البناية
شرح الهداية باب العشر والخراج قال: أرض العرب كلها أرض
عشر، وهي ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام. والسواد
أرض خراج، وهو ما بين العذيب إلى عقبة حلوان، ومن الثعلبية ويقال من العلث
إلى عبادان؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العشر والخراج]
م: (باب العشر والخراج) ش: أي هذا باب في بيان حكم العشر والخراج. والعشر
لغة أحد الأجزاء العشرة، والخراج اسم لما يخرج من غلة الأرض أو الغلام، ثم
سمي ما يأخذه السلطان خراجاً، فيقال: أدى فلان خراج أرضه، وأدى أهل خراج
رؤسهم، يعني الجزية.
م: (قال: أرض العرب كلها أرض عشر) ، ش: قال الكرخي في مختصره: أرض العرب
كلها أرض عشر، وهي أرض الحجاز وتهامة ومكة واليمن والطائف والبرية، قال
القدوري: ما ذكره المصنف بقوله:.
م: (وهي) ش: أي أرض العرب، وفي بعض النسخ: وهو، قال الكاكي: ذكره بالنظر
إلى خبره، وهو ما يعني كلمة ما التي في قوله م: (ما بين العذيب إلى أقصى
حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام) ش: أي حد الشام عذيب، بضم العين المهملة
وفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة، وهو ماء التميم. والحجر بفتحتين يعني
الصخر، لأنه وقع في أمالي أبي يوسف: الصخر موضع الحجر، ويظهر من ذلك أن من
روى بسكون الجيم وفسره بالجانب فقد حرف.
ومهرة بفتح الهاء والسكون اسم رجل، وقيل اسم قبيلة تنسب إليها الإبل
المهرية، وسمي ذلك المقام به فيكون بمهرة بدلاً من قوله: باليمن، هذا أطول
أرض العرب. وأما عرضها من يسرين والدهناء ورمل عالج إلى مشارق الشام، أي
قراها.
م: (والسواد أرض خراج) ش: أي أرض سواد العراق، أي قراها أرض خراج، وبه صرح
التمرتاشي. وسمي السواد لخضرة أشجاره وزروعه م: (وهو) ش: أي السواد م: (ما
بين العذيب إلى عقبة حلوان) ش: بضم الحاء اسم بلد. وقال الأترازي: المراد
من السواد المذكور سواد الكوفة، وهو سواد العراق، وحده من العذيب إلى عقبة
حلوان عرضاً، ومن العلث إلى عبادان طولاً. وأما سواد البصرة قال: الأهواز
وفارس.
وقال المصنف: م: (ومن الثعلبية، ويقال من العلث إلى عبادان) ش: وقال
الأترازي: وما قيل من الثعلبية إلى عبادان غلط، لأن الثعلبية من منازل
البادية بعد العذيب بكثير، والعلث بفتح العين وسكون اللام وبالثاء المثلثة
قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة، وهو أول العراق
(7/220)
لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
والخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يأخذوا الخراج من أراضي
العرب، لأنه بمنزلة الفيء، فلا يثبت في أراضيهم، كما لا يثبت في رقابهم،
وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق،
ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وعمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - حين فتح سواد العراق وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرقي دجلة، وعبادان بتشديد الباء الموحدة: حضر صغير على شط البحر، وفي
المثل: ما وراء عبادان قرية.
وفي شرح " الوجيز ": سواد العراق من عبادان إلى حديثة الموصل طولاً، ومن
عذيب القادسية إلى حلوان عرضاً، وطوله مائة وستون فرسخاً، وعرضه ثمانون
فرسخاً، ومساحته ستة وثلاثون ألف ألف جريب.
م: (لأن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والخلفاء الراشدين - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يأخذوا الخراج من أراضي العرب» ش: هذا ليس له أصل في
كتب الحديث، ولم يذكر أحد من الشراح حال هذا الحديث بالكلية، غير أن
الأترازي ذكره مثل ما ذكره المصنف، ثم قال: والأرض لا تخلو من أحد الحقين،
يعني العشر والخراج، فدل أن الذي ذكره المصنف على أن أرض العرب عشرية.
م: (لأنه) ش: أي ولأن الخراج م: (بمنزلة الفيء) ش: من حيث إنه لا يبتدئه
المسلم م: (فلا يثبت) ش: أي الخراج م: (في أراضيهم) ش: أي في أراضي العرب
م: (كما لا يثبت في رقابهم) ش: لأن شرط وضعه في الرقاب إقرار أهلها عليها
على الكفر، لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف كما يذكره المصنف الآن
م: (وهذا لأن وضع الخراج) ش: على أرض العرب م: (من شرطه) ش: أي من شرط
الوضع م: (أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق) ش: حيث وضع عليه
الخراج كما يجيء الآن.
[مشركوا العرب هل يقبل منهم الخراج]
م: (ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وعمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - حين فتح سواد العراق وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وكان فتح سواد العراق على يدي سعد بن أبي
وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وكان ابتداء سعد في غزو العراق في سنة أربع عشرة، لم يزل يفتح مدنه إلى سنة
سبعة عشر.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا علي بن أبي مهر عن الشيباني عن أبي عبيد
الله الثقفي، قال: وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل السواد، على
كل جريب يبلغه الماء عامراً ودامراً درهما وقفيزاً من طعامهم، وعلى الرطاب
على كل جريب أرض خمسة دراهم وخمسة أقفزة من طعام، وعلى الكروم على كل جريب
أرض عشرة دراهم وعشرة أقفزة. ولم يضع على النخل
(7/221)
ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص،
وكذا اجتمعت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على وضع الخراج على
الشام. قال: وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها، لأن
الإمام إذا فتح أرضا عنوة وقهرا له أن يقر أهلها عليها ويضع عليها وعلى
رؤوسهم الخراج، فتبقى الأرض مملوكة لأهلها، وقد قدمناه من قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيئاً جعله تبعاً للأرض.
م: (ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص) ش: وكان فتح مصر في سنة عشرين
من الهجرة. قال الأترازي: وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الخراج على
مصر حين افتتحت صلحاً على يد عمرو بن العاص، انتهى.
وقال الواقدي: حدثني من سمع صالح بن كيسان عن يعقوب بن عيينة عن شيخه من
أهل مصر أن عمرو بن العاص افتتح مصر عنوة، واستباح ما فيها وعزل منه مغانم
المسلمين، ثم صالحهم عمرو بن العاص بعد وضع الجزية في رقابهم، ووضع الخراج
على أرضهم، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك.
[وضع الخراج على الشام]
م: (وكذا اجتمعت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وضع الخراج على
الشام) ش: قال الأترازي: وضع عمر بن الخطاب الخراج على الشام حين افتتح بيت
المقدس ومدن الشام كلها صلحاً دون أراضيها. وأما أراضيها ففتحت عنوة على
يدي زيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح وخالد بن
الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتهى. قلت: قال ابن كثير: اختلفت
العلماء في دمشق هل فتحت صلحاً أو عنوة، فأكثر العلماء على أنه استقر أمرها
على الصلح، وقيل بل جعل نصفها صلحاً ونصفها عنوة، ونصر بن إسحاق وسيف بن
عمر وظيفة بن خياط وأبو عبيدة وآخرون، أن فتح دمشق كان في سنة أربع عشرة من
الهجرة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وأرض السواد مملوكة لأهلها) ش: هو سواد العراق
كما ذكرناه م: (يجوز بيعهم لها) ش: أي الأرض م: (وتصرفهم فيها) ش: أي في
أرض السواد بأي نوع كان من أنواع التصرفات م: (لأن الإمام إذا فتح أرضاً
عنوة وقهراً) ش: عطف قهراً على عنوة عطف تفسير م: (له) ش: أي للإمام م: (أن
يقر أهلها عليها ويضع عليها وعلى رؤوسهم الخراج) ش: والمراد من الخراج على
الرؤوس الجزية.
ولما جاز إقرار الإمام إياهم على أراضيهم م: (فتبقى الأرض مملوكة لأهلها)
ش: يتصرفون فيها كيفما شاءوا ولهم بيعها وغير ذلك م: (وقد قدمناه من قبل)
ش: أي في باب قسمة الغنائم، وقال الشافعي - في الأظهر - ومالك وأحمد: لا
يجوز بيعها وهبتها وحبسها لأهلها، لأنها موقوفة على المسلمين. وعن الشافعي
يقسمها ويخمسها ولا يقر أهلها عليها.
(7/222)
قال: وكل أرض أسلم أهلها أو فتحت عنوة
وقسمت بين الغانمين فهي أرض عشر، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم
والعشر أليق به؛ لما فيه من معنى العبادة، وكذا هو أخف حيث يتعلق بنفس
الخارج،
وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها عليها فهي أرض خراج. وكذا إذا صالحهم، لأن
الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به. ومكة مخصوصة من
هذا، فإن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فتحها عنوة وتركها لأهلها ولم
يوظف الخراج. وفي " الجامع الصغير ": كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء
الأنهار فهي أرض خراج، وما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحجة عليه فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فتح العراق بمحضر من
الصحابة من غير نكير.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل أرض أسلم أهلها أو فتحت عنوة وقسمت بين
الغانمين فهي أرض عشر، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم) ش: أي
لأن الحق المتعلق لها ابتدأ به المسلم م: (والعشر أليق به لما فيه من معنى
العبادة) ش: ولهذا تصرف الصدقات م: (وكذا هو) ش: أي العشر م: (أخف) ش: أي
عن الخراج م: (بحيث يتعلق بنفس الخارج) ش: لأنه لا يجب حتى يوجد الخارج.
م: (وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها فهي أرض خراج، وكذا إذا صالحهم، لأن
الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به) ش: أي بالكافر، لأن
فيه معنى العقوبة، لأنه يشبه الجزية التي هي العقوبة على الكافر، ولأن في
الخراج تغليظاً، ولهذا أنه يجب وإن لم يزرع م: (ومكة مخصوصة من هذا) ش: هذا
جواب القياس: في أرض مكة الخراج، لأنها فتحت عنوة، وقال: ومكة مخصوصة من
هذا، هذا جواب القياس، فإن القياس في أرض مكة الخراج، لأنها فتحت عنوة.
وقال: مكة مخصوصة بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكما
لا رق على العرب؛ فكذلك لا خراج على أراضيهم. وقيل: جعلت مكة عشرية تعظيماً
لها. قوله من هذا، أي من قوله وكل أرض فتحت عنوة.. إلى آخره م: (فإن رسول
الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فتحها) ش: أي فتح مكة م: (عنوة وتركها لأهلها
ولم يوظف الخراج) ش: فيه وردت أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري ومسلم
«عن أم هانئ أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك فقال: " قد أجرنا من أجرت، وأمنا
من أمنت» .
قال المنذري في " مختصره ": استدل بهذا الحديث على أن مكة فتحت عنوة، إذ لو
فتحت صلحا لوقع به الإذن العام، ولم يحتج إلى أمان أم هانئ ولا تجديده من
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وفي " الجامع الصغير ": كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار فهي
أرض خراج، وما
(7/223)
لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين
فهي أرض عشر، لأن العشر يتعلق بالأرض النامية، ونماؤها بمائها، فيعتبر
السقي بماء العشر أو بماء الخراج.
ومن أحيا أرضا مواتا فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها، فإن كانت من حيز أرض
الخراج ومعناه بقربه فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر، لأن العشر يتعلق
بالأرض النامية، ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج)
ش: وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " فقوله: ولو كانت البلدة
خراجية ونحا رجل في بعض النواحي، فإن سقاها من غير أن استيقظها أو من ماء
السماء فهي عشرية، وإن سقاها من الأنهار الصغار فهي خراجية.
وإن سقاها من الأنهار العظام فقد روي عن محمد في هذا روايتان، في رواية أبي
سليمان: تكون خراجية، ويجعلها تابعة للبلدة، وفي رواية هشام عن محمد: تكون
عشرية لأن هذا مباح كماء السماء.
فائدة:
خراسان ومرو والري فتحها عبد الله بن عامر بن كدير في خلافة عثمان بن عفان
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأما ما وراءها فافتتح بعد عثمان على يدي سعيد
بن عفان لمعاوية صلحاً، وسمرقند وكشر ونصف وبخارى، فتحت على يدي المهلب بن
أبي صفرة وقتيبة بن مسلم، والذي فتحها أبو موسى الأشعري في ولاية عثمان
صلحاً، وطبرية فتحها سعيد بن العاص في ولاية عثمان صلحاً، ثم فتحها عمر بن
العلاء والطالقان ودين سنة سبع وخمسين ومائة.
وأما جرجان فافتتحها يزيد بن المهلب في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ثمان
وتسعين. وأما كرمان ومستحناه ففتحهما عبد الله بن عامر في خلافة عثمان
صلحاً. وأما الأهواز وفارس وأصبهان، ففتحت عنوة على يدي أبي موسى الأشعري -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وأما الجبل فافتتح كله عنوة في وقعة جر ونهاوند على يدي سعيد والنعمان ابني
مقرن.
والجزيرة فتحت صلحاً على يدي عياض بن غنم، والجزيرة ما بين الفرات ودجلة،
والموصل من الجزيرة. وأما أرض الهند فافتتحها القاسم بن محمد الثقفي سنة
ثلاث وتسعين، كذا ذكر القتبي.
[من أحيا أرضاً مواتاً من حيز أرض الخراج]
م: (ومن أحيا أرضاً مواتاً فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها، فإن كانت من
حيز أرض الخراج ومعناه بقربه فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي
عشرية) ش: أي معنى قول القدوري بحيزها بقربها، وهذا تفسير المصنف لقول
القدوري، لأنه ذكره في مختصره.
(7/224)
والبصرة عنده كلها عشرة بإجماع الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لأن حيز الشيء يعطى له حكمه،
كفناء الدار يعطى له حكم الدار، حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به.
وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر، وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية،
لأنها من حيز أرض الخراج، إلا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
وظفوا عليها العشر فترك القياس لإجماعهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال في " ديوان الأدب ": حيز الناحية وجمعه أحياز جمع على لفظه، وأصله من
الواو، قال في المجمل: القياس أحواز.
قلت: لأن أصل حيز حيوز، لأنه من الحوزاء، جمعت الياء والواو فسبقت إحداهما
بالسكون فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
والمراد من قوله: ومن أحيا أرضاً مواتاً، لمسلم، فإن الذمي إذا أحيا أرضاً
مواتاً تكون خراجية، كذا في شرح الطحاوي.
وعلى قياس أبي يوسف ينبغي أن تكون البصرة عنده خراجية لكونها من حيز أرض
الخراج، وإن أحياها المسلمون، إلا أن القياس ترك بإجماع الصحابة على توظيف
العشر عليها. وهذا معنى قوله م: (والبصرة عنده كلها عشرية بإجماع الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: كذا: قاله أبو عمر وغيره م: (لأن حيز الشيء
يعطى له حكمه) ش: أي حكم ذلك الشيء، وهذا دليل أبي يوسف على مذهبه.
م: (كفناء الدار يعطى له حكم الدار، حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به) ش: أي
حتى يجوز لصاحب الدار الانتفاع بفناء داره، وإن لم يكن الفناء ملكاً له
لاتصاله بملكه، وقد ذكر في " المبسوط ": قال المستأجر لأجراء: هذا فنائي
وليس لي فيه حق الحفر، فحفروا فمات فيه إنسان، فالضمان على الأجراء قياساً،
لأنهم علموا بفساد الأمر فما منعهم.
وفي الاستحسان أن الضمان على المستأجر، لأن كونه فناء منزله كونه مملوكاً
له لإطلاق يده في التصرف فيه من القانطين والحطب وربط الدواب والركوب وبناء
الدكان، فعلم أن الفناء حق الانتفاع وإن لم يكن ملكاً له.
[توظيف العشر على البصرة]
م: (وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر) ش: وفي بعض النسخ: وكذا لا يجوز
أخذ ما قرب العامر، لأن لأهل العامر حق الانتفاع فيما قرب من العامر م:
(وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية) ش: قيل هذا تكرار، لأنه قال:
والبصرة عشرية، إلى آخره.
ورد عليه بأن الأول رواية القدوري وهذا شرح لذلك م: (لأنها من حيز أرض
الخراج، إلا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وظفوا عليها العشر،
فترك القياس لإجماعهم) ش: أي لإجماع الصحابة على توظيف العشر على البصرة،
وقد ذكرناه.
(7/225)
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أحياها
ببئر حفرها أو بعين استخرجها أو ماء دجلة والفرات أو الأنهار العظام التي
لا يملكها أحد، فهي عشرية، وكذا إن أحياها بماء السماء، وإن أحياها بماء
الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك ونهر يزدجرد، فهي خراجية لما
ذكرنا من اعتبار الماء، إذ هو السبب للماء، ولأنه لا يمكن توظيف الخراج
ابتداء على المسلم كرها، فيعتبر في ذلك الماء لأن السقي بماء الخراج دلالة
التزامية. قال: والخراج الذي وضعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل
السواد من كل جريب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أحياها ببئر حفرها أو بعين
استخرجها أو ماء دجلة والفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد فهي
عشرية، وكذا إن أحياها بماء السماء) ش: أي المطر م: (وإن أحياها بماء
الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك) ش: ونهر الملك قريب من بغداد
على طريق الكوفة، والمراد من الملك كسرى نوشيروان بن قباز، وكان جميع ملكه
سبعاً وأربعين سنة وسبعة أشهر.
وكسرى برويز من أولاده، وهو برويز بن هرمز بن كسرى نوشيروان، وقام على
الملك ثمانياً وثلاثين سنة م: (ونهر يزدجرد) ش: وهو يزدجرد بن شهريار بن
كسرى، ملك وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم لما قتل رستم في قتال سعد بن أبي وقاص
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالفارسية، هرب يزدجرد إلى مرو في طريق سجستان
فقتل هناك.
وكان جميع ملكه عشرين سنة وهو آخر ملوك العجم، ولم يزل منهزماً من أصحاب
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى خراسان، وإلى بلاد
الترك وعاد فقتل بمرو، وكان ذلك في سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (فهي خراجية لما ذكرنا من اعتبار الماء، إذ هو السبب للنماء، ولأنه لا
يمكن توظيف الخراج ابتداء على المسلم كرهاً، فيعتبر في ذلك الماء، لأن
السقي بماء الخراج دلالة التزامية) ش: أي التزام الخراج فتكون الأرض خراجية
م: (قال: والخراج الذي وضعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل السواد
من كل جريب) ش: وهي أرض طولها ستون ذراعاً بذراع الملك كسرى، يزيد على ذراع
العامة بقبضة، وهي ست قبضات، وذراع الملك سبع قبضات، كذا في " المغرب ".
وذكر التمرتاشي: أن طول الجريب ستون ذراعاً، وعرضه ستون ذراعاً بذراع
الملك. وقيل: الجريب ما بذر فيه مائة رطل.
وقيل: الجريب ما بذر فيه من الحنطة ستون مناً في ديارنا. وقيل: الجريب
خمسون مناً في ديارنا.
وقيل: ما نقله مقدار، كذا في " القنية " وفتاوى [ ... ] وفي " الكافي ":
قيل: الجريب ستون
(7/226)
يبلغه الماء قفيز هاشمي وهو الصاع ودرهم،
ومن جريب الرطبة خمسة دراهم،
ومن جريب الكرم المتصل والنخيل المتصل عشرة دراهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في ستون حكاية عن جريبهم في أراضيهم، وليس بتقدير لازم في الأراضي كلها، بل
جريب الأرض يختلف باختلاف البلدان، فيعتبر في كل بلد بتعارف أهله م: (يبلغه
الماء) ش: جملة من الفعل والفاعل والمفعول صفة لجريب.
وقوله: م: (قفيز هاشمي) ش: خبر المبتدأ، أعني قوله والخراج، وفسروا القفيز
الهاشمي بقوله: م: (وهو الصاع ودرهم) ش: الصاع ثمانية أرطال، أي أربعة
مناً، خلافاً لأبي يوسف. وقال الأترازي: اعلم أن القفيز الواجب في الخراج
مطلق عن قيد الهاشمي والحجاجي في أكثر نسخ الفقه كالكاكي للحاكم الشهيد و "
الشامل " في شرح الطحاوي وشروح " الجامع الصغير " للفقيه أبي الليث فخر
الإسلام البزدوي وغير ذلك. وقال الولوالجي في فتاواه: القفيز هو الحجاجي،
وهو ثمانية أرطال، وهو صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، وإنما نسب إلى الحجاجي أخرجه بعدما فقد، وأنه يسع فيه ثمانية أرطال وهي
أربعة مناً. وفي قول أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل، وكذلك في " خلاصة
الفتاوى " فإذا كان الحجاجي وهو صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فكيف يقيد صاحب " الهداية " والشافعي بالهاشمي، والهاشمي
اثنان وثلاثون رطلاً.
وقال محمد: القفيز قفيز الحجاج، وهو ربع الهاشمي، وهو مثل الصاع، والصاع
كان على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية أرطال.
وقال الأترازي: والمراد من القفيز الواجب قفيز ما يزرع فيها، كذا في " شرح
الطحاوي ".
وقال الإمام ظهير الدين: إنه قفيز من حنطة أو شعير، والمراد من الدرهم درهم
يوزن سبعة.
م: (ومن جريب الرطبة خمسة دراهم) ش: الرطبة بفتح الراء. قال في " المغرب ":
المفرد الرطب، والجمع رطاب. ومنه حديث حذيفة وابن حنيف وظفا على كل جريب من
أرض الزرع درهماً من أرض الرطبة خمسة دراهم.
وفي كتاب العشر: البقول غير الرطاب، فإنما البقول مثل الكراث ونحو ذلك،
والرطاب هو القثاء والبطيخ والباذنجان وما يجري مجراه، انتهى.
قلت: الرطبة هي التي يقولها أهل مصر البرسيم، وأهل البلاد التركية ينجا،
بضم الياء أول الحروف وسكون النون وبالجيم مقصور.
م: (ومن جريب الكرم المتصل والنخيل المتصل عشرة دراهم) ش: قال تاج الشريعة:
الكرم المتصل
(7/227)
وهذا هو المنقول عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق، وجعل حذيفة عليه
مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف جريب، ووضع على ذلك ما قلنا، وكان ذلك
بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنخيل، والمتصلة ما يصل بعضها ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها م:
(وهذا هو المنقول عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أشار به إلى الذي
ذكره على الوجه المذكور، منقول عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
-: (فإنه) ش: أي فإن عمر م: (بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق، وجعل
حذيفة عليه مشرفاً، فمسح فبلغ ستاً وثلاثين ألف جريب) ش: روى عبد الرزاق في
" مصنفه ": أخبرنا معمر عن قتادة عن أبي محلف عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود
وعثمان بن حنيف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلى الكوفة فجعل عماراً على
الصلاة والقتال.
وجعل ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وجعل عثمان بن حنيف على مساحة
الأرض، وجعل لهم كل يوم شاة، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا
سيسرع فيها، ثم قال لهم: إني أنزلتكم في هذا المال ونفسي كوالي اليتيم، من
كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.
قال: فمسح عثمان بن حنيف سواد الكوفة من أرض أهل الذمة، فجعل على كل جريب
النخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب العنب ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة
دراهم، وعلى الجريب من البر أربعة دراهم، وعلى الجريب من الشعير درهمين،
وجعل على رأس كل رجل منهم أربعة وعشرين درهماً كل عام، ولم يضرب على النساء
والصبيان، وأخذ من تجارهم من كل عشرين درهماً درهماً، فرفع ذلك إلى عمر -
رضي الله عيه - فرضي به، انتهى.
وعثمان بن حنيف من أكابر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد شهد أحدا
والمشاهد، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخي بينه وبين
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات في خلافة معاوية، وحذيفة بن اليمان هو
حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة اليمان، وينسب إلى جده هذا، سكن
الكوفة ومات بالمدائن سنة ستة وثلاثين.
م: (ووضع على ذلك ما قلنا) ش: وقال الأترازي هكذا أثبت في النسخ، وكأنه سهو
من الكاتب، لأن قياس الترتيب أن يقال وضع ذلك على ما قلنا، أي وضع الخراج
على الوجه الذي قلنا في جريب الزرع وجريب الرطبة، وجريب الكرم. ورأيت في
شرح تاج الشريعة نقل ذلك على الصحة، حيث قال: ووضع ذلك على ما قلنا، ولم
يذكر شيئاً غير ذلك، فدل هذا على أن تفسير التركيب من الناسخ الجاهل م:
(وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي
(7/228)
من غير نكير، فكان إجماعا، ولأن المؤن
متفاوتة، فالكرم أخفها مؤنة، والمزارع أكثرها مؤنة، والرطاب بينهما،
والوظيفة تتفاوت بتفاوتها، فجعل الواجب في الكرم في أعلاها وفي الزرع
أدناها وفي الرطبة أوسطها، قال: وما سوى ذلك من الأصناف كالزعفران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان ما نقل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضور من صحابة رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (من غير نكير، فكان إجماعا ") ش:
أي من غير أن ينكر عليه أحد منهم، فكان إجماعاً على ذلك.
م: (ولأن المؤن) ش: بضم الميم وفتح الهمزة جمع مؤنة بفتح الميم وضم الهمزة.
وفي " المغرب " المؤنة: الثقل بقوله: من: مانت القوم: إذا اجتمعت مؤنتهم،
وقيل: من: منت الرجل مؤنة. وقيل: هي مفعلة عن الأون والأين، والأول أصح.
وقال الجوهري: المؤنة تهمز ولا تهمز وهي فعولة. وقال الفراء هي مفعلة من
الأين وهو التعب والشدة، ويقال: هي مفعلة من الأون وهو الخروج والعدل، لأنه
ثقل على اللسان.
ومانت القوم أمانهم أماناً: إذا حملت مؤنتهم. ومن ترك الهمزة قال: منتهم م:
(متفاوتة) ش: والتفاوت الفوت أثر في تفاوت الواجب.
ألا ترى أن الواجب فيما سقي سيحاً من الأرض العشرية وهو العشر، وفيما سقي
بغرب أو دالية أو سمانية نصف العشر.
م: (فالكرم أخفها مؤنة) ش: أي أخف الأشياء المذكورة وهي الرطبة، والكرم
والنخل وريعه أكثر، فالواجب فيه أعلى وهو عشرة دراهم.
وهذا لأنه يبقى دهرً مديداً مع قلة المؤنة م: (والمزارع أكثرها) ش: أي أكثر
الأشياء المذكورة م: (مؤنة) ش: لأن الزرع يحتاج فيه إلى الكرب وإلقاء البذر
والحصاد والدياس ونحو ذلك كل سنة.
م: (والرطاب بينهما) ش: أي بين الأخف والأكثر، لأنه لا يحتاج إلى إلقاء
البذر كل عام ولا بذرية فيها أصلاً، وتدوم أعواماً ليس كدوام الكرم، فكان
الواجب فيما بين الأمرين وهو خمسة دراهم. قلت: هذا الذي قاله الشرح باعتبار
عادة بلادهم، وأما في بلاد مصر ففي كل سنة يزرعونها.
م: (والوظيفة تتفاوت بتفاوتها) ش: أي بتفاوت المؤنة كما ذكرنا م: (فجعل
الواجب في الكرم في أعلاها) ش: أي في أعلي المؤن م: (وفي الزرع أدناها، وفي
الرطبة أوسطها. قال) ش: أي القدوري م: (وما سوى ذلك من الأصناف) ش: أي ما
سوى جريب الزرع وجريب الرطبة وجريب الكرم م: (كالزعفران) ش: وفي النهاية أي
أرض الزعفران تلحق بأرض الزرع أو الرطبة أو الكرم، وبأيها كانت أشبه في قدر
العنة فهو مبلغ الطاقة، كذا ذكره الإمام التمرتاشي.
(7/229)
والبستان وغيره يوضع عليها بحسب الطاقة،
لأنه ليس فيه توظيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد اعتبر الطاقة في
ذلك، فتعتبرها فيما لا توظيف فيه. قالوا: ونهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف
الخارج لا يزاد عليه، لأن التنصيف عين الإنصاف، لما كان لنا أن نقسم الكل
بين الغانمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أنواع الخراج]
م: (والبستان) ش: كل أرض يحوطها حائط. في " فتاوى الظهيرية ": ولو كان في
جوانب الأرض أشجار ووسطها مزرعة ففيها وظيفة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ولا شيء في الأشجار، وكذا لو غير أشجاراً غير مثمرة.
ولو كانت الأشجار مثمرة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم م: (وغيره) ش: أي وغير
البستان م: (يوضع) ش: أي الخراج م: (عليها) ش: أي على الزعفران والبستان
وغير البستان م: (بحسب الطاقة) ش: ففي أرض النخيل المطلقة يجعل عليها
الخراج بقدر ما يطيق.
ولا يزاد على جريب الكرم. وفي جريب الزعفران بقدر ما يطيق أيضاً، وينظر إلى
غلتها، فإن بلغت غلة الزرع تؤخذ قدر خراج الزرع، وإن بلغت قدر غلة الرطبة
يؤخذ خمسة م: (لأنه ليس فيه) ش: أي فيما سوى ذلك م: (توظيف عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وذلك الخراج على نوعين، خراج وظيفة وهو الذي يشبه
توظيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وخراج مقاسمة وهو أن يكون الخراج من
الأرض لا يوظف فيه فيوضع فيه بحسب الطاقة، وهو معنى قوله م: (وقد اعتبر
الطاقة في ذلك) ش: فيما سوى ذلك من الأصناف م: (فتعتبرها) ش: أي الطاقة م:
(فيما لا توظيف فيه) ش: لأن يوظف به.
م: (قالوا) ش: أي مشايخنا م: (ونهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا
يزاد عليه، لأن التنصيف عين الإنصاف) ش: قال فخر الإسلام البزدوي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما تتناهى الطاقة إلى نصف الخارج لا يزاد عليه.
ألا ترى أنه قال في كتاب " العشر " و " الخراج " و " السير الكبير " في أرض
لم يخرج من الغلة إلا قدر قفيزين ودرهمين، وهي جريب: إن خراجها قفيز ودرهم،
وهذا لأنا لما ظفرنا بهم وسعنا أن نسترقهم ونقسم أموالهم، فإذا مننا عليهم
وقاطعناهم على نصف الخراج كان التنصيف هو الإنصاف بعينه، حيث كان النصف لنا
والنصف لهم م: (لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين) ش: هذا متصل بما
قبله.
حاصل معناه أنا حين ملكناهم كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين، ولكن
أنصفناهم حيث رضينا بنصف الخارج من غير زيادة، وهذا عين الإنصاف منا حيث
جعلنا النصف لهم والنصف لنا.
(7/230)
والبستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل
متفرقة وأشجار أخر. وفي ديارنا وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك
كذلك، لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان. قال: فإن لم تطق
ما وضع عليها نقصهم الإمام، والنقصان عند قلة الريع جائز بالإجماع، ألا ترى
إلى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق،
فقالا: لا، بل حملناها ما تطيق ولو زدناها لأطاقت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والبستان كل أرض يحوطها حائط) ش: أي يكون حواليها حيطان) م: وفيها نخيل
متفرقة وأشجار أخر ش: وفي المغرب: البستان: الجنة م: (وفي ديارنا) ش: ديار
صاحب " الهداية " فرغانة، ويقال له الفرغاني والمرغيناني أيضاً.
وفرغانة بفتح الفاء وسكون الراء سجون، ومرغينان من بلاد غانة م: (وظفوا من
الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك، لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة
من أي شيء كان) ش: أي من أي جنس كان مما فيه الخراج.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن لم تطق) ش: أي الأرض م: (ما وضع عليها) ش:
وفي بعض النسخ فإن كان لم يطق. قال الأترازي: إن صح لفظ كان فهو زائد، وعدم
الإطاقة عبارة عن قلة الريع م: (نقصهم الإمام) ش: أي نقص الإمام عن أصحاب
الأراضي التي لا تطيق ما وضع عليها م: (والنقصان عند قلة الريع جائز
بالإجماع) ش: والريع النماء والزيادة، وأراد به هنا الغلة.
وقال الكاكي: إذا جاز النقصان عند قيام الطاقة فعند عدم الطاقة بالطريق
الأولى.
وفي " الخلاصة ": إن كانت الأرض لا تطيق أن يكون الخارج لا يبلغ عشرة
دراهم، يجوز أن ينقص حتى يصير الخراج مثل نصف الخارج. أما إذا كانت تطيق
ذلك وزيادة فقال الولوالجي في فتاواه: أجمعوا على أن الزيادة على وظيفة عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في سواد العراق وفي بلدة وظف الإمام عليها
الخراج لا يجوز، فأما في بلدة أراد الإمام أن يبتدئ بها بالتوظيف، قال أبو
يوسف: لا نزيد. وقال محمد: يزيد. وعن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف، ويجيء
الآن ما ذكره الولوالجي.
م: (ألا ترى إلى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعلكما حملتما الأرض ما
لا تطيق، فقالا: لا، بل حملناها ما تطيق، ولو زدناها لأطاقت) ش: هذا أخرجه
البخاري في صحيحه في كتاب " فضائل الصحابة " وفي كتاب " السعة " لعثمان عن
عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل أن
يصاب بأيام بالحديبية وقف على حذيفة وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما،
أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق، فقالا: حملناها أمراً هي له
مطيقة، فيها كثير فضل.
(7/231)
وهذا يدل على جواز النقصان. وأما الزيادة
عند زيادة الريع يجوز عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالنقصان،
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لم يزد حين أخبر بزيادة الطاقة، وإن غلب على أرض الخراج الماء أو
انقطع الماء عنها أو اصطلم الزرع آفة فلا خراج عليه، لأنه فات التمكن من
الزراعة وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج.
وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري في بعض الحول، وكونه ناميا
في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: انظرا أن تكونا حملتماها ما لا تطيق، فقالا: لا، فقال عمر - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كيف سلمها الله عن أراملة العراق، لا يحتجي إلى
أحد بعدي، قال: فما أتت عليه أربعة حتى أصيب ... الحديث بطوله، وهو حديث
مقتل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتبعه عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -.
وقد عرفت أن قول عمر: لعلكما، خطاب لحذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف،
الصحابيين الكبيرين. والضمير في قوله: قالا، في الموضعين، يرجع إليهما. م:
(وهذا) ش: أي قولهما: ولو زدنا لأطاقت م: (يدل على جواز النقصان) ش: عند
قلة الريع بالإجماع م: (وأما الزيادة عند زيادة الريع يجوز عند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتباراً بالنقصان. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لا يجوز: لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يزد حين أخبر بزيادة
الطاقة) ش: وهو في قولهما ولو زدنا لأطاقت م: (وإن غلب على أرض الخراج
الماء أو انقطع الماء عنها أو اصطلم الزرع آفة) ش: أي استأصلته، والاصطلام:
الاستئصال، وهو القلع من الأصل م: (فلا خراج عليه، لأنه فات التمكن من
الزراعة) ش: قال الكاكي: قال مشايخنا: ما ذكر في الكتاب بأن الخراج يسقط
بالاصطلام، محمول على ما إذا لم يبق من السنة مقدار ما يمكن أن يزرع الأرض
ثانياً، أما إذا بقى لا يسقط الخراج، ذكره في " شرح الطحاوي ".
وفي " فتاوى البكري " وتكلموا أن المعتبر في ذلك زرع الحنطة والشعير أم أي
زرع كان، وأن المعتبر مدة ترك الزرع فيها أم مدة تبلغ الزرع مبلغا تكون
قيمته ضعف الخراج، وفي ذلك كلام، والفتوى على أنه مقيد بثلاثة أشهر م: (وهو
النماء التقديري المعتبر في الخراج) ش: أي التمكن من الزراعة هو النماء
التقديري، والنماء على قسمين: حقيقي وتقديري، والخراج يتعلق بأحدهما، وهنا
لما غلب الماء على الأرض بحيث لم تبق صالحة للزراعة، أو كانت مدة لم توجد
النماء التقديري فلا يجب التقديري.
[استأجر رجل أرضاً فزرعها فاصطلمت الزرع آفة]
م: (وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري في بعض الحول، وكونه
نامياً في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة) ش: فإن من اشترى جارية
للتجارة فمضى عليها ستة أشهر ثم نواها
(7/232)
أو يدار الحكم على الحقيقة عند خروج
الخارج.
وإن عطلها صاحبها فعليه الخراج، لأن التمكن كان ثابتا وهو الذي فوته،
قالوا: من انتقل إلى أخس الأمرين بغير عذر، فعليه الخراج الأعلى؛ لأنه هو
الذي ضيع الزيادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للخدمة سقطت الزكاة، لأنها لم تبق نامية في جميع الحول م: (أو يدار الحكم
على الحقيقة عند خروج الخارج) ش: أي حقيقة الخارج؛ إذ التمكن من الزراعة
قائم مقامه، فإذا وجد الأصل سقط اعتبار الخلف وتعلق الحكم بالأصل، فإذا هلك
بطل ما تعلق به.
حاصله أن النماء التقديري كان قائماً مقام النماء الحقيقي، فلما وجد
الحقيقي تعلق الحكم به لكونه الأصل، وقد هلكت فيهلك معه الخراج، بخلاف ما
إذا أعطاها وهو متمكن من الزراعة، حيث يكون الخراج ديناً في ذمته فيعتبر
الخراج بالنماء التقديري حينئذ، ألا ترى أن رجلاً لو استأجر بيتاً أو
حانوتاً معطلة فعليه الأجر، فإن لم يتمكن من الانتفاع بأن غصبه غاصب أو نحو
ذلك لا يجب الأجر.
فإن قلت: لو استأجر رجل أرضاً فزرعها فاصطلمت الزرع آفة، أنه يجب عليه
الأجر. قلت: أجيب: بأن الأجر إلى وقت هلاك الزرع، ولا يجب عليه بعد ذلك،
وليس الأجر بمنزلة الخراج، لأن الخراج وضع على مقدار الخارج. وإذا صلحت
الأرض للزراعة فإذا لم تخرج شيئاً جاز إسقاطه والأجر لم يوضع إلى مقدار
الخارج فجاز إيجابه وإن لم تخرج.
م: (وإن عطلها) ش: أي الأرض م: (صاحبها فعليه الخراج، لأن التمكن) ش: من
الزراعة م: (كان ثابتاً، وهو الذي فوته) ش: أي فوت الريع مع إمكان تحصيله.
قال التمرتاشي: هذا إذا كانت الأرض صالحة للزراعة، والمالك متمكن من
الزراعة فلم يزرعها. أما إذا عجز المالك عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه،
فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك
الباقي للمالك.
وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة، وإن شاء زرعها لمنفعة بيت المال، فإن
لم يتمكن من ذلك ولم يوجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج، وهذا
بلا خلاف.
وعن أبي يوسف: يدفع إلى العاجز كفايته من بيت المال ليعمل فيها فرضاً. وفي
" جمع الشهيد ": باع أرضاً خراجية، فإن بقي من السنة مقدار ما ملك المشتري
من الزراعة والخراج عليه، وإلا فعلى البائع.
م: (قالوا) ش: أي قال مشايخنا في شروح " الجامع الصغير " م: (من انتقل إلى
أخس الأمرين بغير عذر) ش: كمن له أرض الزعفران فتركها وزرع الحبوب م:
(فعليه الخراج الأعلى) ش: وهو خراج الزعفران م: (لأنه هو الذي ضيع الزيادة)
ش: فكان التقصير منه.
(7/233)
وهذا يعرف ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة
على أخذ أموال الناس،
ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله، لأن فيه معنى المؤنة
فيعتبر مؤنة في حالة البقاء، فأمكن إبقاؤه على المسلم.
ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ويؤخذ منه الخراج لما قلنا. وقد
صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اشتروا أراضي الخراج وكانوا
يؤدون خراجها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الحكم م: (يعرف ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ
أموال الناس) ش: لأنهم لا يعلمون بالشرع وليس لهم دأب إلا تحصيل الأموال من
أي وجه كان، وما عندهم قوة دين يمنعهم عن ذلك.
ورد بأنه كيف يجوز الكتمان، وأنهم لو أخذوا كان في موضعه لكونه واجباً.
وأجيب: بأنا لو أفتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك أنها قبل
هذا كانت تزرع الزعفران، فأخذ خراج ذلك، وهو ظلم وعدوان. وفي " شرح الطحاوي
" جعل أرض الزعفران مسكناً أو خاناً للغلة أو مقبرة أو مسجداً يسقط الخراج.
[من أسلم من أهل الخراج]
م: (ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله) ش: وقال مالك
والشافعي: يسقط الخراج. وعند مالك تسقط الجزية أيضاً، وكذا لو باعها من
مسلم يجوز البيع عندنا وعند الشافعي، وعند مالك لا يجوز.
وفي رواية: يجوز ويسقط الخراج م: (لأن فيه معنى المؤنة فيعتبر مؤنة) ش: لأن
الخراج مؤنة الأرض النامية كالعشر والمسلم من أهل التزام المؤنة، وهذا لأنه
بعد الإسلام لا يخلي أرضه عن مؤنة في حالة البقاء كما كانت م: (في حالة
البقاء، فأمكن إبقاؤه على المسلم) ش: لأن إبقاء ما تقرر واجباً أولى، لأنا
إن أسقطنا ذلك احتجنا إلى إيجاب العشر، بخلاف خراج الرأس، لأنا لو أسقطنا
ذلك عنه بعد إسلامه لا يحتاج إلى إيجاب مؤنة أخرى.
م: (ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ويؤخذ منه الخراج) ش: وقد
ذكرنا الخلاف فيه آنفاً م: (لما قلنا) ش: وهو قوله لأن فيه معنى المؤنة،
والمسلم من أهل المؤنة م: (وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
اشتروا أراضي الخراج) ش: من الذمي م: (وكانوا يؤدون خراجها) .
وقال الكاكي: صح عن ابن مسعود والحسن بن علي وشريح - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -، انتهى.
ولم يبين وجه الصحة ولا من خرجه، وغيره من الشراح لم يذكره أصلا، غير أن
صاحب " النهاية " قال: روي عن عبد الله بن مسعود والحسن بن علي وشريح أنهم
كانت لهم أراض بالسواد ويؤدون خراجها، انتهى.
وهذا ذكره بياناً بصيغة التمريض، وهي لا تدل على الصحة. غير أنا نحتج في
ذلك بما
(7/234)
فدل على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه
للمسلم من غير كراهة،
ولا عشر في الخارج من أرض الخراج، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يجمع بينهما، لأنهما حقان مختلفان وجبا في محلين بسببين مختلفين فلا
يتنافيان. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لا يجتمع عشر وخراج في أرض
مسلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال البيهقي في كتاب " المعرفة ":
قال أبو يوسف القاضي: القول ما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أنه كان لابن مسعود وخباب بن الأرت والحسن بن علي وشريح أرض الخراج. حدثنا
مجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إني اشتريتها أرضاً في أرض السواد، فقال عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنت بمثل فيها بمثل صاحبها.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا الثوري عن قيس بن أسلم عن طارق بن
شهاب أن دهقانة من أرض نهر الملك أسلمت، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج م: (فدل على جواز الشراء وأخذ
الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهة) ش: احترز به عن قول المتقشفة، فإنهم
يكرهونه ويستدلون بما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى
شيئاً من آلات الحراثة فقال: «ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا» ظنوا أن المراد
بالذل التزام الخراج وليس كذلك، بل المراد أن المسلمين إذا شغلوا بالزراعة
واتبعوا أذناب البقر وقعدوا عن الجهاد كر عليهم عدوهم فجعلوهم أذلة، وفيه
تأمل. وقال الأترازي في قول المصنف: للمسلم، لو قال: من المسلم، كان أولى،
ولم يبين وجه ذلك.
[الجمع بين العشر والخراج]
م: (ولا عشر في الخارج من أرض الخراج) ش: يعني لا يجمع بين العشر والخراج
م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجمع بينهما) ش: أي بين العشر
والخراج، وبه قال مالك وأحمد م: (لأنهما) ش: أي لأن العشر والخراج م: (حقان
مختلفان) ش: يعني من حيث الذات.
فإن أخذها مؤنة فيه معنى العبادة، والآخر مؤنة فيها معنى العقوبة م: (وجبا
في محلين بسببين مختلفين) ش: فإن الخراج في الذمة والعشر في الخارج بسببين
مختلفين، فإن سبب العشر الأرض النامية بحقيقة الخارج، وسبب الخراج الأرض
النامية بالتمكن، ويختلفان مصرفاً أيضاً، فإن مصرف العشر الفقراء، ومصرف
الخراج المقاتلة.
فإذا كان كذلك م: (فلا يتنافيان) ش: أي العشر والخراج فوجوب أحدهما لا
ينافي وجوب الآخر، كوجوب الدين مع العشر أو الخراج.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم» ش: قال
الأترازي: ولنا ما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
(7/235)
ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع
بينهما، وكفى بإجماعهم حجة. ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا،
والعشر في أرض أسلم أهلها طوعا، والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة، وسبب
الحقين واحد وهو الأرض النامية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة»
قلت: رواه ابن عدي في " الكامل " عن يحيى بن عتبة عن أبي حنيفة عن حماد عن
إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجتمع على مسلم خراج وعشر» وقال ابن عدي: ويحيى
بن عتبة منكر الحديث، وإنما يروى هذا عن قول إبراهيم، فجاء يحيى بن عتبة
فأطال فيه ووصله إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحيى
بن عتبة مكشوف الرأس لروايته عن الثقات الموضوعات فمات.
وقال ابن جران: ليس هذا كلام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، ويحيى بن عتبة رجل يضع الحديث، لا تحل الرواية عنه. وقال
الدارقطني: يحيى هذا رجل يضع الحديث، وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده إلى
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال البيهقي: هذا حديث
باطل، ويحيى هذا اشتهر بالوضع.
قلت: وقع في مسند أبي حنيفة مثل ما رواه ابن عدي، ولكن عدي وآخرون تكلموا
فيه بسبب يحيى بن عتبة، ولما علمنا من يحيى بن عتبة؛ لأن أصحابنا رووا هذا
في كتبهم وهم ثقات، على أن ابن شاهين رواه عن يحيى بن عيسى عن أبي حنيفة.
فإن قلت: أنكر يحيى بن عيسى، وقال: هو يحيى بن عتبة.
قلت: من اطلع في أحوال هؤلاء عرف أن الخطيب كيف يتكلم في الحقيقة ولا يلتفت
إليه في مثل هذا.
م: (ولأن أحداً من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما) ش: أي بين العشر
والخراج م: (وكفى بإجماعهم حجة) ش: حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه جمع
بينهما، واجتماع الأئمة على فعل قضية أو منعها حجة.
م: (ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهراً، والعشر في أرض) ش: أي يجب في
أرض م: (أسلم أهلها طوعاً، والوصفان) ش: وهما الطوع والقهر م: (لا يجتمعان
في أرض واحدة) ش: لمنافاة بينهما إذ الطوع ضد الكره الحاصلة من القهر، فلما
لم يجتمع السببان لم يثبت الحكمان.
م: (وسبب الحقين) ش: أي العشر والخراج م: (واحد وهو الأرض النامية) ش:
بدليل إضافة
(7/236)
إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا، وفي الخراج
تقديرا، ولهذا يضافان إلى الأرض، وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما،
فلا يتكرر الخراج بتكرار الخارج في سنة، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
لم يوظفه مكررا بخلاف العشر، لأنه لا يتحقق عشرا إلا بوجوبه في كل خارج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العشر والخراج إليهما، والإضافة دليل السببية، فلما كان السبب واحدا كان
المسبب أحدهما من غير جمع بينهما كالدية والقصاص م: (إلا أنه) ش: أي أن
السبب م: (يعتبر في العشر تحقيقاً) ش: لأن العشر أحد الأجزاء العشرة من
الخراج م: (وفي الخراج) ش: أي يعتبر في الخراج م: (تقديراً) ش: أي من حيث
التقدير.
وذلك لأن سبب الخراج ملك الأرض النامية بالنماء التقديري م: (ولهذا) ش: أي
ولأجل أن السبب هو الأرض النامية م: (يضافان) ش: أي العشر والخراج م: (إلى
الأرض) ش: فيقال عشر الأرض وخراج الأرض م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف
المذكور بيننا وبين الشافعي م: (الزكاة مع أحدهما) ش: أي الزكاة مع أحدهما
لا تجتمع مع الخراج والعشر عندنا، خلافاً له.
صورته رجل اشترى أرض عشر أو خراج بنية التجارة، لم يكن عليه زكاة التجارة.
وعن محمد أن عليه الزكاة مع أحدهما، وهو قول الشافعي لاختلاف سببيهما
ومحلهما. قلنا: الواجب حق الله تعالى فيه، فتعلق بالأرض فلا يجتمعان، كما
لا يجب زكاة السائمة والتجارة باعتبار مال واحد.
[لا يؤخذ خراج الأرض في سنة إلا مرة واحدة]
م: (فلا يتكرر الخراج بتكرار الخارج في سنة) ش: يعني لا يؤخذ خراج الأرض في
سنة إلا مرة واحدة، وإن أغلها صاحبها مرات م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لم يوظفه) ش: أي الخراج م: (مكرراً) ش: أي ما أخذ الخراج والجزية
في السنة إلا مرة واحدة. وقال الحاكم في الكافي: الحجة في هذا فعل عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأنه لو وجب الخراج وتكرر لانبغى أن يكون هذا في
خراج الموظفة لا في خراج المقاسمة لأن خراج المقاسمة حكمه حكم العشر، ويكون
ذلك في الخارج م: (بخلاف العشر، لأنه يتحقق عشراً) ش: أي لا يوجد حال كونه
عشراً م: (إلا بوجوبه) ش: أي بسبب وجوبه م: (في كل خارج) ش: لأن العشر
وظيفة لازمة تؤخذ من الخارج فتكرر بتكرار الخارج.
(7/237)
باب الجزية وهي على ضربين، جزية توضع
بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما صالح رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألف ومائتي حلة، ولأن
الموجب هو التراضي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الجزية]
م: (باب الجزية) ش: أي هذا باب في بيان حكم الجزية، والجزية ما يؤخذ من
الذمي باعتبار رأسه. والجمع من قبيل اللحية واللحى، وسميت بها، لأنها تجزي،
أي تقضي، وتكفي في الذمي عن القتل، أو يعتق بها وتسقط عنه القتل. ولما فرغ
من خراج الأرض شرع في خراج الرأس وهو الجزية، إلا أنه قدم الأول لأنه شاركه
في سببه. وفي الشرع معنى الجزية وبيان العريان مقدم.
م: (وهي) ش: أي الجزية م: (على ضربين) ش: أي نوعين، أحدهما م: (جزية توضع
بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما «صالح رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألف ومائتي حلة» ش: هذا
أخرجه أبو داود عن إسماعيل بن عبد الرحمن البغدادي عن ابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صالح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والبقية في رجب يؤدونها
إلى المسلمين ... » الحديث.
ونجران بفتح النون وسكون الجيم بلاد من اليمن أصلها نصارى. والحلة بضم
الحاء المهملة وتشديد اللام: إزار ورداء، هذا هو المختار، لا يسمى حلة حتى
يكون ثوبين وهي من الحلول أو الحل لما بينهما من الوجه. وقال الولوالجي في
فتاواه: وتوضع على نصارى نجران على رؤوسهم وأراضيهم في كل سنة ألفا حلة، كل
حلة خمسون درهماً.
قلت: الذي ذكر المصنف غير موافق للحديث، مع أن الحديث حديث واحد رواه ابن
عباس وأخرجه عنه أبو داود كما ذكرنا.
م: (ولأن الموجب) ش: بكسر الجيم، أي لأن الموجب لتقدير ما وقع عليه م: (هو
التراضي) ش: لا لموجب الجزية، فإن موجبه في الأصل اختيارهم البقاء على
الكفر بعد أن غلبوا.
فإن قلت: كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجنايات بأخذ
المال، ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا بالمال.
قلت: ليس أخذ الجزية يدل على تقرير الكفر، وإنما هو عوض عن ترك القتل ولا
يستعرفان الواجبين. فجاز كإسقاط الواجب بالقصاص بعوض، أو هي عقوبة على
الكفر، فيجوز
(7/238)
فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه
الاتفاق. وجزية يبتدئ الإمام بوضعها إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على
أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ
منهم في كل شهر أربعة دراهم، وعلى متوسط الحال أربعة وعشرين درهما في كل
شهر درهمين، وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهما في كل شهر درهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالاسترقاق.
م: (فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق) ش: أي لا يجوز التجاوز
إلى غير ما وقع عليه التراضي م: (وجزية) ش: أي الضرب الثاني جزية م: (يبتدئ
الإمام بوضعها) ش: أي بوضع الجزية م: (إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم
على أملاكهم) ش: هذا الضرب بوضع الإمام بغير رضى منهم، وهو تفاوت بتفاوت
الطبقات، وبين ذلك بحرف الباء بقوله م: (فيضع على الغني الظاهر الغنى) ش:
في شرح الطحاوي ظاهر الغنى من يملك عشرة آلاف درهم م: (في كل سنة ثمانية
وأربعين درهماً يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم) ش: هذا لأجل التسهيل، ولا
تجب الجزية بأول الحول، وإنما الحول يتحقق ويتسهل عند أبي حنيفة.
وكذلك قال هو في الزكاة م: (وعلى متوسط الحال) ش: وهو من يملك مائتي درهم
إلى عشرة آلاف درهم م: (أربعة وعشرين درهماً) ش: أي يضع على المتوسط الحال
أربعة وعشرين درهما م: (في كل شهر درهمين) .
م: (وعلى الفقير المعتمل) ش: أن يضع عليه م: (اثني عشر درهماً في كل شهر
درهماً) ش: أي يأخذ في كل شهر درهماً، والفقير من لا يملك درهمين، وإنما
شرط المعتمل، لأن الجزية عقوبة فإنما تجب على من كان من أهل القتال حتى لا
يلزم الزمن منهم جزية وإن كان مفرطاً في اليسار. والمعتمل هو الذي يقدر على
العمل وإن لم يحسن حرفة.
وقال الكاكي: والمعتمل هو المكتسب، والإعمال الاضطراب في العمل وهو
الاكتساب. وقال أيضاً، وإنما قيد بالاعتمال لأنه لو كان مريضاً في السنة
كلها أو مضطرباً أو أكثر لا يجب عليه.
ولو ترك العمل مع القدرة عليه، فهو كالمعتمل، كمن قدر على الزراعة ولم
يزرع، يجب عليه الخراج، ذكره في الإيضاح، ويجيء أيضاً إن شاء الله تعالى.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " ذكر عن عيسى بن أبان أنه
قال: من كان له عشرة آلاف درهم فصاعداً فهو موسر. ومن كان له مائتا درهم
فهو متوسط. ومن كان معتملاً فهو كبير.
(7/239)
وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: يضع على كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في
ذلك سواء لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
«خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معافر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر عن بشر بن غياث أنه قال: من كان يملك قوته وقوت عياله وزيادة فهو
موسر. ومن كان يقدر على مقدار القوت ولا يملك الفضل وله مقدار الكفاية فهو
الوسط. ومن لم يكن له مقدار الكفاية فهو مكسب.
وكان الفقيه أبو جعفر يقول: ينظر إلى عادة كل بلد، لأن البلدان مختلفة في
الغناء. ألا ترى أن صاحب خمسين ألف ببلخ يعد من المكثرين. وإذا كان ببغداد
أو بالبصرة لا يعد من المتكثرين. وفي بعض البلدان صاحب عشرة آلاف يعد من
المتكثرين، فيعد كل بلد.
وذكر هذا القول أبو نصر محمد بن سلام أيضاً، وذكر عن عمر بن الخطاب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يأخذ ممن ركب البغال ويتختم بالذهب ثمانية
وأربعين درهماً، إلى هنا لفظ الفقيه أبي الليث في كتابه.
وقال الكاكي: وقيل: من لا بد له من الكسب لإصلاح معيشته فهو معسر، ومن له
مال يعمل به متوسط. ومن لا يعمل لكثرة مال فهو فائق في الغنى، وقيل: من لا
كفاف له فهو معسر. ومن ملك قوت عياله فهو متوسط.
ومن ملك لما فضل عليه فهو عتق، وقيل: هذا يختلف باختلاف الأماكن، ويعتبر
وجود هذه الصفة في آخر السنة م: (وهذا عندنا) ش: أي هذا الوجه المذكور
مفصلاً عند أصحابنا.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: مبتدأ وخبره قوله م: (يضع على
كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في ذلك سواء) ش: وهو
اثني عشر درهما، وأقل الدينار أي عشرة دراهم مسكوكة. من النقرة الخالصة.
ولا يجب على الإمام أن يجبرهم على أكثر ما عليهم، ويستحب أن يماكس حتى يأخذ
من المتوسط دينارين، ومن الغني أربعة دنانير، ولا يصير الدراهم إلا بالنقرة
والقيمة عند عامة أصحابه، كذا في شرح " الوجيز ". وقال مالك: يأخذ أربعين
درهما أو أربعة دنانير، ومن الفقير عشرة دراهم أو ديناراً لما روى الإمام،
وهو قول الثوري، وفي رواية مثل قولنا، وفي رواية أقلها دينار.
وتجوز الزيادة ولا يجوز النقصان م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي
لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لمعاذ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: «خذ من كل حالم وحالمة ديناراً أو عدله معافر» ش: هذا
الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الزكاة عن الأعمش عن أبي وائل
عن مسروق «عن معاذ قال: بعثني
(7/240)
من غير فصل» .
ولأن الجزية إنما وجبت بدلا عن القتل حتى لا تجب على من لا يجوز قتله بسبب
الكفر كالذراري والنسوان، وهذا المعنى ينتظم الفقير والغني. ومذهبنا منقول
عن عمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم ينكر عليهم أحد من
المهاجرين والأنصار، ولأنه وجب نصرة للمقاتلة فتجب على التفاوت بمنزلة خراج
الأرض. وهذا لأنه وجب بدلا عن النصرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، وأمرني أن آخذ
من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين ستة، ومن كل حالم
دينارا أو عدله معافر» . وقال الترمذي: حديث حسن. وذكر أن بعضهم رواه عن
مسروق عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، قال: وهو
الأصح. قوله: من كل حالم، يعني: محتلم. قوله: أو عدله، العدل بالفتح: المثل
من خلاف الجنس، وبالكسر المثل من الجنس.
قوله: معافر، بفتح الميم والعين المهملة وبالفاء والراء المهملة إلى أخذ
مثل دينار ثوباً من هذا الجنس، والمعافر أي ثوب منسوب إلى معافرين، من ثم
صار اسماً للثوب بغير نسبة. ويقال: معافر حي من همدان، نُسب إليه هذا النوع
من الثياب م: (من غير فصل) ش: يعني بين الغني والفقير.
[وجوب الجزية بدلا عن القتل]
م: (ولأن الجزية إنما وجبت بدلاً عن القتل حتى لا تجب على من لا يجوز قتله
بسبب الكفر كالذراري والنسوان، وهذا المعنى) ش: أي وجوب الجزية بدلا عن
القتل م: (ينتظم الفقير والغني) ش: أي يشملهما م: (ومذهبنا منقول عن عمر
وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: روى ابن أبي شيبة في مصنفه:
حدثنا علي بن مهير عن الشيباني عن ابن عون محمد بن عبد الله الثقفي قال:
وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجزية على رؤوس الرجال،
على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرين، وعلى الفقير
اثني عشر درهماً. وهو مرسل. ورواه ابن زنجويه في كتاب " الأموال "، حدثنا
أبو نعيم حدثنا مندي عن الشيباني عن أبي عون عن المغيرة بن شعبة أن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وضع.. إلى آخره. انتهى. وكان ذلك بحضرة الصحابة من
غير نكير، فحل محل الإجماع. ثم بعد ذلك عمل عثمان ثم عمل علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - م: (ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار) ش: فصار
إجماعاً.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجزية ذكرت على تأويل خراج الأس م: (وجب نصرة
للمقاتلة) ش: أي نصرة وكفاية لغزاة المسلمين بمال يؤخذ من الذمي م: (فتجب
على التفاوت) ش: أي الجزية تجب على التفاوت لا المذكور عن قريب م: (بمنزلة
خراج الأرض، وهذا لأنه وجب بدلاً عن النصرة) ش: أي بمنزلة وجوب التفاوت في
الخراج.
(7/241)
بالنفس والمال، وذلك يتفاوت بكثرة الوفر
وقلته، فكذا ما هو بدله، وما رواه محمول على أنه كان ذلك صلحا، ولهذا أمره
بالأخذ من الحالمة وإن كانت لا يؤخذ منها الجزية.
قال: وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والدليل على أنها تجب نصرة وكفاية لهم، لأنها تصرف إليهم ولا توضع موضع
الزكاة، وكان الواجب أن ينصروا المسلمين م: (بالنفس والمال) ش: لأن من كان
من أهل دار الإسلام يجب عليه النصرة للدار بالنفس والمال، ولكن لا يصلحوا
لنصرتهم لنقلهم إلى دار الحرب اعتقاداً قامت الجزية المأخوذة منهم المصروفة
إلى الغزاة مقام النصرة بالنفس، ثم النصرة من المسلم تتفاوت، إذ الفقير
ينصر دارنا راجلاً ومتوسطاً بحال ينصرها راكباً وراجلاً.
والموسر بالركوب بنفسه وإركاب غيره، لما كان الأصل متفاوتاً تفاوتت الجزية
التي قامت مقامه.
فإن قيل: النصرة طاعة لله تعالى وهذه عقوبة، فكيف تكون العقوبة خلفاً عن
الطاعة؟ أجيب: بأن الخلف في النصرة في حق المسلمين من زيادة القوة للمسلمين
وهم يبانون في تلك الزيادة الحاصلة بسبب أموالهم، بمنزلة ما لو [....] فيجب
على التفاوت، لأنه أي لأن الجزية بتأويل خراج الرأس [كما] ذكرنا الآن، وجبت
بدلاً عن النصرة بالنفس والمال.
م: (وذلك) ش: أي المذكور عن النصرة بالنفس والمال م: (يتفاوت بكثرة الوفر)
ش: أي غير المال م: (وقلته، فكذا ما هو بدله) ش: أي فكذا يتفاوت ما كان
خلفاً عن النصرة م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «خذ من كل حالم
وحالمة ديناراً» م: (محمول على أنه كان ذلك صلحاً) ش: أي محمول على مال وقع
الصلح عليه.
ألا ترى أنه قال في رواية: «خذ من كل حالم وحالمة دينارا» ولا تجب على
النساء إلا مال الصلح. قلت: الأحسن أن يقال: هذا ليس بحجة، لأن الصحيح أنه
مرسل، فكيف يحتج به م: (ولهذا) ش: أي ولكونه كان محمولا على مال الصلح م:
(أمره) ش: أي أمر معاذاً م: (بالأخذ من الحالمة، وإن كانت لا يؤخذ منها
الجزية) ش: والمحفوظ أن لفظ حالمة مدرج في الحديث.
[وضع الجزية على أهل الكتاب]
م: (قال وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس) ش: جمع مجوسي، وهو منسوب إلى
المجوس. وقال الجوهري: هي نحلة ومذهب المجوسي أنهم قائلون بالنور والظلمة،
يدعون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، ولهذا يعبدون النار،
لأنه من النور. أما وضع الجزية على أهل الكتاب فهو بلا خلاف. وأهل الكتاب
اليهود والنصارى ومن دان بدينهم يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة موسى -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخالفوهم في فروع دينهم.
(7/242)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (التوبة:
الآية 29) ، ووضع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزية على المجوس.
قال: وعبدة الأوثان من العجم وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية الفرنج والروم والأدنى،
وغيرهم ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والعمل
بشريعتهم، فكلهم من أهل الكتاب.
واختلف أهل العلم في الصابئين، عن أحمد أنهم جنس من النصارى. وعن عمر: هم
ينسبون بهم من اليهود. وقال مجاهد: بين اليهود والنصارى. وقال الذمي
الزبيع: هم أهل الكتاب، وتوقف الشافعي فيهم.
ويروى عنهم أنهم يقولون: الفلك حسي ناطق، والكواكب السبعة آلهة. والصحيح
أنهم إن كانوا يقرون نبي كتاب فهم من أهل الكتاب، وإن كانوا من عبدة
الكواكب فهم كعبدة الأوثان، وقد مر في النكاح. وأما المجوس فلهم شبهة
الكتاب، فيجوز أخذ الجزية بالحديث منهم.
ولا يجوز نكاح نسائهم ولا ذبائحهم، وعليه أكثر أهل العلم. وعن أبي ثور أنهم
من أهل الكتاب، فتحل نساؤهم وذبائحهم لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنهم كانوا أهل كتاب، فلما وقع ملكهم على بنته أو أخته رفع العلم
عن صدورهم وما بقي كتابهم.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (التوبة: الآية 29)) ش: هذا صريح في
جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب، سواء كانوا من العرب والعجم، ولهذا ذكر أهل
الكتاب مطلقاً م: «ووضع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزية على
المجوس» ش: حتى «شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها من مجوس هجر،» انتهى. وهجر بفتحتين اسم بلد في
البحرين.
م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره: م: (وعبدة الأوثان من العجم) ش: هو
بالجر عطفاً على أهل الكتاب، وقيد بقوله: من العجم، احترازاً عن عبدة
الأوثان من العرب، فإنهم لا توضع عليهم الجزية على ما ذكر في الكتاب م:
(وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس.
وله في أهل الكتاب غير اليهود والنصارى مثل أصحاب صحف إبراهيم وشيث وإدريس
وزبور داود، ومن تمثل بدين آدم، والسامرة والصابئين، وجهان: أحدهما: تؤخذ.
والثاني لا، والوثني إذا دخل في دين أهل الكتاب بعد المسيح لم يؤخذ منه
الجزية، وقال المزني: تؤخذ.
وقال مالك: يؤخذ من جميع الكفار إلا مشركي قريش، لأنهم ارتدوا. وعندنا تؤخذ
من جميع الكفار إلا من عبدة الأوثان، وبه قال أحمد في رواية عنه، وفي
رواية: لا تؤخذ إلا من أهل
(7/243)
هو يقول: إن القتال واجب لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] إلا أنا عرفنا جواز تركه في حق
أهل الكتاب بالكتاب، وفي حق المجوس بالخبر، فبقي من وراءهم على الأصل. ولنا
أنه يجوز استرقاقهم، فيجوز ضرب الجزية عليهم، إذ كل واحد منهما يشتمل على
سلب النفس منهم، فإنه يكتسب ويؤدي إلى المسلمين، ونفقته في كسبه، وإن ظهر
عليهم قبل ذلك فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء لجواز استرقاقهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكتاب ومن وافقهم في دينهم وآمن بكتابهم كالسامرة. وتؤخذ من المجوس أيضاً،
ولا تؤخذ من غيرهم من عبدة الأوثان.
م: (هو) ش: أي الشافعي م: (يقول: إن القتال واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وقاتلوهم) ش: لأنه أمر بالقتال وهو عام م: (إلا أنا عرفنا جواز تركه) ش: أي
في القتال م: (في حق أهل الكتاب بالكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] .
م: (وفي حق المجوس) ش: أي وعرفنا ترك القتال في المجوس م: (بالخبر) ش: وهو
حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فبقي من وراءهم) ش:
أي من وراء أهل الكتاب والمجوس م: (على الأصل) ش: أي من النصوص العامة.
م: (ولنا أنه يجوز استرقاقهم) ش: بالإجماع م: (فيجوز ضرب الجزية عليهم، إذ
كل واحد منهما) ش: أي من الاسترقاق والجزية م: (يشتمل على سلب النفس منهم)
ش: معنى حتى يصير مشبهاً بالبهائم، أما الاسترقاق فظاهر، لأن نفع الرقيق
يعود إلينا جملة.
وأما الجزية م: (فإنه) ش: أي فإن الكافر م: (يكتسب ويؤدي إلى المسلمين،
ونفقته في كسبه) ش: فكأن أداء كسبه إلى المسلمين في معنى أخذ النفس منه
حكما، وهو معنى قوله: ونفقته في كسبه، أي والحال أن نفقته في كسبه الذي هو
سبب حياته، وفيه معنى سلب النفس. ونوقض بأن من جاز استرقاقه لو جاز ضرب
الجزية عليه لجاز ضربها على المرأة والصبي، واللازم باطل.
وأجيب: بأن ذلك بمعنى آخر، وهو أن الجزية بدل النصرة ولا نصرة على المرأة
والصبي، فكذا بدل، وهذا ليس بدافع بل هو متقرر للنقض.
والصواب أن قول: المحل شرط نافذ المؤثر، فكان بمعنى قوله: وكل من يجوز
استرقاقهم يجوز ضرب الجزية عليهم إذا كان المحل قابلاً، والمرأة والصبي
ليسا كذلك، لأن الجزية إنما تكون من الكسب وهما عاجزان عنه.
م: (وإن ظهر) ش: على صيغة المجهول أي غلب م: (عليهم) ش: أي على أهل الكتاب
والمجوس وعبدة الأوثان من العجم م: (قبل ذلك) ش: أي قبل وضع الجزية عليهم
م: (فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء) ش: أي غنيمة للمسلمين م: (لجواز استرقاقهم)
ش: وللإمام الخيار بين
(7/244)
ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب، ولا
المرتدين، لأن كفرهما قد تغلظ. أما مشركو العرب فلأن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر،
وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعدما هدي للإسلام ووقف على محاسنه، فلا يقبل
من الفريقين إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة، وعند الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يسترق مشركو العرب. وجوابه ما قلنا. وإذا ظهر عليهم
فنساؤهم وصبيانهم فيء؛ لأن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق
نسوان بني حنيفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاسترقاق وضرب الجزية م: (ولا توضع) ش: أي الجزية م: (على عبدة الأوثان من
العرب ولا المرتدين) ش: سواء كانوا من العرب أو العجم م: (لأن كفرهما قد
تغلظ) ش: وكل من تغلظ كفره لا يقبل منه إلا السيف أو الإسلام.
م: (أما مشركو العرب فلأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نشأ بين أظهرهم،
والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر) ش: وكانوا أحق الناس بالتساعد
والقيام بتصرفه والذب عنه. ولقائل أن يقول: هذا منقوض بأهل الكتاب، فإنه
يغلظ كفرهم؛ لأنهم عرفوا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - معرفة تامة محضة،
ومع هذا نكروه وغيروا اسمه ونعته من الكتب، وقد قبل منهم الجزية. وأجيب:
بأن القياس كان يقتضي أن لا يقبل منهم الجزية، إلا أنه نزل بالكتاب بقوله
تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] ...
الآية.
م: (وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعدما هدي للإسلام، ووقف على محاسنه) ش: أي
محاسن الإسلام م: (فلا يقبل من الفريقين) ش: أي من فريق عبدة الأوثان من
العرب ومن فريق المرتدين م: (إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة) ش:
لزيادة دينهم م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسترق مشركو العرب) ش:
وبه قال مالك وأحمد، إلا أن الاسترقاق إتلاف حكماً، فيجوز كإتلافه حقيقة
بالقتل. م: (وجوابه) ش: أي جواب الشافعي م: (ما قلنا) ش: وهو قوله: لأن
كفرهم قد تغلظ.
م: (وإذا ظهر عليهم) ش: أي إذا غلب على مشركي العرب والمرتدين م: (فنساؤهم
وصبيانهم فيء) ش: أي غنيمة المسلمين، إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون
على الإسلام بدون ذراري عبدة الأوثان ونسائهم، لان الإجبار على الإسلام
إنما يكون بعد ثبوت الإسلام في حقهم، وذراري المرتدين قد ثبت في حقهم تبعاً
لآبائهم فيجبرون عليه. والمرتدات قريبات عهد بالإسلام - فيجبرون عليه،
بخلاف ذراري العبدة ونسائهم.
م: (لأن «أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق نساء بني حنيفة»
ش: وبنو حنيفة بطن من العرب، وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن
وائل، وإنما سمي حنيفة لأنه لقي
(7/245)
وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين،
ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا.
ولا جزية على امرأة ولا صبي لأنها وجبت بدلا عن القتل أو عن القتال، وهما
لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية. قال ولا زمن ولا أعمى، وكذا المفلوج
والشيخ الكبير لما بينا، وعن أبي يوسف أنه تجب إذا كان له مال، لأنه يقتل
في الجملة إذا كان له رأي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خزيمة، أبي حي من عبد القيس، فضرب خزيمة حنيفة فجذم يده، فسمي هذا حنيفة،
وسمي ذاك خزيمة.
وقيل: المراد بني حنيفة، وهو مسيلمة الكذاب لعبدانه م: (وصبيانهم) ش: أي
سبي أيضاً صبيانهم حتى وقع من قسم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق
نساء بني حنيفة، وهو وحنيفة بطن من العرب، وهو حنيفة بن لجيم من الحنفية،
قوله منها محمد بن الحنفية م: (لما ارتدوا) ش: أي حتى ارتدت بنو حنيفة أو
كان ذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وقسمهم)
ش: أي قسم أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نساء بني حنيفة وصبيانهم م:
(بين الغانمين) ش: من الصحابة وغيرهم م: (ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما
ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السيف
زيادة في العقوبة.
[الجزية على المرأة والصبي]
م: (ولا جزية على امرأة ولا صبي لأنها) ش: أي لأن الجزية م: (وجبت بدلاً عن
القتل) ش: يعني في المأخوذ م: (أو عن القتال، وهما) ش: أي المرأة والصبي م:
(لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية) ش: فيهما، فإذا كان كذلك لا يجب عليه
البدل وهو الجزية م: (قال: ولا زمن) ش: أي ولا جزية أيضاً على زمن، وزمن
الرجل يزمن زمانة وهو عدم بعض أعضائه وتعطل قواه م: (ولا أعمى) ش: أي ولا
أعمى.
م: (وكذا المفلوج) ش: من فلج على صيغة المجهول: إذا ذهب نصفه فهو مفلوج.
وقال أهل الطب: الفالج استرخاء عام لآمر شقي البدن طولاً م: (والشيخ
الكبير) ش: يعني لا توضع عليه الجزية م: (لما بينا) ش: وهو قوله: لأنهما لا
يقتلان ولا يقاتلان.
م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي الجزية، ذكره بتأويل خراج الرأس م: (تجب إذا
كان له) ش: أي الشيخ الكبير رأي، لأنه تقليل في الجملة، يعني في صورة من
الصور، وهو معنى قوله: إذا كان له رأي، أي من أمور الحرب.
وقال الأترازي: وعن أبي يوسف في رواية: توضع عليهم، أي الجزية إذا كانوا
أغنياء، لأن الغناء هو الأصل في المال لما سيجيء.
قلت: هذا مخالف لما في المتن، لأن المعهود من كلام المصنف أن الرواية عن
أبي يوسف وجوب الجزية على الشيخ الكبير فقط، حيث إذا كان له م: (مال لأنه
يقتل في الجملة إذا كان له رأي)
(7/246)
ولا على فقير غير معتمل خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - له إطلاق حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولنا أن
عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفها على فقير غير معتمل، وذلك بمحضر
من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض
لا طاقة لها، فكذا هذا الخراج. والحديث محمول على المعتمل. ولا يوضع على
المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: بإفراد الضمير
وكذا ذكر بإفراد الضمير في قوله: إذا كان له رأي بخلاف الأعمى والزمن
والمفلوج. فلو كانت الرواية عن أبي يوسف في الوجوب على الكل، يقال: إذا كان
لهم مال بضمير الجماعة. وفي قول عن الشافعي: وتؤخذ الجزية من الأعمى
والمفلوج والشيخ الكبير.
م: (ولا على فقير) ش: أي ولا جزية على فقير إذا كان م: (غير معتمل) ش: وهو
الذي لا يقدر على العمل. والمعتمل الكاسب الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن
حرفة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب عليه م:
(له) ش: أي للشافعي م: (إطلاق حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خذ من كل حالم ديناراً» وهو مطلق لا فصل فيه
بين الفقير المعتمل وغيره.
م: (ولنا أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفها) ش: أي الجزية م:
(على فقير معتمل) ش: المراد من عثمان هذا عثمان بن حنيف لا عثمان بن عفان،
وقد غفل عنه أكثر الشراح، وقد مضى أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لما بعث حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف إلى سواد العراق وظف
الجزية على الفقير دون غير معتمل، ذلك محل الإجماع، لأن أحدا من الصحابة لم
ينكر عليهم.
أشار إليه المصنف بقوله م: (وذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -) ش: لأنهم كلهم علموا ذلك ولم يقع من أحد منهم إنكار، فكأنهم
حاضرين في ذلك الوقت. ذكر الغزالي في وجيزه: قال أصحاب الشافعي: الفقير
العاجز عن الكسب يخرج من الدار على قول، وتقرر على قول مجاناً، وتقرر بجزية
في ذمته على قول.
م: (ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض لا طاقة لها، فكذا هذا الخراج) ش: أي
خراج الرأس وهو الجزية، لأن الخراج نوعان، خراج الأرض وخراج الرأس كما مر
غير مرة، فإذا اعتبرت الطاقة في خراج الأرض فكذا تعتبر في خراج الرأس.
م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي م: (محمول على المعتمل) ش:
توفيقا بين الحديثين.
م: (ولا يوضع) ش: أي الجزية م: (على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد
لأنه) ش: أي لأن
(7/247)
بدل عن القتل في حقهم، وعن النصرة في حقنا،
وعلى اعتبار الثاني لا تجب فلا تجب بالشك، ولا يؤدي عنهم مواليهم لأنهم
تحملوا الزيادة بسببهم.
ولا توضع على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، كذا ذكر هاهنا. وذكر محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه توضع عليهم إذا
كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الوضع
عليهم أن القدرة على العمل هو الذي ضيعها، فصار كتعطيل الأرض الخراجية.
ووجه الوضع عليهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس، والجزية في
حقهم لإسقاط القتل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجزية باعتبار تأويل خراج الأرض م: (بدل عن القتل في حقهم، وعن النصرة في
حقنا، وعلى اعتبار الثاني) ش: وهو النصرة بالمال في حقنا ولا مال لهم، فعلى
هذا م: (لا تجب) ش: وعلى اعتبار الأول يجب، لأن الأصل يتحقق في المماليك،
لأن المملوك الحربي يقتل، فيجوز تحقق البدل أيضاً، فإذا كان الأمر دائراً
بين الشيئين م: (فلا تجب بالشك) ش: لأن الأصل عدم الوجوب. م
م: (ولا يؤدي عنهم مواليهم، لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم) ش: أي صار
مواليهم بسببهم من الاعتبار، فوجبت عليهم زيادة في الوظيفة، فلا يجب عليهم
شيء آخر بسببهم، وقال في " مختصر الأسرار ": وقولهم: إن الجزية يجب الحد
والولي يؤدي لها عنه، باطل؛ لأنه لو كانوا كذلك لاختلف بكثرة العدد، فلهم
كصدقة الفطر.
[أصحاب الصوامع هل يوضع عليهم الخراج]
م: (ولا توضع) ش: أي الجزية م: (على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، كذا
ذكر ها هنا) ش: أي القدوري، وهو قول أبي يوسف، وبه قال الشافعي في قول
وأحمد في رواية. م: (وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه توضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الكرخي في مختصره: قال عمر بن أبي
عمر: سألت محمداً عن أصحاب الصوامع هل يوضع عليهم الخراج، قال: كان أبو
حنيفة يقول: يوضع عليهم إذا كانوا ممن يقومون على العمل.
قلت لمحمد: فما قولك؟ قال: العامر ما قاله أبو حنيفة، قال محمد: ليس على
السياحين ولا على الرهبان خراج، وإن عزل أحدهم، إلا أنه يخالط الناس فعليه
الخراج.
م: (وجه الوضع) ش: أي وجه وضع الجزية م: (عليهم) ش:، أي على الرهبانيين
الذين يخالطون الناس م: (أن القدرة على العمل) ش: ثابتة، أي موجودة، وإنما
م: (هو الذي ضيعها) ش: أي ضيع القدرة م: (فصار كتعطيل الأرض الخراجية) ش:
مع التمكن من الانتفاع.
م: (ووجه الوضع عليهم) ش: أي وجه وضع الجزية عليهم م: (أنه لا قتل عليهم
إذا كانوا لا يخالطون الناس، والجزية في حقهم لإسقاط القتل) ش: أراد أن
الجزية بدل من إسقاط القتل في حقهم، ولا قتل على الذين لا يخالطون الناس،
فلا تجب الجزية.
(7/248)
ولا بد أن يكون المعتمل صحيحا ويكتفى بصحته
في أكثر السنة.
ومن أسلم وعليه جزية سقطت، وكذلك إذا مات كافرا خلافا للشافعي فيهما. له
أنها وجبت بدلا عن العصمة أو عن السكنى، وقد وصل إليه المعوض فلا يسقط عنه
العوض بهذا العارض كما في الأجرة والصلح عن دم العمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا بد أن يكون المعتمل صحيحاً) ش: ذكر هذا تفريعاً لمسألة القدوري م:
(ويكتفى بصحته في أكثر السنة) ش: أو نصفها، فلا جزية عليه، وإن كان في
أقلها عليه الجزية، لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض، فلا يجعل عذراً.
[من أسلم وعليه جزية]
م: (ومن أسلم وعليه جزية) ش: أي ومن أسلم ممن عليه جزية، والحال أن عليه
جزية لم يؤدها م: (سقطت، وكذلك إذا مات كافراً) ش: حال كونه كافراً سقط عنه
الجزية م: (خلافاً للشافعي فيهما) ش: أي فيمن أسلم وعليه جزية وفيمن مات
كافراً م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنها) ش: أي أن الجزية م: (وجبت بدلاً عن
العصمة) ش: أي عن حقن الدم م: (أو عن السكنى) ش: في دار الإسلام، وإنما
تردد بينهما لأن العلماء اختلفوا في أن الجزية وجبت بدل الأمان.
قال بعضهم: بدلاً عن العصمة الثابتة بعقد الذمة، وبه قال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول.
وقال بعضهم: بدلاً عن النصرة التي قامت بإحرازهم على الكفر، وهو الأصح.
وقال بعضهم: بدلاً عن السكنى في دارنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-. ولهذا قال في قول: تؤخذ الجزية عن الأعمى والمعتوه والمقعد، لأنهم
يشاركون في السكنى، وعندنا لا يجوز كما بينا.
م: (وقد وصل إليه المعوض) ش: وهو العصمة والسكنى م: (فلا يسقط عنه العوض)
ش: وهو الجزية م: (بهذا العارض) ش: أي بالإسلام أو بالموت م: (كما في
الأجرة) ش: يعني إذا استوفى الذمي منافع دار المستأجر، ثم أسلم أو مات لا
تسقط عنه الأجرة، لأن المعوض وصل إليه، وهو منافع الدار فلا يسقط العوض وهو
الأجرة م: (والصلح عن دم العمد) ش: يعني إذا قتل الذمي رجلاً عمداً ثم صالح
عن دم العمد على بدل معلوم، ثم أسلم أو مات لا تسقط عنه الأجرة، لأن العوض
وهو نفسه مسلم له فلا يسقط البدل.
فإن قيل: لا نسلم أن الجزية بدل عن النصرة، ألا ترى أن الإمام لو استعان
بأهل الذمة منه فقاتلوا معه لا تسقط عنهم جزية تلك السنة، فلو كانت بدلاً
لسقطت. أجيب: بإنما لم تسقط، لأنه يلزم حينئذ تغير الشرع، وليس للإمام ذلك.
وهذا، لأن الشرع جعل طريق النصرة في حق الذمي المال دون النصرة.
(7/249)
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ليس
على مسلم جزية» ولأنها وجبت عقوبة على الكفر، ولهذا تسمى جزية، وهي والجزاء
واحد وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت. ولأن شرع العقوبة في
الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر، وقد اندفع بالموت والإسلام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: الجزية حق مال وجب على الكافر على كفره فوجب أن لا يسقط بالإسلام
كخراج الأرض.
أجيب: بأن خراج الرأس وقيد الصغار بالنص، ولهذا لا يوضع على المسلم أصلاً،
بخلاف خراج الأرض فإنها على الصغار، ولهذا لا يوجد في أرض خراجية المسلم،
فافترقا.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ليس على مسلم جزية» ش: هذا الحديث رواه أبو داود
في الخراج، والترمذي في الزكاة عن جرير عن فائز بن أبي طيبان عن أبيه عن
ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على مسلم جزية» .
قال أبو داود: سئل أبو يوسف من الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا؟ فقال:
يعني إذا أسلم فلا جزية عليه. وقال الترمذي: وقد روي عن موسى عن أبيه عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا. ورواه في " مسنده "
والدارقطني في " سننه " وسكت عنه.
وقد روي باللفظ الذي فسره به سفيان. قال الطبراني في " معجمه الأوسط "
بإسناده عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من
أسلم فلا جزية عليه»
م: (ولأنهما) ش: ولأن الجزية م: (وجبت عقوبة على الكفر، ولهذا) ش: إيضاح
لوجوب الجزية عقوبة على الكفر م: (تسمى جزية وهي) ش: أي الجزية م: (والجزاء
واحد) ش: يعني إذا سميت جزاء من الجزاء، لأنها عقوبة تقع جزاء على الإصرار
على الكفر م: (وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت) ش: أي ولا
تقام الجزية بعد الموت، يعني لا يوجد بعد الموت من عليه الجزية وإن خلف
شيئاً، لأن الموت كالقتل، لأنها خلف عن القتل.
ولهذا سميت جزية وهو عقوبة، ولهذا يستوفى بطريق الذلة والصغار ويستحق
بالجناية، ولا جناية أعظم من الكفر، وعقوبة الكفر في الدنيا لا تكون إلا
بدفع الشر، وقد صار مدفوعاً بالموت والإسلام، فيسقط، وهذا معنى قوله م:
(ولأن شرع العقوبة في الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر وقد اندفع) ش: أي الشر
م: (بالموت والإسلام) ش: أي بموت من عليه الجزية أو بالإسلام
(7/250)
ولأنها وجبت بدلا عن النصرة في حقنا، وقد
قدر عليها بنفسه بعد الإسلام، والعصمة تثبت بكونه آدميا،
والذمي يسكن ملك نفسه، فلا معنى لإيجاب بدل العصمة والسكنى،
وإن اجتمعت عليه الحولان تداخلت. وفي " الجامع الصغير ": ومن لم يؤخذ منه
خراج رأسه حتى مضت السنة وجاءت سنة أخرى لم يؤخذ، وهذا عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يؤخذ منه، وهو
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضاً، وأما شرع العقوبة في الآخرة بالعذاب أتم لهم.
م: (ولأنها) ش: أي الجزية م: (وجبت بدلاً عن النصرة في حقنا) ش: أراد أن
وجوب الجزية شرع للنصرة وكفاية للغزاة م: (وقد قدر عليها) ش: أي على النصرة
م: (بنفسه بعد الإسلام) ش: فسقطت، لقدرته على الأصل م: (والعصمة تثبت) ش:
هذا جواب عن قول الشافعي: إنها وجبت بدلاً عن العصمة، بيان أن العصمة ثابتة
م: (بكونه آدمياً) ش: يعني من حيث إنه آدمي خلق معصوماً محقون الدم لكونه
مكلفاً، فلا ينافي له العام بأمور التكليف إلا بكونه معصوماً، وإنما يطلب
عصمته بعارض الكفر، ثم لما أسلم عادت العصمة، فصارت العصمة به لا بقبول
الجزية.
ولقائل أن يقول: إنها ثابتة بالآدمية، ولكنها سقطت بالكفر، فالجزية بعدها
على ما كانت فكانت بدلاً. والجواب أنها لو كانت بدلاً عن العصمة، فإما أن
تكون عن عصمة فيما مضى، أو فيما يستقبل، ولا سبيل إلى الأول لوقوع الفتنة
عنه، ولا إلى الثاني لأن الإسلام يغني عنها.
م: (والذمي يسكن ملك نفسه) ش: هذا جواب عن قوله: أو عن السكنى، بيانه أن
الذمي إنما سكن في ملكه إما بالشراء أو بغيره من أسباب الملك م: (فلا معنى
لإيجاب بدل العصمة والسكنى) ش: يعني لا فائدة في إيجاب البدل، لكنه في موضع
مملوك له، فلو كانت الجزية أخذ وجوبها بالإجماع لا محالة، ويشترط فيها
التأقيت، لأن الإبهام سلطها وحيث لم يشترط التأقيت في السكنى دل على أن
السكنى لم تكن بطريق الإجارة.
[اجتمعت علي الذمي جزية الحولين]
م: (وإن اجتمعت عليه) ش: أي على الذمي م: (الحولان) ش: أي جزية الحولين
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وفي بعض النسخ وإن اجتمعت عليه
الحولان، بناء هذا للفعل باعتبار تقديره جزية الحولين كما ذكرنا. وقال
الأترازي: ويجوز أن يراد بالحولين الجزيتان مجازاً، إطلاقاً لاسم المحل على
الحال. أو أنث الفعل على السنة، لأن الحول في معناها م: (تداخلت) ش: أي
الجزية، وهذا لفظ القدوري آتية في شرح الأقطع.
م: (وفي " الجامع الصغير ": ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت سنة أخرى لم
يؤخذ) ش: أي لا يؤخذ ما مضى م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يؤخذ منه) ش: يعني مما مضى م: (وهو
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:
(7/251)
وإن مات عند تمام السنة لم يؤخذ منه في
قولهم جميعا، وكذلك إن مات في بعض السنة. أما مسألة الموت فقد ذكرناها.
وقيل: خراج الأرض على هذا الخلاف، وقيل: لا تداخل فيه بالاتفاق، لهما في
الخلافية أن الخراج وجب عوضا، والأعواض إذا اجتمعت وأمكن استيفاؤها تستوفى،
وقد أمكن فيما نحن فيه بعد توالي السنين، بخلاف ما إذا أسلم لأنه تعذر
استيفاؤه. ولأبي حنيفة أنها وجبت عقوبة على الإصرار على الكفر على ما
بيناه، ولهذا لا تقبل منه لو بعث على يد نائبه في أصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قال أحمد. وقال مالك: يؤخذ منه إلا إذا كان فقيراً لم يؤخذ منه بعشرة،
إذ الفقير لا جزية عليه عنده.
م: (وإن مات عند تمام السنة) ش: أي عند تمام السنة الأولى م: (لم يؤخذ في
قولهم جميعاً) ش: أي في قول أصحابنا المذكورين والشافعي.
م: (وكذلك) ش: أي لا تؤخذ م: (إن مات في بعض السنة) ش: لأنه إن مات قبل
الوجوب فلا شبهة فيه، وإن مات بعد الوجوب فقط سقط بالموت عندنا خلافاً
للشافعي.
م: (أما مسألة الموت فقد ذكرناها) ش: أشار به إلى قوله: ولأن شرع العقوبة
في الدنيا لا تكون إلا لدفع الشر وقد اندفع بالموت والإسلام م: (وقيل: لا
تداخل فيه) ش: أي في الخراج م: (بالاتفاق) ش: ووجه الفرق بينهما أن الخراج
في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة.
ولهذا إذا اشترى المسلم أرضاً خراجية يجب عليه الخراج، فجاز أن لا يداخل،
بخلاف الجزية فإنها عقوبة ابتداء نصاً، ولهذا لم يشرع في حق المسلم أصلاً،
والعقوبات تتداخل.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (في الخلافية) ش: أي فيما إذا اجتمع
عليه حولان م: (أن الخراج وجب عوضاً) ش: أي عن سائر الأعواض: حقن الدم أو
عن السكنى م: (والأعواض إذا اجتمعت وأمكن استيفاؤها تستوفى) ش: كما في سائر
الأعواض م: (وقد أمكن فيما نحن فيه بعد توالي السنين) ش: أي بعد تتابعها،
لأن الفرض أنه حي وانتفاء المال من الحي ممكن إذا لم يمنع عنه الإسلام م:
(بخلاف ما إذا أسلم لأنه تعذر استيفاؤه) ش: لأن المؤمن يؤمن لإيمانه،
فيتعذر انتفاؤه من الوجه الذي وجب.
م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي الجزية م: (وجبت عقوبة على الإصرار على الكفر
على ما بيناه) ش: أراد بقوله ما ذكره قبل هذا بقوله: ولأنها وجبت عقوبة م:
(ولهذا) ش: أي ولكونها وجبت عقوبة م: (لا تقبل منه) ش: أي من الذمي م: (لو
بعث) ش: أي جزيته م: (على يد نائبه في أصح
(7/252)
الروايات، بل يكلف أن يأتي به بنفسه فيعطي
قائما، والقابض منه قاعد. وفي رواية: يأخذ بتلابيبه ويهزه هزا ويقول: أعطني
الجزية يا ذمي، وقيل عدو الله، فيثبت أنه عقوبة، والعقوبات إذا اجتمعت
تداخلت كالحدود. ولأنها وجبت بدلا عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا،
كما ذكرنا، لكن في المستقبل لا في الماضي، لأن القتل إنما يستوفى لحراب
قائم في الحال لا لحراب ماض، وكذا النصرة في المستقبل، لأن الماضي وقعت
الغيبة عنه، ثم قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية. وفي " الجامع
الصغير ": وجاءت سنة أخرى حمله بعض المشايخ على المضي مجازا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الروايات) ش: وهنا ثلاث روايات، بين المصنف منها روايتين، وهي قوله: ولا
يقبل، وقوله م: (بل يكلف) ش: إلى آخره من تتمة هذه الراوية.
وقوله مكلف أي الذي إلى م: (أن يأتي به) ش: أي بما وجبت عليه من الجزية م:
(بنفسه) ش: أي يأتي بنفسه فيعطي) ش: حال كونه م: (قائما والقابض منه قاعد)
.
م: (وفي رواية يأخذ) ش: هذه الرواية الثانية وهي أن يأخذ، أي القابض م:
(بتلابيبه) ش: والتلبيبة أخذ موضع القلب من الثياب، واللبيب موضع القدرة من
العذرة م: (ويهزه) ش: أي يهز القابض الذمي م: (هزاً ويقول: أعطني الجزية يا
ذمي. وقيل عدو الله) ش: وفي شرح الطحاوي تؤخذ منه الجزية بطريق الاستحقار
له حتى يضع حالة الأخذ، وإذا كان الأمر كذلك م: (فيثبت أنه) ش: أي أن الذي
يؤخذ منه وهو الجزية م: (عقوبة، والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت) ش: إذا كانت
من جنس واحد تداخلت م: (كالحدود) ش:
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الجزية م: (وجبت بدلاً عن القتل في حقهم، وعن
النصرة في حقنا) ش: أي بدلاً عن النصرة في حقنا، وبدلاً عن النصرة في حق
المسلمين م: (كما ذكرنا) ش: عند قوله فيما تقدم عن قريب، ولأنها وجبت عن
النصرة في حقنا.
م: (لكن في المستقبل) ش: هذا إذاً استدراك من قوله: لأنها وجبت بدلاً عن
القتل، يعني كونها بدلاً عن القتل إنما يظهر في المستقبل م: (لا في الماضي،
لأن القتل إنما يستوفى لحراب قائم في الحال لا لحراب ماض) ش: لأن الماضي
فات م: (وكذا النصرة) ش: أي وكذا كون النصرة في حقنا م: (في المستقبل؛ لأن
الماضي وقعت الغيبة عنه) ش: لعدم فائدتها في الماضي الغائب.
م: (ثم قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية) ش: أشار به إلى بيان قول
محمد الذي نقله م: (وفي الجامع الصغير) ش: عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية بقوله م: (وجاءت سنة أخرى حمله)
ش: أي حمل المجيء م: (بعض المشايخ على المضي) ش: يعني معناه مضت حتى لتحقق
اجتماع الحولين، لأنها عند الحول تجب، وهذا ضرب من المجاز، أشار إليه بقوله
م: (مجازاً) ش: لأن مجيء كل شهر بمجيء أوله. ويجوز المجاز أن يجيء الشهر
مستلزم
(7/253)
وقال: الوجوب بآخر السنة فلا بد من المضي
ليتحقق الاجتماع فتداخل، وعند البعض هو مجرى على حقيقته، والوجوب عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأول الحول فيتحقق الاجتماع بمجرد المجيء،
والأصح أن الوجوب عندنا في ابتداء الحول، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- في آخره اعتبارا بالزكاة. ولنا أن ما وجب بدلا عنه لا يتحقق إلا في
المستقبل على ما قررناه، فتعذر إيجابه بعد مضي الحول، فأجبناه في أوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مضي الآخر لا محالة. وذكر اللزوم وإرادة اللازم مجازاً.
م: (وقال) ش: بعض المشايخ: م: (الوجوب) ش: أي وجوب الجزية م: (بآخر السنة
فلا بد من المضي ليتحقق الاجتماع) ش: أي اجتماع الحولين م: (فتداخل) ش:
حينئذ الحولان م: (وعند البعض) ش: أي بعض المشايخ م: (هو) ش: أي المجيء م:
(مجرى على حقيقته) ش: أي على حقيقة المجيء، وهو دخول السنة م: (والوجوب) ش:
أي وجوب الجزية م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأول الحول، فيتحقق
الاجتماع بمجرد المجيء) ش: تحقيقاً عند أبي حنيفة، ولذلك قال هو في الزكاة:
إنما يجب في أول الحول.
م: (والأصح أن الوجوب) ش: أي نفس الوجوب م: (عندنا في ابتداء الحول، وعند
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخره اعتباراً بالزكاة. ولنا أن ما وجب
بدلاً عنه) ش: أي عن القتل إذ القتال م: (لا يتحقق إلا في المستقبل على ما
قررناه) ش: أشار به إلى قوله: لأن القتل إنما يستوفى لحراب قائم في الحال
لا الحراب ماض له، قاله الأترازي.
وقال الكاكي: قوله على ما قررناه وهو الجزية بدل عن القتل في حقهم، وعن
النصرة في حقنا، وهذا إنما يتحقق في المستقبل لا في الماضي، فكذلك وجب أن
يكون الحكم في أيديهما كذلك أيضاً، وهو أن لا يجب بنصرة ماضية، ويجب بنصرة
مستقبلة، فينبغي أن يجب في أول الحول لتحقق سببه، وهو وجوب النصرة عليهم
بالمال، بخلاف الزكاة، لأنها تجب في المال النامي الحول للتمكن من الاشتمال
اشتمال الحول على الفصول الأربعة، فيتعذر إتمامه بعد مضي الحول، يعني إنما
وجب لما لم يتحقق إلا في المستقبل بعذر إيجابه بعد مضي الحول، يعني م:
(فتعذر إيجابه) ش: ما وجب م: (بعد مضي الحول، فأوجبناه في أوله) ش: أي في
أول الحول، لأنه أول أوقات إمكان الوجوب.
(7/254)
فصل ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار
الإسلام، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة»
والمراد إحداثها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار
الإسلام]
م: (فصل)
ش: هذا فصل في بيان ما يجوز لهم أن يفعلوا بما يتعلق بالسكنى وغير ذلك من
أحوالهم. م: (ولا يجوز إحداث بيعة) ش: بكسر الباء م: (ولا كنيسة في دار
الإسلام) ش: يقال كنيسة اليهود والنصارى لتعبدهم.
وكذلك البيعة كان مطلقاً في الأصل، ثم غلب استعمال البيعة لمتعبد اليهود،
والكنيسة لمتعبد النصارى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا خصاء في الإسلام ولا
كنيسة» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في سننه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» وضعفه. ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام بلفظ
المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وروى ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبنى كنيسة
في الإسلام، ولا يبنى ما خرب منها» وفي إسناده سعيد بن سنان واعلم به،
وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ، وعن أحمد وابن معين: ضعيف. وقال ابن
القطان: وفيه من الضعفاء غير سعيد بن سنان وهو محمد بن جامع أبو عبد الله
العطار. قال أبو زرعة: ليس بصدوق، وفيه أيضاً سعيد بن عبد الجبار، ضعيف، بل
متروك، وحكى البخاري أن جرير بن عبد الحميد كان يكذبه.
قوله: لا خصاء بكسر الخاء مصدر خصاه، أي نزع خصيتيه، والإخصاء في معناه
خطأ، ذكره في " المغرب " والوجه في الجمع بين الخصاء والكنيسة أن الخصاء
نوع ضعف في الإنسان في الخطأ، وكذا الكنيسة في دار الإسلام تورث الضعف في
الإسلام، أو في الخطأ تغيير عما عليه أصل الخلقة، وكذا في بناء الكنيسة
تغيير عما عليه بها دار الإسلام.
قلت: الأوجه أن يقال: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
الخصاء، واتفق أن سائلاً آخر سأل عن الكنيسة فأجابهما بقوله: «لا خصاء في
الإسلام ولا كنيسة» وهذا من الفيض الإلهي، فلله الحمد. وقيل: المراد في
قَوْله تَعَالَى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]
(النساء: الآية 119) ، الخصاء. وقيل: المراد به التبتل والامتناع من
النساء.
م: (والمراد إحداثها) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولا
كنيسة» أي إحداث الكنيسة. وقيل: أمصار المسلمين ثلاثة، أحدها: ما مصره
المسلمون منها، كالكوفة والبصرة وبغداد
(7/255)
وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة
أعادوها؛ لأن الأبنية لا تبقى دائمة. ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم
الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لأنه إحداث في الحقيقة، والصومعة
للتخلي فيها بمنزلة البيعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وواسط، فلا يجوز فيها إحداث بيعة، ولا كنيسة ولا مجتمع لصلواتهم ولا صومعة،
بإجماع أهل العلم، ولا يملكون فيه شرب الخمر واتخاذ الخنزير وضرب الناقوس.
وثانيها: ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز إحداث شيء فيها بالإجماع، وما
كان فيها شيء من ذلك هدمه، فقال مالك والشافعي في قول، وأحمد في رواية: يجب
هدمه، وعندنا يأمرهم الإمام أن يجعلوا كنائسهم مساكن ويمنع من صلاتهم فيها،
ولكن لا تهدم.
هذا إذا صالحهم بعد الفتح أن يجعلهم ذمة، وبه قال الشافعي في قول وأحمد في
رواية؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فتحوا كثيراً من البلاد
عنوة ولم يهدموا كنائسهم. وكتب عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- إلى عماله: لا تهدموا بيعة ولا كنيسة، وقال: ما فتح صلحاً فإن صالحهم على
أن الأرض وكذا الخراج لنا فجاز إحداثهم، وإن صالحهم على أن الدار لنا
ويؤدون الجزية، فالحكم بالكنائس على ما وقع عليه الصلح على شرط تمكين
الإحداث لأئمتهم، والأولى أن يصالحهم على شرط ما وقع صلح عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - من عدم إحداث البيعة والكنيسة، ويمنعون من ضرب الناقوس
وشرب الخمر واتخاذ جزية الخنزير.
ولو وقع الصلح مطلقاً لا يجوز الإحداث ولا يتعرض للقديمة، ويمنعون من ضرب
الناقوس وشرب الخمر واتخاذ الخنزير بالإجماع. وفي المحيط: لو ضربوا الناقوس
في جوف كنائسهم لا يمنعون.
[إحداث البيع والكنائس في أرض العرب]
م: (وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة أعادوها) ش: المراد من القديمة ما
كانت قبل فتح الإمام بلدهم ومصالحتهم على إقرارهم على بلدهم وأراضيهم، ولا
يشترط أن يكون في زمن الصحابة والتابعين لا محالة م: (لأن الأبنية لا تبقى
دائمة، ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من
نقلها، لأنه) ش: أي لأن النقل م: (إحداث في الحقيقة) ش: وقال محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادر هشام ": إن انهدمت كنيسة من كنائسهم أو بيعة
أو بيت نار، فلهم أن يبنها كما كانت.
وليس لهم أن يحولوها من موضع إلى آخر في المصر. فقوله: أن يبنوه كما كانت،
يريد به قد مر بناء الأول، أما الزيادة على البناء الأول فممنوع، لأنه
إحداث بيعة في المصر.
م: (والصومعة) ش: قال الجوهري: فوعلة، يعني وزنها يدل على أن الواو فيه
زائدة، وهو بيت يبنى بأساس طويل ليعبد فيها بالانقطاع عن الناس، وهو معنى
قوله م: (للتخلي فيها بمنزلة البيعة) ش: إنما قال: بمنزلة البيعة، يعني لا
يجوز إحداثها مثلما لا يجوز إحداث البيعة. م:
(7/256)
بخلاف موضع الصلاة في البيت؛ لأنه تبع
للسكنى، وهذا في الأمصار دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها
الشعائر، فلا تعارض بإظهار ما يخالفها. وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك في
القرى أيضاً؛ لأن فيها بعض الشعائر، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة؛
لأن أكثر أهلها أهل الذمة، وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها؛
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بخلاف موضع الصلاة في البيت) ش: حتى لا يمنع، يعني إذا عين موضعاً من
البيت للصلاة فيه لا يمنع منه م: (لأنه تبع للسكنى) ش: أي لأنه تابع
لمسكنه، فتكون من جملة مسكنه م: (وهذا في الأمصار) ش: أي عدم جواز إحداث
البيعة والكنيسة في الأمصار م: (دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها
الشعائر) ش: أي شعائر الإسلام م: (فلا تعارض بإظهار ما يخالفها) ش: أي خالف
الشعائر.
م: (وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك) ش: أي من إحداث البيعة والكنيسة م: (في
القرى أيضاً؛ لأن فيها بعض الشعائر) ش: مثل الأذان والإقامة والصلاة
بالجماعة م: (والمروي عن صاحب المذهب) ش: وهو الإمام أبو حنيفة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، أي الذي روي عن أبي حنيفة من عدم المنع من إحداث الكنيسة
والبيعة.
م: (في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة) ش: لم تكن قراها موضعاً فتقيد
الأحكام لتعليمهم، فلم يرد المنع من الإحداث. وقال في " الفتاوى الصغرى "
إذا أرادوا إحداث البيع والكنائس في الأمصار يمنعون بالإجماع أما في السواد
وذكر في العشر والخراج أنهم يمنعون. وفي الإجارات أنهم لا يمنعون. واختلف
المشايخ فيه، قال مشايخ بلخ يمنع، وقال الفضلي ومشايخ بخارى: لا يمنع، وذكر
شمس الأئمة السرخسي: الأصح عندي أنهم يمنعون عن ذلك في السواد، وهل تهدم
البيع القديمة في السواد على الروايات كلها أم لا؟ أما في الأمصار ذكر في
الإجارات لا تهدم البيع القديمة بل تترك. وذكر في العشر والخراج أنها تهدم.
م: (وفي أرض العرب يمنعون من ذلك) ش: من إحداث البيع والكنائس م: (في
أمصارها وقراها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ش: هذا
الحديث رواه إسحاق بن راهويه في مسنده أخبرنا النضر بن شميل حدثنا صالح بن
أبي الأحصر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في مرضه الذي
توفي فيه: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ، انتهى. إنها سميت الجزيرة؛
لأن بحر فارس وبحر الحبش ودجلة والفرات قد أحاطت بها، وقيل لانجزارها عن
موضعها، والجزر
(7/257)
قال: ويؤخذ أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين
في زيهم ومراكبهم وسروجهم وقلانسهم ولا يركبون الخيل، ولا يعملون بالسلاح،
وفي " الجامع الصغير ": ويؤخذ أهل الذمة بإظهار الكستيجات والركوب على
السروج التي هي كهيئة الأكف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع لأنها جزرت عن المياه التي حواليها لبحور البصرة وعمان وعدن والفرات.
وقال الزهري: سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السواد أحاطا بجانبيها، يعني
البحر وأحاطت بالجانب الشمالي دجلة والفرات، وأسند أبو داود عن سعيد بن عبد
العزيز قال: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى نحو العراق إلى
النجف.
وقال المنذري في مختصره: قال مالك: جزيرة العرب المدينة نفسها، وروي عنه
أنها الحجاز واليمن، ولما لم يبلغه ملك فارس والروم، وحكى البخاري عن
المغيرة أنها مكة والمدينة. وقال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف
العراق في الطول. وأما العرض فمن جدة وما والاها من ثماجيل البحر إلى أطراف
الشام. قال أبو عبيدة جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في
الطول.
وأما العرض فما بين مرسل سيرين إلى مقطع السماء. وفي شرح ديوان الفرزدق حفر
أبي موسى فاتخذ على خمس مراحل من البصرة. وقال أبو عبيد: أمر رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخراج اليهود والنصارى من هذا كله.
[تمييز أهل الذمة عن المسلمين في زيهم]
م: (قال: ويؤخذ أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين في زيهم) ش: بكسر الزاي
وتشديد الياء الزي الهيئة وأصله زوي قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء
م: (ومراكبهم) ش: جمع مركوب م: (وسروجهم) ش: جمع سرج م: (وقلانسهم) ش: جمع
قلنسوة. وقال الكرخي: تكون قلانس الرجال سواء طوالاً مضربته م: (ولا يركبون
الخيل ولا يعملون بالسلاح. وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما ذكر لفظ "
الجامع الصغير " ليعلم أنه تفسير لما ذكره القدوري؛ لأن المذكور فيما قبله
لفظ القدوري م: (ويؤخذ أهل الذمة بإظهار الكستيجات) ش: جمع كستج، وفسره
الكرخي ما يحيط العقدة على وسطه. وعن أبي يوسف: كستج خيط غليظ بقدر الإصبع
يشده الذمي فوق ثيابه دون ما سرين به من الزنار المتخذة من الإبريسم.
وقال فخر الإسلام: في تفسير الكستيجات هي أعلام الكفر، وهي فارسية معربة،
وحقيقة الزجر والذل بلغة العجم.
م: (والركوب على السروج التي هي كهيئة الأكف) ش: بضم الهمزة والكاف جمع
إكاف
(7/258)
وإنما يؤخذون بذلك إظهارا للصغار عليهم
وصيانة لضعفة المسلمين. ولأن المسلم يكرم والذمي يهان، ولا يبتدأ بالسلام
ويضيق عليه الطريق، فلو لم تكن علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين،
وذلك لا يجوز. والعلامة يجب أن تكون خيطا غليظا من الصوف يشده على وسطه دون
الزنار، ومن الإبريسم فإنه جفاء في حق أهل الإسلام، ويجب أن تتميز نساؤهم
عن نسائنا في الطرقات والحمامات، ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها
سائل يدعو لهم بالمغفرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالكسر وتفسيره ما قال الكرخي في مختصره وهي أن يكون على قربوص السرج مثل
الرمانة م: (وإنما يؤخذون بذلك) ش: أي بما ذكر من الأشياء م: (إظهاراً
للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين) ش: يعني في الدين لا في اليدين حتى لا
يميلوا إليهم بأن رأوهم أصحاب النعمة والحقص والدعة.
ويقولون إن المؤمنين في مشقة ومحنة وأهل الذمة في راحة ونعمة، فلذلك وجب
تمييزهم بأعلام وآثار تدل على الذل ولا يتركون يتجملون، ولهذا كان عمر بن
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يأمر عماله أن يأخذوا أهل الذمة.
م: (ولأن المسلم يكرم) ش: لأجل إسلامه م: (والذمي يهان) ش: لأجل كفره م:
(ولا يبتدأ بالسلام) ش: أي الذمي بالسلام م: (ويضيق عليه الطريق) ش: يعني
يلحق إلى أضيق الطريق م: (فلو لم تكن علامة مميزة) ش: على صيغة اسم الفاعل
من التمييز م: (فلعله) ش: أي فلعل الذمي م: (يعامل) ش: على صيغة المجهول م:
(معاملة المسلمين، وذلك لا يجوز، والعلامة يجب أن تكون خيطاً غليظاً من
الصوف يشده على وسطه دون الزنار، من الإبريسم فإنه جفاء) ش: أي فإن الزنار
جفاء، أي خوف. وترك الخمس المعشرة م: (في حق أهل الإسلام) ش: والإبريسم
معرب، والعرب تخلط فيما ليس من كلامها.
وقال هو بكسر الهمزة والراء وفتح السين. وقال التمرتاشي: ينبغي في كل بلد
من العلامة ما تعارفه أهله؛ لأنه المقصود، ويعلم بهذا أن الأمصار على هذه
العلامة المخصوصة لازم.
م: (ويجب أن تتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات) ش: كالجلاجل
وغير ذلك.
وكذا قال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الجامع الصغير ". وقال أيضاً: وكذا
من تكون يروه من نسائهم تؤمر باتخاذ علامة فوق الحلات لتميز بذلك من
المسلمات. وإذا كانت ممن لا يخرج لا يحتاج إلى العلامة م: (ويجعل على دورهم
علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة) ش: لأن فيه إهانة المسلم
في نفس الأمر، حيث يدعو لعدو الله تعالى ووقوف المسلم على باب أهل الكفر
ذل، وإهانة للمسلم فضلاً أن يدعو له.
(7/259)
قالوا: الأحق أن لا يركبوا إلا للضرورة،
وإذا ركبوا للضرورة فلينزلوا في جامع المسلمين، فإن لزمه ضرورة اتخذوا سرجا
بالصفة التي تقدمت، ويمنعون عن لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف.
ومن امتنع من أداء الجزية أو قتل مسلما أو سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- أو زنى بمسلمة لم ينتقض عهده؛ لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام
الجزية لا أداؤها، والالتزام باق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سب
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون نقضا؛ لأنه لو كان مسلما ينقض أمانه،
فكذا ينقض أمانه إذ عقد الذمة خلف عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قالوا) ش: أي مشايخنا الأخر إن م: (الأحق أن لا يركبوا إلا للضرورة) ش:
كالخروج إلى الرهبان وذهاب المريض إلى موضع محتاج إليه، وكذا إذا استعان
بهم الإمام في الحرب.
م: (وإذا ركبوا للضرورة فلينزلوا في جامع المسلمين، فإن لزمه ضرورة اتخذوا
سرجاً بالصفة التي تقدمت) ش: وهي كهيئة الأكف، إذ السرج للقرابة، ولهذا
يكره للنساء الركوب على السرج؛ لأنهن ليسوا من أهل الجهاد م: (ويمنعون عن
لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف) ش: هكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -.
[نقض عهد من امتنع من أداء الجزية]
م: (ومن امتنع من أداء الجزية أو قتل مسلماً أو سب النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أو زنى بمسلمة لم ينتقض عهده) ش: وقال أصحاب الشافعي: ينقض
العهد بجميع ذلك، كذا ذكر في شرح الأقطع م: (لأن الغاية التي ينتهي بها
القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق) ش: يعني التزام الجزية باق،
فيكون على عهده، ولقد طول الأترازي هنا في كلامه، وأكثر ما يعجبني أنه أفتى
بقتله لسبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكون سبه لله
تعالى.
والوجه مع أصحاب الشافعي م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سب النبي
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون نقضاً) ش: أي للعهد م: (لأنه لو كان مسلماً
ينقض أمانه) ش: يعني على تقدير أنه لو كان مسلماً وكان سب النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - كان ينقض أمانه.
كذا فسره الشراح - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (فكذا ينقض أمانه) ش: أي أمانه
الذي كان له بعقد الذمة م: (إذ عقد الذمة خلف عنه) ش: عن الأمان. وقال
الشافعي إذا امتنع من بدل الجزية وقبول أحكام الإسلام ينتقض عهده ولا ينتقض
بزنا مسلمة وإن غصبها بنكاحها، أو يفتن مسلماً عن دينه أو بقطع الطريق أو
يؤدي إلى الكفار عيناً أو يدل على عورات الإسلام.
وبه قال مالك وأحمد. وقال مالك: ينتقض بإكراه المسلمة على الزنا وفي سب
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو ذكر الله تعالى بما لا ينبغي وللشافعي
قولان، أحدهما ينتقض، والثاني لا، وفي " شرح الوجيز " امتناع الجزية مع
القدرة انتقاض في عهده وأما لعجز لا. أي عن الأمان.
(7/260)
ولنا أن سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
كفر منه، والكفر المقارن لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه. قال: ولا ينقض العهد
إلا أن يلتحق بدار الحرب، أو يغلبوا على موضع فيحاربوننا؛ لأنهم صاروا حربا
علينا، فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب. وإذا نقض الذمي
العهد فهو بمنزلة المرتد، معناه في الحكم بموته باللحاق؛ لأنه التحق
بالأموات، وكذا في حكم ما حمله من ماله إلا أنه لو أسر لا يسترق بخلاف
المرتد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أن سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كفر منه) ش: أي من الذمي م:
(والكفر المقارن) ش: أي المعتزل به م: (لا يمنعه) ش: أي لا يمنع الأمان م:
(فالطارئ) ش: أي الكفر الطارئ بعارض م: (لا يرفعه) ش: أي الأمان.
م: (قال: ولا ينقض العهد إلا أن يلتحق بدار الحرب أو يغلبوا) ش: أي أهل
الذمة م: (على موضع، فيحاربوننا؛ لأنهم صاروا حرباً علينا، فيعرى عقد الذمة
عن الفائدة، وهو دفع شر الحراب، وإذا نقض الذمي العهد فهو بمنزلة المرتد)
ش: وبينه المصنف بقوله: م: (معناه في الحكم بموته باللحاق؛ لأنه التحق
بالأموات) ش: بمعنى إذا تاب ورجع لا يقتل، وإن لحق بدار الحرب ما يعمل في
تركته المرتد. فإن خلف امرأة ذمية في دار الإسلام بانت منه لتباين الدارين.
وإذا لحقت معه بدارهم ثم عاد إلى دارنا فهما على حقها، إلا أن الذمي اللاحق
بدارهم إذا غلب عليها يسترق، والمرتد ما دامت في دارنا لا يسترق، فإذا لحقت
بدار الحرب ثم ثبت استرقت، ويجوز مع ذلك على الإسلام.
م: (وكذا في حكم ما حمله من ماله) ش: يعني أن الذمي الناقض للعهد إذا حمل
ماله إلى دار الحرب تكون فيئاً للمسلمين إذا ظهروا عليها كمال المرتد إذا
حمله إلى دار الحرب م: (إلا) ش: استثنى من قوله فهو بمنزلة المرتد، أي إلا
أن الذمي لو أسر يسترق بخلاف المرتد م: (أنه لو أسر لا يسترق) ش: بل يقتل
إن أصر على استرداده، وكذا يجوز وضع الجزية على ذمي نقض العهد، ولحق بدار
الحرب م: (بخلاف المرتد) .
(7/261)
فصل ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف
ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صالحهم
على ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ويؤخذ من نسائهم ولا
يؤخذ من صبيانهم؛ لأن الصلح وقع على الصدقة المضاعفة، والصدقة تجب عليهن
دون الصبيان، فكذا المضاعف. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤخذ من
نسائهم أيضا، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه جزية في الحقيقة
على ما قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذه جزية فسموها ما شئتم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما
يؤخذ من المسلمين من الزكاة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام نصارى بني تغلب، وذكر هنا في فصل،
هذا على حدة؛ لأن حكمهم مخالف لحكم سائر النصارى وبنو تغلب بفتح التاء
المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وائل بن فاسط بن رهيب بن
أوضى بن يحيى بن حذيفة بن أسد بن ربيعة بن سادر سلموا أي الجاهلية إلى
النصرانية، فدعاهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى بدل الجزية، فأبو
وأنفوا، وقالوا: نحن عرب، خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقات. فقال لا
آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة يا أمير المؤمنين
إن القوم لهم بأس شديد، ذويهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عدوك عليك بهم،
وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في طلبهم
وضعف عليهم فأجمع الصحابة على ذلك، وقال به الفقهاء.
م: (ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة؛
لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صالحهم على ذلك بمحضر من الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: تقدم هذا في كتاب الزكاة في آخر باب زكاة
الخيل م: (ويؤخذ من نسائهم ولا يؤخذ من صبيانهم) ش: هذا لفظ القدوري في
مختصره وهو ظاهر الرواية. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "
روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: لا يؤخذ من نساء بني تغلب شيء.
قال الفقيه: وذكر عن أبي الحسن الكرخي أنه قال: هذه الرواية أقيس؛ لأنه لا
يؤخذ من نساء أهل الذمة جزية فكذلك لا تؤخذ من نسائهم - تغلب - مضاعفة
الصدقة.
م: (لأن الصلح وقع على الصدقة المضاعفة، والصدقة تجب عليهن دون الصبيان،
فكذا المضاعف) ش: لا تجب عليهم م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يؤخذ
من نسائهم أيضاً) ش: وفي بعض النسخ من سواهم م: (وهو قول الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر وهو قول الشافعي م: (لأنه) ش: أي لأن
الذمي يؤخذ منهم م: (جزية في الحقيقة على ما قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - هذه جزية فسموها ما شئتم) ش: أي هذه الصدقة المضاعفة جزية فسموها
حسبما شئتم أنتم.
(7/262)
ولهذا تصرف مصارف الجزية ولا جزية على
النسوان. ولنا أنه مال وجب بالصلح والمرأة من أهل وجوب مثله عليها، والمصرف
مصالح المسلمين؛ لأنه مال بيت المال، وذلك لا يختص بالجزية ألا ترى أنه لا
يراعى فيه شرائطها، ويوضع على مولى التغلبي الخراج، أي الجزية وخراج الأرض
بمنزلة مولى القرشي. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضاعف لقوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن مولى القوم منهم، ألا ترى أن مولى الهاشمي يلحق
به في حق حرمة الصدقة. ولنا أن هذا تخفيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا أيضاً تقدم في باب زكاة الخيل في كتاب الزكاة، وأما صبيانهم فلا يؤخذ
منهم شيء.
وكذا مجانينهم، وعند أحمد يجب عليهما كالزكاة م: (ولهذا) ش: أي لكونها جزية
في الحقيقة م: (تصرف مصارف الجزية، ولا جزية على النسوان) ش: فلا يؤخذ شيء
من نساء بني تغلب أيضاً.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المأخوذ منهم م: (مال وجب بالصلح والمرأة من أهل
وجوب مثله عليها) ش: أي مثلما وجب ببدل الصلح فتجب عليها م: (والمصرف مصالح
المسلمين) ش: هذا جواب من قوله: تصرف مصارف الجزية، تقريره أن يقال: لا
نسلم أن كونه مصرف الجزية يدل على أنه جزية؛ لأن مصرفه مصالح المسلمين م:
(لأنه مال بيت المال وذلك) ش: أي مصرف مصالح المسلمين م: (لا يختص بالجزية)
ش: وحدها، بل يوضع فيه خراج الأرضين والجزية، وأما أهله أهل الحرب وغيرها.
م: (ألا ترى أنه لا يراعى فيه) ش: أي في المأخوذ منها م: (شرائطها) ش: أي
شرائط الجزية بوصف العقار وغيره من عدم القبول من الثابت وبالإعطاء قائماً
والقابض قاعداً وأخذ التلبيب والهز. م: (ويوضع على مولى التغلبي الخراج) ش:
هذا من مسائل الجامع، وفسره المصنف بقوله م: (أي الجزية) ش: لأنها خراج
الرأس ومولى التغلبي معتقه م: (وخراج الأرض) ش: أي يوضع عليها خراج الأرض
م: (بمنزلة مولى القرشي) ش: لا يؤخذ الجزية والخراج من القرشي، ويؤخذ من
مولاه، فكذلك هاهنا.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضاعف) ش: أي يضاعف على مولى التغلبي م:
(لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن مولى القوم منهم» ش: هذا الحديث تقدم في باب
من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز.
وجه استدلاله به ظاهر؛ لأن مولاه عليه التضعيف فعليه كذلك؛ لأنه منه، وهو
المروي عن عامر التغلبي أيضاً م: (ألا ترى أن مولى الهاشمي يلحق به في حق
حرمة الصدقة) ش: لأنه منه بظاهر الحديث، فكذلك مولى التغلبي.
م: (ولنا أن هذا) ش: أي أخذ مضاعف الزكاة م: (تخفيف) ش: يعني أنه ليس فيه
وصف
(7/263)
والمولى لا يلحق بالأصل فيه، ولهذا توضع
الجزية على مولى المسلم إذا كان نصرنيا، بخلاف حرمة الصدقة؛ لأن الحرمات
تثبت بالشبهات فألحق المولى بالهاشمي في حقه، ولا يلزم مولى الغني حيث لا
تحرم عليه الصدقة؛ لأن الغني من أهلها، وإنما الغنى مانع ولم يوجد في حق
المولى، أما الهاشمي فليس بأهل لهذه الصلة أصلا؛ لأنه صين لشرفه وكرامته عن
أوساخ الناس فألحق به مولاه. قال: وما جباه الإمام من الخراج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصغار بخلاف الجزية م: (والمولى لا يلحق بالأصل فيه) ش: أي في التخفيف م:
(ولهذا) ش: أي ولكون المولى لا يلحق بالأصل في التخفيف م: (توضع الجزية على
مولى المسلم إذا كان نصرانياُ) ش: ولم يلحق لمولاه في ترك الجزية، وإن كان
الإسلام على أسباب التخفيف بالتخلص عن التدين بالإمام، وقد ألحق مولى
الهاشمي فيها بالهاشمي.
وتقرير الجواب أن ذلك م: (بخلاف حرمة الصدقة؛ لأن الحرمات تثبت بالشبهات)
ش: لأنها في باب الحرمات ملحقة بالحقيقة م: (فألحق المولى بالهاشمي في حقه)
ش: أي في حق ما هو لمولاه، وهو حرمة الصدقة.
م: (ولا يلزم مولى الغني) ش: جواب عما يقال مال مولى الغني لم يلحق به في
حرمة الصدقة والعلة المذكورة، وهي أن الحرمات تثبت بالشبهات.
فأجاب بقوله ولا يلزم المولى الغني علينا م: (حيث لا تحرم عليه) ش: أي على
الغني م: (الصدقة؛ لأن الغني من أهلها) ش: أي من أهل الصدقة في الجملة، ألا
ترى أنه إذا كان عاملا يعطى من الصدقة ما يكفيه، وكذلك ابن السبيل يجوز له
أخذ الزكاة. م: (وإنما الغنى مانع ولم يوجد في حق المولى، أما الهاشمي فليس
بأهل لهذه الصلة أصلاً لأنه صين) ش: أي حفظ، وهو مجهول صانه، وأصله صون
قلبت الواو ألفاً لتحركها وافتتاح ما قبلها وأصل صين صون قلبت الواو ياء،
ثم أبدلت ضمة الصاد كسرة لأجل الياء م: (لشرفه) ش: أي لأجل شرفه.
م: (وكرامته عن أوساخ الناس) ش: وذلك لأجل التعظيم لقرابة النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا كان الأمر كذلك م: (فألحق به) ش: أي
بالهاشمي م: (مولاه) ش: لأنه نسبة، ولم يذكر جواباً عن الحديث، وهو أنه ورد
بخلاف القياس فاقتصر على مورد النص.
وهو حرمة الصدقة خاصة فلم يجز التعدية إلى غيرها؛ لأن ذلك كان لإظهار فضل
قرابة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في إلحاق مولاهم بهم، ومولى
التغلبي ليس من ذلك في شيء.
م: (قال: وما جباه الإمام) ش: أي وما جمعه الإمام م: (من الخراج) ش: أي
خراج الأراضي
(7/264)
ومن أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب
إلى الإمام والجزية، يصرف في مصالح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطر
والجسور، ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم وعلماؤهم منه ما يكفيهم، ويدفع منه
أرزاق المقاتلة وذراريهم؛ لأنه مال بيت المال، فإنه وصل إلى المسلمين من
غير قتال وهو معد لمصالح المسلمين، وهؤلاء عملتهم، ونفقة الذراري على
الآباء، فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب لا يفرغون للقتال. ومن
مات منهم في نصف السنة فلا شيء له من العطاء؛ لأنه نوع صلة وليس بدين،
ولهذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومن أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزية يصرف في
مصالح المسلمين كسد الثغور) ش: وهو جمع ثغر، وهو موضع مخاف البلدان م:
(وبناء القناطر) ش: جمع قنطرة وهو ما يحكم بناؤه ولا يرفع م: (والجسور) ش:
جمع جسر، وهو ما يوضع ويرفع م: (ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم) ش: بضم العين
وتشديد الميم جمع عامل.
م: (وعلماؤهم منه) ش: أي من الذي جباه الإمام من الأشياء المذكورة م: (ما
يكفيهم) ش: أي ما يكفي القضاة وعمالهم والعلماء م: (ويدفع منه) ش: أي من
الذي جباه أيضاً م: (أرزاق المقاتلة وذراريهم) ش: أي وأرزاق ذراريهم؛ لأن
نقصانهم واجب عليهم، فلو لم يكن موقوفاُ لذراري آبائهم لم يتفرغوا للقتال،
ولبطل أمر الجهاد الذي من أعظم مصالح المسلمين؛ لاشتغال المقاتلة بأكساب
النفقات للذراري.
م: (لأنه) ش: أي لأن الذي جباه الإمام م: (مال بيت المال، فإنه وصل إلى
المسلمين من غير قتال، وهو) ش: أي المال الذي جباه م: (معد لمصالح
المسلمين، وهؤلاء عملتهم) ش: أي القضاة وعمالهم والعلماء عملتهم وهو جمع
عامل م: (ونفقة الذراري على الآباء، فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى
الاكتساب لا يفرغون للقتال) ش: وقد شرحناه الآن.
م: (ومن مات منهم) ش: أي من المذكورين م: (في نصف السنة فلا شيء له من
العطاء) ش: وهو ما يكتب للقراء في الديوان ولكل من قام بأمر الدين م: (لأنه
نوع صلة وليس بدين، ولهذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت) ش:
وإنما وضع المسألة نصف السنة؛ لأنه لو مات في آخر السنة يستحب صرف ذلك إلى
قريبه؛ لأنه قد وافى غناءه، ويستحب الصرف إلى قريبه ليكون أقرب إلى الولائم
قبل رزق القاضي ومن في معناه في آخر السنة يعطى، ولو أخذ في أولها ثم عزل
أو مات قبل نصفها قيل: يجب رد ما بقي من السنة، وقيل على قياس نفقة المرأة
لا يجب.
وقال محمد وأحب إلي رد الباقي، وكذا لو عجل لها نفقته يسترضيها فمات قبل
التزوج
(7/265)
وأهل العطاء في زماننا مثل القاضي والمدرس
والمفتي، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لعدم حصول المقصود، وعندهما أنها صلة من وجه فيقطع الاسترداد بالموت
كالرجوع في الهبة، ذكره في جامع قاضي خان والتمرتاشي. م: (وأهل العطاء في
زماننا مثل القاضي والمدرس والمفتي، والله أعلم) ش: إنما قال ذلك لأنه في
الابتداء كان يعطى لكل من كان له ضرب من به في الإسلام كأزواج النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأولاد المهاجرين والأنصار.
(7/266)
|