البناية
شرح الهداية باب استيلاء الكفار وإذا غلب الترك على
الروم فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها. لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح
وهو السبب على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فإن غلبنا على الترك حل لنا ما
نجده من ذلك اعتبارا بسائر أملاكهم، وإذا غلبوا على أموالنا - والعياذ
بالله - وأحرزوها بدارهم ملكوها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا
يملكونها، لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء، والمحظور لا ينتهض سببا
للملك على ما عرف من قاعدة الخصم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب استيلاء الكفار]
م: (باب استيلاء الكفار) ش: أي هذا باب في بيان استيلاء الكفار، وهذه
الإضافة من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ولما شرع في استيلائهم بدأ
باستيلاء بعضهم بعضاًَ فقال:
م: (وإذا غلب الترك على الروم) ش: الترك جمع تركي، والروم جمع رومي،
والمراد كفار الترك ونصارى الروم م: (فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها، لأن
الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب) ش: أي الاستيلاء على مال مباح هو
سبب الملك م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي عند قوله: وإذا غلبوا
على أموالنا.
م: (فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك) ش: أي ما نجده في أيدي
الترك مما أخذوه من الروم م: (اعتباراً بسائر أملاكهم) ش: أي قياساً على
سائر أموال الترك، لأنهم لما ملكوا الذي أخذوه من الروم بالاستيلاء صار هو
ومالهم الأصل سواء م: (وإذا غلبوا) ش: أي الكفار م: (على أموالنا والعياذ
بالله وأحرزوها بدارهم ملكوها) ش: وبه قال مالك وأحمد إلا عند مالك
يملكونها لمجرد الاستيلاء بدون الإحراز، ولأحمد روايتان، في رواية: مع
مالك، وفي رواية: معنا.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يملكونها، لأن الاستيلاء محظور)
ش: أي ممنوع حرام مطلقاً م: (ابتداء) ش: أي في دار الإسلام م: (وانتهاء) ش:
أي بعد الإحراز بدار الحرب م: (والمحظور لا ينتهض سبباً للملك) ش: أي
المحظور من وجه لا يكون سبباً للملك لأن المحظور من كل وجه وهو الباطل لا
يكون سبباً للملك عندنا أيضاًَ كالبيع بالميتة والدم والخمر م: (على ما عرف
من قاعدة الخصم) ش: وهي إراءة إليهم أن النهي بعد المشروعية عنده.
وقال الكاكي: وتقييده بقاعدة الخصم إنما يصح في المحظور من وجه دون وجه،
كما في البيع الفاسد، أما المحظور من كل وجه لا يفيد الملك بالاتفاق كما في
استيلاء المسلم على مال المسلم.
فإن قلت: يؤيد ما قاله الشافعي ما روي عن عمران بن الحصين «أن المشركين
أغاروا على سرح
(7/187)
ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المدينة وذهبوا والعضباء وأسروا امرأة الراعي فانفلتت ذات ليلة فأتت
بالعضباء فقعدت في عجزها ونذرت إن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة
ذكروا ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " بئس
ما جزتها، لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وأخذ ناقته»
وعلم بهذا أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين، فلو كانوا يملكون لملكت
المرأة العضباء بالأخذ منهم.
قلت: ما كانوا أحرزوها بدارهم وأخذ المرأة العضباء كان قبله في الطريق.
وقيل: الإحراز لا يثبت الملك. ودليلنا من القرآن قَوْله تَعَالَى:
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] .... (الحشر: الآية 8) ، فإنه
تعالى سماهم فقراء، والفقير من لا ملك له، فلو لم يملك الكفار أموالهم لما
سموا فقراء.
ودليلنا من المعقول هو قوله م: (ولنا أن الاستيلاء) ش: أي استيلاء الكفار
م: (ورد على مال مباح) ش: لأن الاستيلاء عبارة عن الاقتدار على محل مطلقاً
على وجه يتمكن من الانتفاع في الحال ومن الادخار في المآل، والاقتدار بهذه
الصفة لا يكون إلا بعد الإحراز ثم بعد إحرازهم ارتفعت العصمة فورد
الاستيلاء حينئذ على مال مباح لا على مال محظور، فصار كالاستيلاء على الصيد
والحطب، ولهذا لا يملكون رقابنا.
فإن قيل: قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، فكيف يملكون
أموالنا بالاستيلاء والتمليك بالقهر من أقوى جهات السبيل؟.
قلنا: النص يتناول المؤمنين وهم لا يملكونهم بالاستيلاء، بل يملكون مالاً
مباحاً كما ذكرنا.
فإن قلت: يرد عليكم الاسترداد بالملك القديم من الغازي الذي وقع في قسمته،
أو من الذي اشتراه من أهل دار الحرب بدون رضى الغازي.
قلت: أجيب بأن بقاء حق الاسترداد بحق المالك القديم، لا يدل على قيام الملك
للمالك القديم، ألا ترى أن للواهب الرجوع في الهبة والإعادة إلى قديم ملكه
بدون رضى الموهوب له مع زوال ملك الواهب في الحال، وكذا الشفيع يأخذ الدار
من المشتري بحق الشفعة بدون رضى المشتري مع ثبوت الملك له.
قلت: القياس على الهبة فيه نظر على ما لا يخفى.
فإن قلت: لا نسلم أن المال مباح بأصل الخلقة.
قلت: إنه مباح به لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا} [البقرة: 29] (البقرة: الآية 29) ، واللام للاختصاص، فيقتضي
الاختصاص لجهة الانتفاع مطلقاً دون اختصاص الواحد بشيء من
(7/188)
فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف،
كاستيلائنا على أموالهم، وهذا لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل ضرورة
تمكن المالك من الانتفاع، فإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان، غير أن
الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل
حالا ومآلا، والمحظور لغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك، لأن فيه منع الباقين من الانتفاع، وقد أضيف إليهم جميعاً بحرف
الاختصاص.
م: (فينعقد) ش: أي ورود الاستيلاء على مال مباح م: (سبباً للملك دفعاًَ
لحاجة المكلف كاستيلائنا على أموالهم) ش: بعد الإحراز، وإنما تثبت العصمة
للمال لتمكن المالك من الانتفاع ودفع الحاجة، لأنه إذا لم يكن معصوماً كان
كل واحد بسبيل من التعرض، فلا تحصل المصلحة المطلوبة من العصمة، وهي التمكن
من الانتفاع ودفع الحاجة بعد إحرازهم، ارتفعت العصمة، فعاد مباحاً فملكوه
بالاستيلاء.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن الاستيلاء ورد على مال مباح، وبينه بقوله م:
(لأن العصمة) ش: أي في المال م: (تثبت على منافاة الدليل) ش: وهو قَوْله
تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
[البقرة: 29] (البقرة: الآية 29) ، يقتضي أن لا يكون مالاً معصوماً لشخص،
وإنما تثبت العصمة.
م: (ضرورة) ش: أي لضرورة م: (تمكن المالك من الانتفاع، وإذا زالت المكنة
عاد مباحاً كما كان) ش: في الأصل.
وفي " الكافي ": قوله في " الهداية ": لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل،
إلى قوله: عاد مباحاً، مشكل، فإنا إذا غلبنا على أموال أهل البغي وأحرزنا
بدارنا لم يملكها مع زوال المكنة. إلا أن يقال أراد به زوال المكنة
بالإحراز بدار الحرب.
ثم أصل الدار واحدة وهي بحكم الديانة مختلفة. فتثبت العصمة من وجه دون وجه،
فلم يثبت الملك بالشك، بخلاف أهل الحرب، لأن الدار مختلفة. والنعت متباينة
من كل وجه، فبطلت العصمة لنا في حقهم.
م: (غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه) ش: أي لأن
الاستيلاء م: (عبارة عن الاقتدار على المحل حالاً) ش: أي بالانتفاع بالمال
في الحال م: (ومآلاً) ش: أي عاقبة، يعنى بالادخار إلى الزمن الثاني م:
(والمحظور لغيره) ش: جواب عن قول الخصم: إن الاستيلاء محظور لا ينتهض سبباً
للملك.
(7/189)
إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك، وهو
الثواب الآجل، فما ظنك بالملك العاجل، فإن ظهر عليها المسلمون فوجدها
المالكون قبل القسمة فهي لهم بغير شيء، وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها
بالقيمة إن أحبوا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: إن وجدته قبل القسمة
فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقريره أن يقال: سلمنا أنه محظور، لكنه محظور لغيره مباح في نفسه، يعني أن
المال مباح لعينه، لكن الحظر فيه لحق الغير وهو المالك، والمحظور لغيره،
يعني لا لعينه م: (إذا صلح سبباً لكرامة تفوق الملك) ش: كالصلاة في الأرض
المغصوبة، فإنها تصلح سبباً لاستحقاق إعلاء النعم وهو الثواب في الآخرة،
فلأن يصلح للملك سبباً للملك في الدنيا أولى، وهو معنى قوله: م: (وهو
الثواب الآجل) ش: يعني في الآخرة م: (فما ظنك بالملك العاجل) ش: يعني في
الدنيا على أنا نقول: المحظور قد يصلح أن يكون سبباً للملك، كما في السوم
على سوم أخيه، والبيع عند الأذان يوم الجمعة وبيع الحاضر للبادي، وبيع
المتلقي للسلعة، فانتقض أصله حينئذ.
وفي " الكافي ": والمحظور بغيره، إلى قوله: بالملك العاجل، مشكل أيضاً، لأن
العصمة لا تخلو إما أن زالت بالإحراز بدارهم أو لا، فإن زالت لا يكون
الاستيلاء محظورا؛ لما مر أنه على مال مباح، وإن لم يترك لم تصر ملكاً لهم،
كما في مسألة البغاة، إلا أن يقال: العصمة المؤثمة باقية، لأنها بالإسلام،
وإن زالت بالقوة لأنها بالدار.
م: (فإن ظهر عليها المسلمون) ش: أي فإن غلب المسلمون على الأموال التي
أخذها الكفار منا م: (فوجدها المالكون قبل القسمة فهي) ش: أي تلك الأموال
م: (لهم) ش: أي للملاك م: (بغير شيء) ش: يعني يأخذونها مجاناً م: (وإن
وجدوها بعد القسمة) ش: أي بعد قسمة الإمام الغنائم م: (أخذوها بالقيمة إن
أحبوا) ش: يعني إن أرادوا أن يأخذوها يأخذونها بقيمتها.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يأخذون في الوجهين بغير شيء.
قلت: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولكن الإمام يعوض من وقع في سهمه
من بيت المال، وإن لم يكن في بيت المال شيء أعاد القسمة.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (فيه) ش: أي هذا الحكم م: (إن وجدته قبل القسمة
فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة) ش: هذا الحديث
أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن
ميسرة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيما أحرزه العدو فاستنقذه المسلمون
منهم: " إن وجده
(7/190)
ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه،
فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه
بإزالة ملكه الخاص فيأخذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن وجده قد قسم به فإن شاء أخذه بالثمن»
وقال: الحسن بن عمارة متروك.
وروى الطبراني في " معجمه " عن ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن
طرفة عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أصاب العدو ناقة رجل
من بني سليم، ثم اشتراها رجل من المسلمين فعرفها صاحبها. فأتى النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
بالثمن الذي اشتراها به صاحبها من العدو، وإلا يخلي بينه وبينها» رواه أبو
داود في مراسليه عن تميم بن طرفة قال: «وجد رجل مع رجل ناقة له فارتفعا إلى
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقام البينة أنها ناقته،
وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن شئت أن تأخذها بالثمن الذي اشتراها به فأنت أحق
به، وإلا فخل ناقته» وقال عبد الحق: ياسين ضعيف.
وأخرج الدارقطني أيضاًَ في سننه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من وجد ماله في الفيء قبل أن
يقسم فهو له، ومن وجده بعدما قسم فليس له شيء» ، قال الدارقطني: إسحاق
متروك، وهذا كما رأيت كله لا يرضى به الخصم، ولم يبق إلا أن يحتج بما رواه
الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا في " سننه " عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر
بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما أصاب المشركون من أموال الناس
فظهر عليهم فرأى رجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره، فإذا قسم ثم ظهر عليه
فلا شيء له، إنما هو رجل منهم.
وكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن خلاس عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - نحوه، قال البيهقي: رواية خلاس عن علي ضعيفة.
قلت: قال ابن حزم: رواية خلاس عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيحة.
م: (ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه، فكان له حق الأخذ نظراً له) ش:
فيأخذه بغير شيء قبل القسمة، لأن الملك في المغنوم عام بين الغانمين، فقل
الضرر عليهم م: (إلا أن في الأخذ) ش:
(7/191)
بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين، والشركة
قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمة.
وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام، فمالكه الأول
بالخيار إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه وإن شاء تركه، لأنه يتضرر بالأخذ
مجانا، ألا ترى أنه قد دفع العوض بمقابلته، فكان اعتدال النظر فيما قلناه.
ولو اشتراه بعوض يأخذه بقيمة العوض. ولو وهبوه لمسلم يأخذه بقيمته لأنه ثبت
له ملك خاص، فلا يزال إلا بالقيمة، ولو كان مغنوما وهو مثلي يأخذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي غير أن في أخذ المالك القديم م: (بعد القسمة ضرراً بالمأخوذ منه بإزالة
ملكه الخاص، فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين) ش: بغير جانب المالك
القديم والمالك الجديد م: (والشركة قبل القسمة) ش: أي قبل قسم الإمام
الغنيمة م: (عامة) ش: بينهم م: (فيقل الضرر، فيأخذه بغير قيمة) ش: والدليل
على عموم الملك بين الغانمين أن واحداً من الغانمين لو استولد جارية من
المغنم، لم يثبت النسب لعدم الملك لعموم الشركة، بخلاف ما بعد القسمة حيث
يأخذه بالقيمة.
[شراء الذي استولى عليه الحربي]
م: (وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك) ش: أي الذي استولى عليه الحربي م:
(وأخرجه) ش: أي أخرج ذلك الشيء م: (إلى دار الإسلام، فمالكه الأول بالخيار،
إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه) ش: أي التاجر، والقول في الثمن قول
المشتري مع يمينه، كذا ذكره الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن
شاء تركه لأنه) ش: أي لأن التاجر م: (يتضرر بالأخذ مجاناً) ش: يعني بغير
شيء م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن التاجر م: (قد دفع العوض بمقابلته) ش: أي
بمقابلة ذلك الشيء الذي اشتراه م: (فكان اعتدال النظر فيما قلناه) ش: وهو
قوله: ليعتدل النظر من الجانبين.
م: (ولو اشتراه بعوض) ش: أي الشيء بالشيء م: (يأخذه بقيمة العوض) ش: أي
بقيمة ذلك العوض الذي اشتراه.
م: (ولو وهبوه لمسلم) ش: أي ولو وهب أهل الحرب ذلك الشيء لمسلم م: (يأخذه)
ش: يعني صاحبه يأخذه م: (بقيمته) ش: أي بقيمة ذلك الشيء م: (لأنه ثبت له)
ش: أي للموهوب له م: (ملك خاص) ش: بالهبة م: (فلا يزال إلا بالقيمة) ش: قيل
على أن الملك يثبت للموهوب له مجاناً، فلا يتضرر بالأخذ منه مجاناً، بخلاف
ما يثبت لأحد الغزاة بالقسمة، لأن هذا الحق إنما تعين له بأداء ما انقطع من
حقه عما في أيدي الباقين.
وأجيب: بأن الملك هاهنا أيضاًَ يثبت بالعرض معنى، لأن المكافأة مقصودة في
الهبة وإن لم تكن مشروطة، فجعل ذلك معتبراً في إثبات حقه في القيمة.
م: (ولو كان) ش: أي ما أخذه الكفار من المسلمين م: (مغنوماً) ش: أي مأخوذا
بالقهر والغلبة م: (وهو مثلي) ش: أي والحال أنه مثلي كالذهب والفضة والحنطة
والشعير م: (يأخذه) ش:
(7/192)
قبل القسمة ولا يأخذه بعدها، لأن الأخذ
بالمثل غير مفيد، وكذا إذا كان موهوبا لا يأخذه لما بينا. وكذا إذا كان
مشترى بمثله قدرا ووصفا. قال: فإن أسروا عبدا فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار
الإسلام، ففقئت عينه وأخذ أرشها، فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذ به من
العدو، أما الأخذ بالثمن فلما قلنا، ولا يأخذ الأرش، لأن الملك فيه صحيح،
فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد ولا يحط شيء من الثمن، لأن الأوصاف لا
يقابلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي صاحبه وهو المالك القديم م: (قبل القسمة) ش: بلا شيء.
م: (ولا يأخذه بعدها) ش: أي بعد القسمة م: (لأن الأخذ بالمثل غير مفيد) ش:
لأنه لو أخذه أخذ بالمثل ولا فائدة فيه م: (وكذا) ش: حكم المثلي م: (إذا
كان موهوباً لا يأخذه) ش: لا يأخذه المالك القديم بعدم الفائدة م: (لما
بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن الأخذ بالمثل غير مفيد.
م: (وكذا إذا كان مشترى بمثله قدراً ووصفاً) ش: أي وكذا لا يأخذه المالك
القديم أيضاً إذا كان ما أخذه الكفار منا وأحرزوه بدارهم مشترى بمثله قدراً
ووصفاً، لأنه لا فائدة في أن يعطي عشرة مثاقيل جياد، ويأخذ عشرة مثاقيل
جياد، أو يعطي عشرة أقفز جيدة، ويأخذ عشرة أقفز جيدة.
وإنما قيد بقوله: قدراً ووصفاً، احترازاً عما لو اشتراه المسلم بأقل قدراً
منه أو بجنس آخر أو بجنسه، ولكنه أردأ منه وصفاً، فإن له أن يأخذه بمثل
المشترى، ولا يكون ذلك رباً، لأنه إنما قدر ليستخلص ملكه ويعيده إلى قديم
ملكه، لا أنه يشتريه ابتداء.
م: (قال) ش: أي محمد - رحمة الله عليه - م: (وإن أسروا عبداً فاشتراه رجل
وأخرجه إلى دار الإسلام ففقئت عينه وأخذ) ش: أي المولى م: (أرشها) ش: أي
أرش العين م: (فإن المولى) ش: أي المولى الأول م: (يأخذه) ش: أي يأخذ العبد
م: (بالثمن الذي أخذ به من العدو، وأما الأخذ بالثمن فلما قلنا) ش: إشارة
إلى قوله: لأنه يتضرر بالأخذ مجاناً م: (ولا يأخذ) ش: أي المالك القديم م:
(الأرش، لأن الملك فيه صحيح) ش: احتراز عن الشراء الفاسد، فإن الوصف فيه
مضمون.
م: (فلو أخذه) ش: أي المالك لو أخذ الأرش م: (أخذه بمثله وهو لا يفيد) ش:
لأن الأرش دراهم أو دنانير م: (ولا يحط شيء من الثمن) ش: يعني إذا أخذ
الأرش لا يحط شيء من الثمن بسبب فقء العين، لأن العين بمنزلة الوصف لأنه
يحصل بها صفة الكمال في الذات فيه، ولا ينحط شيء من الثمن م: (لأن الأوصاف
لا يقابلها شيء من الثمن) ش: وفي النهاية في قوله لأن الأوصاف لا يقابلها
شيء من الثمن نظر.
قال الكاكي: قال شيخي العلامة: وهو مشكل، وهكذا ذكر في الكافي، لأن الأوصاف
إنما لا يقابلها شيء من الثمن إذا لم يصر مقصوداً بالتناول، فأما إذا صار
مقصوداً فله حط من الثمن، كما لو اشترى عبداً ففقئت عينه ثم باعه مرابحة،
فإنه يحط من الثمن ما يخص العين،
(7/193)
شيء من الثمن بخلاف الشفعة؛ لأن الصفقة لما
تحولت إلى الشفيع صار المشترى في يد المشتري بمنزلة المشترى شراء فاسدا،
والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب، أما هاهنا الملك صحيح فافترقا. وإن أسروا
عبدا فاشتراه رجل بألف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بخلاف ما إذا عورت، ذكره في " الفوائد الفهيرية ".
وكما في مسألة الشفعة المذكورة في الكتاب، وهنا صارت مقصودة بالتناول،
فينبغي أن يكون للمالك القديم حط ما يخص العين من الثمن.
أجيب عنه: بأن الوصف إنما بمقابلة شيء من الثمن عند صيرورته مقصوداً
بالتناول في الملك الفاسد، أو في موضع الشبهة، كما في المسائل المذكورة،
فإن الملك في المشترى بالنسبة إلى الشفيع كالفاسد.
وفي مسألة المرابحة الشبهة تلحقه بالحقيقة لا لإثبات المرابحة على الأمانة
دون الخيانة، وهذا لأن الوصف مضمون في الغضب مراعاة لحق المالك.
وكذا في الشراء الفاسد، أما في الشراء الصحيح الثمن يقابل العين لا الوصف،
إذ الوصف تابع، ولهذا لو ظهر للمبيع وصف مرغوب قد نفياه عند العقد، لم يكن
للبائع أن يطالب بمقابله شيئاً وقد فات الملك في ملك صحيح، وبذهابه لا يسقط
شيء من الثمن، لأنه تابع. ألا ترى أنه لو اشترى عبداً فذهبت يده أو عينه لا
يسقط شيء من الثمن.
م: (بخلاف الشفعة) ش: يعني بخلاف الوصف في مسألة الشفعة، حيث يقابله شيء من
الثمن. قال الكاكي: قوله: بخلاف الشفعة، إنما يستقيم فيما إذا كان فوات
الأوصاف في الشفعة بفعل قصدي، فحينئذ يقابلها شيء من الثمن في الشفعة،
بخلاف مسألتنا، أما إذا كان فواتها بآفة سماوية في الشفعة بأن حرق البستان
فلا يقابلها شيء من الثمن، فحينئذ لا تخالف مسألة الشفعة مسألتنا.
م: (لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشترى) ش: بفتح الراء م: (في يد
المشتري) ش: بكسر الراء م: (بمنزلة المشترى) ش: بفتح الراء م: (شراء
فاسداً، والأوصاف تضمن فيه) ش: أي في الشراء الفاسد، لأنه واجب الرد.
م: (كما في الغضب) ش: إذ الواجب فيه القيمة باعتبار القبض وهو يرد على
المجموع. م: (أما هاهنا) ش: أي فيما إذا اشترى من العدو م: (الملك صحيح
فافترقا) ش: أي الملك الصحيح، والمشترى شراء فاسداً.
م: (وإن أسروا عبداً) ش: أي وإن أسر أهل الحرب عبداً من المسلمين م:
(فاشتراه رجل بألف
(7/194)
درهم فأسروه ثانية وأدخلوه دار الحرب
فاشتراه رجل آخر بألف درهم، فليس للمولى الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن،
لأن الأسر ما ورد على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذ من الثاني بالثمن، لأن
الأسر ورد على ملكه، ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء، لأنه قام عليه
بالثمنين فيأخذه بهما، وكذا إذا كان المأسور منه الثاني غائبا، ليس للأول
أن يأخذه اعتبارا بحال حضرته.
ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا
وأحرارنا، ونملك عليهم جميع ذلك، لأن السبب إنما يفيد الملك في محله،
والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
درهم فأسروه ثانية) ش: أي مرة ثانية م: (وأدخلوه دار الحرب، فاشتراه رجل
آخر بألف درهم، فليس للمولى الأول أن يأخذه من الثاني) ش: لأن الأسر ما ورد
على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذه من الثاني.
م: (بالثمن لأن الأسر ما ورد على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذ من الثاني
بالثمن، لأن الأسر ورد على ملكه ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء،
لأنه قام عليه) ش: أي على المشتري الأول م: (بالثمنين فيأخذه بهما، وكذا
إذا كان المأسور منه الثاني) ش: وهو المشتري الأول م: (غائباً ليس للأول)
ش: أي للمولى الأول وهو المالك القديم م: (أن يأخذه اعتبار بحال حضرته) ش:
أي بحضرة المأسور منه الثاني وهو المشتري الأول.
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعترض على قوله: وللمشتري الأول أن
يأخذه من الثاني بالثمن، ما قالوا ببقاء حق الآخذ الذي اشتراه من العدو
وتضرر المالك، لأنه حينئذ يأخذه بالثمن.
وأجيب: بأن رعاية حق من اشتراه من العدو أولاً أولى، لأن حقه يعود في الألف
التي بعدها بلا عوض يقابلها، والمالك القديم يلحقه الضرر، ولكن يعوض
بمقابله وهو العبد، فكان ما قلناه أولى.
م: (ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا
وأحرارنا، ونملك عليهم) ش: أي على أهل الحرب إذا غلبنا عليهم م: (جميع ذلك)
ش: إشارة إلى ذكر من تقدم [ ... ] وغيرهم.
وفائدة ذلك أن المولى يأخذه وهؤلاء بلا شيء قبل القسمة، وبعدها، كذلك إن
اشترى رجل واحداً من ما ذكرنا من أهل الحرب بعد استيلائهم بأخذ المولى بلا
شيء، والأصل فيه ما ذكرنا في شرح الطحاوي أن كل ما يملك بالميراث يملك
بالأسر والاسترقاق والقهر والغلبة.
وكل ما لا يملك بالميراث لا يملك بالأسر والاسترقاق والقهر والغلبة م: (لأن
السبب) ش: وهو الاستيلاء م: (إنما يفيد الملك في محله) ش: يعني إذا قصد
بالمحل كما في سائر الأسباب م: (والمحل المال المباح، والحر معصوم بنفسه)
ش: باعتبار أن الآدمي خلق للحمل لأعباء التكاليف،
(7/195)
وكذا من سواه لأنه تثبت الحرية فيه من وجه،
بخلاف رقابهم، لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء، ولا
جناية من هؤلاء.
وإذا أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يملكونه، لأن العصمة لحق المالك لقيام يده، وقد
زالت. ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه. وله أنه ظهرت يده على نفسه
بالخروج من دارنا، لأن سقوط اعتبارها لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من
الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا قدرة على التكليف إلا بواسطة العصمة، فكان التعرض له حراماً. م: (وكذا
من سواه) ش: أي من سوى الحر من أم الولد والمدبر والمكاتب، فللمالك أن
يأخذهم قبل القسمة بغير شيء، وقال مالك وأحمد: يملكون المدبر والمكاتب
بالاستيلاء حتى يأخذهما سيدهما بالقيمة في الهبة وبالثمن بالشراء، أو في أم
الولد لا يملكونها عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الزهري: يأخذها
سيدها بالقيمة في الهبة. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفديها الإمام،
فإن لم يفعل يأخذها سيدها بالقيمة ولا يدعها يستحل فرجها من لا يحل له م:
(لأنه تثبت الحرية فيه) ش: أي فيمن سوى الحر م: (من وجه) ش: لاستحقاقهم
الحرية، ولهذا لا يصح أن يملكهم بالعقود.
م: (بخلاف رقابهم) ش: أي رقاب أهل الحرب م: (لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء
على جنايتهم وجعلهم أرقاء) ش: لأنهم لما أنكروا وحدانية الله تعالى جازاهم
بأن جعلهم عبيد عبيده م: (ولا جناية من هؤلاء) ش: أي من أحرارنا ومدبرينا
وأمهات أولادنا ومكاتبينا، لأنه لم يوجد منهم جناية الكفر فلا يستحقون
الرق.
[أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إلى أهل الحرب
فأخذوه]
م: (وإذا أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إليهم) ش: أي إلى أهل الحرب م: (فأخذوه
لم يملكوه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية
والشافعي. وقيل المسلم اتفاقي والحكم في عبد الذمي كذلك.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد: م: (يملكونه) ش: وبه قال مالك وأحمد في
المشهور عنه م: (لأن العصمة) ش: أي العصمة الموجودة في العبد كانت م: (لحق
المالك لقيام يده عليه وقد زالت) ش: يده، فزالت العصمة م: (ولهذا) ش: أي
زوال يده م: (لو أخذوه) ش: أي العبد م: (من دار الإسلام ملكوه) ش: ولو كانت
العصمة بالإسلام لما ملكوه، كذا قال تاج الشريعة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي أن
العبد م: (ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا، لأن سقوط اعتبارها) ش: أي
اعتبار يد العبد م: (لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع) ش: أي
لأجل تمكن المولى من الانتفاع به م: (وقد زالت يد المولى فظهرت يده
(7/196)
على نفسه وصار معصوما بنفسه، فلم يبق محلا
للملك، بخلاف المتردد، لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار، فمنع ظهور
يده. وإذا لم يثبت الملك لهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذه
المالك بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة، وبعد القسمة
يؤدى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على نفسه) ش: لأنه حين دخل دار الحرب زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه
عنه لا إلى من صار يخلفه، لأن يد المولى عبارة عن القدرة على التصرف في
المحل كيف شاء ولم يبق ذلك م: (وصار) ش: أي العبد م: (معصوماً بنفسه فلم
يبق محلاً للملك) ش: لأنه يصير في يد نفسه وهي يد محترمة يمنع الإحراز،
فيمنع التملك، لأنه يملك بدون الإحراز.
فإن قيل: لا نسلم أنها زالت لا إلى من يخلفه، فإن يد الكفرة قد خلفت يد
المولى، لأن دار الحرب في أيديهم.
أجيب: بأن بين الدارين حداً لا يكون في يد أحد، وعند ذلك تظهر يد العبد على
نفسه، ولأن يد الدار يد حكمية، ويد العبد يد حقيقية فلا تندفع بيد الدار،
إليه أشار فخر الإسلام، وفيه نظر، لأن حصول اليد الحقيقية في غيره الفراغ.
والجواب أن اليد كما ذكرنا عبارة عن القدرة على التصرف كيف شاء وحين دخول
العبد في دار الحرب يحصل له ذلك قبل استيلاء الكفرة عليه.
فإن قيل: لو حصل له يد حقيقة لعتق، وليس كذلك.
أجيب: بمنع الملازمة، لأن ظهور يده على نفسه لا يستلزم زوال ملك المولى،
فإنه لما ظهرت يده على نفسه صار غاصباً ملك المولى، وجاز أن تؤخذ اليد بلا
ملك، كما في المغصوب والمشترى قبل القبض، فإن الملك للمولى واليد لغيره.
م: (بخلاف المتردد) ش: أي خلاف العبد الآبق المتردد في دار الحرب وهو الذي
يدور في دار الإسلام م: (لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار) ش: لأن
الاقتدار على المحل قائم بالطلب، والاستعانة بأهل الدار م: (فمنع ظهر يده)
ش: لنفسه، ولهذا لو وهبه لابنه الصغير صار قابضاً له لبقاء يده حكماً.
م: (وإذا لم يثبت الملك لهم) ش: أي لأهل الحرب على العبد م: (عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذه المالك القديم بغير شيء) ش: سواء كان العبد م:
(موهوباً) ش: لأحد من أهل الحرب م: (كان أو مشترى) ش: أي لو كان العبد
مشترى بأن اشتراه أحد منهم م: (أو مغنوماً) ش: أي لو كان المولى وحده
مغنوماً في يد الغانمين.
هذا كله إذا كان م: (قبل القسمة، وبعد القسمة يؤدى) ش: أي على صيغة
المجهول، أي
(7/197)
عوضه من بيت المال، لأنه لا يمكن إعادة
القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم، وليس له على المالك جعل الآبق، لأنه
عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه. وإن ند بعير إليهم فأخذوه ملكوه لتحقق
الاستيلاء، إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا، بخلاف العبد على
ما ذكرنا، وإن اشتراه رجل وأدخله دار الإسلام فصاحبه يأخذه بالثمن إن شاء
لما بينا، فإن أبق عبد إليهم وذهب معه بفرس ومتاع فأخذ المشركون ذلك كله،
واشترى رجل ذلك كله وأخرجه إلى دار الإسلام، فإن المولى يأخذ العبد بغير
شيء، والفرس والمتاع بالثمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يؤدي للمولى م: (عوضه من بيت المال) ش: ولا يعطي المشتري العوض، لأنه قد
يكون ملكه بغير أمره، فكان متبرعاً، حتى لو أمره بذلك رجع على المشتري
بالثمن، وأما المولى فإنما يأخذ عوضه من بيت المال م: (لأنه لا يمكن إعادة
القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم) ش: وإنما يعوض من بيت المال، لأن
هذه من نوائب المسلمين ومال بيت المال معد لذلك.
م: (وليس له على المالك) ش: أي للغازي أو للتاجر أو للموهوب له م: (جعل
الآبق لأنه) ش: أي لأن كل واحد من هؤلاء م: (عامل لنفسه) ش: في زعمه م: (إذ
في زعمه أنه ملكه) ش: أي أن العبد، فيكون عاملاً لنفسه لا للمولى القديم.
م: (وإن ند بعير إليهم) ش: أي ذهب على وجهه شارداً، يقال: ند يند نداً، أو
ندوداً من باب ضرب يضرب م: (فأخذوه ملكوه لتحقق الاستيلاء، إذ لا يد
للعجماء) ش: أي البهمية، وإنما سميت عجماء، لأنها لا تتكلم، فكذلك كل من لم
يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم.
وقال: «صلاة النهار عجماء» ؛ لأنها لا يجهر فيها بالقراءة م: (لتظهر عند
الخروج من دارنا) ش: أي دار الإسلام م: (بخلاف العبد) ش: إذا أبق، لأن له
يداً للظهور عند الخروج م: (على ما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: إنه ظهرت يده
على نفسه بالخروج من دارنا.
م: (وإن اشتراه رجل) ش: أي وإن اشترى هذا البعير، رجل منهم م: (وأدخله دار
الإسلام فصاحبه يأخذه بالثمن إن شاء لما بينا) .
ش: وإن شاء تركه م: (فإن أبق عبد إليهم وذهب معه بفرس ومتاع فأخذ المشركون
ذلك كله، واشترى رجل ذلك كله وأخرجه إلى دار الإسلام، فإن المولى يأخذ
العبد بغير شيء والفرس والمتاع بالثمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: لما أن عنده يثبت الملك للغازي في المال دون العبد، واعتراض
بأن على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينبغي أن يأخذ المالك
المتاع أيضاً بغير شيء، لأنه لما ظهرت يد العبد على نفسه ظهرت على المال
أيضاً لانقطاع يد المولى من المال، لأنه في دار الحرب ويد العبد أسبق من يد
الكفار عليه، فلا يصير ملكاً لهم.
(7/198)
وقالا: يأخذ العبد وما معه بالثمن إن شاء
اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد، وقد بينا الحكم في كل فرد.
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق، لأن الإزالة كانت مستحقة
بطريق معين، وهو البيع وقد انقطعت ولاية الجبر عليه، فبقي في يده عبدا،
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب،
فيقام الشرط وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق تخليصا له، كما يقام
مضي ثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب: بأن يد العبد ظهرت على نفسه مع المنافي وهو الرق، فكانت ظاهرة من
وجه دون وجه، فجعلناها ظاهرة في حق نفسه غير ظاهرة في حق المال، هكذا قاله
الأكمل. وفيه تأمل، لأن استيلاء العبد على المال حقيقة وجد وهو مال مباح،
فينبغي أن يمنع استيلاء الكفار كما في العبد.
م: (وقالا: يأخذ العبد وما معه بالثمن إن شاء اعتباراً لحالة الاجتماع
بحالة الانفراد) ش: يعني إذا أبق العبد وحده كان الحكم فيه كذلك، فكذلك إذا
أبق ومعه فرس ومتاع م: (وقد بينا الحكم في كل فرد) ش: أي عند قوله: وإذا
غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم يملكونها.
[دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبداً مسلماً وأدخله دار الحرب]
م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبداً مسلماً وأدخله دار الحرب عتق
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق) ش: وبه قال مالك وأحمد
والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول. واعلم أن الحربي المستأمن إذا
اشترى عبداً مسلماً جاز ويجبر على البيع، لأنه لا يجوز أن يبقى المسلم في
ذل الكافر، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيعه أصلاً م: (لأن الإزالة)
ش: أي إزالة اليد من الحربي م: (كانت مستحقة بطريق معين، وهو البيع، وقد
انقطعت ولاية الجبر عليه) ش: بالدخول في دار الحرب م: (فبقي في يده عبداً)
ش: فلا يعتق، لأنه ملكه في دار الإسلام وأحرزه بدارهم.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب)
ش: لقوله عز وجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، م: (فيقام
الشرط، وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق) ش: بيان هذا أن الحربي
المستأمن في دارنا يزال ملكه بالعوض بحرمة ماله بأمانه.
فإذا دخل دار الحرب انتهت الحرمة بانتهاء الأمان وسقطت عصمة ماله فيعتق
العبد م: (تخليصاً له) ش: وقد عجز القاضي عن عتاقه عليه إذ لا ينفذ قضاؤه
على من في دار الحرب. فقام شرط زوال عصمة ماله وهو دخوله دار الحرب فقام
عليه الزوال، وهو إعتاق القاضي م: (كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق) ش:
بين الزوجين م: (فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب)
(7/199)
وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو ظهر
على الدار فهو حر، وكذلك إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار، لما
روي أن عبيدا من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بعتقهم وقال: هم عتقاء الله. ولأنه أحرز نفسه
بالخروج إلينا مراغما لمولاه أو بالالتحاق بمنعة المسلمين إذا ظهر على
الدار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: فانقضاء ثلاث حيض - الذي هو شرط البينونة في الطلاق الرجعي- أقيم مقام
علة البينونة وهي عرض القاضي الإسلام وتفريقه بعد الأمانة لعجز القاضي عن
حقيقة العلة فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دارهم، ثم يلزمها أن تتقيد بثلاث
حيض من بعد ذلك.
[أسلم عبد الحربي ثم خرج إلينا]
م: (وإذا أسلم عبد الحربي ثم خرج إلينا أو ظهر) ش: على صيغة المجهول، أي
غلب م: (على الدار) ش: أي دارهم م: (فهو) ش: أي العبد م: (حر، وكذلك إذا
خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار لما روي «أن عبيداً من عبيد الطائف
أسلموا وخرجوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى
بعتقهم. وقال: هم عتقاء الله» ش: وروى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده
وابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " والطبراني في معجمه من
حديث الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
«أن عبدين خرجا من الطائف إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فأسلما فأعتقهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحدهما
أبو بكرة» .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مكرم الثقفي قال: «لما حاصر رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم،
فمنهم أبو بكرة، وكان عبد الحارث بن كلاء والمنبعث ونجب، وورد أن في رهط من
رقيقهم فأسلموا، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- رد علينا رقيقنا الذي أتوك فقال: لا، أولئك عتقاء الله عز وجل، ورد على
كل رجل ولاء عبده» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن العبد الذي خرج إلينا م: (أحرز نفسه بالخروج علينا
مراغماً) ش: أي منابذاً، يقال راغم فلان قومه مراغمة: إذا خرج عنهم ونبذهم،
وقيد بقوله: مراغماً، لأنه إذا خرج تابعاً م: (لمولاه) ش: يباع وثمنه
للحربي.
وعليه نص الحاكم الشهيد في " الكافي " م: (أو بالالتحاق بمنعة المسلمين إذا
ظهر على الدار) ش: متصل بقوله: إذا ظهر على الدار، كما أن قوله: ولأنه أحرز
نفسه، متصل بقوله: ثم خرج إلينا.
وعن هذا قال الأترازي: وفيه لف ونشر، أعني أنه أحرز نفسه بالخروج إلينا
وبالالتحاق فيما إذا ظهر على الدار.
قلت: هذا كلام مترتب ليس فيه لف ولا نشر.
(7/200)
واعتبار يده أولى من اعتبار يد المسلمين،
لأنها أسبق ثبوتا على نفسه، فالحاجة في حقه إلى زيادة توكيد، وفي حقهم إلى
إثبات اليد ابتداء، فكان أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (واعتبار يده) ش: أي يد العبد م: (أولى من اعتبار يد المسلمين، لأنها
أسبق ثبوتاً على نفسه، فالحاجة في حقه) ش: أي في حق العبد م: (إلى زيادة
توكيد) ش: بمنعة المسلمين.
م: (وفي حقهم) ش: أي والحاجة في حق المسلمين م: (إلى إثبات اليد ابتداء،
فكان) ش: أي اعتبار يده م: (أولى) ش: توضيح هذا، لأنه لما التحق بمنعة
المسلمين، صار كأنه خرج إلى دار الإسلام، ولا يكون عبداً للغزاة، لأنهم
محتاجون أن يملكوه بالإحراز، وهو يحتاج إلى أن يحرز نفسه لتناول شرف
الحرمة، وإحرازه أسبق من إحرازهم، فصار أولى، لأنه صاحب يد في نفسه، لكنه
يحتاج إلى ما يؤكد يده بمنعة المسلمين وهم محتاجون إلى إثبات اليد ابتداء،
فكان اعتبار يده أولى، والله أعلم.
(7/201)
باب المستأمن وإذا دخل المسلم دار الحرب
تاجرا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ولا من دمائهم، لأنه ضمن أن لا
يتعرض لهم بالاستئمان، فالتعرض بعد ذلك يكون غدرا، والغدر حرام إلا إذا غدر
بهم ملكهم فأخذ أموالهم أو حبسهم أو فعل غيره بعلم الملك، ولم يمنعه، لأنهم
هم الذين نقضوا العهد، بخلاف الأسير، لأنه غير مستأمن، فيباح له التعرض،
وإن أطلقوه طوعا. فإن غدر بهم أعني التاجر فأخذ شيئا وخرج به ملكه ملكا
محظورا لورود الاستيلاء على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب المستأمن]
م: (باب المستأمن) ش: أي هذا باب في بيان حكم المستأمن وهو المسلم الذي
يدخل دار الحرب بالأمان، وكذلك يطلق على الحربي الذي يطلب الأمان من
المسلمين، وقدم المستأمن المسلم ثم عقبه بالمستأمن الحربي بفصل على حدة،
كما يجيء إن شاء الله عز وجل.
م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب) ش: حال كونه م: (تاجراً، فلا يحل له أن
يتعرض لشيء من أموالهم، ولا من دمائهم، لأنه ضمن أن لا يتعرض لهم) ش: أي
لأهل الحرب لأنهم ما مكنوه من الدخول في دارهم بعد الاستئمان إلا بشرط أن
لا يتعرض لهم بشيء من ديارهم وأموالهم. وقوله م: (بالاستئمان) ش: يتعلق
بقوله: ضمن، وضمانه شرط، والمؤمن عند شرطه م: (فالتعرض بعد ذلك) ش: أي بعد
شرط عدم التعرض م: (يكون غدراً، والغدر حرام) ش: لما روى ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان» .
م: (إلا إذا غدر بهم) ش: أي بالمسلمين م: (ملكهم) ش: أي ملك الكفار م:
(فأخذ أموالهم) ش: أي أموال التجار م: (أو حبسهم أو فعل غيره) ش: أي غير
الملك م: (بعلم الملك، ولم يمنعه) ش: فحينئذ لا يكون أخذ تجارنا أموالهم
غدراً م: (لأنهم هم الذين نقضوا العهد) ش: وفعلوا الغدر.
م: (بخلاف الأسير، لأنه غير مستأمن) ش: ولم يوجد منه الالتزام بعقد أو عهد،
فإذا كان كذلك م: (فيباح له التعرض) ش: لأنه بالوجه المذكور لا يكون أخذ
الأسير المسلم غدراً م: (وإن أطلقوه) ش: واصل بما قبله م: (طوعاً) ش: أي لا
إكراهاً. حاصل الكلام يباح له التعرض، وإن كان مطلق العنان عندهم، لأنه لم
يوجد الاستئمان صريحاً، فلم يلزم الغدر.
م: (فإن غدر) ش: أي التاجر م: (بهم) ش: أي بأهل الحرب، وقد بين فاعل غدر
بقوله م: (أعني التاجر فأخذ شيئاً وخرج به) ش: إلى دار الإسلام م: (ملكه
ملكاً محظوراً لورود الاستيلاء على
(7/202)
مال مباح، إلا أنه حصل بسبب الغدر، فأوجب
ذلك خبثا فيه فيؤمر بالتصدق به، وهذا لأن الحظر لغيره لا يمنع انعقاد السبب
على ما بيناه.
وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه حربي أو أدان هو حربيا، أو غضب
أحدهما صاحبه ثم خرج إلينا واستأمن الحربي لم يقض لواحد منهما على صاحبه
بشيء، أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية، ولا ولاية وقت الإدانة أصلا
ولا وقت القضاء على المستأمن، لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من
أفعاله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مال مباح) ش: لأن مال أهل الحرب مباح فيملكه م: (إلا أنه حصل بسبب الغدر
فأوجب ذلك خبثاً فيه، فيؤمر بالتصدق به) ش: أي بالمال الذي أخرجه، حتى لو
كانت جارية يكره له وطؤها، وإن أحرزها بدارنا.
وكذا يكره للمشتري منه لقيام الحظر في الملك بسبب الغدر، وبخلاف مشتري
الجارية من مشتريها شراء فاسداً، حيث يحل له وطؤها بعد الاستبراء، لأن
الكراهة في حق المشتري الأول لقيام حق بائعه في الاسترداد وقد زال حقه ببيع
المشتري من آخر، فظهر الفرق. والرواية مذكورة في " المبسوط " وغيره.
وفي " المغني " للحنابلة: يجب عليه رد ما أخذ من مالهم بالخيانة أو
بالاستقراض بأن بيعت.
ولو جاء بأمان أو إيمان يجب الرد عليه كما لو أخذه من مسلم. وعندنا لا يجب
الرد، لكن يتصدق به ولا يجب عليه رد ما استقرض قضاء.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: ملكه ملكاً محظوراً، أي خبيثاً م: (لأن الحظر
لغيره لا يمنع انعقاد السبب) ش: أي سبب الملك، وهو الاستيلاء م: (على ما
بيناه) ش: يعني في أوائل باب استيلاء الكفار بقوله المحظور بغيره إذا صلح
سبباً لكرامة تفوق الملك...... إلى آخره.
[دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه]
م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه) ش: بتخفيف الدال من الإدانة
وهو البيع بالدين، واستدانه الابتياع بالدين. وقولهم: ادان، بتشديد الدال
من باب الافتعال، أي قبل الدين، وقوله م: (حربي) ش: فاعله م: (أو أدان هو
حربياً) ش: وهو أيضاً من الإدانة م: (أو غصب أحدهما) ش: أي أحد الاثنين،
وهما المسلم والحربي م: (صاحبه) ش: بالنصب، لأنه مفعول غصب م: (ثم خرج
إلينا) ش: أي أحدهما م: (واستأمن الحربي) ش: يعني خرج مستأمناً م: (لم يقض
لواحد منهما على صاحبه بشيء، أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية) ش: أي
ولاية القاضي.
م: (ولا ولاية وقت الإدانة أصلاً) ش: لأنه لا ولاية لنا على أهل الحرب م:
(ولا وقت القضاء) ش: أي ولا ولاية وقت القضاء، أي الحكم م: (على المستأمن
لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله) ش: في دار الحرب.
(7/203)
وإنما التزم ذلك في المستقبل، وأما الغصب
فلأنه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم على ما
بيناه، وكذلك لو كانا حربيين فعلا ذلك ثم خرجا مستأمنين لما قلنا. ولو خرجا
مسلمين قضى بالدين بينهما ولم يقض بالغصب، أما المداينة فلأنها وقعت صحيحة
لوقوعها بالتراضي، والولاية ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الأحكام
بالإسلام، وأما الغصب فلما بينا أنه ملكه، ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر
بالرد،
وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربيا ثم خرجا مسلمين أمر برد الغصب
ولم يقض عليه، أما عدم القضاء فلما بينا أنه ملكه، وأما الأمر بالرد ومراده
الفتوى به، فلأنه فسد الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإنما التزم ذلك) ش: أي حكم الإسلام م: (في المستقبل) ش: في مقابلة
فعلها في دار الإسلام، فلما انتفت الولاية لم يقض بشيء، لأنه لا قضاء بدون
الولاية. وفي " شرح الطحاوي ": ولكنه ينبغي فيما بينه وبين الله تعالى أن
يقضي.
م: (وأما الغصب) ش: فإنما يقضى لواحد منهما على الآخر م: (فلأنه) ش: أي
فلأن المغصوب م: (صار ملكاً للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالاً غير
معصوم) ش: لأن دار الحرب دار القهر والغلبة، فإذا استولى أحدهما على مال
الآخر فقد ملكه، ولا يحكم بالرد لثبوت الملك م: (على ما بيناه) ش: يعني
فيما تقدم الآن.
م: (وكذلك) ش: أي وكذلك لا يقضي بشيء م: (لو كانا حربيين فعلا ذلك) ش: أي
الإدانة والغصب جميعاً م: (ثم خرجا مستأمنين) ش: أي حال كونهما مستأمنين م:
(لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله من قبل أن القضاء يعتمد الولاية إلى آخره.
م: (ولو خرجا) ش: أي الحربيان لو خرجا حال كونهما م: (مسلمين قضى بالدين
بينهما، ولم يقض بالغضب) ش: الذي حصل بينهما م: (أما المداينة فلأنها وقعت
صحيحة لوقوعها بالتراضي والولاية) ش: أي ولاية القاضي م: (ثابتة حالة
القضاء لالتزامهما الأحكام بالإسلام، وأما الغصب فلما بيناه) ش: فيما تقدم
عن قريب م: (أنه ملكه، ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد) ش: لأن مال
الحربي غير معصوم.
[دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربيا]
م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربياً) ش: أي مال حربي، فحذف
المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه م: (ثم خرجا) ش: حال كونهما م: (مسلمين) ش:
المسلم بإسلامه القديم، والحربي بدخوله في دار الإسلام م: (أمر برد الغصب)
ش: ديانة م: (ولم يقض عليه) ش: يعني يقضي القاضي بالرد عليه م: (أما عدم
القضاء فلما بينا) ش: فيما تقدم عن قريب م: (أنه ملكه) ش: لكونه مالاً غير
معصوم.
م: (وأما الأمر بالرد ومراده الفتوى به) ش: أي بالرد فيما بينه وبين الله
تعالى، ولا يحكم بالجبر والإلزام، والظاهر أن الضمير في مراده يرجع إلى
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فلأنه فسد الملك
(7/204)
لما يقارنه من المحرم، وهو نقض العهد. وإذا
دخل مسلمان دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه عمدا أو خطأ فعلى القاتل
الدية في ماله وعليه الكفارة في الخطأ، أما الكفارة فلإطلاق الكتاب، والدية
لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان،
وإنما لا يجب القصاص لأنه لا يمكن استيفاؤه إلا بمنعة،
ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين ولم يوجد ذلك في دار الحرب، وإنما
تجب الدية في ماله في العمد، لأن العواقل لا تعقل العمد، وفي الخطأ، لأنه
لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لما يقارنه من المحرم، وهو نقض العهد، وإذا دخل مسلمان دار الحرب بأمان
فقتل أحدهما صاحبه عمداً أو خطأ فعلى القاتل الدية في ماله، وعليه الكفارة
في الخطأ) ش: هكذا ذكر من غير خلاف في عامة النسخ من شروح " الجامع الصغير
"، ولكن ذكره قاضي خان في الجامع الصغير، وجعل هذا الحكم فيه قول أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ثم قال: وقالا - أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - عليه القصاص في العمد،
وهو قول الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه قتل شخصاً
معصوماً إذ عصمته ما زالت بالاستئمان فيجب بقتله في دار الإسلام م: (أما
الكفارة فلإطلاق الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، وتخصيصها
بالخطأ، لأنه لا كفارة في العمد عندنا.
م: (والدية) ش: أي وأما وجوب الدية م: (لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار
الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان) ش: لأنه لما كان على قصد الرجوع كان
كأنه في دار الإسلام تقديراً، حتى إن المستأمن بهم لما كان على قصد الرجوع
كان كأنه يقصد الرجوع في دار الحرب.
م: (وإنما لا يجب القصاص) ش: جواب سؤال مقدار، بأن يقال: كان القياس وجوب
القصاص، فأجاب بقوله: وإنما لا يجب القصاص فيه م: (لأنه لا يمكن استيفاؤه
إلا بمنعة) ش: أي إلا بقوة وعزة، لأن الواحد يقاوم الواحد غالباً.
[قتل مسلم تاجرا أسيراً]
م: (ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين، ولم يوجد ذلك في دار الحرب) ش:
فلا فائدة في الوجوب كالحد، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
يجب الحد، إلا أن عند أحمد لا تقام في دار الحرب، حتى ترجع. وعند الشافعي
يؤخر أيضاً إذا لم يكن أمير الجيش أو الإمام، وإلا لا يؤخر.
م: (وإنما تجب الدية في ماله في العمد، لأن العواقل) ش: جمع عاقلة م: (لا
تعقل العمد، وفي الخطأ) ش: أي وتجب الدية أيضاً في الخطأ في ماله م: (لأنه
لا قدرة لهم) ش: أي للعواقل م: (على الصيانة مع تباين الدارين) ش: لأن
الوجوب عليهم لتقصيرهم في الصيانة عن ارتكاب هذه الجناية،
(7/205)
والوجوب عليهم على اعتبار تركها وإن كانا
أسيرين فقتل أحدهما صاحبه أو قتل مسلم تاجرا أسيرا، فلا شيء على القاتل إلا
الكفارة في الخطأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الأسيرين
الدية في الخطأ والعمد، لأن العصمة لا تبطل بعارض الأسر، كما لا تبطل بعارض
الاستئمان على ما بيناه، وامتناع القصاص لعدم المنعة، وتجب الدية في ماله
لما قلنا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالأسر صار تبعا لهم
بصيرورته مقهورا في أيديهم، ولهذا يصير مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم،
فيبطل به الإحراز أصلا. وصار كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا، وخص الخطأ
بالكفارة، لأنه لا كفارة في العمد عندنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكيف يجب على العواقل، وهم في دار الإسلام صيانة عن الجناية وهو في دار
الحرب م: (والوجوب) ش: أي وجوب الدية م: (عليهم) ش: أي على العواقل م: (على
اعتبار تركهم) ش: أي ترك الصيانة.
م: (وإن كانا أسيرين) ش: أي وإن كان المسلمان م: (فقتل أحدهما صاحبه، أو
قتل مسلم تاجرا أسيراً فلا شيء على القاتل إلا الكفارة في الخطأ عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا في الأسيرين) ش: أي في قتل الأسيرين
أحدهما الآخر م: (الدية) ش: أي تجب الدية أو الدية واجبة م: (في الخطأ
والعمد، لأن العصمة) ش: المتقومة بالإحراز بدارنا م: (لا تبطل بعارض الأسر،
كما لا تبطل بعارض الاستئمان) ش: وهو طلب الأمان منهم.
م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار
الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان م: (وامتناع القصاص لعدم المنعة،
وتجب الدية في ماله) ش: أي في مال القاتل م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله:
لأن العواقل لا تعقل العمد.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالأسر صار تبعاً لهم بصيرورته
مقهوراً في أيديهم) ش: فصار بحكم القهر تبعاً م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه
تبعاً لهم م: (يصير مقيماً بإقامتهم، ومسافراً بسفرهم فيبطل به) ش: أي
بالأسر م: (الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (أصلاً) ش: ولما بطل الإحراز لم
تثبت العصمة المتقومة، فلم تجب الدية لأنها بناء على تلك العصمة، بخلاف
الكفارة، فإنها تجب بالعصمة المؤثمة وهي الإسلام.
م: (وصار) ش: هذا م: (كالمسلم الذي) ش: أسلم في دار الحرب كالمسلم الذي م:
(لم يهاجر إلينا) ش: والجامع كون كل واحد منهما مقهوراً في أيديهم، بخلاف
المستأمن لأنه ممكن من الخروج من دارهم، فلا يكون تبعاً لهم، فلا تبطل
عصمته م: (وخص الخطأ بالكفارة، لأنه لا كفارة في العمد عندنا) ش: خلافاً
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(7/206)
فصل وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن
أن يقيم في دارنا سنة، ويقول له الإمام: إن أقمت تمام السنة وضعت عليك
الجزية، والأصل فيه أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا
بالاسترقاق أو الجزية، لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا فيلحق المضرة
بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة، لأن في منعها قطع الميرة، والحلب وسد
باب التجارة، ففصلنا بينها بسنة، لأنها مدة تجب فيها الجزية، فتكون الإقامة
لمصلحة الجزية، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام قبل تمام السنة إلى وطنه، فلا
سبيل عليه، وإذا مكث سنة فهو ذمي، لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه
صار ملتزما بالجزية، فيصير ذميا، وللإمام أن يوقت في ذلك ما دون السنة
كالشهر والشهرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل إذا دخل الحربي إلينا مستأمنا]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم المستأمن من أهل الحرب.
م: (وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا) ش: أي حال كونه مستأمناً م: (لم يمكن
أن يقيم في دارنا) ش: أي في دار الإسلام م: (سنة، ويقول له الإمام: إن أقمت
تمام السنة وضعت عليك الجزية، والأصل فيه) ش: أي في أصل هذا الحكم م: (أن
الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية) ش: تضرب
عليه.
م: (لأنه) ش: أي لأن الحربي المستأمن م: (يصير عيناً لهم) ش: أي ديدباناً
وجاسوساً م: (وعوناً) ش: أي ظهيرا م: (علينا) ش: والعون هو الظهير على
الأمر والجمع أعوان م: (فيلتحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة،
لأن في منعها قطع الميرة) ش: وهي الطعام تمتاره الأسنان من مار ييمر. وقيل
الميرة بكسر الميم وسكون الياء الطعام، والميرة بالهمزة التميمة.
م: (والحلب) ش: أي وقطع الحلب بفتحتين، وهو كل شيء يحلب من إبل وخيل وغنم
وغيرها من الحيوانات م: (وسد باب التجارة) ش: أي وفي منع المدة اليسيرة سد
باب التجارة، وفيه ضرر أيضاً م: (ففصلنا بينهما) ش: أي بين الإقامة الدائمة
المدة اليسيرة م: (بسنة لأنها مدة تجب فيها الجزية، فتكون الإقامة لمصلحة
الجزية، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام) ش: أي ثم إذا أراد أن يرجع بعد مقالة
الإمام، أي بعد أن قال له الإمام: إن أقمت سنة وضعت عليك الجزية م: (قبل
تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه) ش: أي لا يمنع من الرجوع.
م: (وإذا مكث سنة فهو ذمي، لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار
ملتزماً بالجزية فيصير ذمياً) ش: لأنه أقام مدة مضروبة عليه، والذمي لا
يجوز رجوعه إلى دار الحرب م: (وللإمام أن يوقت في ذلك) ش: أي في ضرب المدة
م: (ما دون السنة كالشهر والشهرين) ش: على حسب ما يرى من المصلحة.
(7/207)
وإذا أقامها بعد مقالة الإمام يصير ذميا
لما قلنا، ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينقض، كيف
وأن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا، وفيه مضرة بالمسلمين،
فإن دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج، فإذا وضع عليه الخراج فهو
ذمي، لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس، فإذا التزمه صار ملتزما بالمقام في
دارنا، أما مجرد الشراء لا يصير ذميا، لأنه قد يشتريها للتجارة، وإذا لزمه
خراج الأرض، فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لأنه يصير ذميا بلزومه
الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه. وقوله في الكتاب فإذا وضع عليه الخراج
فهو ذمي تصريح بشرط الوضع فيتخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا أقامها) ش: أي المدة م: (بعد مقالة الإمام يصير ذمياً لما قلنا)
ش: إشارة إلى قوله: لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزماً
بالجزية.
وفي " فتاوى العتابي ": لو أقام سنتين من غير أن يتقدم عليه الإمام فله أن
يرجع إلا إذا قال الإمام: إذا رجعت إلى كذا وإلا جعلتك ذمياً، فلم يرجع،
صار ذمياً، فوجب عليه الجزية بحول بعد مضي المدة المضروبة، إلا أن يكون شرط
عليه أنه إن مكث سنة أخذ منه الجزية، فيأخذها منه حينئذ.
م: (ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينقض) ش: لأن عقد
الذمة خلف عن الإسلام لا ينقض، فكذا خلفه م: (كيف) ش: أي كيف ينقض.
م: (وأن فيه) ش: بفتح الهمزة بخط شيخي م: (قطع الجزية وجعل ولده) ش: ذلك م:
(حربا علينا) ش: بطريق التولد والتناسل م: (وفيه) ش: أي وفي نقض عقد الذمة
م: (مضرة بالمسلمين) ش: وهو ظاهر.
[دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج]
م: (فإن دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج، فإذا وضع عليه الخراج) ش:
أي وضع عليه م: (فهو ذمي، لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس) ش: لأن لكل
منهما حكما متعلقا بالمقام في دارنا، فصار ذمياً ضرورة م: (فإذا التزمه) ش:
أي فإذا التزم الخراج م: (صار ملتزما بالمقام في دارنا، أما بمجرد الشراء
لا يصير ذمياً، لأنه قد يشتريها للتجارة) ش: وبه صرح الكرخي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في مختصره. ومن المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من قال: يصير
ذمياً بمجرد الشراء، ذكره قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -
م: (وإذا لزمه خراج الأرض فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لأنه يصير
ذمياً بلزومه الخراج، فتعتبر المدة من وقت وجوبه) ش: أي وقت وجوب الخراج م:
(وقوله في الكتاب) ش: أي وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع
الصغير " م: (فإذا وضع عليه الخراج فهو ذمي تصريح بشرط الوضع فيتخرج) ش:
على صيغة المجهول من باب التفعيل. وقال الأترازي: فيخرج على صيغة
(7/208)
عليه أحكام جمة فلا يغفل عنه.
وإذا دخلت حربية بأمان فتزوجت ذميا صارت ذمية؛ لأنها التزمت المقام تبعا
للزوج،
وإذا دخل حربي بأمان فتزوج ذمية لم يصر ذميا، لأنه يمكنه أن يطلقها فيرجع
إلى بلده، فلم يكن ملتزما المقام. ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى
دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمي أو دينا في ذمتهم، فقد صار دمه مباحا
بالعود، لأنه أبطل أمانه، وما في دار الإسلام من ماله على خطر، فإن أسر أو
ظهر على الدار فقتل سقطت ديونه، وصارت الوديعة فيئا. أما الوديعة فلأنها في
يده تقديرا، لأن يد المودع كيده، فيصير فيئا تبعا لنفسه، وأما الدين فلأن
إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد
العامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المبني للفاعل، يقال: خرجته فتخرج م: (عليه أحكام جمة) ش: أي على شرط الوضع
أحكام جمة، أي كثيرة، والجم الكثير من كل شيء، ومادته جيم وميم.
ومن الأحكام: المنع من الخروج إلى دار الحرب ووجوب الضمان في إتلاف خمره
وخنزيره ووجوب الدية في قتله خطأ، وجريان القصاص بينه وبين المسلمين عندنا،
ووجوب كل حكم يثبت في حق الذمي م: (فلا يغفل عنه) ش: على صيغة المجهول، ففي
عنه أي عن شرط الوضع، لأنه إنما تثبت تلك الأحكام بعد وضع الخراج لا قبله.
[دخلت حربية بأمان فتزوجت ذمياً]
م: (وإذا دخلت حربية بأمان فتزوجت ذمياً صارت ذمية، لأنها التزمت المقام
تبعاً للزوج) ش: فيجري عليها أحكام أهل الذمة من وضع الخراج على أرضها ومنع
الخروج إلى دار الحرب. وقالت الأئمة الثلاثة: لا تصير ذمية، ولا تمنع من
الخروج إذا الزوج فارقها.
[دخل حربي بأمان فتزوج ذمية]
م: (وإذا دخل حربي بأمان فتزوج ذمية لم يصر ذمياً لأنه يمكنه أن يطلقها
ويرجع إلى بلده، فلم يكن ملتزما بالمقام، ولو أن حربياً دخل دارنا بأمان ثم
عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمي أو ديناً) ش: أي أو ترك
ديناً.
م: (في ذمتهم) ش: أي في ذمة المسلمين أو في ذمة أهل الذمة م: (فقد صار دمه
مباحاً بالعود) ش: إلى دار الحرب م: (لأنه أبطل أمانه وما في دار الإسلام
من ماله على خطر) ش: أي تردد، وبين التردد بحرف الفاء في قوله م: (فإن أسر
أو ظهر على الدار) ش: أي دار الحرب، وكل واحد منهما على صيغة المجهول م:
(فقتل) ش: مجهول أيضاً م: (سقطت ديونه) ش: أي عن الذين عليهم ديونه م:
(وصارت الوديعة فيئا) ش: أي غنيمة.
م: (أما الوديعة فلأنها في يده تقديراً، لأن يد المودع) ش: بفتح الدال م:
(كيده، فيصير فيئا تبعاً لنفسه، وأما الدين فلأن إثبات اليد عليه بواسطة
المطالبة وقد سقطت) ش: أي المطالبة.
م: (ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة) ش: أي يد الذي عليه الدين أسبق
إليه من يد العامة،
(7/209)
فيختص به. وإن قتل ولم يظهر على الدار
فالقرض والوديعة لورثته، وكذلك إذا مات لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله،
وهذا لأن حكم الأمان باق في ماله فيرد عليه أو على ورثته من بعده. قال: وما
أوجف عليه المسلمون من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي يد كل واحد من الناس لسبق يده م: (فيختص به) ش: أي فيختص من عليه الدين
بالدين الذي عليه، يعني لا يطالبه أحد، فإذا كان كذلك فيسقط، أي الدين
لسقوط المطالبة.
م: (وإن قتل) ش: على صيغة المجهول أيضاً، أي هذا الحربي الذي دخل دارنا
بأمان ثم عاد إلى دار الحرب م: (ولم يظهر على الدار) ش: على صيغة المجهول
أيضا، أي لم يغلب عليها م: (فالقرض) ش: الذي عند الناس.
م: (والوديعة) ش: التي عند المودع م: (لورثته) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - تكون الوديعة لورثته. وفي الديون قولان، أحدهما أنها لورثته،
والآخر أنها غنيمة.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (إذا مات) ش: هذا الحربي حتى يكون قرضه وديعة
لورثته م: (لأن نفسه لم تصر مغنومة، فكذلك ماله) ش: لا يصير مغنوماً.
م: (وهذا) ش: أي عدم كون نفسه مغنومة م: (لأن حكم الأمان باق في ماله فيرد
عليه) ش: في حياته م: (أو على ورثته من بعده) ش: لأن يد المودع كيده، وبه
قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.
فإن قيل: ينبغي أن يصير فيئاً، كما إذا أسلم الحربي في دار الإسلام وله
وديعة عند مسلم في دار الحرب، ثم ظهر على الدار فيكون فيئاً، ولا تكون يد
المودع كيده.
قلنا: عصمة المال لما كانت ثابتة في دار الإسلام معصوماً من وجه دون وجه،
فلا تصير معصومة بالشك، أما هاهنا العصمة ثابتة عند الإيداع ولم يظهر على
دار الحرب، فكانت العصمة باقية كما كانت في دار الإسلام دار العصمة، وإليه
أشار قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: م: (وما أوجف عليه المسلمون) ش: يقال وما أوجف الفرس أو البعير
عدا وجفا وأوجفه صاحبه إيجافاً، ويقال: وجف البعير وجفاً ووجيفاً، وهو ضرب
من مشي الإبل، وربما استعمل في الخيل، وأوجفت البعير: إذا حملته على
الوجيف، والمعنى الذي أوجف عليه المسلمون، أي أعملوا خيالهم وركائبهم.
وفي بعض النسخ وما أوجف المسلمون عليه م: (من أموال) ش: أي من أموال م:
(أهل الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين) ش: كعمارة الرباطات والقناطر
والجسور وسد الثغور وكري الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كجيحون
والفرات ودجلة، ومن مصالح المسلمين الصرف
(7/210)
كما يصرف الخراج، قالوا: هو مثل الأراضي
التي أجلوا أهلها عنها والجزية ولا خمس في ذلك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فيهما الخمس اعتبارا بالغنيمة. ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أخذ الجزية وكذا عمر ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ووضع
في بيت المال ولم يخمس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى أرزاق القضاة والولاة والمحتسبين والمعلمين وأرزاق المقاتلة، ومنها أن
يصرف إلى رصد الطريق عن اللصوص وقطاع الطريق.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقسم ما أوجف عليه المسلمون، فأربعة
أخماسه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخمسه يقسم كما يقسم
خمس الغنيمة وخمس الخمس للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ففي نصيبه بعد وفاته
قولان:
في قول: يصرف إلى مصالح المسلمين، وفي قول: إلى المقاتلة، وكذلك قال في
الجزية م: (كما يصرف الخراج) ش: أي في مصالح المسلمين.
م: (قالوا) ش: أي مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (هو) ش: يرجع إلى
قوله: وما أوجف المسلمون عليه م: (مثل الأراضي التي أجلوا أهلها عنها) ش:
أي أجلى المسلمون أهل تلك الأراضي عنها، أي أخرجوهم عنها، يقال: جلى
السلطان القوم عن أوطانهم وأجلاهم فجلوا، أي أخرجهم فخرجوا، كلاهما يتعدى
ولا يتعدى، والجلاء بالفتح والمد الخروج عن الوطن والإخراج.
م: (والجزية) ش: قال الأترازي: والجزية بالجر عطفاً على قوله الأراضي، أي
هذا مثل الأراضي ومثل الجزية، وكذا قال غيره من الشراح، وقال تاج الشريعة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: والجزية إن رفعتها تكون معطوفة على مثل، وإن خفضتها
تكون عطفاً على الأراضي م: (ولا خمس في ذلك) ش: أي فيما أوجف عليه
المسلمون.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيهما الخمس) ش: أي في الأراضي
التي أجلوا أهلها عنها مثل الجزية. وفي بعض النسخ وفيها بإفراد الضمير، أي
في الثلاثة الاثنان المذكوران والخراج، وقد بينا قول الشافعي مفصلاً عن
قريب م: (اعتبارا بالغنيمة) ش: أي قياساً عليها وسيجيء الجواب عنه.
م: (ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ الجزية، وكذا عمر ومعاذ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ووضع في بيت المال ولم يخمس» ش: لم يذكر أحد
من الشراح الذين وقفت على شروحهم شيئاً ما يتعلق بقوله ولنا ما روي إلى
آخره، ورأيت في بعض نسخ " الهداية "، وكذا عمر وعثمان ومعاذ، ثم شطب على
قوله: عثمان، والشطب صحيح، وفي بعضها: ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنه أخذ الجزية.
(7/211)
ولأنه مال مأخوذ بقوة المسلمين من غير
قتال، بخلاف الغنيمة، لأنه مملوك بمباشرة الغانمين وبقوة المسلمين، فاستحق
الخمس بمعنى، واستحقه الغانمون بمعنى، وفي هذا السبب واحد وهو ما ذكرناه
فلا معنى لإيجاب الخمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا عمر ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وشطب على قوله: عن علي،
والشطب صحيح، والنسخة الصحيحة ما كتبناها أولاً وهي: ولنا ما روي «أنه -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ الجزية، يعني من مجوس هجر» وكتب تحت قوله: وكذا
عمر: من أهل السواد، وكتب تحت قوله: ومعاذ: يعني من أهل اليمن، ولم يذكر
شيئاً غير ذلك.
وذكر مخرج أحاديث الهداية فقال: الحديث الثالث: روي أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكره مثل ما ذكر المصنف، ثم قال: أخرج أبو
داود في كتاب الخراج عن أبي معد الكندي أي عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهي ما حكم فيه عمر بن
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لقول النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعل الله الحق على لسان عمر
وقلبه» فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية، لم
يضرب بخمس ولا بغنم، ثم قال: وهو ضعيف فإن فيه مجهولاً. وعمر بن عبد العزيز
لم يدرك عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المأخوذ بإيجاف المسلمين م: (مال مأخوذ بقوة
المسلمين من غير قتال) ش: بل أخذ منهم بالرعب من المسلمين فلم يصح اعتباره
بالغنيمة م: (بخلاف الغنيمة، لأنه) ش: أي لأن الغنيمة بتأويل المغنوم م:
(مملوك بمباشرة الغانمين، وبقوة المسلمين) ش: يعني مملوك بسببين وهما
مباشرة الغانمين وقوة المسلمين، فلما كان السبب مختلفاً اختلف الاستحقاق
أيضاً م: (فاستحق الخمس بمعنى) ش: وهو الرعب م: (واستحقه الغانمون بمعنى)
ش: وهو مباشرتهم القتال م: (وفي هذا) ش: أي فيما أوجف المسلمون عليه م:
(السبب واحد) ش: وهو الرعب بظهر المسلمين، لأنه لم يوجد السعي من القراءة
فلم ينقض الاستحقاق، فكان بين جماعة المسلمين.
م: (وهو ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه مال مأخوذ بقوة المسلمين بغير
قتال م: (فلا معنى لإيجاب الخمس) ش: لأنه تعالى قال: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] (الحشر: الآية 6) ، فيجعل
كله للمسلمين.
(7/212)
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في
دار الحرب وأولاد صغار وكبار ومال أودع بعضه ذميا وبعضه حربيا وبعضه مسلما
فأسلم هاهنا، ثم ظهر على الدار فذلك كله فيء، أما المرأة وأولاده الكبار
فظاهر، لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع، وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا
لما قلنا من قبل، وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلما تبعا
لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك،
وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئا
وغنيمة،
وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون
تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة
وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه في يد محترمة ويده كيده،
وما سوى ذلك فيء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار
الحرب وأولاد صغار وكبار ومال]
م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار
وكبار، ومال أودع بعضه ذمياً وبعضه حربياً وبعضه مسلماً فأسلم هاهنا) ش: أي
في دار الإسلام م: (ثم ظهر) ش: على صيغة المجهول، أي غلب م: (على الدار) ش:
أي على دار الحرب.
م: (فذلك) ش: أي المذكور م: (كله فيء) ش: أي غنيمة م: (أما المرأة وأولاده
الكبار فظاهر) ش: أي في كونهم فيئاً م: (لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع)
ش: أي بالبلوغ م: (وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملاً) ش: أي وكذلك الجنين
فيء لأنه تابع للإسلام في الرق والجزية م: (لما قلنا من قبل) ش: إشارة إلى
ما قال في باب الغنائم بقوله: ولنا جزؤها فيرق برقها.
م: (وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلماً تبعاً لإسلام أبيه
إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين) ش: أي دار الإسلام ودار
الحرب م: (لا يتحقق ذلك) ش: أي كونه تابعاً لإسلام أبيه م: (وكذا أمواله لا
تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئاً وغنيمة) ش: وذلك
أن الأصل أن تكون الأموال بأيدي الملاك بالعرف.
فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عصموا مني دماءهم وأموالهم» .
قلت: هذا باعتبار الغلبة، يعني المال الذي في يده أو ما هو في معناه للعرف
لأن من دأب الشرع بناء الحكم على الغلبة.
[أسلم في دار الحرب ثم جاء إلى دار الإسلام]
م: (وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء) ش: إلى دار الإسلام م: (فظهر على الدار)
ش: أي دار الحرب م: (فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعاً لأبيهم، لأنهم
كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة) ش: أي إن الدار كانت واحدة في
حالة الإسلام، ولم يوجد حينئذ ما يمنع التبعية وهو تباين الدارين.
م: (وما كان من مال أودعه مسلماً أو ذمياً فهو له، لأنه في يد محترمة ويده
كيده وما سوى ذلك فيء) ش: أراد به المرأة وأولاده الكبار والمال الذي غصبه
مسلم أو ذمي أو كان مودعاً عند حربي م:
(7/213)
أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا، وأما
المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوما لأن يد الحربي ليست يدا
محترمة. وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة
مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ. وقال الشافعي: -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الدية في الخطأ والقصاص في العمد، لأنه أراق دما
معصوما لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه مستجلبا للكرامة، وهذا لأن العصمة
أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها، وهي ثابتة إجماعا والمقومة كمال فيه
لكمال الامتناع به، فيكون وصفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهم حربيون
كبار م: (وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوماً، لأن يد
الحربي ليست يداً محترمة، وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمداً
أو خطأ وله ورثة مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة) ش: وهي الرواية
المشهورة عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في " الجامع الصغير "
وغيره.
وروي عن أبي حنيفة قال: لا دية عليه ولا كفارة من قبل أن الحكم لم يجر
عليهم. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أضمنه الدية وأجعل عليهم م:
(في الخطأ) ش: الكفارة. وأستحسن ذلك وأدع القياس، كما قال أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا ذكره الكرخي في مختصره.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الدية في الخطأ والقصاص في
العمد) ش: وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن القاتل
م: (أراق دماً معصوماً لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه) ش: أي لكون الإسلام
م: (مستجلباً للكرامة) ش: يعني أن الإسلام مستجل للكرامة. وفي بعض النسخ:
لكونه مستجلباً للكرامة. وتحقيقه أن العصمة تثبت نعمة وكرامة، فتعلق بما له
أثر في استحقاق الكرامات وهو الإسلام؛ إذ به تحصل السعادة الأبدية التي هي
جماد ولا أثر لها في استحقاق الكرامة. ومن أراق دماً معصوماً إن كان خطأ
ففيه الدية والكفارة، وإن كان عمداً ففيه القصاص، كما لو فعل ذلك في دار
الإسلام.
م: (وهذا) ش: أي وجوب الدية في الخطأ والقصاص في العمد م: (لأن العصمة
أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها) ش: أي بالمؤثمة، فإن من علم أنه يأثم
بقتل الزجر عنه نظراً إلى الجبلة السليمة عن الميل عن الاعتدال م: (وهي) ش:
أي العصمة م: (ثابتة) ش: أي بالإسلام م: (إجماعاً) ش: لأنه لا قائل بعدم
الإثم على من قتل مسلماً، في أي موضع كان.
م: (والمقومة) ش: أي العصمة المقومة. م: (كمال فيه) ش: أي في أصل العصمة م:
(لكمال الامتناع به) ش: أي بأصل العصمة؛ لأنه إذا وجب الإثم والمال كان في
ذلك أكمل، وأثم في المنع من الذي وجب في الإثم دون المال. م: (فيكون وصفاً
فيه) ش: أي فيكون الكمال وصفاً في ذلك
(7/214)
فيه فتتعلق بما علق به الأصل. ولنا قَوْله
تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، جعل
التحرير كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء، أو إلى كونه كل المذكور، فينتفي
غيره، ولأن العصمة المؤثمة بالآدمية؛ لأن الآدمي خلق متحملا لأعباء
التكليف، والقيام بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصل وهو العصمة المؤثمة م: (فيتعلق) ش: أي يتعلق الوصف الذي هو المقومة
بالإسلام م: (بما علق به الأصل) ش: وهو العصمة المؤثمة، وهي تتعلق بنفس
الإسلام، وكذا العصمة المقومة أيضاً فتثبت العصمة به جميعاً بالإسلام، فتجب
الكفارة والدية بقتل الذي لم يهاجر إلينا.
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء:
الآية 92)) ش: وإن أبا حنيفة يؤول هذه الآية بالذين أسلموا في دار الحرب
ولم يهاجروا، وهو المنقول عن بعض أئمة التفسير.
ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى بين المؤمن المطلق، وبين المؤمن الذي
هو من قوم عدو لنا في حق الحكم المختص بالقتل، فجعل الحكم في الأول الكفارة
بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ} [النساء: 92] وفي الثاني الكفارة دون الدية بقوله: {فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ} [النساء: 92] بيان ذلك من وجهين:
أحدهما: م: (جعل التحرير كل الموجب) ش: بفتح الجيم م: (رجوعاً) ش: أي من
حيث الرجوع م: (إلى حرف الفاء) ش: فإنه للجزاء، اسم لما يكون كافياً، فإذا
كان كافياً كان كل الموجب، فإذا وجب غيره ما يكون التحرير كافياً ولا كل
الجزاء.
والوجه الثاني: وهو قوله م: (أو إلى كونه) ش: أي أو رجوعا إلى كونه التحرير
م: (كل المذكور) ش: حيث لم يذكر غيره م: (فينتفي غيره) ش: أي غير التحرير،
لأن قصد الشارع في مثله إخراج العبد عن عهدة الحكم المتعلق بالحادثة ولا
يتحقق ذلك إلا ببيان الحكم كله. فلو كان غيره من تتمة هذا الحكم لذكره في
موضع البيان.
وقال مولانا حافظ الدين: بيان الشارع على نوعين: بيان كفاية وبيان نهاية،
وهاهنا بيان النهاية، فلا يجوز أن تكون الدية واجبة ولا ذكرها، إذ لو وجبت
لكان البيان قاصراً، فيلزم التكرار.
م: (ولأن العصمة المؤثمة) ش: هذا دليل معقول، بيان ذلك أن العصمة المؤثمة
متعلقة م: (بالآدمية لأن الآدمي خلق متحملاً لأعباء التكليف) ش: أي
لأثقاله، جمع عبأ بالكسر، وهو المحل، ومن خلا من شيء وجب عليه القيام به
فالآدمي وجب عليه القيام بأعباء التكاليف م: (والقيام بها)
(7/215)
بحرمة التعرض، والأموال تابعة لها، أما
المقومة فالأصل فيها الأموال، لأن التقوم يؤذن بجبر الفائت، وذلك في
الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل وهو في المال دون النفس فكانت
النفوس تابعة،
ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار، لأن العزة بالمنعة
فكذلك في النفوس، إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة. لما أنه أوجب
إبطالها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي بأعباء التكاليف إنما يكون م: (بحرمة التعرض) ش: فالآدمي وجب أن يكون
حرام التعرض مطلقاً، إلا أن الله أبطل ذلك في الكافر بعارض الكفر، فإذا زال
الكفر بالإسلام عاد على الأصل م: (والأموال تابعة لها) ش: أي للآدمية التي
تثبت العصمة المؤثمة لها، لأن الأموال جعلت في الأصل مباحة، وإنما صارت
معصومة لتمكن الآدمي من الانتفاع بها في حاجته، فكانت تابعة للآدمية.
م: (أما المقومة) ش: أي أما العصمة المقومة م: (فالأصل فيها الأموال) ش:
يعني الأصل في المتقومة غير الآدمي م: (لأن التقوم يؤذن) ش: أي يشعر م:
(بجبر الفائت) ش: ومعنى الجبر يتحقق في الأموال دون النفوس، إذ من شرط
الجبر التماثل م: (وذلك في الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل) ش: أي
من شرط الجبر التماثل صورة ومعنى، كما في ذوات الأمثال أو معنى فقط، كما في
ذوات القيم م: (وهو في المال دون النفس) ش: لأنه يتحقق في النفس، فإذا كان
كذلك م: (فكانت النفوس تابعة) ش: للأموال في التقوم في العصمة، ومن هذا علم
أن العصمة المؤثمة أصل مستقل في شيء، والعصمة المقومة أصل في شيء آخر، وليس
أحدهما بكمال في الآخر ولا وصف زائد عليه.
م: (ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار) ش: أي بدار
الإسلام، لأنها عزة فلا تكون بغيره م: (لأن العزة بالمنعة) ش: أي منعة
المسلمين، لأن التقويم يبنى على خطر المحل، والخطر إنما يثبت إذا كان
ممنوعاً عن الأخذ، إذ فيما تصل إليه الأيدي بلا منازع، وإلا موانع لا تكون
خطيرة كالماء والتراب، فعلقنا التقويم بالإحراز بالمنعة، وأما الإسلام فلا
يؤثر في إناءة العصمة المقومة، لأن الدين ما وضع لاكتساب الدنيا، وإنما وضع
لاكتساب الآخرة، وإذا كانت العصمة المقومة في الأموال بالمنعة.
م: (فكذلك في النفوس) ش: لأنها تابعة لها كما ذكرنا، لكن لا صفة لدار
الحرب، وهو معنى قوله م: (إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة، لما أنه)
ش: أي أن الشرع م: (أوجب إبطالها) ش: أي أن الشرع سلطنا على إبطال منعة
الكفرة، وإذا لم يكن منعة لا يوجب الإحراز، وإذا لم يوجد الإحراز لا توجد
العصمة المقومة. وإذا لم توجد العصمة المقومة لا تجب الدية.
(7/216)
والمرتد والمستأمن في دارنا من أهل دارهم
حكما لقصدهما الانتقال إليها.
ومن قتل مسلما خطأ لا ولي له، أو قتل حربيا دخل إلينا بأمان فأسلم فالدية
على عاقلته للإمام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: هذا في غاية التحقيق خلا أنه يوهم أن لا يملكوا أموالنا
بالإحراز إلى دارهم كما قال به الشافعي، ودفعه بأن معنى قوله: إن الشرع
أسقط اعتبارها حال كونهم في دارهم، وأما إذا وقع خروجهم إلى دارنا وإحراز
أموالنا باليد المحافظة والناقلة، فقد استولوا على مال مباح كما مر، وذلك
يوجب الملك لا محالة.
م: (والمرتد والمستأمن في دارنا من أهل دارهم) ش: أي دار أهل الحرب م:
(حكماً) ش: أي من حيث الحكم، وهذا جواب عما يقال: إن المرتد والمستأمن محرز
بدار الإسلام، فيجب أن يتقوم مالهم تقوماً حتى لا تجب الدية بقتلهما.
فأجاب: بينهما من أهل دارهم حكما م: (لقصدهما الانتقال إليها) ش: أي إلى
دار الحرب، وكون المستأمن من أهل دارهم ظاهر، ولا شك في قصده الانتقال،
وأما المرتد فكذلك، لأنه يقصد الانتقال رجوعاً عن القتل.
وقيل الدار داران عندنا: دار الإسلام ودار لحرب. وعند الشافعي الدنيا دار
واحدة، والبلاد أجزاؤها، فلا تتغاير أحكامها.
ونحن نقول: المراد بدار الإسلام بلاد تجري فيها أحكام الإسلام، وبلاد الحرب
بلاد يجري فيها أمر عظيمهم، وتكون تحت قهره، فتغايرا اسماً ووصفاً
فيتغايران حكماً.
وعلى هذا الأصل مسائل فيها هذه:
ومنها: أن المرتد إذا لحق بدار الحرب وحكم به عتق مدبروه، وأمهات أولاده،
وتنفسخ إجارته على ما يجيء في بابه إن شاء الله تعالى.
ومنها: وقوع الفرقة بتباين الدارين.
ومنها: وجوب الحد على من زنى في دار الحرب.
ومنها: استحقاق سهم الفرسان إذا جاوز الدرب فارسا فنفق فرسه وقاتل راجلاً.
ومنها: عدم جواز القسمة في دارهم، وغير ذلك من الأحكام.
[من قتل مسلماً خطأ لا ولي له أو قتل حربياً دخل إلينا بأمان]
م: (ومن قتل مسلماً خطأ لا ولي له، أو قتل حربياً دخل إلينا بأمان) ش: أي
إلى دار الإسلام م: (فأسلم فالدية على عاقلته للإمام) ش: أي على عاقلة
القاتل الدية للإمام.
(7/217)
وعليه الكفارة، لأنه قتل نفسا معصومة خطأ،
فيعتبر بسائر النفوس المعصومة، ومعنى قوله: للإمام، أن حق الأخذ له، لأنه
لا وارث له، وإن كان عمدا، فإن شاء الإمام قتله، وإن شاء أخذ الدية، لأن
النفس معصومة والقتل عمد والولي معلوم، وهو العامة أو السلطان، قال النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السلطان ولي من لا ولي له» ، وقوله:
إن شاء أخذ الدية، معناه بطريق الصلح، لأن موجب العمد هو القود عينا، وهذا
لأن الدية أنفع في هذه المسألة من القود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي بعض النسخ: على العاقلة للإمام م: (وعليه الكفارة، لأنه قتل نفساً
معصومة خطأ، فيعتبر بسائر النفوس المعصومة) ش: أما المسلم فلقوله تعالى:
{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] ... (النساء: الآية 92) ،
وأما المستأمن لما أسلم صار من أهل دارنا، فصار حكمه حكم سائر المسلمين،
وللإمام أن يأخذ ديتها ويضعها في بيت المال لعدم الوارث.
م: (ومعنى قوله: للإمام) ش: أي معنى قول محمد: للإمام م: (أن حق الأخذ له،
لأنه لا وارث له وإن كان عمداً) ش: أي وإن كان قتل المذكورين عمداً، أي
قتلاً عمداً م: (فإن شاء الإمام قتله) ش: أي القاتل م: (وإن شاء أخذ الدية،
لأن النفس معصومة، والقتل عمد والولي معلوم، وهو العامة أو السلطان) .
ش: اعترض عليه: بأن التردد فيمن له ولاية القصاص يوجب سقوطه، كما في
المكاتب إذا قتل عن وفاء وله وارث.
وأجيب: بأن الإمام ها هنا نائب عن العامة، فصار كأن الولي واحد، بخلاف
مسألة المكاتب.
م: (قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السلطان ولي من لا
ولي له» ش: هذا قطعة من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن
جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها لما
أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» وقال الترمذي: حديث
حسن، وقد تقدم الكلام فيه في أوائل النكاح.
م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن شاء أخذ الدية،
معناه بطريق الصلح، لأن موجب العمد هو القود عيناً) ش: أي القصاص معينا م:
(وهذا) ش: أي جواز أخذ الدية هنا م: (لأن الدية أنفع في هذه المسألة من
القود) ش: أي القصاص، والحق للعامة والإمام
(7/218)
فلهذا كان له ولاية الصلح على المال، وليس
له أن يعفو؛ لأن الحق للعامة، وولايته نظرية، وليس من النظر إسقاط حقهم من
غير عوض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالنائب عنهم م: (فلهذا كان له ولاية الصلح على المال، وليس له أن يعفو،
لأن الحق للعامة) ش: أي لعامة الناس م: (وولايته) ش: أي الإمام م: (نظرية،
وليس من النظر إسقاط حقهم) ش: أي حق العامة م: (من غير عوض) ش: عن القتل.
وإذا كان المقتول لقيطاً فقتله الملتقط أو غيره خطأ تجب الدية لبيت المال
على عاقلة القاتل، والكفارة عليه. وإن كان عمداً فإن شاء الإمام قتله وإن
شاء صالحه على الدية عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: الدية عليه في
مسألة ولا أقتله به، قيل: إني لا أعرف له ولياً، كذا ذكره الحاكم في "
الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشمائل ".
(7/219)
|