البناية
شرح الهداية باب ما يحدث السارق في السرقة ومن سرق ثوبا
فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم قطع. وعند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع، لأن له فيه سبب الملك وهو الخرق الفاحش، فإنه
يوجب القيمة وتملك المضمون، فصار كالمشتري إذا سرق مبيعا فيه خيار للبائع.
ولهما أن الأخذ وضع سببا للضمان لا للملك، وإنما الملك يثبت ضرورة أداء
الضمان كيلا يجتمع البدلان في ملك واحد، ومثله لا يورث الشبهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يحدث السارق في السرقة]
م: (باب ما يحدث السارق في السرقة)
ش: أي هذا باب في بيان حكم ما يحدثه السارق في العين التي يسرقها، ويحدث
بضم الياء من الإحداث.
م: (ومن سرق ثوباً فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم قطع)
ش: قيد بقوله في الدار، لأنه لو شقه خارج الدار يقطع بالإجماع، سواء بلغت
قيمته نصاباً أو لا. ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة. وكذا لو بلغت قيمته
نصاباً بعد الشق في البيت. وقيد بقوله وهو يساوي، أي الثوب يساوي عشرة بعد
الشق؛ لأنه لو لم يساوي عشرة بعد الشق لا يجب القطع بالاتفاق.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع، لأنه له فيه سبب الملك
وهو الخرق الفاحش) ش: وهذا الخرق طولاً فإنه خرق فاحش م: (فإنه) ش: أي فإن
الخرق الفاحش م: (يوجب القيمة وتملك المضمون) .
ش: ولهذا قلنا: المالك بعد الشق بالخيار إن شاء ملك الثوب بالضمان لانعقاد
سبب الملك؛ لأنه لو لم ينعقد لما وجب التمليك بكسر من السارق م: (فصار) ش:
أي حكم هذا م: (كالمشتري) ش: بكسر الراء م: (إذا سرق مبيعاً فيه خيار
للبائع) ش: ثم فسخ البائع فإنه لا يقطع هناك فكذلك هنا. والجامع بينهما أن
السرقة فيه تمت على عين غير مملوكة للسارق، ولكن ورد عليه سبب الملك.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الأخذ) ش: أي هذا الأخذ م: (وضع
سبباً للضمان لا للملك) ش: يعني لا نسلم أن له فيه سبب الملك؛ لأن الأخذ
المعروف ليس بموضع له، وإنما هو موضوع سبباً للضمان، فكان له سبب الضمان،
لا أنه سبب الملك م: (وإنما الملك يثبت ضرورة أداء الضمان كيلا يجتمع
البدلان في ملك واحد) ش: وهما البدل والمبدل.
م: (ومثله) ش: أي ومثل هذا الأخذ الذي هو سبب للضمان م: (لا يورث الشبهة)
ش: لأنه
(7/76)
كنفس الأخذ، وكما إذا سرق البائع معيبا
باعه، بخلاف ما ذكر، لأن البيع موضوع لإفادة الملك، وهذا الخلاف فيما إذا
اختار تضمين النقصان وأخذ الثوب. فإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه
لا يقطع بالاتفاق، لأنه ملكه مستندا إلى وقت الأخذ، فصار كما إذا ملكه
بالهبة فأورث شبهة، وهذا كله إذا كان النقصان فاحشا، فإن كان يسيرا يقطع
بالاتفاق لانعدام سبب الملك، إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة، وإن سرق
شاة فذبحها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليس بموضوع للملك م: (كنفس الأخذ) ش: فإنه يحتمل أن يصير سبباً بعد الضمان،
ومع هذا فلم يعتبر شبهة.
م: (وكما إذا سرق البائع معيباً باعه) ش: ولم يعلم المشتري بالعيب، فإنه
يقطع وأن العقد سبب الرد وهو العيب، فكذلك هاهنا يقطع وأن القطع سبب الضمان
وهو الشق م: (بخلاف ما ذكر) ش: أبو يوسف، وهو قوله كالمشتري إذا سرق بيعاً
فيه الخيار للبائع؛ لأن سبب الملك فيه موجود م: (لأن البيع موضوع لإفادة
الملك، وهذا الخلاف) ش: أي الذي بين أبي يوسف وصاحبيه م: (فيما إذا اختار)
ش: أي الملك م: (تضمين النقصان وأخذ الثوب) ش: لا يقال الأصل عندكم أن
القطع والنقصان لا يجتمعان.
فإذا اختار تضمن النقصان كيف يمكن من القطع، لأن القول بضمان النقصان يكون
بجناية آخر قبل الاحتياج، وهي ما فات من العين، والقطع بإخراج الباقي كما
لو أخذ ثوبين فأحرق أحدهما في البيت وأخرج الأخرى، قيمة أحدهما نصاب.
وأورده على هذا الجواب الاستهلاك على ظاهر الرواية، فإنه فعل غير السرقة مع
أنه لا يجب الضمان.
ومن هذا ذهب بعضهم إلى أنه إن اختار القطع لا يضمن النقصان. والجواب أن
القطع الباقي بعد الحرق وليس فيه ضمان بخلاف المستهلك، فإن القطع كان لأجله
لا شيء آخر. م: (فإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه لا يقطع بالاتفاق؛
لأنه ملكه مستنداً إلى وقت الأخذ، فصار كما إذا ملكه بالهبة) ش: فإنه إذا
وهب له بعد تمام السرقة يسقط القطع، فلأن لا يجب إذا ملكه قبل تمام السرقة
أولى م: (فأورث شبهة) ش: وهي دارئة الحد م: (وهذا كله) ش: أي هذا الخلاف مع
هذه التفصيلات م: (إذا كان النقصان فاحشاً) ش: والفاحش ما يفوت به بعض
العين وبعض المنفعة وهو الصحيح. وقال التمرتاشي: روي في حد الإتلاف فإنه لا
يكون النقصان أكثر من نصف القيمة، وقبل النقصان الفاحش أن ينقص بالخرق ربع
القيمة فصاعداً وما دونه يسير. وقيل ما لا يصح الباقي للثوب فهو فاحش
والصلح يسير.
م: (فإن كان) ش: أي النقصان م: (يسيراً يقطع بالاتفاق؛ لانعدام سبب الملك
إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة) ش: بل له تضمين قيمة النقصان. م: (وإن
سرق شاة فذبحها) ش: في الحرز
(7/77)
ثم أخرجها لم يقطع؛ لأن السرقة تمت على
اللحم، ولا قطع فيه.
ومن سرق ذهبا أو فضة يجب فيه القطع فصنعه دراهم أو دنانير قطع فيه، ويرد
الدراهم والدنانير إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وقالا: لا سبيل إلى المسروق منه عليهما، وأصله في الغصب، فهذه صنعة
متقومة عندهما خلافا له، ثم وجوب الحد لا يشكل على قوله؛ لأنه لم يملكه،
وقيل على قولهما لا يجب، لأنه ملكه قبل القطع، ولأنه صار بالصنعة شيئا آخر
فلم يملك عينه،
فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن، وهذا عند أبي
حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ منه
الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه اعتبارا بالغصب، والجامع بينهما كون الثوب
أصلا قائما وكون الصبغ تابعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم أخرجها لم يقطع) ش: وإن كانت قيمة المذبوحة عشرة دراهم م: (لأن
السرقة تمت على اللحم، ولا قطع فيه) ش: أي في اللحم.
[سرق ذهباً أو فضة فصنعه دراهم ودنانير]
م: (ومن سرق ذهباً أو فضة يجب فيه القطع) ش: وهو صفة للذهب والفضة؛ لأنها
جملة فعلية وقعت صفة للنكرة. وجواب المسألة هو قوله: قطع فيه، أي ما بلغ
قيمة عشرة دراهم م: (فصنعه دراهم أو دنانير قطع فيه، ويرد الدراهم
والدنانير إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:
أي القطع عنده، وبه قالت الأئمة الثلاثة.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (لا سبيل إلى المسروق منه عليهما) ش:
أي على الدراهم والدنانير، وفي نسخة شيخي عليها وهو الأحسن م: (وأصله) ش:
أي أصل الخلاف م: (في الغصب) ش: أي هذه الصفة لا ينقطع بها حق المالك عنده
في الغصب خلافاً لهما، فكذا في السرقة م: (فهذه صنعة متقومة عندهما) ش: أي
عند أبي يوسف ومحمد م: (خلافاً له) ش: أي لأبي حنيفة م: (ثم وجوب الحد لا
يشكل على قوله؛ لأنه) ش: لأن السارق م: (لم يملكه) ش: أي المسروق م: (وقيل:
على قولهما لا يجب، لأنه ملكه قبل القطع، ولأنه صار بالصنعة شيئاً آخر فلم
يملك عينه) ش: أي عين المسروق.
وفي بعض النسخ عينهما، أي عين الذهب والفضة، وإنما ملك شيئاً غيرهما، فإن
الأعين تتبدل بالصفات، أصله حديث.
[قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن]
م: (وإن سرق ثوباً فصبغه أحمر قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن) ش: أي قيمة
الثوب.
م: (وهذا) ش: أي عدم أخذ الثوب وعدم الضمان م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -
رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ منه الثوب ويعطى) ش: أي
السارق م: (ما زاد الصبغ فيه) ش: أي في الثوب م: (اعتباراً بالغصب) ش: أي
قياساً عليه م: (والجامع بينهما) ش: المقيس والمقيس عليه م: (كون الثوب
أصلاً قائماً وكون الصبغ تابعاً) ش: وبه قالت الثلاثة.
(7/78)
ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى، حتى لو
أراد أخذه مصبوغا يضمن ما زاد الصبغ فيه، وحق المالك في الثوب قائم صورة لا
معنى؛ لأنه غير مضمون على السارق بالهلاك والاستهلاك، فرجحنا جانب السارق،
بخلاف الغصب؛ لأن حق كل واحد قائم صورة ومعنى فاستويا من هذا الوجه، فرجحنا
جانب المالك لما ذكرنا، ولو صبغه أسود أخذ منه في المذهبين، يعني عند أبي
حنيفة ومحمد - رحمهما الله-. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا
والأول سواء، لأن السواد زيادة عنده كالحمرة. وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة
ولكنه لا يقطع حق المالك لما مر، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
السواد نقصان فلا يوجد انقطاع حق المالك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الصبغ قائم صورة ومعنى) ش:
أما صورة فظاهر.
وأما معنى فمن حيث القيمة م: (حتى لو أراد) ش: أي المالك م: (أخذه) ش: أي
أخذ الثوب حال كونه م: (مصبوغاً يضمن ما زاد الصبغ فيه، وحق المالك في
الثوب قائم صورة لا معنى؛ لأنه غير مضمون على السارق بالهلاك والاستهلاك،
فرجحنا جانب السارق) ش: لأن مراعاة ما هو قائم صورة ومعنى أولى من مراعاة
ما هو قائم صورة لا معنى، فرجحنا قول السارق أولاً بالوجود، كالموهوب له
إذا صبغ الثوب أحمر القطع حق الواهب.
م: (بخلاف الغصب؛ لأن حق كل واحد) ش: من المالك والغاصب م: (قائم صورة
ومعنى فاستويا) ش: أي فاستويا المالك والغاصب م: (من هذا الوجه) ش: أي من
حيث إن حق كل منهما قائم صورة ومعنى فلم يكن الترجيح بالوجود، فرجحنا
بالبقاء وهو أن الثوب أصل قائم والصبغ تابع وهو معنى قوله: فلم يكن الترجيح
بالوجود م: (فرجحنا جانب المالك لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله والجامع كون
الثوب أصلاً قائماً، وكون الصبغ تابعاً.
م: (ولو صبغه أسود) ش: أي ولو صبغ السارق الثوب صبغاً أسود فقطع م: (أخذ)
ش: أي الثوب م: (منه) ش: أي من السارق م: (في المذهبين، يعني عند أبي
حنيفة، ومحمد - رحمهما الله-، وعند أبي يوسف هذا والأول سواء) ش: أي أن
الحكم في الصبغ الأسود والأحمر سواء عنده م: (لأن السواد زيادة عنده
كالحمرة) ش: فلا يؤخذ هذا الثوب من السارق م: (وعند محمد زيادة أيضاً
كالحمرة، ولكنه لا يقطع حق المالك لما مر) ش: أن الصبغ تابع م: (وعند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك) ش:
فلم يكن حق السارق فيه قائماً معنى فاستويا، فرجح جانب المالك كما قلنا.
قال في المختلف: وهذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، فإن الناس ما
كانوا يلبسون السواد في زمنه ويلبسون في زمنهما.
(7/79)
باب قطع الطريق وإذا خرج جماعة ممتنعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب قطع الطريق]
م: (باب قطع الطريق)
ش: أي هذا باب في بيان حكم قطع الطريق وقدم السرقة الصغرى على الكبرى؛ لأن
السرقة تكون من الأصغر إلى الأكبر؛ ولأن الصغرى أكثر نوعاً من الأكبر يكون
قطع سرقة، فلأن قطع الطريق بأخذ المال خفية من عين الإمام الذي على حفظ
الطريق والمارة بشركته ومنعه، وأما كونه الكبرى فلأن ضرره يعم عامة
المسلمين من حيث يقطع عليهم الطريق بزوال الأمن، ولأن موجبه أغلظ من حيث
اليد والرجل من خلاف، ومن حيث القتل والصلب.
وأعلم أن لقطع الطريق شرائط:
الأول: أن يكون لهم شوكة وقوة بحيث لا يمكن للمارة المقاومة معهم وقطعوا
الطريق، سواء كانت بالسلاح أو بالعصا الكبيرة أو الحجر وغيرها.
الثاني: أن يكون خارج المصر بعيداً عنه، وفي " شرح الطحاوي ": أن يكون
بينهم وبين المصر مسيرة سفر. وعن أبي يوسف: لو كان أقل من سفر فحكمه حكم
مسيرة سفر، أما في المصر أو في قرية أو بين قريتين لا يكون قطع الطريق
خلافاً لأبي يوسف والشافعي ومالك. وأحمد توقف في ذلك. وفي " الحلة " عن
مالك في المصر روايتان.
والثالث: أن يكون في دار الإسلام.
والرابع: أن يكون المأخوذ قدر النصاب، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك
وأبو ثور وابن المنذر: لا يعتبر النصاب لعموم الآية. ولنا قوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: «لا قطع في أقل من عشرة دراهم أو ربع دينا» ولم يفصل.
والخامس: أن يكون القطاع كلهم أجانب في حق أصحاب الأموال حتى إذا كان فيهم
ذو رحم محرم أو صبي أو مجنون لا يجب عليهم القطع خلافاً لأبي يوسف.
والثالثة إذا كانت فيهم امرأة ففيه روايتان في رواية يقطع، وبه قالت
الثلاثة والأصح أنها لا قطع.
والسادس: من إذا أخذوا قبل التوبة، حتى إذا أخذوا بعد التوبة ورد المال سقط
عنهم الحد لا خلاف فيه، ولكن يسقط القصاص وضمان المال القائم والهالك.
م: (وإذا خرج جماعة) ش: هذا لفظ القدوري إلى قوله: قتلهم حداً، وأطلق اسم
الجماعة لتناول المسلم والذمي والحر والعبد، وقوله م: (ممتنعين) ش: نصب على
الحال من الجماعة، والمعنى خرجوا عن طاعة الإمام حال كونهم ممتنعين،
والمراد من الامتناع أن يكون لا بحيث يمكن
(7/80)
أو خرج واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع
الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا
توبة. وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل
واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمة ذلك قطع الإمام أيديهم
وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا،
والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {إنّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله}
[المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) ، والمراد منه والله أعلم التوزيع على
الأحوال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لهم أن يدفعوا عن أنفسهم بقوتهم وشجاعتهم تعرض العين م: (أو خرج واحد يقدر
على الامتناع) ش: بنفسه وقوله م: (فقصدوا قطع الطريق) ش: على المارة
والمسافرين م: (فأخذوا) ش: على صيغة المجهول، يعني أخذهم الإمام م: (قبل أن
يأخذوا) ش: أي قطاع الطريق م: (مالاً ويقتلوا نفساً) ش: أي وقبل أن يقتلوا
نفساً من المارة م: (حبسهم الإمام) ش: جواب قوله: وإذا خرج، وهذه حالتهم
الأولى، فإن فيها حبسهم الإمام م: (حتى يحدثوا توبة) ش: وهو المراد بالنفي
المذكور في قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] (المائدة:
الآية 33) ، وهو قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] ... الآية، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله
تعالى.
م: (وإن أخذوا مال مسلم) ش: هذه حالتهم الثانية م: (أو ذمي) ش: أي أو مال
ذمي م: (والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم
فصاعداً) ش: أي أكثر من عشرة، وانتصابه على الحال فيهم من لم يدل على
الإعراب م: (أو ما تبلغ قيمة ذلك) ش: أي أو أخذوا شيئاً من المتاع يبلغ
قيمته عشرة دراهم.
وقال الحسن بن زياد: عشرون؛ لأنه يقطع من قاطع الطريق طرفان فيشترط النصاب
بأن م: (قطع الإمام) ش: جواب قوله: وإن أخذوا مال مسلم م: (أيديهم وأرجلهم
من خلاف) ش: يقطع اليمين من الأيدي واليسار من الأرجل.
م: (وإن قتلوا) ش: هذه حالتهم الثالثة م: (ولم يأخذوا مالاً قتلهم الإمام
حداً) ش: أي قتلهم الإمام من حيث الحد لا قصاصاً، حتى لو عفى الأولياء عنهم
لم يلتفت إلى عفوهم، وذلك؛ لأن الحد حق الله تعالى.
ولو آثر العفو العبد في حقه تعالى وليس للإمام أيضاً أن يعفو بما روي عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعافوا الحدود فيما بينكم.
فإذا رفعت إلى الإمام فلا عفى الله عنه إن عفى» . ذكر الأترازي هذا الحديث
ولم ينسبه إلى أحد من الصحابة ولا إلى مخرج معتبر.
[قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن]
م: (والأصل فيه) ش: أي في قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن (قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
[المائدة: 33] الآية (المائدة: الآية 33) ش: أي إلى آخر الآية م: (والمراد
منه - والله أعلم - التوزيع) ش: أي من قول الله تعالى لهذا التوزيع م: (على
الأحوال) ش: أي التقسيم على أحوال
(7/81)
وهي أربعة هذه الثلاثة المذكورة، والرابعة
نذكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المحاربين.
وأشار هذا إلى أن كلمة أو في الأئمة للتفصيل أو للتقسيم على اختلاف الجناية
لا للتخيير كما قال مالك، فإنه قال الإمام: إذا رأى القاطع جلد إذا رأى
قطعه، وإن كان جلد إذا رأى له قطعه، والأكثر على أن أو للتوزيع، وبه قال
الشافعي والليث وإسحاق وحماد وقتادة وأبو مجلز لاحق بن حميد وأصحاب أحمد،
ومثل هذا روي عن ابن عباس.
وقال سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن البصري والضحاك وإبراهيم النخعي
وأبو ثور وداود: الإمام مخير فيه لظاهر النص.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما كان في القرآن أو فصاحبه
بالخيار، وقوله: يحاربون الله، والمراد من محاربة الله محاربة أوليائه وهم
المؤمنين على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أو لما كانوا مخالفين أمر
الله تعالى ساعين في الأرض بالفساد وكأنهم محاربين الله تعالى، فأطلق اسم
المحاربة لله تعالى اتباعاً، وقد ذكرنا أن هذه الآية نزلت في قطاع الطريق.
وقيل نزلت في العرنيين ولم يصح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سمل أعينهم وليس في هؤلاء ذلك.
وقيل: في المرتدين فلم يصح أيضاً، لأن الآية ناطقة بالقتل عند المحاربة
والسعي في الأرض بالفساد، وليس شرط ذلك في المرتد، ولأن القتل سقط عنهم
بالنص بالتوبة قبل القدرة عليهم، ويسقط عن المرتد بالتوبة مطلقاً.
[أحوال الحرابة]
م: (وهي) ش: أي الأحوال م: (أربعة هذه الثلاثة المذكورة) ش: وعلمت من قبل
م: (والرابعة) ش: أي حالة رابعة م: (نذكرها) ش: أي عن أبي يوسف، وهو قوله
والرابعة إذا قتلوا ... إلى آخره. والأحوال أربعة والأجزية كذلك. وكذا هذا
في " الكافي ". وذكر التمرتاشي والأحوال خمس تخويف لا غير، وهنا عن رد أدنى
التقرير وحبسوا حتى يتوبوا.
والثانية: أخذ المال فهنا إذا تابوا قبل الأخذ سقط الحد وضمن المال قائماً
هالكاً. ولو أخذوا قبل التوبة قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وردوا المال
قائما ولم يضمن الهالك عندنا، خلافاً للثلاثة.
والثالث: خرجوا لا غير، وفيه القصاص فيما يجرى فيه القصاص، والأمر شيء فيما
لا يجري. والاستيفاء إلى صاحب الحق.
والرابعة: أخذوا المال وخرجوا بقطع من خلاف وبطل حكم الجراحات عندنا خلافاً
للأئمة الثلاثة.
والخامسة: أخذوا المال وقتلوا أو قتل أحد منهم رجلاً بسلاح أو غيره،
والإمام مخير على
(7/82)
ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال، فاللائق
تغلظ الحكم بتغلظها، أما الحبس في الأولى فلأنه هو المراد بالنفي المذكور؛
لأنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر
لإخافة، وشرط القدرة على الامتناع، لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة.
والحالة الثانية كما بيناها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما ذكره في المتن. م: (ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال) ش: أي على حسب
الأحوال الواقعة في قطع الطريق م: (فاللائق تغلظ الحكم) ش: أي الجزاء م:
(بتغلظها) ش: أي بتغلظ الجناية لا بالتخيير؛ لأنه مستلزم مقابلة الجناية
الغليظة جزاء خفيف أو بالعكس، وهو خلاف مقتضى الحكمة.
م: (أما الحبس في الأولى) ش: أي في الحالة الأولى م: (فلأنه) ش: أي فلأن
الحبس م: (هو المراد بالنفي المذكور؛ لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (نفي عن وجه
الأرض بدفع شرهم عن أهلها) ش: وعند الشافعي ينفى من بلد إلى بلد لا يزال
يطلب، وهو هارب فزعاً. وقال النخعي وقتادة وعطاء وأحمد: النفي تشريدهم عن
الأمصار؛ لأن النفي مستعمل في الطرد والإبعاد.
ويروى نحو هذا عن الحسن والزهري. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- أنه ينفى من بلده إلى بلد غيره، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وما قلناه
أولى، لأن تشريدهم بدون الحبس إخراج لهم إلى مكان يقطعون الطريق ويؤذون
الناس.
وظاهر الآية تدل على أن النفي من وجه الأرض، ولا يمكن أن ينفى من جميع وجه
الأرض؛ لأن ذا لا يتحقق ما دام حياً.
والمراد عن بعضها وهو بلده، وبه لا يحصل المقصود، وهو رفع أذاه عن الناس
وإن كان في دار الإسلام إلى دار الحرب ففيه تعريضه على الردة وصيرورته
حربياً، فعلم أن المراد نفيه عن جميع وجه الأرض لدفع شره، ولا يمكن هذا إلا
بالحبس، لأن المحبوس يسمى خارجاً من الدنيا.
وقال صالح بن عبد القدوس:
خرجنا عن الدنيا ونحن من أهلنا ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا دخل السجان يوماً لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
م: (ويعزرون أيضاً لمباشرتهم منكر الإخافة) ش: الإخافة مصدر من أخاف يخيف
إخافة، وقال أبو بكر لا حد فيه، فيجب في مثله الحبس والتعزير.
م: (وشرط القدرة على الامتناع) ش: أي شرط القدوري قدرة قطاع الطريق على
كونهم ممتنعين م: (لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة) ش: لأنه إذا لم يكن
لهم منفعة وقوة على قطع الطريق لا يسمون قطاع الطريق، بل لهم لصوص دائرون
يترقبون الغفلة عن الناس ليأخذوا أشياء.
م: (والحالة الثانية كما بيناها) ش: أي كما بينا حكماً من قطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف م:
(7/83)
لما تلوناه، وشرط أن يكون المأخوذ مال مسلم
أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة، ولهذا لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب
القطع، وشرط كمال النصاب في حق كل واحد كيلا يستباح طرقه إلا بتناوله ما له
خطر، والمراد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى كيلا يؤدي إلى تفويت جنس
المنفعة. والحالة الثالثة كما بيناها لما تلوناه، ويقتلون حدا، حتى لو عفى
الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم؛ لأنه حق الشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(لما تلوناه) ش: وهي الآية المذكورة م: (وشرط) ش: أي القدوري م: (أن يكون
المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة) ش: وليس تأبيد العصمة إلا في
مال المسلم أو الذمي.
م: (ولهذا) ش: أي ويكون الشرط في المال المأخوذ أن يكون من المسلم أو الذمي
م: (لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب القطع) ش: لأن ماله غير معصوم على
وجه التأبيد م: (وشرط) ش: أي القدوري م: (كمال النصاب في حق كل واحد) ش:
وبه قال الشافعي وأحمد.
وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط النصاب كما لا يشترط الحرز، وبه
قال ابن المنذر وأبو ثور. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول كقول
مالك. وفي " شرح الوجيز " والمذهب هو الأول م: (كيلا يستباح طرقه) ش: أي
طرق قاطع الطريق م: (إلا بتناوله ماله خطر) ش: أي قدروا قيمته.
م: (والمراد) ش: أي من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) م: (قطع
اليد اليمنى والرجل اليسرى) ش: ولا خلاف لأهل العلم فيه، ولأن هذه الجناية
لفاحشتها صارت كالسرقتين، والحكم في السرقتين هكذا.
فإن قيل ينبغي أن يكون نصاب كل واحد عشرين، لأنه كالسرقتين. قلنا تغليظ هذا
الحد باعتبار تغلظ فعلهم محاربة الله ورسوله لا بكثرة المال.
م: (كيلا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة) ش: ولهذا إذا كانت يده اليمنى شلاء
أو مقطوعة لا تقطع يده اليسرى؛ لأن فيه تفويت جنس المنفعة، وبه قال أحمد في
رواية. وقال الشافعي في اليد الشل في قطعها روايتان كما في السارق، ولو
كانت يده اليمنى مقطوعة قطعت رجله اليسرى، ولو كانت يداه صحيحتين ورجله
اليسرى مقطوعة قطعت يده اليمنى فقط، ولا خلاف فيه.
م: (والحالة الثالثة كما بيناها) ش: بقوله وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً م:
(لما تلوناه) ش: من الآية الكريمة م: (ويقتلون حداً) ش: العين في هذه
الحالة يقتل قطاع الطريق من حيث الحد م: (حتى لو عفى الأولياء عنهم لا
يلتفت إلى عفوهم؛ لأنه حق الشرع) ش: أي لأن الحد حق الشرع فلا يدخل عفو،
وعليه جميع أهل العلم.
(7/84)
والرابعة إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام
بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم
وإن شاء صلبهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل ويصلب ولا يقطع، لأنه
جناية واحدة فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد
كحد السرقة والرجم. ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها، وهو تفويت
الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال، ولهذا كان قطع اليد والرجل معا في
الكبرى حدا واحدا، وإن كانا في الصغرى حدين، والتداخل في الحدود لا في حد
واحد.
ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والرابعة) ش: أي الحالة الرابعة م: (إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام
بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم)
ش: يعني من غير قطع، وإن شاء صلبهم. وفي " جامع البزدوي " إن شاء صلبهم وإن
شاء قتلهم من غير قطع م: (وإن شاء صلبهم) ش: وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف،
وبه قال أحمد في رواية، وهو قول زفر. وقال أبو يوسف: لا بد من الصلب.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقتل أو يصلب ولا يقطع، لأنه) ش: أي
لأن قطع الطريق م: (جناية واحدة) ش: وهي قطع الطريق م: (فلا توجب حدين،
ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم) ش: فإن
السارق إذا زنى وهو محصن فإنه يرجم لا غير، لأن القتل يأتي على ذلك كله،
وفي عامة الرواية من المباسط وشروح الجامع أبو يوسف مع محمد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أن هذه عقوبة واحدة) ش: من
حيث إنها قطع الطريق لكنها م: (تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على
التناهي) ش: أي على النهاية م: (بالقتل، وأخذ المال، ولهذا) ش: أي لكونها
عقوبة واحدة م: (كان قطع اليد والرجل معاً في الكبرى) ش: أي في السرقة
الكبرى، وهي قطع الطريق م: (حداً واحداً وإن كانا في الصغرى حدين، والتداخل
في الحدود) ش: إنما يكون في الحدود م: (لا في حد واحد) ش: وهو القطع والقتل
حد واحد فلا يتداخلان.
فإن قلت: لو كانا حداً واحداً لم يجز للقاضي أن يقتصر على القتل.
قلت: إنما جاز ذلك لأن الترتيب ليس بواجب على ما بين القطع والقتل، فإذا
ابتدأ بالقتل سقط القطع لعدم فائدته كالزاني إذا ضرب خمسين جلدة فمات ترك
ما بقي، لأنه لا فائدة في إتمامه.
[التخيير بين الصلب وتركه في الحرابة]
م: (ثم ذكر) ش: أي القدوري م: (في الكتاب) ش: أي في مختصره م: (التخيير بين
الصلب وتركه) ش: وهو قوله: وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم وهو ظاهر الرواية.
(7/85)
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا
يتركه؛ لأنه منصوص عليه، والمقصود التشهير ليعتبر به غيره. ونحن نقول: أصل
التشهير بالقتل والمبالغة في الصلب فيتخير فيه، ثم قال: ويصلب حيا ويبعج
بطنه ويطعن حتى يموت، ومثله عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن الطحاوي، -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة. وجه الأول وهو الأصح
أن الصلب على هذا الوجه أبلغ في الردع وهو المقصود به. ولا يصلب أكثر من
ثلاثة أيام، لأنه يتغير بعدها فيتأذى الناس به، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أنه يترك على خشبة حتى يتقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي الإمام م: (لا يتركه) ش:
أي لا يترك الصلب م: (لأنه) ش: أي لأن الصلب م: (منصوص عليه) ش: وهو قَوْله
تَعَالَى: {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) م:
(والمقصود التشهير ليعتبر به غيره) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما
الله.
م: (ونحن نقول أصل التشهير بالقتل) ش: أي يحصل بالقتل م: (والمبالغة في
الصلب فيتخير فيه) ش: أي فيتخير الإمام في الصلب م: (ثم قال) ش: أي القدوري
م: (ويصلب حياً) ش: أي يصلب قاطع الطريق حال كونه حياً م: (ويبعج بطنه) ش:
أي تشق من باب فعل يفعل بالفتح فيهما، يقال بعج الأرض شقها، ومنها قول
القدوري.
حكى السرخسي عن أبي يوسف: وروي عن أبي يوسف أنه قال يصلبه وهو حي م:
(ويطعن) ش: في لبته م: (حتى يموت) ش: ومرة قال تحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى
يموت.
كذا ذكره أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " برمح متعلق بقوله: ويبعج
وتلازم المجمع إلى أن يموت م: (ومثله عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:
أي ومثل ما روي عن أبي يوسف وروي عن الشيخ أبي الحسن الكرخي.
م: (وعن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقتل ثم يصلب توقياً عن المثلة)
ش: أي احترازاً عنها، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«نهى عن المثلة» وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله-.
م: (وجه الأول) ش: أراد به يصلب حياً م: (وهو الأصح) ش: أي الأول هو الأصح
م: (أن الصلب على هذا الوجه أبلغ في الردع) ش: أي الزجر به م: (وهو المقصود
به) ش: أي بالصلب م: (ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام، لأنه يتغير بعدها) ش:
أي بعد ثلاثة أيام م: (فيتأذى الناس به) ش: وبه قال الشافعي في الأصح.
وعن أحمد أنه لم يوقت في الصلب، وقال أصحابه: الصحيح أنه يوقت بما يحصل به
التشهير، والتوقيت بثلاثة أيام بغير دليل ذكره ابن قدامة في المغنى وليس
كذلك، فإن التشهير لا يحصل بالزمان القليل عادة، فمرة بالثلاث كما في مدة
الخيار ومهلة المزبة وغيرهما.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن المصلوب م: (يترك على
خشبة حتى يتقطع
(7/86)
ويسقط ليعتبر به غيره. قلنا حصل الاعتبار
بما ذكرناه، والنهاية غير مطلوبة. قال وإذا قتل القاطع فلا ضمان عليه في
مال أخذه اعتبارا بالسرقة الصغرى، وقد بيناه. فإن باشر القتل أحدهم أجرى
الحد عليهم بأجمعهم؛ لأنه جزاء المحاربة، وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا
للبعض، حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم، وإنما الشرط القتل من واحد منهم
والقتل إن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو سواء، لأنه يقطع قطعا للطريق بقتل
المارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويسقط ليعتبر به غيره) ش: وبه قال الشافعي في وجه م: (قلنا حصل الاعتبار
بما ذكرناه) ش: أي بالصلب ثلاثة أيام م: (والنهاية غير مطلوبة) ش: لأن
المقصود نفي الزجر م: (قال: وإذا قتل القاطع فلا ضمان عليه في مال أخذه
اعتباراً بالسرقة الصغرى) ش: لأن الحد لما أقيم سقط عصمة المال كما في
السرقة م: (وقد بيناه) ش: أي الضمان مع الخلاف في السرقة الصغرى.
م: (فإن باشر القتل أحدهم) ش: أي أحد قطاع الطريق م: (أجرى الحد عليهم
بأجمعهم) ش: وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي: يحد المباشر لا الردء،
ولأنه جرى الفصل كحد الزنا فلا يجب على غير المباشر.
قلنا: يجب على الكل م: (لأنه جزاء المحاربة، وهي تتحقق بأن يكون البعض
ردءاً) ش: أي عوناً م: (للبعض، حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم) ش: أي
انضموا إليهم، ولم ترد الشراح هنا شيئاً على قولهم انضموا إليهم.
فقوله: إذا زلت أقدامهم كناية عن أقدامهم، والضمير فيه وفي قوله إليهم راجع
إلى المحاربين الذين يباشرون القتال، يدل عليه قوله جزاء المحاربة. والضمير
في قوله انحازوا يرجع إلى الردء، لأن الردء يستوي فيه الواحد والجمع.
وحاصل المعنى إذ إن أمر المحاربين إلى - الإنزام سمار الردء إليهم معسونهم
وسفرونهم؟ - فكذلك يشركون مع الغانمين في الغنيمة.
م: (وإنما الشرط القتل من واحد منهم) ش: لأن تمكنه من القتل حصل بالكل
فيقتلون جميعاً، ولفظ الأصل ومن باشر ولم يباشر في الحكم سواء، وذلك لأن
تمكين القتل حصل باليد، والقتل حد قطاع الطريق إذا وجد منهم القتل وقد وجد
فيقتلون جميعاً، وهذه لأن قوله وجب حداً عليهم لا قصاصاً فلم يعتبر
المساواة، فصار من قتل ومن لم يقتل سواء.
[قتل قطاع الطريق]
م: (والقتل) ش: أي قتل قطاع الطريق م: (إن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو
سواء، لأنه يقع قطعاً للطريق بقتل المارة) ش: يعني بأي شيء قتل قاطع
الطريق، قيل: لأنه حد لا قصاص فلا يقتضي المساواة، ولهذا يقتل غير المباشر.
(7/87)
وإن لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح
اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش، وذلك إلى
الأولياء؛ لأنه لا حد في هذه الجناية، فظهر حق العبد وهو ما ذكرناه
فيستوفيه الولي وإن أخذ مالا ثم جرح قطعت يده ورجله من خلاف وبطلت
الجراحات، لأنه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد، كما
يسقط عصمة المال، وإن أخذ بعدما تاب وقد قتل فإن شاء الأولياء قتلوه، وإن
شاءوا عفوا عنه، لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء
المذكور في النص، ولأن التوبة تتوقف على رد المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن لم يقتل القاطع) ش: أي قاطع الطريق م: (ولم يأخذ مالاً وقد جرح
اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش، وذلك) ش: أي
استيفاء القصاص وأخذ الأرش م: (إلى الأولياء لأنه لا حد في هذه الجناية
فظهر حق العبد) ش: أي في النفس والمال م: (وهو ما ذكرناه) ش: أي حق العبد
القصاص والأرش م: (فيستوفيه الولي) ش: أي يستوفي القصاص الولي فيما مستطاع
منه القصاص.
وبه قالت الأئمة الثلاثة، كما إذا قطعوا اليسار أو الذكر لا قصاص فيه في
الظاهر يؤخذ الأرش، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا قطع من الأصل وفي الحقيقة
والحشفة قصاص اتفاقاً، لأن موضع القطع معلوم إلا إذا قطع بعض الحشفة حيث لا
قصاص، وكذا إذا ضربوا العين وقلعوها لا قصاص فيه ويؤخذ الأرش، إلا إذا كانت
العين قائمة فذهب بصرها ففيه القصاص لا بمكان المماثلة، كذلك لا قصاص في
عظم إلا في السن إلا إذا اسودت أو احمرت أو اخضرت فحينئذ يجب الأرش. م:
(وإن أخذ مالاً ثم جرح قطعت يده ورجله من خلاف وبطلت الجراحات) ش: لأن الحد
والضمان لا يجتمعان عندنا م: (لأنه لما وجب الحد حقاً لله تعالى سقطت عصمة
النفس حقاً للعبد، كما يسقط عصمة المال) ش: وعند الأئمة الثلاثة لا يبطل
عصمة النفس والمال، لأن القطع مع الضمان يجتمعان عندهم. م: (وإن أخذ) ش: أي
قاطع الطريق م: (بعدما تاب وقد قتل) ش: أي والحال أنه قد قتل عمداً بحديدة
م: (فإن شاء الأولياء قتلوه، وإن شاءوا عفوا عنه، لأن الحد في هذه الجناية
لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى:
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}
[المائدة: 33] (المائدة: الآية 34) ، فلما بطل الحد بالتوبة ظهر حق العبد
فيه بلا خلاف.
واعترض بأن قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] هاهنا نظيره في
قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا} [المائدة: 34] ، فكيف يكون سياق قوله: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] إذ كل منهما جملتان كاملتان عطفتا على
جملتين كاملتين. وأجيب: بأن قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
[النور: 4] لا يصلح، بخلاف قوله: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
م: (ولأن التوبة تتوقف على رد المال) ش: يعني مما إذا أخذ المال، لأن
الظالم إذا غصب مال
(7/88)
ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس
والمال، حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو
استهلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحد لا يكون ثابتاً وإن تاب ألف مرة بلسانه ما لم يرد المال، لأن تلك
العصبة لا ترتفع إلا برد المال.
فلما رد المال قبل الأخذ بطل عنه الحد كالسارق إذا أدى المال قبل الترافع
م: (ولا قطع في مثله) ش: لانقطاع الخصومة وهي شرط فيه م: (فظهر حق العبد في
النفس والمال، حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده
أو استهلك) ش: وفي " المبسوط " و " المحيط " رد المال من تمام توبتهم
لينقطع به خصومة صاحب المال، إذ لا يقام الحد إلا بخصومة صاحب المال وقد
انقطعت خصومته برد المال إليه قبل ظهور الجريمة عند الإمام، فيسقط الحد.
أما إذا تابوا ولم يردوا المال لم يذكره في الكتب نصاً، فقد اختلف
المتأخرون فيه: قيل: لا يسقط الحد، فإنه على سائر الحدود، فإنها لا تسقط
بنفس التوبة. وقيل: يسقط وإليه أشار محمد في الأصل أن الحد يسقط في السرقة
الكبرى، الاستثناء في النص والاستثناء في غيره وسائر الحدود، والقذف لا
يسقط بالتوبة عندنا ومالك وأحمد في رواية وللشافعي في قول.
وقال أحمد في رواية والشافعي في قول يسقط لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا
وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] (النساء: الآية 16) .
وقال في حد السرقة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ
اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] (التوبة: الآية 39) ، ولأنه حق
الله فيسقط بالتوبة كحد المحارب.
قلنا قوله: {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] عام في
الثابت وغيره، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم ماعزاً
والغامدية وقطع الذي أتى بالسرقة وقد صاروا ما يطلبون النظير وعلم النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبتهم فأتاه الحد، ولأن الحد لغارة
فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل، لأنه يقدر عليه كل أحد بعد باب
الحد.
وأما الآية فمنسوخة، هو كان في بدء الإسلام، والآية الثانية تدل على أن
الحد لم يصر مستحقاً للمعتوه، وأما حد القطاع فيسقط بالنص ولم يجئ نص في
غيره.
وقال الأترازي فإن قلت: اليسر رفض قول صاحب الهداية لا بالتوبة تتوقف على
رد المال مع قوله ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلك، لأنه إذا رد المال
كيف يهلك في يده.
قلت: يمكن أن يهلك البعض معزور البعض، ورد البعض علامة صحة ثبوته، فإذا هلك
الباقي قبل التمكن منه، أو استهلكه بعد وجود علامة صحة ثبوته يكون ذلك شبهة
في سقوط الحد، فيجب المال.
(7/89)
وإن كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم
محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين، فالمذكور في الصبي والمجنون قول
أبي حنيفة وزفر -رحمهما الله-. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو
باشر العقلاء يحد الباقون، وعلى هذا السرقة الصغرى. له أن المباشر أصل
والردء تابع، ولا خلل في مباشرة العاقل المكلف، ولا اعتبار بالخلل في
التبع، وفي عكسه ينعكس المعنى والحكم. ولهما أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: هذا إنما يتم لولا سبب التوبة متوقفة على رد جميع المال فلا
يتم، ويجوز أن يقال هذا الموضع إنما هو على قول البعض الآخر من المشايخ.
[كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من
المقطوع عليه]
م: (وإن كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط
الحد عن الباقين) ش: هذه مسألة القدوري في مختصره، إلا أن لفظه وإن كان
فيهم صبي، وهذا الذي ذكره القدوري ظاهر الرواية عن أصحابنا. وقال المصنف م:
(فالمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله-. وعن أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون) ش: أي من
الذين لم يباشروا القتل من العقلاء الباقين. وقال الأترازي: والعجب من صاحب
الهداية أنه قال وعن أبي يوسف بعد أن قال والمذكور في الصبي والمجنون قول
أبي حنيفة وزفر. وكان القياس أن يقول أبو يوسف ولم يذكر قول محمد وقوله مع
أبي حنيفة. وقد صرح الشيخ أبو نصر بذلك انتهى.
قلت: لعجبه عجب، لأن القدوري ذكر في شرحه لمختصر الكرخي وعند أبي يوسف.
وذكر البيهقي في كفاية بلفظه عن أبي يوسف، ويحتمل أن يكون قول أبي يوسف
رواية عنه بعد أن كان مع أبي حنيفة.
م: (وعلى هذا السرقة الصغرى) ش: أي وعلى هذا الخلاف حكم السرقة الصغرى إن
ولي الصبي أو المجنون إخراج المتاع، وإن ولي غيرهما قطعوا إلا الصبي
والمجنون.
م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المباشر أصل، والردء
تابع) ش: أي المباشر أصل في الفعل، والردء أي المعين تابع م: (ولا خلل في
مباشرة العاقل المكلف، ولا اعتبار بالخلل في التبع) ش: وهو الصبي أو
المجنون لعدم القصد الصحيح منهما، وسقوط الحد عن التبع لا يوجب سقوطه عن
المتبوع.
م: (وفي عكسه) ش: وهو أن يباشر الصبي أو المجنون م: (ينعكس المعنى والحكم)
ش: الحكم هو أن لا يجب على الباقين، والمعنى هو العلة وهي أن سقوطه عن الحد
يوجب السقوط من التبع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن قطع
الطريق م:
(7/90)
جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل
بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع
العامد.
وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل: تأويله إذا كان المال مشتركا بين المقطوع
عليهم، والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة على ما ذكرناه، فالامتناع في حق
البعض يوجب الامتناع في حق الباقين، بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن، لأن
الامتناع في حقه من وجه خلل في العصمة وهو يخصه، أما هنا الامتناع لخلل في
الحرز، والقافلة حرز واحد، وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء؛ لظهور حق
العبد على ما ذكرناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم تقع فعل بعضهم موجباً) ش: لكان الشبهة م:
(كان فعل الباقين بعض العلة، وبه) ش: أي وبعض العلة م: (لا يثبت الحكم،
فصار كالخاطئ مع العامد) ش: كما إذا رمى رجل سهاماً إلى إنسان عمداً ورماه
آخر خطأ فأصابه السهمان معاً ومات منهما لا يجب القصاص على العامد لما أن
الفعل واحد فيكون فعل المخطئ مورث شبهة في حق العامد.
[ذو الرحم المحرم إذا قطع عليه الطريق ذو رحم
منه]
م: (وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل تأويله) ش: الذي قاله أبو بكر الرازي
الداريسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: تأويل المسألة م: (إذا كان المال
مشتركاً بين المقطوع عليهم) ش: قطاع الطريق ذو رحم محرم لا يجب الحد
باعتبار نصيب ذوي الرحم، فيصير شبهة في نصيب الباقين، فلا يجب الحد عليهم،
لأن المأخوذ شيء واحد، فإذا امتنع في حق أحدهم سبب القرابة يمنع في حق
الباقين.
فأما إذا لم يكن المال مشتركاً بينهم فإن لم يأخذ المال إلا من ذي الرحم
المحرم فكذلك، وإن أخذوا منه ومن غيره يحدون باعتبار المال المأخوذ من
الأجنبي م: (والأصح أنه مطلق) ش: أي محرز على إطلاقه، وإنهم لا يحدون بكل
حال، لأن مال جميع العاقلة في حق القطاع شيء واحد؛ لأنه محرز واحد وهو
العاقلة م: (لأن الجناية واحدة على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله، ولهما
أنه جناية واحدة قامت بالكل م: (فالامتناع) ش: بعد، أي امتناع الحد م: (في
حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين) ش: لأن بعض العلة يترتب عليه الحكم.
م: (بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن) ش: أي في العاقلة، وهذا جواب سؤال مقدر
بأن يقال القطع على المستأمن لا يوجب الحد كالقطع على ذي الرحم المحرم، ثم
وجود هذا في العاقلة يسقط الحد، فينبغي أن يسقط الحد وجود المستأمن أيضاً،
فأجاب عنه قوله بخلاف المستأمن لوجوده في العاقلة م: (لأن الامتناع في حقه)
ش: أي امتناع الحد في القطع على المستأمن م: (من وجه خلل في العصمة) ش: أي
في عصمة ماله وهو خاص به، وهو معنى قوله م: (وهو يخصه، أما هنا الامتناع
لخلل في الحرز) ش: أي الخلل في العصمة يخص المستأمن م: (والقافلة حرز واحد)
ش: والشبهة تمكنت فيه.
م: (وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد على ما ذكرناه)
ش: أشار به إلى
(7/91)
فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا. وإذا قطع
بعض القافلة الطريق على البعض لم يجب الحد؛ لأن الحرز واحد، فصارت القافلة
كدار واحدة. ومن قطع الطريق ليلا أو نهارا في المصر أو بين الكوفة والحيرة
فليس بقاطع الطريق استحسانا، وفي القياس يكون قاطعا للطريق، وهو قول
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بوجوده حقيقة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أنه يجب إذا كان خارج المصر وإن كان بقربه لأنه لا يلحقه الغوث.
وعنه إن قاتلوا نهارا بالسلاح أو ليلا به فهم قطاع الطريق، لأن السلاح لا
يلبث، والغوث يبطئ بالليالي. ونحن نقول: إن قطع الطريق بقطع المارة، ولا
يتحقق ذلك في المصر ويقرب منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: لأن الجناية واحدة م: (فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا) ش: لأن الحق
لهم م: (وإذا قطع بعض القافلة الطريق على البعض لم يجب الحد، لأن الحرز
واحد، فصارت القافلة كدار واحدة) ش: كما لو سرق من دار سكن السارق فيها،
فإذا لم يجب الحد وجب القصاص إن قتل عمداً ورد المال إن أخذه وهو قائم
والضمان إن هلك أو استهلك.
م: (ومن قطع الطريق ليلاً أو نهاراً في المصر أو بين الكوفة) ش: أي أو قطع
الطريق بين الكوفة م: (والحيرة) ش: وهي التي كان يسكنها النعمان بن المنذر
وهي أول منازل الكوفة.
وقال تاج الشريعة: الحيرة بكسر الحاء مدينة على رأس ميل من الكوفة م: (فليس
بقاطع الطريق استحساناً، وفي القياس يكون قاطعاً للطريق، وهو قول الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - بوجوده حقيقة) ش: أي بوجود القطع من حيث الحقيقة.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب إذا كان خارج المصر وإن كان
بقربه) ش: أي بقرب المصر م: (لأنه لا يلحقه الغوث) ش: وهو اسم من الإغاثة
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف، رواه القدوري م: (إن قاتلوا نهاراً) ش: أي
في المصر م: (بالسلاح أو ليلاً به) ش: أي أو قاتلوا ليلا بالسلاح أو بالخشب
م: (فهم قطاع الطريق) ش: بضم القاف وتشديد الطاء جمع قاطع م: (لأن السلاح
لا يلبث) ش: من الألباب م: (والغوث يبطئ بالليالي) ش: والعرب سمى الليالي
مستحق القطع.
وبه قال الشافعي، وقال أكثر أصحابنا: يثبت المحاربة في أي موضع لا يلحقه
الغوث، وفي الحلية ذكر في " الحاوي " أن القوى التي فعل أهلها حكمها حكم
الصحراء بتحقق المحاربة.
وأما الأمصار الكبار فمن قصد نواحيها جهاراً فكذلك، وأما وسط المصر في
المواضع التي يتكاثر الناس فيها في أسواقهم ودورهم إذا كسبوا سوقانها
ونهبوها أو دوراً فنهبوها فيه وجهان أصحهما أن حكم المحاربين.
م: (ونحن نقول: إن قطع الطريق بقطع المارة ولا يتحقق ذلك في المصر ويقرب
منه) ش: أي في
(7/92)
لأن الظاهر لحوق الغوث يؤخذون برد المال
إيصالا للحق إلى المستحق ويؤدبون ويحبسون لارتكابهم الجناية. ولو قتلوا
فالأمر فيه إلى الأولياء لما بينا،
ومن خنق رجلا حتى قتله فالدية على عاقلته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وهي مسألة القتل بالمثقل، وسنبين في باب الديات إن شاء الله تعالى. وإن
خنق في المصر غير مرة قتل به، لأنه صار ساعيا في الأرض بالفساد فيدفع شره
بالقتل، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المصر م: (لأن الظاهر لحوق الغوث، يؤخذون برد المال إيصالا للحق إلى
المستحق، ويؤدبون ويحبسون لارتكابهم الجناية، ولو قتلوا فالأمر فيه إلى
الأولياء) ش: قصاصاً أو صلحاً أو عفواً، لأن ظهر حقهم حيث لم يجب الحد م:
(لما بينا) ش: أشار به إلى قوله بظهور حق العبد، والفتوى عليه، وقول أبي
يوسف لمصلحة الناس، واختاره القفال من أصحاب الشافعي.
[خنق رجلاً حتى قتله]
م: (ومن خنق رجلاً حتى قتله فالدية على عاقلته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: لأنه يوجب القصاص بالمثقل، أشار إليه بقوله م: (وهي مسألة
القتل بالمثقل، وسنبين في باب الديات إن شاء الله تعالى) ش:.
م: (وإن خنق) ش: أي بمصر خنقه، ومصدره الخنق بكسر النون، ولا يقال بالسكون،
كذا من الفار إلى م: (في المصر غير مرة) ش: قال الأترازي: خنق بالتشديد
سماعاً وتخفيفاً، لأن التفعيل للشر.
قلت: التكثير استفيد من قوله غير مرة، فلا حاجة إلى التشديد م: (قتل به) ش:
أي بسبب الخنق م: (لأنه صار ساعياً في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل) ش:
وفي " الكافي " ثقيل سماعه من، لأنه ذو فتنة.
وفي " المحيط ": عشرون، قوله من الطريق وأخذن المال قتلن وضمن المال وبه
قالت الثلاثة، ولو كانت فيهم امرأة قتلت وأخذت ولم يقتل الرجال ويقتل
الرجال دون المرأة عند أبي حنيفة، وعند الثلاثة تقتل المرأة أيضاً، وعند
محمد يسقط الحد عن الرجال أيضاً، خرج قاطعاً للطريق على أن يسلب أموال
الناس فاستقبله الناس فقتلوه لا شيء عليهم، ولو قدم رجل من القطاع إلى موضع
لا يقدمه على قطع الطريق ثم قتلوه كانت الدية عليهم م: (والله أعلم) .
(7/93)
|