البناية شرح الهداية

[البناية]
[كتاب السرقة] [نصاب السرقة]
م: (كتاب السرقة)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام السرقة. ولما فرغ من ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة التعزير شرع في ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة الأموال، وصيانة النفس أقدم من صيانة المال، فلذلك أخر كتاب السرقة.
م: (والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار) ش: والسرقة على وزن فعلة، بفتح الفاء وكسر العين، من سرق من باب ضرب يضرب، ولها معنى لغوي، ومعنى شرعي، ومعناها اللغوي هو ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: السرقة في اللغة إلى آخره م: (ومنه) ش: أي: ومن المعنى اللغوي م: (استراق السمع) ش: وهو السماع حقيقة م: (قال الله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ش: معناه: يستمع مستخفياً، ويقال: معناه رام اختلاسه سراً، واسترقت الشياطين من الملائكة كلاماً م: (وقد زيدت عليه) ش: أي: على المعنى اللغوي: م: (أوصاف في الشريعة) ش: أي قيود في المعنى الشرعي م: (على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى) ش: أي بيان تلك الأوصاف التي هي القيود.
م: (والمعنى اللغوي مراعى فيها) ش: أي أخذ الشيء من الغير على الحقيقة مراعى في السرقة م: (ابتداء وانتهاء) ش: وهي أن توجد الحقيقة ابتداء وانتهاء م: (أو ابتداء لا غير) ش: أي على وجه الحقيقة م: (كما إذا نقب الجدار على الاستسرار) ش: يعني ليلاً على الجدار يعني خفية ثم استيقظ صاحب المال م: (وأخذ المال من المالك مكابرة) ش: يعني مقابلة بالسلاح ومدافعة م: (على الجهار) ش: يعني أخذ المال في الانتهاء.
م: (وفي الكبرى) ش: أي في السرقة الكبرى م: (وهو قطع الطريق) ش: هذا جواب عما يقال يرد على ما قلت: قطع الطريق؛ لأنه لم يراع فيه الحقيقة.
وقد قلت: المعنى اللغوي في السرقة مراعى. فأجاب بقوله وفي الكبرى؛ أعني: قطع الطريق م: (مسارقة عن الإمام) ش: لأن قاطع الطريق يأخذ المال عن المارة حقيقة عن عين الإمام

(7/3)


لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه. وفي الصغرى مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. قال: وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع.

والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأن الجناية لا تتحقق دونهما، والقطع جزاء الجناية ولا بد من التقدير بالمال الخطير؛ لأن الرغبات تفتر في الحقير، وكذا إذ أخذه لا يخفى فلا يتحقق ركنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذي يحفظ الطريق م: (لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه) ش: وهو جمع عون، وهو الظهير والمرء بأعوانه رجاله الذين في خدمته وصدهم لحفظ الطريق.
م: (وفي الصغرى) ش: أي وفي السرقة الصغرى م: (مسارقة عين المالك) ش: الذي هو الحافظ م: (أو من يقوم مقامه) ش: أي أو مسارقة عين من يقوم مقام المالك، سواء كان صاحب أمانة أو ضمان لمستعير المستأجر والمودع والمرتهن والمضارب والفاجر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته ش: أي: أو سرق ما يبلغ قيمته م: (عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع) ش: إلى هنا لفظ القدوري.

م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب القطع م: قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ش: أي الذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا أيديهما باتفاق العلماء، وهو جعل لتناول المال غير المحروز الشيء التافه الذي لا قيمة له.
والحديث وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع السارق إلا في المحرز» على ما يجيء بيان الحديث م: (ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ؛ لأن الجناية لا تتحقق دونهما) ش: أي دون العقل والبلوغ، وإنما خص المجنون والصبي؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» م: (والقطع جزاء الجناية) ش: فلا تثبت الجناية على المجنون والصبي - والقطع عقوبة - وهما ليسا من أهل العقوبة.
م: (ولا بد من التقدير بالمال الخطير) ش: أي الذي له قيمة، وضد الخطير الحقير م: (لأن الرغبات تفتر في الحقير) ش: الرغبات جمع رغبة، وهو مصدر رغب عن الشيء رغباً ورغبة، وإذا أراده ورغب عنه لم يرده، والفتور الضعف والانكسار، المعنى أن الراغب في الشيء لا يرغب في الشيء الحقير.
م: (وكذا إذ أخذه لا يخفى) ش: أي وكذا أخذ الشيء الحقير لا يخفى، والذي يأخذه لا يخفيه عن الناس لخفائه، وإذا كان كذلك م: (فلا يتحقق ركنه) ش: أي ركن السرقة، وهو الأخذ

(7/4)


ولا حكمة الزجر؛ لأنها فيما يغلب. والتقدير بعشرة دراهم مذهبنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بربع دينار، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بثلاثة دراهم. لهما أن القطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان إلا في ثمن المجن. وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثني عشر درهما ثلاثة ربعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن الخفية وتذكير الضمير على تأويل السرقة؛ لأنهما بمعنى م: (ولا حكمة الزجر) ش: أي ولا تتحقق أيضاً حكمة الزجر في أخذ الشيء الحقير م: (لأنها) ش: أي لأن حكمة الزجر م: (فيما يغلب) ش: أي وقوعها، وكذلك في المال الخطير.
م: (والتقدير) ش: أي تقدير الشيء الذي يقطع به يد السارق م: (بعشرة دراهم مذهبنا) ش: وفيه مذاهب الناس. وقال الحسن وداود والخوارج وابن بنت الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع، والقليل والكثير؛ لعموم الآية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده» متفق عليه. وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقطع في أقل من خمسة دراهم.
وقال مالك وأحمد - رحمهما الله - يقطع في ربع دينار، أو قدر تلك دراهم. وروي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة دراهم. وهو المروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كذا في " جامع الترمذي ".
وروي عنهما أنه لا يقطع في أقل من أربعين درهماً. وهو غير صحيح.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بربع دينار، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بثلاثة دراهم. لهما) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان إلا في ثمن المجن) ش: بكسر الميم وهو الترس [....] به اشتراه صاحبه من جنة الليل وأجنه، أي ستره.
واختلفوا في ثمن الذي قطع به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل: كان عشرة دراهم، وقيل: ثلاثة دراهم، وقيل: خمسة دراهم، فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثني عشر درهماً ثلاثة ربعها) ش: واحتج بما روى الترمذي عن عمرة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - موقوفاً ومرفوعاً «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقطع في ربع» . واحتج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما روي عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن

(7/5)


ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالا لدرء الحد، وهذا لأن في الأقل شبهة عدم الجناية، وهي دارئة للحد،
وقد تأيد ذلك بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم» م: (ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالاً لدرء الحد) ش: لأن الحدود تندرئ بالشبهات م: (وهذا) ش: أي الأخذ بالأكثر م: (لأن في الأقل) ش: أي في عشرة دراهم م: (شبهة عدم الجناية، وهي) ش: أي الشبهة م: (دارئة للحد) ش: الشبهة، بيان ذلك أن في العشرة يجب القطع بالإجماع، وفيما دونها خلافاً. والأخذ بالمجمع عليه أولى من الأخذ بما فيه خلاف، لأن أدنى درجات الخلاف إيراث الشبهة، والحدود تندرئ بالشبهات.

م: (وقد تأيد ذلك) ش: أي ما ذكرنا م: (بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم) ش: هذا الحديث رواه الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا [.....] عن منصور عن عطاء، عن ابن أم عزم، عن أم أيمن قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقطع السارق إلا في مجن» وقومت يومئذ على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ديناراً أو عشرة دراهم.
وأخرجه البيهقي في " الخلافيات ". وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً: حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثنا ابن خالد الذهبي قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: «كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم» . رواه أبو داود.
وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم وشاهد حديث أيمن.
فإن قلت: أيمن هذا عده جماعة من الصحابة وقالوا: إنه قتل يوم حنين ولم يدرك عطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحينئذ فالحديث منقطع.
قلت: إن كان أيمن من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يدركه لكن يؤيده حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وإن كان تأخرت عن وفاته إلى ما بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما زعم الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون الحديث منفصلاً، وإن كان من التابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

(7/6)


واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفا، وهذا يبين لك اشتراط المضروب كما قال في الكتاب، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على ما زعمه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون وغيره أيضاً متصلاً محالة، وعد جماعة أيمن من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم ابن إسحاق، وابن سعيد، وأبو القاسم البغوي، وأبو نعيم، وابن المنذر، وابن نافع، وابن عبد البر. ومما يؤيد مذهبنا ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: «كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرة دراهم» .
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الأعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن» . قال عبد الله: كان ثمن المجن عشرة دراهم.
وأخرج أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب به مرفوعاً: «لا تقطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم» ، ورواه إسحاق بن راهويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده.
وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه حدثنا المثنى بن الصباح، عن عمرو ابن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من مزينة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما بلغ ثمن المجن قطعت يد صاحبه» ، وكان ثمن المجن عشرة دراهم.
وروى الطبراني في " الأوسط " حدثنا محمد بن نوح بن حرب، حدثنا خالد بن مهران، حدثنا أبو قطيح البلخي، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن عبد الله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قطع إلا في عشرة دراهم» . وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم.

م: (واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً) ش: أي ينطلق على المكسورة في عرف الناس، غير المكسورة لا يسمى دراهم في العرف، وتكلم العلماء في الدراهم، هل يشترط عشرة دراهم مضروبة أم لا. ونقل المصنف لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلفظ المضروبة كما ذكر عن قريب.
م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله: واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً م: (يبين لك اشتراط المضروب، كما قال في الكتاب) ش: كما قال القدوري في مختصره م: (وهو) ش: أي الذي ذكره في الكتاب م: (ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها.

(7/7)


أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، والمعتبر وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع) ش: أي ظاهر الرواية هو الأصح، احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المضروب وغير المضروب سواء، ذكره في " المحيط ".
وقال الأترازي: في نقل المصنف عن القدوري نظر؛ لأن الشيخ أبا نصر ذكر ذلك في الشرح الكبير، وهو تلميذ القدوري رواية المختصر، ولم يقيد المضروبة، بل أثبت الرواية بقوله: مضروبة أو غير مضروبة ثم قال: أما قول صاحب الكتاب عشرة دراهم مضروبة أو غير مضروبة فهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وروى بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن سرق عشرة دراهم تبرا لا يقطع.
وقال في " التحفة " ذكر أبو الحسن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر عشرة دراهم مضروبة، وكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع في عشرة دراهم تبرا لم تكن مضروبة.
وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا سرق عشرة مما تروج بين الناس قطع، فهذا يدل على أن التبر إذا كان رائجاً يقطع فيه. إلى هنا لفظ التحفة، يعني اشتراط المضروبة في العشرة لأجل رعاية الكمال في الجناية.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا دليل الأصح يعني في شروط العقوبات يراعى وجودها على صفة الكمال، وبالتبر أنقص من المضروب قيمته، ولهذا شرطنا الجودة، حتى لو سرق زيوفاً أو بنهرجة أو نستوقة لا يجب القطع.
ذكره في شرح الطحاوي؛ لأن نقصان الوصف يوجب نقصان المالية كنقصان القدر فأدرك شبهته، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، هذا نتيجة ما قبله، وهو ظاهر.
والتبر هو القطع المأخوذ من المعدن.

م: (والمعتبر) ش: يعني في عشرة دراهم سبعة مثاقيل من الذهب م: (وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد) ش: وزن الدراهم أربعة قراريط، ووزن الدينار عشرون قيراطاً مائتا درهم وزن مائة وأربعين مثقالاً، وزن كل مثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.
وقد مر في كتاب الزكاة من هذا؛ لأنه هو المتعارف في عامة البلاد، وعلى هذا استقر الأمر في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فتعلق الأحكام بهذه الدراهم كنصاب الزكاة وتقادير الديات. وقال في شرح الطحاوي يعتبر قيمة السرقة وقت السرقة وعند القطع عند الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(7/8)


وقوله: أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها وإن كان ذهبا،
ولا بد من حرز لا شبهة فيه، لأن الشبهة دارئة، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى. قال والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل، ولأن التنصيف متعذر، فيتكامل صيانة لأموال الناس، ويجب القطع بإقراره مرة واحدة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع إلا بإقراره مرتين، ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري: م: (أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها) ش: أي بالدراهم م: (وإن كان ذهباً) ش: واصلاً بما قبله، وإن كان ما يبلغ قيمته عشرة دراهم ذهباً. وفي " المحيط " لو سرق ديناراً قيمته أقل من عشرة دراهم يقطع، وما روي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم أو بالدينار» ، قال أو بالدينار المقوم بقيمة الشرع عشرة دراهم إلا الدينار المقوم بقيمة الوقت؛ لأن القيمة باعتبار العرف مختلفة، قد يكون عشرة، وقد يكون عشرين، وقد يصير ثمانية دراهم. قلت: قيمة الدينار في زماننا هذا ثلاثمائة وثلاثون درهماً، وقد كان في الأول بعشرين درهماً، فلم يزل تبراً إلى أن بلغ هذا المبلغ.

م: (ولا بد من حرز لا شبهة فيه؛ لأن الشبهة دارئة، وسنبينه) ش: أي رافعة للحد، والحرز المكان الحرية، وهو الذي يحرز فيه الشيء، أي يحفظ، والمراد بالمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعاً م: (من بعد إن شاء الله تعالى) ش: سنبين الحرز في فصل الحرز إن شاء الله تعالى.
م: (قال: والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل) ش:، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الآية، فبعمومه يتناول الحر والعبد م: (ولأن التصنيف متعذر) ش: أي ينصف القطع الذي هو الحد مشهور م: (فيتكامل صيانة لأموال الناس) ش: أي فيتكامل الحد الذي هو القطع؛ لأجل حفظ أموال الناس، لأن في تركه لأجل تعذر التنصيف فساداً لا يخفى كما في القصاص م: (ويجب القطع) ش: أي قطع يد السارق م: بإقراره مرة واحدة) ش: هذا لفظ القدوري.
م: (وهذا) ش: أي لإقراره مرة واحدة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أكثر العلماء.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع إلا بإقراره مرتين) ش: وبه قال ابن أبي ليلى وأحمد وزفر وابن شبرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وكذا الخلاف في شرب الخمر م: (ويروى عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنهما) ش: أي الإقرارين ينبغي أن يكونا م: (في مجلسين مختلفين) ش: كذا ذكر الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ".
وذكر بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قولهما م: (لأنه ش: أي لأن

(7/9)


إحدى الجهتين، فيعتبر بالأخرى، وهي البينة كذلك اعتبرنا في الزنا. ولهما أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة، فيكتفى به، كما في القصاص وحد القذف، ولا اعتبار بالشهادة؛ لأن الزيادة تفيد فيها تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئا؛ لأنه لا تهمة، وباب الرجوع في حق الحد لا ينسد بالتكرار والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلا؛ لأن صاحب المال يكذبه، واشتراط الزيادة في الزنا، بخلاف القياس، فيقتصر على مورد الشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإقرار م: (إحدى الجهتين) ش: وهما البينة والإقرار م: (فيعتبر) ش: أي الإقرار م: (بالأخرى) ش: أي بالحجة الأخرى م: (وهي البينة) ش: فإن البينتان تثبتان م: (كذلك اعتبرنا في الزنا) ش: كما اعتبرنا الإقرار هاهنا بالبينة كذا بسنده في الزنا حيث شرطنا الإقرار فيه أربع مرات كما أن البينة فيه أربع؛ ولأنه روى أبو داود عن أبي أمية المخزومي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتي بلص قد اعترف فقال له: «ما أخالك سرقت "، قال: بلى، فأعاده عليه مرتين أو ثلاثاً فقطع.» فعلم بهذا أن الإقرار مرة واحدة لا يوجب القطع، ويؤيد ما روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً أقر عنده بسرقة مرتين، فقال: قد شهدت على نفسك شهادتين، فأمر به فقطع وعلقها في عنقه.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة فيكتفى به) ش: أي بالإقرار مرة واحدة م: (كما في القصاص وحد القذف) ش: وغيرهما، فإن الإقرار فيها يكفي بمرة واحدة. م: (ولا اعتبار بالشهادة) ش: هذا جواب عن قياس أحد الحجتين بالأخرى، وبيان العارف بيانه هو قوله م: (لأن الزيادة تفيد فيها) ش: أي في الشهادة م: (تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئاً؛ لأنه لا تهمة) ش: أي في الإقرار؛ لأن الإقرار إن وقع صادقاً، فلا يرد أو صدقاً بالثاني.
وإن وقع كذباً فلا يتغلب صدقاً بالتكرار وبالرجوع جواب عما يقال إنما يشترط التكرار؛ لقطع احتمال الرجوع عن إقراره واحتمال أن يثبت عليه فيؤكد على قبوله بالتكرار، فأجاب، بقوله م: (وباب الرجوع) ش: أي عن الإقرار م: (في حق الحد لا ينسد بالتكرار) ش: لأنه لو أقر مراراً كثيرة ثم رجع صح رجوعه في حق الحد؛ لأنه يكذب له.

م: (والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلاً؛ لأن صاحب المال يكذبه) ش: فلا يصح، فظهر الفرق بهذا أن لا فائدة في تكرار الإقرار في حق القطع؛ ولأنه في حق إسقاط ضمان المال بالإقرار. م: (واشتراط الزيادة في الزنا) ش: جواب عن قوله: كذلك اعتبرنا في الزنا معنى اشتراط الزيادة في الزنا م: (بخلاف القياس) ش: وفي " المحيط " وفي " المبسوط " والقياس في الزنا أن يكتفى بالإقرار مرة واحدة فيه، فاشتراط التكرار فيه على خلاف القياس بالنص م: (فيقتصر على مورد الشرع) ش: أي على مورد النص، والنص الوارد في الزنا لا يكون وارداً في باب السرقة؛ لأن في السرقة ورد نص آخر، وهو أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قطع سارقاً بالإقرار مرة واحدة» . وأما

(7/10)


قال: ويجب بشهادة شاهدين لتحقق الظهور كما في سائر الحقوق، وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة وماهيتها وزمانها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث المخزومي فلا يدل على اشتراط مرتين، بل دل أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احتاط في درئه وعلى حثه على الرجوع، وهو مستحب، أو على جواز تلقين الرجوع. وكذا حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بدليل قوله: شهدت على نفسك مرتين. وكذا قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من التكرار أمر اتفاقي لا قصدي، وفيه تأمل.

[شروط القطع]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجب) ش: أي القطع م: (بشهادة شاهدين لتحقق الظهور) ش: أي ظهور السرقة بالشهادة م: (كما في سائر الحقوق) ش: ولا خلاف فيه لأهل العلم كما في القصاص م: (وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة) ش: بأن يقال: كيف سرق، فالاحتمال أنه نقب البيت فأدخل يده أو أخذ المتاع فذهب حيث لا ينقطع على ظاهر الرواية، خلافاً بما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ".
وكذا إذا قال صاحباً له على الباب لا يقطع واحد منهما؛ لأنه في الأول مختلس لا هاتك الحرز؛ لأن هتك الحرز في البيت لا يكون إلا بالدخول، بخلاف صندوق الصيرفي، وفي الثانية لم يوجد الفعل الموجب للقطع على التمام من كل واحد منهما، بخلاف ما إذا رمى الثوب من البيت إلى الطريق، ثم أخذ فخرج فأخذ حيث يقطع؛ لأن الفعل الموجب للقطع، ثم به وجدة.
م: (وماهيتها) ش: أي يسأل عن ماهية السرقة بأن يعود ما هي؟ لاحتمال أن المسروق شيء نافذ، أو ما يتسارع إليه الفساد، أو مال ذي رحم محرم منه، أو مال فيه شركة للسارق، أو مال أحد الزوجين، أو دراهم المديون أخذهما السرقة بقدر حقه، أو أقل من قدر النصاب. ويحتمل أن الشاهدين نسباه إلى السرقة لاستراق الكلام، كما قال الله تعالى {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ، أو لأنه لا يعتمد في الركوع والسجود. وقد ورد في الحديث أن «أسوأ الناس من سرق من صلاته» فلا بد إذن من السؤال عنها.
م: (وزمانها) ش: أي ويسأل عن زمان السرقة بأن يقال: متى سرق لاحتمال التقادم، لأن التقادم في الحدود الخالصة حق لله تعالى يبطل الشهادة للتهمة، بخلاف الإقرار؛ لعدم التهمة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا ثبتت السرقة بالبينة، أما إذا ظهرت السرقة بالإقرار لا يحتاج الإمام إلى السؤال عن الزمان؛ لأن تقادم العهد لا يمنع صحة الإقرار ذكره في " المبسوط " و " المحيط.
فإن قيل ينبغي أن يكون التقادم غير مانع هاهنا، لما أن الشاهد في التأخير غير متهم، إذ لا يقبل شهادة بدون دعوى المالك، كما في حد القذف لشرطية الدعوى. قلنا: قد تقدم جوابه في

(7/11)


ومكانها لزيادة الاحتياط كما مر في الحدود. ويحبسه إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة.
قال: وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه أقل لا يقطع؛ لأن الموجب للقطع سرقة النصاب ويجب على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال النصاب في حقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باب الزنا، ذكره في " الإيضاح ".
م: (ومكانها) ش: أي ويسأل عن مكان السرقة لاحتمال أنه سرق في دار الحرب، أو سرق من مستأمن في دارنا لا قطع فيه استحساناً؛ لأن حرمة ماله مؤقتة لا مؤبدة.
أو سرق من غير الحرز، أو من بيت أذن له بالدخول فيه، ومن حمار أو نهار أو بالليل يقطع؛ لأنه لا يؤذن بالدخول في الليل، ذكره في شرح الطحاوي.
م: (لزيادة الاحتياط) ش: في السؤال عن مكان السرقة م: (كما مر في الحدود، ويحبسه) ش: أي كما مر، مثل هذه الإشارة في كتاب الحدود، وتجب بالنصب عطفاً على قوله: أن يسألهما أو يحبس ليحيي الإمام السارق م: (إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة) ش: أي لأجل تهمة السارق؛ لأنه صار حياً منهما بالسرقة فيحبسه تعزيراً عليه، وقد حبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلام رجلاً بالتهمة.
وقد مر ذلك في كتاب الحدود، وإنما يحبسه إلى أن يسأل عن عدالة الشهود؛ لأن التوثق بالكفالة ليس بمشروع فيما مبناه على الدرء والقطع قبل التعديل لا يجوز؛ لعدم التلاقي إذا وقع الغلط، فتعين الحبس لئلا يفوت الحق بالهرب.

[اشترك جماعة في سرقة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه أقل) ش: أي أقل من نصاب السرقة م: (لا يقطع) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثوري وابن الماجشون المالكي.
ونقل عن ابن الماجشون - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطعون بكل حال. وقال مالك وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يقطع الكل، لأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع فيه، الواحد والجماعة كالقصاص. قلنا: كل واحد يقطع بجنايته والجناية الموجبة للقطع سرقة النصاب ولم يوجد، بخلاف القصاص. فإن فعل كل واحد جناية موجبة القصاص؛ لأن خروج كل واحد صالح لخروج الروح.
م: (لأن الموجب للقطع سرقة النصاب ويجب على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال النصاب في حقه) ش: أي في حق كل واحد منهم، وهذا الذي ذكره فيما إذا لم يكن بين الجماعة صبي أو مجنون أو أخرس أو ذو رحم محرم من صاحب المال. وإذا كان واحد منهم في الجماعة لا قطع.
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ولي الصبي أو المجنون إخراج المطاع، فلا يقطع، وإذا ولي غيرهما قطع؛ لقول الوالي، والله أعلم.

(7/12)


باب ما يقطع فيه وما لا يقطع ولا يقطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد والزرنيخ والمغرة والنورة. والأصل فيه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» أي: الحقير، وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير تقل الرغبات فيه، والطباع لا تضن به فقلما يوجد آخذه على كره من المالك فلا حاجة إلى شرع الزاجر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في بيان ما يقطع فيه السارق وفي بيان ما لا يقطع فيه] [سرقة ما دون النصاب]
م: (باب ما يقطع فيه وما لا يقطع)
ش: أي هذا باب في بيان ما يقطع فيه السارق، وفي بيان ما لا يقطع فيه. ولما ذكر تفسير السرقة وشروطها، شرع في تعداد الشروع الذي يوجب القطع، والذي لا يوجب.
م: (ولا يقطع فيما يوجد) ش: بأنها بالتاء المثناة من فوق وبالفاء - أي خصيرا سيروا - م: (تافهاً مباحاً) ش: وهو ما يخير فيه العاقل بين التحصيل والترك في دار الإسلام، قيد به؛ لأن الأموال كلها على الإباحة م: (في دار الإسلام كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد والزرنيخ والمغرة والنورة) ش: بالفتحات وهو الطين الأحمر، ويجوز تسكين عينها، والعامة يقولون بضم الميم وسكون العين والنون والواو لا بالهمزة، وهي معروفة.
م: (والأصل فيه) ش: أي في عدم القطع في التافه وما يوجد مباحاً في دار الإسلام م: (حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: لم تكن يد السارق تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» .
وزاد في مسنده ولم يقطع في أي من ثمن مجن أو ترس، انتهى. ورواه مرسلاً أيضاً. م: (أي الحقير) ش: تفسير من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس من الحديث م: (وما يوجد جنسه) ش: أي الذي يوجد جنسه، وهو في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: حقيراً، أي ما يوجد جنسه حال كونه م: (مباحاً في الأصل بصورته) ش: احترز به عن الأبواب والأواني المتخذة من الجث والحصر البغدادية، فإن فيها القطع لتغيرها بتباعد الصورة الأصلية بالصفة المتفق عليها م: (غير مرغوب فيه) ش: غير منصوب على أنه صفة لقوله مباحاً، واحترز به عن الذهب والفضة لوجود الرغبة فيهما، فانتفت الحقارة عنهما، وكذلك اللؤلؤ وسائر الجواهر.
م: (حقير) ش: قد ذكرنا أنه خبر المبتدأ م: (تقل الرغبات فيه) ش: جملة استئنافية ولا تضن به، أي لا تبخل به، والضنانة بالشيء البخل به، ويجوز فتح الضاد وكسرها فيه فقل ما يوجد أخذه على كره من المالك وكتابه، فلما وطالما موصولة نقله الطرزي عن ابن الحر، ولكن

(7/13)


ولهذا لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب، ولأن الحرز فيها ناقص. ألا ترى أن الخشب يلقى على الأبواب، وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن درستويه لم يجز أن يوصل شيء من الأفعال بما سوى نعم وبئس، هذا إذا كانت كافة، وإذا كانت مصدرية فليس إلا الفصل.
قوله: على كره بالفتح والضم لغتان، يعني كالمخطف والمضعف. وحاصل المعنى أي قليل الخاف المستقنة بالمالك إذا أخذ ما يؤخذ أخذ جنسه مباحاً في الأصل لصورته غير مرغوب فيه؛ لأن الظن النصة بالأشياء الحقيرة من غاية دناء الهمة وخسة النفس، كما إذا كان كذلك فلا حاجة إلى الشرع أخبر فأخذها حقيقة لوجود الرضى من المالك غالباً.
فإن قيل: ما فائدة هذه التأكيدات ويكتفى بقوله: غير مرغوب فيها.
أجيب بأن: مثل هذه التأكيدات جاءت في كتاب الله تعالى.
مع أنه متعال عن الشهرة والغلط، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، فأولى أن يجيء في كلام الزاهدي هو مظنة السهو، ولإزاحة ما يوهم السامع من وقوع السهو، كذا في " النهاية ". وقال الكاكي: ويمكن أن يقال في هذه التأكيدات إشارة إلى نفي أوصاف يوجب عدم القطع في الذهب والفضة، فإن كل وصف من هذه الأوصاف يوجب عدم القطع، فصارت كلها منفية في الذهب والفضة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الحاجة إلى الزاجر في سرقة ما يوجب جنسه مباحاً في الأصل م: (لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب) ش: لاشتراكهما في المعنى الموجب لنفي القطع م: (ولأن الحرز فيها) ش: أي في الأشياء المذكورة وهي الخشب والقصب إلى آخر ما ذكره م: (ناقص) ش: وأوضح نقصان الحرز فيها بقوله م: (ألا ترى) ش: بقوله م: (أن الخشب يلقى على الأبواب، وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز) ش: أما الساج والأبنوس فإنه يقطع فيهما؛ لأن العادة جارية بإحرازهما، وكذلك يقطع في الخشب المعمول؛ لأنه وجدت فيه صفة هي نزلى قيمة على قيمة الأصل.
وعن أبي يوسف في " نوادر هشام " أنه قال: أنا أقطع على كل شيء سرق إلا في الشراب والسرقين. قال في شرح الأقطع، وهو قول الشافعي. وزعم أصحابه أي في الماء والتراب وجهين.
وروي عن أبي يوسف في الهارونيات قال أقطع من كل شيء إلا في الخشب. في الإملاء قال أبو يوسف: أقطع في كل شيء إلا في الماء والتراب والطين والجص والعارف والنبيذ، ومن جملة الأشياء التي ذكرها المصنف التي لا قطع فيها الزرنيخ. قال الأترازي: ينبغي أن يجب

(7/14)


والطير يطير، والصيد يفر، وكذلك الشركة العامة التي كانت فيه، وهو على تلك الصفة تورث الشبهة، والحدود تندرئ بها. ويدخل في السمك المالح والطري، وفي الطير الدجاج والبط والحمام لما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع في الزرنيخ؛ لأنه يحرز ويصان في دكاكين العطارين كسائر الأموال. قلت: على ما ذكره ينبغي أن يقطع في المعدة؛ لأنها تحرز عند العطارين وتباع بالأرطال. وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور: يتعلق القطع بسرقة كل مال يبلغ قيمته نصاباً إلا التراب والسرقين.
وروى هشام عن محمد: إذا سرق الذهب أو الفضة أو اللؤلؤ والجوهر على الصورة التي يوجد مباحة، وهو المختلط بالحجر والتراب لا يقطع في ظاهر المذهب، لا يقطع لأنه ليس سرقة حقاً. وكل من يتمكن من أخذه لا يتركه ويتم إحرازه عادة.
م: (والطير يطير والصيد يفر) ش: وهو معطوف على قوله: الخشب تلقى على الأبواب. وأراد به الطير المذكور في أول الباب وكذلك الصيد، فإذا كان الأمر فيهما كما ذكر تقل الرغبة فيهما، فلا يشرع الزاجر في مثلها. م: (وكذلك الشركة العامة التي كانت فيه) ش: أي في الصيد، يعني مباحاً للعامة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذ» فكان كمال بيت المال والمغانة والحشو والخبث فلا قطع فيها.
كذا أقره الكاكي وقال: إلا الشركة العامة التي كانت فيه أي فيما يوجد جنسه مباحاً م: (وهو على تلك الصفة) ش: أي والحال أنه على تلك الصفة التي كان عليها، وهي مشتركة يحترز فيها على الأبواب والأواني المتخذة والخشب كما ذكره م: (تورث الشبهة) ش: خبر قوله: وهو على تلك الصفة، أي تورث شبهة الإباحة م: (والحدود تندرئ بها) ش: أي بالشبهة.
م: (ويدخل في السمك المالح والطري) ش: أي يدخل في إطلاق القدوري لفظ سمك طرية ويابسة وهو المالح والمقدر نص على ذلك الكرخي، وقال ابن زاهر: يقال سمك ملح وملح، ولا تلتفتن إلى قوله - الزاجر يطعم المالح والطري - فإنه مولد لا يؤخذ بقوله.
م: (وفي الطير الدجاج) ش: أي ويدخل في إطلاق القدوري لفظ الطير والدجاج م: (والبط والحمام لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله والطير يطير، والصيد يفر، يعني الطيران والفرار دليل على نقصان الحرز، فلم يقطع لهذا. قال في " الجامع الصغير ": رجل سرق طيراً يساوي عشرة دراهم لا يقطع، وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: أراد به الطائر الذي يكون طيراً سوى الدجاج والبط، فيجب فيهما القطع، لأنه بمعنى الأهلي، وقال بعضهم: لا يجب

(7/15)


ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قطع في الطير» . وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب والسرقين، وهو قول الشافعي، والحجة عليهما ما ذكرناه. قال ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع في جميع الطيور، وهذا القول أصح.
وذكر في كتاب: ولو سرق شيئاً من الدجاج أو البط أو الحمام لا يجب القطع.
م: (ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قطع في الطير» ش: هذا غريب مرفوعاً. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق موقوفاً على عثمان، فإنه قال: «لا قطع في الطير» . وأخرج البيهقي عن أبي ذر أنها المرسلة، قال: ليس على سارق الحمام قطع.
قال البريقي: أراد الحمام في غير حرز، وقال الشيخ علاء الدين التركماني ظنه الحمام بالتخفيف وإنما هو الحمام بالتشديد، ويعرب عليه ابن أبي شيبة في مصنفه باب الرجل يدخل الحمام فيسرق، حدثنا يزيد بن الخباب أخبرني معاوية بن صالح حدثني أبو زياد عن علي عن جرين عن أبي الدرداء أنه سئل عن سارق الحمام، فقال: لا قطع عليه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب والسرقين، وهو قول الشافعي، والحجة عليهما ما ذكرناه) ش: أي على أبي يوسف والشافعي ما ذكرناه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة) ش: وعن أبي يوسف أن عليه القطع، وبه قالت الأئمة الثلاثة، والفواكه الرطبة كالبطيخ والفواكه على الشجر، والزرع الذي لم يحصد.
واحتجوا بما روي في " شرح الآثار «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدث عن التمر المعلق، فقال: لا قطع فيه إلا ما أواه الجرين وبلغ ثمن المجن ففيها القطع، وما يبلغ ثمن المجن نفسه غرامة مثله وجلدات تكال.» وحجة أبي حنيفة ومحمد ما ذكره بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لا قطع في تمر ولا كثر) ش: هذا أخرجه الترمذي عن الليث بن سعد والنسائي وابن ماجه عن ابن عيينة كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حسان عن محمد بن واسع بن حبان «أن غلاماً سرق وولى من حائط فرفع إلى مراون فأمر بقطعه فقال رافع بن خديج قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا قطع في ثمر ولا كثر»

(7/16)


والكثر: الجمار، وقيل الودي. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع في الطعام» والمراد به والله أعلم ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه وما في معناه كاللحم والتمر لأنه يقطع في الحنطة والسكر إجماعا. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه ابن حبان في صحيحه.
قوله: ولا كثر بفتح الكاف والثاء المثلثة، قال أبو عبيدة: الكثر جار النحل في كلام الأنصار وهو الجذب أيضاً.
وقال ابن داير: أهل العراق يسمون الجمار الجذب. وأشار المصنف إلى تفسير أبي عبيد بقوله: م: (والكثر: الجمار) ش: بضم الجيم وتشديد الميم، وفي آخره راء.
وقال الجوهري: الجمار شحم النحل م: (وقيل الودي) ش: بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء وهو السيل، وهو صغار النحل.
وقال الأترازي: تفسير الجمار بالودي لم يثبت في قوانين اللغة م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع في الطعام» ش: هذا غريب بهذا اللفظ. وأخرج أبو داود في المراسيل عن جرير بن حازم عن الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا قطع في الطعام» . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حفص عن أشعث بن عبد الملك وعمر عن الحسن «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي برجل سرق طعاماً فلم يقطعه» ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن رجل عن الحسن، فذكره وزاد قال سفيان: هو الطعام الذي يفسد من نهاره كالثريد واللحم.
م: (والمراد به - والله أعلم - ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه) ش: أي المراد من الطعام المذكور في الحديث المذكور المهيأ، أي المجهز للأكل كالخبز واللحم ذكره في الإيضاح م: (وما في معناه) ش: أي عبر ما بمعنى ما يهيأ للأكل م: (كاللحم والتمر) ش: لف ونشر، لأن قوله كاللحم نظير قوله كالمهيأ للأكل.
وقوله والتمر نظير ما في معناه م: (لأنه) ش: أي لأن السارق م: (يقطع في الحنطة والسكر إجماعاً) ش: لأنهما لا يسارع إليهما الفساد.
هذا إذا لم يكن العام عام مجاعة وتحطاماً إذا كان فلا قطع، سواء كان مما يسارع إليه الفساد أو لا، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا قطع في عام سنة، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر» .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع فيها) ش: أي فيما ذكر من اللبن واللحم والفواكه

(7/17)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر، فإذا أواه الجرين أو الجران قطع.» قلنا: أخرجه على وفاق العادة والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر وفيه القطع.
قال: ولا قطع في الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد؛ لعدم الإحراز، ولا قطع في الأشربة المطربة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرطبة والطعام م: (لقوله: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر فإذا أواه الجرين أو الجران قطع» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ.
وروى مالك في " الموطأ " قال أبو مصعب: أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن» . قوله حريسة جبل، قال ابن الأثير: ليس فيما بالجبل إذا سرق قطع؛ لأنه يحرز، والحريسة فعيلة به بمعنى مفعولة، أي أن لها من يحرسها ويحفظها.
والمراح - بضم الميم - الذي فيه براح النعم. والجرين - بفتح الجيم - هو الذي تسميه أهل العراق النذر، وأهل الشام الأنذر، وأهل البصرة الخرجان. وقد يقال له أيضاً بالحجاز: المريد.
وقال في " المغرب ": الجرين المريد، وهو الموضع الذي يلقى فيه الرطب ليجف، وجمعه جرن وجران البعير يقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، والجمع جرن، فجاز أن يسمى به الجران متخذ منه.
م: (قلنا أخرجه) ش: أي أخرجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (على وفاق العادة) ش: لأنهم كانوا لا يصنعون في الجرين إلا اليابس، فيصرف اللفظ إلى اليابس، وهو معنى قوله: م: (والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر، وفيه القطع) ش: أي وفي اليابس من الثمر في الرواية المشهورة.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا قطع في الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد، لعدم الإحراز) ش: لأن شرط القطع هتك الحرز، ولم يوجد الحرز م: (ولا قطع في الأشربة المطربة) ش: أي المسكرة بلا خلاف، أما عند الأئمة الثلاثة، فلأنه كالخمر عندهم، وعندنا إن كان الشرب حلواً فهو مما يتسارع إليه الفساد.
وإن كان مراً فإن كان خمراً فلا قيمة لها. وإن كان غيرها فللعلماء في تقومها خلاف فلم يكن فيما ورد به النص، لأن ذا مال متقوم بالإجماع، لأن لكل أحد تأويل أخذه للإراقة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وصرح الطرب في " الإيضاح " والتمرتاشي المرأة بالمطربة المسكرة. وفي " الصحاح " الطرب

(7/18)


لأن السارق يتأول في تناولها الإراقة، لأن بعضها ليس بمال، وفي مالية بعضها اختلاف، فتحقق شبهة عدم المالية.
ولا في الطنبور؛ لأنه من المعازف، ولا في سرقة المصحف وإن كان عليه حلية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع؛ لأنه مال متقوم لأنه يباع ويشترى. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله. وعنه أيضا أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصابا؛ لأنها ليست من المصحف، فيعتبر بانفرادها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خفة تصيب الإنسان لشدة حرارته. وقال في " الأصول " السكر بغلبة سرور فالتصافي معنى السرور، فاستعير ما للإطراب للإسكار، وقيد الأشربة بالمسكرة؛ لأنه يقطع في المحل، لأنه لا يتسارع إليه الفساد، وذكره في الإيضاح.
م: (لأن السارق يتأول في تناولها الإراقة؛ لأن بعضها ليس بمال) ش: كالخمر م: (وفي مالية بعضها اختلاف) ش: كالمنصف والبازق، وأما الذرة والشعير فإن كل مسكر حرام عند الشافعي كالخمر، ولا مالية له م: (فتحقق شبهة عدم المالية) ش: لأن الاختلاف في إباحته يورث شبهة في عدم المالية.
وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير " في باب الأشربة: ما يتخذ من الحنطة والشعير والعدس والذرة حلال في قول أبي حنيفة، حتى إن الحد لا يجب فيه وإن سكر في قوله. وروي عن محمد أن ذلك حرام يجب الحد بالمسكر. وقال في سرقة الأصل لا يقطع في الخل؛ لأن الخل قد صار خمراً قوة. وفي نوادر أبي يوسف برواية علي بن الجعد لا قطع في الأشربة والجلاب.

[سرقة المصحف وآلات اللهو وآنية الخمر]
م: (ولا في الطنبور) ش: أي ولا قطع في الطنبور وما أشبهه من الملاهي بلا خلاف للأئمة م: (لأنه من المعازف) ش: أي؛ لأن الطنبور من المعازف، وهو جمع معزف، وهو آلة اللهو.
وفي " الجمهرة ": المعازف الملاهي. وقال قوم من أهل اللغة: هو اسم يجمع العود والطنبور وأشباههما.
وقال آخرون: بل المعازف التي استخرجها أهل اليمن م: (ولا في سرقة المصحف) ش: أي ولا قطع أيضاً في سرقة المصحف م: (وإن كان عليه حلية) ش: كلمة إن واصلة بما قبله.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع لأنه) ش: أي لأن المصحف م: (مال متقوم لأنه يباع ويشترى) ش: وهو معنى قوله حتى يجوز بيعه م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله) ش: أي وروي عن أبي يوسف مثل قول الشافعي م: (وعنه أيضاً) ش: أي وروي عن أبي يوسف أيضاً م: (أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصاباً) ش: أي عشرة دراهم م: (لأنها) ش: أي لأن الحلية م: (ليست من المصحف، فيعتبر بانفرادها) ش: أي وحدها بدون المصحف.

(7/19)


وجه الظاهر أن الآخذ يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه. ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد والأوراق والحلية، وإنما هي توابع، ولا معتبر بالتوابع كمن سرق آنية فيها خمر، وقيمة الآنية تربو على النصاب
ولا قطع في أبواب المسجد لعدم الإحراز، فصار كباب الدار بل هو أولى، لأنه يحرز بباب الدار ما فيها، ولا يحرز بباب المسجد ما فيه، حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه الظاهر) ش: الرواية وهو عدم القطع م: (أن الآخذ) ش: أي أخذ المصحف م: (يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه) ش: وبه قال أحمد في رواية: أن أخذه بتأويل القراءة والنظر فيه لإزاحة إشكال وقع والقطع لا يجب بالشبهة.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المصحف م: (لا مالية له على اعتبار المكتوب) ش: لأن معنى المالية فيه تبع لا مقصود م: (وإحرازه) ش: أي إحراز المصحف م: (لأجله) ش: أي ولأجل المكتوب م: (لا للجلد والأوراق) ش: إذ ليس إحرازه لأجل الجلد والأوراق.
م: (والحلية) ش: أي ولا الحلية م: (وإنما هي) ش: أي الجلد والأوراق والحلية م: (توابع) ش: للمكتوب.
م: (ولا معتبر بالتوابع كمن سرق آنية فيها خمر، وقيمة الآنية تربو) ش: أي تزيد م: (على النصاب) ش: أي على عشرة دراهم؛ لأن المقصود ما فيها الآنية، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وهو رواة المختلف على المختلف، وكذا لو سرق ثوباً خلقاً لا يساوي نصاب السرقة، فوجد فيه عشرة دراهم، ولم يعلم السارق بها لا قطع عليه، لأن ما هو المقصود بنصاب وإن علم قطع. وعن أبي يوسف يقطع في الحالين.
فإن قلت: يجب القطع في الأوراق قبل الكتابة، فبعدها أولى؛ لأنها زادت بها. قلت: الفرق بين الحالين ظاهر؛ لأن الأوراق هو المقصود قبل الكتابة، وبعدها صارت تابعة لما فيها، وما فيها ليس بمال كالقلادة يجب فيها القطع، فإذا سرق كلباً عليه القلادة لا يقطع؛ لأنها صارت تبعاً للكلب.

[سرقة باب المسجد والصليب من الذهب]
م: (ولا يقطع في أبواب المسجد؛ لعدم الإحراز، فصار كباب الدار) ش: أي فصار حكم سارق باب المسجد في عدم القطع كحكم سارق باب الدار، بل أولى أي م: (بل هو أولى) ش: من سارق باب المسجد م: (لأنه يحرز بباب الدار ما فيها) ش: أي ما في الدار م: (ولا يحرز بباب المسجد ما فيه) ش: أي ما في المسجد م: (حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه) ش: أي متاع المسجد.
وقال الكاكي: قوله فصار كباب الدار والمختلف على المختلف بل الأوجه تعليل الثاني، وهو أنه لا ملك له في باب المسجد. والتعليل العام عندنا أن الأبواب لا تكون محرزة عادة؛ لأنه

(7/20)


قال: ولا الصليب من الذهب ولا الشطرنج ولا النرد؛ لأنه يتأول من أخذها الكسر نهيا عن المنكر، بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال، لأنه ما أعد للعبادة فلا تثبت شبهة إباحة الكسر. وعن أبي يوسف: أنه إن كان الصليب في المصلى لا يقطع لعدم الحرز، وإن كان في بيت آخر يقطع لكمال المالية والحرز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحرز به، فلا يكون هو محرزاً عادة.
وقال الشافعي وابن القاسم المالكي وأبو ثور وابن المنذر: يقطع سارق باب المسجد؛ لأنه سرق نصاباً محرزاً بحرز مثله، وكذا سارق باب الدار، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية كقولنا لعدم الإحراز.
وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير " فإن أعاد هذا الفعل، أي سرقة أبواب المسجد حد، فيجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس حتى يتوب، ولا يقطع في أستار الكعبة، وبه قال أحمد.
وعند الشافعي وأحمد هو الأصح؛ لأنه لا يقطع؛ لأنه ليس له ملك معين، فأشبه مال بيت المال، كذا في شرح " الوجيز ".

[سرقة الصليب من الفضة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا الصليب) ش: أي ولا يقطع في سرقة الصليب م: (من الذهب) ش: وكذا من الفضة، والصليب عود مثلث معبدة النصارى، ويعمل من فضة وذهب وسائر المعدنيات.
م: (ولا الشطرنج) ش: أي ولا يقطع أيضاً في سرقة الشطرنج بكسر الشين على وزن لوطنت م: (ولا النرد) ش: أي ولا يقطع أيضاً في سرقة النرد - بفتح النون والراء وبالدال المهملة - وهو اسم أعجمي معرف بين الغامرين، ولا قطع فيه عندنا. ولو كان من ذهب، وبه قال أحمد والشافعي يقطع، وبه قال أبو الخطاب من أصحاب أحمد.
م: (لأنه) ش: أي لأن السارق م: (يتأول من أخذها) ش: أي من أخذ هذه الأشياء م: (الكسر) ش: يعني يقول أخذتها لأكسر م: (نهياً عن المنكر) ش: أي لأجل النهي عن المنكر م: (بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال) ش: أي الصورة م: (لأنه) ش: أي لأن مثل هذا م: (ما أعد للعبادة) ش: ولا للهو فيجب القطع م: (فلا تثبت شهبة إباحة الكسر) ش: يعني التأويل فيه بأنه أخذه للكسر لا يقيد، ولا يرد القطع.
م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي إن كان السارق م: (إن كان الصليب في المصلى) ش: أي في مصلاهم، أي في موضع صلاة النصارى، وبه صرح في " المحيط " م: (لا يقطع لعدم الحرز) ش: لأنه يثبت مأذون في دخوله م: (وإن كان في بيت آخر يقطع لكمال المالية والحرز) ش: وقال

(7/21)


ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي، لأن الحر ليس بمال، وما عليه من الحلي تبع له؛ ولأنه يتأول في أخذ الصبي إسكاته لو حمله إلى موضعه. وقال أبو يوسف: فيقطع إذا كان عليه حلي هو نصاب؛ لأنه يجب القطع بسرقته وحده، فكذا مع غيره. وعلى هذا إذا سرق إناء من فضة أو ذهب فيه نبيذ أو ثريد والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم كيلا يكون في يد نفسه، ولا قطع في سرقة العبد الكبير، لأنه غصب أو خداع، ويقطع في سرقة العبد الصغير لتحققها بحدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأترازي: وإن كان في يد رجل منهم محرزاً عنده قطع له.

م: (ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي) ش: أي ثياب نفيسة م: (لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والثوري وابن المنذر وقال الحسن ومالك والشعبي يقطع بسرقة الحر الصغير؛ لأنه غير مميز، فأشبه العبد، وهو قول أبي يوسف إذا كان عليه حلي قدر نصاب على ما يأتي م: (ولأنه) ش: ولأن السارق م: (يتأول في أخذ الصبي إسكاته) ش: بأن رآه وهو سكنى م: (لو حمله إلى موضعه) ش: ليلاً يضيع.
م: (وقال أبو يوسف يقطع إذا كان عليه حلي هو نصاب؛ لأنه يجب القطع بسرقته وحده) ش: أي بسرقة الحلي الذي هو نصاب، والحلي بفتح الحاء وكسر اللام على وزن ظبي، وهو كل ما ليس من ذهب أو فضة أو جوهر رجعه حلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء. ويجوز كسر الحاء أيضاً، وجمع الحلية عليه بكسر الحاء وبالقصر، وروي ضم الحاء أيضاً وليس بقياس م: (فكذا مع غيره) ش: أي فكذا يقطع إذا كان الحلي مع غيره وهو الصبي.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا سرق إناء من فضة أو ذهب فيه نبيذ) ش: أو خمر م: (أو ثريد) ش: بالثاء المثلثة، فعند أبي يوسف يقطع إذا بلغ نصاباً، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. وعند أبي حنيفة ومحمد لا يقطع؛ لأن الإناء تبع المظروف وهو المقصود بالأخذ، فإذا لم يجب القطع فيما هو الأصل أحل الأقل، فكيف يجب فيما هو التبع م: (والخلاف) ش: المذكور م: (في صبي لا يمشي ولا يتكلم كيلا يكون) ش: أي الصبي م: (في يد نفسه) ش: حتى لو كان يتكلم ويمشي ويعبر لا يقطع سارقه إجماعاً؛ لأنه في يد نفسه، ويكون يداً على نفسه وعلى ما هو تابع له فكان أخذه خداعاً، كذا في " المحيط ". م: (ولا قطع في سرقة العبد الكبير؛ لأنه غصب أو خداع) ش: أي بطريق المخادعة بأن قال له: أعمل معك كذا وكذا فانخدع كذلك م: (ويقطع في سرقة العبد الصغير لتحققها) ش: أي لتحقق السرقة م: (بحدها) ش: أي بحد السرقة. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إذا لم يعبر عن نفسه ولا يميز لا قطع فيها بالإجماع إلا أن يكون نائماً أو مجنوناً أو أعجمياً لا يميز بين سيده وبين غيره في الطاعة، فحينئذ قطع.

(7/22)


إلا إذا كان يعبر عن نفسه؛ لأنه هو والبالغ فيه سواء في اعتبار يده. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع وإن كان صغيرا لا يعقل ولا يتكلم استحسانا، لأنه آدمي من وجه ومال من وجه. ولهما أنه مال مطلق لكونه منتفعا به أو بعوض يصير منتفعا به، إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية، لكن انضم إليه
ولا قطع في الدفاتر كلها؛ لأن المقصود ما فيها، وذلك ما ليس بمال، إلا في دفاتر الحساب، لأن ما فيها لا يقصد بالأخذ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وللشافعي في أم الولد النائمة وجهان، وعنده لا قطع في الآدمي الذي يفعل، سواء كان نائماً أو مجنوناً أو أعجمياً وإن كان يقظان، ولا يأخذه إلا متعالياً أو مخادعاً، وذا ليس بسرقة م: (إلا إذا كان) ش: أي الصغير م: (يعبر عن نفسه؛ لأنه هو والبالغ فيه سواء في اعتبار يده) ش: على دافعه.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع إذا كان صغيراً لا يعقل ولا يتكلم استحساناً؛ لأنه آدمي من وجه ومال من وجه) ش: فكونه آدمياً ظاهراً، وكونه مال من وجه من حيث إنه يباع ويشترى ويوهب فأورث شبهة دارئة للحد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن العبد الصغير م: (مال مطلق) ش: من حيث إنه لا يقظان فيه م: (لكونه منتفعاً به) ش: في الحال م: (أو بعوض يصير منتفعاً به) ش: في المستقبل إن كان لا يتكلم ولا يمشي في الحال.
والعرض بمعنى العارض، يقال: عرض له عرض أي أصابه عارض من مرض أو نحو ذلك م: (إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية) ش: أي غير أنه، أي أن العبد الصغير مال م: (لكن انضم إليه) ش: أي إلى كونه مالاً معنى الآدمية، فلم يوجب ذلك نقصاً في المالية، فلم يورث شبهة

[سرقة الدفاتر والصحائف والكلب والدف والفصوص الخضر]
م: (ولا قطع في الدفاتر كلها) ش: أراد بالدفاتر الصحائف، وهو جمع دفتر، قاله الأترازي. وقال الأكمل: يعني سواء كان فيها علم الشريعة أو الأدب أو الشعر.
م: (لأن المقصود فيها، وذلك ما ليس بمال) ش: أما كتب الفقه والحديث والتفسير فكالمصحف وقد بينا وجهه.
وأما كتب الشعر والأدب فاختلف المشايخ فيها فقيل ألحقه بدفاتر الحساب.
وقيل: يلحقه بالفقه والتفسير والحديث؛ لأن معرفتها قد تتوقف على اللغة والحاجة.
وإن قلت: كيف لا ترد الشبهة الإباحة، كذا في مبسوط شيخ الإسلام، وعند الشافعي ومالك وأحمد يقطع في الدفاتر كلها سواء كان فيها علوم الشريعة أو غيرها.
م: (إلا في دفاتر الحساب) ش: وهي دفاتر أهل الديوان حيث يقطع فيها إذا بلغ نصاباً م: (لأن ما فيها) ش: أي في دفاتر الحساب م: (لا يقصد بالأخذ) ش: إذ لا يتعلق به إلا مصلحة شخص

(7/23)


فكان المقصود هو الكواغد.
قال: ولا في سرقة كلب ولا فهد، لأن من جنسهما ما يوجد مباح الأصل غير مرغوب فيه؛ ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب فأورث شبهة ولا قطع في دف ولا طبل ولا بربط ولا مزمار، لأن عندهما لا قيمة لهما. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخذها يتأول الكسر فيها.
ويقطع في الساج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معين م: (فكان المقصود هو الكواغد) ش: وهي الأوراق، فيجب القطع لأنها مال.

م: (قال) ش: أي القدوري: في مختصره م: (ولا في سرقة كلب ولا فهد) ش: أي ولا قطع في سرقتهما ولا خلاف فيه إلا لأشهب المالكي، فإنه قال ذلك في المنهي عن اتخاذه، فأما المأذون في اتخاذه فكلب الصيد والماشية فيقطع سارقه م: (لأن من جنسهما) ش: كان ينبغي أن يقال من جنسها بضمير التثنية وهو الأصح.
م: (ما يوجد مباح الأصل) ش: أراد أن حبس ذلك يؤخذ مباحاً ما فيها دار الإسلام، ولا قطع في التافه م: (غير مرغوب فيه) ش: منصب على الحال. والدليل على أنه غير مرغوب فيه أن من يجده يتركه وإن كان قادراً على أخذه. قلت: هذا يمشي في الكلب غير المعلم، أما في الكلب المعلم والفهد فلا يمشي فلينظر فيه.
م: (ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب) ش: فعند الشافعي وأحمد ومالك في رواية وداود لا مالية في الكلب.
ولهذا حرموا ثمنه، لأن معه باطل، وعند عطاء وإبراهيم النخعي وأبي حنيفة وصاحبيه يجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها ويباح أثمانها فهذا يدل على أن فيها المالية، فإذا كان كذلك م: (فأورث) ش: اختلاف العلماء م: (شبهة) ش: وهي دارئة.
م: (ولا قطع في دف) ش: بفتح الدال، وضمها كذا قال ابن دريد وهو نوعان، مربع ومدور م: (ولا طبل) ش: في طبل الغزاة اختلاف المشايخ، والأصح أنه لا يقطع.
م: (ولا بربط) ش: بباءين مفتوحتين وبينهما راء شبيه العود فارسي معرب، وأصله - بربت - لأن الضارب به يضعه على صدره واسم الصدر - بر - قاله ابن الأثير م: (ولا مزمار) ش: بكسر الميم وهو الآلة التي يزمر بفمها أي يغني.
قال ابن الأثير والقصبة التي يزمر بها زمارة وهي والزمار والمزمور سواء، وهذا بالاختلاف بين أصحابنا م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا قيمة لهما) ش: أي لهذه الأشياء المذكورة، فلا يكون فيها القطع.
م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخذها يتأول الكسر فيها) ش: فلا يقطع، ولكن يجب الضمان عنده لغير اللهو

م: (ويقطع في الساج) ش: بسين مهملة وجيم في آخره، وهو نوع من

(7/24)


والقنا والأبنوس والصندل؛ لأنها أموال محرزة لكونها عزيزة عند الناس ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام. قال: ويقطع في الفصوص الخضر والياقوت والزبرجد؛ لأن هذه الأشياء من أحسن الأموال وأنفسها، ولا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها، فصارت كالذهب والفضة. وإذا اتخذ من الخشب أواني وأبواب قطع فيها؛ لأنه بالصنعة التحق بالأموال النفيسة، ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير؛ لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس حتى يبسط في غير الحرز وفي الحصر البغدادية. قالوا: يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشجر معروف يعظم جداً، وأصله سَوَج بفتحتين، يقال: ساج سوجة، أي مخروطة متجوفة الجوانب الأربعة تحمل من بلاد الهند إلى سائر البلاد؛ ولأنه لا ينبت إلا بها م: (والقنا) ش: جمع قناة وهي خشبة الرمح لأنها متعلقة من الواو م: (والأبنوس) ش: بفتح الباء معرب، وهو معروف.
وعن محمد إذا عمل بالأبنوس شيئاً قطع به، ولا قطع في الساج إلا إذا عمل به شيئاً م: (والصندل) ش: وهو خشب آجر وأصفر طيب الرائحة.
م: (لأنها) ش: أي؛ لأن هذه الأشياء الأربعة م: (أموال محرزة لكونها عزيزة عند الناس، ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام) ش: ولا تؤخذ مباحة إلا في دار الحرب، فلا يكون ذلك شبهة في سقوط القطع.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويقطع في الفصوص الخضر) ش: وهي تعمل من الفيروز والزمرد م: (والياقوت) ش: وهو من أعز الأحجار، وهو أحمر وأصفر وأخضر وأعزها الأحمر م: (والزبرجد) ش: قال الجوهري: الزبرجد جوهر معروف، وليس فيه معرفة.
قلت: هو حجر أخضر تفاق الياقوت الأخضر وليس لقوته ولا فعله، وليس منه منفعة الأحسن منظر م: (لأن هذه الأشياء من أحسن الأموال وأنفسها، ولا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها، فصارت كالذهب والفضة) ش:.
م: (وإذا اتخذ من الخشب) ش: أي من الخشب الذي لا قطع فيه م: (أواني) ش: جمع آنية م: (وأبواب) ش: بالرفع أي فاتخذ أبواب م: (قطع فيها، لأنه بالصنعة التحق بالأموال النفيسة) ش: لأن الصنعة الغالبة خرجته من حكم أصله، فصار لمال المعينين.
م: (ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير) ش: والتواري م: (لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس) ش: أي على أصله م: (حتى يبسط في غير الحرز) ش: فلا يخرج من كونها تافهاً.
م: (وفي الحصر البغدادية قالوا) ش: أي المشايخ م: (يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على

(7/25)


الأصل، وإنما يجب القطع في غير المركب، وإنما يجب إذا كان خفيفا لا يثقل على الواحد حمله؛ لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته ولا قطع على خائن ولا خائنة لقصور في الحرز ولا منتهب ولا مختلس؛ لأنه يجاهر بفعله، كيف يجب وقد قال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصل) ش: وكذلك الحصر المصرية، والحصر العباد كذلك.
وعند الثلاثة يقطع في المعمولة وغير المعمولة م: (وإنما يجب القطع في غير المركب) ش: يعني في الأبواب؛ لأنها تحرز.
وأما المركب على الجدار لا قطع فيه عندنا. وفي " المبسوط " سرق باب دار أو مسجد لا يقطع؛ لأنه ظاهر غير محرز. وعند الثلاثة يقطع في باب الدار م: (وإنما يجب) ش: أي القطع في باب الغير المركب.
م: (إذا كان خفيفاً لا يثقل على الواحد حمله؛ لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته) ش: وقال الأترازي: في هذا نظر؛ لأن عدم الرغبة في سرقته بواسطة الثقل لا يورث نقصاناً في المالية ولا في الحرز، فإذا حصلت سرقة مال يتيم من حرز كامل فيجب القطع.
ولهذا يفرق الحاكم بين الثقيل والخفيف، بل أطلق الرواية، ولذلك أطلقوا الرواية في شرح " الجامع الصغير " وشروحه، وكذا القدوري أطلق في مختصره وفي شرحه لمختصر الكرخي وكذا أطلق في " الشامل " في قسم المبسوط.

م: (ولا قطع على خائن ولا خائنة) ش: قال الإمام بدر الدين الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخائن من يخون فيما في يده من الأمانة كالمودع والخائنة للمؤنث م: (لقصور في الحرز) ش: فكان شبهة في سقوط القطع م: (ولا منتهب) ش: أي ولا قطع أيضاً على منتهب، وهو اسم فاعل من الانتهاب، وهو أن يأخذ على وجه العلانية، فهذا من بلدة أي قرية.
م: (ولا مختلس) ش: أي ولا قطع أيضاً على مختلس، وهو اسم فاعل من الاختلاس، وهو الاختلاف وهو أن يأخذ وهو قريب الشيء بسرعة الأكم الخلسة.
وقال الأكمل: الاختلاس أن يأخذ من البيت بسرعة وجهراً وهو قريب من قول المصنف م: (لأنه يجاهر بفعله) ش: ولا قطع في هذه الأشياء بإجماع العلماء وفقهاء الأمصار؛ لعدم صدق السرقة عليها.
م: (كيف يجب وقد قال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

(7/26)


ولا قطع على النباش وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: عليه القطع؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نبش قطعناه؛» ولأنه مال متقوم محرز بحرز مثله فيقطع فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث الزهري عن ابن أبي مالك نحوه مرفوعاً.

[قطع النباش ومن سرق درة من إصطبل]
م: (ولا قطع على النباش) ش: هو الذي ينبش القبور ويأخذ كفن الميت م: (وهذا) ش: أي عدم القطع على النباش م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-) ش: وبه قال الثوري والأوزاعي والزهري ومكحول، وهو مذهب ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - عليه القطع) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، وهو مذهب الحسن، والشعبي، والنخعي، وداود، وحماد، وعمر بن عبد العزيز.
وفي " المبسوط " وهو مذهب عمر، وعائشة، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال مالك في " الموطأ ": وإذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع قطع.
وقال أحمد: إذا أخرج من القبر كفنا قيمته ثلاثة دراهم قطع.
وقال الكاكي: ثم الكفن الذي يقطع به ما كان مشروعاً، فإن كان أكثر من كفن السنة أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيب مجموع أو ذهب أو فضة أو جوهر لم يقطع بأخذ شيء من ذلك؛ لأنه ليس بكفن مشروع فالترك فيه تضييع وسفه، فلا يكون محرزاً فلا يقطع سارقه.
وفي " الوجيز ": لا قطع على نباش في تربة ضابعة، ويقطع إذا سرق من قبر محرز محروس، وفي مقابل البلاد وجهان. وفي الزيادة على العدد الشرعي الكفن للوارث فهو الخضير في السرقة.
وإن كفنه أجنبي فالطلب للأجنبي، وبه قال أحمد في وجه. وقال في وجه لا يفتقر إلى الطلب.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نبش قطعناه» ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة بإسناد فيه من يجهل حاله عن البراء بن عازب مرفوعاً.
وقال الكاكي: أول الحديث «من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه، ومن نبش قطعناه» م: (ولأنه مال متقوم) ش: لأن الكفن ثوب متقوم وبإلباس الميت لا تحصل صنعة المالية فيه م: (محرز) ش: مثله، كما أن الإصطبل للدواب، لأنه يعتبر حرز كل شيء م: (بحرز مثل) ش: وهو يحفظ فيه عادة، فيكون القبر حرز الكفن م: (فيقطع فيه) ش: لأنه حرزه.

(7/27)


ولهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على المختفي» وهو النباش بلغة أهل المدينة؛ ولأن الشبهة تمكنت في الملك؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود وهو الانزجار؛ لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود، وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة، وإن كان القبر في بيت مقفل، فهو على هذا الخلاف في الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ألا ترى أن الصندوق حرز للدرة حتى لو سرق درة من إصطبل لا يقطع وحرز الدابة الإصطبل، وحرز الشاة الحظيرة حتى لو سرق من الحظيرة الثياب النفيسة لا يقطع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد قال: في م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا قطع على المختفي» ش: هذا حديث غريب لا أصل له. وعن ابن عباس: ليس على النباش قطع، رواه ابن أبي شيبة م: (وهو النباش بلغة أهل المدينة) ش: قال في ديوان الأدب اختفاه، أي أخرجه.
وقال في المجمل: والنباش مختف؛ لأنه مستخرج للأكفان.
م: (ولأن الشبهة تمكنت في الملك) ش: يعني في كون الكفن ملكاً م: (لأنه لا ملك للميت حقيقة) ش: وهو ظاهر م: (ولا للوارث؛ لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود، وهو الانزجار؛ لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود) ش: لأن الطباع السلمية تنفر عنه، والكفن شيء بهيز لا تميل إليه الطبائع المستقيمة.
م: (وما رواه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (غير مرفوع) ش: إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ذكرنا أن الحديث الذي استدل به أبو حنيفة ومحمد غريب ليس له أصل. وما استدل به أبو يوسف والشافعي أقرب م: (أو هو محمول على السياسة) ش: هذا جواب بطريق التسليم، والإمام ذلك إذا أعاد به عليه أول الحديث: «من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه» والمراد منه السياسة؛ لأنه أضافه إلى نفسه.
ولو كان بطريق القصاص لما أضافه إلى نفسه، بل أضافه إلى الولي.
م: (وإن كان القبر في بيت مقفل) ش: قال الكاكي: بسكون القاف، يقال: أقفل الباب، وقفل الأبواب مثل أغلق وغلق، ذكره في " الصحاح ".
حاصله أنه يقال: أقفل الباب من الإقفال إذا ذكر مفرداً وقفل الأبواب بتشديد القاف من التفضيل إذا ذكر الأبواب كما يقال أغلقت الباب، وغلقت الأبواب م: (فهو على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور، يعني لا يقطع عندهما خلافاً لأبي يوسف م: (في الصحيح) ش: احترز به عما يقوله بعض المشايخ إنه يقطع، وقال السرخسي: في مبسوطه والأصح عندي أنه لا يقطع.

(7/28)


وكذا إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت لما بينا
ولا يقطع السارق من بيت المال؛ لأنه مال العامة. وهو منهم. ولا من مال للسارق فيه شركة لما قلنا. ومن له على آخر دراهم فسرق منه مثلها لم يقطع، لأنه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل فيه سواء استحسانا، لتأخير المطالبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا) ش: أي من الخلاف المذكور م: (إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت) ش: لا يقطع عندهما بلا خلاف لأبي يوسف م: (لما بينا) ش: أي لما بينا من الحديث، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على المختفي» ، ومن الدليل المعقول وهو قوله؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث.

[السرقة من بيت المال وحكم من سرق زيادة على حقه]
م: (ولا يقطع السارق من بيت المال) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، والنخعي، والشعبي، والحكم، وقال مالك، وحماد، وابن المنذر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن عبداً من رقيق الخمس سرق من الخمس، فأتي به إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال فماذا سرق» وقيل: يقطع لظاهر الكتاب؛ ولأنه سرق مالاً محرزاً، ولا حق له فيه قبل الحاجة. ولنا ما رواه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن عبداً من رقيق الخمس سرق، فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال: " مال الله سرق بعضه بعضاً ".» وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.
وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن سرق من بيت المال قال أرسله من أحد الأدلة في هذا المال حق وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.
وتعليل المصنف يؤخذ منه حيث قال م: (لأنه) ش: أي لأن مال بيت المال م: (مال العامة) ش: أي عامة الناس م: (وهم منهم) ش: أي الذي سرق من العامة، فيكون له فيه حق فيسقط القطع للشبهة م: (ولا من مال) ش: ولا يقطع من سرق من مال م: (للسارق فيه شركة) ش: لأن الملك من أقوى الشبه؛ ولهذا لا يجب حد الزنا بوطء الأمة المشتركة م: (لما قلنا) ش: أن للسارق فيه حق.
قال الكاكي: صورته لو سرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالاً مشتركاً بينهما لا يقطع عندنا، وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد. وقال في قول إذا سرق من بيت الشريك قدر النصاب، يعني زيادة على حقه ففيه القطع، وبه قال مالك.
م: (ومن له على آخر دراهم فسرق منه مثلها) ش: أي مثل دراهمه م: (لم يقطع؛ لأنه استيفاء لحقه) ش: وبهذا ليس لصاحب المال أن يرد أمر ذلك م: (والحال والمؤجل فيه) ش: أي في عدم القطع م: (سواء استحساناً) ش: لوجود المسح للأخذ، ويقطع قياساً لانعدام الإطلاق في الأخذ م: (لتأخير المطالبة) ش: في الحال.

(7/29)


وكذا إذا سرق زيادة على حقه؛ لأنه لمقدار حقه يصير شريكا فيه. وإن سرق منه عروضا قطع؛ لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعا بالتراضي. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حقه أو رهنا بحقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعند الشافعي: إن لم يكن الغريم مماطلاً قطع، وإن كان مماطلاً لا يقطع، وبه قال مالك وأحمد في رواية.
وقال الشافعي في وجه: إذا بلغت الزيادة على حقه نصاباً يقطع، وبه قال مالك وأحمد في رواية والشافعي في اختلاف جنسه وجهان، في وجه يقطع، وبه قال مالك وأحمد. والأظهر أنه لا يقطع. ولم يذكر القدوري هذه المسألة في مختصره، وذكرها في شرحه. وذكر القياس والاستحسان.
والمصنف لم يذكر وجه القياس. وذكر وجه الاستحسان بقوله: لأن التأجيل لتأخير المطالبة، أي لأن التأجيل في الدين لتأخير المطالبة إلى حلول الأجل وهو لا نصر ملك الدين.
م: (وكذا إذا سرق زيادة على حقه) ش: أي وكذا لا يقطع عندنا إذا سرق من جنس حقه زيادة على حقه م: (لأنه لمقدار حقه يصير شريكاً فيه) ش: فتتمكن الشبهة.
م: (وإن سرق منه عروضاً قطع) ش: يعني إذا أخذ عروضاً مكان الدراهم يقطع م: (لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه) ش: أي من الديون الاستيفاء منه م: (إلا بيعاً بالتراضي) ش: أي إلا من حيث البيع بالتراضي، والبيع مبادلة المال بالمال على وجه التراضي.
والفرق بين أخذ جنس حقه وبين أخذ جنسه ظاهر، وهو جنس التفاوت؛ ولهذا إذا سلم إليه المديون له أن يمتنع من ذلك، بخلاف تسليم الدراهم حيث يجزئ.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأن له أن يأخذه) ش: أي لأن السارق له أن يأخذ غير جنس حقه م: (عند بعض العلماء) ش: وهو ابن أبي ليلى، فإن عنده له أن يأخذ خلاف جنس حقه بعضا لوجود المجانسة من جنس المالية، وبه قال الشافعي أيضاً.
وإن لم يدع الأخذ لحقه، فيصير اختلاف العلماء شبهة للسقوط م: (قضاء من حقه) ش: أي من حيث القضاء من حقه م: (أو رهناً بحقه) ش: أي أو يأخذه من حيث إنه الرهن بحقه.
وقال في كتاب " السرقة " فإن قال لما أردت أن آخذ العروض رهناً بحقي أو قبضاً بحقي درئ عنه القطع للمحاشمة، وإن كان حقه دراهم فوق دنانير تقطع، كذا ذكر القدوري في شرحه، وقيل: تبع للمجانسة بينهما من حيث التسمية على ما يجيء الآن.
وكذا القطع إذا سرق حلياً من فضة وحقه دراهم؛ لأنه لا يصير قصاص حقه، بل يصير بيعاً مبتدأ. ولو سرق المكاتب أو العبد من غريم المولى قطع، إلا أن يكون المولى وكيلهما بالقبض

(7/30)


قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر، فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به، حتى لو ادعى ذلك درئ الحد عنه؛ لأنه ظن في موضع الخلاف. ولو كان حقه دراهم فسرق منه دنانير قيل: يقطع؛ لأنه ليس له حق الأخذ. وقيل: لا يقطع؛ لأن النقود جنس واحد.
ومن سرق عينا تقطع فيها فردها في موضع ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع، والقياس أن يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فإن عاد فاقطعوه» من غير فصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فحينئذ لا يجب القطع.
ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير أو غريم مكاتبه أو غريم عبده المأذون المديون قطع؛ لأن حق الأخذ لغيره وهو سرق من غريم أبيه الصغير لا يقطع، والمسائل مذكورة في فتاوى الولوالجي وغيره.
م: (قلنا هذا قول) ش: أراد به قول ابن أبي ليلى م: (لا يستند إلى دليل ظاهر) ش: إذ القياس أن لا يأخذ جنس حقه في الدين الحال؛ لأن حقه في الوصف، وهذا عين، لكن تركناه لعلة التفاوت بينهما، ولا كذلك خلاف الجنس بفتحتين التفاوت، فلا يترك القياس م: (فلا يعتبر) ش: أي قوله م: (بدون اتصال الدعوى به) ش: أي بقوله م: (حتى لو ادعى ذلك) ش: أي أنه أخذه قضاء لحقه أو رهناً به م: (درئ الحد عنه؛ لأنه ظن) ش: أي؛ لأن فعله ظن م: (في موضع الخلاف) ش: فلا ينفك بنقل شبهة، وإذا كان هو مخطئاً في ذلك التأويل.
وعندنا م: (ولو كان حقه دراهم فسرق منه دنانير قيل يقطع) ش: كذا ذكر القدوري؛ لأنها لا تصير قصاصاً بحقه، فليس له أن يأخذها، وهو معنى قوله م: (لأنه ليس له حق الأخذ. وقيل: لا يقطع؛ لأن النقود جنس واحد) ش: من حيث المشمة.

[سرق عيناً فقطع فيها فردها]
م: (ومن سرق عيناً فقطع فيها فردها) ش: أي فرد العين المسروقة إلى مالكها لم يتغير م: (في موضع ثم عاد فسرقها وهي) ش: أي والحال أن العين المسروقة م: (بحالها لم يقطع) ش: أي ثانياً م: (والقياس أن يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول أحمد: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «فإن عاد فاقطعوه» ش: هذا رواه الدارقطني في سننه عن الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة أراد عن أبي سلمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله» م: (من غير فصل) ش: يعني قاله مطلقاً من غير فصل بين تبدل العين وعدمه.

(7/31)


ولأن الثانية متكاملة كالأولى بل أقبح لتقدم الزاجر. وصار كما إذا باعه المالك من السارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة. ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل على ما يعرف من بعد إن شاء الله. وبالرد إلى المالك إن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط نظرا إلى اتحاد الملك والمحل، وقيام الموجب وهو القطع فيه، بخلاف ما ذكر؛ لأن الملك قد اختلف باختلاف سببه؛ ولأن تكرار الجناية منه نادر لتحمله مشقة الزاجر، فتعرى الإقامة عن المقصود، وهو تقليل الجناية وصار كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الثانية) ش: أي السرقة الثانية م: (متكاملة كالأولى) ش: أي كالسرقة الأولى م: (بل أقبح) ش: من الأولى وأفحش م: (لتقدم الزاجر) ش: فإن الإقدام عليها مع سبق الزاجر أشد قبحاً فكان أحق بإيجاب القطع.
م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا باعه المالك) ش: أي كما إذا باع المسروق م: (من السارق ثم اشتراه منه، ثم كانت السرقة) ش: أي ثم وجدت السرقة وكانت تامة.
م: (ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل) ش: في حق السارق م: (على ما يعرف من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه قبل باب ما يحدث السارق في السرقة قريباً من صفحة.
وبالرد إلى المالك، هذا جواب عما يقال: العصمة وإن سقطت بالقطع لكنها عادت بالرد إلى المالك، فأجاب بقوله م: (وبالرد) ش: أي وبرد المعنى المسروقة المؤيدة م: (إلى المالك إن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط) ش: أي سقوط العصمة م: (نظراً إلى اتحاد الملك) ش: احترازاً عما إذا لو تبدل الملك في ذلك، وهو جواب عن قوله: كما إذا باعه السارق من المالك إلى آخره م: (والمحل) ش: احترازاً عما إذا تبدل المحل كما في صورة الفرد كما يجيء عن قريب م: (وقيام الموجب) ش: أي موجب سقوط العصمة م: (وهو القطع فيه) ش: وهو احتراز عما كان قبل القطع.
م: (بخلاف ما ذكر) ش: يعني بخلاف ما ذكر أبو يوسف من صورة البيع م: (لأن الملك قد اختلف باختلاف سببه) ش: وذلك لأن اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان. وأصله «حديث بريرة حيث قال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لك صدقة ولنا هدية» م: (ولأن تكرار الجناية) ش: عطف على قوله: ولنا أن القطع، وهو دليل آخر تقرير تكرار الجناية م: (منه) ش: بالعود إلى سرقة ما قطع فيه م: (نادر) ش: جداً م: (لتحمله مشقة الزاجر، فتعرى الإقامة عن المقصود، وهو تقليل الجناية) ش: فلا يحتاج إليها.
م: (وصار) ش: أي هذا صار م: (كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول) ش: بالزنا

(7/32)


قال: فإن تغيرت عن حالها مثل أن يكون غزلا فسرقه وقطع فرده ثم نسج فعاد فسرقه قطع؛ لأن العين قد تبدلت فتبدلها عن حالها؛ ولهذا يملكه الغاصب به، وهذا هو علامة التبدل في كل محل. وإذا تبدل انتفت الشبهة الناشئة عن اتحاد المحل والقطع فيه، فوجب القطع ثانيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأول: فإنه لا يحد نظرا إلى عراية عن مقصود الإقامة وذكر الإمام [....
] هذا إذا قذفه يعني ذكر الزنا أما لو نسب إلى غير ذلك الزنا يحد ثانيا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن تغيرت عن حالها مثل أن يكون غزلاً فسرقه وقطع فرده ثم نسج فعاد فسرقه قطع؛ لأن العين قد تبدلت، فتبدلها عن حالها) ش: صارت في حكم عين أخرى، فلو سرق أخرى يقطع ثانياً فقطع فيها ثم سرق عيناً أخرى فقطع ثانياً.
فكذا هنا م: (ولهذا يملكه الغاصب به) ش: أي بالنسج ويقطعه حق المغصوب منه عن المغصوب م: (وهو علامة التبدل) ش: أي ثبوت ملك الغاصب بالنسج دليل تبدل العين، وإلا لما انقطع حق المالك م: (في كل محل) ش: في الثبوت وغيره.
م: (وإذا تبدل انتفت الشبهة الناشئة عن اتحاد المحل والقطع فيه) ش: بالجر عطفاً على قوله من اتحاد المحل. يعني لما تبدل المحل بأن كان ثوباً بعد أن كان غزلاً انتفت شبهة سقوط العصمة التي نشأت من اتحاد المحل ووجود القطع في ذلك المحل، فصار في حكم غير أخرى، فإذا كان كذلك م: (فوجب القطع ثانياً) .

(7/33)


فصل في الحرز والأخذ منه قال ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع. فالأول وهو الولاد للبسوطة في المال، وفي الدخول في الحرز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الحرز والأخذ منه] [سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم]
م: (فصل في الحرز والأخذ منه)
ش: أي هذا فصل في بيان الحرز. والحرز في اللغة: الموضع الحريز، وهو الموضع الذي يحرز فيه الشيء أي يحفظ. وفي الشرع: ما يحفظ فيه المال عادة كالدار والحانوت والخيمة والشخص بنفسه، والمراد من الحرز ما لا يعد صاحبه مضيعاً.
قوله: والأخذ منه أي من الحرز ولما احتاجت السرقة إلى وجود المالية، وإلى الحرز عند العامة شرع من الحرز شرط القطع عند عامة أهل العلم.
وحكي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والحسن والنخعي: فمن جمع المال ولم يخرج به من الحرز عليه القطع.
وعن الحسن مثل قول الجماعة. وحكى داود أنه يعتبر الحرز لإطلاق الآية، وهذه أقوال شاذة غير ثابتة.
وقال ابن المنذر: وليس فيه خبر ثابت ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه فهو كالإجماع، والأخبار التي وردت في القطع تخصص الآية.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع) ش: أما السرقة من أبويه فلا قطع فيها بالإجماع قال الأترازي: وكيف يقول بالإجماع وقد قال الكاكي: وقال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، والمزني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع السارق من أبويه لظاهر النص.
وكذلك السرقة من الجد وإن علا، وكذا إذا سرق الأب من ولده. وأما السرقة من ذي رحم محرم منه كالأخ والأخت والعم والخال فذلك عندنا لا يقطع، وقالت الثلاثة يقطع.
م: (فالأول وهو الولاد) ش: أي قرابة الولاد م: (للبسوطة في المال) ش: أي للبسط وهو السعة في اللغة: النشر م: (وفي الدخول في الحرز) ش: والحاصل أن المانع من القطع في سرقة الولد من والديه والعكس أيضاً أمران، أحدهما: الانبساط بينهم في المال، والآخر: الأول بالدخول في الحرز، وهو معنى قوله.
وفي الدخول في الحرز، ولهذا يمنع الولاد قبول شهادة أحدهما للآخر ويستحق النفقة في مال أبويه إذا كان فقيراً. ولو سرق الأب أو الجد وإن علا، والأم والجدة وإن علت من مال

(7/34)


والثاني للمعنى الثاني. ولهذا أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها، بخلاف الصديقين؛ لأنه عاداه بالسرقة. وفي الثاني خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ألحقها بالقرابة البعيدة، وقد بيناه في العتاق.

وأقرب من ذلك الأخت من الرضاعة، وهذا لأن الرضاعة قلما يشتهر فلا بسوطة تحرزا عن موقف التهمة، بخلاف النسب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولد، وإن سفل لا يقطع خلافاً لأبي ثور وابن المنذر.
والثاني: للمعنى م: (والثاني) ش: أي عدم القطع في السرقة من ذي الرحم المحرم م: (للمعنى الثاني) ش: وهو كونه يدخل في الحرز بدون الإذن م: (ولهذا) ش: أي ولأجل المعنى الثاني م: (أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها) ش: أي من المحارم وبعض النسخ فيها وموضع الزينة اليد؛ لأنها موضع السوار والشعر؛ لأنه موضع العربول والعضد موضع اليد ملوح، والصدر موضع القلادة والسارق موضع الخلخال.
م: (بخلاف الصديقين) ش: متصل بقوله لم يقطع، وهو جواب عن سؤال بأن يقال الإذن بالدخول كما وجد في سائر المحارم، وجد في الصديقين أيضاً، ومع هذا إذا سرق أحدهما من الآخر فقطع فأجاب بقوله بخلاف الصديقين م: (لأنه) ش: أي لأن الذي سرق من صديقه م: (عاداه بالسرقة) ش: لأنه لما سرق ظهر أنه عدو وعلى هذا تنتفي الصداقة فيقطع.
م: (وفي الثاني) ش: يعني في السارق من ذي رحم محرم م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ألحقها) ش: أي؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألحق قرابة ذي رحم محرم كالأخ والعم والخال م: (بالقرابة البعيدة) ش: كابن العم، ولا معنى لإلحاقها بها مع وجود السارق؛ لأن القرابة البعيدة يجوز فيها المناكحة.
وبخلاف قرابة ذي رحم محرم م: (وقد بيناه في العتاق) ش: أي بينا الخلاف في مسألة ملك ذي رحم محرم منه عتق.
بل يقطع وإن كانت المحرمية موجودة، وكذلك إذا ثبتت المحرمية بالتقبيل عن شهوة.

[السرقة من بيت الأخت من الرضاع]
م: (وأقرب من ذلك) ش: أي من الحرمة الثابتة بالزنا م: (الأخت من الرضاعة) ش: يعني أن الأم من الرضاعة أشبه إلى الأخت من الرضاعة في إثبات الحرمة من الحرمة الثابتة بالزنا، ثم السرقة من بيت الأخت من الرضاع موجبة للقطع بالإجماع، فيجب أن يكون من بيت أمه من الرضاع كذلك.
وجه الأقربية، أي إلحاق الرضاع أقرب من إلحاقه بالزنا م: (وهذا) ش: أي القطع مع الدخول عليه من غير استئذان وحشمة م: (لأن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوطة) ش: أي بلا انبساط كما ذكرنا م: (تحرزاً) ش: أي احترازاً م: (عن موقف التهمة بخلاف النسب) ش: أي الأم ونحوها.

(7/35)


وإذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته لم يقطع؛ لوجود الإذن بالدخول عادة. وإن سرق أحد الزوجين من حرز الآخر خاصة لا يسكنان فيه فكذلك الجواب عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن سرق من بيت ذي رحم محرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع.
ولو سرق ماله من بيت غيره يقطع؛ اعتبارا للحرز وعدمه، ومن سرق من أمه من الرضاعة قطع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأنه يدخل عليها من غير استئذان وحشمة، بخلاف الأخت من الرضاع لانعدام هذا المعنى فيها عادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأترازي: وكأن هذا وقع جواباً عن قول أبي يوسف أنه يدخل على الأم من الرضاع بلا استئذان وحشمة، يعني بينهما انبساط في دخول المنزل فلا يقطع فقال: الرضاع قليلاً شهادة عادة فلا انبساط بينهما حينئذ؛ لعدم اشتهار الرضاع احترازاً عن الوقوع في موقف التهمة، بخلاف الأم من النسب؛ ولأن النسب أمر مشتهر فالانبساط متحقق.

[سرقة أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده ومن سرق من أمه من الرضاعة]
م: (وإذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد) ش: أي لو سرق العبد م: (من سيده أو من امرأة سيده أو زوج سيدته) ش: أي أو سرق العبد من زوج سيدته م: (لم يقطع لوجود الإذن بالدخول عادة) ش: لأن العبد يدخل في بيوت هؤلاء ولا يمنع فلا يقطع.
م: (وإن سرق أحد الزوجين من حرز الآخر خاصة لا يسكنان فيه) ش: أي الزوجان لا يسكنان في ذلك الحرز م: (فكذلك الجواب) ش: أي لا يقطع م: (عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:.
م: (ومن سرق من بيت ذي رحم محرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع، ولو سرق ماله من بيت غيره يقطع) ش: أي مال ذي رحم محرم ثم علقهما بقوله م: (اعتباراً للحرز) ش: أي في المسألة الثانية م: (وعدمه) ش: أي وعدم الحرز في المسألة الأولى.
م: (ومن سرق من أمه من الرضاعة قطع) ش: ذكرها أيضاً تعريفاً بمسألة القدوري، قال في شرح الطحاوي: ولو سرق من أمه من الرضاعة أو من أبيه من الرضاع وجب القطع، وهذا هو ظاهر الرواية عن أصحابنا.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع لأنه يدخل عليها) ش: أي على أمه من الرضاع م: (من غير استئذان وحشمة) ش: أي ومن غير حشمة.
وفي " المغرب ": الانقباض من أخيك في المطفح وطلب الحاجة، والحشمة اسم من الاحتشام، يقال: أحشمه واحتشم منه إذا انقبض منه واستحى، وقيل: هي عامية، لأن الحشمة عند العرب الغضب لا غير. وقال ابن الأمير: الحشمة الاستحياء، يقال: احتشم أي انقبض.
م: (بخلاف الأخت من الرضاع) ش: حيث يقطع إذا سرق منها م: (لانعدام هذا المعنى) ش: وهو الدخول بلا استئذان وحشمة م: (فيها) ش: أي في أخته من الرضاع م: (عادة) ش: أي من

(7/36)


وجه الظاهر أنه لا قرابة والمحرمية بدونها لا تحترم كما إذا ثبتت بالزنا والتقبيل عن شهوة، لبسوطة بينهما في الأموال عادة ودلالة، وهو نظير الخلاف في الشهادة.
ولو سرق المولى من مكاتبه لا يقطع؛ لأن له في اكتسابه حقا وكذلك السارق من المغنم؛ لأن له فيه نصيبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث العادة؛ لأنه لا يدخل عليها إلا بالإذن.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه لا قرابة والمحرمية بدونها) ش: أي بدون القرابة م: (لا تحترم) ش: أي لا يحصل حرمتها حرمة عادة م: (كما إذا ثبتت) ش: يعني المحرمية م: (بالزنا والتقبيل عن شهوة) ش: فإنه إذا سرق من بيت المال التي زنا بها لا تعد شبهة في قطع اليد، فإنه له فيه ثلاثة أقوال في قول يقطع، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله.
والثاني: لا يقطع كقولنا وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. والثالث: يقطع الزوج بسرقة مال زوجته ولا تقطع الزوجة بسرقة مال الزوج؛ لأن لها النفقة في ماله فكان لها حق في ماله ولا حق له في مالها.
م: (لبسوطة بينهما) ش: أي بين الزوجين م: (في الأموال عادة ودلالة) ش: وهي أنها بما بدلت نفسها وهي أنفس من الأموال، فلأن تبدل المال أولى بطريق الدلالة؛ ولأن بينهما سبب يوجب الميراث من غير حجب كالوالدين والولدين والولد م: (وهو نظير الخلاف في الشهادة) ش: أي الخلاف في القطع نظير الاختلاف بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قبول الشهادة، حيث لا يقبل شهادة أحدهما في حق الآخر لاتصال المنافع بينهما عادة وعنده يقبل في أحد قوليه.

[سرقة المولى من مكاتبه والسرقة من المغنم]
م: (ولو سرق المولى من مكاتبه لا يقطع) ش: وفي بعض النسخ لم يقطع م: (لأن له) ش: أي للمولى م: (في اكتسابه) ش: أي اكتساب المكاتب م: (حقاً) ش: لأن رقبته مملوكة للمولى، فلا تتحقق السرقة، وكذلك لا قطع على المكاتب أو المدبر إذا سرق من المولى؛ لأن المكاتب عبد ولو بقي عليه درهم.
وكذا المدبر عبد ما لم يمت المولي، ولا قطع على العبد في مال سيده لما بينا. وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يقطع بسرقة مال سيدته، أو من زوجة سيده، أو من زوج سيدتها. وقال داود: يقطع بمال السيد أيضاً.
م: (وكذلك السارق من المغنم) ش: يعني لا يقطع م: (لأن له فيه نصيباً) ش: أي لأن للسارق في المغنم نصيباً، والمغنم الغنيمة، أطلق الرواية في القدوري.
وكذا في شرح الطحاوي قال الأترازي: وينبغي أن يكون المراد من السارق من الغنيمة من له نصيب في الغنيمة في الأربعة إلا في الخمس كالغانمين أو اليتامى أو المساكين وابن السبيل، أما

(7/37)


وهو مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - درءا وتعليلا.
قال: والحرز على ضربين حرز لمعنى فيه كالدور والبيوت، وحرز بالحافظ. قال الحرز لا بد منه؛ لأن الاستسرار لا يتحقق دونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غيرهم فلا نصيب له في الغنيمة، فينبغي أن يقطع، لأنه سرق مالاً سيما لا حق له فيه من حرز لا شبهة فيه فيقطع بخلاف السارق من بيت المال، فإنه قيد بمصالح المسلمين وهو منهم فصار كمال فيه شركة للسارق فلا يقطع. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقولنا في السارق من الغنيمة. وقال مالك وابن المنذر يقطع.
م: (وهو) ش: أي عدم القطع في السارق من المغنم م: (مأثور عن علي) ش: ابن أبي طالب م: (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:، رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن سماك بن حرب عن ابن عبيد بن الأبرص - وهو يزيد بن دثار - قال: أتي علي برجل سرق من المغنم فقال: له فيه نصيب وهو خائن فلم يقطعه.
وكان قد سرق مقصراً، ورواه الدارقطني في كتاب " المؤتلف والمختلف " في ترجمة عبيد بن الأبرص عن الثوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به مستنداً ومساو في الباب حديث مرفوع رواه ابن ماجه بسنده عن جبارة بن المغلس، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: «أن عبداً من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال: مال الله سرق بعضه بعضا» ، قال ابن القطان في كتابه: إسناده ضعيف، وقد رواه مرسلاً.
م: (درءاً وتعليلاً) ش: أي دفعاً للقطع وتعليلاً له، فالدرء عن قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأثر المذكور فلم يقطعه، والتعليل من قوله له فيه نصيب، وانتصابهما عليه أنهما حالين ومن عليه صلى على تقدير حال كون دارئاً ومعللاً، وكلاهما مصدران بمعنى اسم الفاعل كما في قولك رجل عدل أي عادل.
ولم يوضح أحد من الشراح هذا كما ينبغي.

[أنواع الحرز]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والحرز على ضربين) ش: وفي نسخة شيخي الأترازي أيضاً على نوعين، أحدهما م: (حرز لمعنى فيه) ش: وهو إنما يكون بالمكان المعد لحفظ الأمتعة والأموال، ويختلف في ذلك باختلاف الأول م: (كالدور والبيوت) ش: والصندوق والحانوت والحظيرة للغنم والبقر والخيمة والجر والحركات م: (وحرز بالحافظ) ش: هذا النوع الثاني كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه، فإنه يحرز به.
م: (قال) ش: أي المصنف: م: (الحرز لا بد منه) ش: لأنه شرط وجوب القطع والإجماع انعقد على شرطه، وعلل المصنف بقوله م: (لأن الاستسرار لا يتحقق دونه) ش: أي دون الحرز؛

(7/38)


ثم هو قد يكون بالمكان، وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والحانوت، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه فهو يحرز به، وقد «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد» وفي المحرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ وهو الصحيح؛ لأنه محرز بدونه وهو البيت وإن لم يكن له باب أو كان له باب وهو مفتوح، حتى يقطع السارق منه، لأن البناء للإحراز إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه، لقيام يده قبله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن معنى السرقة وهو الأخذ على سبيل الاستسرار لا يوجد إذا لم يوجد الحرز، ولما قال القدوري: الحرز على نوعين شرع المصنف توضيحه بقوله م: (ثم هو) ش: أي الحرز م: (قد يكون بالمكان، وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة) ش: وحفظها م: (كالدور والبيوت والصندوق والحانوت وقد يكون) ش: أي الحرز م: (بالحافظ) ش: أي لحفظ جانب المتاع متاعه.
م: (كمن جلس في الطريق أو في المسجد) ش: أي أو جلس في المسجد م: (وعنده متاعه فهو) ش: أي متاعه م: (يحرز به) ش: أي بالجالس المذكور، وقد استدل على ذلك بقوله م: (وقد «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد» ش: بيان هذا ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الزهري «عن عبد الله بن صفوان عن أبيه " أنه طاف بالبيت فصلى ثم لف رداءه من برد فوضعه تحت رأسه فنام، فأتاه لص فأرسله من تحت رأسه، وأخذه، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أسرقت رداء هذا، قال: نعم، قال اذهبا به فاقطعا يده، فقال صفوان: ما كنت أريد أن يقطع يده في ردائي، قال: فلولا كان قبل أن تأتيني به» . وزاد النسائي فقطعه انتهى، فعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الحرز بالحافظ.
م: (وفي محرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ) ش: لأن الأول أقوى؛ لأن المكان يمنع وصول اليد إلى المال، ويكون المال مختفياً به، والاختفاء لا يوجد في الحافظ، فكان ذلك أصلاً م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عما ذكر في العيون على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع السارق من الحمام في وقت الإذن إذا كان ثمة حافظ. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: لا يقطع، وبه أخذ الليث والصدر الشهيد وفي " الكافي " وعليه الفتوى، وهو ظاهر المذهب.
م: (له لأنه يحرز بدونه) ش: أي لأن المحرز بالمكان محرز بدون الحافظ م (وهو) ش: أي المحرز بالمكان م: (البيت وإن لم يكن له باب) ش: واصل بما قبله م: (أو كان) ش: أي أو كان م: (باب وهو مفتوح) ش: أي والحال أنه مفتوح م: (حتى يقطع السارق منه؛ لأن البناء للإحراز، إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه) ش: أي بإخراج المتاع من البيت م: (لقيام يده قبله) ش: أي لقيام

(7/39)


بخلاف المحرز بالحافظ حيث يجب القطع فيه كما أخذ لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظا أو نائما والمتاع تحته أو عنده هو الصحيح؛ لأنه يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة، وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله؛ لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوى.

قال: ومن سرق شيئا من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه قطع؛ لأنه سرق مالا محرزا بأحد الحرزين. قال ولا قطع على من سرق مالا من حمام أو من بيت أذن للناس في دخوله فيه لوجود الإذن عادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يد المالك قبل الإخراج، لأن هتك الحرز لا يكون إلا بالإخراج.
م: (بخلاف المحرز بالحافظ، حيث يجب القطع فيه كما أخذ) ش: أي السارق م: (لزوال يد المالك بمجرد الأخذ، فتتم السرقة) ش: فيقطع م: (ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظاً أو نائماً والمتاع تحته أو عنده) ش: أي أو تحته قريباً منه م: (هو الصحيح) ش: احترز عن قول بعض أصحابنا حيث شرط أن يكون المتاع م: (لأنه يعد النائم عند متاعه حافظاً له في العادة، وعلى هذا) ش: أي على التعليل الذي ذكره م: (لا يضمن المودع) ش: بفتح الدال، يعني إذا نام وعنده الوديعة.
وفي " الفتاوى الظهيرية " إنما لا يجب الضمان على المودع فيما إذا وضع الوديعة بين يديه فيما إذا نام قاعداً، أما إذا نام مضطجعاً فعليه الضمان. وقال: وهذا إذا كان في الحضر، أما إذا كان في السفر لا ضمان عليه نام قاعداً أو مضطجعاً.
م: (والمستعير مثله) ش: أي مثل المودع م: (لأنه ليس بتضييع، بخلاف ما اختاره في الفتاوى) ش: أي هذا الذي قلنا من عدم الضمان على المودع، أو المستعير كيفما نام عند المتاع خلاف ما اختاره في الفتاوى أي: هذا الذي قلنا من عدم الضمان على المودع؛ لأن فيها أوجب الضمان إذا نام مضطجعاً، وقد ذكرناه الآن.

[سرق شيئاً من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن سرق شيئاً من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه قطع) ش: هذا تفريع وبيان لما قال أولاً بقوله الحرز على نوعين: حرز لمعنى فيه، وحرز بالحافظ، يعني أن من سرق شيئاً من حرز بمعنى فيه كالدور قطع، وكذلك إذا سرق من غير حرز، لكن صاحبه عنده يحفظه قطع م: (لأنه سرق مالاً محرزاً بأحد الحرزين) ش: في الأول بالمكان. وفي الثاني بالحافظ.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قطع على من سرق مالاً من حمام أو من بيت أذن للناس في دخوله) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سرق من الحمام وكان عند الثياب حافظ فعليه القطع، كذا قال الشيخ أبو نصر البغدادي ولا يقطع عندنا م: (فيه لوجود الإذن عادة) ش: يعني

(7/40)


أو حقيقة في الدخول، فاختل الحرز، ويدخل في ذلك حوانيت التجار والخانات إلا إذا سرق منها ليلا لأنها بنيت لإحراز الأموال، وإنما الإذن يختص بالنهار.
ومن سرق من المسجد متاعا وصاحبه عنده قطع؛ لأنه محرز بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزا بالمكان بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله حيث لا يقطع؛ لأنه بني للإحراز فكان المكان حرزا، فلا يعتبر الإحراز بالحافظ ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الحمام.
م: (أو حقيقة) ش: أي أو لوجود الإذن حقيقة في بيت أذن في دخوله، وقوله م: (في الدخول) ش: يرجع إلى اثنين، فإذا كان كذلك م: (فاختل الحرز) ش: فلا يقطع م: (ويدخل في ذلك) ش: أي في حكم بيت أذن للناس في دخوله م: (حوانيت التجار والخانات) ش: وذلك لأن التاجر يفتح باب حانوته في السوق ويأذن للناس بالدخول عليه يشترون منه، فإذا سرق رجل منهم ثوباً لم يقطع، وبه صرح الحاكم في " الكافي ".
م: (إلا إذا سرق منها) ش: أي من الحمام والحوانيت والخانات، وهذا استثناء من قوله: ولا يقطع إلى آخره، وقوله م: (ليلاً) ش: قيد للكل م: (لأنها) ش: أي لأن الأماكن المذكورة م: (بنيت لإحراز الأموال، وإنما الإذن يختص بالنهار) ش: دون الليل.
وفي " مختصر الفتاوى " جماعة نزلوا بيتاً أو خاناً فسرق بعضهم من بعض متاعاً وصاحب المتاع يحفظه أو تحت رأسه لا يقطع، ولو كان مسجد جماعة قطع. ولو سرق من بيت واحد قبل الخروج لم يقطع.

[سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده والضيف إذا سرق ممن أضافه]
م: (ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده قطع؛ لأنه محرز بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزاً بالمكان) ش: وإنما هو محرز بالحافظ. وإذا كان الحافظ عنده يقظان أو نائماً عنده متاعه فقد حصل هتك الحرز، فيقطع. وإن لم يكن عنده فلا يقطع؛ لعدم الحرز.
م: (بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله، حيث لا يقطع؛ لأنه بني للإحراز، فكان المكان حرزاً، فلا يعتبر الإحراز بالحافظ) ش: وعدم القطع سبب الإذن في الدخول. وقال الشافعي: الموضوع في الشارع والمسجد محرز بالحافظ بشرط أن لا ينام أو لا يوليه ظهره، فيقول إذا نام عند متاعه لا يعد مضيعاً عادة، فلا يحتاج الحرز فيجب القطع.
م: (ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزاً في حقه؛ لكونه مأذوناً في دخوله) ش: وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد في رواية أن من سرق من الموضع

(7/41)


ولأنه بمنزلة أهل الدار، فيكون فعله خيانة لا سرقة.
ومن سرق سرقة فلم يخرجها من الدار لم يقطع؛ لأن الدار كلها حرز واحد، فلا بد من الإخراج منها؛ ولأن الدار وما فيها في يد صاحبها معنى فتتمكن شبهة عدم الأخذ، فإن كانت دار فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع؛ لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذي أنزل فيه أو موضع لم يحرز عنه لا يقطع، وإن كان موضع يحرز عنه قطع.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الضيف م: (بمنزلة أهل الدار) ش: يعني صار كأنه واحد من أهل البيت حيث أكرموه وأضافوه م: (فيكون فعله) ش: أي فعل الضيف م: (خيانة لا سرقة) ش: ولا قطع على الخائن، لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على الخائن قطع» ، وكذلك إذا سرق من بعض بيوت الدار الذي أذن له في دخولها، وهو مقفل أو من صندوق مقفل، كذا ذكره القدوري في شرحه وما روي أن أسود بات عند أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فسرق حلياً فقطعه أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فتأويله عند أصحابنا أنه سرق من دار النساء لا من دار الرجال، وفي الدارين المختلفين لا يكون الإذن في أحدهما إذناً في الأخرى.

م: (ومن سرق سرقة) ش: أراد بالسرقة المسروق مجازاً، كما قال محمد أيضاً إذا كانت السرقة مصحفاً، كذا قال الأترازي.
وقال الكاكي: سرق سرقة مجازاً فلم يخرجها من الدار لم يقطع؛ لأن الدار كلها حرز واحد فلا بد من الإخراج منها) ش: فلما لم يوجد الإخراج لا يوجد الهتك، فلا يجب القطع.
م: (ولأن الدار وما فيها في يد صاحبها معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (فتتمكن شبهة عدم الأخذ) ش: والشبهة دارئة م: (وإن كانت دار) ش: وإن كانت الدار المذكورة داراً م: (فيها مقاصير) ش: أي الحجرات البيوت، وهو جمع مقصورة، والمقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة م: (فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع؛ لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة) ش: لأن الإخراج إلى صحن الدار كالإخراج إلى السكة، فلو أخرج من السكة يقطع، فكذا هذا.
ثم في الفصل الأول قال بعض أصحابنا: لا ضمان عليه إذا تلف في يد المسروق، كما لا قطع عليه قبل الإخراج من الدار، والصحيح أنه يضمن بوجود التلف على وجه التعدي، بخلاف القطع، فإن شرطه هتك الحرز ولم يوجد.

(7/42)


وإن أغار إنسان من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع لما بينا. قال: وإذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما؛ لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه. والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أخرج الداخل يده فناولها الخارج، فالقطع على الداخل، وإن أدخل الخارج يده فتناولها من يد الداخل فعليهما القطع وهي بناء على مسألة تأتي بعد هذا. وإن ألقاه في الطريق ثم خرج فأخذه قطع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[نقب اللص البيت وناوله آخر خارج البيت أو ألقى المتاع في الطريق ثم خرج فأخذه]
م: (وإن أغار إنسان) ش: قال صاحب المغرب: -أغار - لفظ شمس الأئمة الحلواني، والضمير في أغار إلى العدو، وأما لفظ محمد وإن أعان يعني بالعين المهملة والنون، وهو الأوجه؛ لأن الإغارة تدل على الجهر والمكابرة والسرقة والحقيقة. وقال الكاكي: وإن أغار، أي أخذ سرعة على غيره، يقال: أغار الفرس والثعلب إذا أسرع، كذا في " المغرب ".
قوله فسرق فيها تفسير قوله أغار. وقال الأترازي: لفظ أغار له وجه بأن يدخل اللص مكابرة بالليل جهراً ويخرج المال فإنه يقطع لوجود الخفية عن عين سائر الناس، انتهى.
قلت: فيه ما فيه؛ لأن السرقة أخذ مال في خفية وحيلة، فكذلك سمي السارق به؛ لأنه يسارق عين المسروق منه، والإغارة أخذ في المجاهرة مكابرة ومبادرة. وإذا حملنا معنى أغار على ما نقله الكاكي من المغرب لا يتوجه شيء، ويحصل المقصود م: (من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن كل مقصورة ... إلى آخره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما) ش: إلى هنا لفظ القدوري، أي على الداخل والخارج. وقال مالك: إن كانا متعاونين قطعا، وإن أقر كل واحد بفعل لم يقطعا.
وقال الشافعي: إن انفرد الخارج بالأخذ يقطع وبه قال أحمد. وقال المصنف: م: (لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه. والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أخرج الداخل يده فناولها الخارج، فالقطع على الداخل، وإن أدخل الخارج يده فتناولها من يد الداخل فعليهما القطع وهي بناء) ش: أي مسألة نقب البيت وإدخال اليد فيه بينته م: (على مسألة تأتي بعد هذا) ش: هي مسألة إلقائه في الطريق.
كذلك قال شيخي العلاء. قوله م: (وإن ألقاه) ش: متصل بما قبله، أي وإن ألقى المتاع م: (في الطريق ثم خرج فأخذه قطع) .

(7/43)


وقال زفر: لا يقطع لأن الإلقاء غير موجب للقطع. كما لو خرج ولم يأخذ، وكذا الأخذ من السكة، كما لو أخذه غيره، ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع، أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو الفرار، ولم تعترض عليه يد معتبرة، فاعتبر الكل فعلا واحدا، وإذا خرج ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق.
وكذلك إذا حمله على حمار فساقه وأخرجه؛ لأن سيره مضاف إليه لسوقه، وإذا دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم قطعوا جميعا. قال هذا استحسان، والقياس أن يقطع الحامل وحده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الإخراج وجد منه فتمت السرقة به. ولنا أن الإخراج من الكل معنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا يقطع؛ لأن الإلقاء غير موجب للقطع، كما لو خرج ولم يأخذ، وكذا الأخذ من السكة) ش: أي وكذا أخذه من السكة أي أخذ سارق المال من السكة حيث لا يقطع عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما لو أخذه غيره) ش: أي من السكة عليه القطع.
م: (ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو الفرار ولم تعترض عليه يد معتبرة) ش: لأنه خرج ويده ثابتة عليه، وهذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما لو أخذه غيره، فإن هناك اعتراضا، عليه يد معتبرة، فأوجب سقوط يد الحاكمة للسارق.
وحاصله أن هذا السارق ثبت عليه بالأخذ كما مثله أن يد السارق بغيره ثبت عليه بالأخذ ثم بالرمي إلى الطريق ولم تدل يده حكماً؛ لعدم اعتراض الأخرى على يده م: (فاعتبر الكل) ش: أي إلقاءه في الطريق ثم أخذه م: (فعلاً واحداً) ش: كما إذا أخذ المال وخرج معه من الحرز فإنه فعل واحد، كذلك هنا.
م: (وإذا خرج) ش: أي السارق من الدار م: (ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق) ش: فلا قطع عليه م: (وكذلك إذا حمله على حمار فساقه وأخرجه) ش: أي يقطع، به قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن سيره) أي سير الحمار م: (مضاف إليه لسوقه) ش: وقال في خلاصة الفتاوى: ولو ذهب السارق إلى منزله فخرج الحمار بعد ذلك حتى جاء به إلى منزله.
وقال أيضاً: رجل دخل الدار وجمع المتاع في الليل وطرح في نهر كان فيها وخرج وأخذه وإن كان للماء قعرة أخرجه بنفسه لا يقطع، وعند الثلاثة يقطع. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": وهو وإن لم يكن للماء قعرة إخراج المتاع، لكنه أخرجه بتحريك يقطع. وفي مبسوط أبي البر: ولو علقه على عنق كلب فزجره يقطع. ولو خرج من غير زجر لا يقطع، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في وجه.

[دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم]
(وإذا دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم قطعواً جميعاً) ش: هذا لفظ القدوري م: (قال) ش: أي المصنف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا استحسان، والقياس أن يقطع الحامل وحده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن الإخراج وجد منه) ش: أي من الحامل م: (فتمت السرقة به) ش: أي الحامل م: (ولنا أن الإخراج من الكل معنى) ش: أي من حيث المعنى

(7/44)


للمعاونة كما في السرقة الكبرى، وهذا لأن المعتاد فيما بينهم أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع، فإذا امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد. قال: ومن نقب البيت وأدخل يده فيه وأخذ شيئا لم يقطع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإملاء أنه يقطع، لأنه أخرج المال من الحرز، وهو المقصود، فلا يشترط الدخول فيه. كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي. ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال تحرزا عن شهبة العدم والكمال في الدخول، وقد أمكن اعتباره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لكونهم ردوا للحامل م: (للمعاونة) ش: أي لأجل معاونتهم للحامل؛ لأن عادتهم بأن يحمل بعضهم ويترصد الباقون كي يدفعوا صاحب المال إذا انتبه فيكون الإخراج من الجميع لما ذكرنا م: (كما في السرقة الكبرى) ش: وهي قطع الطريق إذا باشر بعضهم القطع وأخذ المال والباقون وقوف يجب حد قطع الطريق على جميعهم لكونهم دالة، فكذا هنا.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن الإخراج من الكل معنى م: (لأن المعتاد فيما بينهم) ش: أي فيما بين السراق م: (أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع) ش: أي دفع من يعترض لهم صاحب البيت أو غيره م: (فإذا امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد) ش: أي فإذا امتنع القطع في هذه الصورة باعتبار الشبهة أدى إلى سد باب الحدود. قالوا: هذا إن كان الحامل من أهل القطع عند الانفراد.
أما إذا كان صبياً أو مجنوناً لا قطع عليهم بالإجماع، وإن كان الحامل بالغاً، ولكن فيهم صبي أو مجنون لم يجب القطع عليهم أيضاً عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لتمكن الشبهة في فعل واحد منهم فلا يجب على الباقين، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب القطع على الحامل وغير الصبي والمجنون، كذا في " الذخيرة ". م: (ومن نقب البيت وأدخل يده فيه، وأخذ شيئاً لم يقطع) ش: الصبي والمجنون، وهذا ظاهر الرواية عن أصحابنا م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء " أنه يقطع؛ لأنه أخرج المال من الحرز وهو المقصود) ش: أي المقصود إخراج المال من الحرز م: (فلا يشترط الدخول فيه، كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي) ش: وفي بعض النسخ وأخرج الغطريفي وهو الدرهم المنسوب إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الدراهم الغطريفية كانت من أعز النقود ببخارى، وبقول أبي يوسف قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال) ش: لوجود القطع م: (تحرزاً عن شبهة العدم) ش: أي عدم هتك الحرز م: (والكمال في الدخول) ش: أي الكمال في هتك الحرز الدخول، أي في البيت م: (وقد أمكن اعتباره) ش: أي اعتبار الدخول في البيت.

(7/45)


والدخول وهو المعتاد، بخلاف الصندوق لأن الممكن فيه إدخال اليد دون الدخول، وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع؛ لأن ذلك هو المعتاد وإن طر صرة خارجة من الكم لم يقطع، وإن أدخل يده في الكم قطع؛ لأن في الوجه الأول الرباط من خارج فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر، فلم يوجد هتك الحرز، وفي الثاني الرباط من داخل، فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم،
ولو كان مكان الطر حل الرباط ثم الأخذ في الوجهين ينعكس الجواب لانعكاس العلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع على كل حال، لأنه محرزا إما بالكم أو بصاحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والدخول) ش: أي في البيت م: (وهو المعتاد) ش: في هتك الحرز م: (بخلاف الصندوق) ش: جواب عن قوله كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي م: (لأن الممكن فيه) ش: أي في الصندوق م: (إدخال اليد دون الدخول) ش: فإنه غير ممكن فيتم هتك الحرز بإدخال اليد والإخراج منه.
م: (وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع) ش: أي بعض القوم دون البعض، وهذا أيضاً جواب عما يقال لو كان الكمال في هتك الحرز شرطاً تحرزاً عن شبهة القطع لما وجب القطع فيما تقدم من حمل البعض المتاع دون بعض؛ لأن فيه شبهة العدم، فأجاب بقوله م: (لأن ذلك هو المعتاد) ش: بين السراق إذا كانوا جماعة م: (وإن طر صرة) ش: الطر ومنه الطرار والصرة الهيمان والجراد من الصرة هنا الكم المشدودة في الدراهم.
وقال الأكمل: الطرار هو الذي يطر الهيمان أي يشفها ويقطعها، والصرة وعاء الدراهم، يقال: طررت الصرة، أي شددتها م: (خارجة من الكم لم يقطع وإن أدخل يده في الكم قطع؛ لأن في الوجه الأول الرباط من خارج، فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر، فلم يوجد هتك الحرز) ش: فلا قطع.
م: (وفي الثاني) ش: أي في الوجه الثاني م: (الرباط من داخل، فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم) ش: فيقطع، وفي هذا التفصيل المذكور في الكتاب دليل على أن المذكور في أصول الفقه بأن الطرار يقطع ليس بمجرى على عمومه، بل هو محمول على الصورة الثانية، وهي إذا أدخل يده في الكم فنظرها.

م: (ولو كان مكان الطر حل الرباط، ثم الأخذ في الوجهين) ش: أي من الخارج والداخل م: (ينعكس الجواب) ش: يعني فيما إذا كان الرباط خارج الكم يقطع؛ لأنه يأخذ الدراهم من داخل الكم لوقوعها في الكم.
ولو كان الرباط داخل الكم لا يقطع؛ لأنه لما حل الرباط من داخل الكم فكان أخذها من خارج الكم فلا يقطع؛ لأنه لم يهتك الحرز، ولم يأخذ منه شيئاً، وهذا معنى قوله م: (لانعكاس العلة وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع على كل حال؛ لأنه محرز) ش: أي؛ لأن المال محرز م: (إما بالكم أو بصاحبه) ش: أي في الكم، ففي صورة طرها

(7/46)


قلنا الحرز هو الكم؛ لأنه يعتمده، وإنما قصده قطع المسافة والاستراحة فأشبه الجوالق،
وإن سرق من القطار بعيرا أو جملا لم يقطع؛ لأنه ليس بمحرز مقصودا، فتتمكن شبهة العدم، وهذا لأن السائق والقائد والراكب يقصدون قطع المسافة، ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ قالوا يقطع. وإن شق الحمل وأخذ منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خارج الكم، وأما بصاحبه ففي صورة طرها دخل الكم. م: (قلنا: الحرز هو الكم لأنه) ش: أي لأن صاحب المال م: (يعتمده) ش: أي يعتمد الكم في حفظ المال لا قيام نفسه عند المال م: (وإنما قصده) ش: أي قصد صاحب المال م: (قطع المسافة) ش: في المشي م: (والاستراحة) ش: في القعود م: (فأشبه الجوالق) ش: أي فأشبه الكم الجوالق - بضم الجيم - وهو اسم للواحد، وجمعه الجوالق بفتح الجيم كالسرادق، كذا أخبرنا الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الكاكي في قوله الجوالق؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون صاحب المال في حالة المشي أو في غير حالة المشي، فإذا كان الأول فمقصوده قطع المسافة لا حفظ المال، وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة لا حفظ المال والمقصود وهو المعتبر في هذا الباب.
ألا ترى أن من سرق الجوالق الذي على إبل يسير فأخذ المال منه يقطع؛ لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان السارق منه هاتكا للحرز فيقطع، ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع، وكذا لو سرق الغنم من المرعى ومعها الراعي لا يقطع؛ لإذن الراعي، لا يقصد بالرعي الحفظ، وإنما يقصد به الرعي والحفظ، بخلاف ما لو كانت الغنم في حظيرة بنيت لها وعليها باب مغلق، فأخرجها منه يقطع؛ لأنها بنيت لأجل حفظ الغنم. كذا في " المحيط ".
وعند الأئمة الثلاثة إذا كان الراعي بحيث يراها تكون محرزة فيقطع، وما كان غائباً من نظره، فإن كان نائماًَ أو مشغولاً فليست بمحرزة، وعندهم لو أخذ الجوالق بما فيه من الجمال المقررة.

[سرق من القطار بعيراً أو جملاً]
م: (وإن سرق من القطار بعيراً أو جملاً لم يقطع، لأنه ليس بمحرز مقصوداً، فتتمكن شبهة العدم) ش: أي عدم الحرز، وعند الأئمة الثلاثة لو سرق واحداً من الجمال أو واحداً من الأجمال أو شق وأخذ شيئاً يقطع في الكل؛ لأن الكل محرز بالحافظ، وهو القائد أو السائق أو الراكب إذا لم يكن نائماً عليه له يقطع، فإن كان نائماً عليها لم يقطع.
م: (وهذا) ش: أي عدم القطع م: (لأن السائق والقائد والراكب يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ، قالوا: يقطع وإن شق الحمل وأخذ منه

(7/47)


قطع، لأن الجوالق في مثل هذا حرز؛ لأنه يقصد بوضع الأمتعة فيه صيانتها كالكم فوجد الأخذ من الحرز فيقطع، وإن سرق جولقا فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه، أو نائم قطع، معناه إذا كانت الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق ونحوه، حتى يكون محرزا بصاحبه؛ لكونه مترصدا لحفظه، وهذا لأن المعتبر هو الحفظ المعتاد والجلوس عنده، والنوم عليه يعد حفظا عادة، وكذا النوم يقرب منه على ما اخترناه من قبل. وذكر في بعض النسخ وصاحبه نائم عليه، أو حيث يكون حافظا له، وهذا يؤكد ما قدمناه من القول المختار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قطع؛ لأن الجوالق في مثل هذا حرز، لأنه يقصد بوضع الأمتعة فيه صيانتها كالكم فوجد الأخذ من الحرز فيقطع) .

[سرق جولقاً فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه أو نائم]
م: (وإن سرق جولقاً فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه أو نائم قطع. معناه) ش: أي معنى قول محمد؛ لأنه مسألة من مسائل " الجامع الصغير " م: (إذا كانت الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق ونحوه) ش: كالمغادر م: (حتى يكون محرزاً بصاحبه؛ لكونه مترصداً لحفظه، وهذا لأن المعتبر هو الحفظ المعتاد والجلوس عنده، والنوم عليه يعد حفظاً عادة، وكذا النوم يقرب منه على ما اخترناه من قبل) ش: أي من قبل ورقة وهو قوله: لأنه يعد النائم عند متاعه حافظاً.
م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي ذكر في بعض نسخ " الجامع الصغير " وأراد به فخر الإسلام م: (وصاحبه نائم عليه أو حيث يكون حافظاً له) ش: يعني لم يقتصر على قوله وصاحبه نائم عليه، بل قال: أو حيث يكون حافظاً له.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكره في بعض النسخ بقوله حيث يكون حافظاً له م: (يؤكد ما قدمناه من القول المختار) ش: بعد ما تقدم من كون المتاع عنده أو تحته، وهو قوله: ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظاً إلى قوله: والصحيح.

(7/48)


فصل في كيفية القطع وإثباته قال: وتقطع يمين السارق من الزند ويحسم، فالقطع لما تلوناه من قبل واليمين بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن الزند؛ لأن الاسم يتناول اليد إلى الإبط، وهذا المفصل متيقن به. كيف وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع يد السارق من الزند، والحسم؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في كيفية القطع وإثباته] [قطع يمين السارق من الزند]
م: (فصل في كيفية القطع وإثباته)
ش: أي هذا فصل في بيان كيفية قطع يد السارق، وفي بيان إثبات القطع.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتقطع يمين السارق من الزند) ش: وقالت الخوارج: من المنكب لظاهر النص، إذ اليد من المنكب رؤوس الأصابع. وقال بعض الناس: بقطع الأصابع فقط، لأنها آلة البطش ومحل الجناية.
قلنا: هذا مخالف بالنص والمنصوص قطع اليد لا الأصابع والزند موصل طرف الذراع من الكف. وقال تاج الشريعة: الزند عظم الساعد.
وفي " الصحاح " الزند موصل طرف الذراع، وهما زندان الكوع والكرسوع، والكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام، والكرسع: طرف الزند الذي يلي الخنصر.
م: (ويحسم) ش: على صيغة المجهول من الحسم، وهو الكي لينقطع الدم يقال: حسم العرق إذا كواه بحديدة محماة. وفي الطلبة والمغرب والمغني لابن قدامة الحنبلي وهو أن يغمس في الدهن الذي أغلي.
م: (فالقطع لما تلوناه من قبل) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] ..... الآية (المائدة: الآية 38) ، م: (واليمين) ش: أي قطع يراد اليمين م: (بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فاقطعوا أيمانهما، وهي قراءة مشهورة جاءت الزيادة بها على الكتاب م: (ومن الزند) ش أي يقطع من الزند م: (لأن الاسم يتناول اليد إلى الإبط) ش: حاصله أن اليد قد تكون من المنكب.
وقد تكون من المرفق، وقد تكون من الرسغ، فإذا أطلق إلى الإبط باستعمال العرب واللغة والشرع، ولكن زال هذا ببيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمله وعمل الصحابة وإجماعهم على أن هذا القدر، وهو متيقن به، أشار إليه المصنف بقوله م: (وهذا المفصل) ش: الرسغ م: (متيقن به) ش: أي في كونه موضع القطع لإرادة الرسغ على تقدير إرادة أي المفصل كان من مفاصل اليد.
م: (كيف) ش: أي كيف لا يكون هذا المفصل متيقناً به م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع يد السارق من الزند) ش: وروى ابن عدي في " الكامل " بإسناده عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو

(7/49)


«فاقطعوه واحسموه» ؛ ولأنه لو لم يحسم يفضي إلى التلف والحد زاجر لا متلف،
" ولو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثا لم يقطع، ويخلد في السجن حتى يتوب، وهذا استحسان ويعزر أيضا ذكره المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سارقاً من المفصل» . وروى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان صفوان بن أمية بن خلف نائماً في المسجد وثيابه تحت رأسه، فجاء سارق فأخذها فأتى به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث ". وفي آخره: " ثم أمر بقطعه» .
م: (والحسم) ش: عطف على قوله: فالقطع م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «فاقطعوه واحسموه» ش: هذا أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بسارق سرق شملة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ما أخاله سرق، قال السارق: بلى يا رسول الله، قال: فاذهبوا به واقطعوه ثم احسموه ... الحديث» . وقال الكاكي: صحيح على شرط مسلم.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن السارق م: (لو لم يحسم) ش: بعد القطع م: (يفضي إلى التلف والحد زاجر لا متلف) ش: ألا ترى أنه لا يقطع في الحر الشديد والبرد الشديد، وعند شدة المرض توقياً عن الهلاك، وثمن الدهن على السارق عندنا، وبه قال مالك والشافعي في وجه، وقال في وجه بيت المال.

[سرق ثانياً بعد قطع يده اليمنى]
م: (ولو سرق ثانياً) ش: يعني بعد قطع يده اليمنى م: (قطعت رجله اليسرى) ش: من الكعب عند أكثر أهل العلم وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك. وقال أبو ثور والرافضة: يقطع من نصف القدم من معقد الشراك م: (فإن سرق ثالثاً لم يقطع ويخلد في السجن حتى يتوب) .
ش: قال صاحب النافع: حتى يتوب أو يظهر عليه سيما رجل صالح م: (وهذا) ش: أي عدم القطع في المرة الثالثة م: (استحسان ويعزر أيضاً، ذكره المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي ذكروا التعزير، وقد روى ابن رستم عن محمد أن التعزير مع الحبس، وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضرب وحبس في المرة الثالثة.

(7/50)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الثالثة يقطع يده اليسرى، وفي الرابعة: يقطع رجله اليمنى؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من سرق فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه» ويروى مفسرا كما هو مذهبه، ولأن الثالثة مثل الأولى في كونها جناية، بل فوقها، فتكون أدعى إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثالثة) ش: أي في السرقة الثالثة م: (يقطع يده اليسرى، وفي الرابعة: يقطع رجله اليمنى؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من سرق فاقطعوه، فإن عاد فاقطعوه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر قيل: «جيء بسارق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فقطع، ثم جيء به الرابعة فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله إنما سرق مالا، قال: اقطعوه فقطع، ثم جيء به في الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في البئر ورمينا عليه الحجارة» وقال النسائي: حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث.
م: (ويروى مفسراً كما هو مذهبه) ش: أي يروى هذا الحديث مفسراً كما هو مذهب الشافعي، قال الأكمل في حديث أبي هريرة: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المرة الأولى: تقطع يده اليمنى، وفي الثانية الرجل اليسرى، وفي الثالثة اليد اليسرى، وفي الرابعة الرجل اليمنى» انتهى.
قلت: حديث أبي هريرة هذا رواه الدارقطني بغير هذا اللفظ، فإنه أخرجه عن الواقدي عن أبي ذئب عن خالد بن سلمة رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله» ، والواقدي فيه مقال.
ويقول الشافعي قال مالك، وفي المرة الخامسة عندهما يحبس ويعزر. وحكي عن عطاء، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن العاص، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه يقطع في المرة الثالثة يده اليسرى. وفي الرابعة الرجل اليمنى ويقتل في الخامسة في حديث جابر الذي مضى عن قريب.
م: (ولأن الثالثة) ش: أي ولأن الثالثة م: (مثل الأولى) ش: أي مثل السرقة الأولى م: (في كونها جناية بل فوقها) ش: أي بل فوق الأولى، لأنها لعدم تقدم الزواجر م: (فتكون أدعى إلى

(7/51)


شرع الزاجر. ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها، ورجلا يمشي عليها، وبهذا حاج بقية الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحجهم فانعقد إجماعا، ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرح الزاجر) ش: أي فتكون الثالثة أدعى إلى مشروعية الزاجر؛ لأنها بعد تكرار الزاجر.
م: (ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه) ش: أي قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قطع الثالثة م: (إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ويستنجي بها، ورجلاً يمشي عليها) ش: هذا رواه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار ". وأخبرنا أبو حنيفة الإمام عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد ضمن السجن حتى يحدث خيراً، إني لأستحي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها، ومن طريق محمد بن الحسن رواه الدارقطني في سننه.
م: (وبهذا) ش: أي بقوله هذا م: (حاج بقية الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي حاجج معهم في هذا، رواه سعيد بن منصور، حدثنا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه قال: حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتلته إذاً وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟ بأي شيء يغتسل من الجنابة؟ بأي شيء يقوم على حاجته؟ فرده إلى السجن أياماً ثم أخرجه فاستشار أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول، فقال لهم مثل ما قال في الأول فجلده جلداً شديداً ثم أرسله م: (فحجهم) ش: أي تعليم لهذا فلم يرد عليه أحد منهم بعد هذا. م: (فانعقد إجماعاً) ش: لأنه يحتج عليهم بالنص في الباب، قال: إنه لا يغني فيه، إذ لو ثبت التعليم؛ لأنه يبنى على الشهود ولو بلغهم لاحتجوا به.
فإن قيل: ليس اليد اليسرى محله لظاهر الكتاب والإجماع على خوف الكتاب.
قلنا: لما قيدنا المطلق بالقراءة المشهورة خرجت اليسرى عن كونها من الحد، كمن قال لآخر أعتق عبداً من عبيدي ثم قال: عنيت سالماً فيخرج غيره، ولأن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن قطع غير اليد اليمنى والرجل اليسرى م: (إهلاك معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (لما فيه من تفويت جنس المنفعة) ش: وفي " المبسوط " يقطع ببقاء منافعه؛ ولهذا تعلق مطلق لليد في العبد قيمة النفس.
ولا يجوز إعتاق مقطوع اليدين في الكفارة، فعرفنا أنه استهلاك حكماً، وفيه شبهة

(7/52)


والحد زاجر، ولأنه نادر الوجود، والزجر فيما يغلب بخلاف القصاص؛ لأنه حق العبد فيستوفي ما أمكن جبرا لحقه، والحديث طعن فيه الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو نحمله على السياسة.
وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع أو مقطوع الرجل اليمنى لم يقطع؛ لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشا أو مشيا، وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء؛ لما قلنا، وكذا إن كانت إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء أو الأصبعان منها سوى الإبهام، لأن قوام البطش بالإبهام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإتلاف، والشبهة كالحقيقة فيما يندرئ بالشبهات م: (والحد زاجر) ش: أي لا متلف.
م: (ولأنه نادر) ش: أي ولأن وجود الزجر متكرر نادر م: (الوجود) ش: لأنه فقد الزاجران م: (والزجر فيما يغلب) ش: وجوده م: (بخلاف القصاص) ش: جواب سؤال مقدر تقديره لو قطع رجل أربعة أطراف قصر منه الإجماع، وجميع ما ذكرتم من المحظورات هناك موجود؛ لأنه لا يبقى له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها، وفيه تفويت جنس المنفعة ونادر الوجود وأجاب بخلاف القصاص، يعني حكم القصاص بخلاف حكم هذا م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (حق العبد فيستوفي) ش: حقه م: (ما أمكن) ش: لأن في حق العبد تراعى المماثلة بالنص م: (جبراً لحقه) ش: أي لأجل جبر حقه بالاستيفاء مثل حقه.
م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي م: (طعن فيه الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فقال: تتبعنا هذه فلم نجد لشيء منها أصلاً، وطعن فيه النسائي أيضاً وغيره من الثقات م: (أو نحمله) ش: أي نحمل الحديث المشهور المذكور م: (على السياسة) ش: وهذا جواب بطريق التسليم.

[السارق إذا كان أشل اليد اليسرى أو أقطع]
م: (وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع) ش: أي أو كان أقطع م: (أو مقطوع الرجل اليمنى لم يقطع) ش: وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية تقطع يمينه، ولا يمنع ذلك النقصان من قطع يمينه م: (لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشاً) ش: يعني من حيث البطش، وهو لأخذ القوى باليد إن كانت يده اليسرى مقطوعة م: (أو مشياً) ش: يعني من حيث المشي إن كانت رجله اليمنى كذلك.
م: (وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن فيه تفويت جنس المنفعة م: (وكذا إذا كانت إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء) ش: أي أو كانت شلاء يقطع م: (أو الأصبعان منها سوى الإبهام) ش: أو كانت الأصبعان من اليد اليسرى سوى الإبهام مقطوعين لم يقطع أيضاً؛ لأن الأصبعين ينزلان منزلة الإبهام، وقوله م: (لأن قوام البطش بالإبهام) ش: أي لبطش بالإبهام تعليل لقوله، وكذلك إذا كان إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء.

(7/53)


فإن كانت أصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة أو شلاء قطع؛ لأن فوت الواحدة لا يوجب خللا ظاهرا في البطش، بخلاف فوات الأصبعين لأنهما ينزلان منزلة الإبهام في نقصان البطش.
وإذا قال الحاكم للحداد اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا أو خطأ، فلا شيء عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا شيء عليه في الخطأ ويضمن في العمد. وقال زفر: يضمن في الخطأ أيضا، وهو القياس. والمراد بالخطأ هو الخطأ في الاجتهاد، وأما الخطأ في معرفة اليمين أو اليسار فلا يجعل عذرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن كانت أصبع واحدة) ش: يعني من اليد اليسرى م: (سوى الإبهام مقطوعة أو شلاء قطع؛ لأن فوت الواحدة) ش: أي الأصبع الواحدة م: (لا يوجب خللاً ظاهراً في البطش، بخلاف فوات الأصبعين، لأنهما ينزلان منزلة الإبهام في نقصان البطش) ش: وقال تاج الشريعة: فإن كان أصبع واحدة إلى العشرة فرق بين هذا وبين الكفارة، فإن العبد إذا كان مقطوع أحد اليدين أو الرجلين أو الإبهام أو الأصبعين فأعتقه عن الكفارة يجزئه؛ لأن قطع الإبهام إهلاك من وجه، فأقيم الإهلاك في حقه مقام الإهلاك من كل وجه احتيالاً لدرء القطع، أما الكفارة فلا يحتال فيها فلا يقام الإهلاك من وجه مقام الإهلاك من كل وجه

[قال الحاكم للحداد اقطع يد هذا فقطع الحداد يساره]
م: (وإذا قال الحاكم للحداد) ش: أي الذي يقيم الحد كالجلاد الذي يقيم الجلد، كذا في المغرب م: (اقطع يمين هذا في سرقة سرقها) ش: قيد بقوله: يمين هذا؛ لأنه لو قال: اقطع يد هذا فقطع الحداد يساره لا ضمان عليه بالاتفاق م: (فقطع يساره عمداً أو خطأ فلا شيء عليه) ش: أي على الحداد م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: سواء قطعه عمداً أو خطأ، ولكن يثوب الحداد، وبه قال أحمد.
م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد: م: (لا شيء عليه) ش: أي على الحداد إذا كان م: (في الخطأ ويضمن في العمد) ش: أرش اليسار م: (وقال زفر: يضمن في الخطأ أيضاً) ش: يعني يضمن الأرش، وعند الشافعي في العمد يجب القصاص عليه، وبه قال مالك؛ لأنه قطع بغير حق فوجب عليه القود. ولو قال: أخطأت وظننت أنه اليسار فعليه الدية؛ لأن الخطأ غير مرفوع في حق العباد، ولو بادر رجل فقطع اليمين بغير إذن الإمام، فلا شيء عليه بالإجماع، ولكن يؤدبه الإمام على ذلك؛ لأنه أساء الأدب حيث قطع بغير إذن الإمام كذا في " المبسوط " م: (هو القياس) ش: أي قول زفر، وهو القياس م: (والمراد بالخطأ) ش: أي المراد من الخطأ الذي لا شيء عليه م: (هو الخطأ في الاجتهاد) ش: يعني في قَوْله تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] حيث زعم أن الكتاب مطلق عن قيد اليمين.
م: (وأما الخطأ في معرفة اليمين أو اليسار فلا يجعل عذراً) ش: لأن الجهل في موضع الاشتهار ليس بعذر، وهذا موضع الاشتهار؛ لأن كل واحد يميز بين اليمين واليسار، وإليه

(7/54)


وقيل يجعل عذرا أيضا. له أنه قطع يدا معصومة، والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمنها، قلنا: إنه أخطأ في اجتهاده، إذ ليس في النص تعيين اليمين، والخطأ في الاجتهاد موضوع، ولهما أنه قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل له؛ لأنه تعمد الظلم فلا يعفى، وإن كان في المجتهدات، وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع للشبهة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه، فلا يعد إتلافا، كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذهب فخر الإسلام م: (وقيل يجعل عذراً أيضاً) ش: فلا يضمن؛ لأنه بنى أمره على دليل شرعي. كذا في " الكافي ".
وقيل: اجتهد في جواز قطع اليسرى نظراً إلى إطلاق النص هكذا رأيت بخط شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (له) ش: أي لزفر م: (أنه) ش: أي أن الحداد م: (قطع يداً معصومة) ش: ولهذا لو قطع غير الحداد يضمن كما لو رمى صيداً فأصاب إنساناً يضمن م: (والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمنها) ش: أي الدية م: (قلنا: إنه أخطأ في اجتهاده إذ ليس في النص تعيين اليمين) ش: لأن النص مطلق م: (والخطأ في الاجتهاد موضوع) ش: أي شرعاً. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الحداد م: (قطع طرفاً معصوماً بغير حق) ش: لأن الحق في اليمين وهو أيضاً لم يقطع يسار أحد؛ ليكون حق قطع اليسار قصاصاً م: (ولا تأويل له) ش: أي للحداد فيما فعله م: (لأنه تعمد الظلم فلا يعفى وإن كان في المجتهدات) ش: واصل بما قبله، إذ المجتهد لا يقدر في الظلم عمداً كالباغي إذا أتلف مال العادل م: (وكان ينبغي أن يجب القصاص) ش: لأنه قطع ما ليس بمحل م: (إلا أنه امتنع) ش: أي إلا أن القصاص امتنع م: (للشبهة) ش: أي لأجل الشبهة الثابتة من إطلاق النص، وإن كانت اليمين ثبتت بقراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولكن تبقى شبهة اليسار الداخل تحت اسم اليد، فالشبهة تكفي لدرء القصاص، بخلاف ضمان الأموال.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أتلف) ش: حيث قطع اليسار م: (وأخلف من جنسه) ش: أي من جنس المقطوع م: (ما هو خير منه) ش: وهو اليمين؛ لأن منفعة اليمين صارت على شرف الزوال فيكون كالغائب من حيث الاعتبار م: (فلا يعد إتلافاً كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع) ش: حيث لا يضمن، وبقولنا قال الشافعي - في الأصح - وأحمد. وقال مالك والشافعي في قول: يقطع؛ لأنه وجب قطعها فلا يسقط بالجناية على غيرها.
فإن قيل: اليمين لم يحصل له سبب القطع، بل كان حاصلاً له قبل ذلك والإتلاف بخلف إنما لا يوجب الضمان إذا حصل الخلف بسبب حصل به الإتلاف كما في مسألة الشهادة ونقصان

(7/55)


وعلى هذا لو قطعه غير الحداد فلا يضمن أيضا، هو الصحيح،
ولو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني فقطعها لا يضمن بالاتفاق؛ لأنه قطعه بأمره ثم في العمد عنده عليه، أي السارق ضمان المال؛ لأنه لم يقع حدا وفي الخطأ كذلك على هذه الطريقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولادة، أما إذا حصل الخلف بسبب آخر يضمن.
قلنا: اليمين من حيث الاعتبار، ولا يلزم ما إذا جدع أنفه؛ لأنه ما أخلف عما أتلف أو عيناه لم تقطع.
فإن قيل: لو قطع رجله اليمنى يضمن، وقد أتلف وأخلف عوضاً وهو اليمين لا يقطع حينئذ.
قلنا: لا رواية فيه فيمنع، ولئن سلمنا فالتالف ليس من جنس الباقي.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى تعليل أبي حنيفة وهو أنه أتلف والخلف من جنسه خير منه م: (لو قطعه) ش: أي لو قطع يد السارق م: (غير الحداد فلا يضمن أيضاً) ش: لأنه أتلف وأخلف خيراً منه، لأن يمناه لا تقطع بعد ذلك سواء قطع يساره أو غيره بعد القضاء ذكره فخر الإسلام في جامعه م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما ذكر في شرح الطحاوي فقال فيه: ولو قطع غيره يده اليسرى. فإن في العمد القصاص، وفي الخطأ الدية. وسقط القطع عنه في اليمين؛ لأنه لو قطع إلى الاستهلاك، ويرد السرقة إن كان قائماً وعليه ضمانه في الهالك.

[أخرج السارق يساره وقال هذه يميني فقطعها الحداد]
م: (ولو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني فقطعها لا يضمن بالاتفاق، لأنه) ش: أي لأن الحداد م: (قطعه بأمره) ش: أي قطع يساره بأمر السارق فلا يضمن، كما لو قطع يد غيره بأمره من غير أن يكون يده مستحقاً للقطع بالسرقة فهذا أولى م: (ثم في العمد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (عليه) ش: أي على السارق م: (ضمان المال) ش: أي مال المسروق منه.
م: (لأنه) ش: أي لأن قطع يساره م: (لم يقع حداً) ش: وإنما خص أبا حنيفة بالذكر، وإن كان الضمان على السارق بالاتفاق دفعاً لمن عسى أن يتوهم أن قطع السارق وقع حداً عنده حيث لم يوجب الضمان على الحداد فأزال ذلك ببيان وجوب الضمان إيقاناً بأن القطع لم يقع حداً إذ القطع حدا والضمان لا يجتمعان، وعدم الضمان على الحداد باعتبار أنه أخلف خبراً لا باعتبار أن القطع وقع حداً، وأما على مذهبهما فظاهر لا حاجة إلى ذكره لأنهما يضمنان الحداد في العمد فلا يقع القطع حداً لا تحل له فيضمن السارق؛ لعدم لزوم الجمع بين الضمان والقطع حداً.
م: (وفي الخطأ كذلك على هذه الطريقة) ش: أي على طريقة أن القطع لم يقطع؛ لأنه إذا لم يقع حداً لا يوجد ما بينا في الضمان والمقتضى، وهو الإتلاف موجود فيجب الضمان البتة م:

(7/56)


وعلى طريقة الاجتهاد لا يضمن. ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة؛ لأن الخصومة شرط لظهورها.
ولا فرق بين الشهادة والإقرار عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإقرار لأن الجناية في مال الغير لا تظهر إلا بخصومة صاحب المال، وكذا إذا غاب عند القطع لا يقطع عندنا، لأن الاستيفاء من القضاء في باب الحدود. وللمستودع والغاصب وصاحب الربا أن يقطعوا السارق منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وعلى طريقة الاجتهاد) ش: أي قلنا: في طريقة أبي يوسف ومحمد اليد على الحداد بطل بطريق الاجتهاد م: (لا يضمن) ش: أي السارق لا يضمن المال؛ لوقوع القطع موقع الحد بالاجتهاد والضمان والقطع لا يجتمعان.
م: (ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة؛ لأن الخصومة شرط لظهورها) ش: أي لظهور السرقة، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، وابن أبي ليلى، وأبو بكر الحنبلي: لا تشترط المطالبة لظهورها لعموم الآية، كما في حد الزنا.
قلنا: السرقة جناية على مالك بغير إذنه ولم تثبت الجناية إلا بمطالبة ذلك، إذ بالمطالبة يظهر عدم الإباحة إذ لو لم يحضر عليه تمكن فيه شبهة الإباحة، إما بإباحة الملك أو وقفه على المسلمين أو على طائفة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت المطالبة دفعاً لهذه الشبهة.
أما الزنا لا يباح بالإباحة فلا تتمكن فيه الشبهة، وعلى هذا الخلاف إذا غاب المالك عند القطع لم يقطع حتى يحضر، وبه قال الشافعي وأحمد خلافاً لهم، لأن الإمضاء من باب القضاء في الحدود.

[الشهادة والإقرار في السرقة ومن له يد حافظة سوى المالك إذا سرق منه]
م: (ولا فرق بين الشهادة والإقرار عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإقرار) ش: وهذا وجه في قوله، والأصح عنده أن الإقرار كالبينة م: (لأن الجناية في مال الغير لا تظهر إلا بخصومة صاحب المال) ش: قيل: إن معنى قوله إن الجناية على مال الغير لا تظهر إلا بخصومة هو معنى قوله لأن الخصومة شرط لظهورها، فيكون فيه توهم التكرار. ورد بأن الأول تعليل لاشتراط الحضور، والثاني لعدم التفرقة بين الإقرار والشهادة وإن كانا بمعنى واحد فافهم.
م: (وكذا إذا غاب عند القطع) ش: أي المسروق منه عند القطع م: (لا يقطع عندنا، لأن الاستيفاء) ش: أي استيفاء القطع م: (من القضاء في باب الحدود) ش: فإذا قطع قبل حضوره يكون باستيفاء الحد مع قيام الشبهة وهو لا يجوز م: (وللمستودع) ش: بفتح الدال، أي الذي عنده الوديعة م: (والغاصب وصاحب الربا) ش: صورته رجل باع عشرة دراهم بعشرين درهماً وقبضه فسرق منه يقطع بخصومته. وكذا المستودع والغاصب، وهو معنى قوله م: (أن يقطعوا السارق منهم) ش: أي من هؤلاء الثلاثة، فيقطع بخصومتهم عند علمائنا الثلاثة، وقال الأكمل: ولم يذكر العاقد الآخر من عاقدي الربا، فكأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولاية، فلا

(7/57)


وكذا الوديعة يقطعه أيضا، وكذا المغصوب منه. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يقطع بخصومة الغاصب والمستودع. وعلى هذا الخلاف المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع والقابض على سوم الشراء والمرتهن وكل من له يد حافظة سوى المالك،
ويقطع بخصومة المالك في السرقة من هؤلاء المذكورين، إلا أن الراهن إنما يقطع بخصومته حال قيام الرهن قبل قضاء الدين؛ أو بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون له ولاية الخصومة بخلاف رب الوديعة والمنسوب منه؛ لأن الملك لهما باق.
م: (وكذا الوديعة يقطعه أيضاً، وكذا المغصوب منه) ش: لأن الملك لهما باق م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله: لا يقطع بخصومة الغاصب والمستودع) ش: لأن شبهة الإذن بالأخذ والتملك قائمة من المالك، فالقطع لا يجب بالشبهة م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين زفر والشافعي م: (المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع) ش: بفتح الضاد مستعمل، وإن كان الصواب كسر الضاد م: (والقابض على سوم الشراء والمرتهن وكل من له يد حافظة سوى المالك) ش: كمتولي الوقف والأب والصبي فيقطع السراق منهم، لأن هذا سرقة ظهرت بحجة كاملة بخصومة معتبرة لثبوت حق هؤلاء في الانتفاع واليد كالمالك.

[السرقة من المرتهن]
م: (ويقطع بخصومة المالك في السرقة من هؤلاء المذكورين) ش: يعني لو سرق سارق من أحد من هؤلاء وخاصم المالك يقطع لقيام ملكه م: (إلا أن الراهن) ش: استثناء منقطع، وقد اختلف نسخ الهداية فيه، ففي بعضها إلا أن الرهن م: (إنما يقطع بخصومته حال قيام الرهن) ش: أي المرهون في يد السارق م: (قبل قضاء الدين أو بعده) ش: وفي بعض النسخ حال قيام الرهن بعد قضاء الدين.
قال الكاكي: والصحيح من النسخ بعد قضاء الدين بدونه قيل: لما أنه ذكره في " المحيط ".
وفي " الإيضاح " لو سرق من المرتهن له أن يقطعه لا للراهن؛ لأنه لا سبيل للراهن على أخذ الرهن.
ثم قال: وإن قضى الدين فله أن يقطعه؛ لأن له أن يأخذ الرهن حينئذ، وقد نقل عن ابن المصنف أنه قال: كان في نسخة المصنف بعد القضاء. وقال تاج الشريعة: قوله قبل قضاء الدين أو بعده.
قيل: فيه نظر؛ لأنه ذكر في " الإيضاح " وليس للراهن أن يقطع السارق؛ لأن حق القطع القبض من المرتهن. ولو قال الراهن للمرتهن ائت بالرهن لأقضي الدين، فحينئذ له دلالة القطع بحق منه قبل القضاء، هكذا رأيت في بعض المواضع، فلو كان الحكم هكذا يخرج من النظر.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن ذكر في بعض النسخ بعد القضاء الشارحون نقلاً

(7/58)


لأنه لا حق له في المطالبة بالعين بدونه، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناه على أصله إلا أنه خص منه لهؤلاء في الاسترداد عنده. وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ولاية الخصومة في حق الاسترداد ضرورة الحفظ، فلا تظهر في حق القطع؛ لأن فيه تفويت الصيانة.
ولنا أن السرقة موجبة للقطع من نفسها، وقد ظهرت عند القاضي بحجة شرعية وهي شهادة رجلين عقيب خصومة معتبرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعقلاً، أما نقلاً فإنه موافق رواية الإيضاح وذكرناه، وأما عقلاً فلأن السارق إنما يقطع بخصومة من له ولاية الاسترداد، وليس للراهن ذلك قبل قضاء الدين، انتهى.
قلت: فإنه ما قاله تاج الشريعة.
م: (لأنه لا حق له في المطالبة بالعين دونه) ش: أي لأن الراهن ليس له طلب العين المرهونة بدون قضاء الدين، هذا ذكره شيخي. وقال الأكمل: والضمير في بدونه راجع إلى قضاء الدين، وعلى النسخة الأولى إلى قيام الرهن، فكان شرط جواز القطع بخصومة الراهن أمرين، أحدهما قيام المرهون، حتى لو هلك ولا سبيل للراهن عليه لبطلان دينه عنه، والآخر قضاء الدين لحصول ولاية الاسترداد حينئذ.
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناه على أصله) ش: أشار بهذا إلى أن الشافعي وزفر بعد أن اتفقا في الحكم المذكور كما مر قد اختلفا في ترجيح المناطة، فالشافعي بناه على أصله م: (إلا أنه خص منه لهؤلاء) ش: أي المذكورين المستودع والمستعير إلى آخر ما ذكر م: (في الاسترداد عنده) ش: إذا جحد من في يده المال ما لم يحضر المالك، وإذا لم يكن الاسترداد لا يلتفت إلى خصومتهم.
ولكن قال في " الوجيز " يقطع بالسرقة من يد المودع والوكيل والمرتهن، وبهذا قال في " شرح المجمع " وتركت الخلاف المذكور في المنظومة في أنه لا يقطع بالسرقة من يد المودع. وقال مالك: قطع من يد المودع والوكيل والمرتهن والمستعير.
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ولاية الخصومة في حق الاسترداد ضرورة الحفظ) ش: يعني ولا يتهم لأجل الحفظ فيظهر في حق الحفظ م: (فلا تظهر في حق القطع، لأن فيه) ش: أي لأن في ظهور حق القطع م: (تفويت الصيانة) ش: لأن المال مضمون على السارق، فلو استوى القطع سقط الضمان، فيكون فيه تضييع لا صيانة، وهو مأذون بالحفظ والصيانة.

[السرقة موجبة للقطع من نفسها]
م: (ولنا أن السرقة موجبة للقطع من نفسها وقد ظهرت) ش: أي السرقة م: (عند القاضي بحجة شرعية وهي شهادة رجلين عقيب خصومة) ش: لأن خصومتهم م: (معتبرة) ش: لحاجتهم إلى الاسترداد، لأن اعتبار خصومة الملك إلى إظهار السارق لإعادته إلى المحل لتحصيل أغراض متعلقة باليد.

(7/59)


مطلقا، إذ الاعتبار لحاجتهم إلى الاسترداد فيستوفي القطع، والمقصود من الخصوم إحياء حقه وسقوط العصمة ضرورة استيفاء القطع، فلم يعتبر،
ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض كما إذا حضر المالك وغاب المؤتمن، فإنه يقطع بخصومته في ظاهر الرواية وإن كانت شبهة الإذن في دخول الحرز ثابتة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو المعنى الموجود في حق هؤلاء، أما المستأجر، والمستعير فلاحتياجهما إلى الانتفاع بالمحل والمرتهن والمودع؛ لأجل الحفظ الملتزم والمتمكن من رده إلى المالك يخرجا عن عهدة الضمان م: (مطلقاً) ش: قاله لنفي قول زفر، فإن خصومة هؤلاء عنده في حق الاسترداد دون القطع م: (إذ الاعتبار لحاجتهم إلى الاسترداد) ش: لإعادة اليد؛ لأن اليد مقصودة في ذلك وهم في ذلك كالمالك، فإذا كان كذلك م: (فيستوفي القطع) ش: لأن الخصومة مطلقة لا لضرورة فقط كما قال زفر.
م: (والمقصود من الخصومة) ش: أي مقصود صاحب اليد من الخصومة م: (إحياء حقه) ش: أي حق المالك م: (وسقوط العصمة) ش: جواب عن قول زفر؛ لأن فيه تفويت الصيانة، تقريره أن سقوط العصمة م: (ضرورة استيفاء القطع) ش: يعني أن الإمام استوفى القطع حقاً لله تعالى، فسقط الضمان ضرورة، فلا يصير المودع مسقطاً للضمان، فإذا كان سقوط الضمان من ضرورة القطع كان ضمناً م: (فلم يعتبر) ش: لأن الضمنيات لا تعتبر.

[استيفاء القطع بحضرة المالك]
م: (ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ينبغي أن لا يقطع السارق بدون حضرة المالك كما مر قبل هذا الاحتمال أنه لو حضر وأقر السارق بالمسروق فأجاب بقوله: ولا معتبر أي الاعتبار شبهة موهومة الاعتراض، أي لتوهم اعتراض إقرار من المالك إذا حضر أن المؤثر شبهة يوهم وجودها في الحال ما لا يتوهم اعتراضها في المال.
م: (كما إذا حضر المالك وغاب المؤتمن) ش: وهو المودع بفتح الدال، فإن فيه شبهة موهومة أيضاً، وهو أن يحضر المؤتمن م: (فإنه يقطع بخصومته) ش: أي بخصومة المالك م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية ابن سماعة ومحمد أن المالك ليس له أن يقطع حال غيبة المودع؛ لأن السارق لم يسرق من المالك، وإنما سرق من الذي كان عنده فلم يجز أن يطالب بذلك غيره م: (وإن كانت شبهة الإذن في دخول الحرز ثابتة) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، أي يقطع وإن كانت شبهة الإذن من المؤتمن في دخول الحرز ثابتة.
فإن قيل: القطع عقوبة يسقط بالشبهة، فلا يثبت بخصومة المودع كالقصاص.
قلنا: القطع عقوبة يجب حقاً لله تعالى إجماعاً، وإنما شرطت الخصومة، بخلاف البيان إذ كما ليس للسارق، لكن يعزه، والمودع يملك هذه الخصومة بخلاف القصاص، فإنه حق العبد.

(7/60)


وإن قطع سارق بسرقة فسرقت منه، لم يكن له أن يقطع السارق الثاني؛ لأن المال غير متقوم في حق السارق الأول، حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك، فلم تنعقد موجبة في نفسها، وللأول ولاية الخصومة في الاسترداد في رواية، إذ الرد واجب عليه. ولو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول أو بعدما درئ الحد بشبهة يقطع بخصومة الأول، لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد، فصار كالغاصب. لو سرقت سرقة فردها على المالك قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع اعتبارا بما إذا رده بعد المرافقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قطع بسرقة فسرقت منه أو رد المسروق قبل بلوغ الحاكم]
م: (وإن قطع سارق بسرقة فسرقت منه) ش: أي من السارق م: (لم يكن له) ش: أي للسارق م: (ولا لرب السرقة أن يقطع السارق الثاني) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول. وقال الشافعي ومالك في قول: يقطع بدعوى المالك؛ لأنه سرق نصاباً من حرز لا شبهة فيه سواء قطع السارق الأول أو لا. وذكر أصحاب الشافعي الخصم في قطع هذا السارق المالك لا السارق والغاصب.
قال صاحب " الحلية ": وعندي أن كل واحد من المالك والسارق والغاصب خصم م: (لأن المال غير متقوم في حق السارق الأول، حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك فلم تنعقد موجبة في نفسها) ش: أي فلم تنعقد السرقة موجبة للقطع في نفسها، وأيضاً أن يده لم تبق من الأيدي التي ذكرناها من ملك وديعة وخصومة، ومن هذه في صفة لا تعتبر في القطع. م: (وللأول) ش: أي وللسارق الأول م: (ولاية الخصومة في الاسترداد في رواية إذ الرد واجب عليه) ش: وليس له ذلك في رواية أخرى؛ لأن يده ليست بصحيحة؛ لكون اليد الصحيحة عبارة من أن يكون يد ملك أو ضمان أو أمانة ولم يوجد.
م: (ولو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول) ش: أي السارق الأول م: (أو بعد ما درئ الأول) ش: أي أو سرق الثاني بعدما درئ القطع بشبهة م: (يقطع بخصومة الأول) ش: أي بسارق الأول م: (لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد، فصار كالغاصب) ش: والدرء هنا بالشبهة كعدم القطع، ولا فرق عند أحمد بين القطع وعدمه، لأن يد السارق على المال لا يد أمانة ولا يد ملك، فأشبه ما لو وجد ضائعاً.
م: (ولو سرقت) ش: أي مسروقة، في نسخة ومن سرق م: سرقة فردها على المالك قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع) ش: في ظاهر الرواية.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع اعتباراً بما إذا رده بعد المرافقة) ش: بجامع أن القطع حق الله تعالى فلا يحتاج فيه إلى الخصومة شرط الظهور، فكذا ما بعد الارتفاع وقبله سواء.

(7/61)


وجه الظاهر أن الخصومة شرط لظهور السرقة؛ لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع الخصومة، وقد انقطعت الخصومة، بخلاف ما بعد المرافقة لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها فتبقى تقديرا.
وإذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له لم يقطع، معناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن الخصومة شرط لظهور السرقة؛ لأن البينة) ش: وفي " النهاية " في بعض النسخ بالواو، أي ولأن البينة.
وقال الكاكي: ولكن نسخة شيخي بلا واو، وقال هو الأصح. قلت: وكذا نسخة شيخي بلا واو.
وقال: هو الأصح. ثم كتب بخطه على حاشية الكتاب؛ لأن البينة م: (إنما جعلت حجة) ش: مع قيام احتمال الكذب م: (ضرورة قطع الخصومة) ش: فخصومة المالك شرط لإقامة البينة م: (وقد انقطعت الخصومة) ش: لزوال الملك قبل الارتفاع إلى الحاكم، فلا تبقى البينة حجة بعد ذلك لانعدام الشرط، وهذا الذي كتب إيضاحاً لما قاله المصنف، لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع المنازعة وقد انقطعت الخصومة فلا تبقى حجة.
م: (بخلاف ما بعد المرافقة) ش: يعني لو ردها بعد سماع البينة والقضاء يقطع، وبعد السماع قبل القضاء يقطع استحساناً لظهور السرقة عند القاضي بالشهادة بعد خصومة معتبرة م: (لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها) ش: قال الأترازي: لحصول مقصودها، الضمير راجع إلى الخصومة، أي لحصول المقصود من الخصومة؛ لأن المقصود بالخصومة استرداد المال إلى المالك، والشيء يتقرر بانتهائه لا أنه يبطل كالنكاح ينفرد بالموت، لا أنه يبطل لكن الخصومة تبطل. فأما تقدير الاستيفاء القطع، وهو معنى قوله م: (فتبقى تقديراً) ش: باعتبار قيام يده على المال ولو رده على ولده أو ذي رحم لم يكن في عيال المالك يقطع؛ لعدم الوصول إليه حقيقة وحكماً.
ولهذا يضمن المودع والمستعير بالدفع إليه. وإن كان في عياله لا يقطع؛ لأن يد من في عياله كيده حكماً، ولهذا لا يضمن المودع المستعير بالدفع إليه.
وكذا لو رده على امرأته أو عبده أو أجيره مشاهرة أو مسانهة، ولو دفع إلى والده أو جده أو والدته وليسوا في عياله لا يقطع؛ لأن بهؤلاء شبهة المالك في ماله بالنص، فتثبت شبهة الرد.
ولو دفع إلى عيالها لا يقطع لأنه شبهة، وهي معتبرة. ولو دفع إلى مكاتبه لا يقطع، لأن عبده لو سرق من المكاتب ورده إلى سيده لا يقطع، ولو سرق من العيال ورده إلى من بعولتهم لا يقطع، لأن يده عليهم فوق أيديهم في ماله.

[قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له]
م: (وإذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له لم يقطع) ش: هذه المسألة ذكرت في " الجامع الصغير " بهذه العبارة، وفسرها المصنف بقوله: م: (معناه) ش: أي معنى ما ذكره محمد

(7/62)


إذا سلمت إليه. وكذلك إذا باعها المالك إياه. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن السرقة قد تمت انعقادا وظهورا، وبهذا العارض لم يتبين قيام الملك وقت السرقة فلا شبهة فيقطع. ولنا أن الإمضاء من القضاء في هذا الباب لوقوع الاستغناء عنه بالاستيفاء، إذ القضاء للإظهار،
والقطع، حق الله تعالى وهو ظاهر عنده. وإذا كان كذلك يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها فوهبت له م: (إذا سلمت إليه) ش: يعني إذا سلمت السرقة إلى العين المسروقة، لأن الهبة إذا لم تتصل بالتسليم والقبض لا يثبت الملك.
م: (وكذلك إذا باعها المالك إياه) ش: أي إذا باع العين المسروقة مالك إياه، أي السارق م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - يقطع) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (وهو رواية) ش: أي ما قاله زفر والشافعي رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن السرقة قد تمت انعقاداً) ش: باحتمال الغير على وجه الحقيقة من حرز لا شبهة فيه، إذ وضع المسألة في ذلك م: (وظهوراً) ش: أي من حيث الظهور، لأن الفرض أنه قضي عليه بالقطع، ولا يكون ذلك إلا بعد ظهورها.
م: (وبهذا العارض) ش: وهو ثبوت الملك بالهبة والشراء لا قيام الملك وقت السرقة؛ لأن الهبة والشراء يوجب ملكاً حادثاً فلا يمنع به الاستيفاء، وبهذا احترز به عما أقر به المالك أن المسروق للسارق.
فإن الإقرار يظهر ما كان ثابتاً للمقر له م: (لم يتبين قيام الملك وقت السرقة) ش: لم ينته ثبوت الملك للسارق وقت وجود السرقة، فإذا كان الأمر كذلك م: (فلا شبهة فيقطع) .
م: (ولنا أن الإمضاء من القضاء) ش: يعني أن استيفاء الحد من تتمة قول القاضي حكمت أو قضيت بالقطع أو بالرجم أو بالجلد م: (في هذا الباب) ش: أي في باب الحدود م: (لوقوع الاستغناء عنه) ش: أي عن القضاء م: (بالاستيفاء) ش: يعني أن القضاء في هذا الباب لا يغني عنه إلا بالاستيفاء م: (إذ القضاء) ش: أي لأن القضاء م: (للإظهار) ش: ولا إظهار هاهنا؛ لأن القطع حق الله تعالى.
وهو معنى قوله

[الفسق في الشهود على السرقة ورد المسروق بعد الواقعة قبل الاستيفاء]
م: (والقطع حق الله تعالى، وهو ظاهر عنده) ش: أي عند الله تعالى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فلا حاجة إلى الإظهار.
م: (وإذا كان كذلك) ش: أي إذا كان الإمضاء من القضاء م: (يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء) ش: كما يشترط وقت ابتداء القضاء وقد انتهى ذلك بالبيع والهبة، لأن ما يكون شرطاً لوجوب القضاء يراعى وجوده إلى وقت الاستيفاء، لأن المعترض قبل الاستيفاء كالمقترن بأصل السبب، بدليل العمى والخرس والردة والفسق في الشهود، فإن الحدود لا تستوفى إذا كان

(7/63)


وصار كما إذا ملكها منه قبل القضاء. وكذلك إذا نقصت قيمتها من النصاب يعني قبل الاستيفاء بعد القضاء، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع، وهو قول الشافعي وزفر - رحمهما الله - اعتبارا بالنقصان في العين. ولنا أن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا. بخلاف النقصان في العين؛ لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا، كما إذا استهلك كله، أما نقصان السعر غير مضمون فافترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهود على هذه الأوصاف وقت الاستيفاء بالإجماع، وذكره في " الأسرار ".
م: (وصار) ش: أي الملك الحادث م: (كما إذا ملكها منه قبل القضاء) ش: لأنه بما لم يمض فكأنه لم يقض، ولقائل أن يقول: جعلتم الخصومة باقية تقديراً في صورة رد المسروق بعد الواقعة قبل الاستيفاء لم يكن الاستيفاء من القضاء حتى أوجبتم القطع، وهنا جعلتم الاستيفاء من القضاء وجعلتم البيع والهبة دافعاً لوجود الحد، وما ذلك إلا تناقض.
والجواب: الاستيفاء من القضاء في باب الحدود مطلقاً، لكن في صورة الرد لم يحصل بالرد سوى الواجب عليه بالأخذ، وهاهنا حديث بينهما تصرف موضوع لإفادة الملك، فكان شبهة م: (وكذلك إذا نقصت قيمتها من النصاب يعني قبل الاستيفاء بعد القضاء) ش: أي نقصت من حيث السعر، فإنه ذكر في " المحيط ": لو كان نقصان القيمة لنقصان في المعنى وإن كان لنقصان السعر لا يقطع في ظاهر الرواية.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع، وهو قول الشافعي وزفر - رحمهما الله-) ش: وقول مالك وأحمد: م: (اعتباراً بالنقصان في العين) ش: يعني بأن هلك درهم من العشرة، أو استهلكه، وهذا بناء على أن المعتبر في قيمة المسروق أن تكون السرقة الموجبة للقطع عشرة دراهم، فإن نقص عن ذلك قبل القطع في العين لم يمنع من الاستيفاء منه بالاتفاق فيهما.
وإن كان النقصان لتراجع السعر فكذلك عن محمد في غير ظاهر الرواية اعتباراً بالأول بجامع وجود سرقة نصاب فيها إن كان النصاب لما كان شرطاً في الابتداء.
م: (ولنا) ش: وهو وجه ظاهر الرواية م: (أن كمال النصاب لما كان شرطاً) ش: في الابتداء م: (يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا) ش: أراد به قوله: إن الإمضاء من القضاء.
م: (بخلاف النقصان في العين؛ لأنه مضمون عليه) ش: أي على السارق والضمان قائم مقام المضمون م: (فكمل النصاب عيناً) ش: أي من حيث العين وقت الأخذ فيما إذا كان المسروق من ذوات الأمثال م: (وديناً) ش: أي من حيث الدين وقت الاستيفاء فيما إذا كان المسروق من ذوات القيم م: (كما إذا استهلكه كله) ش: أي كما إذا استهلك السارق كل العين م: (أما نقصان السعر غير مضمون) ش: فكان النصاب مناقضاً عند القطع فصار شبهة م: (فافترقا) ش: أي افترق نصاب

(7/64)


وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه وإن لم يقم بينة، معناه بعدما شهد الشاهدان بالسرقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط بمجرد الدعوى؛ لأنه لا يعجز عنه سارق فيؤدي إلى سد باب الحد. ولنا أن الشبهة دارئة وتتحقق بمجرد الدعوى للاحتمال ولا معتبر بما قال، بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار. وإذا أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما: هو مالي لم يقطعا؛ لأن الرجوع عامل في حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السعر ونقصان العين حيث وجب القطع في الثاني دون الأول.

[أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي]
م: (وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه) ش: أي عن السارق م: (وإن لم يقم بينة) ش: واصلة بما قبله، وهو رد لقول الشافعي على ما نذكره، وهو لفظ القدوري وفسره المصنف بقوله م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (بعدما شهد الشاهدان بالسرقة) ش: إنما فسره بذلك احترازاً عما إذا فعل ذلك بعد الإقرار بالسرقة، فإنه يسقط القطع بالاتفاق.
م: (وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط بمجرد الدعوى) ش: وفي المغني لابن قدامة في كتب أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحلف المسروق منه، فإن نكل لا قطع عليه بالإجماع. وإن حلف لا يقطع أيضاً وهو نص الشافعي.
وقال بعض أصحابه: فيه وجهان قيل: لا يقطع، وبه قال أحمد في رواية؛ لأن سقوط القطع بمجرد دعواه يؤدي إلى سد باب القطع، إذ كل سارق لا يعجز عن هذا.
وعن أحمد في رواية أخرى أنه إن كان السارق معروفاً بالسرقة قطع؛ لأنه يعلم كذبه بدلالة الحال وأولى الروايات أنه لا يقطع بكل حال؛ لأن الحد يندرئ بالشبهات، وهي احتمال صدقه م: (لأنه لا يعجز عنه سارق) ش: أي عن قول أنها ملكه م: (فيؤدي إلى سد باب الحد) ش: وسمى الشافعي هذا السارق ظريفا لأن أكثر السراق لا يعلمون هذا.
م: (ولنا أن الشبهة دارئة) ش: للحد م: (وتتحقق) ش: أي الشبهة م: (بمجرد الدعوى للاحتمال) ش: أي لاحتمال دعواه الصدق م: (ولا معتبر بما قال) ش: أي الشافعي أنه لا يعجز عنه سارق م: (بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار) ش: أي بالسرقة مع أنه لا يعجز عنه سارق وما من مقر إلا وتمكن من الرجوع، وكان ذلك معتبراًَ في إيراث الشبهة.
فكذا هذا وفيه نظر؛ لأن إقراره حجة قاصرة، والبينة حجة كاملة لما عرف، ولا يلزم أن يكون مورث الشبهة في الحجة القاصرة موروثاً لما في الكاملة. والجواب أن الكمال المقصود بالنسبة إلى التعدي إلى الغير وعدمه، وليس كلامنا فيه، وأما بالنسبة إلى المقر فيهما سواء.
م: (وإذا أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي لم يقطعا) ش: سواء ادعى قبل القضاء أو بعده قبل الإمضاء. وعند الأئمة الثلاثة لم يعتبر دعواه بعد القضاء م: (لأن الرجوع عامل في حق

(7/65)


الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر؛ لأن السرقة تثبت بإقرارهما على الشركة، فإن سرقا ثم غاب أحدهما وشهد الشاهدان على سرقتهما قطع الآخر في قول أبي حنيفة لا في قولهما والآخر وهو قولهما، وكان يقول أولا لا يقطع؛ لأنه لو حضر ربما يدعي الشبهة. وجه قوله الآخر أن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب، فيبقى معدوما، والمعدوم لا يورث الشبهة ولا يعتبر توهم حدوث الشبهة على ما مر،
وإذا أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها فإنه يقطع وترد السرقة إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع والعشرة للمولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع، والعشرة للمولى إذا كذبه المولى. ولو أقر بسرقة مال مستهلك قطعت يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر؛ لأن السرقة تثبت بإقرارهما على الشركة) ش: فيكون فعلاً واحداً م: (فإن سرقا ثم غاب أحدهما وشهد الشاهدان على سرقتهما قطع الآخر في قول أبي حنيفة لا في قولهما والآخر وهو قولهما، وكان) ش: أي أبو حنيفة م: (يقول أولاً: لا يقطع، لأنه) ش: أي لأن الغائب م: (لو حضر ربما يدعي الشبهة) ش: وهي دارئة للحد عن نفسه، وعن الآخر حد، فلو قطعنا الحاضر قطعناه مع الشبهة، وهو لا يجوز.
م: (وجه قوله الآخر) ش: أي وجه قول أبي حنيفة الآخر م: (أن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب) ش: لأن القضاء على الغائب لا يجوز م: (فيبقى معدوماً) ش: أي يبقى فعل السرقة معدوماً م: (والمعدوم لا يورث الشبهة) ش: في حق الموجود، وهذا لأن الشبهة هي المحققة الموجودة لا الموهومة م: (ولا يعتبر توهم حدوث الشبهة) ش: لأنه لو اعتبر يلزم اعتبار شبهة الشبهة، وهي محطة عن حيز الاعتبار م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض.

[أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها أوأقر بالسرقة ثم رجع]
م: (وإذا أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها) ش: يعني كائنة بعينها م: (فإنه يقطع وترد السرقة إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع والعشرة للمولى) ش: وبه قال الشافعي في الأصح ومالك وأحمد.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع، والعشرة للمولى) ش: وحكي عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: سمعت أستاذي ابن أبي عمران يقول الأقاويل الثلاثة كلها عن أبي حنيفة فقوله الأول أخذ به محمد ثم رجع، وقال كما قال أبو يوسف فأخذ به أبو يوسف ثم رجع إلى القول الثالث واستقر عليه معنا م: (إذا كذبه المولى) ش: أي معنى قول محمد والعشرة للمولى إذا كذبه المولى بأن قال: المال مالي فالعشرة له ولا يقطع العبد.
م: (ولو أقر) ش: أي العبد المحجور م: (بسرقة مال مستهلك قطعت يده) ش: اتفاقاً بين

(7/66)


ولو كان العبد مأذونا له يقطع في الوجهين. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع في الوجوه كلها؛ لأن الأصل عنده أن إقرار العبد على نفسه بالحدود والقصاص لا يصح؛ لأنه يرد على نفسه وطرفه وكل ذلك مال للمولى والإقرار على الغير غير مقبول، إلا أن المأذون له يؤاخذ بالضمان والمال لصحة إقراره به لكونه مسلطا عليه من جهته، والمحجور عليه لا يصح إقراره بالمال أيضا ونحن نقول: يصح إقراره من حيث إنه آدمي ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال؛ ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار ومثله مقبول على الغير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علمائنا الثلاثة.
قال تاج الشريعة: لأن الإقرار بسرقة مال مستهلك إقرار بحد مفرد، والإقرار بحد مفرد صحيح من العبد المحجور عند علمائنا الثلاثة، كما لو اقر بالزنا أو بشرب الخمر م: (ولو كان العبد مأذوناً له يقطع في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان المال قائماً أو مستهلكاً.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع في الوجوه كلها) ش: أي فيما إذا كان العبد محجوزاًَ أو مأذوناً والحال قائم أو هالك م: (لأن الأصل عنده) ش: أي عند زفر م: (أن إقرار العبد على نفسه) ش: مأذوناً كان أو محجوراً م: (بالحدود والقصاص لا يصح، لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (يرد على نفسه) ش: يعني في القصاص.
م: (وطرفه) ش: يعني في الحدود م: (وكل ذلك) ش: أي طرفه ونفسه م: (مال للمولى والإقرار على الغير غير مقبول) ش: ألا ترى أنه لو أقر برقبة الغير كان إقراره باطلاً م: (إلا أن المأذون له يؤاخذ بالضمان) ش: إن كان مستهلكاً.
م: (والمال لصحة إقراره به) ش: أي يؤاخذ بالمال إن كان قائماً بصحة إقراره به م: (لكونه) ش: أي لكون المأذون له م: (مسلطاً عليه من جهته) ش: أي لكونه مسلطاً على إقراره من جهة المولى م: (والمحجور عليه لا يصح إقراره بالمال أيضاً) ش: أي كما لا يصح في النفس أيضاً.
م: (ونحن نقول يصح إقراره من حيث إنه آدمي) ش: مخاطب لا من حيث إنه مال م: (ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال) ش: يعني لما صح إقراره من حيث إنه آدمي صح من حيث أنه مال أيضاً لسراية إليها، لأن آدميته لا تنفك عنه ماليته، فالسراية من حيث إنه مال تبعاً وقد يثبت الشيء تبعاً ولا يثبت قصداً.
م: (ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار) ش: أي على العبد؛ لأن ما يلحقه من الضرر باستيفاء العقوبة منه فوق ما يلحقه المولى م: (ومثله) ش: أي ومثل ما كان ضرراً لإقرار فيه أدى إلى السفر وإلى الغير م: (مقبول على الغير) ش: أي بطريق التبعية لانعدام تهمة الكذب في ذلك الإقرار إذا شهد الواحد عند الإمام برؤية هلال رمضان وفي السماء علة يقبل

(7/67)


لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المحجور عليه أن إقراره بالمال باطل؛ ولهذا لا يصح منه الإقرار بالغصب فيبقى مال المولى. ولا قطع على عبد في سرقة مال المولى، يؤيده أن المال أصل فيها، والقطع تابع حتى تسمع الخصومة فيه بدون القطع، ويثبت المال دونه. وفي عكسه لا تسمع ولا يثبت. وإذا بطل فيما هو الأصل يبطل في التبع بخلاف المأذون، لأن إقراره بالمال الذي في يده صحيح فيصح في حق القطع تبعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإمام شهادته.
وإن لم يقبلها في سائر المواضع لعدم التهمة، حيث يلزم الصوم كما يلزم غيره، وكذلك الحر المديون إذا أقر بالقتل العمد فإنه يقتص منه بالإجماع وإن كان فيه إبطال ديون الغرماء.
م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المحجور عليه أن إقراره بالمال باطل، ولهذا) ش: أي ولأجل بطلان إقرار المحجور عليه بالمال م: (لا يصح منه الإقرار بالغصب) ش: فكذا لا يصح إقراره بالسرقة، فإذا لم يصح إقراره بالمالية في حق المالية م: (فيبقى مال المولى) ش: على ملكه م: (ولا قطع على عبد في سرقة مال المولى) ش: أي في سرقة مال حكم به لسيده، لأن كون المال مملوكاً لغير السارق وغير مولاه شرط وجوب القطع م: (يؤيده) ش: أي يؤيده ما ذكره محمد.
وهذا إشارة إلى أن لكل واحد من أصحابنا الثلاثة أصلاً، فأبو حنيفة يقول: القطع أصل والمال تابع بدليل أنه يبطل بالتقادم، وبدليل أنه لو قال: أبقي المال ولا أبقي القطع لم يسقط القطع.
وأبو يوسف يقول: كل منهما أصل، أما أصالة القطع فيما قالوا في الحر إذا أقر وقال: سرقت هذا المال من زيد وهو في يد عمرو وكذبه عمرو يصح إقراره في حق القطع دون المالية. وأما أصالة المال فلأنه إذا سرق ما دون العشرة لا يقطع، والخصومة شرط، ولولا أن المال أصل يوجب القطع بدونها؛ لأنه محض حق الله تعالى، وهو مستوفى بلا طالب.
ومحمد يقول: المال أصل والقطع تبع، وهو معنى قول المصنف م: (أن المال أصل فيها) ش: أي في السرقة م: (والقطع تابع حتى تسمع الخصومة فيه) ش: أي في المال م: (بدون القطع) ش: مثل أن يقول: أطلب المال منه دون القطع م: (ويثبت المال دونه) ش: أي دون القطع، كما إذا شهد رجل وامرأتان أو أقر بالسرقة ثم رجع فإنه يضمن المال ولا يقطع م: (وفي عكسه) ش: بأن قال: أطلب القطع دون المال م: (لا تسمع) ش: أي الخصومة.
م: (ولا يثبت) ش: أي المال م: (وإذا بطل) ش: أي الإقرار م: (فيما هو الأصل) ش: أي المال م: (يبطل في التبع) ش: وهو القطع م: (بخلاف المأذون؛ لأن إقراره بالمال الذي في يده صحيح فيصح في حق القطع تبعاً) ش: لصحة الإقرار به.

(7/68)


ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أقر بشيئين بالقطع وهو على نفسه فيصح على ما ذكرناه، وبالمال وهو على المولى فلا يصح في حقه فيه والقطع يستحق بدونه. كما إذا قال الحر الثوب الذي في يد زيد سرقته من عمرو، وزيد يقول هو ثوبي تقطع يد المقر، وإن كان لا يصدق في تعيين الثوب حتى لا يؤخذ من زيد ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإقرار بالقطع قد صح منه لما بينا فيصح بالمال بناء عليه، لأن الإقرار ينافي حالة البقاء، والمال في حالة البقاء تابع للقطع حتى تسقط عصمة المال باعتباره، ويستوفي القطع بعد استهلاكه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي العبد م: (أقر بشيئين بالقطع وهو) ش: أي القطع م: (على نفسه) ش: صحيح م: (فيصح ما ذكرناه) ش: أي إقراره في حق القطع م: (وبالمال) ش: أي وإقراره بالمال م: (وهو) ش: أي الإقرار بالمال م: (على المولى فلا يصح في حقه فيه) ش: أي فلا يصح إقرار العبد في حق المولى في المال م: (والقطع يستحق بدون) ش: أي بدون المال م: (كما إذا قال الحر: الثوب في يد زيد سرقته من عمرو، وزيد يقول: هو ثوبي تقطع يد المقر) ش: لصحة إقراره.
م: (وإن كان) ش: واصل بما قبله، أي وإن كان العبد م: (لا يصدق في تعيين الثوب حتى لا يؤخذ من زيد) ش:.
وفي " المبسوط ": وكما لو أقر بسرقة مال مستهلك وهذا؛ لأنه لم يقبل إقراره في تعيين هذا المال بقي المسروق مستهلكاً.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإقرار بالقطع قد صح منه) ش: أي من العبد م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: ونحن نقول يصح إقراره من حيث إنه آدمي م: (فيصح) ش: أي إقراره م: (بالمال بناء عليه) ش: أي على صحة الإقرار بالقطع لما شهدنا من أصله فيما مضى م: (لأن الإقرار ينافي حالة البقاء) ش: أي بقاء السرقة؛ لأن الإقرار بالشيء إظهار أمر قد كان فلا بد من وجود المخبر به قبل الإقرار، ألا ترى أن إقرار أحد الزوجين بالنكاح صحيح من غير شهادة م: (والمال في حالة البقاء تابع للقطع، حتى تسقط) ش: بالرفع؛ لأن حتى بمعنى الفاء م: (عصمة المال باعتباره) ش: أي باعتبار القطع م: (ويستوفي القطع بعد استهلاكه) .
ش: أي استهلاك المال، فلو أبطلنا إقراره في حق القطع باعتبار المال لجعلنا المال في البقاء أصلاً، وهذا باطل، كذا في جامع البرهاني.
وفي بعض الشروح وقوله باعتباره، أي باعتبار القطع لما يجيء من أصلنا أن القطع لا يجتمع من الضمان، ثم سقوط العصمة والتقوم في حق السارق يدل على أن المال تابع به؛ لأنه لو كان أصلاً لما تغير حاله من التقوم إلى غيره؛ لأنه مقصود منه إنما يكون بالتقوم، وكذلك استيفاء

(7/69)


بخلاف مسألة الحر؛ لأن القطع إنما يجب بالسرقة من المودع، أما لا يجب بسرقة العبد مال المولى فافترقا. ولو صدقه المولى يقطع في الفصول كلها لزوال المانع.
وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها لبقائها على ملكه، وإن كانت مستهلكة لم يضمن، وهذا الإطلاق يشمل الهلاك والاستهلاك، وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو المشهور. وروى الحسن عنه أنه يضمن بالاستهلاك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن فيهما لأنهما حقان قد اختلف سبباهما فلا يمتنعان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع بعد استهلاك المال، فيدل على ذلك إذ لا وجود للتابع مع عدم وجود الأصل.
م: (بخلاف مسألة الحر) ش: جواب عما أشهد به أبو يوسف بقوله كما إذا قال الحر: الثوب الذي في يد زيد إلى آخره، بيانه أن هذه المسألة له ليست نظير تلك المسألة؛ لأنه ليس من ضرورة كونه مسروقاً عن شخص كونه مالكاً، لجواز أن يكون مودعاً فيقطع م: (لأن القطع إنما يجب بالسرقة من المودع) ش: بخصومته وإن لم يرد إليه المال، وأما هاهنا. فلو لم يرد المال إلى المسروق منه لزم أن يكون ذلك المال مال المولى، فحينئذ لا يجب القطع، لأن العبد إذا سرق مال المولى لا تقطع يده، وهو معنى قوله م: (أما لا يجب) ش: أي القطع م: (بسرقة العبد مال المولى فافترقا) ش: أي الحكمان المذكوران.
م: (ولو صدقه المولى) ش: أي ولو صدق المولى عبده م: (يقطع في الفصول كلها) ش: وهي أن يكون العبد مأذوناً أو محجوراً عليه، والمال قائم بنفسه أو مستهلك، والمولى يكذبه أو يصدقه، فإذا صدقه المولى يقطع في هذه الفصول كلها م: (لزوال المانع) ش: أي من القطع ووجود المقتضى له.

[قطع السارق والعين قائمة في يده]
م: (وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده) ش: أي والحال أن العين موجودة م: (ردت على صاحبها لبقائها) ش: أي لبقاء العين م: (على ملكه) ش: أي على ملك المسروق منه.
م: (وإن كانت) ش: أي العين م: (مستهلكة لم يضمن، وهذا الإطلاق) ش: أراد به إطلاق القدوري في مختصره بقوله: إن كانت هالكة، يعني قوله: إن كانت هالكة م: (يشمل الهلاك والاستهلاك) ش: لأنه لما لم يجد الضمان في الاستهلاك، ففي الهلاك أولى م: (وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة) ش: يعني شمول الإطلاق الهلاك والاستهلاك، رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة.
م: (وروى الحسن عنه أنه) ش: أي أن الضمان يجب بالاستهلاك دون الهلاك م: (وقال الشافعي يضمن فيهما) ش: أي في الهلاك والاستهلاك م: (لأنهما حقان) ش: أي القطع والضمان حقان م: (قد اختلف سبباهما فلا يمتنعان) ش: أي لا يمتنع أحدهما بالآخر، وبين

(7/70)


فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد وسببه أخذ المال. فصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، أو شرب خمرا مملوكا لذمي، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اختلاف السببين بقوله م: (فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد، وسببه أخذ المال) ش: لا خلاف لأهل العلم أن المال إذا كان قائماً يرد على مالكه، وكذا لو باعه السارق أو وهبه يأخذه من المشتري والموهوب له، ويبطل البيع والهبة.
واختلفوا في الثالثة، فقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: يجب على السارق رد قيمتهما، أو مثلياً إن كان مثلياً، وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، والحسن البصري، وإسحاق، والليث بن سعد. وقال علماؤنا والثوري: لا يجتمع الضمان مع القطع، فلو ضمنه المالك قبل القطع سقط القطع، وإن قطعه سقط الضمان، وهو قول عطاء، ومحمد بن سيرين، وابن شبرمة، وعامر الشعبي، ومكحول. وقال مالك إن كان السارق معسراً فلا ضمان عليه، وإن كان موسراً يضمن لنظر الجانبين.
م: (فصار) ش: أي حكم هذا على الوجه المذكور م: (كاستهلاك صيد مملوك في الحرم) ش: يعني من حيث إنه يجب قيمته للمالك، وقيمة أخرى لجزاء ارتكاب المحظور لله تعالى م: (أو شرب خمراً مملوكاً لذمي) ش: يعني على أصلكم، فإن ضمان الخمر بالاستهلاك لا يجب عند الشافعي وإن كان لذمي، وعندنا يجب قيمته ويحد.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» ش: هذا الحدث غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما أخرجه النسائي في سننه، عن حسان بن عبد الله، عن المفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، عن سعيد بن إبراهيم، عن المسعود بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» ، انتهى.
قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت. وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ: «لا غرم على السارق بعد قطع يمينه» ، وقال المسور بن إبراهيم: لم يدرك عبد الرحمن بن عوف، فإن صح إسناده فهو مرسل، وسعيد بن إبراهيم مجهول. ورواه البزار في مسنده بلفظ: «لا يضمن السارق سرقة بعد إقامة الحد» . قال المسور بن إبراهيم: لم يلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه الطبراني في " الأوسط ". وقال لا يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، وهو غير متصل؛ لأن المسور لم يسمع من جده عبد الرحمن بن عوف. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " سألت أبي عن هذا الحديث، فقال هذا حديث منكر، ومسور لم يلحق عبد الرحمن، وقد طول الأكمل

(7/71)


ولأن وجوب الضمان ينافي القطع؛ لأنه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ، فتبين أنه ورد على ملكه فينتفي القطع للشبهة وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هنا كلاماً ولم يتعرض لبيان حال الحديث.
وقال الكاكي وذكر ابن قدامة في " المغني ": قال ابن المنذر: سعيد بن إبراهيم مجهول، وقال ابن عبد البر: الحديث ليس بقوي.
قلنا: ليس كذلك، فإن الزهري يروي عن سعيد بن إبراهيم هذا الحديث، نقله عبد الباقي. وقال عبد الباقي هذا صحيح، وقول ابن قدامة ليس أجود القاطع عليه.
قلنا: إطلاق الغرم على أجرة القاطع خلاف الظاهر، مع أنه نكرة في موضع النفي، انتهى.
قلت: رواه ابن جرير الطبري، هذا الحديث في " تهذيب الآثار " موصولاً، فقال حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير، عن الفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، وسعد بن إبراهيم، حدثني أخو المسور بن إبراهيم، عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أقيم الحد على السارق فلا غرم عليه» .
وأخرجه أبو عمر عبد الله عن طريق ابن جرير، وهذا المسور وأبوه على شرط البخاري، وأبوه ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ثم قال ابن جرير ما ملخصه فيه البيان من صحة قول من لم يضمن السارق بعد الحد وفساد قول من ضمنه، ثم حكي عدم التضمين عن ابن سيرين، والنخعي، والشعبي، وعطاء، والحسن، وقتادة.
وقال: وعلتهم مع الأثر القياس على إجماعهم على أن أهل العدل إذا ظهروا على الخوارج لم يغرموا ما استهلكوه، وكذا قطاع الطريق. ولو كان السارق في التضمين كالغاصب للتعدية لوجب الضمان على هؤلاء لتعديهم وظلمهم، قال: وهذا هو الصواب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، فلم يأمر بالتغريم، ولو كان لازماً لعرفهم كما عرفهم بالقطع.

[الضمان في المسروق]
م: (ولأن وجوب الضمان ينافي القطع، أنه يتملكه) ش: أي لأن السارق يتملك المسروق م: (بأداء الضمان) ش: حال كونه م: (مستنداً إلى وقت الأخذ) ش: أي أخذ السرقة م: (فتبين أنه) ش: أي أن الأخذ م: (ورد على ملكه فينتفي القطع للشبهة وما يؤدي) ش: أي والشيء الذي يؤدي م: (إلى انتفائه) ش: أي انتفاء القطع المشروع م: (فهو المنتفي) ش: لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء

(7/72)


ولأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد إذ لو بقي لكان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة، ولا ضمان فيه، إلا أن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك؛ لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه، وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون غيره. ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه، وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان، لأنه من ضرورات سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن المحل) ش: أي المال م: (لا يبقى معصوماً) ش: قبل القطع حال كونه م: (حقاً للعبد، إذ لو بقي) ش: معصوماً حقاً للعبد م: (لكان مباحاً في نفسه) ش: لأنه عرف بالاستقراء ما هو حرام حقاً للعبد فهو مباح في نفسه، فكان المال للسارق حراماً من وجه دون وجه م: (فينتفي القطع للشبهة) ش: أي لشبهة كونه مباحاً في نفسه، حاصله: أن الشبهة هو أن تكون الحرمة ثابتة من وجه دون وجه، فحينئذ يندرئ الحد.
فإذا لم يبق معصوماً حقاً للعبد م: (فيصير محرماً حقاً للشرع كالميتة ولا ضمان فيه) ش: أي في المحرم حقاً للشرع، لأن العصمة جواب سؤال تقديره العصمة لما انتقلت إلى الله تعالى، فصار المال المسروق كالميتة والخمر وجب أن لا يجب الضمان عند الاستهلاك. وقد روى الحسن عن أبي حنيفة وجوب الضمان فيه كما مر عن قريب.
وتقدير الجواب أن يقال م: (إلا أن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك؛ لأنه) ش: أي لأن الاستهلاك م: (فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه) ش: أي في حق فعل آخر م: (وكذا الشبهة) ش: وهي كونه مباحاً في نفسه م: (تعتبر فيما هو السبب) ش: وهو السرقة م: (دون غيره) ش: وهو الاستهلاك.
م: (ووجه المشهور) ش: وهو عدم وجوب الضمان في الاستهلاك كما في الهلاك م: (أن الاستهلاك إتمام المقصود) ش: بالسرقة، لأنه إنما سرق ليصير إلى بعض حوائجه، فكانت تتمة السبب، لأنه فعل آخر م: (فتعتبر الشبهة فيه) ش: لإسقاط الضمان كاعتبارها في نفس السرقة.
م: (لأنه) ش: أي لأن سقوط العصمة م: (من ضرورات سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة) ش: بين المال المسروق وبين الضمان؛ لأن الضمان مال معصوم حقاً للعبد في حالتي الهلاك والاستهلاك والمال المسروق معصوم حقاً في حال الاستهلاك فقط، فإذا انتفت المماثلة انتهى الضمان، لأن ضمان المقدور شرط بالمماثلة بالنص، ولهذا لا يجب الضمان عندنا بمقابلة استهلاك المنافع بالغصب لانتفاء المماثلة.

(7/73)


ومن سرق سرقات فقطع في إحداها فهو جميعها ولا يضمن شيئا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يضمن كلها إلا التي قطع لها، ومعنى المسألة إذا حضر أحدهم فإن حضروا جميعا وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئا بالاتفاق في السرقات كلها لهما أن الحاضر ليس بنائب عن الغائب، ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لها فبقيت أموالهم معصومة. وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى؛ لأن مبنى الحدود على التداخل والخصومة شرط ظهور عند القاضي. أما الوجوب بالجناية فإذا استوفى فالمستوفى كل الواجب، ألا ترى أنه يرجع نفعه إلى الكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[سرق سرقات فقطع في إحداها]
م: (ومن سرق سرقات فقطع في إحداها) ش: أي في إحدى السرقات يعني لأجل واحد منها م: (فهو) ش: أي القطع واقع م: (بجميعها) ش: بالاتفاق؛ لأن القطع يتداخل بالإجماع، وبه قالت الثلاثة م: (ولا يضمن شيئاً) ش: أي لأرباب المسروقات م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يضمن كلها) ش: أي كل السرقات م: (إلا التي) ش: أي إلا السرقة التي م: (قطع لها، ومعنى المسألة إذا حضر أحدهم) ش: أي أحد أرباب السرقات وادعى السرقة م: (فإن حضروا جميعاً وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئاً بالاتفاق في السرقات كلها. لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن الحاضر ليس بنائب عن الغائب) ش: حتى يجعل خصومته لخصومتهم م: (ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لها) ش: أي للسرقات كلها، وإذا لم يقع القطع لها م: (فبقيت أموالهم معصومة) ش: والمال المعصوم مضمون لا محالة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الواجب بالكل) ش: أي بكل السرقات م: (قطع واحد حقاً لله تعالى) ش: وكل ما كان كذلك يتدخل م: (لأن مبنى الحدود على التداخل والخصومة شرط ظهور عند القاضي) ش: قد وجد ذلك أيضاً بالنسبة إلى الجمع.
قال تاج الشريعة: والشروط تراعى وجودها قصداً، ولهذا يصح الاعتكاف بصوم رمضان، والصلاة بالوضوء لدخول المسجد.
م: (أما الوجوب) ش: أي وجوب القطع م: (بالجناية) ش: جزاء لها م: (فإذا استوفى) ش: يعني ذلك القطع الواحد م: (فالمستوفى كل الواجب، ألا ترى أنه يرجع نفعه) ش: وهو الانزجار م: (إلى الكل) ش: فيقطع عن الكل.
فإن قيل: الحكم الثابت هاهنا لا يرد على الثابت والقطع يتضمن البراءة عن ضمان المسروق، ولو أبرأه الواحد عن ضمان الكل نصاً لم يبرأ، فكيف يبرأ إذا ثبت ضمناً؟. أجيب: بأنه كم من شيء ثبت ضمناً ولا يثبت قصداً كبيع الشرب ووقف النقول، ثم هاهنا لما وقع القطع في حق الكل بالإجماع تبعه ما هو ثابت في ضمنه وهو سقوط الضمان.

(7/74)


وعلى هذا الخلاف إذا كانت النصب كلها لواحد فخاصم في البعض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: الخصومة شرط ليصير الخصم باذلاً للمال، إذ لا يصح البدل من واحد عن الكل. قلنا: بذل المال لسقوط عصمته أمر شرعي يثبت بناء على استيفاء القطع لا باختيار العبد، ألا ترى أنه مستوفى بخصومة من يملك البذل، ومن لا يملك، كالأب والوصي.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (إذا كانت النصب) ش: بضم النون والصاد جمع نصاب م: (كلها لواحد فخاصم في البعض) ش: أي في بعض النصب، يعني لو سرق السارق النصب من شخص واحد مراراً فخاصم في البعض فقطع لأجل ذلك، فعند أبي حنيفة لا يضمن النصب الباقي. وعند أبي يوسف ومحمد يضمن فافهم.

(7/75)