البناية شرح الهداية

باب حد القذف وإذا قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة محصنة بصريح الزنا وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان حرا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلى أن قال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، والمراد الرمي بالزنا بالإجماع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب حد القذف] [قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة]
م: (باب حد القذف) ش: أي هذا باب في بيان حكم حد القذف، وهو في اللغة: الرمي، وفي اصطلاح الفقهاء: نسبة من أحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة، فكأن القاذف وضع حجر القذف في مقدمة لسانه ورمى إلى المقذوف، والقذف من الكبائر بإجماع الأئمة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجتنبوا الموبقات، قيل: ما هن يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرمها الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه.
م: (وإذا قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة) ش: أي أو قذف امرأة م: (محصنة بصريح الزنا) ش: بأن قال المحصن: يا زاني، والمحصنة: يا زانية، أو قال: يا ولد الزنا، أو يا ابن الزنا، أو لست لأبيك وأمه حرة مسلمة م: (وطالب المقذوف بالحد) ش: أي طالب المقذوف القاذف عند الحاكم م: (حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان حرا) ش: هذا مشتمل على قيود:
الأول: وجود الحد بالقدف، سواء كان القاذف رجلا أو امرأة.
الثاني: أن يكون القاذف من أهل العقوبة، وإلا فلا حد عليه كالصبي والمجنون.
الثالث: التقييد بصريح الزنا؛ لأن حد القذف لا يجب بالكتابة، حتى لو قال رجل لرجل: يا زاني، فقال رجل آخر: صدقت لم يحد المصدق، لأنه ما صرح بنسبته إلى الزنا بتصديقه إياه.
الرابع: أن يطالب المقذوف والأقذف ترك حقه، فلا يستوي الحد حينئذ.
الخامس: قيد بالحر؛ لأن القاذف إذا كان عبدا فحده أربعون على ما يأتي.
السادس: قيد الرجل ثمانين في الحر؛ لأن ذلك منصوص في الآية.
السابع: الشرط كون المقذوف محصنا على ما يأتي.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلى أن قال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (النور: الآية 4) (والمراد الرمي بالزنا بالإجماع) ش: أي بإجماع العلماء. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا من كلام صاحب " النهاية " واعترض أن التقييد بصريح الزنا غير مقيد لمتحققه بدونه، بأن قال: لست لأبيك، وكان القياس أن لا يجب المطالبة؛ لأن حق الله فيه غالب، والمغلوب في مقابلته كالمستهلك وحيث فليست مطالبة المقذوف بلازمة، فإن ابنه إذا طالبه حد.

(6/362)


وفي النص إشارة إليه وهو اشتراط أربعة من الشهداء، إذ هو مختص بالزنا، ويشترط مطالبة المقذوف لأن فيه حقه من حيث دفع العار وإحصان المقذوف لما تلونا. قال:
ويفرق على أعضائه لما مر في حد الزنا، ولا يجرد من ثيابه؛ لأن سببه غير مقطوع به، فلا يقام على الشدة بخلاف حد الزنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب: أنه إذا قذفه بصريح ووجد الشروط وجب الحد لا محالة، فتلك قضية صادقة، وأما إذا قذفه بنفي النسب لا يجب فليس لأن التقييد لإخراج ما كان فيه بطريق الكناية. مثل أن يقول: يا زاني، فقال الآخر: صدقت، لا لآخر لما ذكرت وحق العبد، وإن كان مغلوبا لكن يصلح اشتراط مطالبته احتيالا للدرء، وابن المقذوف وإنما يقدر على المطالبة لقيامه مقام المقذوف، ولهذا لم يكن له حق المطالبة إلا إذا كان المقذوف ميتا ليتحقق قيامه مقامه من كل وجه.
م: (وفي النص إشارة إليه) ش: أي إلى الرمي بالزنا م: (وهو اشتراط أربعة من الشهداء) ش: حيث قال: فإن لم يأتوا بالشهداء م: (إذ هو مختص بالزنا) ش: الضمير في إذ هو يرجع إلى اشتراط الأربعة، معناه أن الزنا هو المختص بأربعة شهداء.
م: (ويشترط مطالبة المقذوف؛ لأن فيه حقه من حيث دفع العار) ش: صورة المطالبة أن يقول: هذا قذفني وأن لي عليه حد القذف فأنه أطالبه بذلك. وسأل تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن الغلبة فيه لحق أبيه، فلا يشترط الطلب.
قلت: الجواب قد مر آنفا من كلام صاحب " النهابة " و " الهداية " م: (وإحصان المقذوف) ش: أي يشترط إحصان المقذوف م: (لما تلونا) ش: إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (النور: الآية 4) .
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م:

[حد العبد القاذف]
(ويفرق على أعضائه) ش: أي يفرق الضرب على أعضاء القاذف م: (لما مر في حد الزنا) ش: أن الجمع في عضو واحد قد يفضي إلى التلف وإنما يفرق على الأعضاء ما خلا الوجه والرأس والفرج م: (ولا يجرد من ثيابه) ش: هذا أيضا لفظ القدوري م: (لأن نسبه) ش: أي سبب الحد وهو القذف م: (غير مقطوع به) ش: لاحتمال كون القاذف صادقا في القذف في الواقع، وإن كان عاجزا عن إقامة البينة على ما قذف، لاشتراط أمور في الشهادة على زنا المقذوف.
فلما يتهيأ للشهود تحقيق ذلك عند القاضي، فلما جرى في القذف احتمال الصدق لم يجرد من ثيابه طلبا للخفة في إقامة الحد، وهو معنى م: (فلا يقام على الشدة، بخلاف حد الزنا) ش: سببه مقطوع به لثبوته بالبينة أو بالإقرار، فيجرد الذي يقام عليه الحد، إلا الإزار توقيا عن كشف العورة، فيقام على الشدة، إلا شارب الخمر فإنه لا يجرد وقد مر.

(6/363)


غير أنه ينزع عنه الفرو، والحشو؛ لأن ذلك يمنع إيصال الألم به، وإن كان القاذف عبدا جلد أربعين سوطا لمكان الرق. والإحصان أن يكون المقذوف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن فعل الزنا أما الحرية فلأنه ينطلق عليه اسم الإحصان، قال الله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) أي الحرائر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أنه ينزع عنه الفرو والحشو؛ لأن ذلك) ش: أي الفرو والحشو م: (يمنع إيصال الألم به) ش: أي بالمحدود م: (وإن كان القاذف عبدا جلد أربعين سوطا لمكان الرق) ش: وقد مر أي الرق منصف م: (والإحصان) ش: شرع في بيان شروط الإحصان، وهي خمسة: فبينها بقوله: م: (أن يكون المقذوف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن فعل الزنا) ش: هذا باتفاق العلماء إلا ما روي عن داود الظاهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب الحد على قاذف العبد.
وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى -رحمهما الله - يجب أن يحد بقذف الذمية التي لها ولد مسلم. وعن أحمد في رواية: لا يشترط البلوغ، بل يشترط بحيث أن يكون بجامع، وفي الأصح: يشترط كالعلامة.
قوله: والإحصان إلى قوله: عن فعل الزنا لفظ القدوري في " مختصره "
وشرع المصنف في تبيين كل ذلك بدلائله فقال: م: (وأما الحرية فلأنه ينطلق عليه اسم الإحصان قال الله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) أي الحرائر) ش: يعني إن شاء الله تعالى، أراد بقوله: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، الحرائر لا الإماء، فدل على أن الرقيق ليس بمحصن.
وقال تاج الشريعة: فإن قلت: قال الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] والمراد منه الإماء.
قلت: الإحصان يذكر ويراد منه الحرائر فشرطنا الحرية احتيالا للدرء.
وقال الكاكي: فإن قيل: المحصنات جاءت في القرآن بأربع معان:
أحدهما: بمعنى العفائف.
والثاني: بمعنى الحرائر.
والثالث: بمعنى الزوجات {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]
والرابع: بمعنى الإسلام، قال تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إحصانها إسلامها، فيمكن أن يكون العبد محصنا بجهة، وغير محصن بجهة، فكيف يلزم أن يكون الحرية شرط الإحصان في القذف، قلنا: لما لم يكن العبد محصنا من وجه لم يدخل تحت الآية لقصوره فيه، وعليه أجمع الفقهاء.

(6/364)


والعقل والبلوغ؛ لأن العار لا يلحق بالصبي والمجنون لعدم تحقق فعل الزنا منهما. والإسلام لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من أشرك بالله فليس بمحصن. والعفة؛ لأن غير العفيف لا يلحقه العار، وكذا القاذف صادق فيه.
ومن نفى نسب غيره وقال: لست لأبيك فإنه يحد، وهذا إذا كانت أمه حرة مسلمة لأنه في الحقيقة قذف لأمه؛ لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[شروط الإحصان]
م: (والعقل والبلوغ؛ لأن العار لا يلحق بالصبي، والمجنون لعدم تحقق فعل الزنا منهما) ش: أي من الصبي والمجنون، وبقولنا قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إلا أن مالكا قال في المحصنة التي يجامع مثلها تحد [ ... ] وإن لم تكن محصنة.
فإن قيل: لو لم يتحقق قبل الزنا منهما، فينبغي أن يجب الحد، على قاذف المجنون زنى حالة جنونه ولا يحد، وإن قذفه بعد قاذفه.
أجيب: بأن معنى قوله لعدم تحقق فعل الزنا منهما الزنا الذي يأثم صاحبه ولم يتحقق الزنا الموجب للإثم لعدم الخطاب.
وأما الوطء الذي هو غير مملوك قد يتحقق منهما، وبالنظر إلى هذا كان القاذف صادقا قذفه، فلا يجب الحد على القاذف، ولا على المقذوف كمن قذف رجلا وطئ الشبهة أو وطئ جاريته المشتركة بينه وبين غيره.
م: (والإسلام) ش: وأما شرط الإسلام م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أشرك بالله فليس بمحصن» هذا الحديث قد تقدم في حد الزنا، رواه إسحاق بن راهويه بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومر الكلام فيه هناك.
م: (والعفة) ش: أي وأما اشترط العفة عن فعل الزنا م: (لأن غير العفيف لا يلحقه العار) ش: بالنسبة إلى الزنا: (وكذا القاذف الصادق فيه) ش: فلا يحد.

[نفى نسب غيره وقال لست لأبيك]
م: (ومن نفى نسب غيره، وقال: لست لأبيك فإنه يحد) ش: لأن معناه: أمك زانية، أو زنت فولدتك من الزنا، فلما كان هذا في الحقيقة قذفا للأم يشترط أن الأم محصنة حتى يحد القاذف، وإلا فلا، وهذا معنى قوله.
م: (وهذا) ش: أي وجود الحد م: (إذا كانت أمه حرة مسلمة؛ لأنه في الحقيقة) ش: أي في نفس الأمر هذا م: (قذف لأمه؛ لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره) ش: تقريره أن فرض المسألة فيما إذا كان أبوه وأمه معروفين، ونسبه من الأم ثابت بيقين، وخفاه عن الأب المعروف، فكان دليلا بأنه زنى بأمه، وفي ذلك قذف لأمه لا محالة.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي قوله: هذا قذف لأمه بالزنا فكأنه قال: أمك زانية؛ لأنه متى لم يكن من غير أبيه ضرورة، ولا نكاح لغير أبيه، فكان في نفس من أمه إلى الزنا ضرورة.

(6/365)


ومن قال لغيره في غضب: لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له يحد، ولو قال في غير غضب: لا يحد؛ لأن عند الغضب يراد به حقيقة سبا له، وفي غيره يراد به المعاتبة بنفي مشابهته إياه في أسباب المروءة. ولو قال: لست بابن فلان يعني جده لم يحد؛ لأنه صادق في كلامه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: جاز أن لا يكون ثابت النسب من أبيه، ولا يكون ثابت وأمه زانية بأن كانت موطوءة بشبهة.
قلنا: إذا وطئت بشبهة كان الولد ثابت النسب من إنسان، وإنما لا يكون ثابت النسب من الأب إذا كانت هي زانية فعرف أنه بهذا اللفظ قاذف لأمه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إلا أن مالكا لا يشترط كون أمه وأبيه مسلمين حرين، بل يشترط نفي الإحصان، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في روايته، وفي " المبسوط ": وجوب الحد هاهنا بطريق الاستحسان لا القياس، وفي القياس: لا يجب إذا تركنا كالقيام بأثر ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يحد في قذف محصنة أو نفي رجل عن أبيه.
فإن قلت: هذا كله إذا قال: لست لأبيك، فإذا قال: لست لأمك ما حكمه.
قلت: لا يحد، وبه صرح في " التحفة " لأنه صدق لأن النسب إلى الآباء لا إلى الأمهات. وقال الأترازي: يشترط في قوله ليست أن يكون على سبيل الغضب الباب، وإن كان في غير غضب فلا حد بدليل المسألة التي تلي هذه.
م: (من قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له) ش: وفي بعض النسخ يدعى إليه م: (يحد، ولو قال في غير غضب لا يحد؛ لأن عند الغضب يراد به حقيقة سبا له) ش: أي شتما له فيحد؛ لأنه يصير قاذفا لأمه م: (وفي غيره) ش: أي في غير غضب م: (يراد به المعاتبة بنفي مشابهته إياه) ش: وفي بعض النسخ أباه بالباء الموحدة م: (في أسباب المروءة) ش: منها الأخلاق الجميلة، وعن المعاشرة مع الأصحاب وإظهار الكرم.
فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين قوله في حالة الغضب أو غيرهما لست بابن فلان ولا ابن فلانة، وهي أمه التي يدعى لها حيث لا يكون قذفا، مع أن القذف يراد بهذا اللفظ.
أجيب: بأن قوله ولا ابن فلانة، يعني أن أمه وإنما ينتفي منها بانتفاء الولادة، وكان نفيا للولاة ونفي الولادة نفي للوطء، ونفي الوطء نفي الزنا، بخلاف ما إذا لم يصل لك بمعنى، ولا ابن فلانة نفي من الوالد وولادة الولد ثابتة من أمه، فصار كأنه قال أنت ولد الزنا، كذا في " الذخيرة ".
م: (ولو قال لست بابن فلان يعني جده) ش: يعني أراد به جده لا أباه م: (لم يحد؛ لأنه صادق في كلامه) ش: لأنه في الحقيقة ابن أبيه لا جده.

(6/366)


ولو نسبه إلى جده لا يحد أيضا؛ لأنه قد ينسب إليه مجازا.
ولو قال له: يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة، فطالب الابن بحده حد القاذف؛ لأنه قذف محصنة بعد موتها، ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه، وهو الوالد والولد؛ لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولا له معنى. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده على ما نبين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو نسبه إلى جده لا يحد أيضا؛ لأنه قد ينسب إليه مجازا) ش: قال الله تعالى {يابني آدم} [الأعراف: 26] ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحدود روايتان، إلا أن يتهم جده بأمه أو أراد المسألة ويجب الحد رواية واحدة.

[قذف محصنة بعد موتها]
م: (ولو قال له يا ابن الزانية وأمه) ش: أي والحال أن أمه م: (ميتة محصنة، فطالب الابن بحده حد القاذف؛ لأنه قذف محصنة بعد موتها) ش: والموت لا يزيد الإحصان بل يؤكده، وإنما قيد بكون الأم محصنة؛ لأن الحد لا يجب على قاذف غير محصن؛ لأن الله تعالى شرط الإحصان بالأبد، ثم الإحصان يثبت بإقرار القاذف أو بالبينة على المقذوف، والبينة رجلان أو رجل وامرأتان عندنا خلافا لزفر.
فإنه يشترط رجلين، فإن أنكر القاذف عن البينة لا يستحق القاذف، فالقول قوله؛ لأن الظاهر يصلح للدفع لا للاستحقاق، فلا يثبت إحصانها بالظاهر، وإنما كانت المطالبة بالحد إلى الابن؛ لأن القذف بعد الموت ألحق الشتم بالابن، فكان حق المطالبة له لدفع العار عن نفسه.
م: (ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح) ش: أي الطعن م: (في نسبه بقذفه، وهو الوالد والولد) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني الوالد والجد وإن علا، وولد الولد وإن سفل؛ لأن الجد يسمى أبا وولد الولد يسمى ابنا، وليس للأخ والأخت والعم بأن يأخذوا بالحد م: (لأن العار يلتحق به) ش: أي بكل واحد من الوالد والولد م: (لمكان الجزئية فيكون القذف متناولا له معنى) ش: أي من حيث المعنى ورد بأن التعليل بالحرية غير صحيح لتخلف الحكم عنها وإذا كان المقذوف حيا غائبا.
فإنه ليس لأحد أن يأخذ بحده إذ ذاك. وأجيب بأن الأصل في الباب هو القذف لا محالة وغيره ممن بينه وبين حريته يقوم مقامه. وإنما يقوم الشيء مقام غيره إذا وقع اليأس عن الأصل، وإنما يقع اليأس بموته فلا يقوم غير مقامه قبل موته.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة م: (على ما نبين) ش: أي عند قوله ومن قذف غيره ومات المقذوف بطل الحد.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يبطل، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -

(6/367)


وعندنا ولاية المطالبة ليس بطريق الإرث بل لما ذكرناه، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ ويثبت لولد الولد حال قيام الولد، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فمن يرثه؟ ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يريد جمع الورثة، والثاني: غير من ترث بالزوجية، والثالث: يرثه العصبات دون غيرهم.
م: (وعندنا ولاية المطالبة ليس بطريق الإرث، بل لما ذكرناه) ش: وهو بحق العلة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ولاية المطالبة للخوف من العار م: (ثبتت) ش: أي المطالبة م: (عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه روي عنه أن حق المطالبة لا يثبت لولد الميت؛ لأنه منسوب إلى أبيه لا إلى أمه، فلا يلحقه الشين بزنا أمه.
ألا ترى أنه لا يدخل ابن الميت البنت في الوقف على أولاده وأولاد أولاده. وفي الواقعات والفتوى على قول محمد.
وفي ظاهر الرواية الميت النسب يثبت منه، ويصير الولد به كريم الطرفين، فكان المقذوف ميتا دلالة، أما الوقف فهو ممنوع على رواية الحصان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس مسلم، فالوقف في معنى الوصية التي هي أخت الميراث والولد فيه يثبت إلى الأب دون الأم.
ألا ترى أنه لا يحجب عن النصف والزوجة عن الربع ويحجبهما ولد الابن، فكذلك الحكم في الوقف.
م: (ويثبت) ش: أي المطالبة م: (لولد الولد حال قيام الولد خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول ليس لولد الولد حال قيام الولد أن يخاصم؛ لأن الشين الذي يلحق الولد فوق ما يلحق ولد الولد، واعتبر هذا بطلب الكفارة.
فإنه لا خصومة فيه للأبعد مع بقاء الأقرب، ونحن نقول حق الخصومة باعتبار ما لحقه من الشين نسبة إليه، وذلك موجود في حق ولد الولد كوجوده في ابنه فإن خاصم يقام الحد لخصومته بخلاف القذف.
فإن حق الخصومة باعتبار تناول القاذف من عرضه مقصودا، وذلك لا يوجد في حق ولده وبخلاف الكفارة فإن طلبها إنما يثبت للإقرار لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الإنكاح إلى العصبات» وفي الحكم المركب على العصوبة يتقدم الأقرب على الأبعد.

م: (وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وهذا إذا كان المقذوف ميتا؛ لأنه إذا كان حيا ليس للابن أن يطالب بالحد وإن

(6/368)


خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول القذف يتناوله معنى لرجوع العار إليه وليس طريقه الإرث عندنا، فصار كما إذا كان متناولا له صورة ومعنى. ولنا أنه عيره بقذف محصن، فيأخذه بالحد، وهذا لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال، ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده، والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان المقذوف غائبا.
وإنما لم يعده القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالميت؛ لأنه ساق كلامه في قذف الميت قبل ذكر هذا، حيث ذكر ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه.
م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول ليس له أن يطالب بالحد م: (وهو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول القذف يتناوله) ش: أي الابن م: (معنى) ش: أي من حيث المعنى لا من حيث الصورة م: (لرجوع العار إليه، وليس طريقه الإرث عندنا) ش: لأن حد القذف لا يورث م: (فصار كما إذا كان متناولا له) ش: أي للابن أو العبد م: (صورة ومعنى) ش: في رجوع العار إليه بأن قذفه إنسان بالزنا ابتداء لا يجب الحد، لعدم الإحصان لكفره أو رقه.
فكذا هذا، حاصله لو كان متناولا له صورة ومعنى فإن قذفه إنسان كما ذكرنا لم يجب عليه الحد لعدم الإحصان المقذوف.
فكذا هذا إذا تناوله معنى قبل قوله وليس طريقه الإرث غير مقيد له في هذا المقام؛ لأنه لو كان طريقه الإرث أيضا لم يكن له أن يخاصم؛ لأن المانع عن الإرث موجود، وهو الكفر أو الرق، وقيل تحريم كلامه أن الحد إما أن يجب في هذه الصورة على الغائب لقذفه أمه أو المقذوف نفس هذا الابن لا الكفر لا يجوز أن يكون لأجل أمه؛ لأن الحد لا يورث، ولا أن يكون لأجل نفسه؛ لأنه ليس بمحصن.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن القاذف م: (عيره) ش: بالعين المهملة، أي رماه بالعار، يعني القاذف عير الابن الكافر أو العبد م: (بقذف محصن) ش: وهذا ظاهر؛ لأن فرض المسألة فيه م: (فيأخذه بالحد) ش: لأن كل من عير بقذف محصن جاء أن يؤخذ بحده.
م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال، ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده) ش: فجاز له أن يأخذ بالحد.
م: (والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولهذا تستحق الحقوق الراجعة إلى المعاملات كالديون ونحوها.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل جاز أن يكون المانع موجودا، فلا يثبت الحكم على المقتضى، فأجاب بقوله والكفر لا ينافي أهل الاستحقاق استحقاق أهلية الخصومة. لأن

(6/369)


بخلاف ما إذا تناول القذف نفسه؛ لأنه لم يوجد التعيير على الكمال بفقد الإحصان في المنسوب إلى الزنا،
وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة، ولا للابن أن يطالب أباه بقذف أمه الحرة المسلمة؛ لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده، وكذا الأب بسبب ابنه، ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استحقاقها باعتبار لحوق الشين، وذلك موجود في الولد الكافر والمملوك؛ لأن النسبة لا تنقطع بالرق والكفر.
م: (بخلاف ما إذا تناول القذف نفسه؛ لأنه لم يوجد التعيير على الكمال بفقد الإحصان في المنسوب إلى الزنا) ش: لأن شرط وجوب الحد الإحصان ولم يوجد

[ليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة]
م: (وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - صفة صورة قذف عبده وللعبد أم نسبة محصنة.
م: (ولا للابن) ش: أي وليس للابن أيضا م: (أن يطالب أباه بقذف أمه الحرة المسلمة) ش: وفي " الإيضاح " ولا حد وإن علا، ولا ابنه ولا أم أمه وإن يحلف، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال مالك في المشهور: للابن أن يطالب أباه بقذف أمه به، قاله أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المنذر م: (لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده) ش: أي سائر الحقوق، ولهذا إذا قتله لا يقتل به فكذا لا يحد بعبده م: (وكذا الأب) ش: أي وكذا لا يعاقب الأب م: (بسبب ابنه) ش: لأن الولد مأمور بتعظيم الأبوين وممنوع عن إضرابهما، ولهذا نهى عن التأقيت والضرر في الحد أكثر من ضرر التأقيت، فيمتنع عنه كما يمنع من التأقيت.
م: (ولهذا) ش: أي وبعدم جواز معاقبة الوالد لأجل ولده م: (لا يقاد الوالد بولده) ش: أي إذا قتله لا يقتص لأجله، وهذا لفظ الحديث قدر روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يقاد والد بولده.
م: (ولا السيد بعبده) » ش: رواه الترمذي وابن ماجه -رحمهما الله عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولفظه: «لا يقاد الوالد بالولد» انتهى. وأخرج الحاكم في " المستدرك " عنه في حديث طويل، ولفظه: لو لم يسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يقاد مملوك عن مالك، ولا ولد عن والده لا حد فيها اقذفها» .. الحديث في قصة جارية مع سيدها، ولا السيد، أي ولا يقاد سيد بعبده إذا قتله ليس في الحديث، ولا سيد بعبده، قد بيناه.

(6/370)


ولو كان لها ابن من غيره له أن يطالب بالحد لتحقق السبب وانعدام المانع.
ومن قذف غيره فمات المقذوف بطل الحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يبطل، ولو مات بعد ما أقيم بعض الحد بطل الباقي عندنا، خلافا له بناء على أنه يورث عنده، وعندنا لا يورث، ولا خلاف أن فيه حق الشرع وحق العبد، فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف، وهو الذي ينتفع به على الخصوص، فمن هذا الوجه حق العبد، ثم إنه شرع زاجرا، ومنه سمي حدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان لها ابن من غيره) ش: أي من غير القاذف، صورة ما قال الحاكم في " الكافي " رجل قال لابنه يا ابن الزانية وأمه ميتة، ولها ابن من غيره فجاء يطلب الحد م: (له أن يطالب بالحد لتحقق السبب) ش: أي سبب وجوب الحد وهو القذف م: (وانعدام المانع) ش: أي ولأجل انعدام المانع؛ لأن المانع عن إقامة الحد في حق الابن ولم يوجد في حق أخيه، وهو الأبوة يجب الحد إذا طالبه.

[قذف غيره فمات المقذوف هل يحد القاذف أم لا]
م: (ومن قذف غيره فمات المقذوف بطل الحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يبطل) ش: الحد بموت المقذوف م: (ولو مات) ش: أي المقذوف م: (بعد ما أقيم بعض الحد بطل الباقي عندنا خلافا له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بناء على أنه يورث عنده) ش: أي بني هذا الخلاف بناء على أن حد القذف يورث عند الشافعي م: (وعندنا لا يورث، ولا خلاف أن فيه) ش: أي في حد القذف م: (حق الشرع وحق العبد) ش: وهذا لا خلاف فيه.
أما كونه حق الشرع فمن حيث إن نفعه يقع عاما بإخلاء العالم عن الفساد؛ لأنه ليس ثمة آدمي مختص به. وأما كونه حق العبد فلأن فيه صيانة العرض ودفع العار عن المقذوف ثم حق الله تعالى لا يجري فيه الإرث ولا يجري فيه التداخل ولا يسقط بإسقاط العبد.
وحق العبد يجري فيه الإرث، ولا يجري فيه التداخل، وأسقط بإسقاطه، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله م: (فإنه) ش: أي فإن حد القذف م: (شرع لدفع العار عن المقذوف، وهو الذي ينتفع به على الخصوص، فمن هذا الوجه) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي من هذين الوجهين وهو قوله: فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف، وقوله: الذي ينتفع به على الخصوص مقدم الوجهين وجها، وذكر في " الجامع الصغير " الوجهين في م: (حق العبد) ش: لأن هذا يرجع إليه لا إلى الشرع.
م: (ثم إنه) ش: أي أن حد القذف م: (شرع) ش: حال كونه م: (زاجرا) ش: لأنه يزجر المقذوف م: (ومنه) ش: أي ومن كونه شرع زاجرا م: (سمي حدا) ش: وقد مضى الكلام في معنى الحد في أول كتاب الحدود.
وقال تاج الشريعة: حدا يدل على أنه حق الله؛ لأن ما يجب لله تعالى يسمى حدا كما في حد السرقة، وحد الزنا وحد الشرب وما يجب للعبد لا يسمى حدا، بل سمي قصاصا وتعزيرا.

(6/371)


والمقصود من شرع الزاجر: إخلاء العالم عن الفساد، وهذه آية حق الشرع، وبكل ذلك تشهد الأحكام. وإذا تعارضت الجهتان فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغناء الشرع، ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه، فيصير حق العبد مرعيا به، ولا كذلك عكسه؛ لأن لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة عنه، وهذا هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها، منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمقصود) ش: أي القصد م: (من شرع الزاجر إخلاء العالم عن الفساد) ش: إذ لولا الزواجر لفسدت أحوال الناس م: (وهذه آية حق الشرع) ش: أي وهذا المذكور علامة حق الشرع م: (وبكل ذلك) ش: أي وبكل ما ذكر من حق الشرع وحق العبد م: (تشهد الأحكام) ش: أما الأحكام التي تشهد على أن حد القذف حق العبد، فاشتراط الدعوى في عدم بطلانه بالتقادم.
وإنه يجب على المستأمن ولا يعمل فيه الرجوع عن الإقرار ويقيمها القاضي بعلم نفسه، ولا يخلف القاذف، وأما الأحكام التي تشهد على أنه حق الله تعالى أن الإقامة للإمام والتنصيف بالرق وأنه لا ينقلب ما لا عنده سقوط. م: (وإذا تعارضت الجهتان) ش: أي جهة حق الشرع، وجهة حق العبد م: (فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد) ش: قال ابن دريد: يقال غالب الرجل على فلان إذا حكم له بالغلب م: (تقديما لحق العبد) ش: أي لأجل تقديم حق العبد م: (باعتبار حاجته) ش: حرم: (وغناء الشرع) ش: مرعيا به حق العبد أولى بدفع حاجته وبه قال مالك وأحمد م: (ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع لله تعالى؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه) ش: يعني لو صرنا إلى تغليب حق الشرع يكون بعضهم حق لله تعالى مع كون حق العبد مرعيا؛ لأن مولى العبد له أن يستوفي ما للعبد على الناس دون العكس. وإنما يرجح حق العبد في مواضع يلزم من اعتبار حق الله تعالى إهدار حق العبد لانتهاء وفاء لحق الله تعالى؛ لأن الله غني والعبد محتاج، وهاهنا إن ترك الرعاية في حق الوارث من وجه لكن فيه رعاية حق القاذف من حيث السقوط بموت المقذوف، فإذا ثبت هذا الأصل، فنقول إنه لا يورث؛ لأن الإرث لا يجري فيما هو من حقوق الله تعالى؛ لأنه من خلافه الوارث المورث بعد موته، والله تعالى يتعالى عن ذلك.
فإن قلت: حق الله تعالى أيضا لا يسقط بموت المقذوف. قلت: نحن لا نقول بالسقوط، ولكن تعذر استيفائه لانعدام شرطه، فالشرط خصومة المقذوف، ولا يتحقق فيه الخصومة بعد الموت.
م: (فيصير حق العبد مرعيا به) ش: أي بحق الشرع كما قررناه الآن م: (ولا كذلك عكسه) ش: وهو أن يكون ما للمولى من الحق يتولاه عبده م: (لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة) ش: ولا نيابة هاهنا.
م: (وهذا) ش: أي كون حق العبد غالبا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حق الله تعالى عندنا م: (هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها منها) ش: أي من الفروع المختلف

(6/372)


الإرث إذ الإرث يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع، ومنها العفو، فإنه لا يصح عفو المقذوف عندنا ويصح عنده، ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه، ويجري في التدخل وعنده لا يجري. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العفو مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن أصحابنا من قال: إن الغالب حق العبد وخرج الأحكام، والأول أظهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها م: (الإرث) ش: أي في حق القذف فعند الشافعي يجري فيه الإرث، وعندنا لا يورث م: (إذ الإرث يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع، ومنها العفو، فإنه لا يصح عفو المقذوف عندنا ويصح عنده) ش:.
م: (ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه) ش: أي أخذ المعوض عن حد القذف، وبه قال مالك م: (ويجري في التداخل عندنا وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يجري) ش: التداخل بقذف الجماعة بكلمة واحدة أو يقذف واحدا مرارا.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العفو مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عفو المقذوف مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يصح، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله.
م: (ومن أصحابنا من قال أن الغالب حق العبد) ش: أراد من أصحابنا صدر الإسلام البزدوي فإنه ذكر في ((مبسوطه)) : أن الغالب حق العبد كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وخرج الأحكام) ش: عطفا على قول من قال، أي أجاب عن الأحكام التي تدل على أنه حق الله تعالى جواب يوافق المذهب، يقال في تفويض الإمام إن كل واحد لا يهتدي إلى إقامة الحد، وقال في عدم الإرث أي عدمه لا يستوجب كونه حق الله تعالى كالشفعة وخيار الشرط؛ لأن الإرث لا يجزئ في الأعيان.
وأجاب عن كون القصاص يورث بأنه في معنى مالك الغير؛ لأنه يملك إتلاف العين وملك الإتلاف ملك العين عند الناس، فإن الإنسان لا يملك شراء الطعام إلا الإتلاف، وهو الأصل، فصار كمن عليه القصاص كالمملوك لمن له القصاص، وهو باق، فيملك الوارث في حق استيفاء القصاص م: (والأول أظهر) ش: أي كون حق الله مغلبا أظهر، من كون حق العبد مغلبا، وعلى الأول عامة المشايخ.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه ((لمختصر الطحاوي)) : أطلق محمد في بعض المواضع، أي حد القذف من حقوق الناس، وأطلق في بعضها أنه من حقوق الله تعالى، والعبارتان صحيحتان أما قوله إنه من حقوق الناس قائما أراد أن المطالبة من حقه لما خالفه عقد من الشيئين بقذفه، وتناوله في عرضه، ولو لم يطالب لم يحد. وقوله أنه من حقوق الله تعالى أراد به نفس الحد لا المطالبة لأنه ليس يمتنع أن يكون الحق لواحد، والمطالبة لواحد كالوكيل بالبيع يطالب، وملك

(6/373)


قال: ومن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه؛ لأن للمقذوف فيه حقا فيكذبه في الرجوع، بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى؛ لأنه لا مكذب له فيه.
ومن قال للعربي: يا نبطي لم يحد لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة، وكذا إذا قال: لست بعربي لما قلنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثمن للآمر، وكذلك المشتري إذا كان وكيلا فإن قبض العبد إليه والملك للآمر.

[أقر بالقذف ثم رجع]
م: (ومن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه؛ لأن للمقذوف فيه حقا، فيكذبه في الرجوع) ش: لأنه من الأحكام التي تشهد بكونه حق العبد، ولا يصح الرجوع فيه بعد الإقرار لوجود المكذوب، وهو العبد م: (بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى) ش: منه حد الزنا والشرب والسرقة م: (لأنه لا مكذب له فيه) ش: فيقبل رجوعه، إلا أن في السرقة يسقط القطع، ويجب المال.

م: (ومن قال للعربي: يا نبطي لم يحد) ش: النبطي نسبة إلى نبط بفتحتين، وهم قوم ينزلون سواد العراق، قال الفرزدق في هجو طيء:
من أهل حرمران تصيفهم ... ومن أهل التمر كانت سطورها
وقال الفقيه أبو الليث: " النبطي ": رجل من غير العرب، وذكر عبد الله بن أحمد المالقي في تفسير المالقة الثالثة من كتاب ويسقور يدروس وبلاد الجرامقة هي بلاد النبط وهي الري والموصل والجزيرة فيما وصفه بعض الغرر حين م: (لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق) ش: من حيث الخساسة والبخل م: (أو عدم الفصاحة) ش: أي أو يراد به عدم الفصاحة، فكأنه قال في عدم الفصاحة مثل النبطي، وكذا أي وكذا لا يحد إذا قال العربي ليس بعربي م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله يراد به النسبة إلى آخره.
م: (وكذا إذا قال: لست بعربي) ش: من قبيلة فلان التي هو فيها لا يحد لما روي. وقال مالك وابن أبي ليلى: حد في رواية، والشافعي في قول: إذا نوى الشتم يحد لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يقول: لا ولي برجل بقوله إلى كتابه ليست من قريش إلا جلدته، ولأنه لما نهاه، وعن قبيلته صار كفتقه عن الجد الأعلى.
وقلنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد في أصح الرواية عنه لا يجب؛ لأنه قد يراد به التشبيه في الأخلاق والتشبيه في الجهل والكهنة، يعني عدم الفصاحة لا ولد بين التي عن الأب عادة كمن قال المصري بإقراري.
وفي " المبسوط ": ألا ترى أنه لو قال: أنت شامي أو كوفي ولا يريد بشيء من ذلك القذف ولا يحد وقدمنا إنه مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه سئل عن رجل وقال القرشي: يا نبطي، فقال: لا حد عليه.
وأما الحديث فشاذ، ويمكن أن يكون قال ذلك بطريق التعزير؛ لأنه قال إلا جلدته، وما قال

(6/374)


ومن قال لرجل: يا ابن ماء السماء فليس بقاذف؛ لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة والصفاء؛ لأن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه وإن نسبه إلى عمه أو خاله أو إلى زوج أمه فليس بقاذف؛ لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا، أما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا حد، وعن مالك إذا قال لعربي: يا رومي، أو يقال لفارسي: يا رومي أو لرومي يا فارسي، أو يقول: يا ابن الخياط لم يكن في بابه من بهذه الصفة ففي جميع ذلك يحد لدفع العار.

[ألفاظ لا تعد قذفا]
م: (ومن قال لرجل: يا ابن ماء السماء فليس بقاذف) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره، وعلل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة) ش: لأن ماء السماء لا ينحل، بل يصب في ماء السهل والجبل، وسمي النعمان بن المنذر به وكانت أم المنذر يقال لها ماء السماء لحسنها، واشتهر المنذر بأمه فقيل له المنذر ابن ماء السماء، ثم سمي به النعمان لجوده وسخائه.
م: (والصفاء؛ لأن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه) ش: أي لقب بهذا اللفظ لأجل صفائه وسخائه، ولم يذكر من هو الملقب به، وقد ذكرنا أن النعمان بن المنذر لقب به، ولقب به أيضا المأتيسا، وهو لقب عمرو بن عامر قاله الأكمل.
قلت: عمرو بن عامر بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وماء السماء لقب، [....
....] ، ومن [
..] لقب عمر ولقب به لأنه كان يلبس كل يوم حلقتين ثم يمر فيهما؛ لأنه كان يكره أن يعود فيهما، ويكره أن يلبسهما غيره.
و" مريقيا ": بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف القاف بعدها ياء أخرى مخففة ممدودة، وإنما سمي أبوه عامر بماء السماء لأنه في القحط أقام ماله مقام القطر، وكان غياثا لقومه مثل ماء السماء للأرض. وكانت أم المنذر بنت امرئ القيس أيضا فسمي بماء السماء لجمالها وحسنها، وأبوها عرف بن خيم بن مريقيا هو الذي ذكره حسان في قوله: أولاد حض حول قراءة اسم أبيهم قير بن مارية الكريم الفضل يسقون من ورد البريض النير عليهم, يرد ما بصفق بالرحيق السلاحسنة هو تقليد العنقاء، وسمي العنقاء لطول عنقه، ومارية ابنة ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية ثور عن أبيه وهي التي يضرب بها المثل، ويقال: خذها ولو بقرطي مارية، وكان يقوم ظاها بأربعين ألف دينار. وقيل: كان في موطء مارية درمان كبيض الحمام لم ير مثلها، ويقال: أول عربية تفوطت، والبريض بفتح الباء الموحدة موضع بدمشق، ويروى بالفتحات نهر بدمشق. قوله: بضيق، أي بمزج، والسلسل القذف السهل الدخول في الحلق.
م: (وإن نسبه إلى عمه) ش: أي وإن سب رجل رجلا إلى عمه، يعني قال أنت ابن فلان وإن أراد عمه م: (أو خاله) ش: أو نسبه إلى خاله م: (أو إلى زوج أمه) ش: أي أو نسبه إلى زوج أمه م: (فليس بقاذف) ش: أي لا يجب عليه بشيء م: (لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا، أما

(6/375)


الأول فلقوله تعالى: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] (البقرة: الآية133) ، وإسماعيل كان عما له، والثاني لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الخال أب، والثالث للتربية.
ومن قال لغيره: زنأت في الجبل وقال عنيت صعود الجبل حد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد لأن المهموز منه للصعود حقيقة قالت امرأة من العرب قالت امرأة من العرب: وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأول) ش: وهو ما إذا نسبه إلى عمه م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] (البقرة: الآية 133) ، وإسماعيل كان عما له، والثاني) ش: وهو ما إذا نسبه إلى خاله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (الخال أب) ش: هذا حديث غريب وفي " الفردوس " لأبي شجاع الديلمي: عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «الخال والد من لا والد له» .
م: (والثالث) ش: وهو نسبته إلى زوج أمه م: (للتربية) ش: أي لأجل تربية أباه سماه أبا؛ لأن زوج الأم بقوله عليه على قيام الآباء فيجوز أن يسمى أبا مجازا، فلما صح إطلاق اسم الأب على كل واحد منهم لم يجب الحد بالنسبة إليهم. وقال ابن القاسم المالكي في النسبة إلى هؤلاء الحد، وعند أشهب المالكي: لا حد عليه لا في حال المشاعة.

[قال لغيره زنأت في الجبل هل يحد أم لا]
م: (ومن قال لغيره: زنأت في الجبل) ش: يعني بالهمزة موضع الباء م: (وقال عنيت) ش: أي قصدت بهذا اللفظ م: (صعود الجبل حد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول إذا لم ينو م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد) ش: وبه قال الشافعي في قول م: (لأن المهموز منه) ش: أي من هذا اللفظ وهو الذقوم مستعمل م: (للصعود حقيقة) ش: وقد أراد حقيقة كلامه فيصدق، ولا يحد.
وقال وفي " الجمهرة " وغيره: زنأ في الجبل بالهمزة يزنأ زنأ أي صعد، وجاء زنأ نواز بمعنى صعد أيضا.
واستشهد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لذلك بقوله م: (قالت امرأة من العرب) ش: وقال ابن السكيت: قالت امرأة من العرب ترقص ابنا لها وتقول: أشبه أبا أمك, أو أشبه عملي, ولا تكونن كهلوف, وكل يصبح في مضجعه قد انجدل م:
(وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل)
ش: وقال في كتاب " الزيول في شرح الإصلاح ": الأبيات ما هي لامرأة، وإنما هي لرجل رأى ابنا له ترقصه أمه، فأخذه من يدها وقال: أشبه أبا أمك يخاطب ابنه، وكان أبو أمه شريفا سيدا يقول: أشبه أبا أمك. أو أشبه عملي أي كن مثل أبي أمك أو مثلي، ولا تجاوزنا في النسبة إلى غيرنا وحذف بالإضافة عن عمل للضرورة.
وهذا الرجل هو قيس بن عاصم المنقري وأم ذلك الصبي منفوسة بنت زيد الفوارس بن

(6/376)


وذكر الجبل يقرره مرادا، ولهما أنه يستعمل في الفاحشة مهموزا أيضا؛ لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز، وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا، بمنزلة ما إذا قال: يا زانئ، أو قال: زنأت وذكر الجبل إنما يعين الصعود مرادا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صرار الصبي فأخذته أمه بعد ذلك فجعلت ترقصه وتقول
أشبه أخي أو أشبهن أباك, ... أما أبي فلن تنال ذاك
عن مثاله بذاك قوله أو أشبه عما قد ذكرنا أن أصله عملي الإضافة. وقال الكاكي: أو أشبه الحمل، ثم قال الحمل اسم رجل من العرب وهو حمل بن سعد بالحاء المهملة وفتح الميم.
وقال ابن ماكولا: الحمل بن سعد بن حارثة بن معقل بن كعب بن حكم بن جناب وفد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله كهلوف: بكسر الهاء وتشديد اللام الشيخ الهرم، ويقال الثقيل الجافي الذي لا خير فيه. قوله وكل بفتحتين هو الذي ينكل على غيره فيما يحتاج إليه.
وقال الكاكي: والكل العيال وليس كذلك؛ لأنه ظن أن الواو في وكل واو العطف، وفسر الكل بالعيال، بل الواو أصلية، وهو الكل بفتحتين وقد فسرناه، قوله قد انجدل أي قدامته، يراد أنه لا يستيقظ حتى يصح.
م: (وذكر الجبل يقرره مرادا) ش: أي تقرر الصعود مرادا منه. وقوله زنأت في الجبل يعني تأكيد أن يكون المهموز للصعود حقيقة.
م: (ولهما أنه) ش: أي أن لفظ زنأت م: (يستعمل في الفاحشة) ش: حال كونه م: (مهموزا أيضا) ش: يشير بهذا إلى أن المهموز مشترك بين الفاحشة والصعود م: (لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز) ش: فمنهم العجاج، فإنه كان يهمز العالم والكايم، وقال
فحندق هامة هذا العالم
بهمزة اللين أيضا من جد في الهر العرب من التقاء الساكنين، فيقال دابة وشابة، وفي غير التقاء الساكنين كما همزة العجاج، وكما همزة الشاعر في قوله
[....
....
....
....
.....]
والدكالك جمع، وكذلك وهو الرجل المتراكم، والبرق بضم الباء الموحدة جمع برقة، وهي أرض غليظة فيها حجارة ورمل، والاستشهاد في لفظ المشتاق بالهمزة المفتوحة، فإنه في الأصل المشتاق بالألف الساكنة.
وهذا باب في التصريف يقال له باب الإبدال، وهو جعل حرف مكان غيره، ويعرف ذلك بأمره كما ذكر في موضعه، وحروف الإبدال أربعة عشر حرفا، منها الهمزة تبدل من حرف اللين للمضطر أو غير المضطر، لازم وجائز، فالبيان اللذان فيهما الإبدال من غير المضطر، فإن أرادت تفضيل هذا حقيقة فعليك بشرح [....
] ينشأ وحواشيه للعبد الضعيف.
م: (وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا) ش: يعني لما كان لفظ زنأت بالهمزة يعني

(6/377)


إذا كان مقرونا بكلمة على، إذ هو المستعمل فيه. ولو قال زنأت على الجبل، قيل لا يحد لما قلنا وقيل يحد للمعنى الذي ذكرناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
زنيت على لغة بعض العرب باعتبار التليين فيه، علم من ذلك أن القائل به أراد الزناء حقيقة، لأن يقبل هذا إلا في الغضب والمشاتمة، وصار هذا م: (بمنزلة ما إذا قال يا زانئ) ش: بالهمزة في آخره م: (أو قال: زنأت) ش: الخطاب وبالهمزة فقط، ففي هذين اللفظين يجب الحد، فكذلك في قوله زنأت في الجبل.
وقوله: وحالة الغضب كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره. وقوله تعين الفاحشة من التعيين، أي الزنا، ومراد نصب على الحال، وإنما ذكره باعتبار أن المراد من الفاحشة الزنا.
م: (وذكر الجبل) ش: جواب لما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله وتقرره مرادا، بيانه أن ذكر الجبل م: (إنما يعين الصعود مرادا إذا كان) ش: أي لفظ زنأت م: (مقرونا بكلمة على) ش: لا بكلمة في م: (إذ هو المستعمل فيه) ش: يعني أن المستعمل في معنى الصعود أن يقال زنأ عليه لا زنأ فيه.
فإن قيل إن في تجيء بمعنى على، قال الله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] (طه: الآية 71) ، أي عليها. قلنا ذكر الزمخشري أنها على حقيقتها.
قاله الكاكي، ولكن عبارة الزمخشري شبه، لكن هكذا المصلوب في الجوع يتمكن الشيء المرعي في دعائه، فكذلك قال في جذوع النخل، انتهى.
قلت: هذا لا يساعد الكاكي في جوابه على ما لا يخفى.
فإن قيل: قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " قوله في الجبل لا يحتمل الصعود لا يقال زنأ فيه، يقال: زنأ عليه، كما قال الشاعر:
لاهم أن الحارث بن جميلة ... زنأ على أبيه ثم قتله
وأجاب عنه الأترازي بقوله: لا نسلم أنه لا يقال زنأ فيه، بل ما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - عكس اللغة، فلا يسمع؛ لأن الزنأ بالهمزة لم يسمع في قوانين اللغة إلا بلفظ في على لا بلفظ على، كما في قوله زنأ في الجبل، أما قوله زنأ على أبيه فليس مما نحن فيه المهموز من الثلاثي في وما احتج به ليس بمهموز من مزيد الثلاثي من باب التفعيل، فمعنى زنأ على أبيه، أي ضيق عليه.
م: (ولو قال زنأت على الجبل) ش: اختلف المشايخ فيه م: (قيل لا يحد لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله إذا كان مقرونا بكلمة على م: (وقيل: يحد للمعنى الذي ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا.

(6/378)


ومن قال لآخر: يا زاني، فقال: لا بل أنت فإنهما يحدان؛ لأن معناه لا بل أنت زان، إذ هي كلمة عطف يستدرك بها الغلط، فيصير الخبر المذكور في الأول مذكورا في الثاني. ومن قال لامرأته: يا زانية فقالت: لا بل أنت، حدت المرأة ولا لعان لأنهما قاذفان، وقذفه يوجب اللعان وقذفها الحد، وفي البداية بالحد إبطال اللعان؛ لأن المحدود في القذف ليس بأهل له، ولا إبطال في عكسه أصلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مواضع يحد فيها القاذف والمقذوف]
م: (ومن قال لآخر: يا زاني فقال لا بل أنت) ش: أي بل أنت زاني م: (فإنهما يحدان) ش: يعني كلاهما يحدان م: (لأن معناه بل أنت زان إذ هي) ش: أي إذ هما كلمة بل م: (كلمة عطف يستدرك بها الغلط) ش: يعني بل من الحروف العاطفة موضوعة للإضراب عن الأول، والإتيان للثاني م: (فيصير الخبر المذكور في الأول) ش: وهو قوله يا زاني م: (مذكورا في الثاني) ش: أي في قوله بل أنت كما إذا قلت: جاءني زيد بل عمرو، معناه بل جاءني عمرو، فكذا هذا فيكون كل واحد منهما قاذفا، فيجب عليه الحد.
وقال الأترازي: في قوله فيصير الخبر المذكور في الأول فيه نظر؛ لأن المذكور فيه في مقام النداء لا يسمى خبرا.
ولو قال فيصير المذكور في الأول خبرا فيه كان أولى. وأجيب عنه: بأن المراد بالخبر الجزاء وحينئذ يستقيم الكلام؛ لأن أخبر خبرا خص، فيجوز أن يتعار الأعم.
فإن قيل: التصريح بالزنا شرط في إيجاب الحد ولم يوجد من الثاني، فكيف يجب عليه الحد.
قلت: أجيب بمنع نفي وجود الصريح إذ يفهم الزنا في أول ما قال، بل أنت في جواب قوله يا زان؛ لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير مثل التصريح، سواء كان قيل إذا كان كل واحد منهما قاذفا لصاحبه، فينبغي أن يكون قصاصا، فلا يجب الحد.
أجيب: بأن القذف فيه حق الله، وهو الأغلب في الفصاحة يلزم إسقاط حق الله تعالى، فلا يجوز ذلك، ولهذا لم يجز عفو المقذوف.
م: (ومن قال لامرأته: يا زانية، فقالت: لا بل أنت حدت المرأة، ولا لعان؛ لأنهما قاذفان، وقذفه يوجب اللعان، وقذفها الحد) ش: أي يوجب الحد.
م: (وفي البداية بالحد) ش: أي يحد المرأة م: (إبطال اللعان) ش: لأن اللعان شهادة وقد بطلت شهادة المرأة بحدها، وهو معنى قوله م: (لأن المحدود في القذف ليس بأهل له) ش: أي اللعان.
م: (ولا إبطال في عكسه أصلا) ش: يعني إذا قذف اللعان لا يبطل حد القذف عن المرأة م:

(6/379)


فيحتال للدرء، إذ اللعان في معنى الحد.
ولو قالت: زنيت بك فلا حد ولا لعان، ومعناه قالت بعد ما قال لها يا زانية لوقوع الشك في كل واحد منهما؛ لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح فيجب الحد دون اللعان لتصديقها إياه، وانعدامه منه ويحتمل أنها أرادت زنائي ما كان إلا معك بعد النكاح؛ لأني ما مكنت أحدا غيرك، وهو المراد في مثل هذه الحالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فيحتال للدرء) ش: أي لدرء اللعان تحد المرأة بتقديمه م: (إذ اللعان في معنى الحد) ش: يعني قائم مقام حد القذف في حق الرجل ومقام حد الزنا في حق المرأة.

[قالت المرأة زنيت بك في جواب قول الرجل يا زانية]
م: (ولو قالت زنيت بك) ش: أي لو قالت المرأة زنيت بك في جواب قول الرجل يا زانية م: (فلا حد ولا لعان، ومعناه قالت بعدما قال لها يا زانية) ش: أي معنى قولها زنيت بك أنها قالت ذلك بعدما قال الزوج لها يا زانية كما قررناه، وفيه قياس واستحسان لم يذكرهما المصنف، وإنما لم يجب الحد ولا اللعان.
وبه قال أحمد استحسانا، وبه قال [ ... ] والقياس أن يلاعنها؛ لأن هذا ليس بتصديق منها له؛ لأن المرأة لا تزني بزوجها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال أشهب: إلا أن يقول ذلك محابة ولم أرد قذفا ولا إقرارا فلا حد عليها. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حلفت أنها لم ترد الإقرار بالزنا ولم ترد قذفه بالزنا ويكتفي بين واحدة في وجه، وعليه الحدود وبها لأن هذا ليس بإقرار صحيح بالزنا.
وجه الاستحسان هو قوله: م: (لوقوع الشك في كل واحد منهما) ش: أي لوقوع الشك في كل واحد من الحد واللعان فلا يجب بالشك م: (لأنه يحتمل) ش: أي المرأة م: (أنها أرادت الزنا قبل النكاح، فيجب الحد دون اللعان) ش: أي لا يجب اللعان م: (لتصديقها إياه) ش: أي لتصديق المرأة زوجها.
م: (وانعدامه منه) ش: أي ولانعدام التصريف من الزوج م: (ويحتمل أنها أرادت زنائي ما كان إلا معك) ش: الخطاب للزوج، أي زنائي هو الذي وجد معك، يعني إذا كان الزنا موجود مني، فذاك الفعل الذي وجد مني معك م: (بعد النكاح) ش: وإلا فلا، وهو معنى قوله بعد النكاح م: (لأني ما مكنت أحدا غيرك، وهو المراد في مثل هذه الحالة) ش: أي في حالة سب الرجل امرأته بالزنا.
وفي " الفوائد الظهرية ": ولا معنى لما قال في الكتاب لا يحتمل بعد النكاح؛ لأن الوطء بعد النكاح لا يكون زنا، ومطلق القذف بالزنا محمول على الزنا حقيقة. وأجيب عليه بأن الزوج بقوله لها زانية أعصابها وهي ترد بقولها زنيت بك أعصب وأذنه ممسكة بقوله عز وجل: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] (النور: الآيه3) ، وسميت الوطء بعد النكاح زنا مجازا

(6/380)


على هذا الاعتبار يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه وعدمه منها، فجاء ما قلنا.
ومن أقر بولد ثم نفاه، فإنه يلاعن؛ لأن النسب لزمه بإقراره، وبالنفي بعده صار قاذفا فيلاعن، وإن نفاه ثم أقر به حد؛ لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان؛ لأنه حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب، والأصل فيه حد القذف، فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل، وفيه خلاف ذكرناه في اللعان، والولد ولده في الوجهين لإقراره به سابقا أو لاحقا، واللعان يصح بدون قطع النسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بطريق المشاكلة، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية194) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40] (الشورى: الآية40) .
م: (وعلى هذا الاعتبار) ش: أي على الاعتبار الاحتمالين المذكورين م: (يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه) ش: أي من الزوج م: (وعدمه منها) ش: أي وعدم القذف من المرأة تقدير هذا على هذا الاعتبار لا يكون المرأة مصدقة لزوجها، فيجب اللعان على الزوج، ولا يجب الحد على المرأة، ففي حال لا يوجب الحد عليها، ويجب اللعان على الزوج، وفي حال يجب الحد عليها، ولا يجب اللعان فوقع الشك فيما قلنا إنه لا حد ولا لعان م: (فجاء ما قلنا) .

[رجل له امرأة جاء بولده فقال ليس هو مني]
م: (ومن أقر بولد ثم نفاه فإنه) ش: عن صورة رجل له امرأة جاء بولده فقال ليس هو مني م: (يلاعن؛ لأن النسب لزمه بإقراره) ش: يعني صار الولد ولده م: (وبالنفي بعده) ش: أي بقوله بعد الإقرار ليس هو مني م: (صار قاذفا فيلاعن) ش: لأن معناه أن أمه زمن فولدته عن الزنا، وكل قذف يوجب الحد إلا حد يوجب اللعان في قذف الزوج.
م: (وإن نفاه ثم أقر به حد) ش: أي وإن نفى ولده بأن قال ليس هو مني ثم أقر به بأن قال هو ابني بطل اللعان فوجب عليه حد القذف؛ لأن الأصل في قذف المحصنات هو الحد م: (لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان؛ لأنه حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب) ش: أي تكاذب الزوجين؛ لأن كل واحد منهما كاذب في زعم صاحبه؛ لأن زعم الزوج أنها كاذبة في التكاذب الزنا، وإن زعمت الزوجة أنه كاذب في القذف بالزنا، ولهذا لو أقرت المرأة بالزنا لا يجب اللعان لعدم التكاذب، وكذا إذا كذب الزوج نفسه بعدم التكاذب.
م: (والأصل فيه) ش: أي في القذف بالزنا م: (حد القذف، فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل) ش: وهو الحد، وفيه خلاف ما ذكرناه في اللعان هذا ليس موجود في أكثر النسخ أي وفي نفي الحمل خلاف ذكره في باب اللعان، وهو أن الزوج إذا قال لامرأته ليس حملك مني لا لعان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما م: (والولد ولده في الوجهين) ش: أي فيما إذا أقر أولا ثم نفاه أو نفاه أولا ثم أقر م: (لإقراره به) ش: أي لإقرار الزوج بالولد م: (سابقا) ش: على النفي فيما إذا أقر بالولد ثم نفاه م: (أو لاحقا) ش: بالنفي فيما إذا نفاه ثم أقر به م: (واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون الولد) ش: هذا جواب عما يقال إن سبب اللعان كان نفي الولد،

(6/381)


كما يصح بدون الولد. وإن قال: ليس بابني ولا بابنك فلا حد، ولا لعان لأنه أنكر الولادة، وبه لا يصير قاذفا.
ومن قذف امرأة ومعها أولاد لا يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي أو قذفها بعد موت الولد، فلا حد عليه لقيام أمارة الزنا منها، وهي ولادة ولد لا أب له، ففاتت العفة نظرا إليها، وهي شرط الإحصان. ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد لانعدام أمارة الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلما لم ينتف الولد وجب أن لا يجري بينهما اللعان، فأجاب بقوله واللعان يصح ... إلى آخره. تقريره أنه ليس من ضرورة اللعان قطع النسب إليه؛ لأنه ينفك عنه وجودا وعدما، فاللعان شرع بلا ولد، ألا ترى أنه إذا تطاولت المدة من حين الولادة ثم نفى يلاعن بينهما ولا ينقطع النسب ولو نفى نسب ولد امرأته الأمة ينتفي النسب، ولا يجري اللعان إليه إشارة البزدوي.
م: (وإن قال: ليس بابني ولا بابنك فلا حد ولا لعان؛ لأنه أنكر الولادة، وبه لا يصير قاذفا) ش: أي بإنكار الولادة لا يصير قاذفا أمه؛ لأنه أنكر الولادة أصل، وذلك بعدم الزنا؛ لأنه إذا لم يكن فيها كيف يتصور أن يتولد بزناها، فإذا انتفى القذف فلا يجب الحد ولا اللعان بعد القذف.

م: (ومن قذف امرأة ومعها أولاد لا يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد) ش: بفتح العين، أي التي لوعنت بولد، هكذا قال في " النهاية "، ويجوز كسر العين، معناه التي لاعنت بولدها وقد صرح بهذا في " الكافي ".
م: (والولد حي) ش: يتصل بالملاعنة م: (أو قذفها بعد موت الولد، فلا حد عليه لقيام أمارة الزنا منها) ش: أي لقيام علامة الزنا منها، أي من المرأة وهي.
أي قيام إمارة الزنا منها م: (وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها) ش: أي إلى الإمارة م: (وهي) ش: أي العفة م: (شرط الإحصان) ش: أي شرط وجوب حد القذف، وهي ثابتة فلا يجب الحد.
م: (ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد) ش: ذكره التمرتاشي وكذا الملاعنة بولد ثم أكذب الزوج نفسه ولزم الولد ثم قذفها قاذف م: (فعليه الحد لانعدام أمارة الزنا) ش: وأمارة الزنا قيام ولد لا أب له ولا ولد هاهنا، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وجمهور العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولا نعلم فيه خلافا.
فإن قيل: اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها، فيكون أمارة الزنا ظاهرة، فينبغي أن لا يحد قاذفها، أجيب: بأن اللعان في جانبها قائم مقام حد الزنا بالنسبة إلى الزوج لا بالنسبة إلى غيره، فكانت محصنة في حق الغير. ألا ترى أن اللعان قائم مقام حد القذف في حقه بالنسبة إليها لا بالنسبة إلى غيرها حتى قبلت شهادته. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه في جواب السؤال المذكور اللعان قائم مقام حد القذف في حقه، فبالنظر إلى هذا الوجه تكون المرأة محصنة،

(6/382)


قال: ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه لم يحد قاذفه لفوات العفة وهي شرط الإحصان، ولأن القاذف صادق، والأصل فيه أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يجب الحد بقذفه؛ لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه. وإن كان محرما لغيره يحد؛ لأنه ليس بزنا، فالوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه، وكذا الوطء في الملك والحرمة مؤبدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فتعارض الوجهان فتساقطا.
فبقي القذف سالما عن المعارض، فوجب الحد على القاذف، انتهى.
قلت: أراد به صاحب " النهاية " ثم رد عليه بما لا يجري، ثم قال: وقال بعضهم أيضا وهو صاحب " النهاية " أيضا بخط شيخي، يعني الحافظ الكبير البخاري في جواب هذه الشبهة أن اللعان في جانبها قائم مقام حد الزنا، لكن بالنسبة إلى الزوج لا إلى غيره إلى آخر ما ذكرنا في جواب السؤال المذكور، ثم رد عليه بما لا يجري.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه لم يحد قاذفه) ش: لعدم شرط الموجب للحد، وهو إحصان المقذوف، أشار إليه بقوله م: (لفوات العفة وهي شرط الإحصان) ش: والإحصان معدوم لانعدام العفة عن الزنا م: (ولأن القاذف صادق) ش: في قذفه؛ لأن المقذوف وطئ ما لا يحل له فلا يحل القذف على الصدق، وإنما يحد على الكذب.
م: (والأصل فيه) ش: أي في حد القذف وعدم الحد م: (أن من وطئ وطئا حراما لعينه) ش: كالوطء في غير الملك من كل وجه، وهو ظاهر، ومن وجه كالوطء في الجارية المشتركة بينه وبين غيره. وهذا الوطء حرام بعينه لوقوعه زنا؛ لأن الوطء حصل في غير ملكه، إلا أنه لا يجب حد الزنا على وطء الجارية المشتركة للشبهة م: (لا يجب الحد بقذفه) ش: أي بقذف هذا الوطء الحرام لعينه من كل وجه أو من كل وجه كما بينا م: (لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه) ش: سواء كان من كل وجه أو من وجه.
م: (وإن كان) ش: أي إن كان الوطء م: (محرما لغيره) ش: أي لغيره كوطء امرأته الحائض أو النفساء أو جاريته المجوسية أو أمته المزوجة أو المكاتبة أو الحرة التي ظاهر منها، أو وطئ امرأته الصائمة ففي هذه الصورة م: (يحد) ش: قاذفه م: (لأنه ليس بزنا) ش: لعدم صدق حد الزنا عليه م: (فالوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه) ش: وقد بينا الوجهين الآن.
م: (وكذا) ش: أي وكذا حرام بعينه م: (الوطء في الملك والحرمة مؤبدة) ش: أي والحال أن الحرمة على التأبيد، كما إذا وطئ جاريته التي وطئها أبوه بعد ملك اليمين أو الشراء، وهذا وطء محرم على التأبيد، فصار كالزنا فلم يحد القاذف.
فإنه كالحرمة المؤقتة مثل وطء محرم على التأبيد مثل وطء الحائض أو أمثالها التي ذكرناها

(6/383)


فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط أن تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالإجماع أو بالحديث المشهور لتكون ثابتة من غير تردد، بيانه أن من قذف رجلا وطئ جارية مشتركة بينه وبين آخر فلا حد عليه لانعدام الملك من وجه، وكذا إذا قذف امرأة زنت في نصرانيتها لتحقق الزنا منها شرعا لانعدام الملك، ولهذا وجب عليها الحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآن م: (فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره) ش: لا بعينه.
م: (وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط أن تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالإجماع) ش: كموطوءة أبيه بالنكاح أو بملك اليمين، ثم اشتراها الابن فوطئها فلا يحد قاذفه لسقوط إحصان الواطئ بالوطء على التأبيد بالإجماع.
وكذلك إذا تزوج أختين أو تزوج امرأة وعمتها أو خالتها أو تزوج أمة على حرة أو جمعهما في العقدة فوطئها فلا حد على قاذفه لما قلنا م: (أو بالحديث المشهور) ش: أو تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالحديث المشهور، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بشهود» ، وكل الشراح ذكروا أن الحديث المشهور الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» ، وقد ذكرنا في أول النكاح أن الحديث غريب بهذا اللفظ.
واستيفاء الكلام فيه هناك م: (لتكون ثابتة من غير تردد) ش: أي ليكون ثابتا من غير تردد ويكون الحد ثابتا من غير تردد.
م: (بيانه) ش: أي بيان الأصل المذكور في المسائل يذكرها بعد م: (أن من قذف رجلا وطئ جارية مشتركة بينه وبين آخر فلا حد عليه) ش: أي على قاذفه م: (لانعدام الملك من وجه) ش: لأنه في نصيب الشريك زان، فيصير القاذف صادقا في كلامه من وجه. والقذف سقط بالشبهة والإحصان كما يزول بالزنا من وجه، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد.
(وكذلك إذا قذف امرأة) ش: أي وكذلك لا حد على القاذف إذا قذف امرأة م: (زنت في نصرانيتها) ش: ثم أسلمت وقذفها إنسان م: (لتحقق الزنا منها) ش: لأن الزنا حرام في الأديان كلها، والكفار مخاطبون بالعقوبات م: (شرعا) ش: أي من حيث الشرع م: (لانعدام الملك) ش: وهو ظاهر. وفي " المبسوط " وقذف مسلما زنى في حال كفره في دار الحرب أو في دارنا لم يحد قاذفه؛ لأن الزنا يتحقق من الكافر وإن لم يقم عليه الحد فيكون القاذف صادقا، فكان التقيد بالنصرانية اتفاقيا.
وعند مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه يحد؛ لأنه قذفه في حال كونه مسلما محصنا لعموم الآية. قلنا قاذفه صادق لما قلنا، وإنما ترتفع بالإسلام الاسم دون حقيقة الزنا م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تحقق الزنا من الكفار م: (وجب عليها الحد) ش: أي حد الزنا.

(6/384)


ولو قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية أو امرأته وهي حائض أو مكاتبة له فعليه الحد؛ لأن الحرمة مع قيام الملك، وهي مؤقتة، فكانت الحرمة لغيره فلم يكن زنا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وطء المكاتبة يسقط الإحصان، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الملك زائل في حق الوطء، ولهذا يلزمه العقر بالوطء، ونحن نقول ملك الذات باق، والحرمة لغيره إذ هي مؤقتة. ولو قذف رجلا وطئ أمته وهي أخته من الرضاعة لا يحد؛ لأن الحرمة مؤبدة، وهذا هو الصحيح.
ولو قذف مكاتبا ومات وترك وفاء لا حد عليه؛ لتمكن الشبهة في الحرية لمكان اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية]
م: (ولو قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية) ش: أي والحال أن هذه مجوسية م: (أو امرأته) ش: أي امرأته وجامعها م: (وهي حائض) ش: أي والحال أنها حائض م: (أو مكاتبة له) ش: أي أو وطئ مكاتبة له أي للواطئ م: (فعليه الحد؛ لأن الحرمة مع قيام الملك، وهي مؤقتة) ش: أي والحرمة مؤقتة [ ... ] والعار على شرف الزوال م: (فكانت الحرمة لغيره فلم يكن زنا) ش: لأن الزنا وطء لم يلاق مالك.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وطء المكاتبة يسقط الإحصان، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الملك زائل في حق الوطء، ولهذا) ش: أي ولأجل زوال الملك في حق الوطء م: (يلزمه العقر) ش: أي مهر المثل م: (بالوطء، ونحن نقول ملك الذات) ش: أي ذات المكاتبة م: (باق، والحرمة لغيره) ش: لا بعينه م: (إذ هي مؤقتة) ش: غير مؤبدة، فإن الحرمة تزول بعجزها عن المكاتبة وردوها إلى الرقبة.
م: (ولو قذف رجلا وطئ أمته وهي أخته) ش: أي الحال أنها أخته م: (من الرضاعة لا يحد) ش: أي القاذف م: (لأن الحرمة مؤبدة، وهذا هو الصحيح) ش: قيد به لأنه ظاهر الرواية، واحترز به عن رواية الكرخي أنه لا يسقط الحد عن القاذف؛ لأنه وطء في ملك مقارنة التحريم فيه لا يسقط الإحصان كوطء المرأة الحائض والمحرمة والأمة المجوسية والمزوجة والتي ظاهر منها.
ولنا أن الحرمة مؤبدة في المقيس، ومؤقتة في المقيس عليه، ولا شك أن المقيس عليه أدنى حالا من المقيس فلا يصح القيام لعدم المماثلة، فجاز أن يسقط الإحصان في الحرمة الأعلى دون الأدنى.

م: (ولو قذف مكاتبا ومات وترك وفاء لا حد عليه) ش: صورته في " الجامع الصغير " لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكافر يموت ويترك فيؤدى وفاء كتابته ويقيم ما بقي بين ورثته الأحرار ثم يقذفه إنسان قال: لا حد على قاذفه أبدا م: (لتمكن الشبهة في الحرية لمكان اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: فإنهم اختلفوا في حر أو عبد فقال بعضهم مات حرا وهو مذهب علي وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال بعضهم مات عبدا،

(6/385)


ولو قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم يحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا حد عليه، وهذا بناء على أن تزوج المجوسي بالمحارم له حكم الصحة فيما بينهم عنده، خلافا لهما، وقد مر في النكاح. وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فقذف مسلما حد؛ لأن فيه حق العبد وقد التزم إيفاء حقوق العباد، ولأنه طمع في أن لا يؤذى فيكون ملتزما أن لا يؤذي. وموجب أذاه الحد. وإذا حد المسلم في قذف سقطت شهادته وإن تاب، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل إذا تاب، وهي تعرف في الشهادات. وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة؛ لأن له الشهادة على جنسه، فترد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو مذهب زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فاختلافهم أورث شبهة في حد القاذف فقط.

[قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم]
م: (ولو قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم يحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا حد عليه) ش: أي على قاذفه.
م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف م: (بناء) ش: أي مبني م: (على أن تزوج المجوسي بالمحارم له حكم الصحة فيما بينهم عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا لهم) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله م: (وقد مر في النكاح) ش: أي في باب نكاح أهل الشرك، وبقولهما قالت الثلاثة.
م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فقذف مسلما حد) ش: بإجماع الأئمة الأربعة م: (لأن فيه) ش: أي في حد القاذف م: (حق العبد، وقد التزم) ش: أي الحربي المستأمن م: (إيفاء حقوق العباد) ش: وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا يقول لا يحد المغلب فيه حق الله تعالى، فكان بمنزلة حد الزنا ثم رجع.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحربي م: (طمع في أن لا يؤذى) ش: بفتح الذال على صيغة المجهول م: (فيكون ملتزما أن لا يؤذي) ش: بكسر الذال على صيغة المعلوم م: (وموجب) ش: بفتح الجيم م: (أذاه) ش: إذا أراه الحد وهو حد القذف.
م: (وإذا حد المسلم في قذف سقطت شهادته وإن تاب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل إذا تاب) ش: وبه قال مالك والليث وعثمان - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والمحدود في الزنا والشرب أو السرقة تقبل شهادته بالاتفاق إلا عند الحسن بن حي والأوزاعي -رحمهما الله.
فإن كان عندهما لا تقبل شهادته من حد في الإسلام في قذف أو غيره أبدا، كذا ذكره أبو بكر الرازي في " شرح الطحاوي " م: (وهي تعرف الشهادات) ش: أي هذه المسألة الخلافية تعرف في كتاب الشهادات.
م: (وإذا حد الكافر في قذف لم تقبل شهادته على أهل الذمة؛ لأن له الشهادة على جنسه فترد تتمة

(6/386)


تتمة لحده، فإن أسلم قبلت شهادته عليهم وعلى المسلمين؛ لأن هذه شهادة استفادها بعد الإسلام فلم تدخل تحت الرد، بخلاف العبد إذا حد حد القذف، ثم أعتق حيث لا تقبل شهادته؛ لأنه لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده، فإن ضرب سوطا في قذف ثم أسلم ثم ضرب ما بقي جازت شهادته؛ لأن رد الشهادة متمم للحد، فيكون صفة له. والمقام بعد الإسلام بعض الحد، فلا يكون رد الشهادة صفة له. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ترد شهادته إذ الأقل تابع للأكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحده، فإن أسلم قبلت شهادته عليهم) ش: أي على أهل الذمة م: (وعلى المسلمين؛ لأن هذه شهادة استفادها بعد الإسلام، فلم تدخل تحت الرد) ش: يعني هذه الشهادة غير تلك الشهادة الموجودة، إذ بالإسلام حصل له عدالة الإسلام، فلما كانت هذه غيرها ولم يلحقها قبلت على أهل الإسلام، ثم على أهل الذمة تبعا لهم.
م: (بخلاف العبد) ش: جواب عما يقال العبد إذا قذف فضرب الحد ثم أعتق لا تقبل شهادته، فكيف قبلت شهادة الكفر إذا أسلم فأجاب بقوله بخلاف العبد م: (إذا حد حد القذف ثم أعتق حيث لا تقبل شهادته؛ لأنه) ش: أي لأن العبد م: (لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده) ش: بيانه أن العبد لا شهادة له أصلا في حال رقه، فلا بد في حد القذف رد الشهادة، وإنما يحصل شهادة العبد بعد العتق فيرد؛ لأنه تتمة الحد. أما الكفر فله شهادة على جنسه فرد بالحد ثم بعد الإسلام حدثت شهادة أخرى لم يلحقها رد فقبلت.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإن ضرب سوطا) ش: أي وإن ضرب القاذف الكافر سوطا م: (في قذف ثم أسلم ثم ضرب ما بقي جازت شهادته؛ لأن رد الشهادة متمم للحد، فيكون صفة له) ش: أي للحد م: (والمقام) ش: بضم الميم، أي الذي يقام م: (بعد الإسلام بعض الحد، فلا يكون رد الشهادة صفة له) ش: أي للحد واعترض بأن المقام بعد الإسلام إن كان بعض الحد، فالمقام قبل الإسلام كذلك. فكان لا يكون رد الشهادة صفة لما أقيم بعد الإسلام كذلك لا يصح أن يكون صفة لما أقيم بعد الإسلام بل جعل صفة لما أقيم بعد الإسلام أولى، لما أن العلة إذا كانت ذات وصفين، فاعتبار وصف الأخير على ما عرف في موضعه.
والجواب: أما لم يجعل الرد صفة لا للقيام قبل الإسلام ولا للمقام للقيام بعده. وإنما قلنا إن الرد صفة للحد، والحد ثمانون، فلم يوجد، فلم يترتب القيمة. وقيل في الجواب: النص ورد بالأمر بالحد والنهي عن قبول الشهادة، وكل واحد منهما غير مرتب على الآخر نصا فيتعلق كل واحد منهما لما يكن، والممكن زمان التي رد شهادة قائمة للحال فيتقيد به م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ترد شهادته إذ الأقل تابع للأكثر) ش: الأقل هو المبسوط الموجود قبل الإسلام،

(6/387)


والأول أصح.
قال: ومن قذف أو زنى أو شرب غير مرة فحد، فهو لذلك كله،
أما الآخران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأكثر هو الموجود في الإسلام أعني تسعة وسبعين سوطا، فصار كأن الثمانين وجد بعد الإسلام وهذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا ثلاث روايات روي عنه إذا ضرب سوطا في الإسلام لا تقبل شهادته، وعنه إذا ضرب الأكثر في الإسلام بطلت شهادته، وعنه ما لم يضرب كل في الإسلام لا تبطل شهادته، وهو المعروف وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وكذا إذا ضرب المسلم بعض الحد ثم يضرب فيه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ما لم يضرب جميع الحد لا تبطل شهادته. وفي رواية يبطل بضرب سوط. وفي رواية لا يبطل ما لم يضرب الأكثر م: (والأول أصح) ش: أي جواز الشهادة.

[الحد على من شرب أو زنى أو قذف غير مرة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شرب أو زنى أو قذف غير مرة) ش: أي غير مرة أو زنى غير مرة أو قذف غير مرة قوله غير مرة ليس بقيد لقوله أو قذف وحده بل للكل م: (فحد فهو لذلك كله) ش: أي فهذا الحد يقع للجميع كله، وبه قال مالك والثوري وابن أبي ليلى والشعبي والزهري والنخعي وقتادة وحماد وطاووس وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول.

وفي " المبسوط ": ولو قذف الجماعة بكلمة واحدة بأن قال إنها الزنات أو كلمات متفرقة بأن قال: يا زيد أنت زان، ويا عمرو أنت زان، ويا خالد أنت زان لا يقام عليه إلا حد واحد عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن قذفهم بكلام واحد فكذلك الجواب. ولو قذفهم بكلمات أو لواحد مرات يجب لكل قذف حد عنده، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. أما الأولان قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما الأولان أي حد الشرب وحد الزنا قال الأترازي: الأخريان، وهذه نفي النسخة الصحيحة تحقيقا وسماعا. وفي بعض النسخ قال: أما الأول فذاك ليس بشيء أما التفصيل لأنه ذكر أولا ثلاثة أشياء: القذف، والزنا، والشرب على الترتيب، ثم قال الأخريان، وأراد بهما الزنا والشرب، انتهى.
قلت: ما حمله على هذا الكلام إلا أن نسخة كانت هكذا ومن قذف أو زنى أو شرب فكذلك مع أن يقال أما الأولان بل الصحيح أما الأولان النسخة الصحيحة ومن شرب أو زنى أو قذف مسلما ذكرنا، وكذا كانت نسخة شيخنا علاء الدين كان آية تحقيق " الهداية "، وكذلك كلام الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشير إلى هذا. ومع هذا قال الأترازي: لو قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أما الآخران) ش: بلفظ بالبدل التذكير سور الخاء كان أولى لأن الزنا والشرب مذكور، فيصح اللفظ، بل تأويل يعني ما قال يحتاج إلى التأويل بأن يقال العلتان الأخريان أو الخصلتان، انتهى.

(6/388)


فلأن المقصد من إقامة الحد حقا لله تعالى الانزجار واحتمال حصوله بالأول قائم فيتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني، وهذا بخلاف ما إذا زنى وقذف وسرق وشرب؛ لأن المقصود من كل جنس غير المقصود من الآخر، فلا يتداخل. وأما القذف فالمغلب فيه عندنا حق الله فيكون ملحقا بهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن اختلف المقذوف به وهو الزنا لا يتداخل؛ لأن المغلب فيه حق العبد عنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لو كانت نسخة مثلها ذكرنا لما احتاج إلى هذه التكلفات م: (فلأن المقصد من إقامة الحد حقا لله تعالى الانزجار) ش: أي فلأن القصد الكلي من إقامة الحد حال كونه حقا لله تعالى أو لأجل حق الله تعالى يحصل الانزجار للمقذوف حتى لا يباشره في المستقيد ويرتدع أيضا.
م: (واحتمال حصوله) ش: أي حصول المقصد، وهو الانزجار م: (بالأول) ش: أي بالحد الأول م: (قائم فيتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني) ش: أي في الحد الثاني، حاصله أن الثاني يتعطل عما هو المقصود، وهو الانزجار والحدود تندرئ بالشبهات، بخلاف ما إذا زنى فحد، ثم زنى يجب حد آخر للنفس المتيقن بعد الانزجار م: (وهذا بخلاف ما إذا زنى وقذف وسرق وشرب؛ لأن المقصود من كل جنس) ش: من هذه الأشياء م: (غير المقصود من الآخر) ش: فحد الزنا لصيانة الإنسان، وحد القذف لصيانة الأعراض وحد السرقة لصيانة الأموال وحد الشرب لصيانة العقول. وإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يتداخل) ش: بل يقام لكل واحد منهما ما يقتضي حده.
م: (وأما القذف فالمغلب فيه حق الله تعالى عندنا، فيكون ملحقا بهما) ش: أي بحد الزنا والشرب، قاله الأترازي. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ملحقا بهما، أي بحد الزنا والسرقة. قلت: المذكور بغير لفظ قذف ثلاثة، فكيف يرجع ضمير التثنية إلى الثلاثة، والظاهر أن قوله بهما يرجع إلى السرقة والشرب؛ لأنهما أقرب المذكور.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اختلف المقذوف) ش: كزيد وعمرو م: (والمقذوف به) ش: أي واختلف المقذوف كقذف زيد بزناه من مختلفين. قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني زنيت بفلانة ثم قال: زنيت بفلانة الأخرى م: (وهو الزنا) ش: أي المقذوف به هو الزنا م: (لا يتداخل لأن المغلب فيه) ش: أي في الزنا م: (حق العبد عنده) ش: أي عند الشافعي وقد مر الكلام فيه.
فروع: لو قال فجرت بفلانة أو قال جامعتها حراما لا حد عليه لم يقذفها بالزنا؛ لأن الجماع يكون نكاح فاسد. ولو قال لامرأة زنيت بحمار أو بعير أو ثور لا يحد؛ لأن معناه أولج فيك حمار. ولو صرح لا يحد. لو قال: زنيت بناقة أو بدراهم أو شرب يحد؛ لأن معناه زنيت وأخذ هذا. ولو قال: هذا الرجل لا يحد كل هذه من المسائل.

(6/389)


فصل في التعزير
ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر؛ لأنه جناية قذف وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان، فوجب التعزير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في التعزير] [التعزيرتعريفه ومشروعيته]
م: (فصل في التعزير)
ش: أي هذا فصل في بيان حكم التعزير، والتعزير تأديب، وهو الحد من أعزر وهو الردع، ويجيء التعزير بمعنى التعظيم، والضمير كما في قَوْله تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] (النساء: الآية 34) ، أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا، وبالنية قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع عصاك عن أهلك» . «وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عزر رجلا قال لغيره: يا مخنث» وعنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من علق سوطه حيث يراه أهله» ، وبإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبالمعنى وهو أن الزجر عن الجنايات وهو الأفعال واجب تعليلا لها والتقدير صالح الزجر فيكون شروعا.
وذكر التمرتاشي عن الوصي وليس فيه شيء مقدر بل يفوض إلى رأي القاضي لأن المقصود منه الزجر، وأحوال الناس مختلفة فيه. فمنهم من يزجر بالنصيحة ومنهم من يحتاج إلى اللطمة وإلى الضرب. ومنهم من يحتاج إلى الحبس، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التعزير على مرات التعزير أشراف الأشراف، وهما العلماء والعلوم وبالإعلام، وهو أن يقول له القاضي، بلغني أنك تفعل كذا، فلا يفعل فيسير جوابه، وتعزير الأشراف وهم الأمراء، والدنيا بالإعلام والجذب إلى باب القاضي والخصومة في ذلك.
وتعزير الأوساد وهم السوقة بالأعلام والحر والحبس وتعزير الأحياء بهذا كله، وبالضرب عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز تعزير السلطان بأخذ المال عندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد رحمهما الله لا يجوز بأخذ المال. وعن التمرتاشي يجوز إقامة التعزير الذي يجب حقا لله تعالى، فكل أحد فعليه النيابة.
وسئل الهمداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - عمن وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله؟ قال: إن كان يعلم أنه ينزجر عن الزنا بالصياح والضرب بما دون السلاح. وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له قتله، وإن طاوعته المرأة يحل قتلها أيضا.
وقال التمرتاشي: وهذا تنصيص على أن التعزير يملكه الإنسان، وإن لم يكن مما صرح في " المنتقى " بذلك، بهذا يجوز للمولى أن يعزر عبده أو أمته.

[حيث فقد الحد وجب التغزير]
م: (ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر) ش: هذه مسألة القدوري. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه جناية قذف، وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان، فوجب التعزير) ش: بإجماع الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر العلماء.

(6/390)


وكذا إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال: يا فاسق أو يا كافر أو خبيث أو يا سارق؛ لأنه أذاه وألحق الشين به، ولا مدخل للقياس في الحدود، فوجب التعزير، إلا أنه يبلغ بالتعزير غايته في الجناية الأولى؛ لأنه من جنس ما يجب به الحد. وفي الوجه الثاني الرأي إلى الإمام. ولو قال: يا حمار أو يا خنزير لم يعزر؛ لأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن داود يجب الحد على قاذف العبد. وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى: يحد قاذف ذمية لها ولد مسلم.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يجب التعزير م: (إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو خبيث أو يا سارق؛ لأنه أذاه وألحق الشين به) ش: وكذا لو قال: يا نصراني أو يا ابن النصراني أو يا لوطي، أو يا من يعمل عمل قوم لوط، أو يا من يلعب بالصبيان، يا آكل الربا، يا شارب الخمر، يا ديوث، يا فاجر، يا منافق، يا مخنث، يا خائن، يا ابن القحبة، يا زنديق، يا فوطان، يا مأوى الزواني أو اللصوص عزر في ذلك كله.
وفي يا لوطي سئل عن نيته، إن أراد به أنه من قوم لوط فلا شيء عليه، وإن أراد أنه يعمل عمل قوم لوط إما فاعلا أو مفعولا به فعليه الحد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد وأحمد ومالك والشافعي والحسن والنخعي والزهري وأبي ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنه قذف بما يوجب الحد، كما لو قذفه بالزنا.
وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا حد عليه ويعزر، وبه قال قتادة وعطاء. والصحيح أنه إذا كان عفيفا يعذر. وفي " فتاوى الولوالجي " ولو قال: يا فاجر أو يا ابن الفاجرة الفاسقة عليه التعزير فقط.
م: (ولا مدخل للقياس في الحدود، فوجب التعزير) ش: أراد أنه لم يأت نص بالحد في الأشياء المذكورة. وفي القياس ليس له دخل في الحدود؛ لأنها من المقدمات الشرعية، فإذا كان كذلك وجب التعزير لأجل الردع كما ذكرناه عن قريب.
م: (إلا أنه) ش: أي عين أن الشأن م: (يبلغ) ش: من التبليغ فيتبعه المجهول م: (بالتعزير غايته في الجناية الأولى) ش: أي فيما إذا قذف غير المحصن بالزنا م: (لأنه) ش: أي لأن القذف بالزنا م: (من جنس ما يجب به الحد) ش: أي في المحصن.
م: (وفي الوجه الثاني) ش: أي فيما قذف المحصن، يعني الزنا كالفسق والكفر م: (الرأي إلى الإمام) ش: يرى فيه بما يقتضيه حال القاذف وحال القذف.
م: (ولو قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر؛ لأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه) ش: فإنه يعلم أنه آدمي، وليس بحمار، وإن القاذف كاذب، وكذا لو قال يا معز، أو يا بقر، أو يا خنزير، أو يا

(6/391)


وقيل في عرفنا يعزر؛ لأنه يعد سبا. وقيل: إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلوية يعزر؛ لأنه يلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان من العامة لا يعزر، وهذا حسن.
والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطا، وأقله ثلاث جلدات. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبلغ التعزير خمسا وسبعين سوطا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دب، أو يا حجام، أو يا مؤاجر، أو يا عيار، أو يا ماكر، أو يا سكوين، أو يا سخرة، أو يا ضحكة، أو يا بمجال، أو يا ولد الحرام، أو يا أبله، لم يعزر، وقيل يعزر وبه قالت الثلاثة.
وقال في " الأجناس ": لو قال يا ابن القرطبان عليه التعزير؛ لأنه هو الذي يعم رجلا بامرأته رجاء أن يصيب منه مالا. قال: قوله بقرطبان الذي يرجو أن يدخل الرجال على نسائه. وقال القرطبان والكحان لم أرهما في كلام العرب ومعناهما عند العامة مثل الديوث أو قريبا منه والديوث الذي يدخل الرجل على امرأته، ولهذا قال أحمد في الكحان: يعزر، وبه قال أصحابنا. ولو قال يا بليد، يا قذر يعزر. ولو قال: يا سفيه يعزر، ولو قال يا ابن الأسود وأبوه ليس كذلك، أو قال: أنت حجام أو أنت مفسد، أو قال: قول الهند " أوان لأنه بعديا ".
م: (وقيل: في عرفنا يعزر؛ لأنه يعد سبا) ش: أي لأن قوله يا حمار أو يا خنزير يعد سبا، أي شتما م: (وقيل إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلوية يعزر؛ لأنه يلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان) ش: أي المسبوب م: (من العامة لا يعزر، وهذا) ش: أي وهذا القول م: (حسن) ش: وهو قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[أقل التعزير وأكثره]
م: (والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطا، وأقله ثلاث جلدات) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخره. وقال: في العبد تسعة عشر سوطا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حد لأكثره فيجوز للإمام أن يزيد التعزير على الحد إذا رأى المصلحة في ذلك، لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به لصاحب بيت المال فأخذ منه مالا فبلغ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فضربه مائة وحبسه وكلم فيه فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد فضربه مائة أخرى ونفاه. وروى أحمد بإسناده أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتى بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين للشرب، وعشرين سوطا لفطره في رمضان، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من بلغ حدا في حد غيره حد، فهو من المعتدين» ويجيء الآن. وحديث معن يحتمل أنه كانت له ذنوب كثيرة فأدب على حيضها أو تكرر منه، أو كان ذنبه مهملا على باب أحدهما تزوير والثاني أخذ المال من بيت المال بغير حقه. والثالث فتحه باب هذه الحيلة لغيره، وغير هذا. وأما حديث النجاشي فأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضربه الحد لشربه ثم عزره عشرين.
م: (وقال) ش: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يبلغ التعزير خمسا وسبعين سوطا) ش: وهذا ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى ما نقل صاحب " الأجناس " عن الحدود

(6/392)


والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصل: لا في التعزير ويضرب المضروب قائما، وأقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون لا يبلغ أربعين سوطا في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبلغ عنه خمسة وسبعين سوطا، ثم قال في " نوادر " هشام عن أبي يوسف رحمهما الله: تسعة وسبعين سوطا، لكن هذا في تعزير الحر. وأما في تعزير العبد قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقص خمسة عن أربعين، كذا ذكره صاحب " التحفة ".
وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر الرواية مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية قوله مع أبي يوسف كذا ذكره في " المختلف " وقول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ". وذكر في " شرح الأقطع " زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من بلع حدا في غير حد فهو من المعتدين» هذا الحديث أخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النعمان بن بشير. وقال في " المحصول " مرسل، ورواه محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الآثار " مرسلا.
وقال في " التنقيح " رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا محمد بن حصين الأصبحي ثنا عمرو بن علي المقدمي حدثنا معمر عن خالد بن الوليد عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بلغ...... الحديث. قوله. من بلغ قال صاحب " النهاية ": بلغ بالتخفيف هو السماع، وهكذا ذكر في " الفوائد الظهيرية "، فإنه قال بلغ بالتخفيف، أي كما في بلغ المكان، أي إياه، فصار تقدير الحديث من أتى حدا في موطن لا يجب الحد فهو من المعتدين. وهكذا نقل عن العلامة شمس الأئمة الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هكذا ذكر في " الكافي ". وفي " المغرب ": التنقيل إن صح على حذف المفعول الأول كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فليبلغ الشاهد الغائب» . وقَوْله تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] (المائدة: الآية67) ، على حذف المفعول الثاني. والتعزير من بلغ التعزير حدا وإنما حسن الحذف لدلالة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في غير حد ولهذا قالوا لا يجوز تبلغ غير الحد. وقيل التخفيف أولى لعدم الحاجة إلى الإضمار. وفي " الفوائد المختارية " بالتشديد معناه أن لا يبلغ الحد غير الحد، وهذا غير مستقيم، وفيه تأمل؛ لأن هذا على تقدير حذف المفعول الثاني. فأما على تقدير حذف المفعول الأول كما ذكر في " المغرب " مستقيم.

(6/393)


وإذا تعذر تبليغه حدا، فأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله نظرا إلى أدنى الحد، وهو حد العبد في القذف، فصرفاه إليه وذلك أربعون، فنقصا منه سوطا. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر أقل الحد في الأحرار، إذ الأصل هو الحرية، ثم نقص سوطا في رواية عنه، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس. وفي هذه الرواية نقص خمسة، وهو مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلده ثم قدر الأدنى في الكتاب بثلاث جلدات؛ لأن ما دونها لا يقع به الزجر. وذكر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن أدناه على ما يراه الإمام يقدر بقدر ما يعلم أنه ينزجر؛ لأنه يختلف باختلاف الناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا تعذر تبليغه حدا) ش: أي تبليغ التعزير، حدا هو منصوب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله م: (فأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله نظرا إلى أدنى الحد، وهو حد العبد في القذف، فصرفاه إليه) ش: أي صرف أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله التعزير إلى حد العبد م: (وذلك) ش: أي حد العبد في القذف م: (أربعون، فنقصا منه) ش: أي من الأربعين م: (سوطا) .
م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر أقل الحد في الأحرار، إذ الأصل هو الحرية، ثم نقص سوطا في رواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي نقص السوط الذي هو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو القياس) ش: لأن الحاجة ماسة إلى إظهار التعارف بين الحد والتعزير، وبنقص الواحد يقع التعارف.
م: (وفي هذه الرواية) ش: أي رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهي رواية " الجامع الصغير " أيضاَ م: (نقص خمسة، وهو مأثور) ش: أي مروي م: (عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهذا غريب.
وذكره البغوي في " شرح السنة " عن ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولم يتعرض أحد من الشراح إلى بيان أصل هذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فقلده) ش: أي فقلد أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ثم قدر الأدنى في الكتاب) ش: أي قدر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدنى التعزير في " مختصره " م: (بثلاث جلدات؛ لأن ما دونها لا يقع به الزجر) ش:.
م: (وذكر مشايخنا) ش: في شروح الجامع الصغير م: (أن أدناه) ش: أي أدنى التعزير م: (على ما يراه الإمام يقدر) ش: يجتهد في ذلك، وتقديره م: (بقدر ما يعلم أنه ينزجر؛ لأنه) ش: أي لأن التعزير م: (يختلف باختلاف الناس) ش: لأن الناس يتعاونون، فواحد ينزجر بأدنى ضربات ويعتبر به، ولا ينزجر بأحيان ذلك الآخر. وروي مثل ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولهذا قال في " الأجناس " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعزير إن رأى القاضي أن يحبسه ولا يضربه فعل ذلك، وهو إلى الولي يعمل فيه برأيه، وعلى الوالي أن يجتهد في ذلك.

(6/394)


وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على قدر عظم الجرم وصغره، وعنه أنه يقرب كل نوع من بابه فيقرب اللمس والقبلة من حد الزنا والقذف بغير الزنا من حد القذف.
قال: وإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل؛ لأنه صلح تعزيرا، وقد ورد الشرع به في الجملة، حتى جاز أن يكتفى به، فجاز أن يضم إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التعزير م: (على قدر عظم الجرم وصغره) ش: هذه رواية أبي سليمان بإملائه، ذكره الناطفي في كتاب " الأجناس ". قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - التعزير على قدر عظم الجرم وصغره، وعلى قدر ما يرى الحاكم في ذلك، وعلى قدر احتمال المضروب، لضعف بدنه يتحرى في ذلك.
وقال في " نوادر ابن رستم " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل شتم الناس إن كان له مروءة وعظ، وإن كان دون ذلك حبس، وإن كان ساما ضرب وحبس. قال: والمروءة عندي في الدين والصلاح. قال في " خلاصة الفتاوى ": سمعته من ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي أو الوالي جاز، ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال، إلى هنا لفظ " الخلاصة ".
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يقرب كل نوع من بابه) ش: أي يقرب كل نوع من باب الجرم في باب التعزير، ويوضح ذلك بقوله م: (فيقرب اللمس والقبلة من حد الزنا) ش: يعني يعزر في اللمس الحرام والقبلة الحرام أكثر جلدات التعزير م: (والقذف بغير الزنا) ش: أي يقرب القذف بغير الزنا، لقوله يا كافر، ويا خبيث م: (من حد القذف) ش: فيضرب أقل جلدات التعزير.
وفي " شرح الأقطع ": لو شهدوا عند الإمام على أحد أنه قبل أجنبية أو لها رومي، أي شجاع عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على قدر ما يراه الإمام في كل نوع فانقذف بغير الزنا يقرب من حد القذف أو شرب الخمر من شرب الخمر والوطء فيما دون الفرج يقرب من حد الزنا يعتبر كل شيء بموجده.

[التعزير يخضع لاجتهاد الإمام]
م: (وإذا رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل؛ لأنه) ش: أي الحبس م: (صلح تعزيرا، وقد ورد الشرع به في الجملة) ش: أي الحبس. وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا علي بن سعيد الكندي وقال حدثنا ابن المبارك عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه» م: (حتى جاز أن يكتفى به) ش: أي الحبس م: (فجاز أن يضم إليه) ش: أي يضم الحبس إلى الضرب.

(6/395)


ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته، كما شرع في الحد؛ لأنه من التعزير.
قال: وأشد الضرب التعزير؛ لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف، كيلا يؤدي إلى فوات المقصود، ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء. قال: ثم حد الزنا لأنه ثابت بالكتاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: الإيضاح أن الحبس يصلح للتعزير فيما يجب فيه التعزير م: (لم يشرع) ش: أي الحبس م: (في التعزير بالتهمة) ش: أي بسبب التهمة م: (قبل ثبوته) ش: بأن شهد شاهدان مستوران على أنه قذف محصنا، فقال: يا فاسق أو يا كافر فلا يحسب التهم قبل تعزير الشهود م: (كما شرع) ش: أي الحبس م: (في الحد) ش: بسبب التهمة؛ لأن في باب الحد شيئا آخر فوق الحبس، وهو إقامة الحد عند وجود موجبه، فيجوز أن يحبس في تهمة لتناسب إقامة العقوبة الأدنى بمقابلة الذنب الأدنى. وفي باب الأموال والتعزير لا يحبس بالتهمة لأن الأقصى فيها عقوبة الحبس، فلو حبست بالتهمة فيهما لكان إقامة التوبة الأعلى مقابلة الذنب الأدنى، وهو مما يأباه الشرع م: (لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (من التعزير) ش: والتعزير لم يشرع بالتهمة لما ذكرنا.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأشد الضرب التعزير؛ لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف كيلا يؤدي إلى فوات المقصود) ش: هو الزجر. واختلف المشايخ في شدته، قال في " شرح الطحاوي ": وقال بعضهم وهو المجمع في عضو لجمع الأسواط في عضو واحد، ولا يفرق على الأعضاء بخلاف سير الحد.
وقال بعضهم: لا بل شدته في الضرب لا في الجمع. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشد الضرب ضرب الزاني، ثم حد القذف ثم التعزير. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلها سواء. وقال الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الكافي " وضرب التعزير أشد من ضرب الزنا، وضرب الزاني أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القاذف، وضرب القاذف أحق من جميع ذلك، ويجوز في سائره، إلا أن في حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون التخفيف في التعزير من حيث العدد دون الوصف م: (لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء، قال) ش: لأنه جرى النقصان من حيث العدد، فلو جرى التخفيف من حيث التفريق لفات المقصود، وهو الزجر. وذكر في " المبسوط ": ولهذا يجرد ويعزر في إزار واحد. وعند الأئمة الثلاثة حكم ضرب التعزير حكم ضرب الزنا، وذكر في " المحيط " أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في حدود الأصل أن التعزير يفرق على الأعضاء، ولا يضرب العضو الذي لا يضرب في الزنا. وذكر في أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد.
م: (ثم حد الزنا) ش: أي أشد من ضرب الشارب م: (لأنه ثابت بالكتاب) ش: والسنة، وسببه وهو الزنا من أعظم الذنوب، ولهذا شرع فيه أعظم العقوبات، وهو الرجم.

(6/396)


وحد الشرب ثبت بقول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم، ثم حد الشرب؛ لأن سببه متيقن به، ثم حد القذف لأن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا، ولأنه جرى فيه التغليظ من حيث رد الشهادة فلا يغلظ من حيث الوصف.
ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر. لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ، بخلاف الزوج إذا عزر زوجته؛ لأنه مطلق فيه والإطلاقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وحد الشرب ثبت بقول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: فلذلك كان ضرب دون ضرب الزنا فوق ضرب القذف م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزنا م: (أعظم جناية، حتى شرع فيه الرجم ثم حد الشرب؛ لأن سببه) ش: وهو شرب الخمر م: (متيقن به) ش: لأنه ثابت يقينا بالبينة م: (ثم حد القذف؛ لأن سببه محتمل لاحتمال كونه) ش: أي كون القاذف م: (صادقا) ش: في قذفه ولا يقدر على إثبات زنا المقذوف؛ لأنه قل ما يحصل من يشهد على فعل المقذوف كالميل في المكحلة.
م: (ولأنه جرى فيه) ش: أي في حد القذف م: (التغليظ من حيث رد الشهادة، فلا يغلظ من حيث الوصف) ش: فلا يغلظ بشدة الضرب وحد القذف أحق في الجمع؛ لأن شارب الخمر قل ما يخلو عن القذف، فيصير كل شارب جامعا بين الشرب والقذف، فيتحقق منه جنايتان ومن القاذف جناية واحدة، فلهذا كان ضربه أحق من ضرب الشارب وإن كان منصوصا عليه.

[من مات بسبب التعزير]
م: (ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر) ش: يعني لا يجب شيء على الإمام على بيت المال، وبه قال أحمد ومالك رحمهما الله، إلا أن مالكا قال: إذا ضربه تعزيرا مثله لا يضمن. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن. وفي محل الضمان قولان، أحدهما في بيت المال، والثاني على عاقلة الإمام هكذا ذكره الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما هدر الدم في الحد فبالإجماع.
وأما في التعزير فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن في ماله وفي قوله: في بيت المال م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام: (فعل ما فعل بأمر الشرع وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد) ش: الذي يقصد م: (والبزاغ) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاي، وفي آخره غين معجمة من بزغ البيطار الدابة من باب منع، أي أسال دمها من قوائمها واسم الحديدة التي يفعل بها ذلك " المبزغ " بكسر الميم، وهو كمشرط الحجامة، وهذا إذا لم يتجاوز الموضع المعتاد فمات أو المبزوغ المقصود لا يلزم الضمان، كذا هنا.
م: (بخلاف الزوج إذا عزر زوجته) ش: فماتت يجب عليه ضمان الدية م: (لأنه مطلق فيه) ش: أي مباح فعله م: (والإطلاقات تتقيد بشرط السلامة) ش: فإذا فاتت السلامة يلزم الضمان م: (كالمرور في الطريق) ش: والاصطياد إذا أتلف من ذلك الوجه شيء يلزم الضمان بكونه مقيدا

(6/397)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الدية في بيت المال؛ لأن الإتلاف خطأ فيه إذ التعزير للتأديب، غير أنه تجب الدية في بيت المال؛ لأن نفع عمله يرجع إلى عامة المسلمين، فيكون الغرم في مالهم قلنا لما استوفى حق الله بأمره صار كأن الله أماته من غير واسطة، فلا يجب الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشرط السلامة.
بخلاف ما لو جامع امرأته فماتت أو أفضاها حيث لا يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط " مع أنه مباح، فينبغي أن يتقيد بشرط السلامة؛ لأنه ضمن المهر للجماع، فلو وجبت الدية يجب ضمانان بمقابلة فعل واحد ذكر الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضرب امرأته على ترك الصلاة، ويضرب ابنه على تركها.
والمعلم إذا أدب الصبي فمات منه يضمن عندنا، وقال مالك وأحمد رحمهما الله لا يضمن الزوج ولا المعلم في التعزير ولا الأب في التأديب والحد والوطء إذا ضربه ضربا معتادا. ولو ضربه ضرباَ شديدا لا ضرب مثله في التأديب يضمن بإجماع الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الدية في بيت المال) ش: يعني في مسألة الإمام إذا حد وعزره فمات، وقد مر الكلام فيه م: (لأن الإتلاف خطأ فيه، إذ التعزير للتأديب، غير أنه تجب الدية في بيت المال؛ لأن نفع عمله) ش: أي عمل الإمام م: (يرجع إلى عامة المسلمين، فيكون الغرم) ش: أي غرامة الضمان م: (في مالهم) ش: أي في مال المسلمين.
م: (قلنا لما استوفى) ش: أي الإمام م: (حق الله تعالى بأمره صار كأن الله أماته من غير واسطة) ش: جلد الجلاد، وإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يجب الضمان) ش:.
فروع: يصح في التعزير الشهادة على الشهادة، وشهادة النساء مع الرجال [....
.] ؛ لأنه من حقوق العباد والله تعالى أعلم.
تم المجلد السادس من تجزئة المحقق
يليه المجلد السابع أوله كتاب السرقة

(6/398)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب السرقة
والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار، ومنه استراق السمع، قال تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ش: وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى. والمعنى اللغوي مراعى فيها ابتداء وانتهاء، أو ابتداء لا غير، كما إذا نقب الجدار على الاستسرار وأخذ المال من المالك مكابرة على الجهار، وفي الكبرى وهو قطع الطريق مسارقة عن الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ