البناية
شرح الهداية كتاب الحدود قال: الحد لغة هو المنع، ومنه
الحداد للبواب، وفي الشريعة: هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى حتى لا يسمى
القصاص حدا لأنه حق العبد ولا التعزير حدا لعدم التقدير، والمقصد الأصلي من
شرعه الانزجار عما يتضرر به العباد. والطهارة ليست أصلية فيه، بدليل شرعيته
في حق الكافر.
قال: الزنا يثبت بالبينة والإقرار، والمراد ثبوته عند الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الحدود]
[تعريف الحدود]
م: (كتاب الحدود) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الحدود. وجه المناسبة بين
البابين من حيث إن في الأيمان الكفارة التي هي دائرة بين العبادة والعقوبة،
والحدود من العقوبات المحضة والحدود جمع حد.
م: (قال) ش: أي المصنف: م: (الحد لغة) ش: أي معنى الحد في اللغة م: (هو
المنع) ش: يقال: حد عن كذا وكذا، أي منع عنه وبه سمي السجان حدًا ولمنعه
المحبوسين عن الخروج م: (ومنه الحداد للبواب) ش: أي ومن هذا المعنى.
قيل للبواب حدًا ولمنعه الناس عن الدخول في الدار التي هو باب فيها وسمي
المعرف للشيء حد، لأنه يمنع الخارج عن الحدود عن الدخول.
م: (وفي الشريع هو) ش: أي الحد م: (العقوبة المقدرة حقًا لله تعالى) ش:
ينوي بها حق الله تعالى م: (حتى لا يسمى القصاص حدًا لأنه حق العبد) ش:
بدلالة جواز العفو والاعتياض م: (ولا التعزير حدًا) ش: أي ولا يسمى التعزير
حدًا أيضًا م: (لعدم التقدير فيه) ش: أي ليس يقدر هذا على ما عليه عامة
أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال صدر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": والقصاص سمي
حدًا أيضًا، وحدود الشرع موانع قبل الوقوع وزواجر بعده، أعني عن القصد
المنهي عنه م: (والمقصد الأصلي من شرعه) ش: أي القصد الكلي من مشروعية الحد
م: (الانزجار عما يتضرر به العباد) ش: في النفس والعرض والمال، ففي حد
الزنا صيانة النفس، وفي حد القذف صيانة العرض، وفي حد الربا صيانة المال.
م: (والطهارة ليست بأصلية فيه) ش: أي في الحد م: (بدليل شرعيته) ش: أي
مشروعيته م: (في حق الكافر) ش: وهذا يوجب الحد على الذي زنا، ويطهر عن
الذنب بإجراء الحد عليه، فعلم أن المقصود من الحد الانزجار لا الطهر.
[الزنا يثبت بالبينة والإقرار]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الزنا يثبت بالبينة
والإقرار) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ".
قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمراد ثبوته عند الإمام)
ش: أي الحاكم، إنما
(6/256)
لأن البينة دليل ظاهر، وكذا الإقرار لأن
الصدق فيه مرجح، لا سيما فيما يتعلق بثبوته مضرة ومعرة، والوصول إلى العلم
القطعي متعذر، فيكتفى بالظاهر
قال: فالبينة أن يشهد أربعة من الشهود على رجل وامرأة بالزنا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]
(النساء: الآية 15) وقال الله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال ذلك لأن ثبوت الزنا في نفس الأمر لا يقف على وجود البينة أو الإقرار،
لأنه أمر حسي يوجد، وإن لم يوجد أو قد يوجدان ولا يوجد الزنا لاحتمال الكذب
فيهما، فحصل الانفكاك بين الزنا وبينهما وجودا وعدما. فالقاضي مأمور بالحكم
[بما] ثبت عنده من الظاهر، فلأجل هذا يشترط ثبوته عند الإمام بالبينة
والإقرار. م: (لأن البينة دليل ظاهر) ش: لأن الله تعالى قال:
{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء:
الآية 15) .
م: (وكذا الإقرار) ش: دليل ظاهر. م: (لأن الصدق فيه مرجح) ش: على الكذب. م:
(لا سيما) ش: أي خصوصا. م: (فيما يتعلق) ش: أي في الشيء الذي يتعلق. م:
(بثبوته مضرة) ش: أي ضرر ظاهر متصل ببدن المقر من [ ... ] الحد عليه. م:
(ومعرة) ش: أي عار تلحقه بانتسابه إلى الزنا والعار أشد من النار. وفي "
ديوان الأدب " المعرة المساءة والأذى مفعلة من العر وهو الحرب، وفي "
الصحاح " المعرة الاسم واعلم أن الزنا بمد وقصر، فالقصر لأهل الحجاز، والمد
لأهل نجد. قال [
.] وهو من يهجو بشعره أبا حاضر:
من يزن يعرف زناه ومن ... يشرب الخرطوم يصبح سكرانا
بفتح الكاف من التسكير، وهو المخمور، والخرطوم اسم من أسماء الخمر، والنسبة
إلى المقصور زنوي وإلى الممدود زناوي. وربما يظهر أن معنى الزنا في اللغة:
البغي، وفي الشرع: الزنا قضاء المكلف شهوته في قبل امرأة خالية عن الملكين،
وشبهتهما وشبهة الاشتباه، ويمكن المرأة من ذلك، واختير لفظ القضاء إشارة
إلى أن مجرد الإيلاج زنا ولهذا يجب فيه الغسل هديا للمكلف ليخرج الصبي
والمجنون. والمراد بالملكين ملك النكاح وملك اليمين، وشبهة النكاح وهي ما
إذا وطئ امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير إذن مولاها وما أشبه، أو شبهة ملك
اليمين ما إذا وطئ جارية ابنه أو مكاتبه أو عبده المأذون، وشبهة الاشتباه،
فإذا وطئ الابن جارية أبيه على ظن أنها تحل له.
م: (والوصول إلى العلم القطعي) ش: بغير الوصول إلى ثبوته إلى العلم القطعي.
م: (متعذر) ش: لأنه أمر مبناه على الإخفاء والستر: (فيكتفى بالظاهر) ش:
البينة والإقرار.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فالبينة أن يشهد أربعة
من الشهود على رجل وامرأة بالزنا. لقوله {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ
أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء: الآية 15) . وقال الله تعالى
(6/257)
{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
للذي قذف امرأته: ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك، ولأن في اشتراط
الأربعة يتحقق معنى الستر وهو مندوب إليه والإشاعة ضده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور: الآية 4)
، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. م: (للذي قذف امرأته «ائت بأربعة شهداء يشهدون على
صدق مقالتك» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب.
وبمعناه ما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث ابن سيرين عن أنس
بن مالك قال: «أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية
بامرأته فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أربعة شهداء يشهدون وإلا
فحد في ظهرك، قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن
الله تعالى يعلم أني لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهري من الحد، فأنزل
الله تعالى آية اللعان ولاعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وفرق بينهما» . وأخرجه البخاري في " اللعان " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -، «أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " البينة وإلا فحد في ظهرك ".»
م: (ولأن في اشتراط الأربعة) ش: هذا احتراز عن قوله البعض، فإنهم يقولون
إنما اشترط الأربع للزنا لا يتم إلا بآيتهن، وفعل كل واحد لا يثبت إلا
بشهادة شاهدين. قال المصنف: ليس كذلك بل هي في اشتراط الأربع. م: (تحقيق
معنى الستر وهو) ش: أي الستر. م: (مندوب إليه) ش: لما روى الترمذي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ستر على مسلم ستره
الله في الدنيا والآخرة» .
والشرط في الأربع من الرجال: أن يكونوا أحرارا، عدولا، بالغين، فلا تقبل
شهادة الرجال مع النساء، ولا يقبل فيه كتاب القاضي ولا الشهادة على
الشهادة. م: (والإشاعة) ش: أي إظهار الزنا. م: (ضده) ش: أي ضد الستر. فلما
كان الستر مندوبا، كانت الإشاعة مكروهة، كيف وأنه تعالى قال: {إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}
[النور: 19] (النور: الآية 19) ، لا يذم المستعير، ولهذا لو أخذ شيء من
شرائط الشهادة بأن أشهد الأصيل من أربعة شهدوا بالزنا متفرقين في مجالس
مختلفة واحدا بعد واحد، فإنهم يحدون حد القذف عندنا خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي " المبسوط " أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اشتراط الأربع لأجل
الستر حتى شهد أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسهل بن معبد ونافع بن
الأزرق على المغيرة بن شعبة بالزنا، فقال: الزياد وهو الرابع، ثم يتشهد
قال: رأيت أقداما بادية، وأنفاسا عالية وأمرا منكرا.
(6/258)
وإذا شهدوا يسألهم الإمام عن الزنا ما هو
وكيف هو وأين زنى ومتى زنى وبمن زنى؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكيفية، وعن المزنية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي رواية قال: رأيتهما تحت لحاف واحد، يخفضان ويرفعان ويضطربان اضطراب
الخبزان، وفي رواية: رأيت رجلا أفعى وامرأة صرعى ورجلين محضونتين واسته
تجيء وتذهب ولم أر ما سوى ذلك. فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الله
أكبر، الحمد لله الذي لم يفضح واحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (فإذا شهدوا) ش: أي شهد بالزنا الشهود. م: (يسألهم الإمام عن الزنا ما
هو) ش: أي حقيقة الزنا وماهيته [....] ، لأن من الناس من يعتقد كل وطء حرام
أنه زنا، كوطء الحائض، والنفساء، والأمة المجوسية، والأمة المشتركة، والأمة
التي هي أخته من الرضاع. فإن كل ذلك حرام وليس بزنا، ولأن الشرع سمى فعل
الحرام فيما دون الفرج زنا مجازا، بقوله: العينان تزنيان وزناهما النظر،
واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والفرج يصدق
ذلك أو يكذب.
والحد لا يجب إلا بالجماع في الفرج، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أن ذكر الكاف
والنون أراد به قوله أنكتها، لأن ذلك صريح في الوطء، والباقي كناية عنه،
وأيضا يمكن أن يسمي الشهود مقدمات الزنا زنا ويجب الاحتراز عن مثل ذلك.
م: (وكيف هو) ش: أي يسألهم أيضا عن كيفية الزنا للاحتراز عن مثل ذلك عاس
الفرجين من غير إيلاج. ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن كيفية الزنا، فقال كالميل في
المكحلة، والرشاد في البئر، وقيل للاحتراز عن صورة الإكراه، لأن وطء المكره
لا يوجب الحد. م: (وأين زنى) ش: أي يسألهم عن المكان بقوله: أين زنا فإنه
احتراز عن الزنا في دار الحرب، لأن المسلم إذا زنا في دار الحرب ثم خرج
إلينا لا يحد لأنه لم يمكن الإمام على بدنه عند وجوب الحد.. م: (ومتى زنى)
ش: أي يسألهم عن الزمان فقوله متى زنى كأنه احترز عن زنا متقادم والشهود
إذا شهدوا بذلك لا يقبل، واحترز أيضا عن وطء الصبي والمجنون لأن فعلهما لا
يوصف بالحرمة. م: (وبمن زنى) ش: أي يسألهم بمن زنى، يعني المزنية من هي.
فإنه احتراز عن الوطء الواقع في محل يكون الوطء فيه بشبهة لا يعرفها
الواطئ، ولا الشهود: كجارية الابن، ويجوز أن تكون الموطوءة امرأة الواطئ،
أو جاريته ولا يعلمها المشهود.
م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استفسر ماعزا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكيفية وعن المزنية) ش: هذا أخرج أبو داود -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن يزيد بن نعيم عن أبيه نعيم بن هزال، قال: «كان
ماعز بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يتيما في حجر أبي، فأصاب جارية من
الحي فقال له أبي: ائت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك قال: فأتاه فقال: يا رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني زنيت، فأقم علي كتاب الله فأعرض
(6/259)
ولأن الاحتياط في ذلك واجب، لأنه عساه غير
الفعل في الفرج عناه، أو زنى في دار الحرب، أو في المتقادم من الزمان، أو
كانت له شبهة لا يعرفها هو ولا الشهود، كوطء جارية الابن. فيستقصى في ذلك
احتيالا للدرء، فإذا بينوا ذلك، وقالوا: رأيناه وطئها في فرجها كالميل في
المكحلة. وسأل القاضي عنهم. فعدلوا في السر والعلانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه، فعاد حتى قالها أربع مرات، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة، قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم،
قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم»
الحديث.
م: (ولأن الاحتياط في ذلك واجب) ش: أي في الاستفسار: (لأنه) ش: أي لأن
المشهود عليه بالزنا. م: (عساه غير الفعل في الفرج عناه) ش: أي قصده، ولا
يكون ماهية الزنا، ولا كيفية موجودة في دار الحرب.
م: (أو زنى في دار الحرب) ش: أي أو يكون المشهود عليه زنا في دار الحرب. م:
(أو في المتقادم من الزمان) ش: أي أو يكون زنا في الزمن المتقادم. م: (أو
كانت له شبهة لا يعرفها هو) ش: أي المشهود عليه.
م: (ولا الشهود) ش: أي ولا يعرفها الشهود. م: (كوطء جارية الابن فيستقصي)
ش: أي الإمام وضبطه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على صيغة المجهول. م: (في
ذلك) ش: أي فيما ذكر من الأشياء وقد ذكرناها جميعا.
م: (احتيالا للدرء) ش: أي لأجل الحيلة لدرء الحد، لما روى الترمذي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود ما
استطعتم» م: (فإذا بينوا ذلك) ش: أي فإذا بين الشهود الزنا بما ذكروا من
الأمور.
م: (وقالوا رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة) ش: بضمتين وعاء
الكحل. م: (وسأل القاضي عنهم) ش: أي عن الشهود. م: (فعدلوا) ش: عن صيغة
المجهول. م: (في السر والعلانية) ش: صورة التعديل في السر أن يبعث القاضي
بأسماء أول الشهود إلى العدل، بكتاب فيه أسماؤهم وأنسابهم [ ... ] ومحالهم
وسوقهم، حتى يعرف العدل ذلك، فيكتب تحت اسم من كان عدلا: عدل جائز الشهادة،
ومن لم يكن عدلا فلا يكتب تحت اسمه شيئا، أو يكتب الله يعلم، وصورة التعديل
في العلانية، أن يجمع بين العدل والشاهد، فيقول العدل هذا هو الذي عدلته،
وسيجيء في كتاب الشهادات بعض منه إن شاء الله تعالى.
(6/260)
حكم بشهادتهم ولم يكتف بظاهر العدالة في
الحدود، احتيالا للدرء، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ادرءوا الحدود ما
استطعتم» . بخلاف سائر الحقوق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتعديل
السر والعلانية نبينه في الشهادات إن شاء الله تعالى، قال في الأصل: يحبسه
حتى يسأل عن الشهود، للاتهام بالجناية وقد «حبس رسول الله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - رجلا بالتهمة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حكم بشهادتهم) ش: جواب قوله فإذا بينوا بالرجم إن كان الرجم موجب الزنا
وبالجلد إن كان موجبه الجلد هنا، أو لم يعرف القاضي عدالة الشهود، أما إذا
عرفها فحكم بلا تعديل. م: (ولم يكتف) ش: على صيغة المعلوم أي لم يكتف
القاضي، وقال الكاكي: أبو حنيفة لم يكتف بسوق الكلام إليه. م: (بظاهر
العدالة في الحدود احتيالا للدرء) ش: أي الدفع. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود ما استطعتم» ش: وقد ذكرنا الحديث عن
قريب. م: (بخلاف سائر الحقوق عند أبي حنيفة) ش: حيث يكتفي فيها بظاهر
العدالة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المسلمون عدول
بعضهم على بعض» ، إلا إذا طعن الخصم فحينئذ يسأل القاضي عن الشهود عنده
أيضا.. م: (وتعديل السر والعلانية نبينه في الشهادات إن شاء الله تعالى) ش:
أي بيان صورتها بذكره في باب الشهادات وقد ذكرناه آنفا.
م: (قال: في الأصل) ش: أي قال محمد في " المبسوط " م: (يحبسه) ش: أي يحبس
القاضي الشهود عليه بالزنا، بعد وصف الشهود الأشياء المذكورة. م: (حتى يسأل
عن الشهود للاتهام بالجناية) ش: أي لأجل كون الشهود عليه متهما بالجناية
فلذلك يحبسه خوفا من خروجه، فلا يظهر بعد ذلك، ولا يأخذ الكفيل منه، لأن في
أخذه نوع احتياط، فلا يكون مشروعا، بما يدرأ بالشبهات.
فإن قيل: الاحتياط في المجلس أظهر.
قلنا: حبسه للتعزير لأنه صار متهما بارتكاب الفاحشة وأشار إليه المصنف -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله للاتهام.. م: (وقد حبس رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا بالتهمة) ش: هذا روي عن جماعة من
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن معاوية بن حيدة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والترمذي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة» ، وزاد الترمذي والنسائي: " ثم خل
عنه ". وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن. ورواه الحاكم في "
المستدرك " وصححه، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه
الحاكم في مستدركه "، والبزار وأبو نعيم - رحمهما الله - في " مسنديهما ":
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة يوما
وليلة استظهارا واحتياطا» ، وفي سنده إبراهيم بن خثيم.
(6/261)
بخلاف الديون حيث لا يحبس فيها قبل ظهور
العدالة، وسيأتيك الفرق إن شاء الله
قال: والإقرار أن يقر البالغ العاقل على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة
مجالس مختلفة من مجالس المقر، كلما أقر رده القاضي، فاشتراط البلوغ والعقل؛
لأن قول الصبي والمجنون غير معتبر، أو هو غير موجب للحد، واشتراط الأربع
مذهبنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكتفي بالإقرار مرة واحدة
اعتبارا بسائر الحقوق وهذا لأنه مظهر، وتكرار الإقرار لا يفيد زيادة الظهور
بخلاف زيادة العدد في الشهادة، ولنا حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن عدي والعقيلي - رحمهما
الله - في كتابيهما «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس
رجلا في تهمة» ، وفي سنده إبراهيم بن زكريا الواسطي قال العقيلي: مجهول
وحديثه خطأ. وقال ابن عدي: وهذا باطل، وعن نبيشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أخرج حديثه الطبراني في الأوسط " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حبس في تهمة» .
م: (بخلاف الديون حيث لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة) ش: لأن أخذ الكفيل
فيها مشروع، فلا يتلف الحق فلا حاجة إلى الحبس قبل عدالة الشهود. م:
(وسيأتيك الفرق إن شاء الله تعالى) ش: أي الفرق بينه وبين المديون، وقال
الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه حوالة غير رائجة ونحن بيناه.
قلت: أراد به ما ذكره الآن لأن أخذ الكفيل فيها مشروع إلى آخره.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والإقرار أن يقر العاقل
على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة من مجالس المقر، كلما أقر
رده القاضي) ش: هذا كله كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقله المصنف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم شرحه. م: (واشتراط البلوغ والعقل لأن قول الصبي
والمجنون غير معتبر أو هو غير موجب للحد واشتراط الأربع) ش: يعني في
الإقرار. م: (مذهبنا) ش: وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكتفى بالإقرار
مرة واحدة) ش: وبه قال الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (اعتبارا
بسائر الحقوق) ش: يعني في سائر الحقوق القرب يعتبر في الشهادة دون الإقرار
فكذلك هنا.. م: (وهذا) ش: أي الاعتبار بسائر الحقوق. م: (لأنه) ش: أي لأن
الإقرار م: (يظهر) ش: حقيقة الأمر حجة بنفسه، فلا يشترط التكرار، كما في
سائر الحقوق.. م: (وتكرار الإقرار لا يفيد زيادة الظهور بخلاف زيادة العدد
في الشهادة) ش: لأن الشاهد الثاني، يفيد طمأنينة القلب زيادة على ما أفاده
الأول.
م: (ولنا حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حديث ماعز بن مالك مشهور
رواه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قال: «إن رجلا من المسلمين جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول
الله إني زنيت فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع
شهادات،
(6/262)
فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة
إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها لما أخرها
لثبوت الوجوب. ولأن الشهادة فيه اختصت بزيادة العدد. فكذا الإقرار إعظاما
لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أبك جنون؟،
قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذهبوا به فارجموه، فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته
الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه» .
وروى حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا مسلم عن جابر بن سمرة ورواه
أيضا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن بريدة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أيضا في الكل الإقرار بأربع مرات.
م: (فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة) ش: أي إقامة الحد: (إلى أن
تم الإقرار منه) ش: أي من ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أربع مرات
في أربعة مجالس فلو ظهر دونها) ش: أي فلو ظهر إقراره موجبا للحد دون
الأربع، أي أربع مرات. م: (لما أخرها) ش: أي لما أخر إقامة الحد. م: (لثبوت
الوجوب) ش: حاصل المعنى: لو كان الإقرار مرة واحدة كان لم يؤخر، لأن إقامة
الحد عند [تلك] الصورة واجب، وتأخير الواجب لا يظن برسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فإن قال قائل: إذا لم يثبت الحد بإقراره مرة واحدة، فقد اعترف بالوطء لا
يوجب الحد، ويوجب المهر وإذا وجب المهر، لا يجب الحد مما بعد، لأن المهر
والحد لا يجتمعان في وطء واحد.
أجيب: بأن الإقرار أربع مرات، ولما اعتبر حجة لإثبات الزنا لم يتعلق بوجوب
المهر بالإقرار مرة واحدة فقد اعترف بوطء لا يوجب، وإنما الحكم موقوف بأن
تمت الحجة، ووجب الحد، وإن لم يتم، وجب المهر.
فإن قيل: إنما أعرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه
اتهمه أي في عقله، فقد جاء أشعث أغبر مغير اللون، إلا أنه لما أصر على
الإقرار [....] قبله، بعد ذلك، ثم لزوال الشبهة بالسؤال.
فقال: أبك جنون؟، أما تغير الحال بدليل التوبة والخوف من الله عز وجل، لا
دليل الجنون وإنما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أبك جنون؟، تلقينا لما يدرأ بالحد، كما يقال، لعلك وطئتها لترجع عن الزنا
إلى الوطء بشبهة فيسقط الحد عنه، وكما قال للسارق أسرقت، ما أخاله سرق،
ولأن الشهادة فيه دليل معقول، فظن جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بسائر الحقوق وتقريره.
م: (ولأن الشهادة فيه) ش: أي في الزنا. م: (اختصت بزيادة العدد) ش: لأجل
التغليظ ولم يختص سائر الحقوق بذلك. م: (فكذا الإقرار) ش: اشترط أربع مرات،
لأن إحدى الحجتين لما اختصت بزيادة ليست في سائر الحقوق، فكذلك في الحجة
الأخرى. م: (إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر) ش: أي لأجل تعظيم أمر
الزنا وتحقيق معنى الستر، لأن الستر مندوب منه كما ذكرنا.
(6/263)
ولا بد من اختلاف المجالس لما روينا. ولأن
لاتحاد المجلس أثرا في جمع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد في الإقرار
والإقرار قائم بالمقر فيعتبر اختلاف مجلسه دون مجلس القاضي. فالاختلاف بأن
يرده القاضي كلما أقر فيذهب حيث لا يراه ثم يجيء فيقر، هو المروي عن أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طرد ماعزا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كل مرة حتى توارى بحيطان المدينة. قال: فإذا تم
إقراره أربع مرات سأله عن الزنا، ما هو وكيف هو وأين زنى وبمن زنى، فإذا
بين ذلك لزمه الحد، لتمام الحجة، ومعنى السؤال عن هذه الأشياء بيناه في
الشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا بد من اختلاف المجالس) ش: أي في الإقرار خلافا لأحمد وابن أبي ليلى
- رحمهما الله -. م: (لما روينا) ش: أشار إلى قوله لأنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخر الإقامة إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في
أربعة مجالس. م: (ولأن لاتحاد المجلس أثرا في جمع المتفرقات) ش: كما في
[....] . م: (فعند ذلك) ش: أي عند اتحاد المجلس. م: (تحقيق شبهة الاتحاد في
الإقرار) ش: ألا ترى إلى ما قال في حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
من إقراره خمس مرات فكان منها مرتبا في جهة واحدة.
فلم يعتبر ذلك، ولم يذهب إليه أحد من المجتهدين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م:
(والإقرار قائم بالمقر فيعتبر اختلاف مجلسه) ش: أي مجلس المقر في وجوب
الحد. م: (دون مجلس القاضي) ش: وفي بعض النسخ فيصير اتحاد مجلسه أي يعتبر
اتحاد المجلس المقر في عدم وجوب الحد، لا مجلس القاضي.
م: (والاختلاف) ش: أي اختلاف مجلس بأن يرده القاضي في كل مرة بأن يقول إنك
مجنون ولعلك قبلتها أو لمستها فقال بعضهم، يعتبر اختلاف مجلس القاضي،
والصحيح الأول.
كذا في " شرح الطحاوي "، وفي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الاختلاف بقوله:
م: (بأن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حيث لا يراه ثم يجيء فيقر، هو المروي
عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - طرد ماعزا في كل مرة حتى توارى) ش: أي استتر. م: (بحيطان
المدينة) ش: هذا الحديث، بهذا اللفظ غريب ومعناه، ما رواه ابن حبان في
صحيحه من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء ماعز بن مالك
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فقال: ألا تعذرني فقال له: تلك، ما يدريك من الزنا، فأمر به فطرد وأخرج،
ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فأمر به فطرد ثم أتاه الثالثة فقال له ذلك،
فأمر به فطرد وأخرج ثم أتاه الرابعة فقال له: مثل ذلك، [قال] أدخلت وأخرجت
قال نعم فأمر به أن يرجم.....» الحديث.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: (فإذا تم
إقراره أربع مرات سأله عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى وبمن زنى، فإذا بين
ذلك لزمه الحد) ش: هذا كله لفظ القدوري وقال المصنف عقبه. م: (لتمام الحجة)
ش: أي لتمام الدليل الموجب لإقامة الحد. م: (ومعنى السؤال عن هذه الأشياء)
ش: أي عن الزنا، وكيفيته ومكانه من المزني بها. م: (بيناه في الشهادة) ش:
على
(6/264)
ولم يذكر السؤال فيه عن الزمان وذكره في
الشهادة، لأن تقادم العهد، يمنع الشهادة دون الإقرار، وقيل: لو سأله جاز
لجواز أنه زنى في صباه، فإن رجع المقر عن إقراره قبل إقامة الحد أو في
وسطه، قبل رجوعه وخلى سبيله، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول
ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يقيم عليه الحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزنا، وهو تحقيق ما يوجب بها الحد. م: (ولم يذكر السؤال) ش: أي القدوري.
م: (فيه) ش: أي في الإقرار. م: (عن الزمان) ش: أي عن سؤال الزمان. م:
(وذكره) ش: أي والحال أنه ذكره، أي ذكر السؤال عن الزمان.
م: (في الشهادة) ش: على الزنا أن يقول متى زنيت. م: (لأن تقادم العهد) ش:
أي الزمان. م: (تمنع قبول الشهادة) ش: لتهمة ألحقه، والمرء لا يتهم على
نفسه، فيقل إقراره وإن تقادم العهد، وهو معنى قوله. م: (دون الإقرار وقيل
لو سأله جاز) ش: أي لو سأله الزمان جاز، قالوا في الفتاوى: ويجوز أن يسأل
الزمان في الإقرار أيضا.
م: (لجواز أنه زنى في صباه) ش: أي في حالة الصغر. م: (فإن رجع المقر) ش: أي
المقر بالزنا إذا رجع. م: (عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه قبل رجوعه
وخلى سبيله، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول ابن أبي ليلى -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يقيم الحد عليه) ش: يعني لا يقبل رجوعه بعد الإقرار،
ويلزمه الحد.
واسم ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قاضي الكوفة، واسم أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسار خلاف اليمين وقال
الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذا وقع في نسخ أصحابنا يعني ذكر خلاف
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا، ولكن خرج في كتب أصحاب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو أقر على نفسه بالزنا، ثم رجع، يسقط عنه الحد.
وكذا لو رجع بعدما أقيم الحد، يترك الباقي، قبل قولنا.
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعن الإمام مالك في قول الرجوع
روايتان، وقال الكاكي أيضا: ثم اختلاف المجلس في الشهادة يمنع قبول الشهادة
في الزنا وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والحسن بن صالح، إذا شهدوا بالزنا
متفرقين يحدون حد القذف.
قال الشافعي: وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[ ... ] لا يحدون حد القذف،
إذا كان الزنا واحدا، فلا يشترط اتحاد المجلس، وحد اتحاده، ما دام الحاكم
جالسا لأن النص شرط الأربع مطلقا، فلا يفيد باتحاد المجلس كسائر الشهادات
ولنا قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو جاءوا مثل ربيعة ومضر كل فرادى
لجلدتهم.
ولو كان الزوج أحدهم يقبل عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو
يقول فيه تهمة
(6/265)
لأنه وجب الحد بإقراره. فلا يبطل برجوعه
وإنكاره. كما إذا وجب بالشهادة وصار كالقصاص وحد القذف. ولنا أن الرجوع خبر
محتمل للصدق كالإقرار. وليس أحد يكذبه فيه، فيتحقق الشبهة في الإقرار.
بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص. وحد القذف لوجود من يكذبه. ولا كذلك ما
هو خالص حق الشرع.
ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع فيقول له: لعلك لمست أو قبلت. «لقوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعلك لمستها أو
قبلتها» وقال في الأصل: وينبغي أن يقول له الإمام لعلك تزوجتها أو وطئتها
بشبهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ونحن نقول إنه يعير بزنا امرأته فكان أبعد عن التهمة كشهادة الوالد على
الولد.
م: (لأنه وجب الحد بإقراره فلا يبطل برجوعه وإنكاره، كما إذا وجب) ش: أي
الحد. م: (بالشهادة وصار كالقصاص وحد القذف) ش: أي صار حكم هذا كحكم من
يرجع في القصاص عن حد القذف إذا ثبت أن الإقرار حيث لا تقبل الرجوع. م:
(ولنا أن الرجوع خبر يحتمل الصدق كالإقرار وليس أحد يكذبه فيه) ش: أي في
الرجوع. م: (فيتحقق الشبهة في الإقرار) ش: فتعارض الرجوع مع الإقرار يسقط
الحد، لأن الحدود تندرئ بالشبهات.
م: (بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذبه) ش: هو
الخصم. م: (ولا كذلك ما هو خالص حق الشرع) ش: فإن أحدا يكذبه فصح الرجوع
فيه، لكن إذا اغتر بالسرقة ثم رجع صح رجوعه، في حق القطع، ولا يصح في حق
المال، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع ويقول له لعلك لمست أو قبلت لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لعلك قبلتها
أو فمسستها» ش: هذا كلام القدوري في " مختصره " يروي هذا الحديث بهذا اللفظ
الحاكم في المستدرك عن حفص بن عمر العدني، حدثنا الحاكم بن أبان عن عكرمة
عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أتى إلى رجل من المسلمين فقال: إني أصبت فاحشة فما تأمرني فقال
له: اذهب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليستغفر لك،
فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال له: لعلك
قبلتها، قال: لا، قال: لمستها، قال: لا، قال: ففعلت بها كذا أو لم يكن،
قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه» وسكت الحاكم عنه. وتعقبه الذهبي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " فقال: وحفص بن عمر العدني ضعفوه، والحديث
عند البخاري بلفظ «لعلك قبلت أو لمست أو نظرت، قال: لا، قال: أفنكتها؟ قال:
نعم، فعند ذلك أمر برجمه» وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده «لعلك
قبلت أو لمست أو نظرت» . م: (وقال في الأصل) ش: أي في " المبسوط " م:
(وينبغي أن يقول له الإمام لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة) ش: قال في "
المبسوط ": يرد الإمام المعترف بالزنا في المرة الأولى والثانية والثالثة،
(6/266)
وهذا قريب من الأول في المعنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن عاد الرابعة فأقر عنده لما سأله عن الزنا ما هو وكيف هو، فإذا صنعه
وأثبته قال له لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة.
م: (وهذا) ش: أي المذكور في الأصل. م: (قريب من الأول في المعنى) ش: أي
قريب بما قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن في كل منهما تلقين الرجوع
للمقر، حتى لو قال المقر نعم سقط الحد.
(6/267)
فصل في كيفية الحد وإقامته وإذا وجب الحد
وكان الزاني محصنا رجمه بالحجارة حتى يموت؛ «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
رجم ماعزا» وقد أحصن. وقال في الحديث المعروف وزنا بعد إحصان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في كيفية الحد وإقامته]
[وجب الحد وكان الزاني محصنا]
م: (فصل في كيفية الحد وإقامته) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية الحد.
والكيفية ما يقال به للشيء كيف هذا، وكيف كلمة موضوعة للسؤال عن الحال.
قوله وإقامته، أي وفي بيان كيفية إقامة الحد، وذكر هذا الفصل بعد وجوب
الحد، لما أن إقامته وكيفيته مرتبة على نفس الحد في الوجود.
م: (وإذا وجب الحد وكان الزاني) ش: أي والحال أنه قد كان الزاني. م: (محصنا
رجمه بالحجارة حتى يموت) ش: أي الإمام أو القاضي والمحصن من أحصن الرجل فهو
محصن بفتح الصاد.
وهذا أحد ما جاء على أفعل، فهو مفعل، وامرأة محصنة أي متزوجة، وليس في
كلامهم أفعل، فهو مفعل إلا ثلاثة أحرف، أحدها هذا، ويقال أسهب من لذع
الحية، أي ذهب عقله وهو سهب. قال المراجم: ويقال ألقح الرجل فهو يلقح إذا
وقف حاله.
م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (رجم ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وقد أحصن) ش: على صيغة المجهول، أي والحال أنه كان محصنا وقد مضى الحديث من
رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: أحصنت قال: نعم، فقال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذهبوا به فارجموه.»
م: (قال: وفي الحديث المعروف وزنا بعد إحصان) ش: هذا مروي من حديث عثمان -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن حماد بن زيد
عن يحيى بن سعيد عن أسعد بن سهل عن أبي أمامة الأنصاري «عن عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - " أنه أشرف عليهم يوم الدار، فقال: أنشدكم الله، أتعلمون
أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، وقتل نفس بغير حق،
قالوا: اللهم نعم، قال: فعلام تقتلوني» الحديث.
قال الترمذي: حديث حسن، وروي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أخرجه أبو داود في " سننه " عنها قالت: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل زنى بعد
إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله ولرسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من
الأرض، ورجل قتل نفسا فإنه يقتل بها» .
(6/268)
وعلى هذا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -.
قال: ويخرجه إلى أرض فضاء ويبتدئ الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس، كذا روي
عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء ثم
يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء له. وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تشترط بدايته اعتبارا بالجلد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا إجماع الصحابة) ش: أي على وجوب رجم المحصن إجماع الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين.
وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قال: «رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجم
أبو بكر، ورجمت ولولا أني ذكرته أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف،
فإني قد خشيت أن يجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله، فيكفرون به» وحديث
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مذكور في الموطأ أيضا.
قلت: قد كان رجم أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بحضرة الصحابة،
ولم ينكرها أحد فحل محل الإجماع. وفي " شرح الأقطع ": ولا خلاف في ذلك بين
الأمة، إلا ما روي عن الخوارج أن الحد كله الجلد، ولا رجم، وإنما قالوا ذلك
لأنهم لا يقبلون أخبار الآحاد، وقولهم لا يلتفت إليه، لأنه خرق الإجماع،
والأحاديث فيه كادت أن تكون متواترة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويخرجه إلى أرض فضاء، ويبتدئ الشهود برجمه، ثم
الإمام، ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: قوله كذا
روي عن علي في المصنف. روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الله بن إدريس
عن زيد عن عبد الله ابن أبي ليلى أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان
إذا شهد عنده الشهود على الزنا أمر الشهود أن يرجموا ثم رجم الناس وإذا كان
بإقرار بدأ هو فرجم ثم رجم الناس.
م: (ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء) ش: أي يجترئ على أداء الشهادة
كاذبا. م: (ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء له) ش:
أي فكان في ابتداء الشهود بالرجم حيلة لدفع الحد، لأنا أمرنا به.
م: (وقال الشافعي: لا يشترط بدايته) ش: أي بداية الشاهد، وبه قال مالك
وأحمد وأبو يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، في رواية م: (اعتبارا بالجلد) ش:
حيث لا يشترط فيه بدايتهم، وقالت الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولكن
يستحب حضورهم وبدايتهم بالرمي.
وكذا لو ثبت الزنا بإقرار لا يشترط حضور الإمام ولا نائبه عندهم، ولكن
يستحب حضورهم وبدايتهم بالرمي، وكذا لو ثبت الزنا بالإقرار لا يشترط حضور
الإمام.
(6/269)
قلنا: كل أحد لا يحسن الجلد، فربما يقع
مهلكا والإهلاك غير مستحق، ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف. قال: فإن امتنع
الشهود من الابتداء سقط الحد؛ لأنه دلالة الرجوع، وكذا إذا ماتوا أو غابوا،
في ظاهر الرواية. لفوات الشرط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا: كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع مهلكا والإهلاك غير مستحق) ش: أي
في الجلد. م: (ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف) ش: لأن فيه مستحق للنقل بخلاف
الجلد لأنه للتأديب وللزجر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن امتنع الشهود من
الابتداء سقط الحد لأنه) ش: أي لأن امتناعهم عن الابتداء م: (دلالة الرجوع)
ش: وكذا إذا امتنع بعضهم م: (وكذلك) ش: أي سقط الرجم م: (إذا ماتوا) ش: أي
الشهود م: (أو غابوا) ش: لأن الشرط بدل لهم وقد تقدم ذلك بالموت والغيبة.
وكذا زعموا أو خرسوا أو جبنوا أو فسقوا أو ارتدوا وقذفوا فحدوا سواء اعترض
ذلك قبل القضاء، أو بعد القضاء، قبل الإمضاء؛ لأن الإمضاء من القضاء في باب
الحدود، فإذا لم يحصل الإمضاء فكأنه لم يحصل القضاء وقيل بقوله.
م: (في ظاهر الرواية لفوات الشرط) ش: احترازا عما روي عن أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " أنه قال: لا يبطل الرجم بموت
الشهود، ولا يفهم هذا، إذا كان الشهود عليه محصنا. أما إذا كان غير محصن
فقد قال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " أقيم عليه الحد
في الموت والغيبة، ويبطل فيما سواها، وكذلك ما سوى الحدود من حقوق الناس.
وفي " الذخيرة ": ولو كان الشهود أو بعضهم مقطوع اليدين، أو مرضى لا
يستطيعون الرمي وحضروا رمي القاضي، ولو قطعت بعد الشهادة، امتنعت الإقامة،
ولو غاب واحد منهم، أو يرجع حتى يحضر كلهم.
وفي " المبسوط ": إذا امتنع الشهود، سقط الرجم. ولكن لا يقام الحد على
الشهود، لأنهم ثابتون على الشهادة، لأن الإنسان يمتنع عن القتل بحق ويستحب
للإمام أن يأمر طائفة، أي جماعة من المسلمين أن يحضروا لإقامة الحد.
وقد اختلف في عدد الطائفة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال عطاء وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
اثنتان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة،
وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - أربعة وفي " الإيضاح " لا بأس بكل من
رمى أن يعيد قتله، لأنه المقصود من الرجم، إلا إذا كان الرجم محرما من
المرجوم فإنه لا يستحب أن يتعمد قتله.
وقد روي «عن حنظلة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه استأذن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتل أبيه وكان
(6/270)
وإن كان مقرا ابتدأ الإمام ثم الناس، كذا
روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «ورمى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغامدية بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا»
ويغسل ويكفن ويصلى عليه؛ «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ماعز - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم» ولأنه قتل بحق، فلا يسقط
الغسل كالمقتول قصاصا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كافرا فمنعه من ذلك، وقال: دعه يكفيك عراؤه» .
م: (وإن كان) ش: أي وإن كان الزاني المحصن م: (مقرا) ش: بالزنا م: (ابتدأ
الإمام ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكرناه
عن قريب م: (ورمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغامدية
بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا) ش: وهذا رواه أبو داود -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننه، من حديث أبي بكرة عن أبيه «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة» .
قال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا
زكريا بن سليم أبو عمران بإسناده نحوه. وزاد: «ثم رماها بحصاة مثل الحمصة،
قال: ارموا واتقوا الوجه فلما طفئت أخرجها، فصلى عليها» انتهى.
وهذه المرأة هي الغامدية [....
......] .
م: (ويغسل) ش: أي المرجوم م: (ويكفن ويصلى عليه لقوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م:
(لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم» ش: هذا
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا أبو معاوية عن أبي حنيفة عن علقمة [بن]
مرثد عن ابن بريدة عن أبيه بريدة قال: «لما رجم ماعز قالوا يا رسول الله ما
نصنع به؟ قال: اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط
والصلاة عليه» .
وروي «اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من أهل الحجاز [ ... ] ، وقد رأيته
ينغمس في أنهار الجنة» . وعن مالك: لا يصلى على المرجوم، كذا ذكره، ولكن
ذكر في " الجواهر " من كتب المالكية غسل وصلي عليه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المرجوم م: (قتل بحق، فلا يسقط الغسل كالمقتول
قصاصا) ش: فإنه يغسل ويصلى عليه م: (وصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - على الغامدية بعدما رجمت) ش: وقد روى الجماعة إلا البخاري عن
ابن حصين " أن «امرأة من جهينة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهي حبلى من الزنا، فقالت يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي»
.... الحديث، وفيه «ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها»
الحديث.
(6/271)
«وصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على
الغامدية بعدما رجمت»
وإن لم يكن محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، إلا أنه انتسخ في حق المحصن، فبقي
في حق غيره معمولا به. قال: يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له ضربا
متوسطا؛ لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أراد أن يقيم الحد كسر
ثمرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصح في السنن أيضا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى
على الغامدية ودفنت» وفي حديثها: «لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر
له» وصاحب المكس: هو العشار منها، والمكس ما يأخذه.
[وجب الحد وكان الزاني غير محصن]
م: (وإن لم يكن) ش: أي وإن لم يكن الزاني المقر م: (محصنا وكان حرا فحده
مائة جلدة، لقوله عز وجل {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ش: قوله الزانية مبتدأ،
والزاني عطف عليه، والخبر محذوف تقديره فيما فرض عليكم، الزانية والزاني،
أي حكمهما وهو الجلد ويجوز أن يكون الخبر قوله فاجلدوا، وهو مذهب المبرد،
والأول مذهب الخليل وسيبويه. ودخول الباء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى
الشرط، لأن الألف واللام فيه بمعنى الذي أي التي زنت والذي زنى فاجلدوهما،
كقولك من زنى فاجلدوا، كذا قرره الأترازي وفيه تأمل.
م: (إلا أنه انتسخ في حق المحصن فبقي في حق غيره معمولا به) ش: في حق
المحصن بآية أخرى غيره، بيانه أن قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، والآية عامة في
المحصن وغيره، وإلا أنه انتسخ في حق آية أخرى، فنسخت تلاوتها وبقي حكمها،
والآية الأخرى هي قوله - الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله،
والله عزيز حكيم - رواها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خطبته بحضرة
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير.
وقال: إن مما يتلى في كتاب الله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة
نكالا من الله، والله عزيز حكيم، ولا يتمه في روايته إلا أن الله تعالى
صرفها من قلوب العباد لحكمة لم يكتبها عمر في المصحف، وقال: لو كان يقول
الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها.
م: (يأمر الإمام بضربه) ش: أي بضرب الزاني غير المحصن م: (بسوط لا ثمرة له)
ش: ثمرة السوط عقد أطرافه، ذكره في " الصحاح ". وقيل المراد بالثمرة ذنبه
وطرفه، لأنه إذا كان ذلك يصير الضربة ضربتين.
وهذا أصح، لما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلد الوليد بسوط له
طرفان، وفي رواية له ذنبان أربعين جلدة، فكانت الضربة ضربتين، والأول هو
المشهود م: (ضربا متوسطا) ش: أي بين القوي والضعيف، والآن يفسره المصنف،
لما روي م: لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أراد أن يقيم الحد كسر
ثمرته) ش: هذا غريب.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عيسى بن يونس عن حنظلة العدوي، قال: سمعت
(6/272)
والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم لإفضاء
الأول إلى الهلاك وخلو الثاني عن المقصود، وهو الانزجار، وينزع عنه ثيابه
معناه دون الإزار؛ لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يأمر بالتجريد
في الحدود، ولأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه،
وهذا الحد مبناه على الشدة في الضرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول كان يؤمر بالسوط فيقطع ثمرته،
ثم يدق بين حجرين، حتى يلين ثم يضرب به.
قلنا لأنس: في زمان من كان، قال: في زمان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وروى عبد الرزاق في مسنده عن معمر «عن يحيى بن أبي كثير أن رجلا
أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إني
أصبت حدا فأقمه علي، فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بسوط، فأتي بسوط جديد عليه ثمرته فقال: لا، سوط دون هذا، فأتي بسوط مكسور
العجز فقال: لا، سوط فوق هذا، فأتي بسوط بين السوطين فأمر به فجلد.»
م: (والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم) ش: والمبرح غير [المؤلم] بكسر الراء
من برح في هذا الأمر غلط على، واشتد ومن برحاء الحمى، وغيرها شدة الأذى،
والمؤلم بكسر اللام أي الموجع من الإيلام م: (لإفضاء الأول إلى الهلاك) ش:
المبرح م: (وخلو الثاني) ش: وهو المؤلم م: (عن المقصود وهو الانزجار) ش:
وفي " فتاوى الولوالجي " إذا كان رجل وجب عليه الحد وهو ضعيف الجلد فخيف
عليه الهلاك إذا ضرب، يجلد جلدا خفيفا مقدار ما يتحمله.
م: (وينزع عنه ثيابه) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (معناه دون
الإزار) ش: يعني معنى كلام القدوري ينزع ثياب الزاني غير المحصن دون الإزار
م: (لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يأمر بالتجريد في الحدود) ش:
وهذا غريب وقد روي عنه خلاف رواية عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا الثوري
عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أنه أتي برجل في حد وعليه كساء قسطلاني فضربه قاعدا.
م: (ولأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه) ش: أي إلى المضروب، وبخلافه
[ما] رواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي قال:
سألت المغيرة بن شعبة عن القاذف، أتنزع عنه ثيابه؟ قال: لا تنزع عنه، إلا
أن يكون فروا أو محشوا.
وقال أخبرنا الثوري عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود قال: لا يحل
في هذه الأمة التجريد ولا أمد، ولا غل، ولا صفد.
م: (وهذا الحد) ش: أي حد الزنا م: (مبناه على الشدة في الضرب) ش: احترز به
عن حد القذف، فإن القاذف يضرب وعليه ثيابه ولكن ينزع عنه الفرو، والحشو.
(6/273)
وفي نزع الإزار كشف العورة فليتوقاه، ويفرق
الضرب على أعضائه لأن الجمع في عضو واحد، قد يفضي إلى التلف. والحد زاجر لا
متلف، قال إلا رأسه ووجهه وفرجه، «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي أمره
بضرب الحد: اتق الوجه والمذاكير» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي وأحمد: لا ينزع بل يترك
عليه قميص أو قميصان م: (وفي نزع الإزار كشف العورة فليتوقاه) ش: يعني
يحترز منه ولا ينتزع م: (ويفرق الضرب على أعضائه) ش: أعضاء المحدود على
الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين.
م: (لأن الجمع) ش: أي جمع الضرب م: (في عضو واحد قد يفضي إلى التلف) ش:
وذلك غير مستحق عليه م: (والحد زاجر لا متلف) ش: يعني الحد شرع للزجر لا
للإتلاف م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا رأسه ووجهه وفرجه) ش: هذا استثني
من قوله ويعرف الضرب على أعضائه. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": ويعطى
كل عضو حظه من الضرب، ما خلا الوجه والرأس والفرج، وفي قول أبي حنيفة ومحمد
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا. وكان قوله والأقوال
مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " وروي عن أبي
يوسف أنه قال: يضرب على الرأس ضربة واحدة.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب كله على الظهر، وكذا ذكر عن
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي "، و " المنظومة "، وهذا خلاف ما
ذكر في كتبه المشهورة، ولهذا قال في " شرح المجمع ": يتركب ذكر الخلاف، وعن
مالك يخص الضرب على الظهر وما يليه.
وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضرب الظهر في التعزير،
وفي الحدود يضرب الأعضاء، وقال الحسن بن صالح: يضرب في التعزير أيضا
الأعضاء كلها إلا الوجه والمذاكير.
ولا خلاف في اتقاء الوجه والفرج م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - للذي أمره بضرب الحد، «اتق الوجه والمذاكير» ش: هذا الحديث
غريب مرفوعا [....] ، وروي موقوفا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه
ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا حفص بن عمر عن ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عن عدي بن ثابت عن عكرمة بن خالد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- " قال: أتى عليا رجل في حد فقال: اضرب وأعط كل عضو حقه، واتق الوجه
والمذاكير " ورواه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه "، والمذاكير: جمع الذكر،
على خلاف القياس، كأنهم فرقوا بذلك الجمع بين المذكور الذي هو الفحل، وبين
الذكر الذي هو العضو.
والنهي عن ضرب الوجه في الصحيحين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال قال رسول
(6/274)
ولأن الفرج مقتل والرأس مجمع الحواس، وكذا
الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا، فلا يؤمن فوات شيء منها بالضرب وذلك إهلاك
معنى، فلا يشرع حدا، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا
رجع إليه، وإنما يضرب سوطا لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضربوا
الرأس فإن فيه شيطانا، قلنا تأويله، أنه قال ذلك فيمن أبيح قتله، ذلك ورد
في مشرك من أهل الحرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه»
وأخرج مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرب في الوجهين وعن الوشم في الوجه.»
م: (ولأن الفرج مقتل) ش: أي موضع قتل يؤدي إلى الهلاك م: (والرأس مجمع
الحواس) ش: فيخاف منها على غاية عقله وعامة حواسه م: (وكذا الوجه وهو مجمع
المحاسن أيضا) ش: هو جمع حسن على خلاف القياس م: (فلا يؤمن فوات شيء منها)
ش: أي من الحواس والمحاسن م: (بالضرب وذلك إهلاك معنى) ش: لأنه يضرب مثله
وهي منهية فإذا كان كذلك م: (فلا يشرع حدا) ش: أي فلا يشرع شيء من ذلك من
حيث الحد.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا رجع إليه) ش: أي
إلى ضرب الرأس كان يقول أولا لا يضرب الرأس ثم رجع وقال م: (وإنما يضرب
سوطا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أظهر الوجهين وفي "
الإيضاح ": ولا يضرب الرأس عادة، لأن ضربه سوطا وسوطين يخشى منه؛ يجيء منه
الفساد.
روى صاحب " الأجناس " من كتاب الحدود، أملاه رواية أبي سليمان، قال أبو
يوسف: يتقي الوجه والفرج والبطن والصدر، ويضرب الرأس، وقال في " الكامل "
ومن نص مشايخنا لا يضرب الصدر والبطن لأنه يقتل كالرأس.
م: (لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضربوا الرأس فإن فيه شيطانا)
ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن المسعودي عن القاسم
أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي برجل انتفى من أبيه، فقال أبو
بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس، والمسعودي
ضعيف.
م: (قلنا تأويله) ش: أي تأويل قول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م:
(أنه قال ذلك) ش: أي اضربوا الرأس م: (فيمن أبيح قتله) ش: قال الأترازي:
وأمر أبي بكر ليس حجة لأبي يوسف م: (ذلك ورد في مشرك من أهل الحرب) ش:
محلوق الرأس وضرب رأسه وجب، والهلاك مستحق، كذا أجاب عنه فخر الإسلام
وغيره، في شرح " الجامع الصغير "، انتهى.
قلت: فيه نظر من وجوه:
(6/275)
كان من دعاة الكفرة، والإهلاك فيه مستحق،
ويضرب في الحدود كلها قائما. غير ممدود؛ لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا، ولأن مبنى إقامة الحد على
التشهير، والقيام أبلغ فيه ثم قوله غير ممدود فقد قيل: المد أن يلقى على
الأرض ويمد، كما يفعل في زماننا، وقيل أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق
رأسه، وقيل أن يمده بعد الضرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأول: أن أمر أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورد في رجل ابتغى من أبيه
ولم يذكر فيه، من مشرك من أهل الحرب.
الثاني: إن المشرك من أهل الحرب إذا دخل دار الإسلام بأمان لا يقتل،
والظاهر أن أحدا منهم لا يدخل إلا بأمان فلا يقتل.
الثالث: لو سلمنا أن هذا المشرك إذا استحق القتل يقتل بلا ضرب على رأسه،
لأن الشارع أمر بإحسان القتل، وهذا كله على تقدير أن يكون أمر أبي بكر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيحا، وهو ضعيف.
كذا ذكرنا فلا يحتاج إلى تطويل الكلام فيه، ونقل أنه - أي أن أمر أبي بكر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورد في حربي م: (كان من دعاة الكفر عنه) ش: أي
يدعو الناس إليهم، وقد مر الكلام فيه م: (والإهلاك فيه) ش: أي هذا الحربي
الذي هو من دعاة الكفرة م: (مستحق) ش: والتعذيب بضرب الرأس قبل القتل غير
مستحق لما ذكرنا م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع
الصغير " م: (ويضرب في الحدود كلها قائما) ش: أي حال كونه قائما م: (غير
ممدود لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يضرب الرجال في الحدود
قياما والنساء قعودا) ش: هذا أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه ".
أخبرني الحسن بن أبي عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة في الحد، قوله قياما
أي قائمين وقعودا أي قاعدات، كذا قيل.
قلت: القعود جمع قاعدين، وجمع النساء قواعد جمع قاعدة.
م: (ولأن مبنى إقامة الحد على التشهير، والقيام أبلغ فيه) ش: أي في الرجل
م: (ثم قوله) ش: أي قول محمد م: (غير ممدود) ش: أي حال كونه غير ممدود،
واختلفوا فيه م: (فقد قيل المد أن يلقى على الأرض ويمد كما يفعل في زماننا)
ش: بعد أن ينعقد رجل على رأسه والآخر على رجله.
م: (وقيل أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه وقيل أن يمده بعد الضرب) ش:
قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني بعدما أوقع السوط على البدن لا
يمده لأنه زيادة مبالغة لم يرد به الأثر، ولا روي فيه الخبر، وقال بعضهم:
لا يمد المحدود بين العقابين كما يفعل بين يدي الظلمة
(6/276)
وذلك كله لا يفعل، لأنه زيادة على المستحق.
وإن كان عبدا، جلده خمسين جلدة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية
25) ، نزلت في الإماء، ولأن الرق منقص للنعمة، فيكون منقصا للعقوبة، لأن
الجناية عند توافر النعم أفحش، فيكون أدنى التغليظ والرجل والمرأة في ذلك
سواء، لأن النصوص تشملهما غير أن المرأة لا ينزع من ثيابها إلا الفرو
والحشو، لأن في تجريدها كشف العورة، والفرو والحشو يمنعان وصول الألم إلى
المضروب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه بدعة، والعقابان عودان ينصبان بقودين في الأرض، يمد بينهما المضروب أو
المصلوب.
م: (وذلك كله لا يفعل) ش: ذلك إشارة إلى ما ذكر من الإقرار م: (لأنه زيادة
على المستحق) ش: لأنه يكون ظلما، والمستحق قدر الحد، قالوا في الحدود كلها
لا يمسك ولا يربط، ولا يبطح، بل يترك قائما إلا أن يعجزهم، فلا بأس أن
يشدوه على أسطوانة ونحوها، وعند مالك: يضرب جالسا ولكن غير ممدود.
[حد العبد]
م: (وإن كان) ش: أي الزاني م: (عبدا جلده) ش: أي جلده القاضي م: (خمسين
جلدة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ
مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) نزلت م: (في الإماء) ش:
وقبلها {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ}
[النساء: 25] أي الإماء إذا أحصن، أي تزوجن، فإن أتين بفاحشة أي زنين
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أي الحرائر
من العذاب، أي الحد، أي عليهن نصف الحد، والحد مائة جلدة، على الحر أو
الحرة، إذا لم يكونا محصنين، نصف ذلك خمسون، فيكون ذلك حد الأمة.
فإذا كان ذلك حد الأمة، فيكون حد العبد أيضا، لأن المؤثر للنقصان فيهما
واحد م: (ولأن الرق منقص للنعمة) ش: ألا ترى أن العبد لا يتزوج إلا اثنين،
والأمة من القسم نصف ما للحرة، [و] أن الرق منقص للنعمة م: (فيكون منقصا
للعقوبة، لأن الجناية عند توافر النعم) ش: أي عند تكاثر النعم - بكسر النون
جمع نعمة - م: (أفحش) ش: يؤيده قَوْله تَعَالَى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ
مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ
ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] (الأحزاب: الآية 30) ثم قال {يَانِسَاءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] (الأحزاب:
الآية 32) .
ثم أيد بالعذاب في الأمة الجلد لا الرجم، بدلالة السياق، لأن الرجم قتل،
والقتل ينتصف قائما، وإنما عليهن نصف الشيء الذي له النصف، وهو الجلد.
م: (فيكون أدعى إلى التغليظ) ش: أي فيكون الجناية عند توافر النعم أدعى إلى
التغليظ فيما يستحق عليه م: (والرجل والمرأة في ذلك) ش: أي في الحد م:
(سواء، لأن النصوص تشملهما غير أن المرأة لا ينزع من ثيابها إلا الفرو
والحشو، لأن في تجريدها كشف العورة والفرو والحشو) ش: هو الثوب المحشو
بالقطن ونحوه م: (يمنعان وصول الألم إلى المضروب) ش: لكنها فيهما.
(6/277)
والستر حاصل بدونهما فينزعان، وتضرب جالسة
لما روينا، ولأنه أستر لها، قال: وإن حفر لها في الرجم جاز، «لأنه -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - حفر للغامدية إلى ثندوتها» وحفر علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لشراحة الهمدانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والستر) ش: أي ستر المضروب م: (حاصل بدونهما) ش: أي بدون الفرو والحشو
م: (فينزعان) ش: ليصل الألم إلى بدنها م: (وتضرب) ش: أي المرأة م: (جالسة
لما روينا) ش: من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قوله يضرب الرجال
في الحدود قياما والنساء قعودا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الضرب وهي جالسة م: (أستر لها) ش: لأنها تنضم وتتجمع
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن حفر لها في الرجم جاز، لأنه - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - م: (حفر للغامدية إلى ثندوتها) ش: هذا الحديث رواه أبو داود -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن
الجراح عن زكريا بن سليم أبي عمران، قال سمعت شيخا يحدث عن ابن أبي بكرة عن
أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم امرأة فحفر لها
إلى الثندوة» وفيه مجهول، وحديثها في مسلم من رواية بريدة وفيه «ثم أمر
بها، فحفر لها إلى صدرها، ثم أمر الناس فرجموها» ويوجد في بعض نسخ "
الهداية " حفر لها إلى ثديها، والثدي يذكر ويؤنث.
قال الجوهري: الثدي للرجل والمرأة، وقال ابن فارس: الثدي للمرأة، ويقال
للرجل ثندوة، وهذا مشعر بتخصيص الثندوة بالرجل، قال: ولم أجد أحدا من أهل
اللغة ذكر استعمال الثندوة في المرأة.
قلت: حديث أبي داود فيه استعماله للمرأة، ودعوى تخصيص الثندوة بالرجل ما قد
وقع في " الصحيح " أن رجلا وضع ذباب سيفه بين ثدييه.
وذكر في " المغرب "، أن الثندوة بفتح الدال والواو، وبالضم والهمزة، فوضع
الواو والدال في الحالين مضمومة ثدي الرجل، أو لحم الثديين، وقال في "
المجمل " ثندوة الرجل كثدي المرأة وهو مشهور، إذا ضم أوله فإذا فتح لم
يهمز.
ويقال هو ضرب الثدي، فعلى هذا يكون، المراد من الحديث طرف الثدي، وهو قوله
م: (وحفر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لشراحة الهمدانية) ش: هذا أخرجه
أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " عن يحيى بن سعيد عن مجالد عن
الشعبي، قال: كان لشراحة زوج غائب بالشام، وأنها حملت، فجاء بها مولاها إلى
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: إن هذه زنت، فاعترفت فجلدها يوم
الخميس ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد، الحديث، وقوله م:
(الهمدانية) ش: نسبة إلى همدان بفتح الهاء وسكون الميم حي من العرب، كذا
نقل الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن " ديوان الأدب ".
(6/278)
وإن ترك الحفر لا يضره، لأنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - لم يأمر بذلك، وهي مستورة بثيابها، والحفر أحسن، لأنه أستر،
ويحفر إلى الصدر لما روينا، ولا يحفر للرجل لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،
ما حفر لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن مبنى الإقامة على التشهير في
الرجال، والربط والإمساك غير مشروع،
ولا يقيم المولى الحد على عبده، إلا بإذن الإمام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - له أن يقيمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: اسم همدان أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شعب
عظيم ينسب إليه خلق كثير من الشعراء والعلماء، والفرسان، وأما همذان بفتح
الهاء وفتح الميم والذال المعجمة مدينة من أشهر مدن الجبال [....] .
م: (وإن ترك الحفر لا يضره، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأمر بذلك) ش:
وهذا ذهول من المصنف وتناقض، فإنه يقدم في كلامه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -، حفر للغامدية وهو في مسلم م: (وهي مستورة بثيابها والحفر
أحسن، لأنه أستر، ويحفر إلى الصدر لما روينا) ش: أي من حديث الغامدية حيث
حفر لها إلى الثدوة.
م: (ولا يحفر للرجل لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ما حفر لماعز - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قال: «إنما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم
ماعز بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرجمنا به البقيع فوالله ما
أوثقناه، ولا حفرنا له ولكنه قام» ... الحديث ودفع في حديث مسلم أيضا.
لأنه حفر له من رواية بريدة وقتيبة، فلما كانت الرابعة حفرت له حفرة، وأمر
به، فرجم، وفي مسند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث أبي ذر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حفر له،
والتوفيق بين الروايتين، أن الأخذ برواية المثبت، أولى من رواية النافي، لا
قال أنه ما يذكره ولا يلزم منه عدم الوقوع.
م: (ولأن مبنى الإقامة) ش: أي إقامة الحد م: (على التشهير في الرجال) ش:
وترك الحفر أبلغ في ذلك، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا هو ظاهر
الرواية، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاءوا حفروا له وإن شاءوا
لم يحفروا له م: (والربط والإمساك غير مشروع) ش: يعني في الرجم وذلك لأن
ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يربط ولم يمسك، وقد ذكرنا أنه إذا تصعب
يربط.
م: (ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام، وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يقيمه) ش: أي للمولى أن يقيم الحد على مملوكه،
وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله، وعن مالك لا يجوز أن يتولى المولى إقامة
الحد في الأمة المتزوجة، وفي العبد يتولى بكل حال، ولأصحاب الشافعي -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأول وجهان:
أحدهما: السيد أولى لفرض استصلاح ملكه، وأظهرهما أن الإمام أولى لولايته
العامة، وليخرج عن الخلاف وهذا فيما إذا عاين سيده من العبد، أو أقر العبد
[به] عنده، أما لو ثبت
(6/279)
لأن له ولاية مطلقة عليه، كالإمام، بل أولى
لأنه يملك من التصرف فيه، ما لا يملكه الإمام، فصار كالتعزير، ولنا «قوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع إلى الولاة، وذكر منها الحدود»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالبينة فله فيه قولان، وفي حد القذف والقصاص له وجهان.
م: (لأن له) ش: أي للمولى م: (ولاية مطلقة عليه) ش: أي على عبده م:
(كالإمام بل أولى، لأنه يملك من التصرف فيه، ما لا يملكه الإمام فصار
كالتعزير) ش: حيث يجوز للمولى أن يعزر عبده بدون إذن الإمام.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أربع إلى الولاة» وذكر منها
الحدود) ش: هذا غريب، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عبدة بن عاصم عن
الحسن قال: أربعة إلى السلطان الصلاة والزكاة والحدود والقصاص.
حدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن جرير قال:
الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان.
حدثنا عمر بن أيوب عن مغيرة بن زياد عن عطاء الخراساني قال: إلى السلطان
الزكاة والجمعة والحدود، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى
أصحابنا في كتبهم عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - موقوفا ومرفوعا أربع إلى الولاة، الحدود والصدقات والجماعات
والفيء.
وكذا قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحوه، غير أنه قال مرفوعا إلى النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع إلى الولاة» إلى آخره
وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - فانظر إلى هذا التقصير من هؤلاء، كيف
سكتوا عن تحرير الحديث الذي ذكره المصنف من غير أصل، والخصم الذي يحتج
لمذهبه بالأحاديث الصحيحة هل يرضى بهذا الحديث الذي ليس له أصل.
وأما ما احتج به الخصم فيما ذهب إليه ما رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بإسناده إلى أبي عبد الرحمن السلمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال «خطب علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من
أحسن منهم ومن لم يحسن، وأن أمة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زنت فأمرني أن أجلدها فأتيتها، فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت
إن أنا جلدتها أن أقتلها، أو قال: تموت، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، فقال: أحسنت» هذا حديث صحيح.
وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا
زنت أمة أحدكم، فليجلدها ثلاثا بكتاب الله تعالى، فإن عادت فليبعها، ولو
بحبل من شعر» وفي رواية أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور، «وأقيموا
(6/280)
ولأن الحد، حق الله تعالى، لأن المقصود
منه، إخلاء العالم عن الفساد، لهذا لا يسقط بإسقاط العبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحدود على ما ملكت أيمانكم» .
وأجاب الأترازي عن هذا: بأن ذلك محمول على السبب بأن يكون المولى سبب في حد
عبده، بالمرافعة إلى الإمام وإنما قلنا ذلك، لأن ظاهره متروك بالإجماع،
لأنه يقتضي الوجوب ولا يجب على المولى إقامة الحد على عبده بالإجماع، أما
على مذهبنا فظاهر.
وكذا على مذهبه أي مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه يجوز أن يقيم
الحد على عبده، ولا يجب عليه، فلما كان الحديث متروك الظاهر حملناه على ما
قلناه.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفائدة تخصيص المماليك أنه لا يحملهم
المشقة على ملكهم على الامتناع على إقامة الحد عليهم.
م: (ولأن الحد، حق الله تعالى) ش: فلا يجوز للمولى أن يستوفيه، لأنه أجنبي
في حقه، فلا يجوز للأجنبي أن يتصرف في حق غيره م: (ولأن المقصود منه إخلاء
العالم عن الفساد) ش: بتحقق الحكومة إلى يوم التناد م: (ولهذا لا يسقط
بإسقاط العبد) ش: فتكون الولاية مستحقة بالنيابة والسلطان نائبه، أما
المولى فولايته بالملك فلا يصلح نائبا عنه وقد استدل هذا الكلام بقوله
الحق، ولما قلتم أن الحد حق الله تعالى ونحن لا نسلم ذلك ولئن سلمنا، لكن
لا نسلم أن كونه حق الله تعالى ينافي كونه حقا للعبد، ولما [لا] يجوز أن
يكون حقا للمولى أيضا.
ثم تكلم بكلام طويل يذهل ذهن الناظر فيه، ونحن نقول ما قاله تاج الشريعة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا، وهو أن الحق مستعمل غير مضاف ومعناه وجود الثبوت
ويذكر في مقابلة الباطل يقال هذا حق وهذا باطل ويستعمل مضافا، وهو استحق به
الغير أو يطلب منه رعاية جانب الغير على وجه يليق به.
فإن حق الله تعالى ما طلبه منه رعاية جانبه وعلى وجه يليق به وهو تعظيمه،
وامتثال أمره، وحق الإنسان ما طلب منه رعاية جانب منه على وجه يليق به، وهو
كونه نافعا في حقه، دافعا للضرر عنه، وإنما قلنا حق الله لأن الجناية وردت
على حقه، لأن حرمة الزنا وشرب الخمر لحق الله تعالى، ولهذا لا يعمل فيه رضى
الغير ولا يسقط بإسقاطه.
والواجب بالجناية على حق الغير، يكون منها حقا لذلك الغير، وكذا يستحب
للإمام الاختيار فيه للدرء، ولا يستحب له ذلك في حق العبد، ولا يتمكن من
استيفاء كل حق إلا لصاحبه أو نائبه.
كما في غيره من الحقوق وقياسه على التقرير لا يصح لأنه حق العبد إذ المقصود
منه التأديب
(6/281)
فيستوفيه من هو نائب عن الشرع، وهو الإمام
أو نائبه، بخلاف التعزير؛ لأنه حق العبد ولهذا يعزر الصبي، وحق الشرع موضوع
عنه. قال: وإحصان الرجم أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما قد تزوج امرأة نكاحا
صحيحا، ودخل بها وهما على صفة الإحصان. فالعقل، والبلوغ، شرط لأهلية
العقوبة، إذ لا خطاب دونهما، وما وراءهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة
تكامل النعمة إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا العذر من لا يخاطب لحقوق الله تعالى، كالصبي، ولهذا أي ولأجل كون الحد
حق الله تعالى قَوْله تَعَالَى يسقط بإسقاط العبد.
م: (فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الإمام) ش: أي الخليفة م: (أو نائبه)
ش: كالقاضي ونحوه م: (بخلاف التعزير) ش: جواب عن قول الشافعي، فصار
كالتعزير، بيانه أن التعزير مفارق الحد م: (لأنه حق العبد ولهذا) ش: إيضاح
لقوله حق العبد م: (يعزر الصبي، وحق الشرع) ش: أي والحال أن حق الشرع م:
(موضوع عنه) ش: لأنه غير مخاطب م: (وإحصان الرجم) ش: قيد به احترازا عن
إحصان القذف، فإنه غير هذا على ما يجيء.
و" الإحصان " و " التحصين " في اللغة: المنع، قال الله تعالى
{لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] (الأنبياء: الآية 80)
وقال: {فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14] وقيل: الأصل الدخول في الحصن،
وورد الشرع بمعنى الإحصان، وبمعنى العقل وبمعنى الحرية وبمعنى الترويح،
وبمعنى الإصابة في النكاح، ويقال: أحصنت المرأة أي عفت، وأحصنها زوجها،
وأحصن الرجل بزوج.
م: (أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما، قد تزوج امرأة نكاحا صحيحا ودخل بها،
وهما على صفة الإحصان) ش: هذا على صفة الإحصان، هذا لفظ القدوري في "
مختصره "، وشرح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لبيان هذا والشروط بقوله م:
(فالعقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة، إذ لا خطاب دونهما) ش: أي دون العقل
والبلوغ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاثة
عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» ، ولأن
الرجم عقوبة، وهما ليسا أهل العقوبة.
م: (وما وراءهما) ش: أي ما وراء العقل والبلوغ من الشرائط م: (يشترط لتكامل
الجناية بواسطة تكامل النعمة) ش: وذلك لأن الرجم، نهاية في العقوبة فيكون
سببه نهاية في الجناية أيضا، لأن السبب أبدا، يثبت بحد ثبوت السير حسا
وشرعا، وتناهي الجناية إنما يكون إذا وجدت هذه الشرائط في الزاني، إذ عند
وجودها يتوافر النعم والجناية، عند توافر النعم أغلظ، وأفحش، أشار إليه
بقوله: م: (إذ كفران النعم يتغلظ عند تكثرها) ش: أي عند تكثر النعمة،
والنعمة ما أنعم الله على عباده من مال أو رزق، كذا في " الجمهرة " وفي "
الاصطلاح ": يعني بها النفع الواصل من جهة الغير من غير سابقة الاستحقاق،
على ذلك الغير.
(6/282)
وهذه الأشياء من جلائل النعم، وقد شرع
الرجم بالزنا عند استجماعها، فيناط به بخلاف الشرف والعلم، لأن الشرع ما
ورد باعتبارهما، ونصب الشرع بالرأي متعذر، ولأن الحرية ممكنة من النكاح
الصحيح، والنكاح الصحيح ممكن من الوطء الحلال، والإصابة شبع بالحلال.
والإسلام يمكنه من نكاح المسلمة ويؤكد اعتقاد الحرمة فيكون الكل مزجرة عن
الزنا، والجناية بعد توافر الزواجر أغلظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[شروط الإحصان]
م: (وهذه الأشياء) ش: أي الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول بها في
نكاح صحيح وهما على صفة الإحصان م: (من جلائل النعم) ش: أي من عظائمها م:
(وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها) ش: أي عند استجماع هذه الأشياء م:
(فيناط به) ش: أي تعلق الرجم باستجماع هذه الأشياء، فإذا وجد الزنا عند
استجماعها يجب الرجم وإلا فلا.
م: (بخلاف الشرف والعلم) ش: جواب عما يقول لما كانت الأشياء المذكورة من
جلائل النعم كانت شرائط الإحصان، والشرف والعلم أيضا من أجل النعم، فينبغي
أن يكونا من شرائط الإحصان، فأجاب عليه بقوله بخلاف العلم والشرف.
م: (لأن الشرع ما ورد باعتبارهما) ش: هاهنا لأنهما لا يضبطان لأنه ليس لهما
حد معلوم، والشرف علو الحسب، وحسب الرجل مآثر آبائه.
م: (ونصب الشرع بالرأي متعذر) ش: إذ لا دخل للرأي في نصب الشرع لأنه صفة
وصفة الشارع.
م: (ولأن الحرية) ش: دليل على الاقتصار على تلك الشرائط فيتضمن بأنه لها حد
خلا في الاستغناء عن الزنا، دون غيرها من العلم والشرف، يعني لأن الحرية م:
(ممكنة) ش: من التمكين م: (من النكاح الصحيح، والنكاح الصحيح ممكن) ش: من
التمكين أيضا م: (من الوطء الحلال، والإصابة) ش: أي الدخول بالنكاح الحلال
م: (شبع بالحلال) ش: أي شبع للزوج من الزنا، بكسر الشين، وفتح الباء يعني
يحصل بالنكاح الصحيح، تمكنه في الوطء الحلال، وبالدخول يحصل الشبع.
م: (والإسلام يمكنه) ش: من التمكين أيضا م: (من نكاح المسلمة) ش: يعني
الإسلام يحصل المكنة من نكاح المسلمة م: (ويؤكد) ش: أي الإسلام م: (اعتقاد
الحرمة) ش: كل واحد منهما نعمة يشترط في إحصان الرجم، ليكون وجوب الرجم
المتناهي في العقوبة، بعد كامل النعمة م: (فيكون الكل مزجرة عن الزنا) ش:
قال الأترازي: أي سبب الزجر.
قلت: الأصح بمعنى الزجر.
م: (والجناية بعد توافر الزواجر) ش: عن أنها تكون الجناية م: (أغلظ) ش:
يعني أشد وهو
(6/283)
والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في
اشتراط الإسلام، وكذا أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. لهما ما روي
«أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رجم يهوديين قد زنيا» . قلنا كان ذلك
بحكم التوراة ثم نسخ، يؤيده قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «من أشرك بالله
فليس بمحصن» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرجم، والزواجر جمع زاجرة، وأراد بها قوله، ولأن الحرية إلى هنا، فافهم،
ولقائل أن يقول في العلم بأحوال الآخرة، وما يترتب على الزنا من الفساد
عاجلا، والعقوبة آجلا من الزواجر لا محالة.
والجمال في المنكوحة مقنع يعني للزوج عن النظر إلى غيرها، والشرف يردع عن
طوف لحوق معرة الزنا ونمائه، فكان الواجب أن يكون من شرائطه، والجواب أن
المسلم الناسي قلما يخلو عن العلم بما ذكرت، والجمال والشرف ليس لهما حد
معلوم يضبطان به، فلا يكون معتبرا.
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في اشتراط الإسلام) ش: حيث يقول
الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وبه قال أحمد وأبو يوسف - رحمهما الله - في
رواية، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقولنا أنه شرط م: (وكذا أبو يوسف
- رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا يخالف أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أيضا في اشتراط الإسلام م: (في رواية) ش: وهي غير ظاهر الرواية وثمرة
الخلاف، أن الذي في البيت الحر إذا زنا عندنا يجلد ولا يرجم.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن قال يقول يرجم، م: (لهما) ش: أي
للشافعي وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما روي «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم يهوديين قد زنيا» ش: هذا الحديث أخرجه
الأئمة الستة عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مختصرا، ومطولا،
وفيه «قام بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجما» .
م: (قلنا كان ذلك) ش: أي يرجم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يهوديين م: (بحكم التوراة) ش: يعني في ابتداء الإسلام ولهذا سألهم رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حد الزنا في التوراة، لما
تقرر الإسلام فنسخ ذلك م: (ثم نسخ يؤيده) ش: أي يؤيد النسخ م: (قوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من أشرك بالله فليس بمحصن» ش: هذا الحديث رواه
إسحاق بن راهويه: أخبرنا عبد العزيز بن محمد: حدثنا عبد الله: عن نافع: عن
ابن عمر: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من أشرك
فليس بمحصن» وقال إسحاق: رفعه مرة فقال عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووقفه مرة. ورواه الدارقطني من طريق إسحاق.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن ابن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم ذكر الحديث، وكأنه لم يطلع على شيء غير
ذلك، فلذلك قال: ولنا ما روى أصحابنا
(6/284)
والمعتبر في الدخول الإيلاج في القبل على
وجه يوجب الغسل، وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول. حتى لو دخل بالمنكوحة
الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا، وكذا إذا كان
الزوج موصوفا بإحدى هذه الصفات، وهي حرة مسلمة عاقلة بالغة، لأن النعمة
بذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يذكر شيئا غير ذلك.
م: (والمعتبر في الدخول) ش: يعني في قوله نكاحا صحيحا ودخل بها م:
(الإيلاج) ش: أي الدخول وأصله الإولاج قلبت الواو ياء بسكونها، وانكسار ما
قبلها، لأنه من ولج ولوجا، أي دخل وأولج إيلاجا أي أدخل م: (في القبل) ش:
أي الزوج م: (على وجه يوجب الغسل) ش: يعني بالتقاء الختانين.
قال: إلا كله فيه نظر، لأنه ينافي ما تقدم من قوله، الأصالة تنبع بالحلال،
فإن الشبع إنما يكون الإنزال، دون الإيلاج، وعرف ذلك من حديث رفاعة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«لا حتى تذوق عسيلته» انتهى.
قلت: ولا وجه لنظره لأنه ذهل عما قال الأصحاب، إن الشرط الدخول في التحليل،
والشرط الإيلاج، دون الإنزال، لأنه كمال، والشرط أن يكون موجبا للغسل وهو
التقاء الختانين، والعسيلة كانت عن لذة الجماع دون الإنزال، وشذ الحسن
البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله العسيلة الإنزال.
م: (وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول) ش: أي في الزوج والزوجة يعني شرطت
في قول القدوري، ودخل بها وهما على صفة الإحصان، وفائدته ما أشار إليه
بقوله م: (حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية
لا يكون محصنا) .
ش: وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يكون محصنا بجماع الكافرة هذا هو ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وروى الطحاوي والكرخي في ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أن النصارى يحصن بعضهم بعضا، وأن المسلم يحصن النصرانية وهي لا
تحصن المسلم.
م: (وكذا إذا كان الزوج) ش: هو أيضا من فائدة شرط الإحصان فيهما، عند
الدخول، أي وكذا لا يكون الزوج محصنا إذا كان م: (موصوفا بإحدى هذه الصفات)
ش: (وهي الكفر والصبية والمجنون والصبي.
م: (وهي) ش: أي والحال أن المرأة م: (حرة مسلمة عاقلة بالغة لأن النعمة
بذلك) ش: أي بما ذكر من الحرية والعقل والبلوغ والإسلام م: (لا تتكامل إذ
الطبع ينفر من صحبة المجنونة وقلما
(6/285)
لا تتكامل، إذ الطبع ينفر من صحبة
المجنونة، وقلما يرغب في الصبية لقلة رغبتها وفي المنكوحة المملوكة حذرا عن
رق الولد ولا ائتلاف مع الاختلاف في الدين. وأبو يوسف يخالفنا في الكافرة
والحجة عليه ما ذكرناه. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحصن المسلم
اليهودية ولا النصرانية ولا الحر الأمة ولا الحرة العبد» .
قال: ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يرغب في الصبية لقلة رغبتها) ش: أي رغبة الزوجين فيه أي في الصبي.
م: (وفي المنكوحة المملوكة حذرا عن رق الولد، ولا ائتلاف مع الاختلاف في
الدين) ش: فلا تتكامل النعمة ما لم تنتف هذه العوارض.
فإن قلت: كيف يتصور أن يكون الزوج كافرا، والمرأة مسلمة، يتصور فيما إذا
كانا كافرين فأسلمت المرأة ثم دخل بها الزوج، فإنهما يعدان زوجان ما لم
يفرق القاضي بالإباء عند عرض الإسلام.
م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الكافرة) ش: حيث يقول
المرأة الكافرة لا تمنع إحصان الرجل، وقد مر الكلام فيه آنفا م: (والحجة
عليه) ش: أي على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه وهو قوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تحصن المسلم اليهودية ولا
النصرانية ولا الحر الأمة ولا الحرة العبد» ش: وقال الأترازي: هذا الحديث
مذكور مرسلا هكذا في باب الإحصان من " مبسوط " شمس الأئمة السرخسي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن محمدا قال في الأصل: لا يحصن الرجل المسلم إلا
المرأة المحصنة، إذا دخل بها ثم قال: بلغنا ذلك عن عامر وإبراهيم النخعي،
وقال الأكمل: ذكر هذا شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرسلا في "
مبسوطه ".
قلت: هذا الحديث غريب ليس له أصل وروى ابن أبي شيبة في مصنفه ومن طريقة
الطبراني في " معجمه " والدارقطني في " سننه " وابن عدي في " الكامل " من
حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة «عن كعب بن مالك، أنه أراد أن
يتزوج يهودية فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا
تتزوجها فإنها لا تحصنك» .
قال الدارقطني: وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا،
وقال ابن عدي: أبو بكر بن أبي مريم الغساني ممن لا يحتج بحديثه، ويكتب
أحاديثه فإنها صالحة، قال ابن القطان: هذا حديث ضعيف ومنقطع.
[الجمع بين الجلد والرجم]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم) ش: هذا
لفظ القدوري، وقال المصنف م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -)
ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (لم يجمع) ش: أي بينهما، لأن في حديث ماعز الرجم فقط، وليس فيه الجلد،
حتى
(6/286)
لم يجمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن الأصوليين استدلوا على تخصيص الكتاب بالسنة، فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - رجم ماعزا ولم يجلده، لأن آية الجلد شاملة للتحصين وغيره،
وهو قول مالك والشافعي والزهري والأوزاعي والنخعي والثوري وأبي ثور وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وعن أحمد في رواية وداود ويجلد مائة ويرجم، واختار ابن المنذر من أصحاب
الشافعي ما روى مسلم عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خذوا «عني قد جعل
الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة
والرجم» .
وروى أحمد ثم البيهقي من رواية الشعبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أنه جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله عز
وجل ورجمتها بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أجيب
عن حديث عبادة بأنه منسوخ، لأن أول آية نزلت في هذا الباب قَوْله تَعَالَى:
{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلى
قوله {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] (النساء:
الآية 15) ثم نسخ بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خذوا عني
قد جعل الله لهن سبيلا» ... الحديث، ولم يكن بين الحديث وبين الآية، حكم
آخر.
ثم حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكون متأخرا عن حديث عبادة لا
محالة الحكم المتأخر ينسخ المتقدم، لا محالة إذا كان بين الحكمين مخالفة.
فإن قلت: كيف يصح دعوى النسخ وحديث علي يرد هذا.
قلت: قد ثبت إجماع الصحابة قبل ذلك بخلافه في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، فإجماعهم أولى من تفرده بحكم بعد الإجماع المصون، وذلك عن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته رجم ولم يجلد بحضرة أصحاب رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يخالفه أحد، فحل محل الإجماع.
وجواب آخر يحتمل أن يكون علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلدها، لأنه لم
يثبت عنده إحصانا ثم لما ثبت إحصانها رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله تعالى،
وهو قوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية
2) ورجمتها بالسنة حتى ثبت الإحصان، وقال الخارجي في " كتابه ": وروى حديث
ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جماعة كسهل بن سعيد وابن عباس، ويعرف آخر
(6/287)
ولأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم لأن
زجر غيره يحصل بالرجم، إذ هو في العقوبة أقصاها وزجره لا يحصل بعد هلاكه.
قال: ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يجمع بينهما حدا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام» ولأن فيه حسم باب الزنا، لقلة المعارف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إسلامهم، وحديث عبادة كان في أول الأمر، وبين الزمانين مدة.
م: (ولأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم) ش: يعني إذا حصل الرجم يحصل
المقصود، وهو العقوبة المتناهية، وهو الرجم، فلا حاجة إلى ما دونه وهو
الجلد م: (لأن زجر غيره) ش: أي غير الزاني م: (يحصل بالرجم، إذ هو) ش: أي
المرجوم م: (في العقوبة أقصاها) ش: لأنه لا عقوبة فوقها م: (وزجره) ش: أي
وزجر الزاني م: (لا يحصل بعد هلاكه) ش: يعني إذا كان الزجر للزاني يزجره
بعد هلاكه بالرجم لا يكون ولا يجمع بينهما.
[الجمع بين الجلد والنفي]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجمع في البكر بين
الجلد والنفي) ش: وقال المصنف م: (والشافعي يجمع بينهما) ش: أي بين الجلد
والنفي م: (حدا) ش: أي من حيث الحد يشير به إلى أن النفي أبر به عندنا يجوز
بطريق التعزير [ ... ] م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش:
أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «البكر بالبكر جلد
مائة وتغريب عام» ش: هو حديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكر عن قريب. وروى البخاري عن زيد بن خالد عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد
مائة وتغريب عام.»
والبكر بكسر الباء خلاف الثيب، ويقعان على الرجل والمرأة، ومعنى البكر
بالبكر [ ... ] أو زنى البكر بالبكر حده، كذا يقول الشافعي.
قال أحمد: وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك
وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: يجلد وينفى سنة إن كان البكر حرا،
وفي العبد ثلاثة أقوال عن الشافعي في قول: يغرب ستة أشهر، وفي قول: سنة،
وفي قول: لا يغرب أصلا بل يجلد خمسين.
وقال مالك: يجمع بينهما الرجل دون المرأة والعبد.
وعن الشافعي في قول تغريب المرأة محرم، وأجرته عليها في قول وعلى بيت المال
في قول [......] ، قيل يجبره السلطان على الخروج معها، وقيل لا.
وإذا كانت الطريق آمنة ففي تغريبها بغير محرم يحرم وجهان، ولا ينتقض في
مسافة الغربة عن رحلتين، وله الخيار في جهة السفر، فإن رجع الغريب إلى بلده
لم يتغير عزله، وإذا عاد الغريب يخرج ثانيا، ولا يجب المدة الماضية، ومن
نفي يجيء في الموضع الذي ينفى إليه.
م: (ولأن فيه) ش: أي في النفي م: (حسم باب الزنا) ش: أي قطعه م: (لقلة
المعارف) ش:
(6/288)
ولنا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا}
[النور: 2] جعل الجلد كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء أو إلى كونه كل
المذكور. ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة، ثم
فيه قطع مواد البقاء فربما تتخذ زناها مكسبة وهو من أقبح وجوه الزنا، وهذه
الجهة مرجحة لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن الزنا إنما يكون بالمصاحبة والمحادثة مع الأحباب عند فراغ القلب،
والغربة تفوت هذه الأشياء وتمنع عنها.
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جعل الجلد كل الموجب
رجوعا إلى حرف الفاء) ش: بيانه أن الله تعالى جعل جزاء كل واحدة من الزانية
والزاني الجلد لا غير، وهذا لأن الفاء للخبر، والجزاء عبارة عن الكافي
المنافي، فينبغي وجوب غيره، كما إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق
واحدة.
فإذا وجد الشرط يقع طلقة واحدة لا غير، لأنها هي الجزاء، فلا يجب النفي إذا
م: (أو إلى كونه كل المذكور) ش: أي أو رجوعا إلى كونه الجلد كل المذكور في
الآية، لأن المذكور فيها هو الجلد لا غير، فإذا كان كل المذكور يكون كل
الواجب، لأنه لو كان يجب شيء آخر لبينه، لأن الموضع موضع يحتاج إليه في
البيان، وترك البيان في مثل هذا الموضع لا يجوز للزوم الإخلال.
م: (ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة) ش: هذا
جواب عن قول الخصم، ولأن فيه باب الزنا، إلى آخره بيانه أن الإنسان يمنع من
الزنا في بلدته استحياء من أقاربه وعشائره بها وبعض معارفه، ففي الغربة
يرتفع الحياء، فيقع في الفاحشة ويفتح له باب الزنا لعدم من يستحي منه، وإن
كان النفي إلى المرأة يحتاج إلى النفقة لا محالة، وهي عاجزة عن الكسب فتتخذ
الزنا مكسبا، فتقعد فخير قبحة، وذلك من أقبح وجوه الزنا وأفحشها. وأشار إلى
قولنا وإن كان النفي للمرأة ... إلى آخره بقوله م: (ثم فيه) ش: أي في النفي
م: (قطع مواد البقاء) ش: وهو الكسب لما يحتاج إليه من المأكول والمشروب.
م: (فربما تتخذ) ش: أي المرأة تتخذ م: (زناها مكسبة) ش: لأنها لما تباعدت
عن الأقارب والأوطان ونزلت في الرباط أو الجنان أخرجها انقطاع مواد المعاش
على اتخاذ الزنا مكسبة لانقطاع [ ... ] والمواقع من المعاش م: (وهو من أقبح
وجوه الزنا) ش: يعني هذا أقوى مما قاله الخصم. م: (وهذه الجهة مرجحة لقول
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) يجوز بكسر الجيم وفتحها، قال الكاكي: معنى
رجحها قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للتعليل.
وقال الأكمل: مرجحة نقل بفتح الجيم وضمها، فوجد الفتح أن هذه الجملة من
العلة أقوى من علة الخصم بشهادة قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واللام
للتعليل. وقال الأكمل: مرجحة نقل بفتح الجيم وكسرها، فوجه الفتح أن هذه
الجملة من العلة أقوى من علة الخصم لشهادة قول
(6/289)
كفى بالنفي فتنة، والحديث منسوخ كشطره وهو
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة»
وقد عرف طريقه في موضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بصحة ما قلنا ووجه الكسر أن الخصم ينكر صحة
نقل قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال المصنف: هذه الجملة من جهات العلل، يريد صحة قول علي، فكانت اللام
للصلة داخلة على المفعول، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] (المؤمنون: الآية 4) وفي الوجه
الأول كانت للتعليل.
ثم قال ملخصا من كلام السغناقي كان قال في الأصل: أن ما يصلح مرجحا، وهذه
الجهة علة، فكيف صحت علة.
أجيب: بأن هذه الجهة ليست مباينة للحد، بل هي باقية، مع أن النفي ليس بحكم،
وأجيب: في الحد فيصلح للتزويج، ففي مثل هذا الموضع يذكر التعليل موضحا
بعضها بعضا، وما أرى إخبار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الجهة على لفظ
العلة لهذا.
م: (وكفى بالنفي فتنة) ش: هذا رواه عبد الرزاق ومحمد بن الحسن - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في كتابه " الآثار " قال أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله بن مسعود: في
البكر يزني بالبكر، قال: يجلدان مائة وينفيان سنة. قال: وقال علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - حبسهما من فعل الفتنة أن ينفيان، وروى محمد بن الحسن
الشيباني أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم النخعي قال: كفى بالنفي فتنة.
م: (والحديث منسوخ كشطره) ش: أراد بالحديث قوله: «البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام» وهو منسوخ بشطره، أي شطر الحديث م: (وهو قوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة» ش: والعجب من الخصم
أنه يحكم في الحديث الواحد بأن نصفه منسوخ ونصفه محكم م: (وقد عرف طريقه)
ش: أي طريق نسخ قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «البكر بالبكر
جلد مائة وتغريب عام» م: (في موضعه) ش: يعني في طريق الخلاف، قال الأترازي.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في موضعه من التفاسير وكتاب " الناسخ
والمنسوخ " فإن قيل، هذا إثبات النسخ بالقياس.
أجيب: بأنه بيان لكون الحديث منسوخا بناسخ، ولم يبين أن الناسخ ما هو،
والناسخ حديث ماعز، أو قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 4) ، لا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» [ ... ] ولو كانت هذه
الآية نزلت من قبل استثناء من قوله ولا يجمع في البكر بين اثنين، والجلد
يعني إذا رأى الإمام مصلحة يقال خذوا
(6/290)
إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة، فيغربه
على قدر ما يرى، وذلك تعزير وسياسة، لأنه قد يفيد في بعض الأحوال، فيكون
الرأي فيه إلى الإمام، وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عني القرآن، فدل على أن الآية متأخرة ناسخة لحديث التغريب.
م: (إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة) ش: استثناء من قوله ولا يجمع في البكر
بين اثنين والجلد، يعني إذا رأى الإمام مصلحة للنفي م: (فيغربه على قدر ما
يرى، وذلك تعزير وسياسة) ش: لا على أنه حد م: (لأنه قد يفيد في بعض
الأحوال، فيكون الرأي فيه للإمام) ش: وهذا لا يختص بالزنا، بل يجوز بذلك في
كل جناية، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نفى " هبة "
المخنث من المدينة، ونفى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " نضر بن الحجاج "
من المدينة حين سمع قائلة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نضر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق تقبيل ... تضيء صورته في الحالك الداج
وذلك لا يوجب النفي، ولكن فعل ذلك لمصلحة، فقال: ما ذنبي يا أمير المؤمنين،
فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب حيث لا أظهر دار الهجرة عنك.
قلت: قائلة هذا الشعر هي الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف، كانت تحت
المغيرة، ونضر بن الحجاج كان من بني سليم، وكان جميلا راعيا، ولما سمع عمر
ذلك سير نضرا إلى البصرة، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمع قائلا
أيضا بالمدينة يقول:
أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا
يعني معقل بن سنان الأشجعي، وكان جميلا، قدم المدينة فقال عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - الحق بباديتك، فقال رجل شعره. جعدة بالجيم إذا رجله
بالجيم إذا جعلا.
م: (وعليه) ش: أي على ما ذكر من التعزير والسياسة م: (يحمل النفي المروي عن
بعض الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وروى الترمذي حدثنا أبو كريب ويحيى بن أكثم قالا أنبأنا. وروى القدوري حديث
أبي كريب ويحيى بن أكثم قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبد الله عن نافع
عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب وغرب، دار أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب
وغرب، دار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب وغرب» وقال: حديث غريب.
(6/291)
وإذا زنى المريض وحده الرجم رجم، لأن
الإتلاف مستحق، فلا يمتنع بسبب المرض، وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ،
كيلا يفضي إلى الهلاك، ولهذا لا يقام القطع عند شدة الحر والبرد
وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها، كيلا يؤدي إلى هلاك الولد وهو نفس
محترمة، وإن كان حدها الجلد لم تجلد حتى تتعالى من نفاسها - أي يرتفع -
يريد به الخروج منه. لأن النفاس نوع مرض. فيؤخر إلى زمان البرء. بخلاف
الرجم. لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا جرير عن مغيرة عن ابن يسار مولى
لعثمان، قال: جلد عثمان امرأة في زنا، ثم أرسل بها مولى له، يقال له
المهدي، إلى خيبر نفاها إليها.
[زنى المريض وحده الرجم]
م: (وإذا زنى المريض وحده الرجم رجم) ش:، أي والحال أن حده الذي استحق
بالرجم في الحال م: (لأن الإتلاف مستحق، فلا يمتنع بسبب المرض) ش: وهذا
اتفاق الأئمة الأربعة. وعند بعض أصحابنا الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
وجه إن ثبت زناه بالإقرار يؤخر إلى أن يبرأ، لأنه يسأل الرجوع، وربما رجع،
ولكن المشهور عنهم أن الرجم لا يؤخر.
م: (وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ، كيلا يفضي إلى الهلاك) ش: وهذا في
مرض يرجى زواله. وعن ابن القطان من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه
لا يؤخر، ويضرب في المرض بحيث ما يحتمله، وبه قال أحمد.
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخر كقول العامة، وإن كان مرض لا يرجى
زواله كالسل ومخدوج الخلقة، أي ضعيف الخلقة لا يحتمل السياط، فعندنا
والشافعي وأحمد يضرب بعشكال فيه مائة شمراخ، فيضرب دفعة واحدة أو يضرب مائة
سوط مجتمعة ضربة واحدة، وذكره في " المحيط "، وفيه م: (ولهذا لا يقام القطع
عند شدة الحر الشديد والبرد) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بل
يؤخر إلى زمان اعتدال الهواء.
وقال مالك: يضرب المريض مائة سوط متفرقا، بحيث ما يحتمله وإن لم يكن أخر،
(ولهذا) أي ولأجل الإفضاء إلى الهلاك لا يقطع أي يد السارق عند شدة الحر
والبرد، لخوف التلف.
[زنت الحامل وحدها الرجم أو الجلد]
م: (وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها) ش: وإن كان حدها جلدا أو رجما
م: (كيلا يؤدي إلى هلاك الولد، وهو نفس محترمة) ش: والحد شرع زاجرا لا
متلفا م: (وإن كان حدها الجلد لم تجلد حتى تتعالى من نفاسها) ش: أي فلا تحد
حتى تخرج من نفاسها.
وقوله م: (تتعالى) ش: لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكذلك فسره بقوله
م: (أي يرتفع. يريد به الخروج منه) ش: أي يريد العذر، أي بقوله الخروج به،
أي من النفاس، م: (لأن النفاس نوع مرض، فيؤخر إلى زمان البرء، بخلاف الرجم،
لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل) ش: وهذا
(6/292)
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه
يؤخر إلى أن يستغني ولدها عنها، إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته؛ لأن في
التأخير صيانة الولد عن الضياع. وقد روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال
للغامدية بعدما وضعت: ارجعي حتى يستغني ولدك» . ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد
إن كان الحد ثابتا بالبينة كيلا تهرب. بخلاف الإقرار. لأن الرجوع عنه عامد.
فلا يفيد الحبس، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ظاهر الرواية.
م: (وعن أبي حنيفة أنه يؤخر) ش: أي الرجم: (إلى أن يستغني ولدها عنها إذا
لم يكن أحد يقوم بتربيته) ش: أي بتربية الولد، وبه قال الثلاثة، ولو ادعت
أنها حبلى لا يقبل قولها، لكن القاضي يريها النساء، فإن قلن: حبلى خلا
حبسها إلى حولين.
فإن لم تلد رجمها للتيقن يلزمهن، ولو وجدت امرأة لا زوج لها حبلى، فلا يجب
عليها الحد م: (لأن في التأخير) ش: أي في تأخير الرجم م: (صيانة الولد عن
الضياع، وقد روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قال للغامدية بعدما وضعت:
«ارجعي حتى يستغني ولدك» ش: وكذلك أورد بهذا اللفظ الغريب، في مسلم عن بشير
بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، قال: «جاءت الغامدية
فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني وأنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا
رسول الله لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، فقال لها:
فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا
رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر
بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها ".»
م: (ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد إن كان الحد ثابتا بالبينة كيلا تهرب، بخلاف
الإقرار، لأن الرجوع عنه عامل. فلا يفيد الحبس والله أعلم) ش: وقال الحاكم
الشهيد في " الكافي ": فإن ادعت أنها حبلى أداها القاضي النساء، فإن قلن هي
حبلى حبسها إلى سنتين ثم يرجمها، وإذا شهدوا عليها بالزنا فادعت أنها عذراء
أو رتقاء فنظر إليها النساء قلن هي كذلك درئ عنها الحد، ولا حد على مشهود
أيضا، وكذلك المجنون، ولا حد على قاذفه ويقبل في الرتقاء والعذراء والأشياء
التي يعمل فيها بقول النساء قول امرأة واحدة، وفي " فتاوى الولوالجي ":
والمعنى أحوط.
(6/293)
|