البناية
شرح الهداية باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه
قال: الوطء الموجب للحد هو الزنا، وإنه في عرف الشرع واللسان: وطء الرجل
المرأة في القبل في غير الملك، وشبهة الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه]
[الوطء الذي يوجب الحد]
م: (باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان حكم
الوطء الذي يوجب الحد، وبيان حكم الوطء الذي لا يوجب الحد.
م: (قال) ش: أي المصنف قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعلم أولا أن
وضع كتاب " الهداية " على بيان مسائل " الجامع الصغير " والقدوري، ففي كل
موضع يذكر لفظ، قال: يريد به محمدا أو القدوري، وهنا ذكر لفظ قال ولم يرد
به أحدا منهما، فكان على وضعه، وكان ينبغي أن يقول: قال العبد الضعيف
بإسناد الفعل إلى نفسه، أو يقول اعلم أن م: (الوطء الموجب للحد هو الزنا)
ش: حتى يرتفع الالتباس انتهى.
قلت: هذا كلام عجيب منه صادر من غير تأمل، لأن المصنف لم يذكر لفظ قال قط
بقول محمد، وقال القدوري: بل يقول: قال [ ... ] لأنه يعلم فاعل. قال محمد:
أو القدوري: من المسألة المتوجة به بأن كانت المسألة من مسائل القدوري يعلم
أن فاعل م: (قال) ش: هو القدوري فإن كانت من مسائل " الجامع الصغير " يعلم
أن فاعله هو محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن لم يكن منها يعلم أن فاعله هو
المصنف، فلا يحصل له الالتباس، لأن التمييز يحصل في مسائل، والذي ليس له
أهلية في ذلك لا يعرف السهو من [الصوب] ، ولا ينبغي له أن يتعلق بالهداية،
لأنه لا يهتدي بالهداية.
(الوطء الموجب للحد هو الزنا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}
[النور: 2] (النور: الآية 4) .
م: (وإنه) ش: أي وإن الزنا م: (في عرف الشرع) ش: أي في اصطلاح الشرع م:
(واللسان) ش: أي وفي عرف اللسان وهو اللغة م: (وطء الرجل المرأة في القبل)
ش: قيد بهذا، لأن العرب لا يسمون ما يجري بين الذكرين من الوطء وطئا بل
يسمونه لواطا، لأن كل فعل له اسم خاص، فمن أتى بالقبل يقال: إنه زنى ومن
أتى بالدبر قيل إنه لاط م: (في غير الملك وشبهة الملك) ش: حتى يكون حراما
على الإطلاق، وينبغي أن يكون كل واحد منهما مشتهى، لأن وطء الميتة والبهيمة
لا يسمى زنا لعدم كونها مشتهاة.
وكذلك وطء الصبي والمجنون، وينبغي أن يكون عازبا عن الحل، لأن وطء الأمة
المشتركة وإن كان حراما لوقوع التصرف في ملك الغير، بدون الإذن، ولكن لا
يكون زنا، لأنه يعرى عن
(6/294)
لأنه فعل محظور، والحرمة على الإطلاق عند
التعري عن الملك، وشبهته، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادرءوا
الحدود بالشبهات» .
ثم الشبهة نوعان: شبهة في الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، وشبهة في المحل، وتسمى
شبهة حكمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شبهة الحل لكون بعض التصرف في ملك الواطئ.
فإن قلت: شأن الحد أن ينظر وينعكس، وهذا غير منعكس، لأن الزنا يصدق في فعل
المرأة هذا الفعل والتعريف ليس بصادق عليه.
قلت: هذا التعريف إنما هو بالنسبة إلى الأصل، والمرأة تدخل فيه بتغاير
التمكين طوعا.
م: (لأنه فعل محظور) ش: أي لأن الزنا فعل حرام.
فإن قلت: هذا تعليل واقع في غير محله، لأنه في التصورات.
قلت: التعليل لا لإثبات التعريف، وإنما هو لبيان اعتبارهم انتفاء لشبهة
الشهوة في تحقق الزنا. وتقرير كلام المصنف إنما اعتبروا أن يكون في غير
شبهة الملك، لأنه فعل محظور موجب الحد، ويعتبر فيه الكمال، لأن الناقص ثابت
من وجه دون وجه، فلا يوجب عقوبة.
م: (والحرمة على الإطلاق عند التعري عن الملك وشبهته، يؤيد ذلك قوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ادرءوا الحدود بالشبهات» ش:، هذا الحديث بهذا
اللفظ غريب، وذكر أنه في " الخلافيات " للبيهقي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -. وفي " مسند أبي حنيفة " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم عن منصور عن الحارث عن إبراهيم
قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي
من أن أقيمها بالشبهات. حدثنا عبد السلام عن إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن
شعيب عن أبيه أن معاذا وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر، قالوا: إذا اشتبه
عليك الحد، فادرأه. وأخرج عن الزهري قال: ادفعوا الحدود بكل شبهة، والعجب
من الكاكي حيث قال: هذا الحديث - يعني الذي ذكره المصنف متفق عليه تلقته
الأمة بالقبول.
م: (ثم الشبهة نوعان: شبهة في الفعل، وتسمى شبهة اشتباه) ش: وهي أن يشتبه
عليه الحال بأن يظن أنها تحل له م: (وشبهة في المحل) ش: وهي أن تكون الشبهة
التي في المحل شبهة ملك الرقبة أو ملك البضع م: (وتسمى) ش: أي هذه الشبهة
م: (شبهة حكمية) ش: باعتبار أن المحل أعطى له حكم الملك في إسقاط الحد، وإن
لم يكن الملك ثابتا حقيقة وذكر التمرتاشي والمرغيناني والشبهة
(6/295)
فالأولى: تتحقق في حق من اشتبه عليه، لأن
معناه أن يظن غير الدليل دليلا، ولا بد من الظن ليتحقق الاشتباه، والثانية:
تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته، ولا تتوقف على ظن الجاني
واعتقاده، والحد يسقط بالنوعين لإطلاق الحديث،
والنسب يثبت في الثانية إذا ادعى الولد ولا يثبت في الأولى وإن ادعاه، لأن
الفعل تمحض زنا في الأولى، وإنما يسقط الحد لأمر راجع إليه، وهو اشتباه
الأمر عليه، ولم يتمحض في الثانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحكمية تسمى أيضا شبهة الملك.
وهي عبارة عن قيام العلة بلا عمل لمانع اتصل بها، وهي مانعة الحد على
التقادير كلها.
وفي " المحيط ": الشبهة ثلاثة، شبهة في الفعل، وشبهة في المحل، وشبهة في
العقد.
م: (فالأولى) ش: أي الشبهة الأولى م: (تتحقق في حق من اشتبه عليه، لأن
معناه أن يظن به غير الدليل دليلا) ش: كما يظن أن جارية امرأته تحل له،
بناء على أن الوطء نوع استخدام، والاستخدام محل، فكذا الوطء م: (ولا بد من
الظن لتحقق الاشتباه) ش: فيكون تحققا بالنسبة إلى الظان.
م: (الثانية) ش: أي الشبهة الثانية م: (تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة
في ذاته) ش: مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت ومالك
لأبيك» م: (ولا تتوقف على ظن الجاني واعتقاده، والحد يسقط بالنوعين لإطلاق
الحديث) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا
الحدود بالشبهات» م:
[ثبوت النسب بالوطء]
(والنسب يثبت في الثاني) ش: أي في المذكور الثاني، وهو شبهة المحل م: (إذا
ادعى الولد) ش: لأن الفعل لما لم يكن زنا بشبهة في المحل ثبت نسب الولد
بالمدعوة، لأن النسب مما يحتاط في إثباته.
م: (ولا يثبت في الأولى وإن ادعاه) ش: أي لا يثبت النسب في شبهة الفعل وإن
ادعى الولد، لأنه لاحق له في المحل، فوقع الفعل زنا، إلا أنه سقط الحد
بدعوى الاشتباه، وإن لم يدع الظن وجب الحد.
وفي " فتاوى الولوالجي ": ولو ادعى أحدهما الظن ولم يدع الآخر فلا حد
عليهما، لأن الشبهة في أحد الجانبين يتعدى إلى الآخر، وقال الكاكي: قيل هذا
ليس يحوى على العموم، قال: في المطلقة الثلاث يثبت النسب لأن هذا الوطء في
شبهة العقد، فيكفي ذلك لإثبات النسب، ذكره التمرتاشي. وفي " المعراج ":
المطلقة بعوض والمختلعة ينبغي أن يكون كالمطلقة ثلاثا.
م: (لأن الفعل تمحض) ش: أي خلص، من المحض، وهو اللبن الخالص الذي لا يخالطه
شيء. ش: م: (زنا في الأولى، وإن سقط الحد لأمر راجع إليه) ش: أي إلى الواطئ
م: (وهو اشتباه الأمر عليه، ولم يتمحض في الثانية) ش: وهي الشبهة في المحل
لوجود الدليل الشرعي على حل الوطء
(6/296)
فشبهة الفعل في ثمانية مواضع، جارية أبيه
وأمه وزوجته، والمطلقة ثلاثا وهي في العدة، وبائنا بالطلاق على مال وهي في
العدة، وأم الولد أعتقها مولاها، وهي في العدة وجارية المولى في حق العبد،
والجارية المرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن لم يثبت الحل فكذلك حكمه في الظن وعدمه في سقوط الحد، لما أن الملك إذا
يثبت بوجه لم يبق معه اسم الزنا من كل وجه.
وما قيل في " المحيط " وفي " الكافي " وشبهة في الفعل راجع إلى شبهة
الدليل، وهي شبهة في المحل، ولهذا قيل سمي شبهة الملك.
م: (فشبهة الفعل في ثمانية مواضع، جارية أبيه) ش: أي وكذا جارية جدته، وإن
علا م: (وأمه) ش: أي وجارية أمه، وكذا جارية جدته [....] م: (وزوجته
والمطلقة ثلاثا) ش: أي وجارية مطلقة ثلاثا م: (وهي في العدة) ش: أي والحال
أنها في العدة.
فإن قيل: ما وجه الاشتباه في المطلقة ثلاثا، حتى لا يحد إذا قال ظننت أنها
تحل لي.
أجيب: بأن وجهه بقاء بعض الأحكام بعض المطلقات الثلاث من النفقة والسكنى
وحرمة نكاح الأخت وثبوت النسب، حتى لو جاءت بالولد يثبت النسب إلى سنتين.
فإن قيل: بين الناس اختلاف فيمن طلق امرأته ثلاثا، هل يقع أو لا؟ فينبغي أن
يصير ذلك شبهة في إسقاط الحد.
أجيب: أنه خلاف غير معتد، حتى لو قضى به القاضي لم ينفذ قضاؤه.
قلت: من مذهب الزيدية من الروافض أن إرسال الثلاث جملة لا يوجب الحرمة
الغليظة، والفرق بين الخلاف والاختلاف، أن الاختلاف مستعمل في قول بني على
دليل، والخلاف فيما لا دليل عليه.
م: (وبائنا) ش: أي والمطلقة طلاقا بائنا م: (بالطلاق على مال، وهي في
العدة) ش: أي والحال أنها في العدة وإنما قيل بالطلاق البائن بالمال لأنه
إذا لم يكن على مال فوطئها في العدة فلا حد عليه. وإن قال: علمت أنها علي
حرام ما يجيء م: (وأم الولد أعتقها مولاها وهي في العدة) ش: لأن أثر
الفراش، وهي العدة باق لمولاها، فكان الوطء في موضع الاشتباه، كما في
المطلقة ثلاثا.
م: (وجارية المولى في حق العبد) ش: وشبهة العبد في جارية مولاه انبساط
العبد في مال مولاه م: (والجارية المرهونة) ش: فجاز أن يظن حل الانبساط
فيها بالوطء، والجارية الموطوءة م: (في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود)
ش: والبيوع، يعني إذا قال المرتهن ظننت أنها تحل لي لا يحد، وهو الأصح، لأن
عقد الرهن يثبت ملك اليد حقا للمرتهن، وبه يثبت شبهة الاشتباه كما
(6/297)
ففي هذه المواضع لا حد إذا قال ظننت أنها
تحل لي، ولو قال: علمت أنها علي حرام وجب الحد والشبهة في المحل في ستة
مواضع، جارية ابنه، والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات، والجارية المبيعة في
حق البائع قبل التسليم، والممهورة في حق الزوج قبل القبض، والمشتركة بينه
وبين غيره، والمرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن، ففي هذه المواضع
لا يجب الحد. وإن قال: علمت أنها علي حرام.
ثم الشبهة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تثبت بالعقد. وإن كان متفقا
على تحريمه وهو عالم به، وعند الباقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في العدة في خلع، وبه قال الشافعي في قول، وفي قول لا يسقط الحد، وبه قال
أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعبرة للرهن في هذا بمنزلة المرتهن م:
(ففي هذه المواضع) ش: وهي ثمانية مواضع المذكورة م: (لا حد إذا قال: ظننت
أنها تحل لي) ش: لوجود الشبهة في الفعل.
م: (ولو قال: علمت أنها علي حرام يجب أن يحد) ش: لانتفاء الشبهة م:
(والشبهة في المحل في ستة مواضع، جارية ابنه) ش: لقيام مقتضى الملك، وهو
قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» ، وفي "
فتاوى الولوالجي ": وكذا لو وطئها الجد وإن علا من قبل الأب، لأن اسم الأب
يطلق عليه م: (والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات) ش: لاختلاف الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في كونها رجعية أو بائنا م: (والجارية المبيعة
في حق البائع قبل التسليم) ش: لأن التي كان بها متسلطا على الوطء باقية
بعد، فصارت شبهة في المحل.
م: (والممهورة في حق الزوج قبل القبض) ش: لقيام تلك اليد م: (والمشتركة) ش:
أي الجارية المشتركة م: (بينه وبين غيره) ش: لقيام الملك في النصف م:
(والمرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن) ش: يعني إذا قال المرتهن
ظننت أنها تحل لي، لا يحد في رواية كتاب الرهن، سواء ادعى ظن المحل أو لا،
كما في الجارية المشتركة.
وهكذا ذكر أيضا في " شرح الجامع " و " الذخيرة "، وذكر في " الإيضاح ": في
المرهونة إذا قال ظننت أنها تحل لي فقد ذكر في كتاب الرهن لا يحد. وذكر في
الحدود أنه يحد ولا يعتبر ظنه م: (ففي هذه المواضع) ش: وهي ستة مواضع م:
(لا يجب الحد) .
م: (وإن قال علمت أنها علي حرام) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، والحاصل أن
شبهة المحل هو أن يكون الحل قائما في الحقيقة، إلا أن الحل يحلف عنه، وشبهة
الفعل هي أن لا يكون دليل الحل قائما، ولكنه يظنه [ ... ] الحلال في شيء لا
دلالة على الحل.
م: (ثم الشبهة عند أبي حنيفة تثبت بالعقد) ش: هذه شبهة أخرى غير الشبهتين
المذكورتين وهي شبهة العقد، فإنها تثبت بالعقد مطلقا، وهي معنى قوله م:
(وإن كان متفقا على تحريمه) ش: يعني سواء كان العقد حلالا أو حراما متفقا
عليه أو مختلفا فيه، سواء كان الواطئ عالما بالحرمة أو جاهلا بها، وهو معنى
قوله م: (وهو عالم به) ش: أي والحال أنه عالم بالتحريم م: (وعند الباقين)
(6/298)
لا تثبت إذا علم بتحريمه، ويظهر ذلك في
نكاح المحارم على ما يأتيك إن شاء الله تعالى. إذا عرفنا هذا، ومن طلق
امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة وقال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الملك
المحلل من كل وجه، فتكون الشبهة معه منتفية وقد نطق الكتاب بانتفاء الحل،
وعلى ذلك الإجماع، ولا يعتبر قول المخالف فيه، لأنه خلاف لا اختلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي وعند العلماء الباقين م: (لا تثبت) ش: أي لا تثبت الشبهة بالعقد م:
(إذا علم بتحريمه) ش: أي بتحريم العقد م: (ويظهر ذلك في نكاح المحارم على
ما يأتيك إن شاء الله تعالى) ش: وذلك عند قوله: ومن تزوج امرأة لا تحل له
نكاحها فوطئها لا يحد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (إذا عرفنا هذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من بيان نوعي الشبهة نذكر ما
يتعلق بهما من المسائل، فنقول: م: (ومن طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في
العدة، وقال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الملك المحلل من كل وجه، فتكون
الشبهة معه منتفية) ش: لأن الملك أصلا وشبهة الانتفاء أيضا منتفية، لأن
الواطئ يقول علمت بأنها علي حرام.
وأما إذا قال: ظننت أنها تحل لي لا حد عليه، ولا على قاذفهنص عليه الحاكم
في " الكافي ". وإنما قال: لزوال الحل من كل وجه يدل عليه القرآن، وهو معنى
قوله: م: (وقد نطق الكتاب بانتفاء المحل) ش: وهو قوله {فَإِنْ طَلَّقَهَا
فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
[البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، م: (وعلى ذلك الإجماع) ش: أي وعلى
انتفاء الحل انعقد الإجماع، فلا يعتبر قول المخالف فيه، هذا جواب سؤال، وهو
أن يقال اختلف الناس في وقوع الثلاث جملة، فعند الزيدية من الروافض يقع
واحدة، وعند الإمامية منهم لا يقع شيء، ويدعون أنه قول علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، فينبغي أن يصير ذلك شبهة في المحل، فقال في جوابه.
م: (ولا يعتبر قول المخالف فيه، لأنه غير معتبر، لأنه خلاف لا الاختلاف) ش:
وقد ذكرنا الكلام فيه عن قريب. وقال الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في شرح الفرق بين الخلاف والاختلاف، أن الاختلاف أن يكون الطريق
مختلفا، والمقصود واحد. والخلاف أن يكون كلامهما مختلفا.
وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": لا اختلاف من آثار
الرحمة. والاختلاف من آثار البدعة، وأراد به الفرق المذكور. قال الأترازي:
وكذا إرادة صاحب " الهداية " ولي فيه نظر، لأنه لم يثبت في قوانين اللغة ما
قالوا.
ويقال اختلف القوم اختلافا وخالفوا بخلافه وخلافا إذا لم يوافق بعضهم بعضا،
انتهى.
قلت: فيه نظر من جهة عدم دلالة اللغة عليها على ما قالوا، ولكنه لم يوصف
الكلام حقه.
فأقول: الخلاف من باب المفاعلة وأصله للمشاركة بين آيتين أو أكثر،
والاختلاف من باب الافتعال، وأصله للاتحاد، والكسر يجيء بمعنى التفاعل نحو
اختصموا.
(6/299)
ولو قال: ظننت أنها تحل لي لا يحد، لأن
الظن في موضعه، لأن أثر الملك قائم في حق النسب والحبس والنفقة، فاعتبر ظنه
في إسقاط الحد، وأم الولد إذا أعتقها مولاها، والمختلعة والمطلقة على مال
بمنزلة المطلقة الثلاث، لثبوت الحرمة بالإجماع، وقيام بعض الآثار في العدة.
ولو قال لها: أنت خلية أو برية، أو أمرك بيدك فاختارت نفسها ثم وطئها في
العدة، وقال: علمت أنها علي حرام لم يحد؛ لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - فيه، فمن مذهب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها تطليقة
رجعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو قال: ظننت أنها تحل لي، لا يحد، لأن الظن في موضعه لأن أثر الملك
قائم في حق النسب) ش: أي ثابت في حق ثبوت [....] النسب ولدت باعتبار العلوق
السابق على الطلاق لا النسب في هذا الوطء، فإنه لا يثبت م: (والحبس) ش: أي
المنع من الخروج م: (والنفقة) ش: أي وجوب النفقة. وهذا كله دليل لكون الظن
في موضعه م: (واعتبر ظنه في إسقاط الحد وأم الولد) ش: بالرفع على الابتداء
م: (إذا أعتقها مولاها) ش: يعني يجزئ عتقها م: (والمختلعة) ش: بالرفع أيضا
عطف على أم الولد.
م: (والمطلقة على مال) ش: عطف أيضا على ما قبله، وقوله: م: (بمنزلة المطلقة
الثلاث) ش: خبر المبتدأ، وما عطف عليه توضيح معناه أنه إذا وطئ كل واحدة
منهن في العدة، وقال علمت أنها علي حرام حد م: (لثبوت الحرمة بالإجماع) ش:
لزوال الحل من كل وجه م: (وقيام بعض الآثار في العدة) ش: أي بعض آثار الملك
مثل وجوب النفقة ومنعها من الخروج، وإن قال ظننت أنها تحل لي في هذه الصورة
لا يحد للشبهة، لأن قيام أثر الملك من العدة ونحوها أورث شبهة.
م: (ولو قال لها: أنت خلية أو برية أو أمرك بيدك، فاختارت نفسها ثم وطئها
في العدة وقال: علمت أنها علي حرام لم يحد لاختلاف الصحابة فيه) ش: أي في
حكم هذا الفصل، والصحابة الذين روي عنهم في هذا الباب على الاختلاف: عمر بن
الخطاب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وعبد الله بن
عمر، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -.
أما المروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأشار إليه بقوله: م: (فمن
مذهب عمر أنها مطلقة رجعية) ش: وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " الثوري عن
حماد بن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب، وابن مسعود: إن اختار نفسها فهي
واحد، إن اختارت زوجها فلا شيء ورواه أيضا عن الشعبي قال: قال عمر، وابن
مسعود: إن اختارت زوجها فلا بأس، وإن اختارت نفسها فهي واحدة، وله عليها
الرجعة. وأما المروي عن زيد بن ثابت فأخرجه عبد الرزاق أيضا أخبرنا سفيان
بن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن زيد بن ثابت أنه قال في رجل
جعل [أمر] امرأته بيدها فطلقت نفسها
(6/300)
وكذا الجواب في سائر الكنايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثلاثا، قال: هي واحدة.
وأما المروي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه عبد الرزاق أيضا،
أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - يقول في الرجل يخير امرأته، فاختارت نفسها، قال: هي
واحدة. وروى فرواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
أنه قال في الخلية والبرية: إن كل واحد منهما ثلاث تطليقات، ورواه مالك في
" الموطأ ".
وأما المروي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الدارقطني
في " سننه " عن عطاء بن السائب عن الحسن عن علي قال في الخلية والبرية
والبتة والبائن والحرام: ثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأما المروي
عن ابن عباس فرواه عبد الرزاق أخبرنا ابن التيمي عن أبيه عن الحسن بن مسلم،
عمن سمع ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول في الرجل يقول
لامرأته: أنت برية: إنها واحدة.
وأما المروي عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن أبي
شيبة عنه وعن ابن عباس وابن عمر إذا ملك الرجل امرأته أمرها بيدها فالقضاء
ما قضت، إلا أن ينكر الرجل، فيقول لم أرد إلا واحدة، ويحلف على ذلك فيكون
أملك بها ما كانت في عدتها، وأخرجه عبد الرزاق أيضا نحوه.
م: (وكذا الجواب في سائر الكنايات) ش: قال الحاكم الشهيد وفي " الكافي ":
إن أبانها بشيء من الكنايات ثم جامعها وهو يقول علمت أنها علي حرام فلا حد
عليه.
وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": فإن طلقها طلقة بائنة ثم
وطئها في العدة لا حد عليه، سواء ادعى الشبهة أو لم يدع فيها الشبهة
شبهتان، شبهة حكم، وشبهة اشتباه، فهاهنا شبهة حكم، لأن الصحابة اختلفوا
فيه، قال بعضهم: الكنايات كلها بوائن.
وقال بعضهم: رجعية وجعلها بعضهم ثلاثا، فأورث اختلاف الصحابة شبهة في
المحل، لأن في الواحدة للرجعية يبقى الحل، فينبغي على هذا أن يثبت النسب
بالدعوى على ما أشار إليه الصدر الشهيد بقوله: ولا يثبت إذا لم يدع، وذلك
لأن الفعل لم يقع وفاء لبقاء الحل باعتبار الشبهة في المحل.
ولكن قال فخر الإسلام البزدوي في " شرحه للجامع الصغير ": ولا يثبت نسب
الولد في ذلك كله، لأنه زنا، وإنما يسقط الحد بالشبهة لأنه عقوبة، ولا يثبت
النسب بالزنا بحال.
وقال الأترازي: كأنه جعل هذه الشبهة شبهة الاشتباه وليس ذلك بصحيح عندي،
لأن الرواية منصوصة في " الجامع الصغير ". وفي " الكافي " للحاكم: أنه لا
يجب عليه الحد. وإن
(6/301)
وكذا إذا نوى ثلاثا لقيام الاختلاف مع ذلك.
ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده. وإن قال علمت أنها علي حرام، لأن
الشبهة حكمية لأنها نشأت عن دليل وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت
ومالك لأبيك»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: علمت أنها علي حرام.
فلو كان الأمر كما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجب الحد، لزوال
الاشتباه بقوله علمت أنها علي حرام، فلما لم يجب علم أنه من قبيل شبهة
المحل. وفي شبهة المحل لا يقع الفعل زنا، فيثبت بالدعوى.
م: (وكذا إذا نوى ثلاثا) ش: أي وكذا الحكم إذا نوى ثلاثا من ألفاظ الكنايات
ثم وطئها في العدة، يعني لا يحد، وإن قال علمت أنها علي حرام م: (لقيام
الاختلاف) ش: أي اختلاف الصحابة م: (مع ذلك) ش: أي مع نية الثلاث، لأن
اختلاف الثلاثة لا يرتفع بنية الثلاث، فكانت الشبهة قائمة، فلا يجب الحد.
[وطئ جارية ولده وولد ولده]
م: (ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده وإن قال علمت أنها علي حرام،
لأن الشبهة حكمية، لأنها نشأت عن دليل) ش: وسواء ادعى الأب الشبهة أو لم
يدع. وأما الجد إذا وطئ جارية ولد ولده لا يجب الحد، ولا يثبت النسب أيضا
إذا كان الأب حيا، لأنه محجوب بالأب وسقوط الحد لغوا منه الولادة، وذكر
البزدوي إذا وطئ جارية حافدة والأب في الحياة لا يجب الحد.
م: (وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي الدليل هو قول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أنت ومالك لأبيك» ش: هذا
الحديث روي عن جماعة من الصحابة: فعن عمر بن الخطاب أخرج حديثه البزار في "
مسنده " عن سعيد بن المسيب عنه. وعن جابر أخرج حديثه الطبراني في " الصغير
" والبيهقي في " دلائل النبوة " مطولا عن محمد بن المنكدر عن أبيه عنه،
وفيه «أنت ومالك لأبيك» .
وعن سمرة بن جندب أخرج حديثه البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه "
عن الحسن عنه نحوه. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه
الطبراني في " معجمه " عن علقمة بن قيس عنه نحوه.
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو يعلى في " مسنده "
عن أبي إسحاق عنه
(6/302)
والأبوة قائمة في حق الجد، قال: ويثبت
النسب منه وعليه قيمة الجارية، وقد ذكرناه. وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو
زوجته، وقال: ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه، ولا على قاذفه، وإن قال: علمت
أنها علي حرام حد، وكذا العبد إذا وطئ جارية مولاه، لأن بين هؤلاء انبساطا
في الانتفاع، فظنه في الاستمتاع محتمل، فكان شبهة اشتباه، إلا أنه زنا
حقيقة، فلا يحد قاذفه، وكذا إذا قالت الجارية ظننت أنه يحل لي، والفحل لم
يدع في الظاهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نحوه، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها ابن حبان في "
صحيحه " عن عطاء عنها نحوه.
م: (والأبوة قائمة في حق الجد) ش: يشير بذلك إلى أن حكم الجد مثل حكم الأب
في عدم وجوب الحد، وإن كان الأب حيا، ولكن لا يثبت النسب وقد ذكرناه الآن
م: (ويثبت النسب منه) ش: أي من الأب م: (وعليه قيمة الجارية) ش: لأنه
يملكها عند ثبوت النسب، ولا عقد عليه، لأنه لما ملكها يجمع سقط العقد، لأنه
ضمان الجزاء م: (وقد ذكرناه) ش: أي في باب نكاح الرقيق.
م: (وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته وقال: ظننت أنها تحل لي فلا حد
عليه، ولا على قاذفه. وإن قال علمت أنها علي حرام حد، وكذا العبد إذا وطئ
جارية مولاه) ش: أي وكذا حكم العبد بالتفصيل المذكور م: (لأن بين هؤلاء
انبساطا في الانتفاع) ش: لأن الابن يتناول مال أبويه وينتفع به للأكل
والصرف، وكذا الزوج في مال الزوجة.
وكذا العبد في مال مولاه، فلما جرى الانبساط بينهم اشتبهه الوطء، فإذا ادعى
الاشتباه سقط الحد للشبهة، لكن لا يثبت النسب، لأن الفعل زنا في الواقع،
وإذا قال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الاشتباه، ولا يحد قاذف الابن
والزوج والعبد بعد الحرية. لأن الفعل وقع زنا إلا أن الحد سقط الشبهة.
وقاذف الزاني لا يحد. وقال في " الأجناس " قال في أمالي الحسن قال أبو
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زنى بجارية امرأته وقال: ظننت أنها لي
حلال عليه العقوبة ولا حد عليه. ولا يثبت نسب الولد إن جاءت به صدقته
المرأة أو لم تصدقه. ولو قال علمت أنها علي حرام لا عقر عليه، وعليه الحد،
ولا يثبت النسب.
م: (وظنه في الاستمتاع محتمل) ش: أي وظن الواطئ الانبساط في الانتفاع أكلا
واستعمالا في حل الاستمتاع بالجارية فيه م: (فكان) ش: أي ظنه هذا م: (شبهة
اشتباه، إلا أنه زنا حقيقة، ولا يحد قاذفه، وكذا إذا قالت الجارية ظننت أنه
يحل لي) ش: معطوف على قوله وقال ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه أي والحال م:
(والفحل لم يدع في الظاهر) ش: متصل بقوله، وكذا، أي لا حد على
(6/303)
لأن الفعل واحد، وإن وطئ جارية أخيه أو عمه
وقال: ظننت أنها تحل لي حد، لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما، وكذا
سائر المحارم سوى الولاد لما بينا.
ومن زفت إليه غير امرأته وقالت النساء: أنها زوجتك فوطئها لا حد عليه،
وعليه المهر، قضى بذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبالعدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد في ظاهر الرواية م: (لأن الفعل واحد) ش: أي لأن فعلهما واحد، فإذا
سقط عنهما سقط عنه الحد.
وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجارية إن ادعت الحل ولم يدع
الفحل حد، لأن المرأة تابعة في فعل الزنا، فالشبهة المتمكنة في جانب البائع
لا تعتبر في جانب الأصل، بخلاف ما إذا ادعى الرجل الظن، لأنه أصل في الفعل،
فيتورث شبهة في التابع. وقلنا: لما كان الفعل واحدا ووردت الشبهة في أحد
الجانبين يكتفي لإسقاط الحد على الآخر.
فإن قيل: يشكل بما إذا زنى البالغ بصبية، حيث يجب الحد على البالغ دون
الصبية، مع أن الفعل واحد.
قلنا: سقوط الحد عن الصبية باعتبار عدم الأهلية لعقوبته، لا باعتبار الشبهة
في الفعل، وفيما نحن فيه باعتبار الفعل، فيؤثر في الجانب الآخر لا محالة.
م: (وإن وطئ جارية أخيه أو عمه وقال ظننت أنها تحل لي حد، لأنه لا انبساط
في المال فيما بينهما) ش: فلا يعتبر دعوى الظن.
م: (وكذا سائر المحارم) ش: أي وكذا الحكم، وهو وجوب الحد م: (سوى الولاد)
ش: أي سوى قرابة فيما به الولاد، كالخال، والخالة وغيرها هذا المعنى م:
(لما بينا) ش: أي قوله لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما، بخلاف ما لو
سرق من بيت هؤلاء حيث لا يقطع، لأن الحرز لم يتحقق في حق لدخوله في بيت
هؤلاء فلا استئذان، وحيث هو القطع دائر مع هتك الحرز.
[زفت إليه غير امرأته وقال النساء أنها زوجتك
فوطئها]
م: (ومن زفت إليه غير امرأته، وقال النساء أنها زوجتك فوطئها لا حد عليه،
وعليه المهر قضى بذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا غريب جدا.
قوله " زفت " على صيغة من المجهول أي بعث من باب نصر ينصر.
قوله م: (وقال: النساء) ش: بتذكير الفعل، لأن تأنيث الجمع ليس بحقيقي، قال
الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 12] (الممتحنة:
الآية 12) ، وفي بعض النسخ م: (وقلن النساء) ش:. قال الأترازي: لا يجوز إلا
على ضعيف.
قلت: حكى سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك فمن غير قيد نصف، كقولهم أكلوني
البراغيث م: (وبالعدة) ش: أي وقضى وجوب العدة.
(6/304)
ولأنه اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع
الاشتباه إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة، فصار
كالمغرور، ولا يحد قاذفه إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لأن الملك منعدم حقيقة.
ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد، لأنه لا اشتباه بعد طول
الصحبة، فلم يكن الظن مستندا إلى دليل. وهذا لأنه قد ينام على فراشها غيرها
من المحارم التي في بيتها، وكذا إذا كان أعمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المزفوف م: (اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع
الاشتباه، إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة) ش:
بفتح الواو وسكون الهاء يقال لقيته أول وهلة، أي أول كل شيء يعني لا يميز
في أول الوهلة إلا بالإخبار، وخبر الواحد مقبول في أمور الدين والمعاملات،
ولهذا إذا جاءت الجارية وقالت: بعثني إليك مولاي هدية يحل وطؤها اعتمادا
عليها، ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وأما وجوب المهر فلأن البضع لا يخلو عليها من أحد الوجهين إبانة لخطر
المحل.
أما الحد وأما المهر فلم يجب الحد للشبهة فيجب المهر. وقال الأترازي: وهو
مؤيد بقضاء علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
روى أصحابنا في كتبهم أنه قضى كذلك، ويثبت نسب الولد إن جاءت به وليست
كالتي فجر محرمها، وقال حسبتها امرأتي حيث لا يثبت نسب ولدها ويجب عليه
الحد، وبه صرح الحاكم في " الكافي ": م: (فصار كالمغرور) ش: أي صار الذي
زفت إليه غير امرأته فوطئها كالمغرور، وهو الذي زف إلى امرأة معتمدا على
ملك يمين أو نكاح ثم استحقت [ ... ] فلا يجب عليه الحد للاشتباه، فكذا الذي
زفت إليه غير امرأته لهذا المعنى.
م: (ولا يحد قاذفه) ش: أي لا يحد قاذف الذي زفت إليه غير امرأته فوطئها في
ظاهر الرواية م: (إلا في رواية عن أبي يوسف) ش: حيث قال إنه يحد م: (لأن
الملك منعدم حقيقة) ش: هذا دليل ظاهر الرواية، أراد به أن لا ملك له فيه،
إلا في الأخسية يسقط إحسانه لوقوع الفعل زنا فلا يحد قاذفه.
م: (ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد؛ لأنه لا اشتباه بعد طول
الصحبة فلم يكن الظن مستندا إلى دليل) ش: وقال زفر والشافعي ومالك وأحمد -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا حد عليه، أي ظن أنها امرأته قياسا على ليلة
الزفاف وعلى من شرب شرابا على ظن أنه ليس بخمر فإنه لا يحد م: (وهذا) ش:
إشارة إلى قوله: لأنه اشتباه م: (لأنه قد ينام على فراشها غيرها من المحارم
التي في بيتها) ش: فلا يكون مجرد النوم دليل على أن النائمة هي زوجته.
م: (وكذا إذا كان أعمى) ش: أي إذا وجد الأعمى في بيته أو فراش زوجته امرأة
فوطئها على
(6/305)
لأنه يمكنه التمييز بالسؤال وغيره، إلا إن
كان دعاها فأجابته أجنبية، وقالت: أنا زوجتك فواقعها لأن الإخبار دليل.
ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها لا يجب عليه الحد عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لكنه يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك، وقال أبو يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عليه الحد إذا كان عالما بذلك، لأنه عقد لم يصادف محله، فيلغو
كما إذا أضيف إلى الذكور، وهذا لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه، وحكمه
الحل وهي من المحرمات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ظن أنها امرأته يجب عليه الحد م: (لأنه يمكنه التمييز بالسؤال) ش: أي يمكنه
تمييز امرأته بالسؤال عنها م: (وغيره) ش: أي وغير السؤال من العلامات م:
(إلا إذا دعا فأجابته أجنبية وقالت أنا زوجتك فواقعها) ش: أي فجامعها لا
يجب الحد م: (لأن الإخبار دليل) ش: فاستند إليه.
[تزوج امرأة لا يحل له نكاحها]
م: (ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها) ش: مثل نكاح المحارم، والمطلقة
الثلاث، ومنكوحة الغير، ومعتدة الغير، ونكاح الحاملة، وأخت المرأة في
عدتها، والمجوسية، والأمة على الحرة ونكاح العبد والأمة بلا إذن المولى،
والنكاح بغير شهود م: (فوطئها لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: في جميع ذلك.
وإن قال علمت أنها علي حرام م: (ولكنه يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك) ش:
يعني يضرب طريق التقرير ضربا مؤلما عقوبة عليه لا بطريق الحد.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: عليه الحد إذا
كان عالما بذلك) ش: وإلا فلا، ولكن أبا يوسف ومحمد - رحمهما الله - قال:
فيما ليس بحرام على التأبيد لا يجب الحد بالنكاح بغير شهود م: (لأنه عقد لم
يصادف محله فيلغو، كما إذا أضيف إلى الذكور، وهذا لأن محل التصرف ما يكون
محلا لحكمه) ش:
وهذا المحل ليس محلا لحكمه م: (وحكمه الحل، وهي من المحرمات) ش: على
التأبيد، فلا يكون محلا للحل، فلا ينعقد أصلا كالبيع الوارد على الميتة
والدم، وفي " المغني " لابن قدامة الحنبلي: فأما الأنكحة المجمع على ما
يطلق بها النكاح الخامسة والعقدة والزوجة للغير، ومطلقة ثلاثا وذوات محارم
من نسب أو رضاع لا يمنع وجوب الحد، كما روي عن عمر أنه قال: حين رفع إليه
امرأة تزوجت في عدة قضاء له بغيره علمتما فقالا: لا، فقال عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لو علمت لرجمتكما.
وفي وطء محارمه بالعقد وبغيره روايتان، في رواية يجب الحد لعموم الآية.
والثانية يقبل بكل حال لما روي «عن البراء قال: " لقيت عمي وفي يده الراية،
فقلت إلى أين تريد، قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله» . قال
الترمذي: هذا
(6/306)
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العقد
صادف محله، لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده. والأنثى من بنات بني آدم قابلة
للتوالد وهو المقصود، فكان ينبغي أن ينعقد في حق جميع الأحكام، إلا أنه
تقاعد عن إفادة حقيقة الحل، فيورث الشبهة، لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا
نفس الثابت، إلا أنه ارتكب جريمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث حسن.
وروى ابن ماجه بإسناده أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه» انتهى كلامه، قال العلامة: هذا حديث شاذ
مخالف لظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة، فيؤول ذلك في حق من يستحله أو أمر
بذلك بسياسة وتعزير الحد.
م: (ولأبي حنيفة أن العقد صادف محله) ش: لأن الوطء حصل عقيب النكاح المصادف
إلى محل قابل لمقاصد النكاح، والنكاح بصيغة زوجت وتزوجت وما يجري ذلك
المجرى من الألفاظ فصادف محله م: (لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده) ش: أي
مقصود المتصرف، وهو المطلوب من النكاح، وهو قضاء الشهوة والولد والسكنى م:
(والأنثى من بني آدم قابلة للتوالد، وهو المقصود) ش: ولا شك أن المحل بهذه
الصفة م: (فكان ينبغي أن ينعقد في حق جميع الأحكام) ش: وأن يثبت العقد
حقيقة الحل، لكن لم يثبتها إلا قضاء المنصوص، بخلاف ذلك، وهو معنى قوله.
م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن هذا العقد م: (تقاعد عن إفادة حقيقة الحل، فيورث
الشبهة) ش: أي شبهة الحل م: (لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا نفس الثابت) ش:
فإن قلنا: من أين يرث شبهة المحل، وقد ثبت الحرية بالنص من كل وجه، فانتفى
الحل من كل وجه.
قلت: سلمنا أن الحل ينتفي من كل وجه، فنحن لا ندعي المحل من وجه حتى يرد
السؤال، بل ندعي شبهة الحل لصورة العقد، وهي حاصلة. وقد علل المصنف ذلك
بقوله لأن الشبهة إلى آخره.
فإن قلت: لو كانت الشبهة ثابتة لوجبت العدة، وثبت النسب.
قلت: منع بعض أصحابنا عدم وجوب العدة وعدم ثبوت النسب. وعلى تقدير التسليم
نقول مبنى وجوب العدة وثبوت النسب على وجود الحل من وجه أو من كل وجه، وهنا
لم يوجد الحل أصلا، ويعني بالحل أن يكون الفاعل على حالة الإيلام عليها.
وهاهنا إيلام الواطئ ويعذر عقوبة عليه.
م: (إلا أنه ارتكب جريمة) ش: استثناء من قوله فيورث الشبهة أي يورث العقد
الشبهة، فلا
(6/307)
وليس فيها حد مقدر فيعزر.
ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج يعزر، لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر، ومن أتى
امرأة في الموضع المكروه أو عمل عمل قوم لوط فلا حد عليه عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ويعزر. وزاد في " الجامع الصغير ": ويودع في السجن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب الحد إلا إن ارتكب جريمة، أي ذنبا م: (وليس فيها) ش: أي في هذه الجريمة
م: (حد مقدر) ش: فإذا لم يكن حد مقدر م: (فيعزر) ش: عقوبة عليه.
[الوطء فيما دون الفرج]
م: (ومن وطئ أجنبية) ش: أي امرأة أجنبية م: (فيما دون الفرج) ش: كالتبطين
والتفخيذ ونحوهما، وليس المراد منه الإتيان في الدبر، لأن بيانه يجيء عقيب
هذا م: (يعزر) ش: قالوا أشد التعزير م: (لأنه) ش: أي لأن الوطء فيما دون
الفرج م: (منكر) ش: لأنه شيء قبيح م: (ليس فيه شيء مقدر) ش: في الشرع وبه
قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية، وفي رواية: يقتل.
م: (ومن أتى امرأة في الموضع المكروه) ش: أي في الدبر م: (أو عمل عمل قوم
لوط) ش: أي أو أتى في دبر الذكر م: (فلا حد عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ويعزر) ش: هذا لفظ القدوري م: (وقال) ش: أي محمد - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: م: (في " الجامع الصغير ": ويودع في السجن) ش: وصورته في
" الجامع الصغير ": محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة: في الدبر يعمل عمل قوم لوط
قال لا يبلغ حد الزنا، لكنه يحبس ويعزر، وذكر علاء الدين في طريقة الخلاف
يعزر ويحبس إلى أن يتوب أو يموت. وفي " روضة السندوسي ": الخلاف في الغلام،
أما لو أتى امرأة في الموضع المكروه يحد بلا خلاف. ولو فعل هذا بعبده أو
أمته أو منكوحته لا يحد بلا خلاف، وكذا في " الفتاوى الظهيرية ".
وفي " الكافي ": في الأصح أن العبد يحد، وفي الأمة والمنكوحة عدم الحد الكل
على الخلاف، نص عليه في الزيادات. وقد انعقد الإجماع على تحريم إتيان
المرأة في الدبر، وإن كان فيه خلاف قديم فقد انقطع. وكل من روي عنه إباحته
فقد روي عنه إنكاره. فأما القائلون بتحريمه من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - فعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة وأبو الدرداء وابن
مسعود.
ولم يختلف عليه أحد من الصحابة إلا ابن عمر، ومن التابعين إلا نافع. فأما
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فروى النسائي في سننه والطبري من
طريق مالك قال: أشهد على ربيعة يحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن
ذلك فقال: لا بأس به، وقد صح عنه أنه أنكر ذلك فيما روى النسائي من رواية
الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري
فيمحض لهن، قال: وما التمحيض؟ قال إتيانهن في أدبارهن، فقال ابن عمر:
أويفعل هذا مسلم؟
وروى النسائي أيضا من رواية كعب بن علقمة عن ابن [....] أخبره أنه قال لنا
في مولى
(6/308)
وقالا: هو كالزنا فيحد، وهو أحد قولي
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في قول: يقتلان بكل حال؛ لقوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الفاعل والمفعول» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن عمر قد أكثروا عليك القول، إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى عمن يأتي
النساء في أدبارهن، فقال نافع: لقد كذبوا علي.
وقال ابن حزم في " المحلى ": وما روينا إباحة ذلك عن أحد إلا عن ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - باختلاف عنه. وعن نافع باختلاف عنه، وعن مالك
باختلاف عنه، وروى الثعلبي في تفسيره عن رواية عطاف بن موسى - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك، وأنكره
أصحابه.
م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (هو) ش:
أي اللواطة م: (كالزنا فيحد) ش: فإن كان محصنا يرجم، وإلا فيجلد م: (وهو
أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في قول: يقتلان بكل حال) ش:
يعني سواء كان محصنا أو غير محصن، وله فيه وجوه، يقتلان بالسيف وفي وجه
يرجمان بكرا كان أو ثيبا، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - تغليظا. وفي
وجه يهدم عليه جدار. وفي وجه يرمى من شاهق حتى يموت.
وفي " شرح الوجيز ": وأصح القولين يجلد إن كان من بكر ويعزر، وإن كان محصنا
يرجم م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «اقتلوا الفاعل والمفعول) » ش: هذا
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: « [من] وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل، والمفعول»
م: (ويروى «فارجموا الأعلى والأسفل» ش: روى هذا ابن ماجه من حديث أبي هريرة
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذي يعمل عمل
قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل» .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (أنه) ش: إن فعل اللواطة، وفي بعض
النسخ ولهما أنهما أي الإتيان في الموضع المكروه من المرأة وعمل قوم لوط م:
(في معنى الزنا، لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال) ش: وقال
الكاكي: قوله في معنى الزنا، أي في المعنى الذي تعلق به الحد من كل وجه،
حتى إن من لا يعرف الشرع لا يفصل بينهما.
قوله - لأنه - أي لأن إتيان الدبر قضاء الشهوة في محل مشتهى، إذ المحل إنما
يصير مشتهى باللين والحرارة، وذلك لا يخلو من القبل والدبر، بل الاشتهاء
والرغبة في الدبر أبلغ، لأنه لا يتوهم حدوث الولد، بخلاف القبل.
(6/309)
ويروى: فارجموا الأعلى والأسفل، ولهما أنه
في معنى الزنا، لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه
تمحض حراما لقصد سفح الماء. وله أنه ليس زنا لاختلاف الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - في موجبه من الإحراق بالنار، وهدم الجدار والتنكيس
من مكان مرتفع بإتباع الأحجار وغير ذلك، ولا هو في معنى الزنا، لأنه
ليس فيه إضاعة الولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأترازي: وقيد الكمال احترازا عن الشبهة، لأن فرجها ينفر عنه
الطباع السليمة، فلم تكن تشتهى على سبيل الكمال م: (على وجه) ش: يتعلق
بقوله لأنه قضى الشهوة ... إلى آخره م: (تمحض حراما) ش: عن قوله م:
(لقصد سفح الماء) ش: قال الأكمل: هو مناط الحد في الزنا فيلحق به
اللواطة بالدلالة، لا بالقياس، لأن القياس لا يدخل فيما يدور بالشبهات.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معنى سفح الماء هنا أبلغ، لأن
المحل لا يصلح للنسل والحرث، فيكون أشد تضييعا للماء، لأنه بذر، وبذر
الحب في محل لا ينبت يكون أشد تضييعا.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي
الإتيان في الدبر م: (ليس بزنا لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - في موجبه) ش: أي موجب الإتيان في الدبر م: (من الإحراق
بالنار) ش:.
روى الواقدي في كتاب " الردة " في آخر ردة بني سليم فقال: حدثني يحيى
بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزام قال: كتب خالد
بن الوليد إلى أبي بكر الصديق أخبرني أني أتيت برجل قامت عندي البينة
أنه يوطأ في دبره كما توطأ المرأة، فدعا أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستشارهم
فيه، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحرقه بالنار، فإن العرب
يأنف أنفا لا يأنفه أحد غيرهم. وقال غيره اجلدوه، فكتب أبو بكر إلى
خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار، فحرقه خالد.
م: (وهدم الجدار عليهما) ش: وقال الأترازي: اختلف الصحابة في حده فقال
بعضهم: يهدم عليهما الجدار.
قلت: ولم أجد من أخرج هذا عن أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
- م: (والتنكيس من مكان مرتفع بإتباع الأحجار) ش: يعني ينكسان من أعلى
المواضع، ثم يتبعان بالحجارة.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد عن
أبي نضرة قال: سئل ابن عباس ما حد اللواطي؟ قال: ننظر أعلى بناء في
القرية ويرمى منه منكسا، ثم يتبع بالحجارة م: (وغير ذلك) ش: أي وغير ما
ذكر من الأشياء المذكورة، وهو قول بعضهم يحبسان في أنتن المواضع حتى
يموتا.
م: (ولا هو) ش: أي الإتيان في الدبر م: (في معنى الزنا، لأنه ليس فيه
إضاعة الولد) ش: بيانه
(6/310)
واشتباه الأنساب، وكذا هو أندر وقوعا
لانعدام الداعي في أحد الجانبين والداعي إلى الزنا من الجانبين، وما
رواه محمول على السياسة أو على المستحيل، إلا أنه يعزر عنده لما بيناه،
ومن وطئ بهيمة فلا حد عليه؛ لأنه ليس في معنى الزنا في كونه جناية، وفي
وجود الداعي، لأن الطبع السليم ينفر عنه. والحامل عليه نهاية السفه أو
فرط الشبق، ولهذا لا يجب ستره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن الوطء في القبل سبب لحصول الولد ظاهرا غالبا، ثم إذا حصل الولد لا
يقوم بحضانته وتربيته لا الزاني ولا الزوج، لعدم الوثوق بكون الولد منه
والأم عاجزة عن الإنفاق عليه، فيضيع الولد وليس هذا في الإتيان في
الدبر.
م: (واشتباه الأنساب) ش: أي وليس فيه أيضا اشتباه الأنساب، لأن اشتباه
الأنساب مبني على الدعوى، وهذا المعنى مقصود في اللواطة.
م: (وكذا هو أندر وقوعا) ش: أي كذا فعل اللواطة، وقد روي [ ... ] م:
(لانعدام الداعي من أحد الجانبين) ش: وهو جانب المفعول م: (والداعي إلى
الزنا من الجانبين) ش: وجانب الفاعل وجانب المفعول، فلم يكن اللواطة في
معنى الزنا، فلا يثبت حكمه فيهما قياسا.
م: (وما رواه) ش: أي الشافعي وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» م: (محمول على السياسة،
أو على المستحيل، إلا أنه يعزر عنده) ش: أي عند أبي حنيفة يعزر
اللواطي، وإن كان لا يحد، وهذا استثناء من قوله ليس بزنا، ولا هو في
معنى الزنا: (لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر
[وطء البهيمة]
م: ومن وطئ بهيمة فلا حد عليه) ش: وبه قال زفر ومالك وعثمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثله، وبه قال الشافعي
في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي قول الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد كالزنا، وبه قال في رواية. وفي قول يقتل رجما،
بكرا كان أو ثيبا، كما روي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه
واقتلوا البهيمة» .
م: (لأنه) ش: أي لأن وطء البهيمة م: (ليس في معنى الزنا في كونه جناية)
ش: لأنه ناقص م: (وفي وجود الداعي) ش: أي ولا في وجود الداعي م: (لأن
الطبع السليم ينفر عنه) ش: أي عن وطء البهيمة م: (والحامل عليه) ش: أي
على وطء البهيمة م: (نهاية السفه) ش: لأن العاقل لا يفعل هذا الفعل [
... ] .
م: (أو فرط الشبق) ش: بفتح الشين المعجمة، والباء الموحدة وهو شدة
الغلة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل نفرة الطبع السليم م: (ولهذا لا يجب
ستره) ش: أي ستر فرج البهيمة، وإنما أضمر عليه وإن لم يسبق ذكره ذكر
البهيمة ملزمة، كذا قاله الأكمل.
(6/311)
إلا أنه يعزر لما بيناه. والذي يروى أنه
تذبح البهيمة وتحرق، فذلك لقطع التحدث به، وليس بواجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: دعوى الاستلزام غير موجه، نعم يفهم ذلك عند ذكر البهيمة، ولو كان
الطبع داعيا عليه لوجب ستر ذلك الموضع، كما في القبل والدبر، والإيلاج
فيه كالإيلاج في الكوز، ولهذا لا يجب الغسل، ولا ينقض الطهارة بنفس
الإيلاج بدون الإنزال، فلا يكون في معنى الزنا م: (إلا أنه يعزر لما
بينا) ش: يعني قوله ارتكب جريمة، وليس فيها حد.
م: (والذي يروى) ش: أي والحديث الذي يروى م: (أنه تذبح البهيمة وتحرق)
ش: بهذا اللفظ الغريب، نعم روى الأربعة من حديث عكرمة عن ابن عباس قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أتى بهيمة
فاقتلوه واقتلوها» م: (فذلك لقطع التحدث به) ش: أراد به أن الأمة
تقبله، وقتل البهيمة لأجل قطع حديث الناس به، لأن الناس إذا رأوا
البهيمة ربما يقولون هذه هي البهيمة التي فعل بها، فلا يتقرب به فلان
ويتضرر، ويقعون أيضا في الغيبة، فلأجل ذلك تقتل البهيمة، ليكف تحدث
الناس، على أنا نقول إن الحديث شاذ ضعيف، ضعفه البخاري ويحيى بن معين
وأبو داود مع أنه روي عن ابن عباس أنه قال: لا حد على من أتى بهيمة.
وكذلك روى الثقات عن ابن عباس، وإن ثبت تأوله في حق المستحل لتأويل
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أتى امرأته الحائض أو امرأته في غير
ما أتاها، فقد كفر بما أنزل على محمد» .
وقيل: إنما قال ذلك في فاعل اعتاد وبذلك قتل سياسة عندنا، ألا ترى أنه
أمر بالقتل المطلق، ولم يفرق بين المحض وغيره، ولو كان بمنزلة النساء
يفرق بينه وبين المحض وغيره.
م: (وليس بواجب) ش: أي الآخر وليس بواجب. وقال شمس الأئمة السرخسي:
الإحراق جائز وليس بواجب، فإن كانت الدابة مما يؤكل لحمها تذبح، ويؤكل
لا يحرق بالنار على قول أبي يوسف.
وقال أبو يوسف: يحرق بالنار ويضمن الفاعل القيمة إن كانت لغيره، ولأنها
قتلت لأجله كي يعتبر، وقال الطحاوي: وإن أتى بهيمة وجب التعزير، ولا
يحد الحد. وإن كانت البهيمة ذبحت ولا تؤكل.
قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " [لم يرو] هذا من أصحابنا في
كتبهم، فأما محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روى عن عمر أنه لم يحد واطئ
البهيمة، وأمر بالبهيمة حتى أحرقت بالنار. وقال بعض أصحاب الشافعي:
تقتل ولا تحرق، ويضمن الفاعل إن كانت لغيره.
وقال بعض أصحابه: لا تقتل، وفرق بعض أصحابنا فقال: إن كانت مما [لا]
يؤكل لا
(6/312)
ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي ثم
خرج إلينا فلا يقام عليه الحد، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد
لأنه التزم بإسلامه أحكامه أينما كان مقامه. ولنا قوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: لا تقام الحدود في دار الحرب، ولأن المقصود هو الانزجار،
وولاية الإمام منقطعة فيهما، فيعرى الوجوب عن الفائدة، ولا تقام بعدما
خرج، لأنها لم تنعقد موجبة، فلا تنقلب موجبة، ولو غزا من له ولاية
الإقامة بنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يذبح، وإن كانت مما يؤكل يذبح. وفي أكلها وجهان، أحدهما لا يجز ويضمن
لغيره.
[من زنى في دار الحرب]
م: (ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي، ثم خرج إلينا، فلا يقام
عليه الحد) ش: يعني إذا خرج وأقر عند القاضي م: (وعند الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه التزم بإسلامه أحكامه) ش: أي أحكام
الإسلام م: (أينما كان مقامه) ش: بضم الميمين، أي ثبت موضع إقامته
الضمير يرجع إلى من " في " ومن زنى.
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تقام الحدود في دار
الحرب» ش: هذا الحديث غريب، وأخرج البيهقي عن الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قال: قال أبو يوسف: حدثنا بعض أشياخنا عن مكحول عن «زيد بن
ثابت قال: لا يقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو»
والمراسيل عندنا حجة كالمسند.
وقال الكاكي: في شرح الصاعدي روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السير
الكبير عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من
زنى أو سرق في دار الحرب وأصاب بها حدا ثم هرب وخرج إلينا فإنه لا يقام
عليه الحد» ثم قال: وجه التمسك بحديث الكتاب أنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقق عدم الإقامة لانقطاع ولاية الإمام عنها، فكان
المراد من عدم الإقامة عدم وجوب الحد.
فإن قيل: الحديث يعارض بقوله تعالى: {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] .
قلنا: خص منه مواضع الشبهة بالإجماع، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد.
م: (ولأن المقصود) ش: أي من إقامة الحد م: (هو الانزجار) ش: وذا لا
يحصل بنفس الوجوب، بل الاستيفاء.
ولا يمكن استيفاؤه ثمة لعدم ولاية الإمام، فامتنع الوجوب لعدم فائدته،
وهو الاستيفاء، أشار إليه المصنف بقوله: م: (وولاية الإمام منقطعة
فيهما) ش: أي في دار الحرب، ودار البغي كذلك م: (فيعرى الوجوب عن
الفائدة) ش: وهو الاستيفاء م: (ولا تقام بعدما خرج لأنها لم تنعقد
موجبة) ش: أي لأن هذه الفعلة أو الزانية لم تنعقد حال كونها موجبة للحد
م: (فلا تنقلب موجبة) ش: بعد الخروج إلينا، فلا يحد.
م: (ولو غزا من له ولاية الإقامة) ش: أي إقامة الحدود م: (بنفسه) ش: أي
باختصاصه بذلك م:
(6/313)
كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على من زنى
في معسكره، لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم يفوض
إليهما الإقامة.
وإذا دخل الحربي في دارنا بأمان فزنى بذمية أو زنى ذمي بحربية يحد
الذمي والذمية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحد الحربي
والحربية، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذمي يعني إذا زنى
بحربية، فأما إذا زنى الحربي بذمية لا يحدان عند محمد، وهو قول أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف أولا. وقال أبو يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يحدون كلهم، وهو قوله الآخر. لأبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أن المستأمن التزم أحكامنا مدة عمره في دارنا في المعاملات
كما أن الذمي التزمها مدة إقامته، ولهذا يحد حد القذف ويقتل قصاصا،
بخلاف حد الشرب، لأنه يعتقد إباحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على من زنى في معسكره، لأنه تحت يده)
ش: أي لأن من زنى في معسكر من له الولاية يختاره م: (بخلاف أمير
العسكر) ش: لأنه لم يفرض له ولاية إقامة الحدود م: (والسرية) ش: أي
بخلاف أمير السرية وهم الذين يسرون بالليل ويخفون بالنهار، ومنه " خبر
السرايا أربعمائة " م: (لأنه لم يفوض إليهما الإقامة) ش: أي لم يفرض
إلى أمير العسكر وأمير السرية إقامة الحدود.
م: (وإذا دخل الحربي في دارنا بأمان فزنى بذمية أو ذمي بحربية يحد
الذمي والذمية عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يحد الحربي
والحربية) ش: وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يحد الحربي والذمية. وقال مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحدان ولا يحد الحربي والحربية.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحدان م: (وهو قول محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في الذمي يعني إذا زنى بحربية، فأما إذا زنى الحربي بذمية لا
يحدان عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أولا. وقال أبو يوسف) ش: آخرا م: (يحدون كلهم) ش: وبه قال
الشافعي وزفر م: (وهو قوله الآخر. لأبي يوسف أن المستأمن التزم أحكامنا
مدة إقامته في دارنا في المعاملات، كما أن الذمي التزمها مدة عمره،
ولهذا) ش: أي ولأجل التزامه أحكامنا مدة إقامته م: (يحد حد القذف) ش:
إذا قذف مسلما.
م: (ويقتل قصاصا) ش: إذا قتل ويمنع من الزبور وشراء العهد للسلم
والمصحف، ويجبر على بيعهم بعد الشراء كما يجبر الذمي، بخلاف حد الشرب
جواب عما يقال لو كان كذلك لا يقيم عليه حد الشرب، لأنه من أحكامنا،
أجاب بقوله.
م: (بخلاف حد الشرب) ش: يعني حد الشرب ليس كذلك م: (لأنه يعتقد إباحته)
ش:
فإن قلت: فهو يعتقد إباحة قتل المسلم وقذفه، فينبغي أن لا يقتص منه،
ولا يحد لقذفه.
(6/314)
ولهما أنه ما دخل دارنا للقرار بل لحاجة
كالتجارة ونحوها، فلم يصر من أهل دارنا، ولهذا يمكن من الرجوع إلى دار
الحرب، ولا يقتل المسلم ولا الذمي به. فإنما التزم من الحكم ما يرجع
إلى تحصيل مقصوده، وهو حقوق العباد، لأنه لما طمع في الإنصاف يلتزم
الإنصاف والقصاص، وحد القذف من حقوقهم. أما حد الزنا محض حق الشرع،
ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق أن الأصل في باب الزنا فعل
الرجل، والمرأة تابعة له على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فامتناع الحد
في حق الأصل يوجب امتناعه في حق التبع، أما الامتناع في حق التبع لا
يوجب الامتناع في حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: المعنى باعتقاد الإباحة وهو أن يكون قتل النفس والقذف حرام عندهم
في دينهم، فأما حقهم ذلك ليس بدين، وإنما هو هوى وتعصب.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي
المستأمن م: (ما دخل دارنا للقرار بل لحاجة كالتجارة ونحوها) ش: مثل
زيارة أقربائه أو لأجل الطيب أو لأجل [ ... ] هو منه، فإذا كان كذلك م:
(فلم يصر من أهل دارنا، ولهذا) ش: أي ولأجل عدم كونه من أهل دارنا م:
(تمكن) ش: أي الحربي المستأمن م: (من الرجوع إلى دار الحرب) ش: إذا عزم
على الخروج من دار الإسلام على الدخول في دار الحرب.
م: (ولا يقتل المسلم ولا الذمي به) ش: أي بسببه إذا قتل مسلم أو ذمي،
والذمي إذا قتله مسلم يقتص به عندنا، فعلم أن الحربي لم يكن كالذمي.
م: (فإنما التزم من الحكم ما يرجع إلى تحصيل مقصوده، وهو حقوق العباد،
لأنه) ش: أي لأن الحربي المستأمن م: (لما طمع في الإنصاف) ش: المسلمين،
أي طمع في العدل لأجله على غيره م: (يلتزم الإنصاف) ش: أي قبل العدل
لغيره عليه، يقال انتصف الرجل إنصافا إذا أعطي الحق، وتناصف القوم إذا
تعاطوا الحق بينهم م: (والقصاص، وحد القذف من حقوقهم) ش: أي من حقوق
العباد. م: (أما حد الزنا محض حق الشرع) ش: فلم يلتزمه فلا يلزمه، ولما
فرغ عن الجواب عن قول أبي يوسف من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرع في بيان إثبات ما لكل منهما فيم ذهب
إليه فقال م: (ولمحمد) ش: يعني في الفرق بين المسلم أو الذمي إذا زنى
بحربية مستأمنة حيث يجب الحد عنده على الفاعل، وبين المسلمة أو الذمية
إذا زنت بحربي حيث لا يجب عنده عليهما.
بيانه ما قال بقوله: م: (وهو الفرق أن الأصل في باب الزنا فعل الرجل،
والمرأة تابعة له) ش: لكونها محلا م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى)
ش: أي في مسألة زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة م: (فامتناع الحد في حق
الأصل يوجب امتناعه في حق التبع) ش: لأن الحد إنما يجب عليهما بالتمكين
من فعل موجب للحد فيما مكنت من فعل موجب للحد، فلا تحد.
م: (أما الامتناع في حق التبع لا يوجب الامتناع في حق الأصل) ش: وإلا
ما كان مستتبعا فكان
(6/315)
الأصل، ونظيره إذا زنى البالغ بصبية أو
مجنونة وتمكين البالغة من الصبي والمجنون. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فيه أن فعل الحربي المستأمن زنا، لأنه مخاطب بالحرمات على ما
هو الصحيح وإن لم يكن مخاطبا بالشرائع على أصلنا، والتمكين من فعل هو
زنا موجب للحد عليها، بخلاف الصبي والمجنون، لأنهما لا يخاطبان، ونظير
هذا الاختلاف إذا زنى المكره بالمطاوعة تحد المطاوعة عنده، وعند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تحد. قالوا: إذا زنى الصبي أو المجنون بامرأة
طاوعته، فلا حد عليه ولا عليها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الحد عليها، وهو رواية عن أبي يوسف
- رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصلا، والغرض أنه تبع، وذلك خلاف باطل م: (نظيره) ش: أي نظير هذا م:
(إذا زنى البالغ بصبية أو مجنونة) ش: فإنه يحد البالغ دونها، لأن
الامتناع في حق التبع لا يستلزمه في حق الأصل م: (وتمكين البالغة) ش:
أي ونظيره أيضا تمكين البالغة نفسها م: (من الصبي والمجنون) ش: فإنه لا
يجب الحد عليها، لأن الامتناع في حق الأصل يستلزمه في حق التبع.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أن فعل الحربي المستأمن زنا،
لأنه مخاطب بالحرمات) ش: كحرمة الكفر والزنا وإن لم يكن مخاطبا، فإذا
ما يحتمل السقوط من العبادات م: (على ما هو الصحيح) ش: احترز به عن قول
بعض مشايخنا العراقيين، فإنهم قالوا بوجوب الأداء م: (وإن لم يكن
مخاطبا بالشرائع على أصلنا) ش: إشارة إلى قول مشايخ ديارنا، أي ديار
المصنف. م: (والتمكين) ش: أي تمكين المرأة نفسها منه م: (من فعل هو زنا
موجب للحد عليها) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، فيجب الحد عليها لوجوب
المقتضى وانتفاء المانع.
م: (بخلاف الصبي والمجنون، لأنهما لا يخاطبان) ش: هذا جواب عن شبهة
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن سقوط الحد من الأصل يوجب السقوط من
التبع. ووجه ذلك أن هذا ليس بنظير ما نحن فيه، لأن الصبي والمجنون لا
يخاطبان، فلا يكون فعلهما، والتمكين من غير الزنا ليس بزنا فلا يوجب
الحد والحربي مخاطب بفعل الزنا، والتمكين من الزنا زنا يوجب الحد.
م: (ونظير هذا) ش: أي نظير هذا م: (الاختلاف) ش: الواقع بين أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله - م: (إذا زنى المكره بالمطاوعة تحد المطاوعة عنده)
ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي ومالك
وأحمد م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تحد) ش:.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا زنى الصبي أو
المجنون بامرأة طاوعته) ش: أي طاوعت الصبي أو المجنون م: (فلا حد عليه
ولا عليها. قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي: يجب الحد عليها) ش:
أي على المرأة المطاوعة م: (وهو) ش: أي قول زفر والشافعي - رحمهما الله
- م: (رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها زانية حقيقة.
(6/316)
وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها
حد الرجل خاصة، وهذا بالإجماع، ولهما أن العذر من جانبها لا يوجب سقوط
الحد من جانبه، فكذا العذر من جانبه، وهذا لأن كلا منهما مؤاخذ بفعله.
ولنا أن فعل الزنا يتحقق منه، وإنما هي محل الفعل، ولهذا يسمى هو واطئا
وزانيا والمرأة موطوءة ومزنيا بها إلا أنها سميت زانية مجازا تسمية
للمفعول باسم الفاعل كالراضية في معنى المرضية، أو لكونها مسببة
بالتمكين، فيتعلق الحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها]
م: (وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها حد الرجل خاصة، وهذا
بالإجماع) ش: إنما قيد بقوله: تجامع مثلها، لأنها إذا لم تكن تجامع
مثلها فوطئها لا يجب عليه الحد، لأنه كإتيان البهيمة، لأن الطباع
السليمة لا ترغب في مثلها، ألا ترى إلى ما قال صاحب " الأجناس " في
كتاب الصوم. ولو وطئ الرجل جارية لها خمس سنين وأفضاها ولا تحتمل الوطء
لصغرها لا كفارة عليه، ولا يفطره إذا لم [ ... ] ، وهو كإيلاج البهيمة،
ونقل أيضا صاحب " الأجناس " عن " نوادر ابن رستم ". قال أبو حنيفة إذا
جامع ابنة امرأته وهي صغيرة لا يجامع مثلها فأفضاها وأفسد بها لا يحرم
عليه ابنها، لأن هذه ممن لا تجامع. وقال أبو يوسف: أكره له البنت
والأم. وقال محمد: النثرة أحب إلي، ولكن لا أفرق بينه وبين أمها.
م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي م: (أن العذر من جانبها) ش: كما في صورة
الإجماع بأن كانت مجنونة أو صبية أو نائمة أو مكرهة، م: (لا يوجب سقوط
الحد من جانبه) ش: أي من جانب الرجل بالاتفاق م: (فكذا العذر من جانبه)
ش: بأن كان صبيا أو مجنونا، والجامع كون كل واحد منهما مؤاخذ لفعله،
وهو معنى قوله م: (وهذا لأن كلا منهما) ش: أي من الرجل والمرأة أو من
الذكر والأنثى م: (مؤاخذ بفعله) ش: أي لا بفعل صاحبه.
م: (ولنا أن فعل الزنا يتحقق منه) ش: أي من الرجل لوجوده منه حقيقة م:
(وإنما هي) ش: أي المرأة م: (محل الفعل) ش: أي فعل الزنا م: (ولهذا) ش:
توضيح لكون الفعل حقيقة من الرجل، أي ولأجل ذلك م: (يسمى هو واطئا
وزانيا) ش: على صورة اسم الفاعل م: (والمرأة) ش: شر، ويسمى المرأة.
وأوجب على الزانية الحد.
وتقرير الجواب بصورة اسم الفاعل، وأوجب على الزانية الحد، وتقرير
الجواب أن الله تعالى [ ... ] منهما المرأة سماها م: (موطوءة ومزنيا
بها، إلا أنها سميت زانية مجازا تسمية للمفعول باسم الفاعل كالراضية في
معنى المرضية) ش: في قَوْله تَعَالَى {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:
21] (الحاقة: الآية: 21) ، باسم المرضية، وهذا أحد التأويلين والتأويل
الآخر بمعنى ذات رضى، وكما في قَوْله تَعَالَى [
] ، بمعنى فرق.
م: (أو لكونها) ش: عطف على قوله تسمية للمفعول باسم الفاعل، أي ولكون
المرأة م: (مسببة) ش: أي صاحبة سبب م: (بالتمكين) ش: أي بسبب التمكين
م: (فيتعلق الحد) ش: مبتدأ م:
(6/317)
في حقها بالتمكين من قبيح الزنا، وهو فعل
من هو مخاطب بالكف عنه، ومؤثم على مباشرته. وفعل الصبي ليس بهذه الصفة،
فلا يناط به الحد.
قال: ومن أكرهه السلطان حتى زنا فلا حد عليه، وكان أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا يحد، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لأن الزنا من الرجل لا يكون إلا بعد انتشار الآلة، وذلك دليل الطواعية،
ثم رجع عنه فقال: لا حد عليه لأن سببه الملجئ، قائم ظاهرا، والانتشار
دليل متردد، لأنه قد يكون من غير قصد، لأن الانتشار قد يكون طبعا لا
طوعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(في حقها) ش: في حق المرأة م: (بالتمكين) ش: أي سبب التمكين م: (من
قبيح الزنا) ش: خبر المبتدأ، والإضافة فيه مثل الإضافة في حرف تصنيفه
م: (وهو) ش: أي الزنا م: (فعل من هو مخاطب بالكف عنه) ش: أي عن الزنا
م: (ومؤثم) ش: بكسر الثاء المثلثة من التأثيم أي الزنا م: (على
مباشرته) ش: أي بفعله م: (وفعل الصبي ليس بهذه الصفة) ش: لأن الصبي ليس
مخاطبا بالكف عن الزنا، وليس بمؤثم أيضا إذا باشر وطء الأجنبية، لأن
القلم مرفوع عنه، وكذا فعل المخمور، فإذا كان كذلك م: (فلا يناط به) ش:
فلا يتعلق به م: (الحد) ش:.
إن قيل: لما لم يجب الحد على الصبي والمجنون بالزنا بمطاوعته ينبغي أن
يجب عليهما العقر، لأن الوطء في غير الملك لا يخلو عن أحد الأمرين، إما
العقر، وإما الحد، والعقر هو مهر المثل. ولهذا لو زنا الصبي بصبية أو
مكرهة يجب عليه المهر، وهاهنا لم يجب ذكره في " الذخيرة "، فما الفرق؟.
قلنا: لا فائدة في إيجاب المهر عليه، لأن لو أجبنا عليه كان لولي الصبي
الرجوع عليها في الحال بمثل ذلك، لأنها لما طاوعت صارت امرأة لها
بالزنا معها، وقد لحقه بذلك عزم، وصح الأمر من المرأة، لأن لها ولاية
على نفسها، فلا يفيد الإيجاب، بخلاف ما إذا كانت مكرهة أو صبية، فإن
المكرهة ليست بامرأة، والصبية لا يصح أمرها لعدم ولايتها على نفسها،
فكانت بمنزلة المكرهة.
[أكرهه السلطان حتى زنا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م:
(ومن أكرهه السلطان حتى زنا فلا حد عليه، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يقول أولا يحد، وهو قول زفر) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في قول وأحمد م: (لأن الزنا من الرجل لا يكون إلا بعد انتشار
الآلة، وذلك دليل الطواعية) ش: أي علانيتها، وعلانية الاختيار أيضا
فافترق بالإكراه ما ينافيه، فانتفى الإكراه يقال طاع يطوع طوعا وطواعية
مثل أطاع يطيع إطاعة، إلا أنهم يقولون طاع له. ولا يقولون طاعته كما
يقولون إطاعة، وفلان طوع يدك أي منقاد لك م: (ثم رجع عنه، وقال لا حد
عليه، لأن سببه الملجئ قائم ظاهرا، والانتشار دليل متردد، لأنه قد يكون
من غير قصد) ش: أي انتشار الآلة م: (لأن الانتشار قد يكون طبعا) ش: أي
من حيث طبع الرجل م: (لا طوعا) ش: أي من حيث الطوع م:
(6/318)
كما في النائم فأورث شبهة. وإن أكرهه غير
السلطان حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يحد، لأن
الإكراه عندهما قد يتحقق من غير السلطان، لأن المؤثر خوف الهلاك، وأنه
يتحقق من غيره. وله أن الإكراه من غيره لا يدوم إلا نادرا لتمكنه من
الاستعانة بالسلطان أو بجماعة المسلمين وتمكنه دفعه بنفسه بالسلاح
والنادر لا حكم له، فلا يسقط به الحد، بخلاف السلطان، لأنه يمكنه
الاستعانة بغيره، ولا الخروج بالسلاح عليه فافترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(كما في النائم) ش: فإن النائم قد تنتشر آلته لفرط فحولته وإن لم يكن
قصده واختاره م: (فأورث شبهة) ش: فاندرأ لحد وبه قال زفر والشافعي -
رحمهما الله - في قول، ولكنه يعزر وهو قولهما.
م: (وإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:
وبه قال زفر والشافعي - رحمهما الله - في قول وأحمد م: (وقالا) ش: أي
وقال أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا يحد) ش: وغير
السلطان مثل السلطان عندهما. يعني لا يحد سواء أكرهه السلطان أو غيره
م: (لأن الإكراه عندهما قد يتحقق من غير السلطان، لأن المؤثر) ش: أي في
الحكم م: (خوف الهلاك، فيتحقق من غيره) ش: أي من غير السلطان، وبه قال
الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (وله أن الإكراه من غيره) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أن الإكراه من غير السلطان م: (لا يدوم إلا نادرا لتمكنه) ش: أي لتمكن
المكره م: (من الاستعانة بالسلطان أو بجماعة المسلمين وتمكنه دفعه) ش:
وتمكنه بالجر عطفا على قوله لتمكنه بقوله، وقوله دفعه بالنصب مفعول
المصدر أي دفع غير السلطان. وحاصله أن المكره يتمكن من دفع الإكراه إذا
وقع من غير السلطان بالسلطان أو لجماعة المسلمين أو بنفسه باستعمال
السلاح.
قلت: فيه نظر فإنه لا يتمكن بشيء من ذلك في هذا الزمان. أما السلطان
فإنه لا يصل إليه كل واحد، لا سيما إذا كان المكره بالمكره بكسر من
ظلمة السلطان، وأما جماعة المسلمين فإنهم ليس لهم غيرة الإسلام في هذا
الزمان كما ينبغي. وأما دفع المكره الإكراه م: (بنفسه بالسلاح) ش: أو
بغيره، فيعد حدا، ولا سيما إذا كان الإكراه من ولاة الشرطة أو من
العمال الكمال الظلمة الخونة. ولأجل هذا ذكر في " الكافي ": أن هذا
اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، فالسلطان كان في زمنه قوة
وغلبة بحيث لا يتجاسر أحد على إكراه غيره، وفي زماننا ظهرت القوة لكل
متغلب، فيتحقق الإكراه من غير السلطان فما أفتى كل منهما بما عاين، وفي
زماننا ظهرت القوة لكل متغلب لا يفتى بقولهما.
م: (والنادر لا حكم له فلا يسقط به الحد، بخلاف السلطان، لأنه لا يمكنه
الاستعانة بغيره) ش: أي بغير السلطان م: (ولا الخروج) ش: أي ولا يمكنه
الخروج م: (بالسلاح عليه فافترقا)
(6/319)
ومن أقر أربع مرات في مجالس مختلفة أنه زنى
بفلانة. وقالت هي: تزوجني أو أقرت بالزنا، وقال الرجل: تزوجتها فلا حد
عليه وعليه المهر في ذلك. لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق، وهو يقوم
بالطرفين فأورث شبهة، وإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لخطر البضع.
ومن زنى بجارية فقتلها فإنه يحد وعليه القيمة، معناه قتلها بفعل الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أقر أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة أنه
زنى بفلانة وقالت هي تزوجني أو أقرت]
قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أقر أربع مرات في أربعة مجالس
مختلفة أنه زنى بفلانة، وقالت: هي تزوجني أو أقرت) ش: أي المرأة م:
(بالزنا وقال الرجل تزوجتها فلا حد عليه) ش: ولا عليها، كذا في "
الكافي ".
وفي بعض النسخ عليهما كذا ضبطه الأترازي، وفي نسخة شيخنا علاء الدين
السيرافي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وكتب في الحاشية ولا عليها،
وإنما قيد بقوله أربع مرات في مجالس مختلفة، لأنه إذا أقر أربع مرات في
مجلس واحد يعتبر ذلك مرة واحدة.
م: (وعليه المهر في ذلك) ش: لأنه لما سقط الحد وجب المهر بأنه لخطر
المحل، لكن هذا فيما إذا كان دعوى النكاح قبل فيه أن يحد المقر، فإذا
كانت الدعوى بعد الحد فلا مهر لها، لأن الحد لا ينقض بعد الإقامة.
فإن قلت: كيف يجب المهر إذا أقرت بالزنا وادعى الرجل النكاح وهي بإقرار
طالبته نافية المهر.
قلت: نعم إن الأمر كذلك، لكن الحد سقط عنهما بشبهة ثابتة، شبهة من دعوى
النكاح، فبعد سقوط الحد لم يلتفت إلى إقراره بالزنا فوجب العقر، وهو
مهر المثل إبانة لخطر المحل.
م: (لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق، وهو يقوم بالطرفين) ش: أي النكاح
يقوم بطرفي الرجل والمرأة م: (فأورث شبهة) ش: أي قولها تزوجني أو قوله
تزوجتها أورث شبهة في سقوط الحد عن المدعي م: (فإذا سقط الحد وجب المهر
تعظيما لخطر البضع) ش: وهو المحل، لأن المهر يجب حقا لله تعالى في
النكاح.
ولهذا يجب في المفوضة، وهنا لما سقط الحد عنها يثبت في حقها بشبهة
النكاح فلا ينفي المهر بانتفائها كما في حقيقة النكاح.
[زنى بجارية فقتلها]
م: (ومن زنى بجارية فقتلها، فإنه يحد ويجب عليه القيمة) ش: إنما وضع
المسألة في الجارية، وإن كان الحكم وهو وجوب الحد مع الضمان لا يتفاوت
بين المرأة والأمة، فإنه لو فعل هذا مع الحرة يجب الحد والدية، لما أن
الشبهة في عدم وجوب الحد إنما ترد في حق الأمة، لأن في حق الحرة لا
تصير ملكا للزاني عند أداء الدية، والأمة تصير ملكا كيلا يجتمع البدل
والمبدل في ملك رجل والحد م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (فقتلها بفعل الزنا) ش: إنما
(6/320)
لأنه جنى جنايتين فيوفر على كل واحد منهما
حكمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة
سبب الملك لأمة، فصار كما إذا اشتراها بعدما زنى بها، وهو على هذا
الاختلاف واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه، كما إذا ملك
المسروق قبل القطع. ولهما أنه ضمان قتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع
الصغير ". قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر فيه خلاف، ولكن
ذكر أبو الليث في شرحه للجامع الصغير: ذكر أبو يوسف في " الأمالي " أن
هذا قول أبي حنيفة خاصة.
وفي قول أبي يوسف: له حد عليه، ولو كانت حرة فعليها الحد بالاتفاق،
وكذا ذكر الخلاف في المنظومة بين أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا قول فيه
لمحمد م: (لأنه جنى جنايتين) ش: وهما الزنا والقتل م: (فيوفر على كل
واحدة منهما) ش: أي من الجانبين م: (حكمه) ش: أي حكم الجارية، يعني
تؤاخذ بموجب كل واحدة منهما فيحد للزنا ويضمن القيمة بالجناية على
النفس، ولا منافاة بينهما فيجتمعان، فلا يكون ضمان القيمة مانعا عن
وجوب الحد، لأنه ضمان الدم.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحد، لأن تقرر ضمان
القيمة سبب لملك الأمة) ش: فلا يملكها قبيل إقامة الحد سقط الحد م:
(فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا اشتراها) ش: أي الأمة م: (بعدما زنى
بها) ش: قبل إقامة الحد.
م: (وهو على هذا الخلاف) ش: أي شراء الجارية بعد الزنا قبل إقامة الحد
على هذا الخلاف عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، وكأنه رد المختلف
إلى المختلف، لكن الخلاف في المشتراة بعد الزنا مذكور في ظاهر الرواية،
بخلاف ما نحن فيه.
م: (واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه) ش: أي سقوط الحد م:
(كما إذا ملك المسروق قبل القطع) ش: أي كما إذا ملك المسروق منه قبل
قطع يد السارق سقط القطع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه ضمان قتل) ش: أي أن هذا
الضمان ضمان قتل، ولهذا يجب على العاقلة في ثلاث سنين م: (فلا يوجب
الملك، لأنه ضمان دم) ش: والدم مما لا يمكنه ويمكن أن يقرر هكذا، لأنه
ضمان دم وضمان الدم يجب بعد الموت والملك والميت ليس بمحل للملك م:
(ولو كان يوجبه) ش: أي ولو كان ضمان القتل يوجب الملك م: (فإنما يوجبه)
ش: في إنما هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل "
الجامع الصغير ".
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر فيه خلاف، ولكن ذكر أبو
الليث في شرحه للجامع الصغير: ذكر أبو يوسف في " الأمالي " أن هذا قول
أبي حنيفة خاصة.
(6/321)
لأنه جنى جنايتين فيوفر، على كل واحد منهما
حكمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة
سبب لملك الأمة، فصار كما إذا اشتراها بعدما زنى بها، وهو على هذا
الاختلاف واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه، كما إذا ملك
المسروق قبل القطع. ولهما أنه ضمان قتل فلا يوجب الملك، لأنه ضمان دم.
ولو كان يوجبه فإنما يوجبه في العين كما في هبة المسروق لا في منافع
البضع، لأنها استوفيت والملك يثبت مستندا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي قول أبي يوسف: له حد عليه، ولو كانت حرة فعليها الحد بالاتفاق،
وكذا ذكر الخلاف في المنظومة بين أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا قول فيه
لمحمد م: (لأنه جنى جنايتين) وهما الزنا والقتل م: (فيوفر على كل واحدة
منهما) أي من الجانبين م: (حكمه) أي حكم الجارية، يعني تؤاخذ بموجب كل
واحدة منهما فيحد للزنا ويضمن القيمة بالجناية على النفس، ولا منافاة
بينهما فيجتمعان، فلا يكون ضمان القيمة مانعا عن وجوب الحد، لأنه ضمان
الدم.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحد، لأن تقرر ضمان
القيمة سبب لملك الأمة) فلا يملكها قبيل إقامة الحد سقط الحد م: (فصار)
أي حكم هذا م: (كما إذا اشتراها) أي الأمة م: (بعدما زنى بها) قبل
إقامة الحد.
م: (وهو على هذا الخلاف) أي شراء الجارية بعد الزنا قبل إقامة الحد على
هذا الخلاف عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، وكأنه رد المختلف إلى
المختلف، لكن الخلاف في المشتراة بعد الزنا مذكور في ظاهر الرواية،
بخلاف ما نحن فيه.
م: (واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه) أي سقوط الحد م:
(كما إذا ملك المسروق قبل القطع) أي كما إذا ملك المسروق منه قبل قطع
يد السارق سقط القطع.
م: (ولهما) أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه ضمان قتل) أي أن هذا الضمان
ضمان قتل، ولهذا يجب على العاقلة في ثلاث سنين م: (فلا يوجب الملك،
لأنه ضمان دم) والدم مما لا يمكنه ويمكن أن يقرر هكذا، لأنه ضمان دم
وضمان الدم يجب بعد الموت والملك والميت ليس بمحل للملك م: (ولو كان
يوجبه) أي ولو كان ضمان القتل يوجب الملك م: (فإنما يوجبه في العين كما
في هبة المسروق لا في منافع البضع، لأنها استوفيت) تقريره لو كان هذا
الضمان يوجب الملك لا يوجب في العين التي هي موجودة لا في منافع البضع
التي هي أعراض استوفيت فانعدمت وتلاشت.
م: (والملك يثبت مستندا) ش: إلا أن الملك الثابت في بيان العدوان يثبت
بطريق الاستناد، والاستناد يظهر في القائم لا في الغائب، وهو معنى قوله
م: (فلا يظهر في المستوفى) ش: بفتح الفاء م: (لكونها) ش: قال الأترازي:
والضمير راجع إلى المستوفي على تأويل منفعة البضع، أي لا يظهر الملك في
منافع المستوفاة لأنها انعدمت والأوجه أن يكون أربع م: (معدومة) ش:
فإذن لم يثبت شبهة الملك في منافع البضع المستوفاة، فلم يسقط الحد.
(6/322)
فلا يظهر في المستوفى لكونها معدومة، وهذا
بخلاف ما إذا زنى بها فأذهب عينها حيث يجب عليه قيمتها ويسقط الحد، لأن
الملك هنالك يثبت في الجثة العمياء وهي عين، فأورث شبهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا م: (بخلاف ما إذا زنى بها) ش: أي
بالجارية م: (فأذهب عينها) ش: حيث م: (حيث يجب عليه قيمتها) ش: أي قيمة
العين، وهو نصف قيمة الجارية م: (ويسقط الحد، لأن الملك هنالك يثبت في
الجثة العمياء وهي عين) ش: لا عوض، فجاز أن يثبت الملك فيها بطريق
الإسناد م: (فأورث شبهة) ش: في سقوط الحد. وفي صورة المتنازع فيه لم
يثبت الملك في الجارية أصلا، لأن ذلك الضمان ضمان دم، ولم يثبت في
المنافع أيضا، لأنها معدومة يسقط الحد لفقدان الشبهة.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م:
(وكل شيء صنعه الإمام) ش: فإن قذف إنسانا أو زنى أو شرب الخمر، والمراد
من الإمام الخليفة، قاله أبو الليث، وفسره بقوله: م: (الذي ليس فوقه
إمام) ش: ولا شك أن الخليفة ليس فوقه إمام م: (فلا حد عليه إلا القصاص،
فإنه يؤخذ به) ش: أي ويؤخذ أيضا م: (وبالأموال، لأن الحدود حق الله،
وإقامتها) ش: أي إقامة الحدود م: (إليه) ش: أي إلى الإمام م: (لا إلى
غيره) ش: أي ليس لغير الإمام إقامة الحدود.
(6/323)
قال: وكل شيء صنعه الإمام الذي ليس فوقه إمام فلا حد عليه إلا القصاص،
فإنه يؤخذ به وبالأموال، لأن الحدود حق الله تعالى، وإقامتها إليه لا
إلى غيره، ولا يمكنه أن يقيم على نفسه لأنه لا يفيد بخلاف حقوق العباد،
لأنه يستوفيه ولي الحق إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين
والقصاص والأموال منها. وأما حد القذف قالوا: المغلب فيه حق الشرع
فحكمه كحكم سائر الحدود التي هي حق الله تعالى.
|