضاء الدين طريقه المقاصة وقد تحققت بمجرد البيع فكأنه شرط القبض
ليتقرر به، وإن وهبها له يعني الدين، لم يبر لعدم المقاصة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن " الكرخي ": المستوقة عندهم ما كان الصفر أو النحاس غالبًا م: (حنث) ش:
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(لأنهما) ش: أي لأن الرصاص الستوقة م: (ليسا من جنس الدراهم حتى لا يجوز
التجوز بهما في الصرف والسلم) ش: أي حتى لا يجوز التسامح بهما في ثمن
الصرف، وكذا في السلم لأنها ليست من جنس الدراهم.
ولهذا لو وجد مولى المكاتب بدل الكتابة رصاصًا أو ستوقة، لا يعتق المكاتب.
وكذا قال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر التمرتاشي لو
أدى المكاتب بدل الكتابة وحكم بعتقه ثم وجد البدل ستوقة لم يعتق، ولو وجد
زيوفًا أو بنهرجة أو مستحقة لم يبطل العتق.
م: (وإن باعه بها عبدًا) ش: أي وإن باع الحالف المديون رب الدين بالدراهم
التي لرب الدين عبدًا م: (وقبضه) ش: أي قبض العبدين رب الدين م: (بر في
يمينه) ش: أي بر الحالف في يمينه لأنه قضى دينه، لأن قضاء الدين طريقه
المقاصة م: (لأن قضاء الدين طريقه المقاصة، وقد تحققت بمجرد البيع) ش:
فيحتمل القضاء في يمينه بيانه أن حق رب الدين في الدين لا في العين،
والقضاء لا يتحقق في نفس الدين لأنه وصف ثابت في الذمة، ولكن ما يقتضيه رب
الدين من العين يصير مضمونًا عليه، لأنه قبض على جهة التملك، فكان دينًا
عليه للمديون، ولرب الدين على المديون مثله، فاكتفى الإتيان قصاصًا.
وهذا معنى قول أصحابنا: المديون يقضي بأمثالها لا بأعيانها فلا يحقق
انفساخه بمجرد البيع قبض الدين العبد أو لم يقبض، ولكن قيد القبض وقع في
رواية " جامع الصغير "، أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م:
(فكأنه) ش: أي فكأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (شرط القبض) ش: في رواية
" الجامع " م: (ليتقرر به) ش: أي ليتأكد البيع بالقبض، لأن المبيع إذا هلك
قبل القبض ينفسخ البيع، لكن لا يرتفع البر لأنه لا يقبل الانتقاض، هذا الذي
ينافي البيع الصحيح. أما في البيع الفاسد إذا قبض العبد.
فإن كان في قيمته وفاء بالحق بر والإ حنث مضمون بالقسمة م: (وإن وهبها) ش:
أي وإن وهب المداين دراهم الدين م: (له) ش: للمديون، وفسره بقوله م: (يعني
الدين لم يبر) ش: لأنه شرط البر القضاء ولم يوجد م: (لعدم المقاصة) ش: قال
الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله لم يبر قولهم أنه يحنث، بل معناه لم يبر
ولم يحنث أيضًا عندهما خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفوات
المحلوف عليه وهو الدين كما في مسألة الكوز، لأن قوله لم يبر أعم من قوله
يحنث، ومن قوله تبطل اليمين فحمل على الثاني تصحيحًا لكلامه.
(6/249)
لأن القضاء فعله، والهبة إسقاط من صاحب
الدين.
ومن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه لم يحنث حتى يقبض جميعه
متفرقا، لأن الشرط قبض الكل، لكنه بوصف التفرق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى
دين معرف مضاف إليه، فينصرف إلى كله، فلا يحنث إلا به، فإن قبض دينه في
وزنين ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث، وليس ذلك بتفريق. لأنه قد
يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة، فيصير هذا القدر مستثنى عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر، لأنه حينئذ يلزم منه ارتفاع
النقيضين، وهو فاسد لأن البر نقيض الحنث، فمن وجود أحدهما يلزم ارتفاع
الآخر، ومن ارتفاع أحدهما يلزم وجود الآخر فلا يجوز أن يرتفعا جميعًا.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ردًا عليه: ليسا بنقيضين على اصطلاح أهل
المعقول وغير الحالف لا يتصف بأحدهما وشأن النقيضين ليس كذلك، فإذا بطل
اليمين بفوات تصور البر صار كغير الحالف من الناس، فيجوز أن يتصف بواحد
منهما.
وقيل: ذكر اليوم في وضع المسألة وقع سهوًا من الكاتب. وذكر البزدوي
والسرخسي وأبو المعين هذه المسألة مطلقة غير مؤقتة باليوم.
وفي " المحيط " ولو أبراه أو وهبه لم يحنث، وكذا لو حلف لا يفارق غريمه حتى
يستوفي الدين، فوهبه وأبراه لم يحنث عندهما، خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأن القضاء فعله) ش: أي ولأن القضاء فعل المديون بالإبراء أو الهبة م:
(والهبة إسقاط من صاحب الدين) ش: يعني الهبة فعل الدين بالإبراء، وهو إسقاط
منه، فلا يكون فعل أحدهما فعلا للآخر، فلا يبر المديون بفعل الدائن.
[حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه]
م: (ومن حلف لا يقبض دينه درهمًا دون درهم فقبض بعضه لم يحنث حتى يقبض
جميعه متفرقًا لأن الشرط قبض الكل) ش: أي لأن شرط الحنث قبض كل الدين
متفرقًا، وهو معنى قوله م: (لكنه بوصف التفرق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى
دين معرف) ش: حيث قال: لا يقبض دينه م: (مضاف إليه) ش: أي إلى الدين م:
(فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به) ش: أي بالشرط المذكور وهو قبض الكل
متفرقا ولو قبض في أول الشهر بعضه وفي آخره بعضه حنث لوجود الشرط بخلاف
التفريق الضروري أشار إليه بقوله: م: (فإن قبض دينه في وزنين ولم يتشاغل
بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث وذلك ليس بتفريق، لأنه قد يتعذر قبض الكل
دفعة واحدة عادة فيصير هذا القدر مستثنى عنه) ش: هذا الذي ذكره القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - استحسانًا والقياس أن يحنث.
كذا ذكر أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الكبير "،
وبالقياس قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن شرط الحنث قبض الكل متفرقًا،
وقد حصل ذلك لما وزن خمسين فدفعها إليه،
(6/250)
ومن قال: إن كان لي إلا مائة درهم فامرأته
طالق، فلم يملك إلا خمسين درهما لم يحنث، لأن المقصود منه عرفا نفي ما زاد
على المائة، ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها. وكذلك لو قال
غير مائة أو سوى مائة؛ لأن كل ذلك أداة الاستثناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم وزن خمسين أخرى فدفعها إليه لأنه حصل قبض الكل بصفة التفريق.
وجه الاستحسان أن الناس يعدون هذا قبض الجملة دفعة واحدة، فيقولون قبض فلان
حقه دفعة واحدة، والحال إذا كثر لا يمكن قبضه إلا بهذه الطريق، فصار هذا
القدر من التفرق مما لا يمكن الامتناع منه فيجعل مستثنى عن اليمين لا
بدلالة الحال، وهو نظير لا أسكن هذه الدار وهو ساكنها.
م: (ومن قال إن كان لي إلا مائة درهم فامرأته طالق، فلم يملك إلا خمسين
درهمًا لم يحنث، لأن المقصود منه عرفًا، نفي ما زاد على المائة) ش: وشرط
الحنث ما زاد على المائة، فلم يوجد الشرط فيما دون المائة فلم يحنث م:
(ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها) .
ش: وكذا لأن مستثنى المائة يكون مستثناه للخمسين ضرورة، لأن الاستثناء لا
يكون إلا بجميع أجزائها، والخمسون من أجزائها.
م: (وكذلك لو قال: غير مائة أو سوى مائة، لأن كل ذلك أداة الاستثناء) ش:
لأن حكم لفظ غير ولفظ سوى حكم الأدنى وفي " الجامع الكبير ": لو قال: عبدي
حر إن كنت لا أملك إلا خمسين درهمًا، فلم يملك إلا عشرة لم يحنث لأنها بعض
المستثنى، ولو ملك زيادة على خمسين أو كان من جنس مال الزكاة، وحلف ما لي
مال، يحنث بمال الزكاة.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث بكل مال وعند مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ - المال هو الذهب والفضة.
(6/251)
مسائل متفرقة
وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدا، لأنه نفى الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة
عموم النفي وإن حلف ليفعلن كذا ففعله مرة واحدة بر في يمينه، لأن الملتزم
فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات، فيبر بأي فعل فعله، وإنما يحنث
لوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مسائل متفرقة في الأيمان]
[حلف لا يفعل كذا]
م: (مسائل متفرقة) ش: أي هذه مسائل متفرقة، وارتفاع مسائل على أنه خبر
مبتدأ محذوف إلى هذه مسائل، ومتفرقة صفتها ومعناها من مواضع شتى، وقد جرت
عادة المصنفين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بأن يذكروا ما شذ من المسائل في كل
كتاب في آخر أبوابه استدراكًا له.
م: (وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدًا لأنه نفى الفعل مطلقًا فعم الامتناع)
ش: أي الامتناع في الفعل أبدًا م: (ضرورة عموم النفي) ش: لأن قوله لا يفعل
بمقتضى مصدره أنكره، فدلالته على المصدر ظاهرًا، لأنه لا ينفك عنه. وأما
كونه نكرة، فهو الأصل، لأن المعرفة تعارض النكرة وإذا وقعت في موضع النفي
تعم، فإذا فعل بوجه من الوجوه من الأوقات حنث.
م: (وإذا حلف ليفعلن كذا ففعله) ش: أي فعل ذلك الفعل م: (مرة واحدة بر في
يمينه، لأن الملتزم) ش: بفتح الزاي أي الذي التزمه الحالف م: (فعل واحد غير
عين) ش: أي غير معين، نحو قوله ليصلين أو ليصومن أو ليحجن أو ليتصدقن، فإنه
إذا فعل ذلك الشيء من هذه الأشياء مرة واحدة بر في يمينه م: (إذ المقام
مقام الإثبات) ش: لأن النكرة في موضع الإثبات لا تعم فتجزئ بأدنى ما يطلق
عليه اسم المحلوف عليه، سواء فعله مختارًا أو مكرهًا أو ناسيًا بطريق
الوكالة وهو معنى قوله م: (فيبر بأي فعل فعله وإنما يحنث لوقوع اليأس عنه)
ش: أي عن ذلك الفعل. م: (وذلك) ش: أي اليأس منه م: (بموته) ش: أي بموت
الحالف م: (أو بفوات محل الفعل) ش: وهو المحلوف عليه، كما إذا حلف لآكلن
هذا الرغيف، أو لأبصرن البصرة، فإن مات هذا حنث. قال صاحب " التحفة " ويجب
عليه الكفارة ويرضى بها إذا كان الهالك هو الحالف.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره فيما إذا عقد يمينه
مطلقًا، أما إذا عقده مؤقتًا، فلا يحنث قبل مضي ذلك الوقت، وإن وقع اليأس
بموته يفوت المحل، لما أن الوقت مانع من الانحلال، إذ لو انحل قبل مضي
الوقت، لم يكن للوقت فائدة كذا في " الإيضاح ".
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومعنى قوله لا يفعل كذا تركه أبدًا
فيما إذا كانت اليمين مطلقة. أما إذا كانت مؤقتة بزمان، كاليوم والشهر،
فيتوقت يمينه بذكر الزمان، فبعد ذلك تنحل يمينه، ولا يلزم ترك الفعل بعد
ذلك الزمان.
(6/252)
وإذا استحلف الوالي رجلا ليعلمنه بكل داعر
دخل البلد. فهو على حال ولايته خاصة لأن المقصود منه دفع شره أو شر غيره
بزجره. فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل في
ظاهر الرواية،
ومن حلف أن يهب عبده لفلان، فوهبه ولم يقبل فقد بر في يمينه خلافا لزفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما التوقيت في الإثبات كقوله: والله لآكلن هذا الرغيف اليوم، فإنه لا
يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين. واليوم باق، أما إذا قضي اليوم
يحنث، وإن كان قائمين بفوات البر لفوات الوقت المعين. وأما إذا هلك الحالف
قبل مضي اليوم لا يحنث بالاتفاق، وإن هلك المحلوف عليه وهو الرغيف قبل مضي
اليوم، أجمعوا أنه لا يحنث في الحال، فإذا مضى اليوم اختلفوا. قال أبو
حنيفة ومحمد - رحمهما الله: لا يحنث في يمينه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يحنث، وتجب الكفارة، لأن تصور البر ليس بشرط عنده خلافًا لهما.
م: (وإذا استحلف الوالي) ش: بتشديد اللام من التحليف م: (رجلًا ليعلمنه) ش:
من الإعلام م: (بكل داعر دخل البلد) ش: وفي بعض النسخ مكان كل داعر، "
والداعر " وبالدال والعين المهملتين، على وزن فاعل وهو الخبيث المفسد من
الناس، وجمعه دعار من الدعر، وهو الفساد.
يقال دعر العود تدعر دعرًا من باب علم يعلم إذا فسد م: (فهو على حال ولايته
خاصة) ش: أي يفيد اليمين على حال ولايته، وبه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (لأن المقصود منه) ش: أي لأن غرض المستحلف من هذا م: (دفع شره أو شر
غيره) ش: أي دفع الداعر أو دفع غيره أي غير الداعر م: (بزجره) ش: أي بزجر
الداعر، يعني لو زجر الداعر ينزجر غيره من الرعاة م: (فلا يفيد فائدته) ش:
أي فائدة الزجر م: (بعد زوال سلطنته) ش: أي سلطنة هذا الوالي، أي شوكته
وقدرته على ما بطلت منه م: (والزوال بالموت) ش: أي بموت هذا الوالي م:
(وكذا بالعزل) ش: أي بعزله.
م: (في ظاهر الرواية) ش: عن أصحابنا وهي رواية الزيادة، وعن أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب الرفع إليه بعد العزل. وبه قال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لأنه يفيد
في الجملة لاحتمال أن يولى ثانيًا، فيؤدي الداعر عينه يبطل الدفع بقوله لا
بموته. وكذا السلطان إذا حلف رجلًا أن لا يخرج من الكورة إلا بإذنه، فهو
على ولايته كذا في " الزيادات ".
[حلف أن يهب عبده لفلان فوهبه ولم يقبل الموهوب
له]
م: ومن حلف أن يهب عبده لفلان، فوهبه ولم يقبل) ش: أي الموهوب له م: (فقد
بر في يمينه) ش: أي لم يحنث م: (خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه
يحنث عنده.
(6/253)
فإنه يعتبره بالبيع، لأنه تمليك مثله، ولنا
أنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع، ولهذا يقال وهب. ولم يقبل ولأن المقصود إظهار
السماحة، وذلك يتم به. وأما البيع فمعاوضة، فاقتضى الفعل من الجانبين،
ومن حلف لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا لا يحنث، لأنه اسم لما لا ساق
له ولهما ساق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الكافي ": حلف ليهب عبده لفلان فوهبه له ولم يقبل، وإن كان الموهوب
له غائبًا لم يحنث إجماعًا، وإن كان حاضرًا حنث استحسانًا، وبه قال أحمد
والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا
يحنث. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قول بدون القبول.
وفي قول لم يقبل ويقبض وعلى هذا الخلاف الإعارة والصدقة والإقرار والوصية
ذكره في " جامع البكري " وفي الكفارة.
وكذا القرض في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبول المستقرض شرط،
لأن الغرض في حكم المعارضة م: (فإنه) ش: أي فإن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -
م: (يعتبره) ش: أي يعتبر عقد الهبة م: (بالبيع لأنه تمليك مثله) ش: فلا يتم
إلا بالقبول.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الهبة باعتبار الوهب م: (عقد تبرع فيتم بالمتبرع
ولهذا يقال وهب ولم يقبل) ش: ولا يقال باع ولم يقبل، يعني لا يسمى تبعًا ما
لم يوجد القبول م: (ولأن المقصود) ش: من الهبة م: (إظهار السماحة) ش: أي
الكرم م: (وذلك) ش: أي إظهار السماحة م: (يتم به) ش: أي بالحالف الواهب.
م: (وأما البيع) ش: جواب عن قول زفر، يعني أما البيع فليس كذلك، لأن مبادلة
المال بالمال، وهي معنى قوله م: (فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين) ش: أي
من جانب البائع وجانب المشتري.
[حلف لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا]
م: (ومن حلف لا يشم ريحانًا فشم وردًا أو ياسمينًا لا يحنث لأنه) ش: أي لأن
للريحان م: (اسم لما لا ساق له ولهما) ش: أي وللورد والياسمين م: (ساق) ش:
الريحان في اللغة كل ما طلب ريحه من النبات وهذا يتناول الورد والياسمين
كما هو مذهب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن عند الفقهاء الريحان ما بساقه
رائحة طيبة كالورسة وكالآس والورد ما لورقه رائحة طيبة فحسنة كالياسمين.
كذا ذكره صاحب " المغرب ".
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في شرح " الجامع الصغير ":
روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: كل ما حضر فهو ريحان مثل
الآس والشاهفرم ونحو ذلك وما سوى ذلك ليس بريحان.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعلل فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ
- في شرك " الجامع
(6/254)
ولو حلف لا يشتري بنفسجا ولا نية له، فهو
على دهنه اعتبارا للعرف، ولهذا يسمى بائعه بائع البنفسج، والشراء يبتني
عليه، وقيل في عرفنا يقع على الورق وإن حلف على الورد فاليمين على الورق
لأنه حقيقة فيه، والعرف مقرر له، وفي البنفسج قاض عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصغير " بقوله: لأن الريحان اسم لما يقوم على ساق من البقول مما له رائحة
طيبة، وهو موضوع ذلك لغة، وقلده الصدر الشهيد وصاحب " الهداية "، ثم قال:
والياسمين والورد لهما ساق.
ثم قال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولنا فيه نظر، لأنه لا يثبت في
قوانين اللغة الريحان بهذا التفسير أصلًا، ولئن صح ما قالوا كان ينبغي أن
لا يحنث بالأمر، لأنه له ساق وليس من البقول أيضًا، وقد نص الحاكم -
رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه يحنث انتهى.
قلت: نظره وارد في هذا؛ لأن في البلاد المصرية ينبت ريحان وله ساق قدر نصف
ذراع، وأيضًا الأيمان بنيته على العرف لا على اللغة ينبغي أن يحنث إذا شم
وردًا أو ياسمينًا، ونظرنا إلى اللغة لأن جماعة من أهل اللغة قالوا: كل ما
طاب ريحه من النبات فهو ريحان، فعلى هذا يطلق على الورد والياسمين
والريحان.
[حلف لا يشتري بنفسجا ولا نية له]
م: (ومن حلف لا يشتري بنفسجًا ولا نية له فهو على دهنه اعتبارًا للعرف) ش:
لأن الأيمان محمولة على معاني كلام الناس.
وفي عرفهم إذا ذكر بنفسج يراد به دهنه لا ورقه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل
اعتبار العرف م: (يسمى بائعه بائع البنفسج والشراء يبتنى عليه، وقيل في
عرفنا يقع على الورق) ش: وفيه نظر لا يخفى ويؤيده قوله: وقيل في عرفنا يقع
على الورق، وقال الفقيه أبو الليث: هذا عند أهل العراق، فأما في بلادنا،
فلا يقع على الدهن إلا أن ينوي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث بشراء دهنه اعتبارًا بحقيقة اللفظ، ولو اشترى
ورق البنفسج لم يحنث، خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يحنث أيضًا.
م: (وإن حلف على الورد فاليمين على الورق لأنه حقيقة فيه) ش: أي لأن الورد
حقيقة في العرف م: (والعرف مقرر له) ش: أي العرف أيضًا يقرر لوقوع الحقيقة
أو لكون الحقيقة، مرادة له.
م: (وفي البنفسج قاض عنه) ش: أي غالب عليه على وقوع الحقيقة، فلا يقع على
ورقه، لأن مبنى الأيمان على العرف لا على الحقيقة.
وقال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: والبنفسج والورد يقعان على الورق
عرفًا، قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصواب والأوجه والله أعلم.
(6/255)
|