البناية شرح الهداية

باب الغنائم وقسمتها
وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهرا، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسواد العراق بموافقة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الغنائم وقسمتها]
م: (باب الغنائم وقسمتها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الغنائم: وهي جمع غنيمة، والغنيمة اسم لمال مأخوذ من الكفرة بالقهر والغلبة والحرب قائمة. والفيء: اسم المال يؤخذ منهم بغير قتال كالخراج والجزية ويخمس الغنيمة وأربعة أخماسه للغانمين، والفيء لا يخمس، بل هو لكافة المسلمين، والعقل: ما يخص الإمام الغازي زيادة على سهمه.

[إذا فتح الإمام بلدة عنوة كيف يقسمها]
م: (وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهراً، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين) ش: أي فهذا ليس بتفسير للعنوة لغة، لأن عنا يعنو بمعنى ذل وخضع، وهو لازم، وقهر متعد، بل يكون هو تفسيره من طريق شعور الذهن، لأن من الذلة يلزم القهر، أو أن الفتح بالمذلة ملتزم للقهر. قوله قسمة أي قسم البلدة بتأويل البلد، وإلا كان ينبغي أن يقال قسمها م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر) ش: أخرجه أبو داود في مسنده عن يحيى بن زكريا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن بشار عن سهل بن خيثمة قال: «قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر نصفاً لنوائبه ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً» .
م: (وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسواد العراق) ش: أخرج ابن سعد في " الطبقات " بإسناده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه بعث عثمان بن حنيف على خراج السواد ... الحديث، وفيه أنه أفرض الخراج على كل حربي، إلى أن قال: وأفرض على رقابهم على الموسر ثمانية وأربعين درهماً، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهماً، وعلى من لم يجد شيئاً اثني عشر درهماً
الحديث.
ورواه ابن زنجويه في كتاب " الأموال " كذلك، وسمي سواد العرق لخضرة أشجاره وزروعه. حده طولاً من مدينة الموصل إلى عبادان، وعرضاً من العذيب إلى حلوان، وهو الذي على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أطول من العراق وثلاثين فرسخاً.
م: (بموافقة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: ما خالفه في ذلك إلا بلال وأصحابه.

(7/130)


ولم يحمد من خالفه، وفي كل من ذلك قدوة فيتخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط " من صحابة سلمان، وأبا بردة فقالوا: اقسم بيننا، فإن الغنيمة حقنا، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: ما فعلت هو الحق، ولم يدركوا الحكمة فيما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتمسكوا بالظاهر فيما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، ولم يكن فعله ذلك بأهل خيبر بطريق الحتم، إذ لو كان بطريق الحتم لما خالفه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر، ولما لم يرجع بلال وأصحابه عما قالوا ولم يتركوا المنازعة مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعا عمر عليهم.
وقال القاضي أبو زيد: روي أن عمر قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فحال الحول وما فيهم عين تطرف ماتوا كلهم. وقال تاج الشريعة: فدعا عليهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على المنبر وقال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فماتوا جميعاً قبل تمام السنة، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله م: (ولم يحمد من خالفه) ش: أي من خالف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وفي كل من ذلك قدوة) ش: أي من القسمة بين الغانمين وإقرار أهلها قدوة، أي اتباع لما فعله عمر ومن وافقه من الصحابة، فإذا كان كذلك م: (فيتخير) ش: الإمام بين القسمة وإقرار أهلها عليها. ولقائل أن يقول: لا نسلم أن أحداً من الصحابة بل أكثرهم يصير قدوة على خلاف ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا لم يصل إلى حد الإجماع. والجواب عنه من وجهين، أحدهما أن فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يصل إلى حد الإجماع يعلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على أي جهة فعله يحمل على أدنى منازل فعاله وهي الإباحة، وحينئذ لا يستوجب لا محالة، فإذا ظهر دليل صحابي جاز أن يعمل بخلافه.
قلت: فيه تأمل. والآخر أن يقال فيه: إن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد علم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما فعله بأهل خيبر لم يكن على وجه الحتم، كما ذكرناه الآن.
الوجه الثاني: أنه على تقدير أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك وجوباً، فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ما فعل مستنبطاً من قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بعد قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] (الحشر: الآية 7) .
فيكون ثابتاً بإشارة النص وهي تفيد القطع، فيكون الواجب أحدهما يتعين بفعل الإمام كالواجب المخير في خصال الكفارة فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدهما وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآخر، هذا الذي ذكره الأكمل.
وقال صاحب " النهاية ": روي [أن] عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استشار الصحابة مراراً ثم

(7/131)


وقيل: الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين، والثاني عند عدم الحاجة؛ ليكون عدة في الزمان الثاني، وهذا في العقار، وأما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم؛ لأنه لم يرد به الشرع فيه،
وفي العقار خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم، فلا يجوز من غير بدل يعادله، والخراج غير معادل لقلته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جمعهم فقال: أما إني تلوت آية من كتاب الله استغنيت بها عنكم، ثم تلا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9] وهكذا قرأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ثم قال: أرى لمن بعدكم في هذا الفيء نصيباً ولو قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم نصيب.
قسمها عليهم وجعل الجزية على رؤوسهم والخراج على أراضيهم ليكون لهم ولمن يأتي من بعدهم من المسلمين، ولم يخالفه على ذلك إلا نفر منهم بلال، ولم يحمدوا على خلافه.
م: (وقيل) ش: في التوفيق بينهما م: (الأولى) ش: أي القسمة كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وهو الأول عند حاجة الغانمين) ش: أي عند احتياجهم إليها، وفي بعض النسخ: وقيل: الأول هو الأولى.
م: (والثاني) ش: أي إقرار أهل البلد عليه بالمن، ووضع الجزية والخراج، كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (عند عدم الحاجة) ش: أي حاجة الغانمين إليها م: (ليكون عدة في الزمان الثاني) ش: أي في الذي يأتي بعدهم م: (وهذا) ش: أي إقرار أهل البلد على بلدهم بالمن م: (في العقار، أما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه) ش: بأن يدفع إليهم مجاناً ويقسم به عليهم، وإنما قيد المنقول بالمجرد لأنه يجوز المن عليهم في المنقول بطريق التبعية بالعقار على ما يأتي عن قريب.

م: (وفي العقار خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده لا يجوز إقرار أهل البلد على بلدتهم بالمن في العقار، بل يقسم الأرض أيضاً ولا يتركها في أيديهم، وبه قال أحمد، وعن مالك يقسمها، وعنه كقولنا: م: (لأن في المن إبطال حق الغانمين) ش: أي عندنا لأنه لا يثبت الملك قبل الإحراز بدار الإسلام م: (أو ملكهم) ش: أي أو إبطال ملكهم عند الشافعي، لأن الغنيمة تملك عنده قبل الإحراز بالدار م: (فلا يجوز) ش: أي المن م: (من غير بدل يعادله) ش: أي يعادل حق الغانمين فإن قيل الخراج معادله.
أجاب بقوله: م: (والخراج غير معادل) ش: أي يعادل حق الغانمين، فإن قيل: الخراج يعادله، أجاب بقوله: والخراج غير معادل م: (لقلته) ش: فإن قيل: فالحق إذ الملك ثبت في رقابهم أيضاً وجاز أن يقسمها.

(7/132)


بخلاف الرقاب، لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتل والحجة عليه ما رويناه، ولأن فيه نظرا لهم لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة، مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد، والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا لدوامه. وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأجاب بقوله: م: (بخلاف الرقاب) ش: يعني أن حقهم لم يتعلق بها م: (لأن للإمام أن يبطل حقهم رأساً) ش: يعني بالكلية م: (بالقتل) ش: فكذا له أن يبطل بالخلف وهو الجزية، وهذا لأنها خلقت في الأصل حراً، والملك يثبت معارضاً، فالإمام إذا استرقهم فقد بدل حكم الأصل، فإذا جعلهم أحراراً فقد بقي حكم الأصل فكان جائزاً.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه) ش: أي من فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بموافقة الصحابة م: (ولأن فيه) ش: أي في إقرار أهله عليه م: (نظراً لهم) ش: أي للمسلمين م: (لأنهم) ش: أي لأن الكفار يكونون م: (كالأكرة) ش: بفتح الهمزة والكاف والراء، أي كالمزارعين م: (العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة) ش: حاصل الكلام أن تصرف الإمام وقع على وجه النظر في إقرار أهلها عليها، لأنه لو قسمها بين الغانمين اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد.
وكان يكره العدو، وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضاً، فإذا تركها في أيديهم وهم عارفون بالعمل صاروا كالأكرة المزارعين للمسلمين القائمة بوجوه الزراعة م: (والمؤن) ش: أي مؤن الزراعة م: (مرتفعة) ش: عن الإمام وعن المسلمين م: (مع أنه يحظى) ش: بالظاء المعجمة م: (به الذين يأتون من بعد) ش: قال شيخنا: هذا إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] .
م: (والخراج وإن قل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، والخراج غير معادل لعلته، تقدير الجواب أن الخراج وإن قل م: (حالاً) ش: لكونه بعض ما يمكن أن يخرج في سنته م: (فقد جل) ش: بالجيم م: (مآلاً) ش: أي في المستقبل م: (لدوامه) ش: في وجوبه كل سنة.
م: (وإن من) ش: أي الإمام م: (عليهم) ش: أي على الكفار م: (بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل) ش: لأنهم لا يتمكنون من الانتفاع بالأراضي إلا بأسباب الزراعة، فلا بد من أن يدع لهم ما به يتقوون على ذلك م: (ليخرج عن حد الكراهة) ش: معناه ما قال الإمام التمرتاشي فإن من عليهم برقابهم وأراضيهم وقسم النساء والذراري وسائر الأموال جاز.
ولكن يكره لأنهم لا ينتفعون بالأراضي بدون الأموال ولا يقالهم بدون ما يمكن به مرجئة العمر إلا أن يدع لهم ما يمكنهم به العمل في الأرض، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يفعل ذلك

(7/133)


قال: وهو في الأسارى بالخيار، إن شاء قتلهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد قتل، ولأن فيه حسم مادة الفساد، وإن شاء استرقهم، لأن فيه دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين لما بينا. إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين إن شاء الله تعالى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو الإمام في هذا الكتاب وفيه تعذيب الحيوان بلا فائدة.
م: (قال) ش: أي الإمام، وفي بعض النسخ: قال القدوري: م: (وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتلهم، أخرج البخاري ومسلم عن الزهري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله من جعل متعلقاً بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه» زاد البخاري: وقال مالك: «ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما نرى والله أعلم يومئذ محرماً» . وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قد قتل) ش: يوم بدر ثلاثة من قريش صبراً» : مطعم بن عدي، والنفس بن عدي وهو غلط، وإنما هو طعمة بن عدي وهو أخو مطعم، وأهل المغازي ينكرون قتل مطعم بن عدي يومئذ ويقولون مات بمكة قبل بدر، والذي قتل يوم بدر هو أخوه طعمة ولم يقتل صبراً وإنما قتل في المعركة، والله أعلم.
م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الأسارى م: (حسم مادة الفساد) ش: أي قطع مادته م: (وإن شاء) ش: أي الإمام م: (استرقهم لأن فيه) ش: أي في استرقاقهم م: (دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحراراً ذمة للمسلمين لما بينا) ش: أي فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فإن قيل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ينافي ترك قتلهم، فلا يجوز.
أجيب: بأنه ترك العمل به في حق أهل الذمة والمستأمن، هكذا في المتنازع فيه بفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال الأترازي: وأما جعلهم أهل ذمة على الجزية، توضع الجزية والخراج، فلما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل كذلك بأرض السواد. وهو معنى قوله لما بينا، لكن هذا الحكم في غير المشركين من العرب وغير المرتدين لأنه لا يجوز استرقاقهم، ولا وضع الجزية ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأشار إليه المصنف بقوله: م: (إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين) ش: أي في باب الجزية م: (إن شاء الله تعالى) .

(7/134)


ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب، لأن فيه تقويتهم على المسلمين، فإن أسلموا لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه، وله أن يسترقهم توفيرا للمنفعة بعد انعقاد سبب الملك، بخلاف إسلامهم قبل الأخذ، لأنه لم ينعقد السبب بعد. ولا يفادى بالأسارى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يفادى بهم أسارى المسلمين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به، وله أن فيه معونة للكفرة لأنه يعود حربا علينا، ودفع شره وشر حرابه خير من استنقاذ الأسير المسلم، لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء من الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[إذا أسلم الأسارى بعد الأسر]
م: (ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب لأن فيه تقويتهم على المسلمين، فإن أسلموا) ش: أي فإن أسلم الأسارى بعد الأسر م: (لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه) ش: أي بدون القتل، لأن الغرض من قتلهم دفع شرهم وقد حصل ذلك بالإسلام بدون القتل، فلا حاجة إليه، لكن يجوز استرقاقهم وهو معنى قوله: م: (وله) ش: أي للإمام م: (أن يسترقهم توفيراً للمنفعة) ش: للمسلمين م: (بعد انعقاد سبب الملك) ش: وهو أخذهم وهم كفار م: (بخلاف إسلامهم قبل الأخذ) ش: حيث لا يجوز استرقاقهم م: (لأنه لم ينعقد السبب بعد) ش: أي سبب الملك وهو الاستيلاء الأخذ بعد الإسلام. م: (ولا يفادى بالأسارى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: المفاداة تكون بين اثنين، لأنه من باب المفاعلة، يقال: فاداه: إذا أطلقه وأخذ فديته، كذا قال المطرزي، وقيد الأسير استنقاذه بنفس أو مال، والفدية اسم ذلك المال، وجمعها فدى، وفديات، وعن المبرد المفاداة: أن يدفع رجلاً ويأخذ رجلاً، والفداء أن يشتريه، وقيل هما بمعنى.
وقال ابن الأثير: الفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر: فكاك الأسير، يقال: فداه يفديه فداء وفدى، وفاداه يفاديه مفاداة: إذا أعطى فداءه وأنقذه، وفاداه بنفسه وفداه: إذا قال له: جعلت فداك، وقيل: المفاداة أن يفتدى الأسير بأسير مثله، علم أن أخذ الفدية بمقابلة إطلاق أسارى المشركين لا يجوز عند أبي حنيفة وهو المشهور عنه.
م: (وقالا: يفادى بهم) ش: أي الأسارى التي في أيدينا م: (أسارى المسلمين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول مالك وأحمد إلا بالنساء، فإنه لا يجوز المفاداة بالنساء عندهم، ومنع أحمد المفاداة بصبيانهم م: (لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به) ش: أي أولى من قتل الكافر الأسير في أيدينا والانتفاع بالكفرة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن فيه) ش: أي في فداء أسارى المسلمين م: (معونة للكفرة) ش: وفي بعض النسخ تقوية م: (لأنه) ش: أي الأسير الذي يدفع إليهم م: (يعود حرباً علينا ودفع شره وشر حرابه خير من استنقاذ الأسير المسلم، لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء من الله

(7/135)


تعالى في حقه غير مضاف إلينا، والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضافة إلينا
أما المفاداة بمال يؤخذ منهم لا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا، وفي " السير الكبير " أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة، استدلالا بأسارى بدر،
ولو كان أسلم أسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامه. قال: ولا يجوز المن عليهم، أي على الأسارى خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعالى في حقه) ش: حال كونه م: (غير مضاف إلينا) ش: أي إلى فعلنا م: (والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضافة إلينا) ش: بطريق التسبب فلا يجوز.
فإن قلت: حديث الطحاوي في " شرح الآثار " عن عمران بن حصين «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فادى برجل من العدو رجلين من المسلمين» .
قلت: هو منسوخ بدليل ما أخبر عمران بن حصين في " شرح الآثار " أيضاً، تفسيره «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدى بذلك المأسور بعد أن أقر بالإسلام» وقد نسخ أن يرد أحد من أهل الإسلام إلى الكفار، بقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) .

[مفاداة الأسرى بمال يؤخذ منهم]
م: (أما المفاداة بمال يؤخذ منهم) ش: أي يأخذه الإمام من الكفار م: (لا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا) ش: أي بقوله: إن فيه معونة للكفرة م: (وفي " السير الكبير ") ش: عن محمد م: (أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالاً بأسارى بدر) ش: «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فادى أسارى بدر بالمال والفداء، وكان أربعة آلاف درهم» وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال الأترازي: وهذا الاستدلال عجيب مع نزول الآية بالإنكار على المفاداة.
قلت: وهي قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ} [الأنفال: 68] (الأنفال: الآية 68) ، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو نزل العذاب ما نجي منه إلا عمر» ، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يشير بالقتل.

[إذا أسلم أسير في أيدينا هل يفادى بمسلم أسير في أيديهم]
م: (ولو كان أسلم أسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد) ش: لأنه لا فائدة في تخليص المسلم بالمسلم م: (إلا إذا طابت نفسه به) ش: أي إلا إذا رضي بذلك نفس الأسير المسلم م: (وهو مأمون على إسلامه) ش: لا بخلاف عليه بالردة، وينبغي أن يكون هذا على قوله لأن في المشهور عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها لا يفادى الأسير بالنفس ولا بالمال.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز المن عليهم) ش: هذا قول القدوري، وقوله م: (أي على الأسارى) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمن هو الإنعام عليهم بأن يتركهم مجاناً بدون إجراء الأحكام عليهم من القتل أو الاسترقاق أو تركهم ذمة المسلمين م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد، وقال الشافعي: حكمهم أحد الأمور الأربعة:

(7/136)


فإنه يقول: من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على بعض الأسارى يوم بدر. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (النساء: الآية 66) ، ولأنه بالأسر والقسر ثبت حق الاسترقاق فيه، فلا يجوز إسقاطه بغير منفعة وعوض، وما رواه منسوخ بما تلونا.
وإذا أراد الإمام العود ومعه المواشي فلم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها وحرقها ولا يعقرها ولا يتركها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتركها لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القتل والاسترقاق والفداء بالأسارى أو بالمال أو المن، وعندهما أحد الأمور الثلاثة، ولا يجوز المن، وعند أبي حنيفة أحد الأمرين: القتل أو الاسترقاق، ولا يجوز الفداء أو المن.
م: (فإنه) ش: أي فإن الشافعي م: (يقول: «من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على بعض الأسارى يوم بدر» ش: وروي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من على أبي عزة الجمحي يوم بدر» .
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (النساء: الآية 66) ، ولأنه) ش: أي: ولأن المأسور، كذا قاله الكاكي، والأولى أن يقال ولأن الشأن م: (بالأسر والقسر) ش: أي القهر م: (ثبت حق الاسترقاق فيه) ش: أي في المأسور م: (فلا يجوز إسقاطه) ش: أي إسقاط الحق م: (بغير منفعة وعوض) ش: كسائر الأموال المقسومة، ولأن في ذلك تقوية لهم على المسلمين فلا يجوز كرد السلاح إليهم.
م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (منسوخ بما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لأنه متأخر نزل بعد ذلك، لأن سورة براءة آخر ما نزلت وقد تضمنت وجوب القتل على كل حال بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فكان ناسخاً لما تقدم كله.
ولقائل أن يقول قد أجمعوا على أنه مخصوص خص منه الذمي والمستأمن فجاز أن يخص منه الأسير قياساً عليهم، أو لحديث أبي عزة أو غيرهما، والجواب أن قياس الأسير على الذمي فاسد لوجود الذمة فيه دون الأسير، وهي المناط، وكذا المستأمن لعدم استحقاق رقبته، وحديث أبي عزة متقدم على الأئمة وغيرها غير موجود أو غير معلوم فلا يصح التخصيص بشيء من ذلك.

[أراد الإمام العود إلى دار الإسلام ومعه المواشي]
م: (وإذا أراد الإمام العود) ش: أي إلى دار الإسلام م: (ومعه المواشي) ش: جمع ماشية وهي الإبل والبقر والغنم م: (فلم يقدر على نقلها) ش: أي على نقل الماشية م: (إلى دار الإسلام ذبحها وحرقها ولا يعقرها ولا يتركها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتركها) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: يجوز عقرها لا حرقها م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة» ش: هذا غريب.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن فضل عن يحيى بن سعيد قال: «حدث أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعث جيوشاً..... الحديث، وفيه: لا يعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة» .

(7/137)


ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء، ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان، بخلاف التحريق قبل الذبح لأنه منهي عنه، وبخلاف العقر لأنه مثلة، وتحرق الأسلحة أيضا وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم.
ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بذلك، وأصله أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده يثبت، ويبنى على هذا الأصل عدة من المسائل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بفتح الكاف وضمها مصدر الأكل.

[ذبح الحيوان لكسر شوكة الأعداء]
م: (ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء) ش: وإلحاق الغيظ فتذبح م: (ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان) ش: والجامع قطع المنفعة عنهم م: (بخلاف التحريق قبل الذبح) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه منهي عنه) ش: أي لأن الحرق بالنار منهي عنه.
وفيه أحاديث منها ما رواه البخاري عن سليمان بن يسار «عن أبي هريرة: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعث فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما "، فلما خرجنا دعانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاقتلوهما ولا تحرقوهما، فإنه لا يعذب بها إلا الله» وأخرجه الترمذي في " سننه "، «وسمى الرجلين فقال فيه: إن وجدتم هبار بن الأسود، ونافع بن عبد القيس» .
م: (وبخلاف العقر) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه مثلة) ش: وهو حرام م: (وتحرق الأسلحة أيضاً) ش: لقطع قوتهم، هذا إذا كان الإمام لا يقطع من إخراجها إلى دار الإسلام، وكانت مما يحرق بالنار م: (وما لا يحترق منها) ش: بأن كان من الحديد م: (يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم) ش: لأن قطع قوتهم بهذا السلاح يكون بالدفن.

[قسمة الغنائم في دار الحرب]
م: (ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بذلك) ش: أي بالقسم في دار الحرب بعدما انهزم المشركون، وبه قال أحمد، وقال مالك: يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ويؤخر قسمة السبي إلى دار الإسلام م: (وأصله) ش: أي أصل الخلاف م: (أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (يثبت ويبتنى على هذا الأصل عدة من المسائل) ش: منها أن أحداً من الغانمين إذا وطئ أمة من السبي فولدت فادعاه ثبت نسبه عنده وصارت الأمة أمة ولد.
وعندنا لا يثبت النسب لعدم الملك، ويجب العقر ويقسم الأمة والولد والعقر بين الغانمين، ومنها، البيع لو باع الإمام أو واحد من الغزاة شيئاً من الغنيمة لا يجوز عندنا خلافاً لهم، ومنها الإرث، إذا مات أحد الغزاة بدار الحرب لا يورث منه عندنا خلافاً لهم.

(7/138)


ذكرناها في كفاية المنتهى، له أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد، ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد، وقد تحقق. ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب، والخلاف ثابت فيه، والقسمة بيع معنى فتدخل تحته، ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة، والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها لو لحق المدد قبل القسمة لا يشاركه عندهم ويشارك عندنا، ومنها لو أتلف واحد شيئاً من المغنم قبل الإحراز، لا يضمن عندنا، خلافاً لهم م: (ذكرناها في كفاية) ش: بتوفيق الله، أراد بالكفاية كفاية م: (المنتهى) ش: وهو كتاب معدوم لم يقع في ديار العراق والشام ومصر.
م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد) ش: والاحتطاب م: (ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد وقد تحقق) ش: أي الاستيلاء.
م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب» ش: هذا غريب ليس له أصل م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي م: (ثابت فيه) ش: أي في البيع، فمن حرم البيع القسمة م: (والقسمة بيع معنى) ش: أي من حيث المعنى لاشتمالها على الأفراد والمبادلة لا محالة: (فتدخل تحته) ش: أي فتدخل القسمة تحت البيع، فكما لا يجوز البيع لا تجوز القسمة.
م: (ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة) ش: وهي اليد التي يثبت بها حفظ العين م: (والناقلة) ش: أي وإثبات اليد الناقلة، وهي التي تنقل العين من شخص إلى شخص، قاله الأترازي، وقال الكاكي: والناقلة بأن ينقله كيف شاء يتصرف فيه، وقيل: الناقلة بالإحراز الناقل إلى دار الإسلام.
م: (والثاني) ش: أي إثبات اليد الناقلة م: (منعدم لقدرتهم) ش: أي لقدرة الكفرة م: (على الاستنقاذ) ش: أي الاستخلاص لأنهم قاهرون بالدار معنى لأنها في أيديهم م: (ووجوده) ش: بالجر عطف على قوله: لقدرتهم، أي لوجود الاستنقاذ م: (ظاهراً) ش: لكون الدار في أيديهم، لأن الدار إنما تضاف إلينا أو إليهم باعتبار القوة والاستيلاء، وما بقيت هذه البقعة منسوبة إليهم عرف أن القوة لهم.
ألا ترى أنه يحل للإمام أن يرجع إلى دار الإسلام ويترك هذه البقعة في أيديهم، والقوة على الاسترداد ظاهر، يمنع ثبوت يد المسلمين، بخلاف ما إذا فتحت البلدة، لأنها صارت دار إسلام لفتحها وإجراء الأحكام فيها.
فكان فتح البلدة كالإحراز بدارنا، إليه أشار في " المبسوط " وفي " السير الكبير ": دار الحرب الأرض التي يخاف فيها المسلمون من أرض العدو، ودار الإسلام ما غلب عليها المسلمون

(7/139)


ثم قيل: موضع الخلاف ترتب الأحكام على القسمة إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد، لأن حكم الملك لا يثبت بدونه، وقيل: الكراهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكانوا فيه آمنين.
م: (ثم قيل موضع الخلاف) ش: قال الأكمل: أي أن موضع الخلاف فيما إذا صدرت القسمة من الإمام بدون الاجتهاد، هل ثبت الملك لمن وقعت القسمة في نصيبه، من الأكل والوطء وسائر الانتفاع أو لا، فعنده يثبت، وعندنا لا يثبت، وقال الأترازي: قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، يعني اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب.
قال بعض المشائخ: المراد عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة كامتياز الملك عن ملك الغير أو مبادلة الملك بملكه على وجه يظهر أثره في حق الوطء ونفاذاً كالبيع والهبة وغير ذلك، وقال بعضهم: المراد منه الكراهة بدونه، أي بدون الملك، انتهى.
قلت: تفسير الأكمل يشعر بأن مضي قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، أي الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي، وتفسير الأترازي يشعر بأن المراد من موضع الخلاف اختلاف المشائخ للنظر عن خلاف الشافعي، والذي قاله الأكمل أوجه على ما لا يخفى لأنه لا خلاف بيننا وبينه فيما إذا قسم الإمام عن اجتهاد أنه يجوز.
والخلاف فيما إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد كما صرح به المصنف بقوله م: (ترتب الأحكام على القسمة) ش: ارتفاع ترتب الأحكام على أنه خبر لقوله مع منع الخلاف، وأراد بالأحكام أحكام الملك، وهي سائر الانتفاعات بالملك م: (إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد) ش: قيد به لأنه إذا قسمها عن اجتهاد، جاز بالاتفاق، وإنما قيد بهذا ليظهر موضع الخلاف.
م: (لأن حكم الملك لا يثبت بدونه) ش: أي بدون الملك، معناه أن ترتب هذه الأحكام دليل ثبوت الملك المستلزم لجواز القسمة وقصده مترتبة بهذه القسمة الصادرة لا عن اجتهاد، فيلزم منه ثبوت الملك، وعندنا ليست بمترتبة، فدل على أن الملك لم يكن ثابتاً.
وهذا لأن الملك عليه لترتب الأحكام، وقد وجد المعلول فيلزم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول، وعندنا لم يوجد المعلول فيلزم منه عدم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول.
م: (وقيل الكراهة) ش: أي قيل: حكم قسم الغنائم في دار الحرب على مذهبنا الكراهة، لا عدم الجواز، لما أن القسمة من قطع شركة المراد فنقل بها عقبهم في اللحوق بالجيش، ولأنه إذا قسم تفرقوا، فربما يكون العدو على بعضهم، وهذا أمر وراء ما يتم به القسمة، فلا يمنع جوازها.

(7/140)


وهي كراهة تنزيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز القسمة في دار الحرب. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأفضل أن يقسم في دار الإسلام. وجه الكراهة أن دليل البطلان راجح، إلا أنه تقاعد عن سلب الجواز، فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة. قال: والردء والمقاتل في العسكر سواء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم أشار المصنف إلى الخلاف في الكراهة، هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم، فقال: م: (وهي كراهة تنزيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال) ش: فإن محمداً قال في " السير الكبير " م: (على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز القسمة في دار الحرب، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأفضل أن يقسم في دار الإسلام) ش: وفيه نظر لأن هذا يشير إلى أن قول محمد على خلاف قول أبي حنيفة في القسمة في دار الحرب وليس بمشهور، فإنه لا خلاف بينهم في ظاهر الرواية من أصحابنا.
وفي غير ظاهر الرواية الأفضلية منقولة عن أبي يوسف، وأيضاً قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، يدل على خلاف ما يدل عليه قوله وقيل الكراهة.
وفي الجملة هذا الموضع لا يخلو من تسامح، المخلص عنه أنهم اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب، فقال بعض المشايخ: المراد به عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة، وقال بعضهم: المراد به الكراهة، وعلى قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، إنما يصح على قول الأولين فافهم.
م: (وجه الكراهة أن دليل البطلان) ش: أي دليل بطلان القسمة م: (راجح) ش: على دليل جوازها لعدم تمام الاستيلاء م: (إلا أنه) ش: أي أنه دليل البطلان م: (تقاعد عن سلب الجواز) ش: إذ القسمة تجوز بالإجماع، أما عنده فظاهر، وأما عندنا إذا كانت عن اجتهاد، نظيره قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " الهرة سبع "، فإنه لما تقاعد عن سلب الطهارة قلنا بعدم الكراهة، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة ليست نجسة» قلنا بالكراهة ثمة.
كذا هنا م: (فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة) ش: لأنه لما ثبت نفي الجواز بالاتفاق يثبت الكراهة - بمذكر هنا - فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة، لأن الدليل المرجوح لما لم يبطل أصلاً حصل من معارضة الراجح والمرجوح احتاج القراءة إلى الانتفاع بالمتاع والثياب والدواب قسمها بينهم في دار الحرب لتتحقق الحاجة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والردء) ش: بكسر الراء وسكون الدال المهملة، وفي آخره همزة، وهو العون، رداه: أعانه، والراء بالفتح مصدر، والردء مرفوع بالابتداء، وقوله م: (والمقاتل) ش: عطف عليه، وقوله م: (في العسكر) ش: ظرف الاثنتين، وقوله م: (سواء) ش:

(7/141)


لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة، أو شهود الواقعة على ما عرف، وكذلك إذا لم يقاتل لمرض أو لغيره لما ذكرنا،
وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد انقضاء القتال، وهو بناء على ما مهدنا من الأصل. وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز، أو بقسمة الإمام في دار الحرب أو ببيعه الغنائم فيها. لأن بكل واحد منها يتم الملك فينقطع حق شركة المدد. قال: ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالرفع خبر المبتدأ، والقياس أن يقال: سواءان، ولكن جاء في الاستعمال بالإفراد أيضاً.
قال الجوهري: وهما في هذا الأمر سواء، وإن شئت سواءان وهم سواء للجميع هم أسواء هم سواسية، أي أثبتاه مثل ثمانية قياسها م: (لاستوائهم في السبب) ش: أي سبب الاستحقاق م: (وهو المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب بنية القتال عندنا م: (أو بشهود الواقعة) ش: عند الشافعي، والواقعة صدمة الحرب، كذا في مجمل اللغة، م: (على ما عرف) ش: أي في طريق الخلاف.
م: (وكذلك) ش: أي وكذلك مستوٍ مع المقاتل في الحرب م: (إذا لم يقاتل) ش: أحد منهم م: (لمرض) ش: أي لأجل كونه مريضاً م: (أو لغيره) ش: أي أو غير المريض بأن بعثه الإمام إلى حاجة ولم يحضر الواقعة م: (لما ذكرنا) ش: من الاستواء في السبب.

[مشاركة المدد العسكر في الغنيمة]
م: (وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها) ش: أي شارك المدد العسكر في الغنيمة، وإنما أسند الفعل إلى ضمير الجماعة لأن المدد يقع على الجماعة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد انقضاء القتال) ش: فعنده إذا لحقوا بعد مضي الحرب وجمع الغنائم لم يشركوهم، وإذا لحقوا بعد مضي الحرب، وقبل إحراز الغنائم ففيه قولان.
م: (وهو) ش: أي المذكور من الخلاف م: (بناء على ما مهدنا من الأصل) ش: أن سبب ملك الغانمين تمام القهر، وذلك بالإحراز بدار الإسلام عندنا وعنده بتمام الانهزام.
م: (وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز) ش: بدار الإسلام م: (أو بقسمة الإمام في دار الحرب) ش: قيل إلحاق المدد م: (أو ببيعه الغنائم فيها) ش: أي أو بيع الإمام الغنيمة في دار الحرب قبل إلحاق المدد م: (لأن بكل واحد منها) ش: أي ملك واحد من هذه الأشياء الثلاثة م: (يتم الملك) ش: أي ملك الغزاة م: (فينقطع حق شركة المدد) ش: فلا يستحقون شيئاً.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا) ش: أي ولا رضخ، وبه صرح في " المبسوط "، فإذا قاتلوا استحقوا السهم، وبه قال مالك وأحمد

(7/142)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: يسهم لهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الغنيمة لمن شهد الوقعة، ولأنه وجد الجهاد معنى بتكثير السواد. ولنا أنه لم توجد المجاوزة على قصد القتال فانعدم السبب الظاهر، فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال، فيفيد الاستحقاق على حسب حاله، فارسا أو راجلا عند القتال، وما رواه موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتأويله أن يشهدها على قصد القتال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشافعي في قول، وقال أشهب المالكي: لا يستحق أحد منهم شيئاً وإن قاتل؛ لعدم قصده الجهاد.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: يسهم لهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» ش: الصحيح أن هذا ليس بحديث مرفوع، وإنما هو موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه مطولاً، حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب «أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ... الحديث.
وفيه: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة» ورواه الطبراني في " معجمه " والبيهقي في " سننه " وقال: هو صحيح من قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ولأنه وجد الجهاد معنى بتكثير السواد) ش: أي سواد العسكر.
م: (ولنا أنه لم توجد المجاوزة) ش: أي عن الدرب م: (على قصد القتال) ش: لأن قصدهم التجارة لا إعزاز الدين ولا إرهاب العدو م: (فانعدم السبب الظاهر) ش: وهو مجاوزة الدرب بنية القتال، كما هو مذهبنا، أو شهود الواقعة بنية القتال كما هو مذهب الشافعي، وإذا كان كذلك م: (فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال فيفيد الاستحقاق) ش: أي يفيد القتال استحقاق السهم م: (على حسب حاله) ش: أي حال السوق حالة كونه م: (فارساً أو راجلاً عند القتال) ش: إن قاتل فارساً فله سهم الفرسان، وإن قاتل راجلاً فله سهم الرجالة.
م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكرناه، فإذا كان موقوفاً عليه يكون كلام الصحابي وقول الصحابي ليس بحجة عنده، فكيف يحتج بما ليس بحجة عنده علينا.
م: (وتأويله) ش: أي وتأويل هذا الذي احتج به الشافعي إن صح م: (أن يشهدها على قصد القتال) ش: أي لم يشهد الوقعة على نية القتال.

(7/143)


فإن لم يكن للإمام حمولة يحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملوها إلى دار الإسلام، ثم يرتجعها منهم فيقسمها. قال العبد الضعيف: هكذا ذكر في المختصر ولم يشترط رضاهم، وهو رواية " السير الكبير "، والجملة في هذا أن الإمام إذا وجد في المغنم حمولة يحمل الغنائم عليها، لأن الحمولة والمحمول مالهم، وكذا إذا كان في بيت المال فضل حمولة، لأنه مال المسلمين، ولو كان للغانمين أو لبعضهم لا يجبرهم في رواية السير الصغير، لأنه ابتداء إجارة، وصار كما إذا نفقت دابة في مفازة ومع رفيقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن لم يكن للإمام حمولة) ش: بفتح الحاء يحمل عليها من بعير أو فرس أو بغل أو حمار م: (يحمل عليها) ش: أي على حمولة م: (الغنائم) ش: جمع غنيمة م: (قسمها) ش: أي الغنائم م: (بين الغانمين قسمة إيداع) ش: أي على وجه الوديعة لا قسمة تمليك م: (ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم) ش: أي من الغانمين م: (فيقسمها) ش: بينهم بعد ذلك.
م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكر في المختصر) ش: أي هكذا ذكر القدوري في مختصره حيث قال: وإن لم يكن للإمام حمولة ... إلى آخر ما ذكرنا من كلام المصنف م: (ولم يشترط) ش: أي القدوري م: (رضاهم) ش: أي رضاء الغانمين، بل ذكره مطلقاً م: (وهو) ش: أي القدوري، ذكره مطلقاً م: (رواية " السير الكبير ") ش: حيث قال فيه: يكرههم على ذلك، لكن إجارة.
وهي رواية القدوري في مختصره لأنه فيه دفع الضرر العام بالخاص، ولأن منفعته عائدة إليهم فله أن يفعل ذلك لحقهم، فصار كمأكول، فصار إلى تأول طعام الغير حيث يتناولها بالغنيمة.
م: (والجملة في هذا) ش: أي جملة الكلام في هذا الموضع م: (أن الإمام إذا وجد في المغنم حمولة يحمل الغنائم عليها، لأن الحمولة والمحمول مالهم) ش: من نظر حمل مالهم على مالهم م: (وكذا) ش: أي حكم م: (إذا كان في بيت المال فضل حمولة، لأنه) ش: أي لأن بيت المال م: (مال المسلمين) ش: فتحمل مالهم بمالهم. م: (ولو كان) ش: أي ما يحمل عليه م: (للغانمين أو لبعضهم لا يجبرهم في رواية " السير الصغير ") ش: لا يكرههم عليه لعدم حل الانتفاع بمال الغير إلا بطيبة من نفسه، فيكون هذا جبراً على الإجارة ابتداء وهو معنى قوله م: (لأنه ابتداء إجارة) ش: فلا يجوز قوله: ابتداء إجارة، احترازاً عن إجارة في حالة البقاء حيث تجوز الحرمة باتفاق الروايات، كمن استأجر سفينة شهراً فمضت المدة وسط البحر، فإنه ينعقد عليها إجارة أخرى بغير رضى المالك بأجر المثل، ذكره في " المحيط ".
م: (وصار كما إذا نفقت دابة) ش: أي كما إذا هلكت دابة إنسان م: (في مفازة ومع رفيقه

(7/144)


فضل حمولة ويجبرهم في رواية السير الكبير، لأنه دفع الضرر العام بتحصيل ضرر خاص.
ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب؛ لأنه لا ملك قبلها، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد بينا الأصل.
ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة. ومن مات منهم بعد إخراجها إلى دار الإسلام فنصيبه لورثته، لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز وإنما الملك بعده، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من مات منهم بعد استقرار الهزيمة يورث نصيبه لقيام الملك فيه عنده وقد بيناه. قال: ولا بأس بأن يعلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فضل حمولة) ش: حيث لا يجبر على الحمل بأجر المثل بلا رضاه، فكذا هذا، م: (ويجبرهم) ش: أي الإمام م: (في رواية السير الكبير، لأنه دفع الضرر العام بتحصيل ضرر خاص) ش: أي لأن الإجبار على الإجارة دفع الضرر العام بتحصيل الضرر الخاص آلة السفينة في وسط البحر، والدابة في وسط المفازة عند مضي مدة الإجارة أو مات صاحب الدابة أو السفينة، فلأنه تبقى الإجارة والأجر من الغنيمة.

[بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب]
م: (ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب؛ لأنه لا ملك قبلها) ش: أي قبل القسمة، ومع هذا إذا باع الإمام صح، لأنه مجتهد فيه، ذكره في شرح الطحاوي، فعلم بهذا أن المراد بقوله: لا يجوز بيع الغنائم، الكراهة لا نفي ترتب الأحكام، والكراهة أيضاً فيما إذا باع لا لحاجة الغزاة.
وإذا باع لدفع حاجتهم فينبغي أن لا تكره، لأن مال أهل الحرب مباح، وبالضرورة يستباح المحظور، فلأن يستباح المباح وللكراهة مع الإباحة م: (وفيه) ش: أي وفي بيع الغنائم قبل القسمة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده يجوز، لأن سبب الملك عنده الاستيلاء م: (وقد بينا الأصل) ش: أن الملك للغانمين قبل الإحراز بدار الإسلام لا يثبت عندنا، خلافاً له.

[حق من مات من الغانمين في دار الحرب من الغنيمة]
م: (ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة. ومن مات منهم بعد إخراجها) ش: أي بعد إخراج الغنيمة م: (إلى دار الإسلام، فنصيبه لورثته) ش: لورثة الذي مات من الغانمين م: (لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (وإنما الملك) ش: يثبت م: (بعده) ش: أي بعد الإحراز بدار الإسلام.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من مات منهم بعد استقرار الهزيمة يورث نصيبه لقيام الملك فيه عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقد بيناه) ش: أي في مسألة قسمة الغنيمة في دار الحرب.
م: (قال: ولا بأس بأن يعلف) ش: يقال علف الدابة يعلف علفاً من باب ضرب يضرب: إذا أطعمها العلف، وقال ابن دريد: لا يقال: أعلفها، والدابة معلوفة وعليف، والعلف بفتح اللام

(7/145)


العسكر في دار الحرب ويأكلوا مما وجدوه من الطعام. قال العبد الضعيف: أرسله ولم يقيد بالحاجة. وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في الأخرى. وجه الأولى أنه مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب. وجه الأخرى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في طعام خيبر: «كلوها واعلفوها ولا تحملوها» ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة، وهو كونه في دار الحرب، لأن الغازي لا يستصحب قوت نفسه وعلف ظهره مدة مقامه فيها، والميرة منقطعة، فبقي على أصل الإباحة للحاجة بخلاف السلاح لأنه يستصحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل ما أعلفه الدابة.
والعلف بسكون اللام مصدر كما ذكرناه، وقوله م: (العسكر) ش: بالرفع فاعل يعلف، المفعول محذوف وهو الدابة، ولفظ يعلف يدل عليه، لأن العلف يكون للدابة م: (في دار الحرب ويأكلوا مما وجدوه من الطعام. قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أرسله) ش: أي القدوري يعني أطلقه م: (ولم يقيده بالحاجة وقد شرطها) ش: أي شرط الحاجة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في رواية) ش: وهي رواية " السير الصغير " م: (ولم يشترطها في الأخرى) ش: أي في الرواية الأخرى وهي رواية " السير الكبير "، واختارها الكرخي في مختصره وتبعه القدوري حيث أطلقها.
م: (وجه الأولى) ش: أي وجه الرواية الأولى، وهي رواية " السير الصغير " م: (أنه) ش: أي أن ما وجدوه من العلف والطعام م: (مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب) ش: أي كما لا يباح الاستعمال في الثياب والدواب والسلاح إلا لحاجة.
م: (وجه الأخرى) ش: أي وجه الرواية الأخرى وهي رواية " السير الكبير " م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في طعام خيبر: «كلوها واعلفوها ولا تحملوها» ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة بإسناده عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر: " كلوا واعلفوا ولا تحملوا» .
م: (ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة، وهو كونه في دار الحرب، لأن الغازي لا يستصحب قوت نفسه، وعلف ظهره) ش: أي دابته.
قال في " الفائق ": الظهر: الراحلة، وقال في " المغرب ": لفظ الظهر مستعار للدابة م: (مدة مقامه فيها) ش: أي في دار الحرب م: (والميزة) ش: أي الطعام م: (منقطعة فبقي على أصل الإباحة للحاجة) ش: أي للاحتياج.
م: (بخلاف السلاح) ش: حيث لا يستعمله م: (لأنه) ش: أي لأن الغازي م: (يستصحبه)

(7/146)


فانعدم دليل الحاجة، وقد تمس إليه الحاجة فيعتبر حقيقتها فيستعمله ثم يرده إلى المغنم إذا استغنى عنه، والدابة مثل السلاح والطعام كالخبز واللحم وما يستعمل فيه كالسمن والزيت.
قال: ويستعملوا الحطب. وفي بعض النسخ الطيب ويدهنوا بالدهن ويوقحوا به بالدابة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي مستصحب السلاح م: (فانعدم دليل الحاجة وقد تمس إليه) ش: أي وقد تمس م: (الحاجة) ش: إلى السلاح بأن سقط السيف من يده أو انكسر أو نهب أو نحو ذلك م: (فيعتبر حقيقتها) ش: أي حقيقة الحاجة لا دليل الحاجة م: (فيستعمله) ش: أي فيستعمل السلاح م: (ثم يرده إلى المغنم إذا استغنى عنه) ش: أي عن السلاح م: (والدابة مثل السلاح) ش: أي يعتبر فيها حقيقة الحاجة وهذا إذا اعتبر فيها الركوب.
أما إذا اعتبر فيها الأكل فهي كالطعام، حتى يجوز ذبح الإبل والبقر والغنم للأكل، ذكره في " المحيط " و " الإيضاح " م: (والطعام) ش: أي المراد من الطعام المذكور فيما مضى من قوله: ويأكلوا ما وجدوه من الطعام م: (كالخبز واللحم وما يستعمل فيه) ش: أي في الخبز م: (كالسمن والزيت) ش:.

[تناول شيء من الأدوية والطيب ودهن البنفسج ودهن الخيري قبل القسمة للغنائم]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويستعملوا الحطب) ش: لتعذر نقله من دار الإسلام م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري م: (الطيب) ش: أي ويستعملوا الطيب.
وهذا ليس بصحيح، لأن القدوري نفسه قال في شرح مختصر الكرخي بعدم جواز الانتفاع بالطيب م: (ويدهنوا بالدهن) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري المراد به الدهن المأكول كالزيت، لأنه لما صار مأكولا كان صرفه إلى بدنه كصرفه إلى أكله، وإذا لم يكن مأكولا لا ينتفع به، بل يرده إلى الغنيمة، كذا ذكره القدوري في شرحه.
وفي " المحيط ": لو أصابوا سمسماً أو زيتاً أو دهن سمسم أو فاكهة يابسة أو رطبة أو سكراً أو بصلاً أو غير ذلك من الأشياء التي تؤكل عادة، لا بأس بالتناول منها قبل القسمة، ولا يجوز تناول شيء من الأدوية والطيب ودهن البنفسج ودهن الخيري لأن هذه الأدهان لا تؤكل ولا تستعمل للحاجة الأصلية.
بل يستعمله للزينة وكل ما لا يؤكل ولا يشرب، فلا ينبغي أن ينتفع منه بشيء قل أو كثر، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ردوا الخيط والمخيط» ، وقال فيه وما استهلكه في دار الحرب مما له قيمة أو ليس له قيمة فذلك هدر.
م: (ويوقحوا به الدابة) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري ويوقحوا من التوقيح، وتوقيح الدابة تصليب حافزها بالشحم المذاب إذا حفي، أي رق من كثرة المشي، وفي المجمل السفرقع الحافر، أي أصلب.

(7/147)


لمساس الحاجة إلى جميع ذلك، ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح، كل ذلك بلا قسمة، وتأويله إذا احتاج إليه بأن لم يكن له سلاح وقد بيناه. ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئا ولا يتمولونه؛ لأن البيع يترتب على الملك ولا ملك على ما قدمناه، وإنما هو إباحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الأترازي: وهذا خطأ، كذا في " المغرب " ونسخة الإمام حافظ الدين الكبير - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخط يده بالراء من الترقيح، وهو المنقول عن المصنف، قال: هكذا قرأناه على المشايخ، قال في " الجمهرة " رقح فلان عيشه ترقيحاً: إذا أصلحه.
وقال الكاكي: قال شيخي العلامة صاحب النهاية: ولكن صححه شيخي مولانا حافظ الدين بالراء من الترقيح وهو الإصلاح، وهو أصح لأنه أعم، وقال الأترازي: رأيت في نسخة من نسخ مختصر الكرخي مكتوبة في تاريخ سنة إحدى وأربعمائة بالواو كما قال صاحب المغرب لا بالراء. انتهى.
وكذا رأيت بخط شيخي العلاء أنه بالواو أولى م: (لمساس الحاجة إلى جميع ذلك) ش: أشار به إلى جميع ما ذكره من قوله، والطعام كالخبز، إلى هنا.
م: (ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح) ش: هذا لفظ القدوري معطوف على قوله: بأن يعلق العسكر م: (كل ذلك بلا قسمة) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري؛ أي كل ما قلنا من علف الدابة وأكل طعام الغنيمة واستعمال الحطب والادهان بالدهن.
والقتال بسلاح الغنيمة قبل مسها م: (وتأويله) ش: أي تأويل قول القدوري: ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح م: (إذا احتاج إليه بأن لم يكن له سلاح) ش: وإنما احتاج إلى هذا التأويل لأنه إذا احتاج الغازي إلى استعمال سلاح الغنيمة بسبب صيانة سلاحه لا يجوز م: (وقد بيناه) ش: إشارة إلى قوله بخلاف السلاح لأنه مستصحبه، إلى آخره.
م: (ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئاً) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري، وأشار بذلك إلى ما ذكره من قوله من علف الدواب، وأخذ الطعام للأكل والحطب للاستعمال والدهن بلا ادهان والسلك للقتال م: (ولا يتمولونه) ش: هذا أيضاً قال القدوري من التمول، وهو صيانة ذلك وادخاره إلى وقت الحاجة.
وقال الأترازي: ولا يتمولونه، عطف على قوله: ولا يجوز، لا على قول: أن يبيعه، لأن ذلك عكس الغرض، أي لا يبيعونه ولا يتمولونه، فلو كان عطفاً على أن يبيعوا كان إثبات التمول لأن نفي النفي إثبات م: (لأن البيع يترتب على الملك ولا ملك) ش: أي هنا م: (على ما قدمناه) ش: من قوله: إنه لا ملك قبل الإحرزا م: (وإنما هو إباحة) ش: أي الانتفاع بالأشياء المذكورة إباحة لهم للحاجة وقد زالت الحاجة فلا تبقى الإباحة.

(7/148)


وصار كالمباح له الطعام، وقوله: ولا يتمولونه، إشارة إلى أنهم لا يبيعونه بالذهب والفضة والعروض، لأنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن باعه أحدهم رد الثمن إلى الغنيمة، لأنه بدل عين كانت للجماعة،
وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسمة من غير حاجة للاشتراك، إلا أنه يقسم الإمام بينهم في دار الحرب إذا احتاجوا إلى الثياب والدواب والمتاع، لأن المحرم يستباح للضرورة فالمكروه أولى، وهذا لأن حق المدد محتمل، وحاجة هؤلاء متيقن بها فكان أولى بالرعاية، ولم يذكر القسمة في السلاح، ولا فرق في الحقيقة فإنه إذا احتاج واحد يباح له الانتفاع في الفصلين، وإن احتاج الكل يقسم في الفصلين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وصار) ش: هذا م: (كالمباح له الطعام) ش: يعني كما إذا أباح طعامه بغيره لا يجوز له أن يبيع ويتمول.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (ولا يتمولونه، إشارة إلى أنهم لا يبيعونه بالذهب والفضة والعروض، لأنه لا ضرورة إلى ذلك) ش: أي إلى البيع بشيء من هذه الأشياء، لأنه في معنى التمول، ولا حاجة لهم إلى ذلك م: (فإن باعه أحدهم) ش: أي فإن باع شيئاً من الأشياء التي لا يجوز بيعها أحدهم، أي أحد الغانمين م: (رد الثمن إلى الغنيمة، لأنه بدل عين كانت للجماعة) ش: أي عوض عين مشتركة بين الغانمين.

[الانتفاع بالثياب والمتاع قبل القسمة]
م: (وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسمة من غير حاجة للاشتراك) ش: أي لأجل اشتراك الغانمين فيهما م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الشأن م: (يقسم الإمام بينهم في دار الحرب إذا احتاجوا إلى الثياب والدواب والمتاع، لأن المحرم يستباح للضرورة فالمكروه أولى) ش: بأن يستباح.
م: (وهذا لأن حق المدد) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال: كيف جازت القسمة وفيها قطع حق الغير وهو المدد لأن المدد إذا لحقهم بشوكتهم؟ فأجاب بقوله، وهذا، أي جواز القسمة لأن حق المدد الذي يأتي م: (محتمل وحاجة هؤلاء) ش: أي العسكر الموجودين م: (متيقن بها) ش: أي بالحاجة م: (فكان) ش: أي المتيقن بها. م: (أولى بالرعاية) ش: لأنه لا اعتبار للاحتمال مع وجود اليقين م: (ولم يذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب السير م: (القسمة في السلاح) ش: إذا احتاجوا إليه م: (ولا فرق في الحقيقة) ش: بين السلاح وبين الثياب والمتاع والدواب في جواز القسمة عند الحاجة.
م: (فإنه) ش: أي فإن الثياب م: (إذا احتاج واحد يباح له الانتفاع في الفصلين) ش: أي في فصل السلاح وفصل الثياب والمتاع والدواب م: (وإن احتاج الكل) ش: أي كل الغزاة م: (يقسم في الفصلين) ش: المذكورين.

(7/149)


بخلاف ما إذا احتاجوا إلى السبي حيث لا يقسم، لأن الحاجة إليه في فضول الحوائج. قال: ومن أسلم منهم معناه في دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق وأولاده الصغار، لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا، وكل مال هو في يده؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم على مال فهو له»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا احتاجوا إلى السبي حيث لا يقسم، لأن الحاجة إليه) ش: أي إلى السبي م: (في فضول الحوائج) ش: لا من أصولها، وفي " المبسوط ": لا يقسم السبي وإن احتيج إليه قبل الإحراز، لأنه لا يقع حاجة الأحياء ولا يبيعهم، لأنه لا يملكهم قبل الإحراز، فإن أطاعوا المشي يمشيهم، لأن في الإركاب إعزازا وهم أصل الصغار، أي الذل.
فإن لم يطيقوه وليس معه فضل حمولة ولم تطب نفسه من معه فضل حمولة قبل الرجال وترك النساء والصبيان، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجال بني قريظة ولم يقتل النساء والصبيان» وهل يكره من عنده فضل حمولة على الحمل؟ فيه روايتان.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أسلم منهم) ش: أي من الكفار، هذا لفظ القدوري م: (معناه في دار الحرب) ش: هذا لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي معنى قوله ومن أسلم منهم، أي أسلم في دار الحرب، إنما احتاج إلى هذا التأويل ليقع الاحتراز به عن مستأمن أسلم في دار الإسلام ثم ظهرنا على دار الحرب، كان أولاده وأمواله كلها فيئاً م: (أحرز بإسلامه نفسه، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق) ش: احترز به عن الاسترقاق بقاء، لأن الإسلام لا ينافيه.
وهذا لأن الرق جزاء الكفر الأصلي فإنهم لما استنكفوا أن يكونوا عبيداً لله - عز وجل - جازاهم الله - عز وجل - بأن يكونوا عبيد عبيده، بخلاف الرق في حالة آليتها، فإنه صار من الأمور الحكمية م: (وأولاده الصغار) ش: بالنصب؛ عطف على قوله: نفسه، أي وأحرز أيضاً أولاده الصغار، احترز به عن أولاده الكبار على ما يجيء.
م: (لأنهم مسلمون بإسلامه تبعاً) ش: أي بإسلام الأب بطريق التبعية له فصاروا أحراراً م: (وكل مال) ش: بالنصب أي أحرز كل مال م: (هو في يده لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من أسلم على مال فهو له» ش: هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث ياسين الزيات عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم على شيء فهو له» ورواه ابن عدي في " الكامل "، والبيهقي وأعله بياسين الزيات، وأسند تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين، ورواه البيهقي وقال: إنما يروى عن ابن أبي مليكة،

(7/150)


ولأنه سبقت يده الحقيقية إليه يد الظاهرين عليه، أو وديعة في يد مسلم أو ذمي، لأنه في يد صحيحة محترمة ويده كيده، فإن ظهرنا على دار الحرب فعقاره فيء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو له لأنه في يده فصار كالمنقول.
ولنا أن العقار في يد أهل الدار وسلطانها إذ هو من جملة دار الحرب، فلم يكن في يده حقيقة. وقيل: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - الآخر، وفي قول عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول: هو كغيره من الأموال بناء على أن اليد حقيقة لا يثبت على العقار عندهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن عروة مرسلاً.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذي أسلم م: (سبقت يده الحقيقية إليه يد الظاهرين) ش: أي الغالبين م: (عليه) ش: أي على المال م: (أو وديعة) ش: بالرفع عطفاً على قوله: هو في يده م: (في يد مسلم أو ذمي لأنه) ش: أي لأن الوديعة، ذكر الضمير باعتبار المودع م: (في يد صحيحة) ش: احترز به عن يد الغاصب.
م: (محترمة) ش: احترز به عن الحربي م: (ويده) ش: أي يد كل واحد من المسلم والذمي م: (كيده) ش: لأنهما عاملان له ونائبان في الحفظ، فإن كانت وديعة عند حربي تصير فيئاً على رواية أبي حفص، وعلى رواية أبي سليمان لا يكون فيئاً.
م: (فإن ظهرنا على دار الحرب) ش: أي فإن غلبنا على دار الحرب التي أسلم المذكور منها م: (فعقاره فيء) ش: هذا ذكروه في شرح " الجامع الصغير "، ولم يذكروا فيه خلافاً بين أصحابنا، وليس في الأصل أيضاً ذكر الخلاف إلا أن الفقيه أبا الليث قال في شرح " الجامع الصغير ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ": لا يصير فيئاً، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه أشار بقوله م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو له) ش: أي العقار الذي أسلم، وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه في يده) ش: أي لأن العقار في يده م: (فصار كالمنقول) ش: حيث يكون له بلا خلاف.

م: (ولنا أن العقار في يد أهل الدار) ش: أي دار الحرب م: (وسلطانها) ش: أي وفي يد سلطانها م: (إذ هو) ش: أي العقار م: (من جملة دار الحرب فلم يكن في يده حقيقة) ش: بخلاف المنقول.
م: (وقيل هذا) ش: أي قول القدوري فعقاره فيء م: (قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - الآخر) ش: أي القول الآخر، وإنما ذكره بقوله قيل هذا لأن الظاهر عن أصحابنا لا اختلاف فيه م: (وفي قول عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، هو) ش: أي العقار م: (كغيره من الأموال بناء على أن اليد حقيقة لا يثبت على العقار عندهما) ش:

(7/151)


وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت وزوجته فيء، لأنها كافرة حربية لا تتبعه في الإسلام، وكذا حملها فيء خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول: إنه مسلم تبعا كالمنفصل. ولنا أنه جزؤها فيرق برقها، والمسلم محل للتمليك تبعا لغيره، بخلاف المنفصل لأنه حر لانعدام الجزئية عند ذلك، وأولاده الكبار فيء؛ لأنهم كفار حربيون ولا تبعية.
ومن قاتل من عبيده فيء لأنه تمرد على مولاه، خرج من يده لأهل دارهم وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء غصبا كان أو وديعة، لأن يده ليست بمحترمة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت) ش: وفي شرح الطحاوي: ما كان غير منقول في مثل الدار والعقار والزروع إذا كان غير محصور عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المنقول وغير المنقول سواء م: (وزوجته فيء لأنها كافرة حربية لا تتبعه) ش: أي لا تتبع زوجها م: (في الإسلام) ش: فتكون فيئاً م: (وكذا حملها) ش: أي حمل المرأة م: (فيء خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول) ش: أي الشافعي م: (إنه) ش: أي إن الحمل م: (مسلم تبعاً) ش: أي لأبيه م: (كالمنفصل) ش: أي كالولد المنفصل.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الحمل م: (جزؤها) ش: أي جزء أمه م: (فيرق برقها) ش: أي برق أمه م: (والمسلم محل للتمليك) ش: تقديره مسلماً لأنه مسلم تبعاً، لكن المسلم محل للتمليك، هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه مسلم، ليكون ملكاً (تبعاً لغيره) كما إذا تزوج المسلم أمة الغير فيكون الولد رقيقاً بتبعية الأم وإن كان مسلماً بإسلام أبيه.
م: (بخلاف المنفصل) ش: جواب عن قوله: كالمنفصل تقديره م: (لأنه) ش: أي لأن المنفصل م: (حر لانعدام الجزئية عند ذلك) ش: أي عند الانفصال م: (وأولاده الكبار فيء لأنهم كفار حربيون ولا تبعية) ش: لأبيهم.

[من قاتل من عبيد الذمي الذي أسلم هل يعد فيئا]
م: (ومن قاتل من عبيده) ش: أي من عبيد الذمي الذي أسلم م: (فيء لأنه تمرد على مولاه خرج من يده) ش: وصار تبعاً م: (لأهل الدار) ش: أي لأهل دار الحرب م: (وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء غصباً كان أو وديعة لأن يده) .
ش: أي يد الحربي م: (ليست بمحترمة) ش: اعترض عليه بأن قام مقام غيره، فإنما يعمل بوصف الأصل كالتراب مع الماء في التيمم، ولما قام الحربي مقام المودع المسلم كان الواجب أن تكون يده كيد المسلم محترمة نظراً إلى نفسه لا نظراً إلى الحربي.
وأجيب: بأن قيام يد المودع على الوديعة حقيقي، وقيام يد المالك عليها حكمي، واعتبار الحكمي إن أوجب عصمتها، فباعتبار الحكمي يمنعها والعصمة لم تكن ثابتة، لأن المال في أصله

(7/152)


وما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئا، قال العبد الضعيف: كذا ذكر الخلاف في " السير الكبير ". وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول أبي يوسف مع قول محمد - رحمهما الله -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على صفة الإباحة.
وعصمته تابعة لعصمة المالك، وإنما تثبت التبعية أن لو ثبتت يد المالك المعصوم له حقيقة وحكماً أو حكماً مع الاحترام، لأنه بدون الاحترام يتعارضها جهة الإباحة الأصلية، فلا يثبت بالشك.

[ما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي هل يعد فيئا]
م: (وما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئاً) ش: ثم م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا ذكر الخلاف في السير الكبير) ش: يعني ذكر الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية، وبين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في ناحية.
م: (وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول أبي يوسف مع قول محمد - رحمهما الله -) ش: حيث جعل الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجعل أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية، وجعل محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية.
وقال الأترازي: وما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئاً، وفي بعض نسخ " الهداية ": وقالا: لا يكون فيئاً، وليس ذلك بصحيح. انتهى.
فهو أراد أن الصحيح ما ذكره أولاً مصدراً له أو هو كون الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد هذا لهما، وبعده له، يدل على أن الصحيح قول: فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يكون فيئاً.
فإن قلت: يحتمل أن يكون قوله: لهما، أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقرينة ذكره بقوله، وذكر في شرح قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قلت: قال الأكمل في قوله: وله أنه مال، أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فدل على أن المراد من قوله: لهما، أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فدل هذا كله أن الذي مال إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الخلاف الذي بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودل أيضاً أن الذي قاله الأترازي وفي بعض نسخ " الهداية "،

(7/153)


لهما أن المال تابع للنفس وقد صارت معصومة بإسلامه فيتبعها ماله فيها. وله أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء والنفس لم تصر معصومة بالإسلام، ألا ترى أنها ليست بمتقومة، إلا أنه محرم التعرض في الأصل لكونه مكلفا وإباحة التعرض يعارض شره، وقد اندفع بالإسلام، بخلاف المال، لأنه خلق عرضة للامتهان، فكان محللا للتملك، وليست في يده حكما فلم تثبت العصمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالا: لا يكون فما تصحيح غير صحيح فتأمل وتدبر.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المال تابع للنفس وقد صارت) ش: أي نفسه م: (معصومة بإسلامه فيتبعها ماله فيها) ش: أي يتبع ماله نفسه في العصمة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء) ش: يعني الذي غصبه المسلم أو الذمي من الحربي الذي أسلم مال مباح لأنه ليس بمعصوم، والمباح تمليك بالاستيلاء، فكان فيئاً للغزاة م: (والنفس لم تصر معصومة بالإسلام) ش: جواب عن قولهما: إن المال تابع النفس وقد صارت معصومة بالإسلام فيتبعه مالها فيها، أي في العصمة.
وتقرير الجواب أنا لا نسلم أن النفس صارت معصومة بالإسلام، وأوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن النفس م: (ليست بمتقومة) ش: لأن العصمة المتقومة لا تثبت إلا بدار الإسلام، ولهذا إذا قتله مسلم عمداً أو خطأ لا يجب القصاص ولا الدية عندنا، خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ولكنها معصومة بالعصمة إليه أشار إليه بقوله: م: (إلا أنه محرم التعرض في الأصل) ش: هذا في الحقيقة جواب عما يقال لو لم تكن معصومة لما كانت تحرم التعرض كالحربي، وليس كذلك، وتقدير الجواب أنه يحرم التعرض في الأصل يعني في نفس الأمر م: (لكونه مكلفاً) ش: أي لكون الآدمي مخلوقاً لتحمل أعباء التكليف، ولا يتمكن من إقامتها إلا بالبقاء، ولا بقاء إلا بالعصمة وحرمة التعرض.
م: (وإباحة التعرض) ش: إنما هي م: (يعارض شره، وقد اندفع بالإسلام) ش: فعادت إلى أصلها لا باعتبار أنها معصومة.
م: (بخلاف المال، لأنه خلق) ش: في الأصل م: (عرضة للامتهان) ش: بأنواع الانتفاعات م: (فكان محلاً للتمليك) ش: فكان المقتضي موجوداً، والمانع منتف، لأن المانع كونه في يده حقيقة وحكماً م: (وليست في يده حكماً) ش: لأن يد الغاصب ليست بنائية عن يد المالك م: (فلم تثبت العصمة) ش: فيجعل كأنه ليس في يد أحد فكان فيئاً.

(7/154)


وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها، لأن الضرورة قد ارتفعت والإباحة باعتبارها، ولأن الحق قد تأكد حتى يورث نصيبه، ولا كذلك قبل الإخراج إلى دار الإسلام،
ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة، معناه إذا لم تقسم. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعنه أنه لا يرد اعتبارا بالمتلصص. ولنا أن الاختصاص ضرورة الحاجة وقد زالت، بخلاف المتلصص، لأنه كان أحق به قبل الإحراز، فكذا بعده وبعد القسمة تصدقوا به إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الأكل وعلف الدواب من الغنيمة إذا خرج المسلمون من دار الحرب]
م: (وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا) ش: أي دوابهم م: (من الغنيمة ولا يأكلوا منها، لأن الضرورة قد ارتفعت، والإباحة باعتبارها) ش: أي باعتبار الضرورة م: (ولأن الحق) ش: أي حق المسلمين م: (قد تأكد) ش: وتقرر م: (حتى يورث نصيبه) ش: يعني إذا مات في هذه الحالة م: (ولا كذلك قبل الإخراج إلى دار الإسلام) ش: للضرورة.

[الرد إلى الغنيمة]
م: (ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره، وقال الخضر: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري: رده إلى الغنيمة م: (إذا لم تقسم) ش: أي الغنيمة لأنها إذا قسمت لا ينافي الرد.
م: (وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعنه أنه لا يرد اعتباراً بالمتلصص) ش: كما إذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب بلا إذن الإمام بنية الغارة قالوا شيئاً فلا يكون ذلك مشتركاً بين الغانميين لأنه مباح سبقت يده إليه ولا يخمس لأنه ليس بغنيمة.
م: (ولنا أن الاختصاص) ش: أي اختصاص العلف والطعام، وخبر أن محذوف تقديره أن الاختصاص حاصل أو كائن وقوله م: (ضرورة الحاجة وقد زالت) ش: أي الضرورة، هكذا أفاد شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخطه م: (بخلاف المتلصص) ش: يعني قياسه المتلصص غير صحيح لوجود الفارق م: (لأنه) ش: أي لأن المتلصص م: (كان أحق به) ش: أي بالذي أخذه م: (قبل الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (فكذا بعده) ش: أي بعد الإحراز من سائر الغانمين.
م: (وبعد القسمة) ش: ابتداء مسالة مستقلة بذاتها، أي بعد قسمة الإمام يعني إذا جاءوا بما فضل من علف أو طعام أخذوا من القسمة بعد قسمة الإمام الغنيمة في دار الإسلام م: (تصدقوا به) ش: أي بما فضل من ذلك بعينه إن كان قائماً م: (إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج) ش: أي إن كانوا محتاجين.
كذا في " المغرب "، يقال: حاج يحوج حوجاً، أي احتاج، والحائجة والحوجاء والحاجة حاجة بمعنى واحد وعلى هذه اللغة قيل حوائج في جمع حائجة.

(7/155)


لأنه صار في حكم اللقطة لتعذر الرد على الغانمين، وإن كانوا انتفعوا به بعد الإحراز ترد قيمته إلى المغنم إن كان لم يقسم، وإن قسمت الغنيمة فالغني يتصدق بقيمته والفقير لا شيء عليه لقيام القيمة مقام الأصل فأخذ حكمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذا نقل ابن دريد عن الأصمعي: والحاج جمع حاجة ولم يذكر ابن دريد المحاويج، وكأنها جمع محوج اسم فاعل بإشباع الياء، لأن أحوج يجيء لازماً ومتعدياً، يقال: أحوج الرجل: إذا احتاج، وأحوجه إلى غيره.
م: (لأنه) ش: أي لأن الذي فضل بعد القسمة م: (صار في حكم اللقطة لتعذر الرد على الغانمين) ش: لأنهم تفرقوا فرقين م: (وإن كانوا انتفعوا به بعد الإحراز ترد قيمته إلى المغنم إن كان لم يقسم، وإن قسمت الغنيمة فالغني يتصدق بقيمته، والفقير لا شيء عليه لقيام القيمة مقام الأصل) ش: أي الفقير يحل له التناول من قيمته، لأن القيمة تقوم مقام الأصل م: (فأخذ حكمه) ش: أي أخذت القيمة حكم الأصل، وإنما ذكر ضمير القيمة على تأويل ما تقوم، أو على تأويل المذكور، هكذا قال الأكمل.
قلت: هذا على تقدير أن يكون فأخذ فعلاً ماضياً. وقال الأترازي فأخذ حكمه ولأخذ حكم الأصل فهو جعله مصدراً مجروراً عطف على ما قبله، وضبط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نسخته على ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(7/156)


فصل في كيفية القسمة
قال: ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) ، استثنى الخمس،
ويقسم أربعة الأخماس بين الغانمين، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قسمها بين الغانمين، ثم للفارس سهمان وللراجل سهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في كيفية القسمة]
م: (فصل في كيفية القسمة) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية قسمة الغنائم، والقسمة عبارة عن جمع النصيب الشائع في مكان معين. وقال بعض أهل الحساب: القسمة تفريق أحد العددين بقدر ما في العدد الآخر من الآحاد، يعني تفريق المال المقسوم على عدة آحاد المقسوم عليه، وهذا لا يتأتى إلا في الصحاح، والصحيح أن يقال: معرفة نصيب الواحد.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) استثنى الخمس) ش: أي أخرجه، استعارة الاستثناء للإخراج أجود، معناه فيه فكان استثنى معنى لا لفظاً. وقال الكاكي ويحتمل أن يكون من استثنيت الشيء: إذا زويته لنفسي، من ثنى العود: إذا اختار عطفه، أي استثنى الله الخمس لنفسه بقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وقال تاج الشريعة: قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] استثني من حيث المعنى لإخراج الخمس مما غنموا، أو لأن حكم المستثنى بخلاف حكم المستثنى منه، وهنا كذلك، لأن حكم الخمس أن يكون لغير الغانمين وحكم أربعة الأخماس أن يكون للغانمين فيكون مخالفاً.

[قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين]
م: (ويقسم أربعة الأخماس بين الغانمين، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قسمها بين الغانمين) ش: أي قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين، وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بعث سرية فغنموا، خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] . الآية (الأنفال: الآية 41) .
فجعل سهم الله وسهم الرسول واحداً، ولذي القربى سهم، ثم جعل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم، ثم جعل الأربعة أسهم الباقية: للفرس سهمان، وللراكبة سهم، وللراجل سهم.»
م: (ثم للفارس سهمان وللراجل سهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر م: (وقالا)

(7/157)


للفارس ثلاثة أسهم، وقو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما» ولأن الاستحقاق بالغناء. وغناؤه على ثلاثة أمثال الراجل، لأنه للكر والفر والثبات، والراجل للثبات لا غير، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الفارس سهمين، والراجل سهما؛»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (للفارس ثلاثة أسهم، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد والليث وأبو ثور وأكثر أهل العلم م: (لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا النسائي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وفي لفظ عن أصحاب السنن عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه» .
م: (ولأن الاستحقاق بالغناء) ش: أي بالكفاية، وهو بالفتح والمد، وهو بالغين المعجمة، يقال: أغنيت عنك، يعني فلاناً، ومعناه إذا أجزأت عنه وينيب منابه، وكفيت كفايته م: (وغناؤه) ش: أي غناء الفارس، أي كفايته م: (على ثلاثة أمثال الراجل لأنه) ش: أي لأن الفارس م: (للكر) ش: الكر بالتشديد الرجوع م: (والفر) ش: بفتح الفاء وتشديد الراء الفرار، قال امرؤ القيس في قصيدته الشهيرة:
مكر مفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
م: (والثبات) ش: أي للثبات في الحرب م: (والراجل للثبات لا غير)
ش: فإن قلت: الفرار غير محمود، وكيف يوصف به الفارس.
قلت: الفرار في موضعه ممدوح كيلا يرتكب النهي المذكور في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: الآية 135) .
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الفارس سهمين والراجل سهماً» ش: هذا غريب من حديث ابن عباس، وفي الباب أحاديث، منها: ما رواه أبو داود في سننه عن مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري. قال: سمعت أبا يعقوب بن مجمع يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري «عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مجمع بن حارثة الأنصاري، وكان أحد القراء الذي قرؤوا القرآن قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.... إلى أن قال: فقسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول

(7/158)


فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «للفارس سهمان وللراجل سهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ثمانية عشر سهماً فكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفرس سهمين وأعطى صاحبه سهماً» .
قال أبو داود: وهذا وهم إن كانوا مائتي فارس فأعطى الفرس سهمين، وأعطى صاحبه سهماً قال: وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعطى الفارس ثلاثة أسهم» أصح، والعمل عليه.
وقال ابن القطان في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف. ومنها: ما رواه الطبراني بإسناده إلى «مقداد بن عمرو أنه كان يوم بدر على فرس له يقال له سبخة فأسهم له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفرسه سهم واحد وله سهم» وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي في تفسيره في سورة الأنفال عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبايا بني المصطلق فأخرج الخمس منها ثم قسم بين المسلمين فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً» .
م: (فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله) ش: أي فتعارض فعلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي احتج به المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور آنفاً، وحديث ابن عباس المذكور لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليت شعري ما هذه المعارضة، حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ليس له أصل كما ذكرنا عن هذا.
قال الأكمل: وطريقة الاستدلال لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مخالفة لقواعد الأصول، فإن الأصل أن الدليلين إذا تعارضا تعذر الترجيح والتوفيق يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله، وهو قال: فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله، والمسلك المعهود في مثله أن يستدل بقوله لأن القول أقوى.
م: (وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «للفارس سهمان وللراجل سهم» ش: هذا لأجل بيان قوله فيرجع إلى قوله وهذا الحديث غريب جداً، وقد أخطأ من عزاه إلى ابن أبي شيبة ولفظ هذا

(7/159)


كيف وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم للفارس سهمين وللراجل سهما» وإذا تعارضت روايتاه ترجحت رواية غيره، ولأن الكر والفر من جنس واحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحديث في حديث عمر الذي ذكره بعد هذا م: (كيف وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم للفارس سهمين» ش: أي وكيف يحتج لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً» .
والحال أنه قد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قسم للفارس سهمين» رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو أسامة وابن نمير قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن أبي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل للفارس سهمين» م: «وللراجل سهماً» ش: ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في " سننه " وقال أبو بكر النيسابوري: هذا عندي وهم عند ابن أبي شيبة.
لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير بخلاف هذا، وكذلك رواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا المعنى، يعني أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم.
م: (وإذا تعارضت روايتاه) ش: أي روايتا ابن عمر م: (ترجحت رواية غيره) ش: قال الأترازي: إن سلمت رواية ابن عباس عن المعارض فيعمل بها. وقال صاحب " النهاية ": قوله: وإذا تعارضت روايتاه، أي روايتا ابن عمر، وهي روايتهما عنه على وفق مذهبهما، ورواية أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً على وفق مذهبه.
قوله: ترجحت، أي رواية غيره وهو ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم قال: ومعنى قوله: ترجح، أي سلم رواية ابن عباس عن المعارض فيعمل بها، لأن للمرجع لا بد من المرجح، ورواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بعد التحافظ بالتعارض لا تصلح مرجحة. انتهى.
قلت: لا معارضة أصلاً في روايتي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأن الصحيح هو للرواية التي فيها ثلاثة أسهم للفارس، كيف تعارضها التي فيها سهمان وهي غير ثابتة على الصحة فيما ذكرنا، وكيف يقول صاحب النهاية ومن تبعه من الشراح: إن رواية ابن عباس سلمت عن المعارضة فيعمل بها، والحال أنه لم يصح كما ذكرنا، وهذا كله من آفة التعليل، وعدم رجوعهم إلى مدارك الأحاديث.
م: (ولأن الكر والفر من جنس واحد) ش: لأن الفر إنما يحل للكر لا لذاته، لأنه غير

(7/160)


فيكون غناؤه مثلي غناء الراجل فيفضل عليه بسهم، ولأنه تعذر اعتبار مقدار الزيادة لتعذر معرفته فيدار الحكم على سبب ظاهر، وللفارس سببان: النفس والفرس، وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه على ضعفه. ولا يسهم إلا لفرس واحد.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لفرسين» ولأن الواحد قد يعيا فيحتاج إلى الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مستحسن في نفسه، وإنما المستحسن منه ما كان لأجل الكر، فكانا نوعاً واحداً، ولا يكون الفر نوعاً آخر م: (فيكون غناؤه) ش: أي غناء الفارس م: (مثلي غناء الراجل فيفضل عليه بسهم) ش: لأن سبب الغناء في الفارس نفسه وفرسه فيعطى سهمين، وفي الراجل نفسه فيعطى سهماً، وفيه تأمل، لأن الرأي لا مدخل له في المقدرات الشرعية.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (تعذر اعتبار مقدار الزيادة) ش: لأن مقدار الزيادة أمر خفي، لأن الملك إنما يظهر عند المسابقة والمقاتلة عند التقاء الصفين، وكل منهم مشكوك بشأنه في ذلك الوقت م: (لتعذر معرفته) ش: أي لتعذر معرفة مقدار الزيادة م: (فيدار الحكم على سبب ظاهر) ش: وهو مجرد كونه فارساً وكونه راجلاً، إليه أشار في الأسرار م: (وللفارس سببان النفس والفرس، وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه) ش: أي استحقاق الفارس م: (على ضعفه) ش: أي على ضعف استحقاق الراجل، فيعطى الفارس سهمين والراجل سهماً م: (ولا يسهم إلا لفرس واحد) ش: هذا لفظ القدوري ولم يذكر خلاف أحد.

وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين) ش: وقال في شرح الأقطع: هذا الذي ذكره القدوري قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين، وبه قال أحمد، وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي شرح الطحاوي: ولا يسهم إلا لفرس واحد في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يسهم لفرسين م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لفرسين» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه ": حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا علي بن حرب حدثني أبو حرب بن محمد بن الحسن عن محمد بن صالح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمر عن أبيه عن جده «أبي عمر بشر بن عمرو بن محصن قال: أسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفرسي أربعة أسهم ولي سهماً، فأخذت خمسة أسهم» .
م: (ولأن الواحد قد يعيا) ش: أي ولأن الفرس الواحد قد يتعب م: (فيحتاج) ش: أي صاحبه م: (إلى الآخر) ش: أي إلى الفرس الآخر.

(7/161)


ولهما «أن البراء بن أوس قاد فرسين ولم يسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا لفرس واحد» ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة، فلا يكون السبب الظاهر مفضيا إلى القتال عليهما فيسهم لواحد، ولهذا لا يسهم لثلاثة أفراس، وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سهمين وهو راجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو وجه الظاهر م: (أن «البراء بن أوس قاد فرسين ولم يسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا لفرس واحد» ش: هذا الحديث غريب، بل جاء عكسه كما ذكره ابن منذر في كتاب الصحابة في ترجمته فقال: روى علي بن قرين عن محمد بن عمر المدين عن يعقوب بن محمد بن صفصعة عن عبد الرحمن بن أبي صفصعة «عن البراء بن أوس أنه قاد مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرسين وضرب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - له خمسة أسهم» .
فإذا كان كذلك لا يصح الاستدلال لهما بالحديث الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما لا يخفى ولهذا استدل الأترازي لهما بما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «للفارس سهمان وللراجل سهم» . وقال الأكمل: وحاصل الدليلين وقوع التعارض لغواً، يعني بين روايتي فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والرجوع إلى ما بعدهما وهو القياس بقوله:
م: (ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة) ش: ولا يتحقق إلا على فرس واحد م: (فلا يكون السبب الظاهر) ش: وهو مجاورة الدرب م: (مفضياً إلى القتال عليهما) ش: أي على الفرسين، فإن كان كذلك م: (فيسهم لواحد) ش: أي لفرس واحد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم تحقق القتال على فرسين، وعدم كون السبب الظاهر مفضياً إلى القتال على الفرسين م: (لا يسهم لثلاثة أفراس) ش: بالإجماع م: (وما رواه) ش: أي وما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (محمول على التنفيل) ش: هذا استظهار في تقوية الدليل، لأن ما رواه لما سقط بالمعارضة لا يحتاج إلى جواب عنه أو تأويل له، انتهى.
قلت: قد ذكرنا أن ما تميز هناك معارضة، فمن أين يأتي الاستظهار في قوة الدليل من تأمله يدري.
م: (كما «أعطى سلمة بن الأكوع - رَحِمَهُ اللَّهُ - سهمين وهو راجل» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم مطولاً في بيعة الحديبية عن إياس بن سلمة عن أبيه سلمة بن الأكوع، وفيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالنا سلمة "، ثم أعطى له سهمين سهماً للفارس وسهماً للراجل، فجمعهما لي جميعاً» ولكن على قوله محمول على التنفيل ما رواه ابن حبان في " صحيحه ".
وقال: كان سلمة بن الأكوع في تلك الغزاة راجلاً فأعطاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهماً للراجل لما

(7/162)


والبراذين والعتاق سواء، لأن الإرهاب مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب، قال الله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] (الأنفال: الآية 60) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستحقه، وإنما أعطاه سهم الفارس أيضاً من خمس خمسه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون أن يكون أعطاه من سهام المسلمين، وقال أبو عبيد: قال عبد الرحمن بن مهدي: أعطاه من سهمه الذي كان مباحاً به.
قوله: رجالتنا، بتشديد الجيم، جمع راجل، قال الجوهري: الراجل خلاف الفارس، والجمع رجل مثل صاحب وصحب، ورجالة ورجال والرجلان أيضاً، الراجل جمع رجلى ورجال مثل عجلى وعجلان. وقال الفتني: كان سلمة من الرماة المشهورين وروي أنه كان يعدو عدو الفرس.
م: (والبراذين والعتاق سواء) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره وتمامه فيه: ولا يسهم لراجلة ولا بغل، ولم يذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والبراذين جمع برذون وهو الكوذن وجمعه كواذن، وهي خيل العجم.
قال في " المجمل ": برذون الرجل برذنته: إذا أثقل، واشتقاق البرذون منه. والعتاق بكسر العين وتخفيف التاء المثناة من فوق جمع عتق، أي كريم، والعتاق كرام الخيل العربي. وقال الإمام الأسبيجابي في شرح الطحاوي: ويستوي الفرس العربي والنجيب، والبرذون والهجين وغيرهما مما يقع عليه اسم الخيل. وأما ما كان له جمل أو بغل أو حمار فهو والراجل سواء في شرح الأقطع، ومن الناس من قال: لا يسهم للبراذين.
قلت: قال الأوزاعي: لا يسهم للبرذين ويسهم للمقرف سهم وللهجين سهم واحد، وقال أحمد: يسهم لما عدا العربي سهم واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، في رواية مثل قول العامة، وفي رواية مثل قول أحمد. وروى مكحول أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى للعربي سهمين وللهجين سهماً» ولا يسهم لراجلة وللبغل بالاتفاق، لأن الإرهاب لا يحصل بهم.
ومن غزى على بعير لا يسهم له عند العلماء، عن أحمد يسهم له سهم فرس. وعنه إن عجز عن فرس وغزى عليه يسهم له سهم واحد، والفرس ما يكون أبوه عربياً وأمه من الكواذن.
والهجين ما يكون أبوه من الكواذن وأمه من العربي. وفي الجمهرة: الهجين من الناس الذي أمه أمة.
م: (لأن الإرهاب) ش: المذكور في الآية التي نذكرها م: (مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب، قال الله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] (الأنفال: الآية 60) ،

(7/163)


واسم الخيل ينطلق على البراذين والعتاق والهجين والمقرف إطلاقا واحدا. ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفا، ففي كل واحد منهما منفعة معتبرة فاستويا.
ومن دخل دار الحرب فارسا فنفق فرسه استحق سهم الفرسان. ومن دخل راجلا فاشترى فرسا استحق سهم راجل. وجواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكسه في الفصلين، وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصل الثاني أنه يستحق سهم الفرسان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واسم الخيل ينطلق على البراذين والعتاق والهجين والمقرف إطلاقاً واحداً) ش: أراد أن لفظ الخيل بحسب اللغة إذا أطلق يشمل هذه الأنواع من غير فرق بينها، ومضى الآن بغير الهجين والمقرف.
م: (ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفاً) ش: بفتح العين وكسرها، أي انعطافاً، يعني إذا أراد الانعطاف ينعطف من غير بطأ فيه. قال الكاكي: معنى الفتح الإمالة، ومعنى الكسر الجانب.
قلت: العطف من عطف الشيء أعطفه عطفاً: إذا ثنيته ورددته عن جهته، والعطف: الناحية من الإنسان والدواب.
م: (ففي كل واحد منهما) ش: أي من العربي والبرذون م: (منفعة معتبرة) ش: وهي التي ذكرنا م: (فاستويا) ش: أي العربي والبرذون في الاستحقاق من الأسهم على الاختلاف.

[دخل دار الحرب فارساً وهلك فرسه]
م: (ومن دخل دار الحرب فارساً) ش: أي حال كونه فارساً م: (فنفق فرسه) ش: أي هلك م: (استحق سهم الفرسان) ش: إلا إذا باع فرسه أو وهبه وسلم أو أجره أو أعاره، سقط سهم فرسه في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له سهم فارس.
م: (ومن دخل راجلاً) ش: أي حال كونه رجلاً م: (فاشترى فرساً استحق سهم راجل) ش: وكذا إذا وهب له أو ورث أو استعار أو استأجر بعدما دخل راجلاً وقاتل فارساً، فله سهم راجل، وفي رواية الحسن: له سهم فارس، كذا في التحفة.
م: (وجواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكسه في الفصلين) ش: يعني لا يعتبر عنده دخوله دار الحرب فارساً ولا دخوله راجلاً، والمعتبر عنده كونه فارساً أو راجلاً عند شهود الوقعة، ورواه عنه: عند تقضي الحرب وبعد تمام القتال بالأولى.
قال مالك وأحمد م: (وهكذا) ش: أي مثل جواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (روى ابن المبارك) ش: وهو عبد الله بن المبارك الإمام المشهور المروزي م: (عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصل الثاني) ش: يعني إذا دخل دار الحرب راجلاً فاشترى فرساً فقاتل فارساً م: (أنه يستحق سهم الفرسان) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً على رواية ابن المبارك عنه، وليس ذلك

(7/164)


والحاصل أن المعتبر عندنا حالة المجاوزة، وعنده حال انقضاء الحرب. له أن السبب هو القهر والقتال فيعتبر حال الشخص عنده، والمجاوزة وسيلة إلى السبب كالخروج من البيت، وتعليق الأحكام بالقتال يدل على مكان الوقوف عليه، ولو تعذر أو تعسر يعلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بظاهر الرواية عنه.
م: (والحاصل) ش: أي من بيان هذا الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المعتبر عندنا حالة المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب، إلا أنه أطلق لشهرة المسألة عند الفقهاء والمتأخرين، قال الخليل: الدرب الباب الواسع على السكة وعلى كل مدخل من مدخل الروم ودرب من ورد بها، كذا في " المغرب ".
قال في " ديوان الأدب ": الدرب المضيق من مضائق من الدرب، وكذلك ما أشبهه، والمراد هنا فيه هو البرزخ الذي بين دار الحرب ودار الإسلام، فإذا جاوزه الغازي دخل دار الحرب، وإذا جاوزه الكافر دخل دار الإسلام.
م: (وعنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعتبر م: (حال انقضاء الحرب. له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السبب) ش: أي سبب استحقاق الغنيمة م: (هو القهر والقتال فيعتبر حال الشخص عنده) ش: أي عند القتال فارساً أو راجلاً م: (والمجاوزة) ش: أي مجاوزة حال الحرب.
وأراد به الرد لمذهبنا م: (وسيلة إلى السبب) ش: حاله أنه لا يعتبر المجاوزة لكونها سبباً يعيد إلى القتال م: (كالخروج من البيت) ش: يعني للقتال، فإنه وسيلة إلى السبب، ولا اعتبار به في اعتبار حال الغازي من كونه فارساً أو راجلاً، كذلك في هذه الوسيلة.
م: (وتعليق الأحكام بالقتال) ش: هذا جواب بطريق المنع لما يقال من جهة أصحابنا أن القتال أمر خفي لا يوقف عليه، فيقام السبب الظاهر وهو المجاوزة مقامه، وتقرير هذا الجواب بأن نقول: لا نسلم أنه لا يوقف عليه، وكيف لا يوقف عليه.
وتعليق الأحكام بالقتال كإعطاء الرضخ للصبي إذا قاتل، وكذلك المرأة والعبد والذمي م: (يدل على مكان الوقوف عليه) ش: فلو لم يوقف عليه لم يتعلق به حكم.
م: (ولو تعذر) ش: هذا جواب بطريق التسليم بأن يقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سلمان أن الوقوف على القتال متعذر ومتعسر مثلما قلتم، وهو معنى قوله ولو تعذر، أي الوقوف على القتال بأن يكون في الليل أو في مطر أو نحو ذلك.
م: (أو تعسر) ش: بأن كان كل واحد مشغولاً بنفسه فحينئذ م: (يعلق) ش: أي الوقوف م:

(7/165)


بشهود الوقعة، لأنه أقرب إلى القتال. ولنا أن المجاوزة نفسها قتال؛ لأنه يلحقهم الخوف بها، والحال بعدها حالة الدوام ولا معتبر بها، ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر، وكذا على شهود الوقعة لأنه حال التقاء الصفين، فتقام المجاوزة مقامه إذ هو السبب المفضي إليه ظاهرا إذا كان على قصد القتال فيعتبر حال الشخص بحالة المجاوزة فارسا كان أو راجلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بشهود الوقعة) ش: يعني أقيم شهود الوقعة مقام الوقوف م: (لأنه) ش: أي لأن شهود الوقعة م: (أقرب إلى القتال) ش: من المجاوزة، فتعلق كونه فارساً أو راجلاً بشهود الوقعة وهي صورة الحرب.
م: (ولنا أن المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب م: (نفسها قتال لأنه يلحقهم الخوف بها) ش: أي لأن الشأن أنه يلحق الكفار لخوف مجاوزة الدرب، لأن القتال اسم لفعل يقع به للعدو خوف، وبمجاوزة العسكر الدرب يحصل لهم الخوف والرهبة، فكان قتالاً م: (والحال بعدها) ش: أي بعد المجاوزة م: (حالة الدوام) ش: أي دوام القتال.
م: (ولا معتبر بها) ش: أي حالة الدوام بالإجماع، ولا يمكن تعلق الحكم بدوام القتال، لأن الفارس لا يمكنه أن يقاتل فارساً دائماً، لأنه لا بد له أن ينزل في بعض المضائق خصوصاً في الشجرة أو في الحصن أو في البحر.
م: (ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر) ش: لأن الإمام لا يمكنه أن يراقب بنفسه حال كل أحد أنه قاتل أو لم يقاتل، وكذا بنائبه بأن يوكل عدلاً يثق بقوله يخبره من قاتل ومن لم يقاتل، لأن في إقامة العدل على كل واحد حرجاً عظيماً، ولا يعتبر إخبار كل واحد من الجند أيضاً أن صاحبه قاتل، لأن منهم فيه بحر النقع.
م: (وكذا) ش: يتعسر الوقوف م: (على شهود الوقعة، لأنه حال التقاء الصفين) ش: والاشتغال بالحرب فلم يتلفت إلى كونه سبباً قريباً بهذا المعنى، فإذا كان الأمر كذلك م: (فتقام المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب م: (مقامه) ش: أي مقام القتال م: (إذ هو السبب المفضي إليه ظاهراً) ش: أي لأن قيام المجاوزة هو السبب الداعي إلى القتال بحسب الظاهر كما أقيم السفر مقام المشقة، والنوم مقام الحدث، والنكاح مقام الوطء في حرمة المصاهرة، فكان المعتبر حال المجاوزة لا حال القتال لكي م: (إذا كان) ش: تجاوزه م: (على قصد القتال) ش: لأن هذا هو الأصل.
فإذا كان الأمر كذلك م: (فيعتبر حال الشخص بحالة المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب حال كونه م: (فارساً كان أو راجلاً) ش: وهاهنا سؤالان: الأول أن استحقاق الشيء بلا وجوده محال، والمستحق وهو الغنيمة حال المجاوزة معدوم، فكيف يثبت الاستحقاق. السؤال الثاني أن

(7/166)


ولو دخل فارسا وقاتل راجلا لضيق المكان يستحق سهم الفرسان بالاتفاق، ولو دخل فارسا ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن، ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - يستحق سهم الفرسان اعتبارا للمجاوزة، وفي ظاهر الرواية: يستحق سهم الرجالة. لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارسا. ولو باعه بعد الفراغ لم يسقط سهم الفرسان، وكذا إن باع في حالة القتال عند البعض. والأصح أنه يسقط. لأن بيعه يدل على أن غرضه التجارة فيه إلا أن ينتظر غرته،
ولا يسهم لمملوك ولا امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا ذمي، ولكن يرضخ لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السبب إنما يقام مقام العلة إذا تصور من العلة وها هنا لا يتصور العلة وهو القتال حال المجاوزة، لأن القتال بدون شهود الوقعة محال.
الجواب عن الأول: أنه ليس المراد من الاستحقاق ثبوت الملك في الغنيمة أو ثبوت الحق فيها للغزاة في الحال، المراد به كون الشخص أخص بالغنيمة من غيره.
والجواب عن الثاني: أن القتال لشهود الوقعة والتقاء الصفين عند المجاوزة متصور، لأنه ليس بثابت، وشرط إقامة الشيء مقام غيره أن لا يكون ذلك الغير ثابتاً في الحال، لأنه إذا كان ثابتاً كيف يقام شيء آخر مقامه.

[دخل دار الحرب فارساً ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن]
م: (ولو دخل فارساً وقاتل راجلاً لضيق المكان يستحق سهم الفرسان بالاتفاق) ش: أي باتفاق بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو دخل فارساً ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن، ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - يستحق سهم الفرسان اعتباراً للمجاوزة) ش: أي عن الدرب م: (وفي ظاهر الرواية يستحق سهم الرجالة، لأن الإقدام على هذه التصرفات) ش: وهي البيع والهبة والإجارة والرهن م: (يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارساً ولو باعه بعد الفراغ) ش: أي بعد الفراغ من القتال م: (لم يسقط سهم الفرسان، وكذا) ش: أي وكذا لم يسقط سهم الفرسان م: (إن باع في حالة القتال عند البعض) ش: أي عند بعض مشايخنا، لأن بيعه عند زمان مخاطرة الروح دل على أنه إنما باعه لرأي رآه في الحرب له لتحصيله المال، لأن الروح فوق المال.
م: (والأصح أنه يسقط، لأن بيعه يدل على أن غرضه التجارة فيه إلا أن ينتظر غرته) ش: أي غرة الفرس، قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي غرة فرسه، وقال الأترازي: فيه نظر، لأن الإنسان المقاتل في سبيل تلك الحالة لا يختار المال على روحه، ولهذا قال الأصح قول البعض.

[هل يسهم للمملوك والمرأة والصبي والمجنون والذمي]
م: (ولا يسهم لمملوك ولا امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا ذمي، ولكن يرضخ لهم) ش: بالضاد والخاء المعجمتين، من رضخ فلان لفلان من ماله: إذا أعطاه قليلاً من كثير، والاسم الرضخ م:

(7/167)


على حسب ما يرى الإمام، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يرضخ لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(على حسب ما يرى الإمام، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يرضخ لهم» .
وقال الأترازي: وقد روي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كان لا يسهم للعبيد والنساء والصبيان، ويرضخ» انتهى.
ولم يبين من خرج هذا الحديث ولم يبين حاله. وأخرج مسلم عن يزيد عن هرمز قال: كتب بحجدة بن عامر القدوري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل يقسم لهما؟ فكتب إليه: أن ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. وفي لفظ: فكتب إليه وسأله عن المرأة والعبد هل كان لهما سهم معلوم إذا حضروا البأس، فإنهم لم يكن لهم سهم معلوم، إلا أن يحذيا من غنائم القوم.
قوله: يحذيا، أي يعطيا بالحاء المهملة والذال المعجمة، وقد جاءت أحاديث مخالفة لهذا، منها: ما رواه أبو داود والنسائي عن رافع بن سلمة «عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة خيبر.. الحديث، وفيه: أسهم لنا كما أسهم للرجال» . وذكر الخطابي أن الأوزاعي قال: يسهم لهن، وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث، وإسناده ضعيف لا تقوم به الحجة، وقال الترمذي: وقال الأوزاعي: وأسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصبيان بخيبر، وأسهمت أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب.
وقال الأوزاعي: وأسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده، حدثنا بذلك علي ابن حزم، قال أبو عيسى بن يونس عن الأوزاعي بهذا.
ومنها ما رواه أبو داود مرسلاً عن محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعبي، والبيهقي عن خالد بن معبد «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للنساء والصبيان والخيل» . وأجاب الطحاوي عن مثل هذا وأمثاله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للنساء والصبيان، واستطاب أهل الغنيمة.
وأجاب غيره بقوله: يشبه أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما أعطاهم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة.

(7/168)


ولما استعان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باليهود على اليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة، يعني أنه لم يسهم لهم، ولأن الجهاد عبادة، والذمي ليس من أهلها، والمرأة والصبي عاجزان عنه، ولهذا لم يلحقهما فرضه، والعبد لا يمكنه المولى وله منعه، إلا أنه يرضخ لهم تحريضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولما استعان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باليهود على اليهود لم يعطهم شيئاً من الغنيمة، يعني أنه لم يسهم لهم) ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: «استعار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهود قينقاع فرضخ لهم» . ثم قال: تفرد به الحسن بن عمارة، وهو متروك. وروي حديث مخالف لهذا، رواه الترمذي من حديث الزهري قال: «أسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقوم من اليهود قاتلوا معه» ورواه أبو داود في مراسيله، وزاد في آخره «هاهنا: ومثل سهمان المسلمين» . وقال " صاحب التنقيح ": مراسيل الزهري ضعيفة، وكان يحيى القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاًَ يقول: هي بمنزلة الريح.
واختلفوا هل يستعان بالكافر في القتال عند الحاجة؟ فعندنا - وأحمد - يستعان لما ذكرنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال ابن المنذر وجماعة من أهل العلم: لا يستعان بالكافر لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين» ، ما ذكر أنه استعان بهم غير ثابت.
قال الكاكي: قلنا: بل هو ثابت ذكره الثقات المشهورون، وما رواه غير مشهور وليس بثابت، فهو محمول على زجر قوم متعينين يريد إسلامهم، انتهى.
قلت: الحديث الذي ذكره ابن المنذر رواه إسحاق بن راهويه في مسنده والواقدي في كتاب " المغازي " والكاكي رده من غير وجه، ثم ادعى أن الذي ذكره عن الثقات المشهورين ولم يبين ذلك، والخصم لا يرضى بهذا المقدار، وهاهنا بحث كثير، ذكرناه في شرح للبخاري.
م: (ولأن الجهاد عبادة، والذمي ليس من أهلها) ش: أي من أهل العبادة م: (والمرأة والصبي عاجزان عنه) ش: أي عن الجهاد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عجزهما عن الجهاد م: (لم يلحقهما) ش: أي المرأة والصبي م: (فرضه) ش: أي فرض الجهاد م: (والعبد لا يمكنه المولى) ش: أي من الجهاد م: (وله) ش: أي للمولى م: (منعه) ش: أي عن الجهاد، ولأنه فرض كفاية، إلا إذا هجم العدو، فليس له منعه حينئذ، لأنه يصير فرض عين.
م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الإمام م: (يرضخ) ش: أي يعطي م: (لهم تحريضاً) ش: شيئاً

(7/169)


على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم،
والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق فيه وتوهم عجزه، فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال، ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل لأنه دخل لخدمة المولى، فصار كالتاجر، والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى، وتقوم على المرض؛ لأنها عاجزة عن حقيقة القتال، فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال، بخلاف العبد، لأنه قادر على حقيقة القتال،
والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق ولم يقاتل، لأن فيه منفعة للمسلمين، إلا أنه يزاد له على السهم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بحسب ما يراه، وبه قالت الثلاثة. وعن أحمد في رواية: يرضخ للكافر إن قاتل بإذن الإمام وبغير إذن الإمام، أي لأجل تحريضهم م: (على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم) ش: أي رتبة المرأة والصبي والعبد إن لم ينه متبوعهم، لأن العبد تبع للحر، والصبي تبع للبائع والذمي أيضاً تبع للمسلم، ولهذا لا يمكن أهل الذمة من نصب الراية لأنفسهم.
وقال مالك: يسهم للصبي المراهق إذا أطاق القتال، لأنه من أهل الجهاد، والرضخ من أين يكون؟ قال الشافعي في قول أحمد في رواية من الغنيمة، وبه قال أصحابنا، وقال في قول من أربعة الأخماس، وبه قال أحمد في رواية. وقال في قول: من خمس الخمس، وقال مالك: الرضخ من الخمس.

[متى يرضخ للمرأة]
م: (والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق فيه وتوهم عجزه) ش: أي إذا أبدل الكتابة، فإذا كان كذلك م: (فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال، ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل، لأنه دخل) ش: يعني مع العسكر في دار الحرب م: (لخدمة المولى) ش: أي لأجل خدمة مولاه م: (فصار كالتاجر) ش: يدخل للتجارة م: (والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى وتقوم على المرضى) ش: يعني إذا مرضتهم م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (عاجزة عن حقيقة القتال) ش: قيد به لأنها غير عاجزة عن شبهة القتال وهي الأمان، فإن أمانها يصح بلا خلاف م: (فيقام هذا النوع) ش: وهو مداواتها الجرحى وقيامها على المرضى م: (من الإعانة مقام القتال) ش: فإذا كان كذلك رضخ لها بلا قتال.
م: (بخلاف العبد) ش: يرتبط بقوله: لأنها عاجزة م: (لأنه قادر على حقيقة القتال) ش: حتى لم يرضخ له إذا لم يوجد منه القتال، بخلاف المرأة، فإن خدمتها لمرضى العسكر يقوم مقام القتال وليس كذلك خدمة العبد مولاه.

[متى يرضخ للذمي]
م: (والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق) ش: الذي يمشي فيها العسكر م: (ولم يقاتل) ش: أي والحال أنه لم يقاتل م: (لأن فيه) ش: أي في قتاله أو في كونه دالاً على الطريق م: (منفعة للمسلمين، إلا أنه يزاد له على السهم) ش: أي لا يزاد للذمي بالرضخ على السهم م: (في

(7/170)


الدلالة إذا كانت فيها منفعة عظيمة، ولا يبلغ به السهم إذا قاتل لأنه جهاد، والأول ليس من عمله، فلا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد، وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ولا يدفع إلى أغنيائهم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لهم خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدلالة) ش: على الطريق م: (إذا كانت فيها منفعة عظيمة، ولا يبلغ به السهم إذا قاتل) ش: أي الذمي.
قوله: السهم، مرفوع، كما في قولك: بلغ بعطائك خمسمائة، بالرفع، ولا يجوز النصب. والحاصل أنه إذا قاتل لا يزاد على سهم الراجل إن كان راجلاً ولا سهم الفارس إذا كان فارساً م: (لأنه جهاد) ش: والذمي تبع للمسلمين فيه، فلا يسوى بينه وبين المسلم.
م: (والأول ليس من عمله) ش: أي كونه دالاً على الطريق ليس من عمل الجهاد، فكان كسائر الأعمال م: (فلا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد) ش: ولكن يعطى له من أجل دلالته زيادة على السهم، أي قدر تعبه. ولما فرغ من بيان أحكام الأربعة الأخماس شرع في بيان حكم الخمس فقال: م: (وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل) ش: هذا هو المشهور عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه يقسم على ثلاثة أصناف وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال الطحاوي في " مختصره ": وقد روى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يقسم في ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل م: (يدخل فقراء ذوي القربى فيهم) ش: (أي في هذه الأصناف الثلاثة، قال العلامة بدر الدين الكردري: معنى هذا القول: أي أيتام ذوي القربى يدخلون في سهم المساكين، وأبناء السبيل يدخلون في سهم ابن السبيل؛ لما أن سبب الاستحقاق في هذه الأصناف الثلاثة الاحتياج، غير أن سببه مختلف في نفسه من اليتم والمسكنة وكونه ابن السبيل.
وفي " التحفة ": هذه الثلاثة الأصناف مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق، حتى لو صرف إلى صنف واحد جاز كما في الصدقات م: (ويقدمون) ش: أي فقراء ذوي القربى يقدمون على الأصناف الثلاثة م: (ولا يدفع إلى أغنيائهم) ش: أي أغنياء ذوي القربى.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم) ش: أي لذوي القرى م: (خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين) ش: وعن الشافعي: يقسم الخمس على خمسة أسهم، سهم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته، وبعد وفاته يصرفه الإمام إلى مصالح الذين يرى؛ وبه قال أحمد. وعن الشافعي أنه يرد سهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعده على بقية الأصناف. وحكى ابن

(7/171)


ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] من غير فصل بين الغني والفقير. ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه، وكفى بهم قدوة، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة أيدي الناس وأوساخهم، وعوضكم منها بخمس الخمس»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنذر قولاً ثالثاً أنه يكون للأئمة بعده، أي الخليفة. وقال مالك: تفرقة الخمس إلى الإمام، يفرقه فيما شاء، وسهم لليتامى لكل صغير فقير لا أب له.

[تقسيم خمس النبي]
م: (ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم) ش: من عبد شمس وبني نوفل. واعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان بنو عبد مناف خمساً؛ هاشم والمطلب ونوفلاً وعبد شمس وأبا عمر، واسمه عبيد ولم يعقب، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من بني عبد شمس لأنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وجبير من بني نوفل فإنه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] من غير فصل بين الغني والفقير) ش: فيشتركان.
م: (ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (قسموه) ش: أي الخمس م: (على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه) ش: يعني به قوله: أما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، إلى آخره، وروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن الخمس الذي كان يقسم على عهده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على خمسة أسهم: لله وللرسول سهم، ولذي القربى واليتامى سهم، وللمساكين سهم، وابن السبيل سهم» ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثلاثة أسهم: سهم لليتامى وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، انتهي. وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم ينكر عليهم، فحل محل الإجماع م: (وكفى بهم قدوة) ش: أي كفى بالخلفاء الأربعة اقتداء.
م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «يا معشر بني هاشم: إن الله تعالى كره لكم غسالة أيدي الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس» ش: هذا الحديث غريب وقد تقدم في الزكاة.
وروى الطبراني في " معجمه " من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: «بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهما-: انطلقا إلى ابن عمكما لعله يستعين بكما على الصدقات لعلكما تصيبان شيئاً فتتزوجان، فلقيا علياً - رضوان الله عليه - فقال: أين تأخذان؟ فحدثاه،

(7/172)


والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض وهم الفقراء، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -علل فقال: إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام، وشبك بين أصابعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال لهما: ارجعا، فلما أمسيا أمرهما أن ينطلقا إلى نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما دفعا الباب استأذنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: " أرخي الستار عليك سجفك أدخل علي ابن عمي "، فحدثا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحاجتهما، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحل لكما أهل البيت من الصدقات شيء ولا غسالة أيدي الناس، إن لكم في خمس الخمس لما يغنيكم ويكفيكم» .

م: (والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض) ش: أراد بالعوض خمس الخمس، وبالمعوض على صيغة اسم المفعول من التعويض الزكاة. تقريره أن العوض وهو الزكاة لا يجوز دفعها إلى الأغنياء، فكذلك يجب أن يكون عوض الزكاة وهو خمس الغنائم لا يدفع إليهم، لأن العوض إنما يثبت في حق من فات عنه المعوض وإلا لا يكون عوضاً لذلك المعوض.
فإن قيل: هذا الحديث إما أن يكون ثابتاً صحيحاً أو لا، فإن كان الأول وجب أن يقسم الخمس على خمسة أسهم، وأنتم تقسمونه على ثلاثة أسهم، وهو مخالفة الحديث الثابت الصحيح وإن كان الثاني لا يصح الاستدلال به. أجيب: بأن لهذا الحديث دلالتين، إحداهما إثبات العوض في المحل الذي فات عنه المعوض على ما ذكرناه والثانية جعله على خمسة أسهم.
ولكن قام الدليل على انتفاء قسمة الخمس على خمسة أسهم، وهو فعل الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما تقدم، ولم يقم الدليل على تغيير العوض ممن فات منه المعوض فقلنا به كما تمسك الخصم على تكرار الصلاة على الجنازة بما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبعين صلاة، وهو لا يقول بالصلاة على الشهيد» ولكن يقول: للحديث دلالتان، إحداهما ثابتة وإن انتفت الأخرى.
م: (وهم الفقراء) ش: الضمير يرجع إلى كلمة من في قوله: من يثبت م: (والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان ما ذكرتم صحيحاً، بجميع مقدماته، لما أعطاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ثبت أنه أعطى بني هاشم وبني المطلب. وتقرير الجواب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أعطاهم للنصرة.
م: (ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (علل فقال: «إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام، وشبك بين أصابعه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه

(7/173)


دل على أن المراد من النص قرب النصرة لا قرب القرابة. فأما ذكر الله تعالى في الخمس فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه.
وسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سقط بموته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب، جئت أنا وعثمان قلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك منهم، إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال: " إنهم لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام "وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، ثم شبك بين أصابعه» .
م: (دل على أنا المراد من النص قرب النصرة لا قرب القرابة) ش: وذكر أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي أن أصحابنا اختلفوا في هذا فمنهم من قال: إنهم كانوا يستحقون السهم بالمعنيين النصرة والقرابة جميعاً.
واستدلوا بالحديث المذكور. وأخبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنهم استحقوا بالنصرة وبالقرابة جيمعاً، فما لم يجتمعا لم يستحق، فمن جاء بعد ذلك من القرابة فقد عدمت منه النصرة فحينئذ إنما يستحقه بالفقر دون غيره، ولا حق لأغنياء. من أصحابنا من قال: إن سهم ذوي القربى في الأصل لم يجب إلا للفقراء منهم، ولم يكن مستحقا باسم القرابة دون الفقر.
والدليل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى بني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل، وهما جميعاً في محل واحد من القرابة، ولو كان مستحقاً بالقرب لاستحق الجميع لتساويهم فيه، ومن الدليل عليه أيضاً أن الخلفاء الراشدين لم يعطوا سهم ذوي القربى لأغنياء منهم، وإنما أعطوا الفقراء.
م: (فأما ذكر الله تعالى في الخمس) ش: في قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) م: (فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه) ش: روى أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الآثار بإسناده إلى سفيان الثوري عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] قال: أما قوله: فأن لله خمسه، فهو مفتاح كلام، ولله الدنيا والآخرة.

م: (وسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سقط بموته) ش: لأنه كان يستحق ذلك لكونه رسولاً، فلما مات سقط، لأنه لا رسول بعد وفاته، ولم يكن استحقاقه ذلك لقيامه بأمور أمته، ولهذا لم يرفع الخلفاء الراشدون بعده هذا السهم لأنفسهم.

(7/174)


كما سقط الصفي، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده،
والصفي شيء كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكانت له خصائص شرف الرسالة لم تكن للأئمة، كحل التسع وحرمة نسائه بعده على المؤمنين وإباحة البضع بلا مال، والعصمة عن الكذب م: (كما سقط الصفي) ش: بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء، أي كما سقط الصفي بموته، وكذا سقط خمس الخمس وسهم رجل من الغنيمة.
م: (لأنه) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (كان يستحقه) ش: أي السهم م: (برسالته) ش: أي بسبب رسالته م: (ولا رسول بعده) ش: أي بعد موته، ولهذا لا يستحقه الخلفاء، ولأن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لا يورثون.

م: (والصيفي شيء كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصطفيه لنفسه من الغنيمة) ش: أي يختاره لنفسه م: (مثل درع أو سيف أو جارية) ش: وروى أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعي الصفي إن شاء عبداً، أو شاء أمة، وإن شاء فرساً يختاره قبل الخمس» هذا مرسل.
وأخرج أيضاً عن ابن عون - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سألت محمد بن سيرين عن سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصفي، قال: كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد، والصفي يؤخذ له [من] رأس الخمس، قبل أي شيء، وأخرج أيضاً عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كانت صفية من الصفي» ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط الشيخين - رحمهما الله - ولم يخرجاه.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السير الكبير بإسناده عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: «كان سيف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي تنفل يوم بدر، كان سيف العاص بن المنبه بن الحجاج، يعني اتخذه لنفسه صفياً» . قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فهذا دليل على أنه لم يحمل من الجنة.
وذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه في كتاب السيوف: «كان سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذا الفقار، وكان للعاص بن منبه الحجاج السهمي، فقتله علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم بدر وجاء بسيفه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصار بعد لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطاه إياه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وله يقول القائل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» . إلى هنا كلام الكلبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(7/175)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصرف سهم الرسول إلى الخليفة، والحجة عليه ما قدمناه. وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنصرة لما روينا. قال: وبعده بالفقر، قال العبد الضعيف: هذا الذي ذكره قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سهم الفقير منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وما ذكر الزمخشري في " فائقه ": أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنفله في غزوة المصطلق، ليس بصحيح لرواية من هو أقدم وأعلم بخلافه، ولا سيما أمر المغازي، فإن الكلبي آية فيه. وقال الأكمل: «واصطفى صفية من غنائم خيبر» . انتهى، قلت: ذكر البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره مسنداً إلى أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروساً، فاصطفاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنفسه» . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصرف سهم الرسول إلى الخليفة) ش: هذا في رواية عنه وفي رواية: يصرف إلى مصالح المسلمين كسد الثغور، وبه قال أحمد. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرد سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعده على بقية الأصناف.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قدمناه) ش: من أن الخلفاء الراشدين لم يرفعوا بعده هذا السهم لأنفسهم م: (وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنصرة لما رويناه) ش: إشارة إلى قوله: والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة، إلى آخر ما قال.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وبعده بالفقر) ش: أي وبعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستحقون بالفقر، فلا يعطى شيء لأغنيائهم م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هذا الذي ذكره) ش: أي القدوري أن استحقاقهم بالفقر م: (قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . (وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سهم الفقير منهم ساقط أيضاً لما رويناه من الإجماع) ش: أشار به إلى قوله: ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه على ثلاثة أسهم م: (ولأن فيه) ش: أي في سهم ذوي القربى م: (معنى الصدقة نظراً إلى المصرف) ش: لأن الهاشمي الذي يصرف إليه فقير، إذا لم يكن فقيراً لا يجوز صرفه إليه بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتفاق الروايات عن أصحابنا، فلما كان فيه معنى الصدقة م: (فيحرم) ش: أي ذوي القربى م: (كما يحرم العمالة) ش: أي كما حرم الهاشمي العامل على الصدقة العمالة بضم العين، وهو ما يعطى على عمله.
م: (وجه الأول) ش: أراد قول الكرخي م: (وقيل هو الأصح) ش: إنما قال: وقيل؛ لأن في كون قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صح اختلاف المشايخ م: (ما روي) ش: خبر لقوله: وجه الأول، وقوله: وقيل هو الأصح، جملة معترضة بين المبتدأ والخبر [....] م: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى الفقراء منهم) ش: أي من ذوي القربى. روى أبو داود في " سننه " من حديث سعيد بن المسيب حدثنا جبير بن مطعم «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقسم لبني عبد شمس ولا

(7/176)


ساقط أيضا لما روينا من الإجماع، ولأن فيه معنى الصدقة نظرا إلى المصرف، فيحرم كما يحرم العمالة، وجه الأول وقيل هو الأصح: ما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى الفقراء منهم، والإجماع انعقد على سقوط حق الأغنياء، أما فقراؤهم فيدخلون في الأصناف الثلاثة.
وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذوا شيئا، لم يخمس؛ لأن الغنيمة هي المأخوذة قهرا أو غلبة لا اختلاسا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لبني نوفل من الخمس شيئاً، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال: وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقسم الخمس نحو قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، غير أنه لم يعط قربى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما كان يعطيهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعطيهم ومن كان بعده منه» .
م: (والإجماع) ش: أي إجماع الصحابة م: (انعقد على سقوط حق الأغنياء، أما فقراؤهم) ش: أي فقراء ذوي القربى م: (فيدخلون في الأصناف الثلاثة) ش: أي في اليتامى والمساكين وابن السبيل، فقد تقدم هذا في أول البحث، وكرر هنا لزيادة الإيضاح.
فإن قيل: إن كانت هؤلاء الثلاثة مصارف باعتبار الحاجة فلا يحل للأغنياء، فإذن فلا فائدة في ذكر الفقراء في القرآن، أجيب: بأنه إنما ذكرهم لأن أفهام بعض الناس تذهب إلى أن الفقير منهم لا يستحق لما أنه من قبيل الصدقة، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآله» فإذًا زال ذلك الوهم بتخصيصهم بالذكر.
فإن قيل: ما الفائدة في ذكر اليتيم؟ لأنه يدخل في المساكين، أجيب: بأنه لدفع وهم من يتوهم أن اليتيم لا يستحق الخمس، لأن الخمس عن الغنيمة، والغنيمة بالجهاد تحصل واليتيم ليس بأهل للجهاد فأزال ذلك الوهم بتخصيص ذكر اليتيم.

[إذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين]
م: (وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين) ش: أي حال كونهم مغيرين من الإغارة، قال الكاكي: إنما ذكر بلفظ الجمع نظراً إلى قوله: أخذوا، فكان نظير قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] (النساء: الآية 135) ، فرد الضمير إلى المعطوف والمعطوف عليه جميعاً في كلمة أو وإن كانت أو لأحد الشيئين م: (بغير إذن الإمام، فأخذوا شيئاً لم يخمس) ش: وقال الشافعي ومالك وأكثر أهل العلم: يخمس، لأنه مال حربي أخذتهن إن كان غنيمة فيخمس.
وأما ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (لأن الغنيمة هي المأخوذة قهراً أو غلبة) ش: في بعض النسخ هو المأخوذ قهراً، أي من حيث القهر والغلبة م: (لا اختلاساً) ش: أي ليست الغنيمة هي المأخوذة من حيث الاختلاس.

(7/177)


وسرقة والخمس وظيفتها.
ولو دخل الواحد أو الاثنان بإذن الإمام ففيه روايتان، والمشهور أنه يخمس، لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة، وإن دخلت جماعة لها منعة فأخذوا شيئا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام، لأنه مأخوذ قهرا وغلبة، فكان غنيمة، ولأنه يجب على الإمام أن ينصرهم إذ لو خذلهم كان فيه وهن المسلمين، بخلاف الواحد والاثنين، لأنه لا يجب عليه نصرتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وسرقة) ش: أي من حيث السرقة م: (والخمس وظيفتها) ش: أي وظيفة الغنيمة والاختلاس والسرقة في دار الحرب كاكتساب مال مباح مثل الاصطياد والاحتطاب، وإنما ذكر واحد واثنين، وفي المنية: والثلاثة في حكم الاثنين، وفي كل يخمس وتوضع في بيت المال.

[دخول الواحد أو الاثنان دار الحرب بإذن الإمام]
م: (ولو دخل الواحد أو الاثنان بإذن الإمام ففيه روايتان، والمشهور أنه يخمس، لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد) ش: بكسر الهمزة، أي بالآية م: (فصار كالمنعة) ش: أي فصار الإمام كالمنعة لهم، حيث أذن لهم، والرواية الأخرى وهي غير مشهورة، لأنه لا يخمس وهي رواية البرامكة، ذكرها الناطقي في الأجناس.
م: (وإن دخلت) ش: أي دار الحرب م: (جماعة لها منعة فأخذوا شيئا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام) ش: هذا لفظ القدوري ولم ينص على قدر المنعة، وأشار في البرامكة في كتاب الخراج لابن شجاع إلى التسعة.
وفي " المحيط " عن أبي يوسف أنه قدر الجماعة التي لا منعة لها بتسعة تقود التي لها منعة بعشرة م: (لأنه مأخوذ قهراً وغلبة، فكان غنيمة) ش: فيخمس م: (ولأنه يجب على الإمام أن ينصرهم، إذ لو خذلهم) ش: بالخاء والذال المعجمتين، أي لو ترك عونهم ونصرتهم م: (كان فيه) ش: أي في خذلانهم ضعف المسلمين، يقال: خذلت الرجل أخذله خذلا وخذلاناً: إذا ترك معونته م: (وهن المسلمين) ش: أي ضعفهم، والوهن بسكون الهاء مصدر وهن يهن من باب ضرب يضرب، وبالفتح مصدر من باب وهن يهن من باب علم يعلم.
م: (بخلاف الواحد) ش: إذا دخل دار الحرب م: (والاثنين) ش: أي بخلاف الاثنين إذا دخلا دار الحرب م: (لأنه لا يجب عليه) ش: أي على الإمام نصرة الواحد والاثنين م: (نصرتهم) .

(7/178)


فصل في التنفيل قال: ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال ويحرض به على القتال فيقول: من قتل قتيلا فله سلبه، ويقول للسرية: قد جعلت لكم الربع بعد الخمس، معناه بعدما رفع الخمس، لأن التحريض مندوب إليه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] (الأنفال: الآية 65) ، وهذا نوع تحريض ثم قد يكون التنفيل بما ذكر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في التنفيل]
م: (فصل في التنفيل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التنفيل، وهو نوع من قسمة الغنيمة، فلذلك ألحقه بها، يقال: نفل الإمام الغازي: إذا أعطاه زائداً على سهمه بقوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» نفله نفلاً بالتخفيف، ونفله تنفيلاً بالتشديد، لغتان فصيحتان، كذا قال ابن دريد، والنفل بفتحتين: الغنيمة، وجمعه أنفال.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال) ش: وفي " المبسوط ": ويستحب للإمام أن ينفل قبل الإصابة، فعلم من هذا ما قالوه أن لفظ لا بأس يستعمل فيما تركه أولى ليس بمجرى على عمومه، ولهذا قال في الكتاب: التحريض مندوب إليه، وإنما قيد بقوله: في حال القتال؛ لأن التنفيل إنما يصح عندنا إذا كان قبل الإصابة.
وعند الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح بعد الإصابة في حق السلب للقاتل، كذا ذكره في الأسرار م: (ويحرض به) ش: أي بالتنفيل م: (على القتال فيقول) ش: أي الإمام [....] لتغير ما قبله م: (من قتل قتيلاً فله سلبه) ش: القتيل لا يقتل، إنما أريد به من يقدر له القتل من الكفار باعتبار المال.
م: (ويقول) ش: أي الإمام م: (للسرية) ش: وهي جيش قليل يسيرون، وقد مر الكلام فيه م: (قد جعلت لكم الربع بعد الخمس) ش: هذا كلام القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بعدما رفع الخمس) ش: يعني ربع ما أصبتم بعد رفع خمسه م: (لأن التحريض مندوب إليه. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] (الأنفال: الآية 65) ، وهذا) ش: أي التنفيل م: (نوع تحريض) ش: لأن المنفل له يجد في القتال لأجل ما يحصل له من الزيادة على سهمه المعين المقدر.
فإن قيل: قوله: حرض، أمر، ومطلقه ينصرف إلى الوجوب.
أجيب: بأنه يعارضه دليل قسمة الغنائم، فانصرف إلى الاستحباب.
م: (ثم قد يكون التنفيل بما ذكر) ش: أي بما ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو التنفيل بالربع

(7/179)


وقد يكون بغيره، إلا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ، لأن فيه إبطال حق الكل، فإن فعله مع السرية جاز، لأن التصرف إليه وقد تكون المصلحة فيه،
ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام، لأن حق الغير قد تأكد فيه بالإحراز. قال: إلا من الخمس، لأنه لا حق للغانمين في الخمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعد الخمس، أو التنفيل بالسلب م: (وقد يكون بغيره) ش: أي بغير ما ذكره ولا ينحصر بما ذكره، بل يجوز بغيره بأن يقول: جعلت لكم النصف بعد الخمس مثلاً، أو يقول: ما أصبتم فلكم، إلا أن الأولى أن لا يجعل بجميع المأخوذ، لأن فيه قطع الباقين من القراة، ومع هذا لو فعل جاز لما فيه من المصلحة على ما يجيء.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال بعض الشارحين: أراد بقوله: وقد يكون بغيره نحو الذهب والفضة، وفيه نظر، لأنه دخل تحت ما ذكره في مختصر القدوري، لأن السلب يشتمل ما في وسط القتيل من الذهب والفضة، فكيف يكون غير ما ذكر المختصر.
قلت: أراد ببعض الشارحين صاحب " النهاية "، فإنه قال: وقد يكون بغيره نحو الذهب والفضة، وتبعه الأكمل على ذلك. وليس هذا محل نظر، لأن الغالب في السلب هو ما يكون على القتيل من سلاحه وثيابه، وكون الذهب والفضة في وسطه نادر، ومع هذا لو صرح الإمام في التنفيل بالذهب والفضة يجوز، وقال صاحب الإيضاح: ويجوز التنفيل بسائر الأموال من الذهب والفضة وغير ذلك.
م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الشأن م: (لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ، لأن فيه إبطال حق الكل) ش: أي حق كل الغزاة م: (فإن فعله مع السرية جاز) ش: أي فإن فعل الإمام التنفيل مع سرية يبعثها جاز م: (لأن التصرف إليه) ش: أي للإمام م: (وقد تكون المصلحة فيه) ش: أي في تنفيله كذلك.
وذكر في " السير الكبير ": إذا قال الإمام لعسكره جميعاًَ: ما أصبتم فلكم نفلاً بالسوية، لا يجوز، لأن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك إذا خص البعض بالتنفيل، وكذلك إذا قال: ما أصبتم فهو لكم، ولم يقل: بعد الخمس، لأن فيه إبطال الخمس الذي أوجبه الله تعالى في الغنيمة وإبطال حق ضعفاء المسلمين، وذلك لا يجوز.

[النفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام]
م: (ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لأن حق الغير قد تأكد فيه بالإحراز) ش: أي بدار الإسلام.
فلا يجوز للإمام أن يقطع حق الغير م: (قال: إلا من الخمس) ش: أي قال القدوري: ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس. وقال المصنف: م: (لأنه لا حق للغانمين في الخمس) ش:

(7/180)


وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة، والقاتل وغيره في ذلك سواء.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السلب للقاتل إذا كان من أهل أن يسهم له وقد قتله مقبلا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قتل قتيلا فله سلبه» والظاهر أنه نصب الشرع، لأنه بعث له، ولأن القاتل مقبلا أكثر غناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يلزم قطع حقهم، فيتصرف الإمام فيه على ما رأى من مصلحة في أموال المسلمين.
فإن قيل: إن لم يكن فيه إبطال حق الغانمين ففيه إبطال حق الأصناف الثلاثة، وذلك واجب بأن جوازه باعتبار أن المنفل له جعل واحداً من الأصناف الثلاثة.
فلم يكن ثمة إبطال حقهم، إذ يجوز صرف الخمس على أحد الأصناف الثلاثة لما تقدم أنهم مصارف لا يستحقون، لكن ينبغي أن يكون المنفل له فقيراً، لأن الخمس حق المحتاجين لا حق الأغنياء، فجعله للغني إبطال المحتاجين.

[من يستحق السلب من الغنيمة]
م: (وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة، والقاتل وغيره في ذلك سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السلب للقاتل) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا كان من أهل أن يسهم له) ش: أو من أهل أن يرضخ له عند أحمد. وعند الشافعي من أن يكون له الرضخ، فله في سلبه قولان، في قول كقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول: لا سلب له م: (وقد قتله مقبلاً) ش: وقال الأترازي: قال الشافعي: إذا كان القاتل مقبلاً فالسلب للقاتل، انتهى. هذا مصرح أن مقبلاً حال من الضمير المرفوع في وقد قتله، وهذا سهو منه فإنه حال من الضمير المنصوب فيه كما ذكرنا، وقد كتب شيخي العلاء بيده: مقبلاً حال من المفعول، أي حال كون الكافر مقبلاً لا حال كونه مدبراً بالهزيمة.
وكذا قال تاج الشريعة في شرحه: قوله: مقبلاً حال من المفعول، لأن الشرط عنده، أي عند الشافعي كون القتيل مقبلاً، حتى لو قتل منهزماً أو نائماً أو مشغولاً بشيء لم يستحق السلب. قوله: مقبلاً، الواو فيه للحال، ومقبلاً حال أيضاً من الضمير المنصوب في قتله، احترز به عما إذا قتله مدبراً فإنه لا سلب له.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قتل قتيلاً فله سلبه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أبي قتادة الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (والظاهر أنه) ش: أي أن هذا الحديث م: (نصب الشرع) ش: كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه» ، فيكون السلب للقاتل سواء شرطه الإمام أو لم يشترط م: (لأنه بعث له) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث لنصب الشرع.
م: (ولأن القاتل مقبلاً) ش: أي كافراً مقبلاً إليه م: (أكثر غناء) ش: أي كفاية في الجهاد م:

(7/181)


فيختص بسلبه إظهارا للتفاوت بينه وبين غيره. ولنا أنه مأخوذ بقوة الجيش غنيمة فيقسم قسمة الغنائم كما نطق به النص. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لحبيب بن أبي سلمة: «ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فيختص بسلبه إظهارا للتفاوت بينه وبين غيره) ش: أي بين قاتل الكافر المقبل وبين قاتل الكافر المدبر المعر، وقد شرح الأترازي هذا الموضع بناء على قوله: إن مقبلاً حال من القاتل، وقد ذكرنا أنه سهو منه، والمبني أيضاً سهو.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن السلب م: (مأخوذ بقوة الجيش غنيمة) ش: على وجه القهر م: (فيقسم قسمة الغنائم كما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] .... الآية.
م: «وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لحبيب بن أبي سلمة ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك» ش: قال مخرج أحاديث " الهداية ": هكذا وقع في الهداية حبيب بن أبي سلمة، وصوابه حبيب ابن مسلمة. قلت: هكذا هو في كتب أسماء الصحابة، قال أبو عمرو - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكره في باب الحاء المهملة بفتح الحاء. وقال: حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشي الفهري، يكنى أبا عبد الرحمن، يقال له: حبيب الروم، لكثرة دخوله إليهم وسلته منهم.
وولاه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعمال الجزيرة إذ عزل عنها عياض بن غنم، وضم إلى حبيب بن مسلمة أرمينية وأذربيجان وسلمان بن أبي ربيعة أحدهما مدد الصحابة، فتواعد بعضها بعضاً ومات بأرمينية سنة اثنتين وأربعين.
ثم حديثه الذي ذكره المصنف رواه الطبراني في " معجمه " الكبير والأوسط: حدثنا أحمد بن معلا الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري وجعفر بن محمد الفريابي قالوا: حدثنا أحمد بن عمار أنا عمرو بن واقد أنا موسى بن سيار عن مكحول «عن جنادة بن أبي أمية قال: نزلنا دابقاً وعلينا أبو عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبلغ حبيب بن مسلمة أن نبيه صاحب قبرص خرج يريد طريق أذربيجان ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وغيرها فخرج إليه فقتله فجاء بما معه. فأراد أبو عبيدة أن يخمسه فقال له حبيب بن مسلمة: لا تحرمني رزقا رزقنيه الله تعالى، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل السلب للقاتل، فقال معاذ: يا حبيب إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه» انتهى. وفي إسناده عمرو بن واقد الدمشقي البصري مولى قريش. قال

(7/182)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك.
ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده حدثنا بقية بن الوليد حدثني رجل عن مكحول «عن جنادة بن أبي أمية قال: كنا معسكرين بدابق فذكر لحبيب بن مسلمة الفهري أن نبيه صاحب قبرص خرج بتجارته متجهاً بها إلى طريق أرمينية، فخرج عليه حبيب بن مسلمة فقاتله فجاء بسلبه يحمله على خمسة أبغال من الديباج والياقوت والزمرد والزبرجد.
فأراد حبيب أن يأخذه كله، وأبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول بعضه، فقال حبيب لأبي عبيدة: قد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من قتل قتيلاً فله سلبه " فقال أبو عبيدة: لم يكن ذلك أبداً، وسمع معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك فأتى أبا عبيدة وحبيب يخاصمه، فقال معاذ لحبيب: ألا تتقي الله وتأخذ ما طابت به نفس إمامك، فإنما لك ما طابت نفس إمامك.
وحدثهم معاذ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمع رأيهم على ذلك فأعطوه بعد الخمس» فباعه حبيب بألف دينار، وذكره البيهقي في المعرفة بهذا الإسناد، ثم قال: وهو منقطع بين مكحول ومن فوقه، وراويه عن مكحول مجهول، وهذا الإسناد لا يحتج به، انتهى.
وفي هذا الموضع نظر [......] ثلاثة منها ترجع إلى كلام المصنف:
الأول: أنه ذكر حبيب بن أبي سلمة وليس في الصحابة إلا حبيب بن مسلمة، كما ذكرنا.
والثاني: أن الحديث الذي احتج به لأصحابنا ضعيف كما ذكرنا.
والثالث: أن هذا الحديث ليس لحبيب فإنه ما سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو لمعاذ بن جبل سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورد على حبيب حين أراد أن يستبد بالسلب الذي أخذه كما ذكرنا.
والنظر الرابع: يرجع إلى الشراح فإنهم كلهم تنكثوا عن التحرير في هذا الموضع ورضوا بما شرحوا فيه بما لا يرضى به من له أدني إلمام بالتصرف في الحديث، وجعلوا هذا حجة على الشافعي، وكيف يكون حجة وفيه ما ذكرنا.
واستدل الأترازي هنا لأصحابنا فقال: وروي في السنن وشرح الآثار مسنداً إلى عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من فعل كذا فله كذا " فذهبت شبان الرجال وحبست الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم كنا ردأ لكم، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] فقرأ حتى بلغ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] أطيعوني في هذا الأمر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم

(7/183)


وما رواه يحتمل نصب الشرع ويحتمل التنفيل، فنحمله على الثاني لما رويناه، وزيادة الغناء لا يعتبر في جنس واحد كما ذكرناه،
والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كارهون، فقسم بينهم بالسواء» ففي هذا الحديث دليل على أن السلب لا يكون للقاتل، لأنه لو كان له لأعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خاصة دون غيره. انتهى.
واعترض عليه البيهقي بأن لا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنص الكتاب، فيعطي منها ما شاء. وقد قسم لجماعة لم يشهدوا ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، فقضى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك. انتهى.
قلنا: حاصل هذا الكلام أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلاً فله سلبه» على وجه التنفيل، وكذلك قال أبو عبيدة لم يقل ذلك للأبد ولاسيما إذا كان السلب كثيراً، ألا ترى إلى ما رواه الطبراني في " معجمه " عن الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي بارز مهران فقتله فقومت منطقته بثلاثين ألفا، فكتبوا إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال عمر: ليس هذا من السلب الذي يخمس، ولم ينفله وجعله مغنماً.
م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (يحتمل نصب الشرع، ويحتمل التنفيل، فنحمله على الثاني) ش: أي لحمل الحديث الذي رواه الشافعي م: (لما رويناه) ش: أي حديث حبيب وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لك من سلب القتيل إلا ما طابت به نفس إمامك» دفعاً للتعارض م: (وزيادة الغناء) ش: جواب عن قوله: لأن القاتل مقبلاً أكثر غناء، وهو أن زيادة الغناء في واحد م: (لا يعتبر في جنس واحد) ش:. وهو الكر والفر م: (كما ذكرناه) ش: إشارة إلى ما ذكره في فصل كيفية القسمة، ولأن الكر والفر من جنس واحد، وإلى قوله: تعذر اعتبار مقدار الزيادة، لأنه كم من واحد من الفرسان أو الرجال مثل الألف في الغناء، ولا يعتبر ذلك في استحقاق زيادة السهم، لأنه من جنس واحد.

[المراد بالسلب]
م: (والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه) ش: بالرفع عطفاً على قوله ما على المقتول، أي السلب أيضاً مركبه م: (وكذا) ش: أي وكذا السلب م: (ما على مركبه من السرج والآلة) ش: أي وآلة السرج نحو بشرقه وخدامه وعبائه ولجامه.
م: (وكذا) ش: أي وكذا السلب م: (ما معه على الدابة من ماله في حقيبته) ش: وهو الوعاء الذي يجعل فيه الرجل حوائجه وزوادته فيه، ويجعل في مؤخر القتب. وفي الجمهرة الحقيبة الرقادة في مؤخر القتب م: (أو على وسطه) ش: نحو الهميان.

(7/184)


وما عدا ذلك فليس بسلب، وما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلبه، ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين، فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل، حتى لو قال الإمام من أصاب جارية فهي له، فأصابها مسلم واستبرأها لم يحل له وطؤها، وكذا لا يبيعها، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رحمه الله -: له أن يطأها ويبيعها، لأن التنفيل يثبت به الملك عنده كما يثبت بالقسمة في دار الحرب وبالشراء من الحربي ووجوب الضمان بالإتلاف قد قيل على هذا الاختلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وما عدا ذلك) ش: أي المذكور من هذه الأشياء م: (فليس بسلب) ش: وقال الشافعي: السلب ما كان عليه من ساحة الحرب كالثياب التي يقاتل فيها، والسلاح الذي به، والمركوب الذي يقاتل عليه، فأما ما في يده لا يقاتل به كالمنطقة والطوق والسوار والخاتم وما في وسطه من النفقة وحقيبته ففيه قولان:
أحدهما: أنه ليس من السلب وبه قال أحمد في رواية.
والثاني: أنه من السلب وهو قولنا، وعن أحمد في مركبه روايتان.
م: (وما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلبه) ش: بل هو من الغنيمة.
م: (ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين، فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل) ش: إشارة إلى ما ذكر في باب الغنائم بقوله: ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والنافلة، والثانية منعدمة، أي اليد النافلة منعدمة قبل الإحراز فلا يثبت الملك.
م: (حتى لو قال الإمام: من أصاب جارية فهي له، فأصابها مسلم واستبرأها لم يحل له وطؤها، وكذا لا يبيعها، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يطأها ويبيعها) ش: ذكر الخلاف في الزيادات بين محمد وصاحبه، واعتمد عليه صاحب " الأسرار "، وتبعه صاحب " الهداية " ولم يذكر الخلاف في " السير الصغير "، واعتمد عليه الحاكم الشهيد في الكافي، وذكر الكرخي بين أبي حنيفة ومحمد، ولم يذكر قول أبي يوسف فقال: لا يطؤها عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد، واعتمد عليه صاحب المختلف والمنظومة م: (لأن التنفيل يثبت به الملك عنده) ش: أي عند محمد.
وبه قالت الثلاثة: م: (كما يثبت) ش: أي الملك م: (بالقسمة في دار الحرب) ش: أي بقسمة الإمام الغنائم م: (وبالشراء من الحربي) ش: فإن اشترى جارية أو غيرها في دار الحرب من الحربي) م: (ووجوب الضمان بالإتلاف) ش: لفظ وجوب الضمان مرفوع بالابتداء وخبره قوله م: (قد قيل: على هذا الاختلاف) ش: وفي بعض النسخ وقد قيل بالواو، فيكون معطوفاً على قوله الملك، أي يثبت الملك ووجوب الضمان للمنفل له على ما أتلف [.....] سلبه الذي أصابه والأول أولى.

(7/185)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإنما ذكره دفعاً لشبهة ترد على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وبيان ذلك أن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في الزيادات أن المتلف السلب، نفله الإمام يضمن، لأن الحق متأكد ولم يذكر، فورد الضمان شبهة عليها، لأن الضمان دليل تمام الملك، فينبغي أن يحل الوطء على مذهبهما أيضاً بعد الاستبراء فقال في دفع ذلك: إنه أيضاً على الاختلاف، عند محمد: يضمن، وعندهما: لا يضمن، والله أعلم.

(7/186)