البناية شرح الهداية

باب البيع الفاسد وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد، كالبيع بالميتة
والدم والخمر والخنزير، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر. قال العبد الضعيف: هذه فصول جمعها وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى، فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر؛ لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب البيع الفاسد]
[تعريف البيع الفاسد]
م: (باب البيع الفاسد) ش: أي هذا الباب في بيان أحكام ولقب الباب بالفاسد، وإن كان مشتملا عليه وعلى الباطل لكثرة وقوعه بتعدد أسبابه، والباطل هو ما لا يكون صحيحا أصلا ووصفا، والفاسد هو ما لا يصح وصفا وكل ما أورث خللا في ركن البيع فهو مبطل، وما أورثه في غيره كالتسليم والتسلم الواجبين به والانتفاع المقصود منه والإطلاق عن شرط لا يقتضيه وغير ذلك فهو مفسد.
وحاصل الكلام الباطل ما لا يكون مشروعا بأصله ووصفه لانتفاء ركنه ومحله يقال: بطل اللحم إذا برد وسوس بحيث لا ينتفع به، والفاسد ما يكون مشروعا بأصله دون وصفه ويثبت به الملك إذا اتصل به القبض، يقال: فسد اللحم إذا صار ذا نتن بحيث يمكن الانتفاع به، والمكروه ما كان مشروعا بأصله ووصفه ولكن جاوزه بشيء آخر منهي عنه على هذا تفصل المسائل المذكورة في الكتاب.
م: (وإذا كان أحد العوضين) ش: المبيع والثمن م: (أو كلاهما) ش: أي أو كان كلاهما م: (محرما فالبيع فاسد كالبيع بالميتة) ش: والميتة في اللغة هو الذي مات حتف أنفه، وإنما قيدنا باللغة لنخرج المحتوفة وأمثالها، فإن ذلك عند من ليس له دين سماوي بمنزلة الذبيحة عندنا. ولهذا إذا باعوا ذلك فيما بينهم جاز، ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التجنيس، وإن كان ميتة عندنا بخلاف الميتة حتف أنفه، فإن بيعه فيما بينهم لا يجوز، ولأنها ليست بمال عندهم، فعلى هذا يكون قوله فالبيع فاسد بلام الاستغراق على عمومه في بياعات المسلمين وغيرهم.

م: (والدم والخمر والخنزير، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر) ش: هذا كله لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره، ولهذا م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذه فصول جمعها) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر) ش: أي وكذا البيع بالحر م: (لانعدام ركن البيع وهو) ش: أي ركن البيع م: (مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء) ش: أي الميتة والدم والخنزير والخمر والحر م: (لا تعد مالا عند أحد) ش: فمن له دين سماوي لأن الذي ليس له دين سماوي كالجماد فلا يعتبر.

(8/139)


والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال فإنه مال عند البعض، والباطل لا يفيد ملك التصرف، ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه يكون أمانة، عند بعض المشايخ لأن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك، وعند البعض يكون مضمونا لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[البيع بالخمر والخنزير]
م: (والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإنه مال عند البعض) ش: وهما من أعز الأموال عند أهل الذمة، وفي " المبسوط ": البيع بالخمر عندنا يوجب الملك بالقبض، فإن محل العقد المالية في البدلين وبتخمير العصير لا تنعدم المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا. فإن المالية تكون منتفعا بها وقد أثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] (البقرة: الآية 219) ، ويفيد الملك البيع بها إذا اتصل القبض بإذن البائع صريحا أو دلالة بأن يقبضه المشتري عقيب البيع، ولأنها البائع والفرق بين الفصلين، أعني كون البيع بالدم والميتة باطلا وبالخمر والخنزير فاسدا إن الباطل لا يفيد الملك وإن اتصل به القبض والفاسد يفيد كما ذكرنا الآن.
وفائدة هذا أنه لو كان المشتري عبدا فأعتقه المشتري بعد القبض لا ينفذ في الأول وينفذ في الثاني، ولو جاء مستحق فاستحق على المشتري لا خصومة بين المستحق وبين المشتري في الأول، وفي الثاني يكون المشتري خصما حتى يستمع البينة عليه، لأنه ملكه. ثم إذا لم يعد الملك في الوجه الأول هل يصير المقبوض مضمونا عليه بالقبض أم لا؟ اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه، أشار إلى بيانه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (والباطل لا يفيد ملك التصرف، ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه) ش: أي في البيع الباطل م: (يكون أمانة عند بعض المشايخ) ش: أراد به الشيخ أبا نصر أحمد بن علي الطواديسي وهو أستاذ شيخ الإسلام أبي بكر المعروف بخواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: هو أمانة وليس بمضمون وهو رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإليه ذهب الشيخ أبو الحسن الشرعي م: (لأن العقد غير معتبر) ش: لكونه باطلا م: (فبقي القبض بإذن المالك) ش: فتكون أمانة، وكذا البيع بالبول باطل وكذا بيع المحرم للصيد، لأن صيد البر حرام على المحرم كالميتة، فيكون بيعه باطلا.
م: (وعند البعض) ش: أراد به شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكون مضمونا كما قال به البعض: م: (يكون مضمونا لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء) ش: فذاك مضمون فكذا هذا والمضمون بالقيمة أو بالمثل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وصورة المقبوض على سوم الشراء هو أن يسمي الثمن فيقول: اذهب بهذا فإن رضيت اشتريته بعشرة. أما إذا لم يسم الثمن فذهب به فهلك عنده لا يضمن نص عليه الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - "في العيون ".

(8/140)


وقيل الأول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والثاني قولهما، كما في بيع أم الولد والمدبر، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به، ويكون المبيع مضمونا في يد المشتري فيه، وفيه خلاف الشافعي وسنبينه إن شاء الله تعالى بعد هذا،
وكذا بيع الميتة والدم والحر باطل؛ لأنها ليست أموالا فلا تكون محلا للبيع. وأما بيع الخمر والخنزير إن كان قوبل بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله، وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل) ش: قائله محمد بن سلمة البلخي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (الأول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما في بيع أم الولد والمدبر) ش: يعني إذا هلك عند المشتري فهو على هذا الخلاف م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: يعني في بابه.

م: (والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به) ش: أي بالبيع الفاسد يعني إذا كان القبض بإذن المالك باتفاق الروايات بملكه م: (ويكون المبيع مضمونا في يد المشتري فيه) ش: أي في البيع الفاسد والضمان بالقيمة أو بالمثل.
قال مشايخ العراق: إن المشتري شراء فاسدا يملك التصرف فيه باعتبار تسليط البائع على ذلك لا باعتبار تملك العين، بدليل عدم جواز وطء الجارية مشتراة شراء فاسدا، وكذا لا يحل أكل طعام اشتراه شراء فاسدا. وذهب مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أن جواز التصرف بناء على ملك العين، واستدلوا بما إذا اشترى دارا بشراء فاسد وقبضها فبيع بجنبها دار للمشتري له أن يأخذها بالشفعة لنفسه. وكذا لو رد المشتري الجارية المشتراة شراء فاسدا يجب على البائع استبراؤها ولو أعتق المشتري العبد المشترى شراء فاسدا من الأب أو الوصي جاز عتقه ولو كان عتقه على وجه التسليط لما جاز، لأن عتقهما أو تسليطهما على العتق لا يجوز، فعلم بهذه الأحكام أنه يملك العين.
م: (وفيه) ش: أي وفي كون البيع مضمونا في يد المشتري في البيع الفاسد م: (خلاف الشافعي) ش: فعنده ليس بمضمون، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وسنبينه إن شاء الله تعالى بعد هذا) ش: أي في أول الفصل الذي يلي هذا الباب، وفي بعض النسخ وسنبينه بعد إن شاء الله تعالى.

[بيع الميتة والدم والحر]
م: (وكذا بيع الميتة والدم والحر باطل؛ لأنها ليست أموالا فلا تكون محلا للبيع، وأما بيع الخمر والخنزير إن كان قوبل بالدين) ش: أي بما يجب في الذمة م: (كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين) ش: مثل ثوب مثلا م: (فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله) ش: وهو الثوب م: (وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها.

(8/141)


ووجه الفرق أن الخمر مال وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة، إلا أنه غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه، وفي تملكه بالعقد مقصود إعزاز له، وهذا لأنه متى اشتراهما بالدراهم فالدراهم غير مقصودة لكونها وسيلة، لما أنها تجب في الذمة، وإنما المقصود الخمر، فسقط التقوم أصلا، بخلاف ما إذا اشترى الثوب بالخمر؛ لأن مشتري الثوب إنما يقصد تملك الثوب بالخمر، وفيه إعزاز الثوب دون الخمر، فبقي ذكر الخمر معتبرا في تملك الثوب لا في حق نفس الخمر حتى فسدت التسمية، ووجبت قيمة الثوب دون الخمر، وكذا إذا باع الخمر بالثوب لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر لكونه مقايضة.
قال: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ومعناه باطل، لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أعتقها ولدها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ووجه الفرق) ش: بين الصورتين م: (أن الخمر مال وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة إلا أنه) ش: أي أن كل واحد منهما م: (غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه، وفي تملكه بالعقد مقصود إعزاز له) ش: أي في جعله مبيعا إعزاز له وهو خلاف المأمور به، وأوضح ذلك بقوله م: (وهذا لأنه متى اشتراهما بالدراهم فالدراهم غير مقصودة لكونها وسيلة) ش: إلى تحصيل الخمر أو الخنزير م: (لما أنها) ش: أي أن الدراهم م: (تجب في الذمة، وإنما المقصود الخمر فسقط التقوم أصلا) ش: لئلا يفضي إلى خلاف المأمور به. م: (بخلاف ما إذا اشترى الثوب بالخمر؛ لأن مشتري الثوب إنما يقصد تملك الثوب بالخمر، وفيه إعزاز الثوب دون الخمر، فبقي ذكر الخمر معتبرا في تملك الثوب لا في حق نفس الخمر حتى فسدت التسمية، ووجبت قيمة الثوب دون الخمر، وكذا إذا باع الخمر بالثوب لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر لكونه مقايضة) ش: أي لكون البيع مقايضة وهو بيع العرض بالعرض، والعرض هو المتاع القيمي كائنا ما كان، وفي المجمل بقيض المثل. ويجوز أن يقال على هذا إنما سمي هذا النوع من البيع مقايضة لأن العرض بمثل العرض في العينة، ويقال هما قيضان أي متساويان. فإن قلت: في هذا تعبير للعقد لأن العاقد قد جعل الخمر مبيعا بدلالة الباقي الثوب، وفي هذا يصير ثمنا فيكون تعبيرا.
قلت: التعبير أهون من البطلان فلو لم يجعل كذلك يبطل مع أن المقايضة يصلح أن يكون كل واحد ثمنا ومثمنا فلا يلزم التعبير.

[بيع أم الولد والمدبر والمكاتب]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ومعناه باطل؛ لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أعتقها ولدها» ش: هذا رواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «أعتقها ولدها» رواه ابن ماجه والدارقطني، وإبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مارية

(8/142)


ولسبب الحرية قد انعقد في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت، والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى. ولو ثبت الملك بالبيع، لبطل ذلك كله، فلا يجوز، ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه روايتان، والأظهر الجواز، والمراد المدبر المطلق دون المقيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القبطية، وهذا حجة على بشر وداود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تجويزهما بيعهما ولفظ الحديث يوجب الإعتاق الحقيقي، لكن حمل على حق العتق.
وفي شرح " المجمع والمجاز ": مراد في هذا اللفظ بالإجماع م: (ولسبب الحرية قد انعقد في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت) ش: اعتبر التدبير سببا في الحال على خلاف سائر التعليقات، فإن فيها الشرط مانعا لانعقاده سببا في الحال، لأن بعد الموت حال لبطلان الأهلية.
فمتى قلنا إنه ينعقد سببا بعد الموت، احتجنا إلى بقاء الأهلية والموت ينافي الأهلية، فدعت الضرورة إلى القول بانعقاده سببا في الحال، فتأخر الحكم إلى ما بعد الموت، فصار طريقه طريق الوصية، فإن الوصية تنعقد سببا في الحال للخلافة بعد الموت، وإذا ثبت القول بانعقاده سببا في البيع، امتنع البيع كذا في " الإيضاح " م: (والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى) ش: بدليل أن المولى لا يملك فسخ الكتابة بدون رضا المكاتب، إنما قال: لازمة في حق المولى لأنها غير لازمة في حق المكاتب بقدرته على فسخ الكتابة.
م: (ولو ثبت الملك بالبيع) ش: أي بيع المكاتب م: (لبطل ذلك كله) ش: أي لبطل استحقاق اليد اللازمة م: (فلا يجوز) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله لبطل ذلك كله، أي لو صح بيع هؤلاء لبطل ما قلنا من المعاني وهي استحقاق أم الولد العتق، وانعقاد سبب الحرية للمدبر في الحال واستحقاق المكاتب يدا على نفسه لازمة في حق المولى فلم يجز بيعهم، لئلا تبطل هذه المعاني. انتهى كلامه، ولهذا لو حلف لا ببيع فباع هؤلاء لا يحنث ذكره في " جامع المحبوبي ".
م: (ولو رضي المكاتب بالبيع) ش: أي بيع نفسه م: (ففيه) ش: أي في جوازه م: (روايتان والأظهر الجواز) ش: لأن عدمه كان لحقه، فلما أسقط حقه برضاه، انفسخت الكتابة وجاز البيع.
وروي في " النوادر " أنه لا يجوز، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع المكاتب قولان أصحهما أنه لا يجوز، وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال في القديم: يجوز م: (والمراد المدبر) ش: أي المدبر الذي لا يجوز بيعه هو م: (المطلق) ش: وهو الذي علق عتقه بالموت من غير تعرض نصفة، كقوله أنت حر بعد موتي أو إن مت فأنت حر م: (دون المقيد) ش: أي دون المدبر المقيد، مثل قوله إذا قدمت من سفري هذا فأنت حر وإن مت من مرضي هذا فأنت حر ويباع المدبر المقيد بالإجماع.
وروى الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عمر وشريح

(8/143)


وفي المطلق خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد ذكرناه في العتاق.
قال: وإن ماتت أم الولد أو المدبر في يد المشتري، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه قيمتهما، وهو رواية عنه لهما أنه مقبوض بجهة البيع فيكون مضمونا عليه كسائر الأموال، وهذا لأن المدبر وأم الولد يدخلان تحت البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وسعيد بن المسيب والشعبي وإبراهيم وعطاء وابن سيرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنهم قالوا: لا يباع المدبر إلا من نفسه، وهو قول أصحابنا وسفيان الثوري ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وفي المطلق) ش: أي في المدبر المطلق م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد ذكرناه في العتاق) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وإسحاق - رحمهما الله - يجوز بيع المدبر، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع المدبر» . وجوابه ما رواه محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل عن أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته أو بقوله المراد منه المدبر المقيد.

م: (قال: وإن ماتت أم الولد أو المدبر في يد المشتري فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: صورة المسالة في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن باع أم ولده أو مدبره له فماتت في يد المشتري قال: لا ضمان عليه.
م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (عليه) ش: أي على المشتري م: (قيمتهما، وهو رواية عنه) ش: أي قولهما رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا هو المعلوم من ظاهر كلام المصنف، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا ليس على ظاهره، بل الروايتان عنه في حق المدبر، روى المعلى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتضمن قيمة المدبر بالبيع كما يضمن بالغصب، وأما في حق أم الولد فانتفت الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يضمن بالبيع والغصب لأنه لا يقوم لماليتها. قلت: هذا من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقله الأكمل، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال بعضهم في شرحه: فالروايتان عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حق المدبر إلى آخر ما ذكره الأكمل وأراد الأترازي بقوله قال بعضهم السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن كل واحد من المدبر وأم الولد م: (مقبوض بجهة البيع) ش: لأنهما يدخلان تحت العقد وما هو كذلك م: (فيكون مضمونا عليه) ش: بالقيمة م: (كسائر الأموال) ش: المقبوضة على سوم الشراء م: (وهذا) ش: إشارة إلى كونهما مقبوضين بجهة البيع م: (لأن المدبر وأم الولد يدخلان تحت البيع) .

(8/144)


حتى يملك ما يضم إليهما في البيع، بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه القبض، وهذا الضمان به وله أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقته في محل يقبل الحقيقة وهما لا يقبلان حقيقة البيع، فصارا كالمكاتب، وليس دخولهما في البيع في حق أنفسهما. وإنما ذلك ليثبت حكم البيع فيما ضم إليهما، فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه، كذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وأوضح ذلك بقوله م: (حتى يملك ما يضم إليهما في البيع) ش: بأن جمع بين قن وبين أحدهما وسمى الثمن صح البيع في القن بحصته من الثمن م: (بخلاف المكاتب) ش: جواب عما يقال: لو كان الدخول تحت البيع وتملك ما يضم إليه موجبان للضمان لكان في المكاتب كذلك وتقرير الجواب أن المكاتب يخالفه م: (لأنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه القبض وهذا الضمان به) ش: أي بالقبض وبحقيقته أن المدار هو القبض لا الدخول في العقد وتملك المضموم.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقته) ش: أي بحقيقة البيع م: (في محل يقبل الحقيقة) ش: أي حقيقة حكم البيع وهو الملك م: (وهما) ش: أي أم الولد والمدبر م: (لا يقبلان حقيقة البيع فصار كالمكاتب) ش: في كونه غير قابل للحقيقة أي حقيقة البيع وهو الملك م: (وليس دخولهما في البيع) ش: هذا جواب عن قولهما يدخلان تحت البيع، وتقريره أنه ليس دخول أم الولد والمدبر في البيع م: (في حق أنفسهما) ش: لذاتهما بل ليفيد حكم البيع في المضموم إليهما وهو معنى قوله.
م: (وإنما ذلك) ش: أي دخولهما في البيع م: (ليثبت حكم البيع فيما ضم إليهما، فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده) ش: يعني لو اشترى مال نفسه لا يجوز م: (وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه) ش: أي فيما ضمه المشتري إلى عقده بأن باع عبده مع عبد البائع فاشتراهما المشتري دخل في البيع ليفيد الحكم في مال البائع حتى انقسم الثمن عليهما فصح البيع في مال البائع بحصته من الثمن.
م: (كذا هذا) ش: أي كذلك الحكم فيما نحن فيه يعني يثبت حكم الدخول في البيع في حق المضمون إليه وهو القن لا في حكم أم الولد والمدبر، ثم اعلم أن قيمة المدبر ماذا؟ فيه اختلاف المشايخ. قال في " الفتاوى الصغرى ": قال بعضهم: تمام قيمة القن وهذا غير سديد فإنه ذكر في المسألة يضمن ما نقصه التدبير، وذكر الإمام علي السعدي في "فوائده" قيمته ثلثا قيمة القن وذكره خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال بعضهم: نصف قيمة القن وهكذا في فتاوى أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه يفتى، وبعضهم قالوا: قيمته قيمة الخدمة ينظر بكم يستخدم هو مدة عمره من حيث الحرز والقن، وما

(8/145)


قال: ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد؛ لأنه باع ما لا يملكه، ولا في حظيرة إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد؛ لأنه غير مقدور التسليم، ومعناه إذا أخذه ثم ألقاه فيها ولو كان يؤخذ من غير حيلة جاز إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها ولم يسد عليها المدخل لعدم الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال خواهر زاده: هو الأصح، وعليه الفتوى إلى هاهنا كلام " الفتاوى الصغري ".

[بيع السمك قبل أن يصطاد]
م: (قال) ش: أي القدوري، - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد؛ لأنه باع ما لا يملكه) ش: ولا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ولا في حظيرة) ش: أي ولا يجوز بيعه أيضا في حظيرة كالحوض والبركة م: (إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد؛ لأنه غير مقدور التسليم) ش: وفي " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن باع سمكة في حظيرة ولا يستطيع أن يخرجهن منها، غير أنهن لا يؤخذون بغير صيد فالبيع فاسد، وإن كن يؤخذن بغير صيد فالبيع جائز، والمشتري بالخيار إذا رآهن.
قال فخر الإسلام: معنى المسألة إذا كان البائع أخذها ثم ألقاها في حظيرة ماء فكانت ملكا له، يعني معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيع السمك إذا كان يؤخذ من غير صيد صح البيع لأنه باع ما يملكه وإليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (ومعناه إذا أخذه) ش: أي السمك م: (ثم ألقاه فيها) ش: أي في الحظيرة.
م: (ولو كان يؤخذ من غير حيلة جاز) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " ذكر محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "المسائل الرقبانيات": لو أن رجلا اتخذ حظيرة في أرضه فدخل أينما اجتمع فيه السمك فقد ملك السمك وليس لأحد أن يأخذه، ولو اتخذ لحاجة أخرى، فمن اتخذ السمك فهو له.
قال: وكذلك الرجل حفر في أرضه حفيرة فوقع صيد فتكسر فإن اتخذ ذلك الموضع للصيد فهو له، وقد ملكه ذلك للصيد إلا فهو لمن أخذه م: (إلا إذا اجتمعت) ش: استثناء من قوله جاز يعني لا يجوز بيع السمك إذا اجتمعت م: (فيها) ش: أي في الحظيرة م: (بأنفسها) ش: من غير اصطياد لها، فإذا اجتمعت فيها باحتيال يجوز بيعها إذا كانت تؤخذ بغير صيد م: (ولم يسد عليها المدخل) ش: أي موضع دخول الماء، وقيد به لأنه لو سد موضع الدخول حتى صار بحيث لا يقدر على الخروج فقد صار أخذا له بمنزلة ما لو وقع في شبكة فيجوز بيعه، وإن لم يفعل ذلك لم يجز بيعه م: (لعدم الملك) ش: وصحة البيع بناء على صحة الملك.
وقال الأكمل: هذا الاستثناء منقطع لكونه مستثنى من المأخوذ الملقى في الحظيرة، والمجتمع فيه بنفسه ليس بداخل فيه، وفيه إشارة إلى أنه لو سد صاحب الحظيرة عليها ملكها أما بمجرد الاجتماع في ملكه فلا، كما لو باض الطير في أرض إنسان أو خرجت فإنه لا يملك لعدم

(8/146)


قال: ولا بيع الطير في الهواء لأنه غير مملوك قبل الأخذ، وكذا لو أرسله من يده لأنه غير مقدور التسليم. ولا بيع الحمل ولا النتاج لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الحبل وحبل الحبلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإحراز، ولا يشكل بما إذا عسل النحل في أرضه فإنه يملك بمجرد اتصاله بملكه من غير أن يحترزه أو يهيئ له موضعا، لأن العسل إذ ذاك قائم بأرضه على وجه القرار فصار كالشجر الثابت فيها بخلاف بيض الطير وفرخها، والسمك المجتمع بنفسه فإنها ليست على وجه القرار.
وفي " الحلية " وحكي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز بيع السمك في بركة عظيمة وإن احتيج إلى مؤنة كثيرة، وحكى أبو العباس هذا قولا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بيع الطير في الهواء) ش: وفي بعض النسخ ولا يجوز بيع الطير في الهواء م: (لأنه غير مملوك قبل الأخذ، وكذا لو أرسله من يده) ش: أي ولو كان الطير لأحد وأرسله من يده أو انتقلت منه فلا يجوز أيضا وعلل الصورة بقوله: م: (لأنه غير مقدور التسليم) ش: والحاصل أن بيع الطير على ثلاثة أوجه: الأول بيعه في الهواء قبل أن يصطاده، والثاني: بيعه بعد أخذه وأرسله من يده، والثالث: بيع طير يذهب ويجيء كالحمام فالكل لا يجوز.
وذكر في " فتاوى قاضي خان ": وإن باع طيرا لدى الهواء إن كان ذا جناح يعود إلى بيته ويقدر على أخذه من غير تكلف جاز بيعه وإلا فلا، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان صاحب الهداية اختار هذا حيث قال قريبا من ورقة، والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمه جاز بيعها لأنه مقدور التسليم.
م: (ولا بيع الحمل) ش: أي الجنين م: (ولا النتاج) ش: أي ولا بيع النتاج وهو حبل الحبل م: «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الحبل وحبل الحبلة» ش: هذا غريب بهذه اللفظة وفيه أحاديث:
روى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه": أخبرنا محمود بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه نهى عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة» قال: والمضامين ما في أصلاب الإبل، والملاقيح ما في بطونها وحبل الحبلة ولد ولد هذه الناقة.
وروى الطبراني في معجمه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة،» ورواه البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا نحوه عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرجت الستة من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن

(8/147)


لأن فيه غررا. قال: ولا اللبن في الضرع للغرر فعساه انتفاخ، ولأنه ينازع في كيفية الحلب وربما يزداد، فيختلط المبيع بغيره. قال: ولا الصوف على ظهر الغنم لأنه من أوصاف الحيوان، ولأنه ينبت من أسفل فيختلط المبيع بغيره، بخلاف القوائم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع حبل الحبلة» والحبل بفتح الباء الموحدة يطلق ويراد به المصدر ويراد به الاسم، كما يقال له الحمل أيضا، وأما دخول تاء التأنيث في الحبلة فقال أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - "في غريب الحديث " إنما دخلت عليه للإشعار بالأنوثة فيه، وقيل: إن الهاء فيه للمبالغة كما في صخرة.
وقال شيخنا في شرح الترمذي: ويحتمل أن يكون جمع حابلة، فقد حكى صاحب المحكم امرأة حابلة من نسوة حبلة، وروى بعض الفقهاء حبلة بكسر الباء ولم يثبت، م: (ولأن فيه غررا) ش: أي ولأن في بيع الحمل والنتاج غررا أي خطرا الذي لا يدري ليكون أم لا م: (قال: ولا اللبن) ش: يجوز بالرفع والجر على حذف المضاف وإثباته تقديرا، أي لا يجوز بيع اللبن م: في الضرع) ش: وبه قال: الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: يجوز أياما معلومة إذا عرف قدر حلابها، ويكون التسليم بالتخلية كالثمار على رؤوس الشجر.
وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الزمان المعروف لإمكان تسليمه، وعلل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدم جوازه بوجوه ثلاثة:
الأول: قوله: م: (للغرر) ش: وقد نهي عن الغرر م: (فعساه انتفاخ) ش: أي فعل الضرع منتفخ فيظن لبنا وهو الغرور.
والثاني: وهو قوله: م: (لأنه) ش: أي ولأن المشتري م: (ينازع) ش: على صيغة المجهول م: (في كيفية الحلب) ش: فإن المشتري يستقضي في الحلب والبائع ينازعه ويطالبه بأن يترك أوعية اللبن.
والثالث: وهو قوله: م: (وربما يزداد) ش: اللبن ساعة فساعة م: (فيختلط المبيع بغيره) ش: على وجه يتعذر تميزه ويبطل البيع، م: (قال: ولا الصوف) ش: أي ولا يجوز بيع الصوف حال كونه م: (على ظهر الغنم) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك والليث بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز بشرط الجر لإمكان تسليمه م: (لأنه من أوصاف الحيوان) ش: جعل الصوف وصفا لأنه تبع للحيوان، فلما كان تبعا لم يجز جعله مقصودا بإيراد العقد عليه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصوف م: (ينبت من أسفل) ش: بالضم على البناء لأنه أحد الجهات الست م: (فيختلط المبيع بغيره) ش: لأنه يزداد ساعة فساعة م: (بخلاف القوائم) ش: هذا جواب عما يقال القوائم متصلة بالشجر وجاز بيعها، فأجاب بقوله: بخلاف القوائم أي القوائم

(8/148)


لأنها تزيد من أعلى، وبخلاف القصيل لأنه يمكن قلعه، والقطع في الصوف متعين فيقع التنازع في موضع القطع، وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم، وعن لبن في ضرع، وسمن في لبن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخلاف، م: (لأنها تزيد من أعلى) ش: فلا يلزم الاختلاط حتى لو ربطت خيطا في أعلاها وتركت أياما يبقى الخيط أسفل مما في رأسها الآن، وإلا على ملك المشتري.
وما وقع من الزيادة وقع على ملكه، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول: الصحيح عندي أن بيع قوائم الخلاف لا يجوز، وإن كان ينمو من أعلاه لموضع القطع مجهول.
م: (وبخلاف القصيل) ش: هذا أيضا جواب عما يقال القصيل، كالصوف وجاز بيعه، فأجاب بخلاف القصيل فإن بيعه يجوز، م: (لأنه يمكن قلعه) ش: يعني إن أمكن وقوع التنازع فيه من حيث القطع لا يمكن وقوعه من حيث القلع فيقلع، وفي " الفتاوى الصغرى " وبيع الكراث يجوز وإن كان ينمو من أسفله للتعامل م: (والقطع في الصوف متعين) ش: يريد بهذا بيان الفرق بين بيع الصوف على ظهر الشاة وبين بيع القصيل، يعني أن بيع القصيل يجوز لأن القلع فيه معتاد كالقطع فلا يقع التنازع في موضع القطع لا محالة، والقطع من الصوف متعين معتاد بين الناس والقلع فيه وهو نتفه ليس بمعهود بين الناس م: (فيقع التنازع في موضع القطع) ش:.
فلا يجوز بجهالة موضع القطع م: (وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم وعن لبن في ضرع وسمن في لبن» ش: روي هذا الحديث موقوفا ومرفوعا ومسندا ومرسلا فالمرفوع المسند رواه الطبراني في معجمه حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا عمر بن فروخ حدثنا حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع ثمرة حتى تطعم ولا يباع صوف على

(8/149)


وهو حجة على أبي يوسف في هذا الصوف، حيث جوز بيعه، فيما يروى عنه.
قال: وجذع في السقف، وذراع من ثوب، ذكر القطع أو لم يذكره؛ لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر، بخلاف ما إذا باع عشرة دراهم من نقرة فضة؛ لأنه لا ضرر في تبعيضه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ظهر ولا لبن في ضرع» .
وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما عن عمر بن فروخ وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأرسله وكيع عن عمر بن فروخ ثم أخرجه عن وكيع عن عمر بن فروخ مرسلا لم يذكر ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال البيهقي: تفرد به معه عمر بن فروخ وليس بالقوي.
فقلت: نقل الذهبي توهين عمر بن فروخ عن أبي داود وابن معين وأبي حاتم، وأما المرسل فرواه أبو داود في مراسيله عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك عن عمر بن فروخ عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكر ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا حبيب بن الزبير.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن عكرمة عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى أن يباع لبن في ضرع أو سمن في لبن» م: (وهو حجة) ش: أي الحديث المذكور حجة م: (على أبي يوسف في هذا الصوف) ش: أي في الصوف على ظهر الغنم، وإنما قيد بقوله في هذا الصوف احترازا عن الصوف المجذوذ فإنه يجوز بيعه على جميع الروايات م: (حيث جوز بيعه فيما يروى عنه) ش: أي حيث جوز أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع الصوف على ظهر الغنم فيما يروى عنه من ذلك، ووجهه أنه باع مالا منتفعا به مقدور التسليم في الحال، وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصلح لو صالح على صوف على ظهر الغنم جاز لأنه مستباح الأخذ منه قبل الذبح فجاز بيعه والصلح فيه كالقصل في الأرض.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجذع في السقف، وذراع من ثوب) ش: يجوز الرفع والجر في إعراب الجذع والذراع على ما تقدم أي لا يجوز بيع جذع حال كونه في سقف ولا بيع ذراع من ثوب والمراد به ثوب يضره القطع كالعمامة والقميص والسراويل أما في الثوب الذي لا يضره القطع يجوز بيع ذراع منه كالكرباس، ويجوز بيع قفيز من صبرة كذا ذكره الإمام المحبوبي، وفي " الإيضاح " وكذا لو باع حلية من سيف لأنه لا يتخلص إلا بضرر أو نصف ذراع لم يدرك لأنه لا يمكن تسليمه إلا بقطع جميعه.
وكذا لو باع نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه وكذا لو باع ذراعا من خشبة م: (ذكر القطع أو لم يذكره) ش: يعني سواء ذكر موضع القطع من الثوب أو لم يذكره م: (لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر) ش: لا يقال إنه رضي بهذا الضرر حيث التزم ذلك لأن التزامه بدون العقد غير معتبر والعقد لم يوجه عليه م: (بخلاف ما إذا باع عشرة دراهم من نقرة فضة لأنه لا ضرر في تبعيضه)

(8/150)


ولو لم يكن معينا لا يحوز لما ذكرنا، وللجهالة، أيضا ولو قطع البائع الذراع أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري، يعود صحيحا؛ لزوال المفسد، بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البذر في البطيخ حيث لا يكون صحيحا، وإن شقهما وأخرج المبيع؛ لأن في وجودهما احتمالا، أما الجذع فعين موجود.
قال: وضربة القانص، وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبكة مرة لأنه مجهول ولأن فيه غررا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي الجذع أو الذراع م: (ولو لم يكن معينا لا يجوز لما ذكرنا) ش: وهو أنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر.
م: (وللجهالة أيضا) ش: أي ولجهالة المبيع أيضا، ولا خلاف لأحد أن جهالة المبيع يمنع الجواز م: (ولو قطع البائع الذراع أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري) ش: البيع م: (يعود) ش: البيع م: (صحيحا لزوال المفسد) ش: فزال المانع م: (بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البذر) ش: أي أو باع البذر لأن في وجودهما احتمالا، أي في وجوده م: (في البطيخ حيث لا يكون صحيحا، وإن شقهما) ش: أي التمر والبطيخ م: (وأخرج المبيع) ش: وهو النوى أو البذر م: (لأن في وجودهما احتمالا) ش: أي في وجود النوى في التمر والبذر في البطيخ، احتمالا يعني يجوز أن يكون في زمان البيع.
م: (أما الجذع فعين موجود) ش: ومحسوس ولا احتمال فيه، وفيه إشارة إلى تمام الفرق بين البذر والنوى والجذع المعين في السقف، فإن الجذع معين موجود، والبذر والنوى ليس كذلك والبذر بكسر الباء وفتحها بذر البقل وغيره.
فإن قيل: إذا باع جلد الشاة المعينة قبل الذبح لا يجوز، ولو ذبح الشاة وسلخ جلدها وسلمه لا ينقلب المبيع جائزا، وإن كان الجلد عينا موجودة كالجذع في السقف، وكذا بيع كرشها وأكارعها.
أجيب: بأن البيع وإن كان موجودا فيه لكنه متصل بغير انفصال خلقة فكان متابعا فكان العجز عن التسليم هناك معنى أصليا لأنه اعتبر عاجزا حكما لما فيه من إفساد شيء غير مستحق بالعقد، وأما العجز فإنه عين مال نفسه، وإنما ثبت الاتصال بينه وبين غيره بعارض فعل العباد والعجز عن التسليم حكمي لما فيه من إفساد لما هو غير مستحق بالعقد، فإذا أقلع والتزم الضرر زال المانع فيجوز.

[بيع ما يخرج من ضربة القانص]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وضربة القانص) ش: أي لا يجوز بيع ما يخرج من ضربة القانص أي الصياد بالشبكة، ولا خلاف فيه لأحد، وفسر المصنف ضربة القانص بقوله: م: (وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبكة مرة لأنه مجهول ولأن فيه غررا) ش:

(8/151)


قال: وبيع المزابنة وهو بيع التمر على النخيل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المزابنة والمحاقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه يحتمل أن يحصل بشيء من الضربة ويحتمل أن لا يحصل، والقانص اسم فاعل من قنص يقنص قنصا إذا صاد من ضرب يضرب، وروي في " تهذيب الأزهري " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ضربة الغاصي» بالغين المعجمة، والياء آخر الحروف وهو الغواص على اللآلي، وكذلك ذكر الزمخشري في الفائق، وفسر بقوله هي أن يقول للتاجر أغوص غوصة فما أخرجته فهو لك بكذا، وهذا هو الصحيح والمعنى فهما والحد وهو أنه بيع المجهول ولأنه معدوم في الحال.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وبيع المزابنة) ش: وهو عطف على ما ذكر قبل هذا بقوله ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصاد، وكذا قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه تعسف تقدير ولا يجوز بيع المزابنة عطفا على ما قبله ويجوز فيه الرفع والجر أيضا كما تقدم.
قال الأترازي: بيع الثمر بالثاء المثلثة بثمر مجذوذ بالثاء المثلثة من فوق، كذا وقع سماعنا مرارا بفرغانة وبخارى، وذلك لأن ما على النخل قد يكون رطبا وقد يكون تمرا إذا جف، فقلنا بالمثلثة حتى يعينها جميعا، والثالث من حال المجذوذ أن يكون تمرا فقلنا بالمثناة من فوق ولو رويا بالمثلثة فيهما حتى يعينها جميعا أو بالمثناة فيها جميعا، فالحكم كذلك لأن بيع المزابنة لا يجوز كيف ما كان لشبهة الربا سواء كان الرطب بالرطب أو التمر بالتمر أو أحدهما بالآخر.
وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزابنة بقوله: م: (وهو بيع التمر على النخيل بتمر مجذوذ) ش: أي مقطوع م: (مثل كيله خرصا) ش: أي من حيث الخرص وهو نصب على التمييز من مثل كيله، يقال: خرص النخل خروصا فيها من باب نصر ينصر كذا في " المغرب "، وفسر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزابنة بقوله وهو بيع التمر على النخل بخرصه تمرا، والمزابنة لغة المدافعة من الزبن وهو الدفع، وسمي هذا النوع من البيع بها لأنها تؤدي إلى النزاع والتدافع لأنها مبنية على التخمين والغبن فيها مما يكثر، فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن المزابنة والمحاقلة» ش:، روي هذا عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وروى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة والمحاقلة، زاد في مسلم في لفظ: وعن التثنية إلا أن يعلم» وأخرجا أيضا من حديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة والمحاقلة» والمزابنة شراء التمر في رؤوس النخل والمحاقلة اكتراء الأرض.
وأخرج البخاري من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن

(8/152)


فالمزابنة ما ذكرنا، والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا، ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه، فلا يجوز بطريق الخرص، كما إذا كانا موضوعين على الأرض، وكذا العنب بالزبيب على هذا. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز فيما دون خمسة أوسق لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المزابنة ورخص في العرايا، وهو أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المحاقلة والمزابنة» وأخرج أيضا من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المحاقلة والمخابرة والملامسة والمنابذة والمزابنة» .
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن المزابنة والمحاقلة» وأخرجه الترمذي أيضا عن أبي هريرة نحوه. ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وسعد وجابر ورافع بن خديج وأبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قلت: حديث ابن عمر عند الشيخين، والثاني وحديث زيد عند الترمذي، وحديث أبي سعيد عند الدارمي والنسائي، وحديث رافع بن خديج عند الستة م: (فالمزابنة ما ذكرنا، والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال مالك: المحاقلة هي اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو الربع أو غيرهما.
وفي " الفائق ": الجعل القراح من الأرض وهي الطيبة التربة الخالصة من شائب النسج الصالحة للزرع ومنه حقل بحقل إذا زرع، والمحاقلة مفاعلة من ذلك وهي المزارعة بالثلث والربع وغيرهما، وقيل: هي اكتراء الأرض بالبر، وقيل: بيع الطعام في سنبله بالبر. وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه إلى هاهنا لفظ " الفائق "، وجاء في أمثالهم ينبت البقلة إلا الحقلة. م: (ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا يجوز بطريق الخرص) ش: لاحتمال الربا م: (كما إذا كانا موضوعين على الأرض) ش: وباع أحدهما بالآخر خرصا م: (وكذا العنب بالزبيب) ش: أي وكذا لا يجوز بيع العنب بالزبيب م: (على هذا) ش: أي على الحكم المذكور وهو ما إذا كانا موضوعين على الأرض فبيع أحدهما بالآخر خرصا لاحتمال الربا م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز) ش: أي شراء التمر بتمر مجذوذ على الأرض خرصا م: (فيما دون خمسة أوسق) ش: ولا يجوز فيما زاد عليها قولا واحدا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قدر خمسة أوسق، له قولان في قول يجوز وهو منقول المزني عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي قول: لا يجوز وهو مختار المزني وهو مذهب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأول هو الأظهر عند صاحب " الوجيز ".
م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (نهى عن المزابنة ورخص في العرايا وهو أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق) ش: حديث المزابنة قد تقدم وحديث العرايا أخرجه البخاري ومسلم عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،

(8/153)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق، شك داود فقال: دون خمسة أوسق» والعرايا جمع عرية وهي النخلة التي عريها الرجل محتاجا أي أن يجعل له ثمرتها فرخص للمعري أن يبتاع ثمرتها من العري بتمر لموضع حاجته بسبب عرية؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعراها منه، ثم اشتق منه الإعراء كذا قاله في " الفائق "، والكلام في العرايا كثير، وقد وضع الطحاوي لها بابا، فقال: باب العرايا، وقد بسطت الكلام فيه في شرحنا له.
فأول ما قلت: العرية فعلية، بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن يكون فعلية، بمعنى فاعلة من عري يعري إذا خلع ثوبه كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، وذكر الطحاوي بطرق مختلفة كلها تدل على صحة العرايا، حتى قال الطحاوي: قد جاءت هذه الآثار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتواترت في الرخصة في بيع العرايا، فقبلها أهل العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها ولكن تنازعوا في تأويلها، فقال قوم: العرايا أن يكون الرجل له نخلة أو نخلتان في وسط النخيل الكثير لرجل آخر وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة أو النخلتين بأهله فيضر ذلك بصاحب النخيل الكثير، فرخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصاحب النخل الكثير أن يعطي لصاحب النخلة أو النخلتين بخرص ماله من ذلك تمر لينصرف هو وأهله عنه ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير، فيكون هو وأهله فيه.
وقد روي هذا القول عن مالك بن أنس.
قلت: وروي أيضا عن الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال قوم مثل هذا، إلا أنهم خصوا بذلك المساكين يجعل لهم تمر النخل فيصعب عليهم القيام عليها، فأبيح لهم أن يبيعوه بما شاءوا من التمر، وهذا قول سفيان بن حسين وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال قوم: العرية الرجل يعري النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين بأكلها، فيبيعها بمثل خرصها، وهو قول عبد العزيز بن سعيد الأنصاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال قوم: العرية أن يأتي أوان الرطب، وهنالك قوم فقراء لا مال لهم، ويريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من أموالهم، فإنه لهم أن يشتروا الرطب بخرصها فيما دون خمسة أوسق، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي ثور، ولا عرية عندهما في غير النخلة والعنب، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول فيما سمعت أحمد بن عمران يذكر أنه سمع ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(8/154)


قلنا: العرية: العطية لغة، وتأويله أن يبيع المعرى له ما على النخيل من المعري بتمر مجذوذ، وهو بيع مجازا لأنه لم يملكه فيكون برءا مبتدأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: يعني ذلك عندنا أن يعري الرجل الرجل تمر نخلة من نخله فلم يسلم ذلك إليه حتى يبدو له، فرخص له أن يحبس ذلك. ويعطيه مكانه بخرصه تمرا وكان هذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن العرية إنما هي العطية، ألا ترى إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم، إذ يقول:
ليست بسنها ولا رجبية ... لكن عرايا في السنين الجوائح
أي: إنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح، فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا لما كانوا ممدوحين بها إذا كانوا يصلحون كما يعطون، ولكن العرية بخلاف ذلك.
قلت: هذا الشعر لسويد بن الصامت من شعر الأنصار.
يقال: نخلة سنها، وهي التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل وذلك عيب في النخل، والرجبية بضم الراء وفتح الجيم وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف، وهي النخلة التي ترجب أي يبنى حولها جدار لتعتمد عليه، والجوائح جمع جائحة وهي الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة، وجاح الله ماله وأجاحه ماله واجتاحه على واحد، أي أملكه بالجائحة.
قوله: أن تباع بخرصها تمرا منصوب على التمييز من بخرصها فإن قوله: أن تباع مسندا إلى ضمير يرجع إلى التمر الذي على رأس النخل، لأن الكلام فيه وأنت ضميره البارز في تخرصها على أنه جمع الثمرة، وفي مثله يجوز التذكير والتأنيث فكان تقديره، وهو أن يبيع العرايا، أن يباع التمر الذي على رأس النخل لخرصها تمرا مجذوذا بمثله خرصا، قوله: أوسق جمع وسق بفتح الواو وهو ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد م: (قلنا: العرية: العطية لغة) ش: يعني العرية التي فيها الرخصة معناها في اللغة العطية دون البيع.
م: (وتأويله) ش: أي تأويل قوله: ورخص في العرايا م: (أن يبيع المعرى له) ش: أي الغرض م: (ما على النخيل من المعري) ش: بكسر الراء م: (بتمر مجذوذ) ش: أي مقطوع م: (وهو بيع مجازا) ش: نظرا إلى الصورة، حيث أعطي في مقابله شيء تحرزا عن الخلف فألقت أن ذلك كان على خمسة أوسق، فظن الراوي أن اختصار الرخصة على ذلك المقدار م: (لأنه لم يملكه) ش: أي لأن المعري لم يملك التمر الذي على رؤوس النخل لأنه لم يقبضه فكيف يكون بيعا م: (فيكون برءا مبتدأ) ش: أي يكون أعطى العري بكسر الراء التمر المجذوذ برا ابتداء لا بيعا له، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه أعطى شجرة، وقال: كل من ثمارها ثم أعط مثل ما كان على

(8/155)


قال: ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة، وهذه بيوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النخل يستقطع دخوله في البستان، وصار كما إذا اشترى المولى من عبده شيئا فأعطاه الثمن فيكون برا ابتداء بالإشراء.
فإن قلت: صرح.
قلت: في حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه الترمذي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا» فدل سياق الحديث أن المراد من العرايا بيع تمر بتمر أجيب: بأن القران في النظم لا يدل على القران في الحكم، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف.
فإن قلت: جاء في حديث جابر أخرجه الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن سفيان عن ابن جريج عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة، إلا أنه رخص في العرايا» وأخرجه مسلم بأكثر منه، والاستثناء من البيع يدل على أن العرية هي البيع حملا للاستثناء على الحقيقة لأنه الأصل فيه.
أجيب: بأنه على ذلك التقدير ينافي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التمر بالتمر مثلا بمثل» والمشهور قاض عليه.
فإن قلت: في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق» وهذا دليل على أنه بيع لأنه ينفي حكم ما فوق الخمسة، ولو لم يكن المراد البيع لم ينتف حكم الرخصة فيما فوقها.
أجيب: بأنه لا نسلم أنه ينفي ذلك لأن تخصيص الشيء بالشيء، لا يدل على نفي ما عداه، وفائدة التخصيص في الخمسة لما أنهم كانوا يعرون في هذا القدر، ولم يدل على نفي ما وراء ذلك، وقد ذكرنا عن قريب أن الراوي ظن اختصار الرخصة على ذلك.
وقال الأترازي: فإن قلت: إن كان الأمر على ما ذهب إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من تفسير العرايا فما فائدة الرخصة فيها حينئذ.
قلت: فائدته ما روينا من " مختصر الطحاوي " وهو حصول الطيب للمعري، والمعرى وخروج المعرى من حكم الخلاف في الوعد، وخروج العري من حكم من أخذ عوضا من شيء لم يملكه.

[البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة) ش: وفي بعض النسخ، ذكر قوله: والمنابذة بعد قوله والملامسة.
قلت: هذا هو الأصح، لأنه قال بعد ذلك م: (وهذه بيوع) ش: أشار بها إلى البيع بإلقاء

(8/156)


كانت في الجاهلية وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة -أي يتساومان - فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع، أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحجر والملامسة والمنابذة، وكذا في نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كانت في الجاهلية، وهو أن يتراوض الرجلان) ش: وفي " المغرب " المراوضة المداراة والمخاتلة كفعل الرائض مع الريض، ومنها بيع المراوضة بيع المعاوضة عن الأزهري لأنه لا يخلق عن مداراة ومخاتلة وفي الإجارات، البائع والمشتري إذا تراوضا السلعة، أي تدار ما فيها وترك حرف الجر فيه نظر م: (على سلعة) ش: متعلق بقوله: يتراوض.
وفسر قوله: يتراوض الرجلان بقوله م: (أي يتساومان) ش: من التساوم ومن السوم، يقال: سام البائع السلعة، أي عرضها وذكر ثمنها وسامها المشتري، بمعنى استامها، ومنه: لا يسوم الرجل على سوم أخيه، أي لا يشتري، كذا في المغرب م: (فإذا لمسها) ش: أي السلعة م: (المشتري أو نبذها) ش: أي ألقاها م: (إليه) ش: أي إلى المشتري م: (البائع، أو وضع المشتري عليها) ش: أي على السلعة م: (حصاة لزم البيع) ش: وفي " شرح الوجيز ": للملامسة ثلاث تأويلات:
أحدها: أنه يأتي بثوب مطوي، أو في ظلمة فيلمسه المستام، فيقول صاحبه بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم المسك هذا مقام نظرت، ولا خيار لك إذا رأيته، فهو تأويل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره"، وهذا البيع باطل.
والثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعا بأن يقول البائع للمشتري: إذا لمست ثوبي فهو مبيع، وهذا باطل لما فيه من التعليق.
والثالث: أن يبيعه شيئا على أنه متى يلمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وهو فاسد أيضا.
وللمنابذة ثلاث تأويلات أيضا:
أحدها: أن يجعل نفس نبذ الثوب بأن يقول: انبذ ثوبي إليك وتنبذ ثوبك إلي، على أن كل واحد بالآخر.
والثاني: تأويل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " المختصر ": أن يقول: بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته إليك فقد وجب البيع.
والثالث: أن المراد منه نبذ الحصاة، وهو أن يقول: بعتك ثوبا من هذه الأثواب وأرمي به الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع، أو يقول: بعتك هذا هكذا على أنك بالخيار إلى أن ترمي بهذه الحصاة فالبيع باطل في الكل.

(8/157)


فالأول بيع الملامسة، والثاني بيع المنابذة، والثالث إلقاء الحجر، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الملامسة والمنابذة. ولأن فيه تعليقا بالخطر.
قال: ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء، جاز البيع استحسانا، وقد ذكرناه بفروعه.
قال: ولا يجوز بيع المراعي ولا إجازتها، والمراد به الكلأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالأول: بيع الملامسة، والثاني: بيع المنابذة، والثالث: إلقاء الحجر، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الملامسة والمنابذة» ش: وقد مر هذا عن قريب من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره، والمنابذة تتناول الكل.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعبارة الكتاب تشير إلى أن المنهي عنه منع الملامسة والمنابذة وبيع إلقاء الحجر ملحق بهما، لأنه في معناهما.
قلت: قد جاء في حديث أخرجه مسلم والأربعة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر وبيع الحصاة» وما وقف الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذا الحديث، فلذلك اقتصر على الكلام الذي قاله.
م: (ولأن فيه) ش: أي ولأن في كل واحد من هذه البيوع م: (تعليقا) ش: أي تعليق التمليك م: (بالخطر) ش: وفي " المغرب "، الخطر: الإشراف على الهلاك، قالت الشراح: وفيه معنى القمار لأن التمليك لا يحتمل التعليق لإفضائه إلى معنى القمار.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء جاز البيع استحسانا) ش: والقياس أنه لا يجوز، وبه قال: زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال الكاكي: وكذا عبد من عبدين ولا خلاف فيه لأحد حتى إذا قبضهما وماتا، يضمن نصف قيمة كل واحد، لأن أحدهما مضمون بالقيمة لأنه مضمون بحكم البيع الفاسد، والآخر أمانة، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فشاعت خيار الأمانة والضمان م: (وقد ذكرناه بفروعه) ش: أي في باب خيار الشرط.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا يجوز بيع المراعي ولا إجارتها) ش: وفسر المصنف قول محمد هذا بقوله م: (والمراد به الكلأ) ش: أي المراد بالمراعي إطلاقا لاسم المحل على الحال، والكلأ واحد الأكلاء وهو كل ما رعته الدواب من الرطب واليابس، كذا في " المغرب "، وروي أن الكلأ ليس له ساق من الحشيش.
وقيل: ما له ساق وما ليس له ساق فهو كلأ، وإنما فسر المصنف المراعي بالكلأ، لأن لفظ المرعى يقع على موضع الرعي وهو الأرض، وعلى الكلأ وعلى مصدر رعي ولو لم يفسر بذلك لتوهم أن بيع الأرض وإجارتها لا يجوز وهو غير صحيح، لأن بيع الأرض وإجارتها صحيح

(8/158)


أما البيع فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث، وأما الإجارة فلأنها عقدت على استهلاك عين مباح، ولو عقدت على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز فهذا أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سواء كان فيه الكلأ أو لم يكن.
م: (أما البيع) ش: أي أما عدم جواز بيع الكلأ غير المحرز م: (فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث) ش: وهو ما رواه الطبراني في معجمه، بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام".» وفي سنده عبد الله بن خراش وهو ضعيف ضعفه أبو زرعة، وعن البخاري: أنه منكر الحديث.
ورواه أبو داود في سننه عن رجل من الصحابة نحو رواية الطبراني م: (وأما الإجازة) ش: أي عدم جواز الإجارة م: (فلأنها) ش: أي الإجارة م: (عقدت على استهلاك عين مباح) ش: فلا يجوز م: (ولو عقدت) ش: أي الإجارة م: (على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز فهذا أولى) ش: يعني عدم جواز الإجارة على عين مباح بالطريق الأولى في عدم الجواز، لأن محل الإجارة المنافع لا الأعيان باتفاق الفقهاء، إلا إذا كانت آلة الإقامة لعمل المستحق بالإجارة كالصبغ واللبن في استئجار الصباغ والطير، لأن اللبن آلة للحضانة والطورة والصبغ آلة للصباغ، ولم يذكر أن إجارة الكلأ وقعت فاسدة أو باطلة.
وذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك الآجر الأجرة بالقبض وينفذ تمتعه فيها، وقالوا: معنى شركتهم فيها أن لهم الانتفاع بضوء النار والاصطلاء بها وتجفيف الثياب، أما إذا أراد أن يأخذ الجمر لا يكون له ذلك إلا بإذن صاحبه، كذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا الانتفاع من الماء بالشرب، وسقي الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة في الأراضي المملوكة، وكذلك الانتفاع بالاحتشاش من الأراضي المملوكة، ولكن له أن يمنع من الدخول في

(8/159)


قال: ولا يجوز بيع النحل، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: يجوز إذا كان محرزا، وهو قول الشافعي لأنه حيوان منتفع به حقيقة وشرعا فيجوز بيعه، وإن كان لا يؤكل، كالبغل والحمار. ولهما أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أرضه فإن منع كان لغيره أن يقول: إن لي في أرضك حقا، فإما أن توصلني إلى حقي أو تحشه فتدفعه إلي أو تدعني آخذه، كثوب رجل وقع في دار إنسان، هذا إذا ثابت ظاهر.
وأما إذا أنبته صاحب الأرض بالسقي ففيه اختلاف الرواية، ذكر في " المحيط "، و" الذخيرة " و" النوازل ": أن صاحبه يملكه وليس لأحد أن يأخذه بغير إذنه، فجاز بيعه، وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بيعه لأن الشركة في الكلأ ثابتة بالنص، وإنما تنقطع بالحيازة وسوق الماء إلى أرضه، ليس بخياره للكلأ، فبقي على الشركة فلا يجوز بيعه.
وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل باع حشيشا في أرضه، إن كان صاحب الحشيش هو الذي أنبته بأن سقاها الماء لأجل الحشيش، فثبت بتكلفه جاز بيعه لأنه ملكه، وليس لأحد أن يأخذه بغير إذنه كما لو أخذ السمك وألقاه في الماء، فباع جاز، وإن كان الحشيش ينبت بنفسه، فلا يجوز بيعه لأنه ليس بمملوك له لأنه مباح، ألا ترى أن لكل أحد من الناس أن يأخذه، وذكره قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو باع الكلأ أو الماء بعد الإحراز جاز، لأنه صار أخص به من غيره.
وفي " الإيضاح " لا يجوز بيع الكلأ في أرضه ولا ماء نهره أو بئره، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهكذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه على أصل الإباحة فيما لم يحرزه لم يجز بيعه كبيع الصيد في أرضه ما لم يأخذه، وكذا لا يجوز بيع الكمأة في أرضه ما لم يقلعها، وكذلك بيع السمكة في نهره أو حميه م: (قال: ولا يجوز بيع النحل وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: يجوز إذا كان محرزا) ش: أي مجموعا م: (وهو قول الشافعي) ش: وفي كتب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع النحل في الكوارة وجهان، أحدهما لا يجوز وهو اختيار أبي حامد هذا إذا لم يشاهده ولو اجتمع في الكوارة وشاهده جاز بيعه. وكذا لو شاهده خارج الكوارة، ففي جواز بيعه له وجهان ومحل الخلاف نحل العسل، أما نحل غير العسل لا يجوز بالإجماع لأنه من الهوام كالزنابير م: (لأنه) ش: أي لأن النحل م: (حيوان منتفع به حقيقة) ش: باستيفاء ما يحدث منه م: (وشرعا) ش: لعدم ما يمنع عنه شرعا وكل ما هو كذلك م: (فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل) ش: كلمة إن واصلة بما قبله م: (كالبغل والحمار) ش: فإن بيعهما يجوز بلا خلاف.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش:

(8/160)


من الهوام فلا يجوز بيعه كالزنابير، والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه فلا يكون منتفعا به قبل الخروج، حتى لو باع كوارة فيها عسل بما فيها من النحل يجوز تبعا له، كذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ولا يجوز بيع دود القز، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه من الهوام، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا له، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز كيفما كان لكونه منتفعا به. ولا يجوز بيع بيضه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يجوز لمكان الضرورة، وقيل: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كما في دود القز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي أن النحل م: (من الهوام) ش: جمع هامة وهي دود الأرض م: (فلا يجوز بيعه كالزنابير) ش: والحيات والعقارب والوزغ م: (والانتفاع) ش: جواب عن قوله حيوان منتفع به يعني لا نسلم أنه ينتفع به والانتفاع إنما يحصل م: (بما يخرج منه) ش: وهو العسل م: (لا بعينه) ش: أي لا ينتفع بعين النحل، قيل: هذا احتراز عن المهر والجحش فإنهما وإن كان لا ينتفع بهما في الحال، لكن ينتفع بهما في المآل بأعيانهما، وقال الأكمل: وفيه بعد لخروجهما بقوله، قلت: قابل هذا القول هو الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - شيخه.
م: (فلا يكون منتفعا به قبل الخروج حتى لو باع كوارة) ش: بضم الكاف وتشديد الواو وهي معسل النحل إذا استويت من الطين، وفي " التهذيب" كوارة النحل محققة، وفي " المغرب " الكوارة والكوارة بالكسر من غير تشديد وقيده الزمخشري بفتح الكاف، وفي الغريبين بالضم م: (فيها) ش: أي في الكوارة م: (عسل بما فيها من النحل يجوز تبعا له) ش: كما في بيع الأرض مع الشرب، وبيع الشرب وبيع العذرة المختلطة بالتراب م: (كذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في مختصره.

[بيع دود القز]
م: (ولا يجوز بيع دود القز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه من الهوام، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا له) ش: أي للقز لأنه صار منتفعا به في المستقبل م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز كيفما كان) ش: أي سواء كان معه القز أو لا م: (لكونه منتفعا به) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو اختيار الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الفتوى للتعامل كذا في " الذخيرة " و" جامع المحبوبي ".
م: (ولا يجوز بيع بيضه) ش: أي بيض دود القز، وهو البذر الذي منه يكون الدود م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأنه مما لا ينتفع به بعينه بل بما يحدث منه وهو معدوم في الحال (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يجوز لمكان الضرورة) .
ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الفتوى م: (وقيل: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في دود القز) ش: في عدم الجواز،

(8/161)


والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمها، جاز البيع لأنه مال مقدور التسليم.
ولا يجوز بيع الآبق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجاز محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع النحل إذا كان مجموعا وكذلك دود القز، يجوز بيعه والسلم فيه إذا كان في وقته القز، وجعل أجله في وقته، وكان محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن من قتله، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا وأجمعوا على أن بيع هوام الأرض لا يجوز، ومنها الحيات، والعقارب، والوزغ والقطاية والقنافذ والجعل والضب وهوام الأرض كلها.
وقالوا: لا يجوز بيع شيء في البحر من الضفادع والسرطان والسلاحف وغير ذلك إلا السمك، وفي " الأجناس ": قال محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الدود من واحد وورق التوت منه والعمل من آخر على أن يكون القز بينهما نصفان أو أقل أو أكثر لا يجوز وكذلك لو كان العمل منهما لا يجوز، إنما يجوز إذا كان البيض منهما والعمل منهما وهو بينهما نصفان، أما إذا كان البذر بينهما على الثلث والثلثين لا يجوز.
وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فتاواه: امرأة أعطت بذر القز وهو بذر الغليق بالنصف امرأة فقامت عليه حتى أدرك، فالغليق لصاحبة البذر لأنه حدث من بذرها ولها على صاحبة البذر قيمة الأوراق وأجرة مثلها، وعلى هذا إذا دفع البقرة إلى إنسان بالعلف ليكون الحادث بينهما بالنصف فالحادث كله لصاحب البقرة وله على صاحب البقرة ثمن العلف وأجرة المثل، وكذلك إذا دفع الدجاجة ليكون البيض بالنصف.

م: (والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمها، جاز البيع لأنه مال مقدور التسليم) ش: وفي " فتاوى قاضي خان ": لو باع طيرا يطير في الهواء، إن كان داجنا يعود إلى بيته ويقدر على أخذه من غير تكلف جاز بيعه وإلا فلا، وكذا بيع الحمام في البرج.
وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولو باع الحمام الطائر، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه وجهان فعند بعض أصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الأصح الجواز لاعتبار العود، وعند أكثرهم الأصح عدم الجواز، وكان حق وضع هذه المسألة ذكرها عند قوله: ولا بيع الطير في الهواء فكأنه اتبع في ذلك الصدر الشهيد فإنه ذكر الحمام بعد ذكر النحل ودود القز في " شرح الجامع الصغير ".

م: (ولا يجوز بيع الآبق) ش: وهذا بإجماع الفقهاء الأربعة، عن ابن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيعه، وعن محمد بن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيعه لو عرف موضعه، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيعه قبل هذا إذا علم المشتري ولو اختلفا في العلم،

(8/162)


لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، ولأنه لا يقدر على تسليمه، قال: إلا أن يبيعه من رجل زعم أنه عنده؛ لأن المنهي بيع آبق مطلق، وهو أن يكون آبقا في حق المتعاقدين، وهذا غير آبق في حق المشتري، ولأنه إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم وهو المانع، ثم لا يصير قابضا بمجرد العقد إذا كان في يده، وكان أشهد عند أخذه لأنه أمانة عنده، وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع، ولو كان لم يشهد عند الأخذ يجب أن يصير قابضا لأنه قبض غصب، ولو قال: هو عند فلان فبعه مني، فباعه لا يجوز؛ لأنه آبق في حق المتعاقدين، ولأنه لا يقدر على تسليمه، ولو باع الآبق ثم عاد من الإباق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالقول للبائع وأما العبد المرسل في حاجة فيجوز بيعه.
كذا في " المحيط " م: (لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه) ش: أي في بيع الآبق وهو ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة القاصي» وضعفوه.
ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا إلا أنه قال: وعن بيع العبد وهو آبق عوض قوله: وشراء م: (ولأنه لا يقدر على تسليمه) ش: أي تسليم الآبق م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أن يبيعه) ش: أي الآبق م: (من رجل زعم أنه عنده لأن المنهي) ش: في الحديث م: (بيع آبق مطلق، وهو أن يكون آبقا في حق المتعاقدين، وهذا غير آبق في حق المشتري) ش: لأنه عنده في زعمه، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الآبق م: (إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم وهو المانع) ش: أي المعجز عن التسليم هو المانع من البيع م: (ثم لا يصير) ش: أي المشتري م: (قابضا بمجرد العقد إذا كان في يده وكان أشهد عند أخذه) ش: أي أشهد عند الأخذ أنه أخذه للرد، ولا يرده على المولى م: (لأنه) ش: يصير م: (أمانة عنده) ش: ولهذا لو هلك قبل الوصول إلى يد المولى فهلك الأمانة م: (وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع) ش: لأن الأدنى لا ينوب عن الأعلى م: (ولو كان لم يشهد عند الأخذ) ش: صوابه عند القبض م: (يجب أن يصير قابضا لأنه قبض غصب) ش: وقبض الغصب قبض ضمان، فينوب عن قبض البيع وهو قبض ضمان.
م: (ولو قال: هو) ش: أي الآبق م: (عند فلان فبعه مني فباعه لا يجوز لأنه آبق في حق المتعاقدين ولأنه لا يقدر على تسليمه) ش: لأنه آبق مطلق م: (ولو باع الآبق) ش: من رجل م: (ثم عاد من الإباق) ش: وسلمه للمشتري لا يتم ذلك العقد لأنه وقع باطلا لانعدام المحلية كبيع الطير في الهواء وهو

(8/163)


وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتم العقد إذا لم يفسخ؛ لأن العقد انعقد بقيام المالية، والمانع قد ارتفع، وهو العجز عن التسليم، كما إذا أبق بعد البيع، وهكذا يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: ولا يجوز بيع لبن امرأة في قدح، وقال الشافعي: يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر. ولنا أنه جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع،
ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيع لبن الأمة لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها، فكذا على جزئها. قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه؛ لأنه يختص بمحل يتحقق فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ظاهر رواية وبه أخذ مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتم العقد إذا لم يفسخ) ش: يعني إذا عاد العبد من إباقه يتم العقد، ولكن يشترط أن لا يفسخ القاضي العقد قبل عوده، وإن فسخه قبل ذلك فلا بد حينئذ من البيع الجديد م: (لأن العقد انعقد بقيام المالية) ش: لأن الآبق مال مملوك م: (والمانع) ش: من الجواز م: (قد ارتفع وهو) ش: أي المانع م: (العجز عن التسليم) ش: فصار م: (كما إذا أبق بعد البيع) ش: وبه أخذ الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجماعة من المشايخ، كذا ذكره الأسبيجابي.
م: (وهكذا يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني مثل ما روي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير: م: (ولا يجوز بيع لبن امرأة) ش: أي ولا يجوز بيع لبن امرأة، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو القاسم بن يسار من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه نجس عنده م: (في قدح) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر القدح اتفاقي وإن حرمة بيعه غير موقوفة على كونه في قدح، ولكنه أخرج الكلام مخرج العادة ثم قال: والأصح أن هذا قيد مفيد لأنه لو لم يذكره لتوهم جواز بيعه في القدح، وإنما لا يجوز لكونه في الضرع كما هو الحكم في لبن سائر الحيوانات، فإنه لا يجوز في الضرع ويجوز في القدح وفي غيره من الآنية.
وإليه أشار الإمام أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " كشف الغوامض ".
م: (وقال الشافعي: يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر) ش: احترز بالطاهر عن الخمر فإنها نجسة فلا يحل بيعها م: (ولنا أنه جزء الآدمي وهو) ش: أي الآدمي م: (بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع) ش: أي محفوظ عن الإهانة بسبب البيع.

[بيع لبن الأمة]
م: (ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحر والأمة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيع لبن الأمة لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها فكذا على جزئها) ش: اعتبارا للجزء بالكل م: (قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه) ش: لأن الرق ضعف حكمي م: (لأنه يختص بمحل يتحقق فيه

(8/164)


القوة التي هي ضده وهو الحي ولا حياة في اللبن.

قال: ولا يجوز بيع شعر الخنزير لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه، ويوجد مباح الأصل فلا ضرورة إلى البيع. ولو وقع في الماء القليل أفسده، عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإطلاق للضرورة فلا تظهر إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القوى التي هي ضده) ش: أي ضد الرق يعني العتق م: (وهو) ش: أي المحل م: (الحي) ش: ومعناه أنهما صفتان تتعاقبان على موضوع واحد وهما ضدان.
م: (ولا حياة في اللبن) ش: فلا يرد عليه الرق ولا العتق لانتفاء الموضوع، والجواب: عن قوله: مشروب طاهر أن المراد به كونه مشروبا مطلقا أو في حال الضرورة.
والأول: ممنوع فلأنه إذا استغنى عنه حرم شربه، والثاني مسلم لأنه غذاء عند الضرورة وليست بمال فلا يجوز بيعه.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ولا يجوز بيع شعر الخنزير) ش: باتفاق الأئمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الخنزير م: (نجس العين فلا يجوز بيعه) ش: أي بيع شعره م: (إهانة له) ش: كالخمر لأن النجاسة في الشعر كهواء المحل وجواز البيع يشعر بإعزازه.
م: (ويجوز الانتفاع به) ش: أي بشعر الخنزير م: (للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه) ش: أي لأن عمل الخرز لا يتأتى بدونه والضرورة آكد في إثبات التخفيف وسقوط الخطر والانتفاع بلحمه جائز عند الضرورة بالنص، فالانتفاع بشعره كان أولى عند الضرورة لأن الشعر أخف منه بدليل أن شعر الميتة طاهر ولحمها لا.
م: (ويوجد مباح الأصل) ش: جواب عما يقال: إذا كان كذلك ينبغي أن يجوز بيعه وتقرير الجواب أن شعر الخنزير يوجد مباح الأصل م: (فلا ضرورة إلى البيع) ش: وعلى هذا قيل: إذا كان لا يوجد إلا بالبيع جاز بيعه، لكن الثمن لا يطيب للبائع، وقال أبو الليث: إن كانت الأساكفة لا يجدون شعر الخنزير إلا بالشراء فينبغي أن يجوز لهم الشراء.
م: (ولو وقع) ش: أي شعر الخنزير م: (في الماء القليل أفسده، عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته) ش: ووقوع الطاهر في الماء لا ينجسه م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإطلاق) ش: أي إطلاق الجواز م: (للضرورة فلا تظهر) ش: أي الضرورة م: (إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها) ش: أي تغاير حالة الاستعمال

(8/165)


ولا يجوز بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به لأن الآدمي مكرم غير مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلا، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» .... " الحديث. وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا بأس للساكنة أن يصلوا مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدرهم.

م: (ولا يجوز بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به) ش: ولا خلاف فيه للفقهاء إلا رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز الانتفاع بشعر الآدمي، استدلالا بما روي، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه» .
وكانوا يتبركون به ولو كان نجسا لما فعل، إذ النجس لا يتبرك به، وجهه الظاهر هو قوله م: (لأن الآدمي مكرم غير مبتذل) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بكسر الذال يعني بالمعجمة ومعناه غير تارك بتهاون نفسه م: (فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلا) ش: بفتح الذال كيلا يلزم الإهانة.
م: (وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» . الحديث) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كتبهم كلهم من حديث عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة» انتهى.
وقال أبو داود: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها، والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها، والاستدلال بهذا الحديث على منع بيع شعر الإنسان والانتفاع به لكرامته غير واضح، كذا قيل.
قلت: واضح به لأن المدعي عدم جواز البيع وعدم جواز الانتفاع به واستحقاق اللعن في الوصل يدل على عدم جواز الانتفاع به وعدم جواز الانتفاع يدل على عدم جواز البيع م: (وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء ذوائبهن) ش: وهو اتخاذ القوابيل وهو رخصة، وهو يتخذ من وبر الجمل ليزيد في أصول شعورهن بالتكثير وفي ذوائبهن بالتطويل. وقال الجوهري: القوابل ما تشهرها المرأة من شعرها.

(8/166)


قال: ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ؛ لأنه غير منتفع به، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» . وهو اسم لغير المدبوغ، على ما مر في كتاب الصلاة. ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ لأنها طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة.

ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بهذا كله؛ لأنها طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة وقد قررناه من قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ) ش: أي ولا يجوز بيعها قبل الدباغة قيد بقوله: قبل أن تدبغ لأن بعد الدبغ يجوز بلا خلاف بين الفقهاء.
فإن قيل: نجاستها مجاورة باتصال الدسومات، ومثل ذلك يجوز بيعه كالثوب النجس، أجيب: بأنها خلقية فما لم تزايل كالدباغ فهو كعين الجلد بخلاف نجاسة الثوب فإنها بالمجاورة فلا يتغير حكم أصول الثوب م: (لأنه غير منتفع به) ش: أي بجلود الميتة قبل الدباغة:
م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» ش: هذا الحديث رواه الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من حديث عبد الله بن عكيم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» .
وقد تقدم في كتاب الطهارة في باب الماء الذي يجوز الوضوء به وبسطنا الكلام فيه هناك م: (وهو) ش: أي الإهاب م: (اسم لغير المدبوغ، على ما مر في كتاب الصلاة ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ لأنها طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة) ش: ولم يمر إلا في كتاب الطهارات.

م: (ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بهذا كله) ش: وفي بعض النسخ بذلك كله أشار به إلى المذكورات قبله م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء م: (طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة) ش: لأن الموت لا يحل إلا في محل الحياة م: (وقد قررناه من قبل) ش: وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الصلاة: وليس كذلك بل في كتاب الطهارة بقوله: وشعر الميتة وعظمها طاهر وقد تكلمنا هناك بما فيه من الخلاف مبسوطا.

(8/167)


والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما، بمنزلة السباع حتى يباع عظمه وينتفع به.
قال: وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر، فسقطا أو سقط العلو وحده، فباع صاحب العلو علوه، لم يجز لأن حق التعلي ليس بمال لأن المال ما يمكن إحرازه، والمال هو المحل للبيع بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات، ومنفردا في رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فلا يجوز بيعه مطلقا ولا يجوز الانتفاع به لأنه نوع من الخنزير م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (بمنزلة السباع) ش: يعني ليس بنجس العين كالخنزير م: (حتى يباع عظمه وينتفع به) ش: أي بالفيل في الركوب والحمل وغير ذلك.
ويجوز أن يرجع الضمير إلى المعظم لما ذكره البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صحيحه عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون بها لا يرون بأسا، وقال ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإبراهيم: لا بأس بتجارة العاج.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وأما الفيل فأجمعوا على جواز بيعه ولم يذكر الخلاف، وكذلك ذكر في البيوع في " كتاب العيون "، ولكن ذكر في باب الطهارات من العيون عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: الفيل لا يقع عليه الزكاة، وإذا دبغ جلده لم يطهر. وروي عن محمد في كتاب الحج عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا بأس ببيع عظام الفيل وغيرها من الميتة وكذلك جلدها إذا دبغ، وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحو هذا ذكر في " العيون " أيضا رواية إبراهيم بن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في امرأة صلت وفي عنقها قلادة فيها من كلب أو أسد أو شعطب فصلاتها تامة لأنه يقع عليها الزكاة.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا، أو سقط العلو وحده فباع صاحب العلو علوه، لم يجز؛ لأن حق التعلي ليس بمال) ش: لأنه يتعلق بالهواء والهواء ليس بمال م: (لأن المال ما يمكن إحرازه، والمال هو المحل للبيع) ش: والهواء ليس بمحل وإنما يجوز قبل الانهدام باعتبار البناء القائم ولم يبق م: (بخلاف الشرب) ش: هذا جواب عما يقال: الشرب حق الأرض، ولهذا قال في كتاب الشرب: إذا اشترى أرضا لم يكن له شرب ينبغي أن لا يجوز.
فأجاب بقوله: بخلاف الشرب م: (حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات، ومنفردا) ش: أي ويجوز بيعه أيضا حال كونه مفردا م: (في رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه)

(8/168)


حظ من الماء ولهذا يضمن بالإتلاف وله قسط من الثمن على ما نذكره في كتاب الشرب.
قال: وبيع الطريق وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل، والمسألة تحتمل وجهين: بيع رقبة الطريق والمسيل، وبيع حق المرور والتسئيل، فإن كان الأول فوجه الفرق بين المسألتين أن الطريق معلوم لأن له طولا وعرضا معلوما، وأما المسيل فمجهول لأنه لا يدرى قدر ما يشغله من الماء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي لأن الشرب م: (حظ من الماء) ش: والماء عين فكان بيع الشرب بيع العين أو بيع شيء يتعلق بالعين، فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز إذا كان الماء معدوما في الأرض. أجيب: بأنما جوز للضرورة أو بعرضية وجوده كما في السلم والاستصناع.
م: (ولهذا) ش: ولكون الشرب حظا من الماء م: (يضمن بالإتلاف) ش: بأن سقى رجل أرضه بشرب غيره يضمن، وهو رواية البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى رواية شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضمن وقيل: يضمن إذا جمع الماء ثم أتلفه ولا يضمن قبل الجمع.
وقيل: في المسألة روايتان ونقل عن الإمام جمال الدين ابن المصنف - رحمهما الله - قال: والإتلاف أن يكون بأن يشهد به الآخر ثم رجع بعد القضاء ولا وجه للقول بالضمان بالإتلاف سوى هذه الصورة لأنه لو ضمن بغيرها إما أن يضمن بالسقي أو يمنع حق الشرب ولا وجه إلى الأول لأن الماء مشترك بين الناس بالحديث، ولا وجه إلى الثاني لأنه منع حق الغير ليس بسبب الضمان بل السبب منع الغير ولم يوجد م: (وله) ش: أي للشرب م: (قسط من الثمن) ش: يعني إذا بيعت أرض وفيها نهر يقع الثمن عليهما م: (على ما نذكره في كتاب الشرب) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي في " المبسوط ".
قلت: هذا على النسخة التي فيها على ما ذكره، وفي بعض النسخ على ما نذكره بصيغة الجمع، فإن صحت هذه النسخة يكون المراد من قوله في كتاب الشرب مسائل الشرب التي ذكرها في كبرى الأنهار في كتاب إحياء الموات.

[بيع الطريق وهبته]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وبيع الطريق وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمسألة تحتمل وجهين: بيع رقبة الطريق والمسيل، وبيع حق المرور والتسئيل، فإن كان الأول) ش: وهو بيع رقبة الطريق والمسيل م: (فوجه الفرق بين المسألتين) ش: وهما بيع رقبة الطريق وبيع مسيل الماء م: (أن الطريق معلوم لأن له) ش: أي للطريق م: (طولا وعرضا معلوما) ش: فإن عرضه مقدار باب الدار وطوله إلى السكة النافذة غالبا فيجوز البيع م: (وأما المسيل) ش: أي مسيل الماء م: (فمجهول لأنه لا يدرى قدر ما يشغله من الماء) ش: أي قدر ما يشغل المسيل لأنه يختلف بقلة الماء وكثرته، حتى لو باع رقبة الأرض بمسيل الماء وبين موضعه وحدوده جاز.

(8/169)


وإن كان الثاني ففي بيع حق المرور روايتان، ووجه الفرق على إحداهما بينه وبين حق التسئيل أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق. أما المسيل على السطح فهو نظير حق التعلي، وعلى الأرض مجهول لجهالة محله، ووجه الفرق بين حق المرور وحق التعلي -على إحدى الروايتين -، أن حق التعلي يتعلق بعين لا تبقى وهو البناء فأشبه المنافع، أما حق المرور يتعلق بعين تبقى وهو الأرض فأشبه الأعيان.

قال: ومن باع جارية فإذا هو غلام فلا بيع بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كان الثاني) ش: وهو حق المرور وحق مسيل الماء م: (ففي بيع حق المرور روايتان) ش: إحداهما رواية الزيادات لا يجوز وبه أخذ الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجهالته، والأخرى رواية كتاب القسمة يجوز وبه أخذ عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ووجه الفرق على إحداهما) ش: أي على إحدى الروايتين م: (بينه) ش: أي بين حق المرور حيث جاز بيعه على هذه الرواية م: (وبين حق التسئيل) ش: حيث لم يجز بيعه أصلا م: (أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق) ش: لأنه معلوم القدر م: (أما المسيل على السطح) .
ش: أي أما حق المسيل على السطح م: (فهو نظير حق التعلي) ش: وبيع حق التعلي لا يجوز باتفاق الروايات م: (وعلى الأرض) ش: أي وحق المسيل إن كان على الأرض م: (مجهول لجهالة محله) ش: أي لجهالة قدر ما يشغله الماء م: (ووجه الفرق بين حق المرور) ش: حيث جاز بيعه على هذه الرواية م: (وحق التعلي) ش: أي وبين حق التعلي حيث لم يجز أصلا م: (على إحدى الروايتين) ش: متعلق بحق المرور لأن حق التعلي لا يجوز بيعه في جميع الروايات م: (أن حق التعلي يتعلق بعين لا تبقى وهو البناء) ش: فأخذ حكم ما لا يبقى م: (فأشبه المنافع) ش: لأنها لا بقاء لها م: (أما حق المرور يتعلق بعين تبقى وهي الأرض فأشبه الأعيان) ش: لأن لها بقاء.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع جارية فإذا هو غلام) ش: ذكر الضمير باعتبار تذكير الخبر وعكسه، فإن اشترى عبدا فإذا هو جارية م: (فلا بيع بينهما) ش: أي لا يجوز البيع وإنما ذكر هذه العبارة لأنه لم يغير لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع "، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز فصار كأنه اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو لم يكن فصح البيع وثبت له الخيار.
وهو قياس مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفوات الوصف المرغوب فيه، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أثبت له الخيار في مثل هذا ثم اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا بيع بينهما، أنه إما باطل أو فاسد، وقال صاحب " الإيضاح ": باطل يتعلق العقد بالمسمى وهو معدوم وبيع المعدوم باطل، وقال بعضهم: إنه فاسد، وهو اختيار الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونقل الأترازي هذا - بعد أن قال بعضهم في شرحه - ثم قال: هذا اختلاف عجيب، ونقل هذا عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عجيب.

(8/170)


بخلاف ما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير، والفرق يبتنى على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى ويبطل لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه وينعقد لوجوده، ويتخير لفوات الوصف، كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب، وفي مسألتنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أما الأول: فلأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا بيع بينهما فهو تنصيص على البطلان، لأن مثل هذا النفي يدل على الباطل لا الفاسد.
أما الثاني: فإن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - صرح في مختصره، بأن اختلاف الصفة إذا أوجب اختلافا فاحشا كان ذلك بمنزلة الاختلاف في الجنس، ثم في اختلاف الجنس كما إذا باع فضة على أنه ياقوت فكان زجاجا، أو باع هذا الثوب على أنه خزفا فإذا هو مرغزي، قال: فالبيع باطل.
قلت: الذي قال هذا هو قول السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا نقله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه.
قلت: قوله وتنصيص على البطلان غير مسلم لأن البيع الذي وقع بعد كلمة النفي أعم من الباطل والفاسد، ودعوى التعيين تحكم، وأما الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يحتمل أن يكون عنه فيه روايتان م: (بخلاف ما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير) ش: أي المشتري م: (والفرق) ش: يعني بين المسألتين م: (يبتنى على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وذلك الأصل متفق عليه.
ولكن ذكر في كتاب النكاح في وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسألة التزوج على دن من الخل، إلا أن ذلك الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهذا لم يقع الاختلاف بينهم في هذه المسألة.
م: (وهو) ش: أي الأصل م: (أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى) ش: لأن التسمية أبلغ في التعريف من الإشارة لأن الإشارة لتعريف الذات، فإنه إذا قال هذا صار الذات معينا، والتسمية إعلام الماهية وإنه أمر زائد على أصل الذات فكانت أبلغ في التعريف؛ فلذلك تعلق الحكم بالمسمى لا بالمشار إليه.
م: (ويبطل لانعدامه) ش: أي ويبطل العقد لانعدام المسمى م: (وفي متحدي الجنس يتعلق) ش: أي العقد م: (بالمشار إليه وينعقد لوجوده ويتخير) ش: أي المشتري م: (لفوات الوصف) ش: المرغوب فيه م: (كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب) ش: حيث ينعقد العقد ويتخير المشتري م: (وفي مسألتنا) ش: أراد بها المسألة المصدرة وهي قوله ومن باع جارية فإذا هو غلام فلا بيع بينهما.

(8/171)


الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض. وفي الحيوانات جنس واحد لقلة التفاوت فيها، وهو المعتبر في هذا دون الأصل كالخل والدبس جنسان، والوذاري والزندنيجي - على ما قالوا - جنسان مع اتحاد أصلهما.
قال: ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز؛ لأن الملك قد تم فيها بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار كما لو باع بمثل الثمن الأول أو بالزيادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض) ش: لأن المطلوب من العبد الاستخدام خارج الدار ومن الأمة الاستخدام داخل الدار كالطبخ والكنس والاستفراش والاستيلاد، والغلام لا يصلح للاستفراش والاستيلاد فكان التفاوت بينهما فاحشا.
م: (وفي الحيوانات جنس واحد لقلة التفاوت فيها) ش: أي في الأغراض م: (وهو المعتبر) ش: أي التفاوت هو المعتبر م: (في هذا) ش: أي في كونهما جنسين متحدين أو مختلفين م: (دون الأصل) ش: أي أصل المادة والماهية م: (كالخل والدبس جنسان) ش: مع اتحاد أصليهما وهو العنب م: (والوذاري) ش: بكسر الواو وفتحها وبالذال المعجمة، وهو ثوب منسوب إلى وذار وهي قرية بسمرقند م: (والزندنيجي) ش: بفتح الزاي وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وبالياء آخر الحروف الساكنة وبالجيم ثوب منسوب إلى زندنة على خلاف القياس. وهي من أشهر قصبات بخارى م: (على ما قالوا جنسان) ش: أي على ما قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في شروح الجامع الصغير أنهما جنسان م: (مع اتحاد أصلهما) ش: يعني مع أن أصلهما متحد.
وقالت الحكماء: الذكر والأنثى من بني آدم جنس واحد لاتحادهما في الحقيقة والجنس مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة، وأهل الحق جعلوهما جنسين لتفاوت المقاصد، والحق معهم لأن اختلاف الحقائق يعرف باختلاف الخواص لا بأصل المادة لكونه لو اعتبر أصل المادة ينبغي أن لا يكون الفرس والإنسان جنسين لاتحاد مادتهما وهو النطفة.

م: (قال ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة، فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن لا يجوز البيع الثاني) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: واعلم أن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز عندنا.
م: (وقال الشافعي: يجوز) ش: وبعد نقد الثمن يجوز عندنا أيضا وبالمثل أو الأكثر يجوز بالإجماع سواء كان قبل نقد الثمن أو بعده، وكذا يجوز قبل نقد الثمن إذا اشترى بعرض قيمته أقل منه م: (لأن الملك) ش: أي ملك المشتري م: (قد تم فيها) ش: أي في الجارية م: (بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما لو باع بمثل الثمن الأول أو بالزيادة)

(8/172)


أو بالعرض، ولنا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله أبطل حجه وجهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: من الثمن الأول م: (أو بالعرض) ش: يعني باعها منه بالعرض قبل نقد الثمن وقيمة العرض أقل من قيمة الألف يجوز بالإجماع وقيد بالعرض لأنه لو باعها منه بالدنانير وقيمة الدنانير أقل من الألف لا يجوز عندنا استحسانا ويجوز قياسا، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي بعض الحواشي مال كثير من مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كالكرخي والزعفراني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - والصفار إلى قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة، والقياس ما قاله، ولكن ما وجدته في كتب عندي.
م: (ولنا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب) .
ش: هذا أخرجه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه، أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في نسوة فسألت امرأة فقالت: يا أم المؤمنين كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدت له الستمائة وكتبت عليه بثمانمائة.
فقالت عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل فقالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) .
وأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننهما عن يونس بن أبي إسحاق الهمذاني - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أمه العالية، قالت: كنت قاعدة عند عائشة - رضي الله

(8/173)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنها - فأتتها أم محبة فقالت: إني بعت زيد بن أرقم جارية إلى عطاء فذكر بنحوه، وقال الدارقطني: أم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما.
قلت: بل أم العالية امرأة معروفة جليلة القدر ذكرها ابن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الطبقات، فقال: أم العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت من عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأم محبة بضم الميم وكسر الحاء كذا ضبطه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " المؤتلف والمختلف ".
ورواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي إسحاق - رحمهما الله - سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت: إن زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة واشتراها مني بستمائة فقالت: أبلغي عني زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده إن لم يتب.
وجه الاستدلال: أنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب وأجزية الجرائم لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك فكان فاسدا، وأن زيدا اعتذر إليها وهو دليل على كونه مسموعا لأنه في المجتهد إن كان بعضهم يخالف بعضا وما كان أحدهما يعتذر إلى صاحبه.
فإن قلت: يجوز أن يكون إلحاق الوعيد لكون البيع إلى العطاء وهو أجل مجهول.
قلت: ثبت من مذهب عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جواز البيع إلى العطاء وهو مذهب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وآخرين فلم يكن كذلك.
فإن قلت: لم كرهت العقد الأول مع أن الفساد من الثاني؟
قلت: لأنه تطرق به إلى الثاني كالسفر يكون محظورا إذا كان لقطع الطريق وإن كان السفر مباحا في نفسه.
فإن قلت: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل القبض.
قلت: تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض.
فإن قلت: الوعيد قد لا يستلزم الفساد كما في تفريق الولد عن الوالد بالبيع فإنه جائز مع وجود الوعيد.

(8/174)


ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه، فإذا وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة بقي له فضل خمسمائة وذلك بلا عوض، بخلاف ما إذا باع بالعرض؛ لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة.
قال: ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة، فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع، ويبطل في الأخرى؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: الوعيد ليس للبيع ثمة بل ليس التفريق حتى لو فرق بدون البيع كان الوعيد لاحقا.
م: (ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه) ش: أي في ضمان البائع قبل القبض م: (فإذا وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة) ش: أي بين الثمن في الأول وبين الثمن في البيع الثاني إذا عاد إليه الكل الذي زال عنه بعينه م: (بقي له فضل خمسمائة وذلك بلا عوض) ش: فهذا ربح حصل لا على ضمانه.
«ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربح ما لم يضمن» م: (بخلاف ما إذا باع بالعرض لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة) ش: لأن الربح لا يظهر عند مخالفة الجنس.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": ولا يجوز أن يشتري ذلك أم وكيل البائع ولا عبد البائع مأذون له في التجارة في قولهم جميعا، وإن اشتراه والد البائع أو ولد ولده علا أو سفل أو من يجوز شهادته للبائع ولا شهادة البائع لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذلك جائز، ولذلك لا يجوز للمولى أن يشتري ما باعه مكاتبه ولا عبده المأذون ولا مضاربه بأقل من الثمن الذي باعوه.
فإن وكل البائع من يشتريه بأقل من الثمن الأول فاشتراه، فالشراء جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء لازم للوكيل ولا يلزم الأمر، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم الأمر شراء فاسدا.
وقال في " شرح الطحاوي " إذا مات المشتري فاشتراه البائع من الوارث لا يجوز لأن الوارث يقوم مقام المورث، ولو مات البائع فاشترى وارثه من المشتري جاز الشراء إذا كان الوارث ممن يجوز شهادته للبائع في حال الحياة وقرابته من البائع لا تمنع بخلاف المشتري، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا يجوز شراء وارث البائع أيضا كوارث المشتري.

[شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى) ش: أي وجارية أخرى م: (معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة، فالبيع جائز في التي لم يشترها) ش: أي في الجارية التي لم يشترها م: (من البائع ويبطل) ش: أي البيع م: (في الأخرى) ش: أي في الجارية الأخرى.
وهذه المسألة فروع المسألة المتقدمة لأنها مبنية على شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن

(8/175)


لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه، فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا، ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها، ولا يشيع الفساد لأنه ضعيف فيها لكونه مجتهدا فيه، أو لأنه باعتبار شبهة الربا، أو لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولهذا لم يجز البيع في التي اشتراها من البائع، وبين ذلك بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري لما باع الجاريتين بخمسمائة إحداهما هي التي اشتراها من البائع في المرة الأولى بخمسمائة والأخرى هي التي لم يشترها منه م: (لا بد أن يجعل بعض الثمن) ش: في البيع الثاني م: (بمقابلة التي) ش: أي بمقابلة الجارية التي م: (لم يشترها منه) ش:
فلا محالة أن يكون ثمن الجارية التي بيعت أولا أقل مما بيعت م: (فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا) ش: كما في المسألة المتقدمة م: (ولم يوجد هذا المعنى) ش: وهو الشراء بأقل مما باع م: (في صاحبتها) ش: وهي الجارية التي ضمها إلى الجارية المبيعة؛ لأنه ما اشتراها منه حتى باع بأقل منه فيجوز لعدم المفسد م: (ولا يشيع الفساد لأنه ضعيف فيها) ش: أي لأن الفساد ضعيف في الجارية المشتراة، ولما ضعف الفساد لم يتعد إلى المضمومة إليها كما لو باع قنا ومدبرا حيث يصح في القن ولم يتعد فساد البيع في المدبر إلى القن لكون بيع المدبر مجتهدا فيه م: (لكونه) ش: أي لكون الشراء فساد ما باع بأقل مما باع م: (مجتهدا فيه) ش: فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز بخلاف الجمع بين الحر والعبد في عقد واحد حيث يشيع الفساد في القن لأن الفساد في الحر قوي مجمع عليه.
فإن قلت: يشكل بما إذا أسلم حنطة في شعير وزيت وبين حصة كل واحد ودفع رأس المال إليه فإن السلم في الزيت لا يجوز، وإن كان الفساد في هذا العقد مجتهدا فيه، فإن أسلم الحنطة في الشعير جائز عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قلت: مبنى عقد السلم على المضايقة لتوقف الجواز على شرائط لم يتوقف عليها مطلق البيع فلا يلزم من تأثير الضعيف فيه تأثيره فيما بني على التوسع.
م: (أو لأنه) ش: أي ولأن الفساد م: (باعتبار شبهة الربا) ش: فلو اعتبرنا تلك الشبهة في الجارية التي ضمت إلى المشتراة الكفارة اعتبرنا شبهة الشبهة، والمعتبر الشبهة لا شبهة الشبهة، وبيان ذلك ما ذكره الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أن المسألة الأولى إنما لم يصح شراء ما باع بأقل مما باع لشبهة الربا، وذلك لأن الألف وإن وجب البائع بالعقد الأول لكنها على شرف السقوط لاحتمال أن يجد المشتري بها عيبا فيرده فيسقط الثمن عن المشتري، وبالبيع الثاني يقع الأمن عنه فيصير البائع بالعقد الثاني مشتريا ألفا بخمسمائة من هذا الوجه.
والشبهة ملحقة في الحقيقة في باب الربا احتياطا م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الفساد م:

(8/176)


طارئ لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري إلى غيرها.
قال: ومن اشترى زيتا على أن يزنه بظرفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا، فهو فاسد، وإن اشترى على أن يطرح عنه بوزن الظرف جاز، لأن الشرط الأول لا يقتضيه العقد والثاني يقتضيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(طارئ) ش: فلا يتعدى إلى الآخر م: (لأنه) ش: أي لأن الفساد م: (يظهر بانقسام الثمن) ش: وحاصل الكلام أن لظهور الفساد في المشتراة وجهين:
أحدهما: انقسام الثمن.
والآخر: هو قوله م: (أو المقاصة) ش: أما بيان انقسام الثمن فيما قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو لأنه طارئ يعني أن فساد العقد في البعض إنما يؤثر في الباقي إذا كان المفسد مقارنا، وهاهنا طارئا لأنه ما شرط في العقد أن يكون بإزاء ما باعه بأقل من الثمن الأول بل جعل كل الثمن بمقابلة الجاريتين، ثم ينقسم الثمن إذا وقعت المقاصة بين الثمن الثاني والأول ويبقى من الثمن الأول فضل يستحق الفساد، والمقاصة تقع عقيب وجوب الثمن على البائع الأول بالعقد الثاني فيكون طارئا. وأما بيان المقاصة فلأنه لما باعها بألف ثم اشتراها قبل نقد الثمن بخمسمائة فتقاصا خمسمائة بخمسمائة مثلها، بقي للبائع خمسمائة أخرى مع الجارية، والمقاصة تقع يجب عقيب وجوب الثمن على البائع بالعقد الثاني فيفسد عندها وذلك لا شك في طرفه م: (فلا يسري إلى غيرها) ش: أي فلا يسري الفساد إلى غير المشتراة، كما إذا باع عبدين وفي أحدهما أجل إلى الحصاد، أو جمع بين عبد ومدبر وباعهما فإن البيع لا يفسد في القن ولا في المدبر لأجل فيه. وقاله شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مبسوطه" في هذه المسألة.
فإن قيل: ينبغي أن يجعل مقابلة ما باع مثل الثمن الأول احتياطا لتصحيح العقد قلنا: هذا الوجه غير متعين فإنه وإن جعل بمقابلته أكثر من الثمن الأول يجوز العقد أيضا، وعند المقاصة لا يترجح البعض على البعض من غير دليل وفيه نوع تأمل.
فإن قيل: ينبغي أن يفسد العقد في الآخر لأن قبول العقد في ذلك شرط لقبول العقد في الآخر وهو شرط فاسد كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نظائرها.
قلنا: قبول العقد فيه ليس بشرط فاسد، ألا ترى أنه لو كان ثمنه مثل الثمن الأول أو خلاف جنس الثمن الأول كان صحيحا، وإنما الفساد لأجل الربح الحاصل لا على ضمانه، وهذا المعنى يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى إلى العقد في العبد الثاني.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى زيتا على أن يزنه بظرفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا فهو فاسد، وإن اشترى على أن يطرح عنه) ش: أي يطرح البائع عن المشتري م: (بوزن الظرف جاز) ش: أي البيع م: (لأن الشرط الأول لا يقتضيه العقد) ش: فإن مقتضاه

(8/177)


قال: ومن اشترى سمنا في زق، فرد الظرف وهو عشرة أرطال، فقال البائع: الزق غير هذا وهو خمسة أرطال فالقول قول المشتري، لأنه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض، فالقول قول القابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول قول المشتري لأنه ينكر الزيادة.
قال: وإذا أمر المسلم نصرانيا ببيع خمر أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن يطرح عنه وزن الظرف ما يوجد، وعسى أن يكون وزنه أقل من ذلك أو أكثر، يشترط مقدار معين مخالف لمقتضاه، وأيضا ففيه نفع لأحد المتعاقدين من قبل أن وزن الظرف لو كان أقل من خمسين يجب تكميله فيخرج عن البيع بعض الزيت ولا يدرك ما مقداره، وإن كان وزن الظرف أكثر وجب ضم نفس الظرف إلى الزيت ولا يدري كم يكون.
م: (والثاني) ش: أي الشرط الثاني وهو طرح وزن الظرف م: (يقتضيه) ش: أي العقد لأن طرح الظرف بوزنه شرط يوجبه العقد لأن الظرف غير مبيع وطرح وزن الظرف واجب فيكون شرطا ملائما للعقد فلا يفسد العقد به، كذا في " جامع البزدوي ".
م: (قال: ومن اشترى سمنا في زق فرد الظرف، وهو عشرة أرطال، فقال البائع: الزق غير هذا وهو خمسة أرطال) ش: صورة المسألة في " الجامع "، محمد عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل اشترى من رجل السمن الذي في هذا الزق، كل رطل بدرهم فوزن له السمن والزق فبلغ مائة رطل وقبضه المشتري ثم جاء فقال وجدت السمن تسعين رطلا والزق هذا وزنه عشرة أرطال، وقال البائع: الزق غير هذا وزنه خمسة أرطال والسمن خمسة وتسعون رطلا، قال: هذا جائز م: (فالقول قول المشتري) ش: أي مع يمينه إذا لم يقم البائع البينة.
م: (لأنه) ش: أي لأن هذا الاختلاف م: (إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول قول القابض ضمينا كان) ش: كالغاصب م: (أو أمينا) ش: كالمودع م: (وإن اعتبر اختلافا في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول قول المشتري لأنه ينكر الزيادة) ش: والقول قول المنكر مع يمينه.
فإن قيل: الاختلاف في الثمن يوجب التحالف فما وجه المعدول إلى الحلف؟ أجيب: بأن موجبه إذا كان قصدا وهذا ضمني لوقوعه في ضمن الاختلاف في الزق، والفقه فيه أن الاختلاف الابتدائي في الثمن إنما يوجب التحالف ضرورة أن كل واحد منهما يدع خلاف عقد الآخر، وأما الاختلاف بناء على اختلافهما في الزق فلا يوجب الاختلاف في العقد فلا يوجبه.

[أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو بشرائها ففعل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو

(8/178)


بشرائها ففعل ذلك، جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يجوز على المسلم. وعلى هذا الخلاف الخنزير، وعلى هذا توكيل المحرم غيره ببيع صيده. لهما، أن الموكل لا يليه فلا يوليه غيره؛ لأن ما يثبت للوكيل ينتقل إليه فصار كأنه باشره بنفسه فلا يجوز. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته، وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي فلا يمتنع بسبب الإسلام، كما إذا ورثهما. ثم إن كان خمرا يخللها وإن كان خنزيرا يسيبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشرائها ففعل ذلك جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يجوز على المسلم) ش: يعني يبطل ولا ينفذ على المسلم، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وعلى هذا الخلاف الخنزير) ش: إذا وكل المسلم نصرانيا ببيع خنزير أو شرائه م: (وعلى هذا) ش: الخلاف م: (توكيل المحرم) ش: آخر م: (غيره ببيع صيده. لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أن الموكل لا يليه) ش: أي لا يلي الذي أمره للنصراني م: (فلا يوليه غيره) ش: لأن المسلم لا يملك بنفسه فلا يملك غيره.
لأن تمليك ما لا يملك لا يجوز كنكاح المجوسية م: (ولأن ما يثبت للوكيل ينتقل إليه) ش: أي إلى الموكل م: (فصار كأنه باشره بنفسه فلا يجوز) ش: فمباشرته بنفسه لا يجوز فكذا توكيله به م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العاقد هو الوكيل بأهليته) ش: لأن النصراني أهل لمباشرة ذلك م: (وولايته) ش: أي وولاية العاقد ذلك م: (وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي) ش:.
جواب: عن قولهما كما ثبت للوكيل ينتقل إلى الموكل بيانه: أن انتقال الملك إلى الآمر وهو الموكل حكمي، يعني جبري لا اختياري فلذلك لم يجعل كالمباشر بنفسه م: (فلا يمتنع بسبب الإسلام كما إذا ورثهما) ش: أي كما إذا ورث المسلم الخمر والخنزير بأن كان أبو المسلم نصرانيا أسلم وترك خمرا وخنزيرا فصار كمسلم له عبد نصراني مأذون أو مكاتب اشترى خمرا صح وثبت الملك للمولى.
فإن قلت: الوراثة أمر جبري والتوكيل اختياري. فأنى يتشابهان؟ أجيب بأن ثبوت الحكم أعني الملك للموكل بعد تحقق العلة أعني مباشرة الوكيل جبري، لذلك يثبت بدون اختياره شاء أو أبى في غير هذه الصورة بالاتفاق كما في الموت.
م: (ثم) ش: لما صح شراء الوكيل م: (إن كان) ش: الموكل به م: (خمرا يخللها) ش: الموكل م: (وإن كان خنزيرا يسيبه) ش: لكن قالوا: هذه الوكالة مكروهة أشد الكراهة.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما جاز البيع ينبغي للمسلم أن يتصدق بالثمن، وأما قولهما: إن الموكل لا يليه فلا يوليه غيره منقوض بمسائل منها: إن رجلا لو وكل غيره بشراء عبد بعينه فوكل هذا الوكيل غيره بشراء ذلك يجوز

(8/179)


قال: ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها، فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع وشرط، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط، ثم جملة المذهب فيه أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد، كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويثبت الملك للوكيل ولا يملك هو أن يشتريه لنفسه، ومنها أن القاضي إذا أمر ذميا ببيع خمر أو خنزير خلفه ذمي آخر يصح والقاضي لا يملك التصرف بنفسه.
ومنها، أن الذي إذا وصى إلى مسلم وقد ترك خمرا أو خنزيرا فإن الموصي يوكل ذميا بالبيع والقسمة وهو لا يلي ذلك بنفسه، وفي "الجنازية" المريض مرض الموت لو باع بما يتغابن في مثله وعليه ديون مستغرقة لا يجوز، ومن وصيه يجوز بعد موته، وكذا لا يبيع الإمام عروض الولد ووصيها يبيع العروض التي هي من ميراثها، والقياس على تزويج المجوسي مدفوع لأن حقوق العقد في باب النكاح راجعة إلى الموكل لا إلى الوكيل لأنه سفير وفي باب الشراء والبيع على العكس.

[باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": م: (ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه، أو أمة) ش: أي أو باع أمة م: (على أن يستولدها، فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع وشرط، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع وشرط» ش: وفي بعض النسخ، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع وشرط» وهذا رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن "النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» .
ومطلق النهي يقتضي الفساد ولا خلاف في هذه الجملة بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا في شرط العتق فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز ذلك وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا في " شرح الأقطع ". واختلف الفقهاء في البيع والشرط على ثلاثة أقوال قال أصحابنا: البيع والشرط كلاهما باطلان. وقال ابن أبي ليلى: البيع جائز والشرط باطل. وقال ابن شبرمة: البيع والشرط كلاهما جائزان.
م: (ثم جملة المذهب فيه) ش: أي الجملة الكلية والأصل الشامل بفروع أصحابنا م: (أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد) ش: أي يجب بالعقد من غير شرط م: (كشرط الملك للمشتري) ش: وشرط تسليم الثمن أو المبيع أو شرط حبس المبيع لاستيفاء الثمن م: (لا يفسد العقد) ش: لأن كل هذه

(8/180)


لثبوته بدون الشرط، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه،
وهو من أهل الاستحقاق يفسده كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع؛ لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تثبت بمطلق العقد م: (لثبوته بدون الشرط) ش: أي لثبوت مطلق العقد بدون هذا الشرط وذكره لا يفيد إلا تأكيدا م: (وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه) ش: أي والحال أن فيه م: (منفعة لأحد المتعاقدين) ش: بأن اشترى حنطة على أن يطحنها البائع أو ثوبا على أن يخيطه أو باع عبدا على أن يخدمه البائع شهرا مثلا ولو شرطا لا يقتضيه العقد، ولكن ورد الشرع بجوازه كالأجل، والخيار رخصة وتيسيرا فإنه لا يفسد العقد لأنه لما ورد الشرع به دل على أنه من باب المصلحة دون المفسدة والقياس أن يفسد، ولكن أخذنا بالاستحسان للحديث الوارد في باب الخيار ولو شرط شرطا أن يعطي لا يقتضيه العقد ولا ورد الشرع به لكنه يلائم العقد ويوافقه نحو أن يشتري، بشرط البائع كفيلا بالثمن أو رهنا بالثمن ولم يعين الكفيل ولا أشار إلى أحد فالبيع فاسد.
وكذلك إذا لم يسم الرهن ولا أشار إليه وإذا عينها بالإشارة أو التسمية فالقياس أن لا يجوز البيع أيضا. وبه أخذ زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الاستحسان ": يجوز وهو الصحيح والشرط في صحة اشتراط الكفالة حضور الكفيل في المجلس وقبوله، وإذا كان غائبا لا يجوز وإحضار الرهن في المجلس ليس بشرط.
وما لم يسلم الرهن إلى البائع لا يثبت فيه حكم الرهن، فإن امتنع عن التسليم لا يجبر عليه، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجبر لكن عندنا يقال المشتري: إما أن تدفع الرهن أو قيمته أو تدفع الثمن أو تفسخ البيع. فإن لم يقبل المشتري شيئا من ذلك فللبائع أن يفسخ البيع لأنه فات غرضه، ثم إنه قال: وفيه منفعة لأحد المتعاقدين لأنه إذا كان في الشرط ضرر لأحدهما بأن باع ثوبا أو حيوانا سوى الرقيق بشرط أن لا يبيعه ولا يهبه، ذكر في المزارعة الكبيرة أنه لا يفسد بهذا الشرط. روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفسد والأول هو الصحيح م: (أو للمعقود عليه) ش: أي أو في الشرط منفعة للمعقود عليه.

م: (وهو) ش: أي المعقود عليه م: (من أهل الاستحقاق) ش: أي من أهل أن يستحق حقا على الغير وهو الآدمي، وقال بعض الشراح: من أهل الاستحقاق أي من أهل الخصومة وليس هذا إلا الآدمي م: (يفسده) ش: جواب قوله: وكل شرط لا يقتضيه العقد، أي يفسد العقد م: (كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع؛ لأن فيه) ش: أي في هذا الشرط م: (زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا) ش: لأن الربا عبارة عن فضل حال عن المعوض.

(8/181)


أو لأنه يقع بسببه المنازعة فيعرى العقد عن مقصوده، إلا أن يكون متعارفا لأن العرف قاض على القياس، ولو كان لا يقتضيه العقد، ولا منفعة فيه لأحد، لا يفسده، وهو الظاهر من المذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا الشرط حال عن عوض لأن العاقدين تقابلا العوض مع المعوض والشرط الذي شرطاه ليس في مقابلته عوض، وفيه معنى المال ولهذا يجوز أخذ المعوض عن الشرط ولم يعوض عنه بشيء في العقد فكان ربا ولهذا يجاب عما يقال: لا تطلق الزيادة إلا على المجانس للمزيد عليه والشرط منفعة فكيف يكون ربا؟
م: (أو لأنه) ش: أي ولأن هذا الشرط م: (يقع بسببه المنازعة) ش: لأنه ذريعة إلى وقوع النزاع لتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط م: (فيعرى العقد عن مقصوده) ش: أي مقصود العقد أي منه وهو التملك والتمليك وقيل المقصود من العقد قطع المنازعة.
وقال الأترازي: مقصود العقد هو الاسترباح م: (إلا أن يكون متعارفا) ش: هذا استثناء من قوله يفسده، أي إلا أن يكون الشرط متعارفا بين الناس، كما لو اشترى نعلا أو شراكين بشرط أن يحدده البائع فلا يفسد به البيع م: (لأن العرف قاض على القياس) ش: لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» أو ثابت بالإجماع، فيكون العرف راجحا على القياس إما بالنص أو بالإجماع ولأن التورع من العادة الظاهرة حرج بين، والحرج مدفوع الكل.
وفي " المبسوط " لا يقال فساد البيع بشرط ثابت بالحديث، والعرف ليس بقاض عليه لأنه معلوم بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث.
م: (ولو كان) ش: أي الشرط م: (لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده) ش: أي لا يفسد العقد لأن الشرط يلغو أو يصح العقد م: (وهو الظاهر من المذهب) ش: يعني عدم فساد العقد وآخر الشرط هو الظاهر من مذهبنا، واحترز به عما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،

(8/182)


كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة؛ لأنه انعدمت المطالبة، فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة، إذا ثبت هذا نقول: هذه الشروط لا يقتضيها العقد لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخيير لا الإلزام حتما، والشرط يقتضي ذلك وفيه منفعة للمعقود عليه، والشافعي وإن كان يخالفنا في العتق ويقيسه على بيع العبد نسمة، فالحجة عليه ما ذكرناه، وتفسير البيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لأن يشترط فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث قال: يبطل العقد، ثم ذكر صورة هذا بقوله م: (كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة لأنه انعدمت المطالبة) ش: أي من الدابة لأنه لا يطالبه بهذا الشرط م: (فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة) ش: فكان الشرط لغوا.
م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني ما ذكره في أول المسألة بقوله: ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها، فالبيع فاسد م: (نقول هذه الشروط) ش: أي الإعتاق والتدبير والكتابة، والاستيلاد م: (لا يقتضيها العقد لأن قضيته) ش: أي قضية العقد م: (الإطلاق في التصرف والتخيير) ش: أي إطلاق التصرف في المبيع للمشتري باختياره كيف شاء من غير تقييد تصرف دون تصرف م: (لا الإلزام حتما) ش: أي دون الإلزام على تصرف واحد على سبيل الحتم، أي الوجوب والشرط يقتضي الإلزام حتما وبينهما منافاة ظاهرة وهو معنى قوله م: (والشرط يقتضي ذلك) ش: أي الإلزام م: (وفيه) ش: أي في هذا الشرط أيضا.
م: (منفعة للمعقود عليه) ش: وقد بيناه فيما مضى م: (والشافعي، وإن كان يخالفنا في العتق) ش: حيث يقول بيع الرقيق بشرط العتق يجوزه، لكن هذا في قول منه، وفي " شرح الوجيز " في بيع الرقيق بشرط العتق قولان: أحدهما أنه لا يصح.
وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الحسن وفي قول الشرط باطل والبيع جائز م: (ويقيسه) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقيس هذا م: (على بيع العبد نسمة) ش: ومعناه يأتي الآن لأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره، وقال الأترازي: انتصاب نسمة على الحالة على معنى معرضا للعتق، وذلك أن القسمة لما ذكرها في مثل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «فك رقبة وعتق النسمة» صارت كأنها اسم لما هو معرض للعتق فعوملت معاملة الأسماء المتضمنة لمعنى الأفعال، كذا قال المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسمة النفس مشتقة من نسيم الريح.
م: (فالحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه) ش: وهو «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وشرط» وقد مضى م: (وتفسير البيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لأن يشترط) ش: أي العتق م: (فيه) ش: أي في العبد، وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله:

(8/183)


فلو أعتقه المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق، صح البيع حتى يجب عليه الثمن، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يبقى فاسدا حتى تجب عليه القيمة؛ لأن البيع قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، كما إذا تلف بوجه آخر، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه، ولكن من حيث حكمه يلائمه لأنه منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر، ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب، فإذا تلف من وجه آخر لم تتحقق الملائمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويقيسه على بيع العبد نسمة غير مستقيم على ما ذكره في " المبسوط " من تفسير الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بيع العبد نسمة حيث قال من جانب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الشراء بشرط الإعتاق متعارف بين الناس لأن بيع العبد نسمة متعارف في الوصايا وغيرها.
ثم قال: وتفسيره البيع بشرط العتق وكان بيع العبد نسمة على ذلك التفسير عن البيع بشرط العتق، فحينئذ يلزم قياس الشيء على نفسه وذلك باطل، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يمكن أن يجاب عنه.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كيف صح تفسير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع نسمة، صح قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع بشرط العتق عليه لأن المقيس والمقيس عليه غيران أما على ما قال صاحب المبسوط فلا وجه له لأن المقيس هو المقيس عليه بعينه.
م: (فلو أعتقه المشتري) ش: أي فلو أعتق العبد المشتري الذي شرط عتقه البائع في العقد م: (بعدما اشتراه بشرط العتق صح البيع حتى يجب عليه الثمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال: يبقى فاسدا) ش: كما كان م: (حتى تجب عليه القيمة؛ لأن البيع قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، كما إذا تلف بوجه آخر) ش: بأن مات أو قتله أو باعه، وفي " المبسوط " قولهما قياس.
وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " التحفة " لو أعتقه قبل القبض لم ينفذ عتقه وإن أعتقه بعد القبض عتق فانقلب العقد جائزا استحسانا، في قول: أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال لا ينقلب العقد جائزا إذا أعتقه حتى يجب عليه قيمة العبد، ووجوب الثمن دليل الجواز ووجوب القيمة دليل الفساد.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله لأن قضية الإطلاق في التصرف م: (ولكن من حيث حكمه يلائمه لأنه) ش: أي لأن العتق م: (منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر ولهذا) ش: إيضاح لقوله والشيء بانتهائه يتقرر م: (لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب) ش: يستدل به على أن العتق مقرر للملك ومتمم له، إذ لو كان مزيلا لمنع الرجوع بالنقصان كالعيب.
م: (فإذا تلف من وجه آخر لم يتحقق الملائمة) ش: لأنه يقرر الفساد لصورة الشرط دون

(8/184)


فيتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت الملائمة فيترجح جانب الجواز، فكان الحال قبل ذلك موقوفا.
قال: وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا، أو دارا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وسلف. ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحكم وهو معنى قوله م: (فيتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت الملائمة) ش: باعتبار الملائمة بالعتق م: (فيترجح جانب الجواز) ش: على جانب الفساد م: (فكان الحال قبل ذلك موقوفا) ش: أي كان حال العقد موقوفا قبل الإعتاق بين بقائه فاسدا أو انقلابه إلى الجواز بالإعتاق، فلما وجد الإعتاق ترجح جانب الجواز فانقلب جائزا.
>
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكذلك) ش: يفسد م: (لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية) ش: فالبيع فاسد م: (لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع وسلف» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه اختصره من حديث عبد الله بن عمر، وابن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك.» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث حسن صحيح ورواه محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار " وفسره. وقال: أما السلف والبيع فالرجل يقول للرجل أبيعك عبدي هذا بكذا أو كذا على أن تقرضني كذا وكذا، وأما الشرطان في البيع فالرجل يبيع الشيء بألف حالا ومؤجلا بألفين، وأما ربح ما لم يضمن فالرجل يشتري الشيء فيبيعه قبل أن يقبضه بربح م: (ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجازة في بيع، ولو كان لا يقابلهما) ش: يعني شيئا من الثمن م: (يكون إعارة في بيع) ش: وكل ذلك فاسد.
م: (وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة» ش: هذا الحديث رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(8/185)


قال: ومن باع عينا على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع العين باطل، فيكون شرطا فاسدا، وهذا لأن الأجل شرع ترفيها فيليق بالديون دون الأعيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة» .
قال أسود بن عامر أحد رواة الحديث - قال شريك هو الآخر من رواته هو أن يبيع الرجل بيعا فيقول: هذا نقد بكذا ونسيئة بكذا، وروى العقيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طريق سماك مرفوعا «الصفقة في الصفقتين ربا» وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيعين» والصفقة في اللغة ضرب اليد على اليد في البيع كذا ذكره في مجمل اللغة، ويراد بها في العقد لأن أحد المتعاقدين يضع يده على يد الآخر إذا أراد العقد، وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيعتين في بيعة» .
قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال بعض أهل العلم أن يقول الرجل: أبيعك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بعشرين فلا مفارقة على أحد البيعتين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومعنى «نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة» أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا تفارق عن بيع بثمن معلوم، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته، انتهى.
وبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا شرط من منافع المبيع يسير السكنى في الدار يوما صح، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما شرط سكنى الدار يوما أو يومين لم يفسده بعدم الإفضاء إلى المنازعة ظاهرا، وقال ابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع جائز والشرط فاسد، وقال ابن شبرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البيع صحيح والشرط صحيح وإليه ذهب الأوزاعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع الدار بشرط سكناها وبيع دابة بشرط ظهرها.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن باع عينا على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر، فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع العين باطل فيكون شرطا فاسدا) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذا في الثمن المعين عنده لا يصح تأجيله لعدم الفائدة، واحترز بالبيع المعين إذا كان المبيع دينا كالمسلم فيه، فإن الأجل فيه صحيح م: (وهذا) ش: أي بطلان الأجل في المبيع المعين م: (لأن الأجل شرع ترفيها) ش: أي تيسيرا م: (فيليق بالديون دون الأعيان) ش: لأن الدين غير حاصل فكان الأجل

(8/186)


قال: ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد، والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل، وهذا لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقة وبيع الأصل يتناولها، فالاستثناء يكون على خلاف الموجب فلم يصح فيصير شرطا فاسدا، والبيع يبطل به. والكتابة والإجارة والرهن بمنزلة البيع لأنها تبطل بالشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه اتباع المدة التي يتمكن المشتري من تحصيله فيها بالكسب، أما المعين فحاصل فلا حاجة فيها إلى ذكر الأجل للترفيه.

[اشترى جارية إلا حملها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد) ش: وبه قال الشافعي في الأصح م: (والأصل) ش: أي في هذا م: (أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل) ش: فإن الجنين ما دام في بطن أمه فهو في حكم جزء منها، كاليد والرجل ألا ترى أنه يقطع عنها بالمقراض.
وأجزاء الحيوان لا تقبل العقد مقصودا فلا يكون مقصودا بالاستثناء، وهذا لأن الجنين في البطن مجهول لا يدرى أذكر أم أنثى أو خنثى واحد أو أكثر م: (وهذا) ش: أي كون الجنين من هذا القبيل م: (لأنه بمنزلة أطراف الحيوان) ش: كما ذكرنا وذلك م: (لاتصاله به خلقة) ش: أي لاتصال الجنين بالأم من حيث الخلقة.
م: (وبيع الأصل يتناولها) ش: أي يتناول الأطراف، وفي بعض النسخ يتناولهما أي يتناول الأم والحمل، وفي بعض النسخ يتناوله أي يتناول الحمل فإذا كان كذلك م: (فالاستثناء يكون على خلاف الموجب) ش: أي موجب العقد لأن العقد يوجب أن يكون الحمل بيعا غير مقصود م: (فلم يصح فيصير شرطا فاسدا والبيع يبطل به) ش: أي بالشرط الفاسد م: (والكتابة والإجارة والرهن بمنزلة البيع) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا لمسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك نحو ما إذا كاتب عبده على جارية إلا حملها أو أجر داره على جارية إلا حملها أو رهن جارية إلا حملها، ففي الكل يفسد العقد كما يفسد البيع م: (لأنها) ش: أي لأن الكتابة والإجارة والرهن.
م: (تبطل بالشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة) ش: استثناء من قوله: تبطل بالشروط الفاسدة، يعني هذه الأشياء الثلاثة تبطل بالشروط الفاسدة إلا أن المفسد أي الشرط المفسد في الكتابة م: (ما يتمكن في صلب العقد منها) ش: أي من الشروط المفسدة، كالكتابة على الخمر والخنزير أو على قيمته من حيث دخل في البدل، وأما إذا لم يكن في صلب العقد منها كما إذا شرط على المكاتب أن لا يخرج من اليد فله أن يخرج، والعقد صحيح لأن الكتابة تشبه البيع انتهاء لأنه مال في حق المولى ولا يصح إلا ببدل معلوم، ويحتمل الفسخ ابتداء.

(8/187)


والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة، وكذا الوصية لا تبطل به لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف ما إذا استثنى خدمتها لأن الميراث لا يجري فيها. ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء، فالبيع فاسد؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه يصير صفقة في صفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وما يشبه النكاح من حيث إنه ليس بمال في حق نفسه، ولا يحتمل الفسخ بعد تمام المقصود فألحقناه بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد، وبالنكاح فيما إذا لم يتمكن منه.
م: (والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء؛ لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: لأن الفساد باعتبار إفضائه إلى الربا وذلك لا يتحقق إلا في المعاوضات وهذه تبرعات وإسقاطات، وصور هذه الأشياء بأن قال: وهبت هذه الجارية لك إلا حملها أو تصدقتها عليك إلا حملها أو حبلتها مهر أو بدل الخلع أو بدل الصلح عن دم العمد إلا حملها.
فإن قلت: الهبة من قبل التمليكات ينبغي أن يفسد بالاستثناء.
قلت: سلمنا ذلك ولكن عرفنا بالنص أن الشرط المفسد لا يفسدها، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز العمرى وأبطل شرطه للمعمر حتى يصير العمرى لورثة الموهوب له لا لورثة المعمر إذا شرط عوده وصح العقد وبطل الاستثناء.
م: (وكذا الوصية ولا تبطل به) ش: أي باستثناء الحمل م: (لكن يصح الاستثناء) ش: بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان إلا حملها م: (حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية) ش: يعني يكون للموصي له م: (لأن الوصية أخت الميراث) ش: من حيث إن الملك في كل منهما يحصل بعد الموت م: (والميراث يجري فيما في البطن) ش: لأنه عين م: (بخلاف ما إذا استثنى خدمتها) ش: يعني أوصى بجارية لفلان واستثنى خدمتها، لا يصح الاستثناء وقيل بطل حتى تكون الجارية وخدمتها جميعا للموصى له.
م: (لأن الميراث لا يجري فيها) ش: لأنها ليست بعين، وفي بعض النسخ لا يجري فيه ذكر ضمير الخدمة باعتبار المذكور م: (ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء، فالبيع فاسد) ش: وهو من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خلاف فيه للأربعة.
م: (لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين) ش: يعني للمشتري م: (ولأنه) ش: أي ولأن هذا العقد م: (يصير صفقة في صفقة) ش: يعني إجارة في بيع أو إعارة في بيع م:

(8/188)


على ما مر. ومن اشترى نعلا على أن يحذوه البائع أو يشركه فالبيع فاسد. قال ما ذكره. جواب القياس ووجهه ما بينا، وفي الاستحسان يجوز للتعامل فيه فصار كصبغ الثوب، وللتعامل جوزنا الاستصناع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(على ما مر) ش: أشار به إلى قوله ولأنه لو كانت الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن إلى آخره.
م: (ومن اشترى نعلا على أن يحذوه البائع) ش: النعل الصرم تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه قال الجوهري: الصرم الجلد فارسي معرب، ومعنى يحذوها يجعلها مساويا للآخر م: (أو يشركه) ش: من التشريك وهو وضع الشراك وفي الصحاح: شركت نعلي جعلت له شراكا والتشريك عليه، والشراك هو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها م: (فالبيع فاسد) ش: وهو القياس فلذلك قال المصنف بقوله م: (قال) ش: أي المصنف بقوله م: (ما ذكره) ش: أي ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله فالبيع فاسد.
م: (جواب القياس ووجهه) ش: أي وجه القياس م: (ما بينا) ش: أراد به قوله: لأنه شرط لا يقتضيه العقد إلى آخره، وبالقياس قال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح م: (وفي الاستحسان يجوز للتعامل فيه فصار) ش: أي فصار جواز شراك النعل بشرط حذو البائع وتشريكه.
م: (كصبغ الثوب) ش: أي كجواز صبغ الثوب، يعني لو استأجر صباغا ليصبغ ثوبه ففي القياس لا يجوز لأنه عقد على استهلاك العين وهو الصبغ والإجارة، بيع المنافع لا بيع العين وفي صبغه يلزم بيع العين ولهذا لا يجوز استئجار البقرة لشرب اللبن، وكذا ترك القياس في استئجار الحمام والظئر لأن فيهما استهلاك الماء واللبن م: (وللتعامل جوزنا الاستصناع) ش: مع أن القياس يأباه لأنه بيع العدوم.
ومن أنواع التعامل ما ذكره في شرح الطحاوي ما لو اشترى صرما أي جلدا على أن يجوز البائع له خفا، أو اشترى قلنسوة بشرط أن يبطن له البائع من عنده، جاز البيع بهذا الشرط للتعادل.
وفي " المبسوط " اشترى شاة بشرط أنها حامل فالعقد فاسد، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول وقال: في الأصح يصح وهو رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال بعض أصحابه: القولان في غير الآدمي، أما في الجواري يصح قولا واحدا، وذكر هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشترى جارية على أنها حامل يجوز البيع إلا أن يظهر أن المشتري يريدها للظورة فحينئذ يفسد.

(8/189)


قال: والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود، إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسد لجهالة الأجل، وهي مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائه على المماكسة، إلا إذا كانا يعرفانه لكونه معلوما عندهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو شرط الحبل من البائع لا يفسد لأن البائع يذكره على بيان العيب عادة، ولو وجد في المشتري يفسد لأنه ذكره على وجه اشتراط الزيادة.
م: (قال والبيع إلى النيروز) ش: أصله النوروز ولكن لما لم يكن في أوزان العرب فيعول أبدلوا الواو ياء وهو يوم في طرف الربيع م: (والمهرجان) ش: معرب مهركان وهو يوم في طرف الخريف، وقال في "زيح كوشياء": النيروز أول يوم من فروردي ماه والمهرجان هو اليوم السادس عشر من مهرماه.
قلت: "فروردي ماه" أول أشهر الفرس، و "مهرماه" هو الشهر السابع من السنة عندهم.
م: (وصوم النصارى وفطر اليهود) ش: خص الصوم بالنصارى، والفطر باليهود لاحتمال أن يكون مبدأ صوم اليهود معلوما دون صومهم، ألا ترى أن التأجيل إذا كان إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم يصح، لأن مدة صومهم بالأيام معلومة وهي خمسون يوما م: (إذا لم يعرف المتبايعان) ش: أي المشتري والبائع م: (ذلك) ش: أي وقت هذه الأشياء م: (فاسد) ش: خبر المبتدأ أعني قوله: والبيع إلى النيروز وما بعده عطف عليه والفساد م: (لجهالة الأجل) ش: لأن هذه الآجال ليست من آجال المسلمين، فإنهم لا يعرفون وقت ذلك عادة حتى لو كانت معلومة عند المتبايعين، جاز البيع بمنزلة الأهلة.
م: (وهي) ش: أي جهالة الأجل م: (مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائه) ش: أي لابتناء البيع، وفي بعض النسخ لابتنائها، قال الأترازي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": أنت الضمير الراجع إلى البيع على تأويل المعاوضة أو الصفقة، وما قيل الضمير راجع إلى المنازعة فليس بشيء م: (على المماكسة) ش: أي على المجادلة في النقصان والمماكسة موجودة في المبايعة إلى هذا الأجل لابتناء المبايعة على المماكسة م: (إلا إذا كانا) ش: استثناء من قوله: فاسد، أي إلا إذا كان المتباعيان م: (يعرفانه) ش: أي الأجل م: (لكونه معلوما عندهما) ش: لارتفاع الجهالة ومعرفة غيرهما لا يعتبر لأن الأجل حق لهما. وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": وفي قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاز البيع إلى هذه الآجال لأن التفاوت قليل، وقال فخر الدين قاضي خان في شرح الجامع الصغير، والتوكيل إلى هذه الأوقات يجوز لأن الكفالة عقد تبرع، ومبنى التبرع على المساهلة.
ولهذا صحت الكفالة بالمجهول بأن قال ما كان لك على فلان فهو علي فجهالة الأجل فيها

(8/190)


أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في صومهم لأن مدة صومهم بالأيام معلومة، فلا جهالة فيه. قال: ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج، وكذلك إلى الحصاد والدياس والقطاف والجزاز، لأنها تتقدم وتتأخر، ولو كفل إلى هذه الأوقات جاز لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة، وهذه الجهالة يسيرة مستدركة لاختلاف الصحابة فيها، ولأنه معلوم الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا كانت يسيرة مستدركة، لا تمنع صحة الأجل ولو كانت غير مستدركة، كالكفالة إلى هبوب الريح أو إلى أن تمطر السماء صحت الكفالة ولا يصح الأجل ويكون حالا.
م: (أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم لأن مدة صومهم بالأيام معلومة) ش: وهي خمسون يوما كما ذكرنا وإذا كانت معلومة م: (فلا جهالة فيه) ش: فلا مانع من الجواز م: (قال: ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج وكذلك إلى الحصاد) ش: أي قطع الزرع، ويجوز في الحاء الفتح والكسر م: (والدياس) ش: من الدوس وأصله دواس قلبت الواو بالانكسار ما قبلها، والدوس شدة وطء الشيء بالقدم وفي الحبوب أن يوطأ بقوائم الدواب.
م: (والقطاف) ش: قطع العنب عن الكرم، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القطاف بالفتح والقطف بالكسر عقود العنب م: (والجزاز) ش: بالزائين المعجمتين من جز الصوف وغيره إذا قطعه.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمراد هنا وقت جزاز النخل وبه صرح في " المبسوط "، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": الجز آلة فيما يجز من الرطاب وكذلك جزاز النخل م: (لأنها) ش: أي لأن أوقات هذه الأشياء.
م: (تتقدم وتتأخر) ش: وليس لها وقت معلوم قطعا وذلك باختلاف الحر والبرد.
م: (ولو كفل إلى هذه الأوقات، جاز لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة، وهذه الجهالة يسيرة مستدركة) ش: أي يمكن تداركها وإزالة جهالتها م: (لاختلاف الصحابة فيها) ش: أي في الحال المذكورة يعني البيع إليها فاسد عند عامة الصحابة، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها أجازت البيع إلى العطاء، وروى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " المعرفة " من طريق الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الكريم الخزري عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الدر ولا إلى الدياس.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إجازة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - البيع إلى العطاء محمولة عندنا على أنها إنما أجازت، لأن الخلفاء لم يكونوا يخلفون الميعاد فلم يختلف. فأما بعد ذلك فقد تغير الأمر فصار من جنس ما يتقدم ويتأخر. م: (ولأنه معلوم الأصل) ش: أي ولأن الدين في الكفالة معلوم الأصل، وإنما المجهول وصفه وهو الأجل، والوصف تابع للأصل، والجهالة

(8/191)


ألا ترى أنها تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان، ففي الوصف أولى، بخلاف البيع، فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه بخلاف ما إذا باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات، حيث جاز لأن هذا تأجيل في الدين، وهذه الجهالة فيه متحملة بمنزلة الكفالة، ولا كذلك اشتراطه في أصل العقد؛ لأنه يبطل بالشرط الفاسد. ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضا، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، وصار كإسقاط الأجل في النكاح إلى أجل، ولنا أن الفساد للمنازعة، وقد ارتفع قبل تقرره، وهذه الجهالة في شرط زائد لا في صلب العقد، فيمكن إسقاطه بخلاف ما إذا باع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في أصل العين متحملة، فنفي وصفه بطريق الأولى وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الكفالة م: (تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب) ش: أي بما وجب م: (على فلان ففي الوصف أولى) ش: لأن الوصف لا يفترق من الأصل، فإذا جاز في الأصل الذي هو الأعلى، ففي الوصف الذي هو الأدنى بالطريق الأولى م: (بخلاف البيع، فإنه لا يحتملها) ش: أي الجهالة م: (في أصل الثمن، فكذا في وصفه) ش: وهو الأجل إذ الوصف لا يخالف الأجل م: (بخلاف ما إذا باع مطلقا) ش: أي بدون ذكر الأجل م: (ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز، لأن هذا تأجيل في الدين، وهذه الجهالة فيه متحملة بمنزلة الكفالة ولا كذلك اشتراطه) ش: أي اشتراط التأجيل م: (في أصل العقد لأنه) ش: أي لأن العقد م: (يبطل بالشرط الفاسد، ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا) ش: أي المتعاقدان م: (بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس، وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضا) ش: وقوله لو باع إلى قوله جاز البيع، من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله أيضا من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال قبل هذا: بخلاف ما إذا باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: أي لا ينقلب إلى الجواز، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح م: (لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا) ش: بإسقاط المفسد م: (وصار كإسقاط الأجل في النكاح إلى أجل) ش: يعني في النكاح المؤقت بقول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا على أصلكم لا يصح النكاح إذا أسقط الوقت، وكذا في المسألة المتنازع فيها، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - النكاح إلى أجل جائز والشرط باطل، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا استدلال من جانب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما لم يقل به وهو ليس على ما يبقى م: (ولنا أن الفساد) ش: في البيع المذكور م: (للمنازعة وقد ارتفع قبل تقرره) ش: أي قبل تقرر الفساد.
م: (وهذه الجهالة في شرط زائد) ش: وهو جهالة الأجل المفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم م: (لا في صلب العقد) ش: وهو أحد البدلين م: (فيمكن إسقاطه بخلاف ما إذا باع

(8/192)


الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد؛ لأن الفساد في صلب العقد، وبخلاف النكاح إلى أجل لأنه متعة وهو عقد غير عقد النكاح،
وقوله في الكتاب: ثم تراضيا خرج وفاقا؛ لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه لأنه خالص حقه. قال: ومن جمع بين حر وعبد، أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن سمى لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد والشاة الذكية. وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده وعبد غيره صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند علمائنا الثلاثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد) ش: قبل التقرر وقوله: وهذه الجهالة إلى آخره جواب عما يقال إن الجهالة تقررت في ابتداء العقد فلا يفيد سقوطها، كما إذا باع الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد، وقد علم الجواب، وأما القياس على بيع الدرهم بالدرهمين فغير صحيح م: (لأن الفساد في صلب العقد) ش: يعني في أحد العوضين.
م: (وبخلاف النكاح) ش: هذا أيضا جواب عن قوله: كإسقاط الأجل بيانه أن النكاح م: (إلى أجل) ش: يعني إلى وقت م: (لأنه متعة وهو عقد غير عقد النكاح) ش: لأن عقد النكاح مندوب إليه، والمتعة منهية فلا يمكن العود إلى النكاح، عند إسقاط الأجل لعدم عقد النكاح رأسا.

[جمع بين حر وعبد في البيع]
م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (في الكتاب) ش: أي في مختصره المنسوب إليه م: (ثم تراضيا خرج وفاقا) ش: يعني على سبيل الاتفاق م: (لأن من له الأجل يستبد) ش: أي يستقل وينفرد م: (بإسقاطه لأنه خالص حقه) ش: فيختص به م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن جمع بين حر وعبد) ش: أي في البيع م: (أو شاة) ش: أي أو جمع بين شاة م: (ذكية وميتة بطل البيع فيهما) ش: أي في الصورتين ولم يذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخلاف.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي البطلان م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني باطل مطلقا سواء وصل الثمن أو لا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن سمى لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد والشاة الذكية) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده) ش: أي أو جمع في البيع بين عبده م: (وعبد غيره صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند علمائنا الثلاثة) ش: أي في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه.

(8/193)


وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فسد فيهما ومتروك التسمية عامدا كالميتة والمكاتب، وأم الولد كالمدبر. له الاعتبار بالفصل الأول إذ محلية البيع منتفية بالإضافة إلى الكل، ولهما أن الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى القن، كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل واحد لأنه مجهول، ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا لأنه ليس بمال، والبيع صفقة واحدة، فكان القبول في الحر شرطا للبيع في العبد، وهذا شرط فاسد بخلاف النكاح لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فسد فيهما) ش: أي في المدبر والعبد جميعا، وقيل في الجمعين بين كورين وهو الجمع بين الحر والعبد والجمع بين المدبر والعبد م: (ومتروك التسمية عامدا كالميتة) ش: هذا عن كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره تفريعا على كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إذا ضم الذكية مع متروك التسمية يبطل البيع، ونصب عامدا على الحال عن المقدر تقديره ومتروك تارك التسمية حال كونه عامدا، وقيد بالعمد لأن بالنسيان لا يضر على ما عرف، فإن قيل: متروك التسمية مجتهد فيه فصار كالمدبر فيجب جواز بيعه مع المذكى كبيع القن مع المدبر، أجيب: بأنه ليس مجتهد فيه بل خطأ بين لمخالفة الدليل الظاهر، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] (الأنعام: الآية: 161) ، حتى إن القاضي إذا قضى بحله لا ينفذ القضاء فكان بمنزلة من جمع بين الحر والعبد في البيع م: (والمكاتب وأم الولد كالمدبر) ش: يعني إذا ضم المكاتب أو أم الولد مع العبد يصح البيع في العبد بحصته من الثمن م: (له) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الاعتبار بالفصل الأول) ش: يعني الاعتبار بالجمع بين الحر والعبد م: (إذ محلية البيع منتفية) ش: لأن كون المحل لجواز البيع منتفية م: (بالإضافة إلى الكل) ش: يعني بإضافة انتفاء المحلية إلى الجميع، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كل واحد منهما ليس بمحل للبيع.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الفساد بقدر المفسد) ش: يعني بقدر ما يفسده إذا سمى لكل واحد منهما ثمنا، إذ الحكم يثبت بقدر دليله والمفسد في الحر كونه ليس بمحل للبيع وهو مختص به م: (فلا يتعدى إلى القن) ش: كما في المدبر إذا ضم مع العبد م: (كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح) ش: أي في عقد النكاح م: (بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل واحد) ش: من الحر والعبد حيث يبطل البيع فيهما جميعا م: (لأنه مجهول) ش: أي لجهالة الثمن.
م: (ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين) ش: أي بين فصل الحر وفصل المدبر مع القن م: (أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا لأنه ليس بمال والبيع صفقة واحدة) ش: بدليل أن المشتري لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر م: (فكان القبول في الحر شرطا للبيع في العبد وهذا شرط فاسد) ش: والبيع يبطل بالشرط الفاسد م: (بخلاف النكاح لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة) .

(8/194)


وأما البيع في هؤلاء موقوف وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية، ولهذا ينعقد في عبد الغير بإجازته، وفي المكاتب برضاه في الأصح، وفي المدبر بقضاء القاضي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: جواب عن قياسهما على النكاح، وهو قياس بالفارق لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد بخلاف المبيع فإنه يبطل، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث.
أما أولا: فلأنه إذا بين ثمن كل واحد منهما كانت الصفقة متفرقة، وحينئذ لا يكون قبول العقد في الحر شرطا للبيع في العبد.
وأما ثانيا: فلأن الشرط الفاسد وهو ما يكون فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه حتى يكون في معنى الربا، وليس في قبول العقد في الحر منفعة لأحدهما أو للمعقود عليه فلا يكون شرطا فاسدا.
وأما ثالثا: فلأن قبول العقد في الحر إنما يكون شرطا لقبول العقد في العبد إذا صح الإيجاب فيهما لئلا يتضرر البائع بقبول العقد في أحدهما دون الأخر، ولم يوجد فيما نحن فيه فصار كالجمع بين العبد والمدبر، وأجيب عن الأول: بأن الصفقة متحدة في مثله إذا لم يكن البيع أو الشراء.
وعن الثاني: بأن في قبول العقد في الحر منفعة للبائع فإنه إذا باعهما بألف والحر ليس بمال يقابله بدل، فكأنه قال: بعت هذا العبد بخمسمائة على أن يتسلم أي خمسمائة أخرى فينتفع بفضل مال عن العوض في البيع وهو الربا.
والثالث: بأن الإيجاب إذا صح فيهما صح العبد والشرط جميعا فلا يكون فيما نحن فيه، وإذا ظهر هذا ظهر الفرق بين الفصلين، وثم جواب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن التزيد بينهما.
م: (وأما البيع في هؤلاء موقوف) ش: متصل بقوله: إن الحر لا يدخل تحت العقد، وأراد بهؤلاء المدبر والمكاتب وأم الولد وعبد الغير م: (وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية) ش: فإنهما باعتبار الرق والتقويم وهما موجودان، ولكن حكم البيع لا يثبت فيهم بل يرد صيانة لحقهم، ولهذا لا يخرجون من أن يكونوا محلا للبيع.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون بيع هؤلاء موقوفا م: (ينعقد) ش: البيع م: (في عبد الغير بإجازته) ش: أي في إجازة الغير وهو مولاه م: (وفي المكاتب) ش: أي ينعقد البيع في المكاتب م: (برضاه في الأصح) ش: احترز به عما روي في " النوادر " عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، أنه لا يصح م: (وفي المدبر) ش: أي ينعقد البيع في المدبر م: (بقضاء القاضي) ش: فإنه إذا قضى ببيع المدبر فإنه يجوز.

(8/195)


وكذا في أم الولد، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إلا أن المالك باستحقاقه المبيع وهؤلاء باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع، فكان هذا إشارة إلى البقاء، كما إذا اشترى عبدين، وهلك أحدهما قبل القبض، وهذا لا يكون شرط القبول في غير المبيع، ولا بيعا بالحصة ابتداء، ولهذا لا يشترط بيان ثمن كل واحد فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا) ش: أي وكذا يجوز م: (في أم الولد) ش: أي في بيعها م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان فيه اختلاف بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يجوزه، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوزه، ثم من بعدهم من السلف أجمعوا على عدم جواز بيعها، فالحاصل أن إجماع المتأخرين مع الاختلاف المتقدم، فعندهما لا يرفع إذ ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع خلاف الصحابة، فكان قضى في مجتهد فيه فينفذ، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع فكان القضاء مخالفا للإجماع فلا ينفذ والمسألة أصولية.
فإن قيل: كيف يصح قوله: موقوف، وقد قال في أول الباب: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب باطل. فالجواب: أنه باطل، إذا لم يجز للمكاتب ولم يقض القاضي بجواز بيع المدبر وأم الولد يدل على ذلك تمام كلامه هناك.
م: (إلا أن المالك) ش: استثناء من قوله: دخلوا تحت العقد، يعني أن المالك م: (باستحقاقه المبيع) ش: وهو العبد الذي كان للغير م: (وهؤلاء) ش: أي المدبر والمكاتب وأم الولد م: (باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن المالك إلى آخره جواب من يقول: لما دخل هؤلاء تحت العقد لقيام المالية ينبغي أن لا يكون بيع هؤلاء فاسدا. فأجاب بقوله: إلا أن المالك إلى آخره، يعني أن البيع الموقوف إذا رد من له ذلك بطل، وهنا كذلك فإن المالك وهؤلاء رده، ولهم ذلك لاستحقاق المالك واستحقاق هؤلاء أنفسهم م: (فكان هذا) ش: أي الوجه بالاستحقاق بعد الدخول م: (إشارة إلى البقاء) ش: أي بقاء البيع، لأن الرد بالاستحقاق لا يكون إلا في البقاء فكان م: (كما إذا اشترى عبدين وهلك أحدهما قبل القبض) ش: فإن العقد يبقى في الباقي بحصته من الثمن بقاء الابتداء.
م: (وهذا) ش: أي الجمع بين القن وأحد المذكورين م: (لا يكون شرط القبول في غير المبيع ولا بيعا) ش: أي ولا يكون بيعا م: (بالحصة ابتداء) ش: بعدما ثبت دخولهم في البيع م: (ولهذا لا يشترط) ش: حالة العقد م: (بيان ثمن كل واحد) ش: من العبد والمدبر م: (فيه) ش: أي فيما إذا جمع بين القن والمدبر أو عبد غيره، وفي " الكافي ": ولو جمع بين وقف وملك وأطلق صح في الملك في الأصح، ولو باع كرما في مسجد قديم إن كان عامرا نفذ البيع وإلا فلا وكذا في المعتبرة.

(8/196)


فصل في أحكامه وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع، وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال، ملك المبيع ولزمته قيمته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان أحكام البيع الفاسد]
[قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد]
م: (فصل في أحكامه)
ش: أي هذا فصل في بيان أحكام البيع الفاسد م: (وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد) ش: إنما عبر بالفاسد، لأن الباطل لا يفيد شيئا م: (بأمر البائع) ش: أي بإذنه صريحا أو دلالة بأن يقبضه في المجلس بحضرته، فإن لم يقبضه بحضرة البائع لم يملكه، بخلاف الصريح فإنه يفيده مطلقا.
م: (وفي العقد عوضان كل واحد منهما) ش: يعني مالا قيد به لفائدة وهي أنه إذا كان أحد العوضين أو كلاهما غير مال فالبيع باطل، كالبيع بالميتة والدم، وبالحر والبيع بالخمر والخنزير فاسد، كما ذكره المصنف في أول باب البيع الفاسد، وفي هذا الفصل شرع في بيان حكمها وهو القبض، فقال: وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد إلى آخره.
ثم ذكر خلاف الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما يدل على أنه لا يفرق بين الفاسد والباطل على ما نقف عليه الآن إن شاء الله تعالى م: (مال ملك المبيع ولزمته قيمته) ش: أي قيمة المبيع وهو قول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - سوى أهل العراق، فإنهم قالوا: إن المشتري في البيع الفاسد بالقبض يملك التصرف ولا يملك المبيع، استدلالا بما قال في كتاب البيوع: إن المشتري إذا أعتقه جاز عتقه، وكان الولاء له لا للبائع لأن البائع سلطه على ذلك، ولهذا لو كان المبيع جارية لا يجوز للمشتري وطئها.
ولو كان دارا لا يجوز فيها الشفعة للشفيع، وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا ليس بصحيح، بل المشتري يملك عين المبيع في قول علمائنا، بدليل أن المبيع لو كان دارا فقبضها فبيعت دار أخرى بجنبها، فللمشتري أن يأخذ الدار بالشفعة.
ولو لم يملك عين الدار لم يجب له الشفعة، ولو كان المبيع جارية فقبضها ثم ردها على البائع وجب الاستبراء، وإنما لم يجز للمشتري أن يطأها لأنه وجب عليه ردها لئلا يكون مصرا على المعصية، فاستعماله بالوطء إعراض عن الرد، فلهذا المعنى لم يجز لا لعدم الملك، وإنما لم يجب فيها الشفعة لأن حق البائع لم ينقطع عنها.
وقال في " شرح الطحاوي ": والأصل في البيع الفاسد أن كل ما يملك بالبيع الجائز يملك بالبيع الفاسد إذا اتصل به القبض بإذن البائع، وكل ما لا يملك بالبيع الجائز لا يملك بالبيع الفاسد، بيانه: من اشترى من رجل عبدا بخمر أو خنزير وتقابضا وهما مسلمان ملك المشتري

(8/197)


وقال الشافعي: لا يملكه، وإن قبضه، لأنه محظور فلا ينال به نعمة الملك، ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد، ولهذا لا يفيده قبل القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم. ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء في الأهلية والمحلية. وركنه مبادلة المال بالمال، وفيه الكلام، والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور، فنفس البيع مشروع وبه تنال نعمة الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد إذا قبضه بإذن البائع، ولا يملك الآخر الخمر والخنزير.
وكذلك لو اشترى من رجل عبدا بمدبر أو مكاتب أو بأم ولد، وتقابضا ملك المشتري إذا قبضه بإذن البائع، ومشتري المدبر والمكاتب وأم الولد لا يملك، وإن قبض بإذن البائع، وكذلك لو اشترى من رجل عبده بمال الغير بغير إذن صاحبه وتقابضا ملك مشتري العبد، ولا يملك الآخر ما قبض حتى يجيز ماله البيع فيه.
م: (وقال الشافعي: لا يملكه، وإن قبضه) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (لأنه محظور) ش: أي حرام م: (فلا ينال به نعمة الملك، ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد) ش: أي بين النهي والمشروعية، إذ النهي يقتضي القبح، والمشروعية تقتضي الحسن وبينهما منافاة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يفيده) ش: أي الملك م: (قبل القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم) ش: وقبضها المشتري فإنه لا يفيد الملك.
م: (ولنا أن ركن البيع) ش: أي ركن البيع الفاسد وهو البيع بالخمر أو الخنزير، وفيه مبادلة المال بالمال بالتراضي م: (صدر من أهله) ش: وهو كونه عاقلا بالغا حال كونه م: (مضافا إلى محله) ش: لأن المبيع فيه مال، والثمن مال من وجه لميلان طباع الناس إلى الخمر والخنزير غير أنه ليس بمتقوم ولإهانة الشرع، فلما كان الثمن مالا من وجه دون وجه لم يبطل البيع بل فسد، فإذا كان كذلك م: (فوجب القول بانعقاده) ش: لوجود شرائط.
م: (ولا خفاء في الأهلية والمحلية، وركنه مبادلة المال بالمال وفيه الكلام) ش: جواب سؤال مقدر بأن يقال: سلمنا بأن ركن البيع مبادلة المال، ولكن لم قلت إنه موجود؟ فأجاب بقوله: وفيه الكلام يعني كلامنا فيما إذا وجد الركن؛ لأن الركن الذي هو المبادلة موجود في جميع البيوع الفاسدة.
م: (والنهي يقرر المشروعية) ش: وهذا جواب عما يقال، قد يكون النهي مانعا، فأجاب بقوله: والنهي يقرر المشروعية م: (عندنا لاقتضائه التصور) ش: ليكون النهي عما يكون ليكون العبد مبتلى بين أن يترك باختياره فيثاب، وبين أن يأتي به فيعاقب عليه م: (فنفس البيع مشروع وبه) ش: أي وبالبيع م: (تنال نعمة الملك) ش: لكن لا بد فيه من قبح مقتضى النهي، فجعلناه في

(8/198)


وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء، وإنما لا يثبت الملك قبل القبض كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور، إذ هو واجب الرفع بالاسترداد، فبالامتناع عن المطالبة أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصفه مجاورا وهو معنى قوله م: (وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء) ش: يعني يوم الجمعة فجعل وصفه عملا بالوجهين.
فإن قيل: المحظور: وقت النداء مجاور، وأما في المتنازع فيه من قبيل ما اتصل به وصفا، فلا يكون قوله كما في البيع وقت النداء صحيحا، وأيضا الحكم هناك الكراهة، وفي المتنازع فيه الفساد.
وأجيب: بأن غرض المصنف في ذكر المجاورة بيان أن المحظور ليس لمعنى في عين النهي عنه كما زعمه الخصم، والمجاور جمعا والمتصل وصفا سببان فيصبح قياس أحدهما على الآخر، وبأن عرضه أن الحكم المنهي عنه ليس البطلان كما يدعيه الخصم، والكراهة والفساد يشتركان في عدم البطلان.
م: (وإنما لا يثبت الملك قبل القبض) ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهذا لا يبيعه قبل القبض، بيانه: أن البيع الفاسد لا يثبت الملك قبل القبض للمبيع.
م: (كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور) ش: أي عن جهة الشارع لأن البيع الفاسد منهي عنه، ولو ثبت الملك قبل القبض يكون التسليم والتسلم واجبا شرعا، فيكون الشارع آمرا وناهيا في شيء واحد، وهذا لا يجوز.
فإن قيل: لو ثبت الملك بعد القبض يلزم تقربه الفساد أيضا.
قلنا: لو ثبت القبض يكون الفساد مضافا إلى نفس البيع.
والبيع مشروع الله تعالى فيكون الفساد مضافا إلى الشارع، ولا كذلك بعد القبض لأن الملك مضاف إلى القبض، والقبض يوجب الضمان كما في المقبوض على سوم الشراء فكان تقرير الفساد مضافا إلى العبد، كذا نقل عن القاضي الأرسابندي، وقيل لأن الفاسد لو ثبت قبل الملك قبل القبض وبعده لكان مساويا للصحيح، ولو ألغينا الملك به لكان مساويا للباطل فأثبتنا الملك بعد القبض به عملا بالدليلين وفيه نوع تأمل لأن الفاسد والباطل متساويان عند الخصم.
م: (إذ هو) ش: تعليل كقوله: كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور، أي لأن البيع الفاسد م: (واجب الرفع بالاسترداد) ش: أي بطلب رد المبيع من يد المشتري فلا جرم لم يفد الملك قبل القبض م: (فبالامتناع عن المطالبة أولى) ش: يعني أن البيع الفاسد إذا أفاد الملك بالقبض يجب

(8/199)


ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترانه بالقبيح فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة، والميتة ليست بمال فانعدم الركن، ولو كان الخمر مثمنا فقد خرجناه، وشيء آخر وهو أن في الخمر الواجب هو القيمة وهي تصلح ثمنا له لا مثمنا، ثم شرط أن يكون القبض بإذن البائع وهو الظاهر إلا أنه يكتفى به دلالة، كما إذا قبضه في مجلس العقد استحسانا، وهو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استرداد المبيع من يد المشتري رفعا للفساد واجتنابا عن المعصية، فبامتناع المشتري عن مطالبة تسليم المبيع منع الفساد أولى من رفع الفساد بالاسترداد، لأن الدفع أسهل من الرفع.
م: (ولأن السبب قد ضعف) ش: دليل ثان على عدم ثبوت الملك قبل القبض، يعني أن السبب وهو البيع الفاسد قد ضعف م: (لمكان اقترانه بالقبيح) ش: وهو النهي عنه فلأجل هذا لم يفد الملك م: (فيشترط اعتضاده) ش: أي تقويته م: (بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة) ش: في احتياجها إلى ما بعضه العقد من القبض.
م: (والميتة ليست بمال) ش: جواب عن قياس الخصم المتنازع فيه على البيع بالميتة، تقريره أن الميتة ليست بمال، وما ليس بمال لا يجوز فيه البيع لفوات ركنه وهو معنى قوله م: (فانعدم الركن) ش: فلا ينعقد العقد فالقياس فاسد م: (ولو كان الخمر مثمنا فقد خرجناه) ش: هذا جواب لقوله: أو باع الخمر بالدرهم يعني ذكرنا تخريجه في أوائل باب البيع الفاسد، وأراد به ما ذكره ثمة لقوله وأما بيع الخمر والخنزير إن كان بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله إلى آخره.
م: (وشيء آخر) ش: أي دليل آخر سوى ما ذكرنا هناك م: (وهو أن في الخمر الواجب هو القيمة) ش: لا عين الخمر لأن المسلم ممنوع عن تسليم الخمر وتسلمها م: (وهي) ش: أي الخمر م: (تصلح ثمنا لا مثمنا) ش: أي مبيعا، فلو قلنا بانعقاد المبيع في هذه الصورة جعلنا القيمة مثمنا، إذ كل عين في مقابلة الدراهم والدنانير في البيع مثمن لتعينها للثمنية خلقة وشرعا، وما عهد في صورة من صور البياعات أن تكون القيمة مثمنا، لأنه يؤدي إلى تغيير المشروع.
م: (ثم شرط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن يكون القبض بإذن البائع) ش: حيث قال: وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع م: (وهو الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (إلا أنه يكتفى به) ش: أي بالإذن.
م: (دلالة) ش: أي من حيث الدلالة م: (كما إذا قبضه) ش: أي المشتري م: (في مجلس العقد استحسانا) ش: أي يصح من حيث الاستحسان م: (وهو الصحيح) ش: أي الاستحسان هو الصحيح، واحترز به عما ذكره صاحب " الإيضاح " وسماه الرواية المشهورة.

(8/200)


لأن البيع تسليط منه على القبض، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق، وكذا القبض في الهبة في مجلس العقد يصح استحسانا،
وشرط أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال، فيخرج عليه البيع بالميتة والدم والحر والريح، والبيع مع نفي الثمن، وقوله لزمته قيمته في ذوات القيم، فأما في ذوات الأمثال يلزمه المثل لأنه مضمون بنفسه بالقبض، فشابه الغصب، وهذا لأن المثل صورة، ومعنى أعدل من المثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال: وما قبضه بغير إذن البائع في البيع الفاسد فهو كما يقبض، وأشار إلى وجه الصحيح بقوله: م: (لأن البيع تسليط منه) ش: أي من البائع م: (على القبض فإذا قبضه بحضرته) ش: أي بحضرة البائع م: (قبل الافتراق ولم ينهه) ش: أي البائع لم ينه المشتري عن القبض م: (كان) ش: أي القبض م: (بحكم التسليط السابق) ش: فيكتفى به م: (وكذا القبض في الهبة في مجلس العقد يصح استحسانا) ش: يعني يكتفى بسكوت الواهب وعدم نهيه الموهوب له عن القبض استحسانا أي من حيث الاستحسان.

م: (وشرط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ: ويشترط م: (أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال فيخرج عليه) ش: أي على قول القدوري م: (البيع بالميتة والدم والحر والريح) ش: بأن قال: بعت هذا الشيء بالريح الشمالي الذي يأتي من هذا الجانب، وذلك المكان ملك المشتري، وفي " الذخيرة ": صورته بأن يكون لإنسان ظرف منقوح فاشترى بذلك الريح الذي في ذلك الظرف ويجعلها في ظرف احترز له م: (والبيع مع نفي الثمن) ش: أي في رواية لأنه إذا نفاه فقد الركن عن العقد فلم يكن بيعا، وفي رواية: ينعقد بيعا لأن نفيه لا يصح، إذ البيع مشتمل على العوضين وما يشتمل على عوضين فهو هبة وصدقة.
وإذا لم يصح صار كأنه سكت عن ذكر الثمن، فلو باع وسكت عن ذكر الثمن ينعقد البيع فاسدا ويثبت الملك بالقبض لأن مطلق العقد يقتضي المعاوضة، فإذا سكت كان عوضه قيمة وكأنه بقيمته فيفسد البيع.
م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لزمته قيمته في ذوات القيم) ش: كالحيوانات والعدديات المتفاوتة م: (فأما في ذوات الأمثال) ش: كالمكيلات والموزونات والعدديات غير المتفاوتة م: (يلزمه المثل لأنه مضمون بنفسه بالقبض) ش: واحترز به عن البيع الصحيح، وقالوا جميعا: فالمرجوع في قيمته أو المثل، أي قول المشتري لأنه هو الذي يلزمه الضمان، فالقول قوله واليمين للبائع، كذا في " شرح مختصر الكرخي " م: (فشابه الغصب) ش: والحكم في الغصب كذلك م: (وهذا) ش: أي وجوب المثل في ذوات الأمثال م: (لأن المثل صورة ومعنى أعدل من المثل

(8/201)


معنى قال: ولكل واحد من المتعاقدين فسخه رفعا للفساد، وهذا قبل القبض ظاهر لأنه لم يفد حكمه، فيكون الفسخ امتناعا منه، وكذا بعد القبض إذا كان الفساد في صلب العقد لقوته، وإن كان الفساد بشرط زائد فمن له الشرط ذلك دون من عليه لقوة العقد، إلا أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معنى) ش: وهو القيمة لأنه إنما يضاف إليها عند العجز عن المثل صورة ومعنى: وإنما لم يلزم الثمن حتى لا يلزم تقرير البيع الفاسد.

[فسخ البيع الفاسد]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولكل واحد من المتعاقدين فسخه) ش: أي حق فسخ البيع الفاسد.
م: (رفعا للفساد) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رفعا للفساد بالراء لا بالدال، كذا السماع، وذلك أن رفع الشيء إنما يكون بعد وقوع ذلك الشيء ودفعه يكون قبل وقوعه، والفساد هنا واقع فكان المسموع هو الصحيح.
قلت: نسخة شيخي أيضا بالراء، ولكن قوله ودفعه يكون قبل وقوعه، والفساد فيه تأمل لأن الدفع بحسب اللغة لا يختص بالقرب والبعد كيلا يقع بتصرفه على المشتري مكروها أو حراما، فقال في "الإيضاح": ويكره للمشتري أن يتصرف فيه بتمليك أو انتفاع لأن الفسخ مستحق حقا لله تعالى، لأن إعدام الفساد واجب، والتصرف فيه تقرير الفساد م: (وهذا) ش: أي كون حق الفسخ لكل منهما م: (قبل القبض ظاهر لأنه) ش: أي لأن البيع الفاسد م: (لم يفد حكمه) ش: وهو الملك م: (فيكون الفسخ امتناعا منه) ش: أي من الحكم م: (وكذا بعد القبض) ش: لكل واحد منهما فسخه.
م: (إذا كان الفساد في صلب العقد) ش: أي في البدل أو المبدل كبيع درهم بدرهمين وبيع ثوب بخمر م: (لقوته) ش: أي لقوة الفساد، ففي الصورتين يملك فسخه بحضرة صاحبه عندهما لأنه إلزام موجب الفسخ، ولا يلزمه إلا بعلمه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بغير حضرته أيضا.
م: (وإن كان الفساد بشرط زائد) ش: بأن باعه على أن يقرضه أو يهبه، كذا أو باعه إلى أجل مجهول، م: (فمن له الشرط ذلك) ش: والنسخة الصحيحة فلمن له الشرط ذلك أي الفسخ ومن له الشرط أي منفعة الشرط هو البائع في صورة الإقراض، والمشتري في صورة الأجل م: (دون من عليه لقوة العقد) ش: دليل قوله: دون من عليه، يعني أن فسخ من عليه لا يجوز لأن العقد قوي لأن الشرط دخل في أمر زائد لا في صلب العقد.
م: (إلا أنه) ش: استثنى من قوله: لقوة العقد يعني أن العقد لما كان قويا كان القياس أن لا

(8/202)


لم تحقق المراضاة في حق من له الشرط.

قال: فإن باعه المشتري نفذ بيعه لأنه ملكه، فملك التصرف فيه وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني، ونقض الأول لحق الشرع، وحق العبد مقدم لحاجته، ولأن الأول مشروع بأصله. دون وصفه، والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يفسخ من له الشرط أيضا إلا أنه م: (لم يتحقق المراضاة في حق من له الشرط) ش: فله أن يفسخه، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أنه إلى آخره جواب سؤال يرد على قوله: لقوة العقد، يعني لما كان العقد قويا ينبغي أن لا يكون لأحد ولاية الفسخ.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن باعه المشتري) ش: أي الذي اشترى بالشراء الفاسد م: (نفذ بيعه لأنه ملكه) ش: بالقبض م: (فملك التصرف فيه) ش: سواء كان بيعا أو هبة أو إعتاقا غير أنه لا يحل له الأكل، إن كان مأكولا، وإن كانت جارية لا يحل له وطؤها، كذا في شرح الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال شمس الأئمة الحلواني: يكره له الوطء ولا يحرم، كذا في " الفتاوى الصغرى "، وفي شرح الطحاوي: وإذا باعه المشتري ليس للبائع إبطاله، وعلى المشتري القيمة أو المثل، إن كان مثليا ويطيب ذلك الملك للثاني لأنه ملكه بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول لأنه لا يحل له ولا يطيب لأنه ملكه بعقد فاسد.
ولو كان المبيع جارية فاستولدها المشتري صارت أم ولد له ويغرم القيمة ولا يغرم العقر في رواية كتاب البيوع، وفي رواية كتاب الشرب عليه العقر ولو رهن المشتري المبيع صح الرهن، وليس للبائع إبطاله، وإن فكه المشتري قبل أن يقضي عليه بالقيمة فإنه يرد على البائع إبطاله، وإن فكه بعد ما قضى عليه بالقيمة فلا سبيل له على المبيع، وإن أجره صحت الإجارة غير أن للبائع أن يبطلها ويسترد المبيع م: (وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني) ش: أي لتعلق حق المشتري الثاني بالعقد الثاني م: (ونقض الأول) ش: أي البيع الأول م: (لحق الشرع) ش: من جهة الفساد فيه وحق الشرع إذا اجتمع مع حق العبد يقدم حق العبد وهو معنى قوله: م: (وحق العبد مقدم لحاجته) ش: لأن الله تعالى غني فالعفو منه أرجى بخلاف حق من الغاصب لأنه تعلق به حق المغصوب منه، وكلاهما حق العبد فيرجح حق المغصوب منه لأنه أسبق، كذا في " المبسوط ".
م: (ولأن الأول) ش: هذا دليل على سقوط حق الاسترداد للبائع بعد بيع المشتري من غيره يعني أن البيع الأول م: (مشروع بأصله) ش: لأنه لا فساد في أصل البيع م: (دون وصفه) ش: لدخول الفساد فيه م: (والثاني) ش: أي البيع الثاني م: (مشروع بأصله ووصفه) ش: لأنه لا فساد فيهما جميعا م: (فلا يعارضه مجرد الوصف) ش: أي فلا يعارض المشروع بأصله ووصفه المشروع

(8/203)


ولأنه حصل بتسليط من جهة البائع، بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة؛ لأن كل واحد منهما حق العبد، ويستويان في المشروعية وما حصل بتسليط من الشفيع.
قال: ومن اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه وأعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز، وعليه القيمة لما ذكرنا؛ أنه ملكه بالقبض فينفذ تصرفاته، وبالإعتاق قد هلك فتلزمه القيمة، وبالبيع والهبة انقطع حق الاسترداد على ما مر، والكتابة والرهن نظير البيع لأنهما لازمان، إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب وفك الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بمجرد الوصف، حاصله أن الفساد لا يعارض الصحيح م: (ولأنه) ش: هذا دليل ثالث على سقوط حق الاسترداد بعد بيع المشتري، أي ولأن البيع الثاني م: (حصل بتسليط من جهة البائع) ش: حيث كان القبض بإذنه فاسترداده نقص ما لم يكن من جهته، وذلك باطل.
فإن قلت: هذا المعنى وهو التسليط وجد قبل بيع المشتري أيضا، ومع هذا لكل واحد من المتعاقدين فسخه إعداما للفساد فانتقض العلة.
قلت: معناه حصل بتسليط من جهة البائع وقد تعلق به حق ثالث فبطل السؤال.
م: (بخلاف تصرف المشتري) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان تعلق حق الغير بالمشتري مانعا من نقض التصرف لم ينتقض تصرفات المشتري في الدار المشفوعة من البيع والهبة والبناء وغيرها لتعلق حقه بها، لكن للشفيع أن ينقضها. وتقرير الجواب ما قاله من قوله: بخلاف تصرف المشتري م: (في الدار المشفوعة لأن كل واحد منهما) ش: أي من حق الشفيع وحق المشتري م: (حق العبد ويستويان في المشروعية، وما حصل بتسليط من الشفيع) ش: أي لم يوجد التسليط من الشفيع لأن التسليط إنما يثبت بالإذن أو بإثبات الملك المطابق للتصرف، ولم يوجد من الشفيع شيء من ذلك فكان له الاسترداد.

[اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه) ش: بإذن البائع م: (وأعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز) ش: أي هذا لأنه كره أن يغير لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعليه القيمة لما ذكرنا) ش: فيما تقدمه م: (أنه ملكه بالقبض فينفذ تصرفاته) ش: وأصل المسألة أن البيع الفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض بالإذن عند أصحابنا، خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر بيان ذلك فيما مضى.
م: (وبالإعتاق قد هلك) ش: أي لم يبق مالية بالعتق م: (فتلزمه القيمة، وبالبيع والهبة انقطع حق الاسترداد على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: لتعلق العبد الثاني، وهو المشتري الثاني.
م: (والكتابة والرهن نظير البيع لأنهما لازمان) ش: فإن الرهن إذا اتصل بالقبض صار لأنه ما في حق الراهن، كالكتابة في حق المولى م: (إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب وفك الرهن

(8/204)


لزوال المانع، وهذا بخلاف الإجارة لأنها تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد عذر، ولأنها تنعقد شيئا فشيئا فيكون الرد امتناعا. قال: وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لزوال المانع) ش: وهو تعلق حق العبد قبل وليس في تخصيصهما في عود الاسترداد زيادة فائدة لإثبات في جميع الصور إذا انتقض التصرفات حتى لو رد المبيع بعيب قبل القضاء بالقيمة أو رجع الواهب في هبته عاد للبائع، ولأنه الاسترداد لعود قديم ملكه إليه ثم عود حق الاسترداد في جميع الصور، إنما يكون إذا لم يقض على المشتري بالقيمة وأما إذا كان بعد القضاء بذلك عند تحول الحق إلى القيمة فلا يعود إلى الغير كما إذا قضى على الغاصب بقيمة المغصوب الآبق ثم عاد.
م: (وهذا) ش: أي انقطاع الاسترداد بالتصرفات المذكورة م: (بخلاف الإجارة) ش: فإن حق الاسترداد فيها لا ينقطع م: (لأنها تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد عذر) ش: من أقوى الأعذار، وفي " الذخيرة " و " المبسوط " لا يبطل حق الاسترداد بالإجارة والنكاح، لأن الإجارة عقد ضعيف يفسخ بالأعذار، وقيام حق الشرع في الرد إفساد السبب من أقوى الأعذار فيفسخ به، ألا ترى أن المشتري لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له فسخ الإجارة للرد بالعيب، فهذا أولى ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من يفسخ الإجارة.
وذكر في " النوادر " أن القاضي يفسخها م: (ولأنها) ش: أي ولأن الإجارة م: (تنعقد شيئا فشيئا فيكون الرد امتناعا) ش: يعني أن الإجارة تنعقد على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا، إلا أن العين أقيمت مقام المنفعة، ففي أي وقت رد العقد كان الرد امتناعا من انعقاد العقد في حق المنفعة التي تحدث بعده لعدم الضرورة، فلا يكون فيه رفع العقد الثابت.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن) ش: الذي أخذه، قال الأترازي: قوله حتى يرد الثمن أي القيمة التي أخذها من المشتري، ذكره بعض الشارحين، وفيه نظر؛ لأن القيمة إنما تجب في البيع الفاسد إذا هلك المبيع، وهنا المبيع قائم، وإنما أثبت محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسم الثمن، وإن كان البيع فاسد التصور بصورة الثمن حيث قوبل بالمبيع.
قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال: هكذا فرارا عن المجاز، وقال الإمام التمرتاشي: هذا الحكم ليس بخصوص البيع الفاسد بل هذا الحكم ثابت في الإجارة الفاسدة والرهن الفاسد والعرض الفاسد اعتبارا بالعقد الجائز إذا تفاسخا، لأن هذه عقود معاوضة فيوجب السوية بين البدلين م: (لأن المبيع مقابل به) ش: أي بالثمن الذي أعطاه المشتري م: (فيصير محبوسا به) ش: أي بالثمن م: (كالرهن) ش: بالدين لكنه يفارقه من وجه آخر، وهو أن

(8/205)


وإن مات البائع فالمشتري أحق به حتى يستوفي الثمن؛ لأنه يقدم عليه في حياته، فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن، ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها لأنها تتعين في البيع الفاسد، وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب، وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا.
قال: ومن باع دارا بيعا فاسدا، فبناها المشتري فعليه قيمتها، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في " الجامع الصغير " ثم شك بعد ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرهن مضمون بقدر الدين لا غير، وهاهنا المبيع مضمون الثمن بجميع قيمته كما في الغصب م: (وإن مات البائع فالمشتري أحق به) ش: أي بالمبيع م: (حتى يستوفي الثمن لأنه يقدم عليه) ش: أي على البائع م: (في حياته فكذا) ش: يقدم م: (على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن) ش: فإنه إذا مات وله ورثة وغرماء فالمرتهن أحق بالرهن من الورثة والغرماء حتى يستوفي الدين.
م: (ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها لأنها تتعين) ش: بالتعيين م: (في البيع الفاسد وهو الأصح) ش: احترز به عن رواية أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لا يتعين كما في البيع الجائز، وقال علاء الدين العالم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " طريقة الخلاف " والمختار عدم التعيين يعني في العقود الفاسدة، وإليه ذهب فخر الإسلام والصدر الشهيد - رحمهما الله - لأن البيع الفاسد في حكم النقض والاسترداد.
ثم كما تتعين الدراهم والدنانير في العقود الفاسدة فتعين في الوديعة والغصب والهبة والوصية في المضاربة والشركة قبل القبض والتسليم، وقال الإمام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه ": إنما يتعين الدراهم والدنانير في البيع الفاسد إذا كان البيع الفاسد صريحا لا يتعين.
ألا ترى أن البيع الفاسد بمنزلة الغصب وكان الثمن في يد البائع بمنزلة المغصوب، والدراهم المغصوبة تتعين حتى وجب رد فيها إن كان قائما، وبه صرح الإمام قاضي خان م: (لأنه) ش: أي لأن الثمن م: (بمنزلة الغصب) ش: لأنه مضمون بالقبض كالغصب م: (وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنه بمنزلة الغصب.

[باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري فعليه قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجل باع من رجل دارا بيعا فاسدا فقبضها المشتري فبنى فيها، قال: ليس للبائع أن يأخذها ولكنه يأخذ قيمتها، ثم شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة بعد ذلك، وقال يعقوب ومحمد - رحمهما الله -: ينقض البناء ويرد الدار إلى صاحبها، إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه) ش: أي روى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجامع الصغير ثم شك) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بعد ذلك) ش: أي بعد الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(8/206)


في الرواية. وقالا: ينقض البناء وترد الدار، والغرس على هذا الاختلاف. لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع، حتى يحتاج فيه إلى القضاء ويبطل بالتأخير بخلاف حق البائع، ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى. وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام، وقد حصل بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع، بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط، ولهذا لا يبطل بهبة المشتري وببيعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شك في حفظهما عنه، وهو معنى قوله م: (في الرواية) ش: عن أبي حنيفة لا في مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن ذكر في " جامع البزدوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال أبو يوسف لمحمد - رحمهما الله -: ما رويت لك عن أبي حنيفة إنما رويت لك أن ينقض البناء، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بل رويت أن يأخذ قيمتها، وقد أشار إلى ذلك في بعض النسخ، فقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثم شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة ولم يزل به أنه شك في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله الأول مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل شك في سماعه عنه.
وفي " الإيضاح " قاله المعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله الأول مع محمد أشار إليه المصنف بقوله:
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينقض البناء وترد الدار) ش: أي على صاحبها كما هو مذكور في " الجامع الصغير " م: (والغرس على هذا الاختلاف) ش: يعني ينقطع به حق الفسخ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة، فإنه قال: إذا اشترى المشتري شراء فاسدا فبنى فيه أو غرس، لا يثبت حق الشفعة للشفيع، وعندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه) ش: أي في حق الشفيع م: (إلى القضاء ويبطل) ش: أي حق الشفيع م: (بالتأخير) ش: أي بتأخير المطلب م: (بخلاف حق البائع) ش: فإنه لا يحتاج إلى ذلك م: (ثم أضعف الحقين) ش: وهما حق الشفيع وحق البائع م: (لا يبطل بالبناء فأقواهما) ش: أي فأقوى الحقين الذي هو حق البائع م: (أولى) ش: بأن لا يبطل م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام) ش: احترازا عن الإجارة م: (وقد حصل) ش: أي كل واحد من البناء والغرس م: (بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد) ش: لأنه لا يجوز للإنسان أن يسعى في نقض ما تم من جهته م: (كالبيع) ش: أي فصار كما إذا باعه المشتري أو وهبه من غيره م: (بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط ولهذا) ش: أي ولأجل عدم التسليط من الشفيع م: (لا يبطل) ش: أي حق الشفيع م: (بهبة المشتري وبيعه) ش: يعني لو وهبها الإنسان أو باعها من آخر.

(8/207)


فكذا ببنائه. وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حفظه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة، فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فكذا ببنائه) ش: أي فكذا لا يبطل ببنائه، وإذا ثبت هذا كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة لانقطاع حق البائع في الاسترداد بالبناء، يصير ورثه حينئذ بمنزلة البيع الصحيح فينقض بناء المشتري واعترض بأنه إذا وجب نقض البناء لحق الشفيع وفيه تقرير العقد الفاسد وجب نقضه لحق البائع بطريق الأولى، لأن فيه إعدام الفاسد، قال الأكمل: وإذا لزم ما ذكر فليس بوارد علي إذ البائع دون الشفيع، ولا يلزم من نقضه لمن ليس بمسلط نقضه لمن سلط فانتفى الأولية وبطلت الملازمة.
م: (وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في حفظه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لما كان هذا الموضع محتاجا إلى تأكيد، كرر المصنف قوله: شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي كلامه نوع العلاق لأنه قال: رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في " الجامع الصغير "، والراوي في " الجامع الصغير " محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه تصنيفه، إلا إذا أريد بالجامع الصغير المسائل التي رواها يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة لمحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حفظ الرواية، قال مشايخنا: شك أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هل يخالف قولهما أم لا، وقع الشك لا يتحقق الاختلاف والأصح على الخلاف، وشك أبي يوسف في الرواية أنه سمع منه أم لا.
م: (وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة) ش: الشفعة للشفيع عندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت م: (فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق الشفعة، فكان انقطاع حق البائع في الاسترداد ثابتا، وعندهما: لا يثبت لأنه لم ينقطع حق البائع في الاسترداد، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال بعض الشارحين: قوله: وثبوته بالرفع عطفا على قوله: مبني وهو ضعيف.
قلت: أراد بعض الشارحين السفناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتبعه على ذلك الكاكي أيضا، ولكن الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما بين وجه الضعف صريحا، والذي يظهر لي أن ثبوته مرفوع بالابتداء أو خبره هو قوله على الاختلاف لأن تحرير الكلام هنا، وتحقيق معناه أن حق استحقاق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع في الاسترداد بالبناء والغرس، وثبوته مختلف فيه، فمن قال بثبوته

(8/208)


قال: ومن اشترى جارية بيعا فاسدا وتقابضا، فباعها وربح فيها تصدق بالربح، ويطيب للبائع ما ربح في الثمن، والفرق أن الجارية مما يتعين فيتعلق العقد بها، فيتمكن الخبث في الربح، والدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود، فلم يتعلق العقد الثاني بعينها، فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق، وهذا في الخبث الذي سببه فساد الملك. أما الخبث لعدم الملك عند أبي حنيفة ومحمد يشمل النوعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال بانقطاع حق البائع
ومن قال بانقطاعه قال بعدم انقطاع حق البائع لأن وجود اللزوم بدون لازمه محال، وعلى هذا فمن حفظه مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ثبوت الشفعة، لا يشك في مذهبه في انقطاع حق البائع في الاسترداد فلم يبق الشك إلا في رواية عنه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فافهم فإنه موضع دقيق يحتاج إلى فكر عميق.

م: (قال: ومن اشترى جارية بيعا فاسدا وتقابضا، فباعها وربح فيها تصدق بالربح، ويطيب للبائع ما ربح في الثمن) ش: البائع هو بائع الجارية م: (والفرق) ش: أي بين الصورتين وهما طيب الربح لبيع الجارية في الثمن، وعدم طيبه لمشتري الجارية م: (أن الجارية مما يتعين فيتعلق العقد بها) ش: أي بعين الجارية.
ومعنى تعين الجارية، أنه إذا باع جارية معينة ليس له أن يعطي جارية أخرى مكانها، ولما تعلق العقد بها وحصل الربح من هذه الجارية كان الربح، جاء من بدل المملوك ملكا فاسدا، فيمكن الخبث في الربح ويتصدق به م: (فيتمكن الخبث في الربح) ش: والخبث عدم الطيب م: (والدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود) ش: أي في عقود البياعات، واحترز به عن الوديعة والشركة والغصب ونحوها. وعند زفر والشافعي - رحمهما الله - يتعينان حتى لو اشترى بدراهم معينة، فحبسها وأعطى البائع غيرها فللبائع أن يأبى ذلك، ولو هلكت الدراهم أو استحقت يبطل البيع عندهما كما في البيع المعين، وعندنا لا يبطل م: (فلم يتعلق العقد الثاني بعينها) ش: أي بعين الدراهم التي باع المشتري الجارية بها م: (فلم يتمكن الخبث، فلا يجب التصدق) ش: لأن الربح حصل بالعقد لا بالدراهم.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من الفرق بين ما يتعين وبين ما لا يتعين، حيث لا يطيب الربح في الأول، ويطيب في الثاني م: (في الخبث الذي سببه فساد الملك) ش: والخبث على نوعين: خبث لفساد الملك، وخبث لعدم الملك، كما يجيء الآن، وكذلك المال على نوعين: نوع لا يتعين في العقد كالدراهم والدنانير، ونوع يتعين بخلافهما.
م: (أما الخبث لعدم الملك عند أبي حنيفة ومحمد يشمل النوعين) ش: أراد بهما ما يتعين من المال

(8/209)


لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة وفيما لا يتعين شبهة، من حيث إنه يتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن، وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة، والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها. قال: وكذا إذا ادعى على آخر مالا فقضاه إياه، ثم تصادقا، أنه لم يكن عليه شيء، وقد ربح المدعي في الدراهم يطيب له الربح، لأن الخبث لفساد الملك هاهنا؛ لأن الدين وجب بالتسمية ثم استحق بالتصادق، وبدل المستحق مملوك فلا يعمل فيما لا يتعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وما لا يتعين م: (لتعلق العقد) ش: أي بمال الغير م: (فيما يتعين حقيقة) ش: أي من حيث حقيقة الخبث م: (وفيما لا يتعين شبهة) ش: أي من حيث الشبهة، أي شبهة الخبث، وبينه بقوله م: (من حيث إنه يتعلق به) ش: أي بمال يتعين م: (سلامة المبيع) ش: بأن ينقد الدراهم المغصوبة م: (أو تقدير الثمن) ش: عطف على قوله: سلامة المبيع، يعني أن الخبث لعدم الملك إنما يثبت فما لا يتعين بطريق الشبهة لأنه تعلق به سلامة المبيع كما قلنا أو تقدير الثمن بأن يشير إلى الدراهم المغصوبة، ونقد من غيرها م: (وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة) ش: يعني أن الخبث لفساد الملك تنقلب حقيقة شبهة أي ما كان من الخبث بسبيل الحقيقة في الخبث لعدم الملك، كما في ما يتعين يكون ذلك الخبث فيما يتعين شبهة لفساد الملك لأن الخبث لفساد الملك أدنى من الخبث لعدم الملك م: (والشبهة) ش: باعتبار فساد الملك فيما لا يتعين م: (تنزل إلى شبهة الشبهة) ش: فيما لا يتعين م: (والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها) ش: أي من الشبهة لأن شبهة الشبهة إذا اعتبرت، ينسد باب العقود إذ لا يخلو عن شبهة الشبهة.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكذا إذا ادعى) ش: رجل م: (على آخر مالا) ش: بأن ادعى عليه ألف درهم مثلا م: (فقضاه إياه) ش: أي فقضى الرجل المال م: (ثم تصادقا، أنه لم يكن عليه شيء) ش: والحال م: (وقد ربح المدعي في الدراهم يطيب له الربح؛ لأن الخبث لفساد الملك هاهنا؛ لأن الدين وجب بالتسمية) ش: بدعوى الدعوى م: (ثم استحق بالتصادق وبدل المستحق مملوك) ش: ملكا فاسدا والمستحق هو الدين والبدل الدراهم م: (فلا يعمل) ش: أي الخبث م: (فيما لا يتعين) ش: لأن الخبث لفساد الملك لا أثر له فيما لا يتعين، لأنه شبهة الشبهة، ولهذا طاب له الربح ولم يجب التصدق به.

(8/210)


فصل فيما يكره قال: ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش، وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب غيره، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تناجشوا» ،
قال: وعن السوم على سوم غيره، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان ما يكره في باب البيوع]
[المكروه أدنى درجة من الفاسد]
م: (فصل فيما يكره) ش: أي هذا فصل في بيان ما يكره في باب البيوع، والمكروه أدنى درجة من الفاسد، ولكن هو شعبة من شعبه فلذلك ألحقه به وأخره عنه، وقد علم في الأصول أن الفسخ إذا كان لأمر متجاوز كان مكروها، وإذا كان لوصف متصل كان فاسدا م: (قال: «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش» ش: بفتحتين، ويروى بالسكون، وقيل: بالتحريك اسم وبالسكون مصدر. وهو مكروه بإجماع الأئمة الأربعة، قوله: «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش،» لفظ القدوري وفسره المصنف بقوله: م: (وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب) ش: من الترغيب م: (غيره) ش: فيوقعه فيه، ثم ذكر الحديث بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تناجشوا» ش: هذا الحديث رواه البخاري بإسناده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا» الحديث، ورى البخاري أيضا: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش".»

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وعن السوم على سوم غيره) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه» ش: هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تلقي الركبان وأن يبيع حاضر لباد الحديث. وفي آخره: وأن يستام الرجل على سوم أخيه» ورواه محمد في كتاب الآثار: أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته» الحديث.
وفي " شرح الطحاوي ": وصورته أن يتراوض الرجلان على السلعة ويتساومان عليها ويرضى البائع والمشتري بذلك ولم يعقد عقد المبيع حتى ساومه آخر على سومه واشتراه منه، فإنه يجوز في الحكم، ولكنه يكره هذا، إذا جنح قلب البائع إلى البيع من الأول بما طلب منه من الثمن، وأما إذا لم يجنح قلبه ولم يرض بذلك فلا بأس للثاني أن يشتريه لأن هذا بيع من يزيد.

(8/211)


ولأن في ذلك إيحاشا وإضرارا، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، أما إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد، ولا بأس به على ما نذكره، وما ذكرناه محمل النهي في النكاح أيضا.
قال: وعن تلقي الجلب وهذا إذا كان يضر بأهل البلد، فإن كان لا يضر فلا بأس به إلا إذا لبس السعر على الواردين، فحينئذ يكره لما فيه من الغرر والضرر.
وقال: وعن بيع الحاضر للبادي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد وكذلك الرجل إذا خطب امرأة وجنح قلبها إليه كره لغيره أن يخطبها، وإن لم يجنح قلبها إلى الأول فلا بأس للثاني أن يخطبها.
وفي " الكافي ": السوم أن يزيد في الثمن بعد تقرير لإرادة الشراء م: (ولأن في ذلك) ش: أي في السوم على أخيه م: (إيحاشا) ش: أي إلقاء الوحشة في قلبه م: (وإضرارا) ش: في زيادة الثمن م: (وهذا) ش: أي كون السوم مكروها م: (إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، أما إذا لم يركن) ش: أي فإذا لم يرض ولم يجنح م: (أحدهما إلى الآخر فهو) ش: أي السوم م: (بيع من يزيد، ولا بأس به) ش: حينئذ م: (على ما نذكره) ش: إشارة إلى قوله: وقد صح أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد» وسيجيء عن قريب وقد ذكرناه أيضا. م: (وما ذكرناه) ش: أراد به قوله: وهذا إذا تراضى المتعاقدان م: (محمل النهي في النكاح أيضا) ش: يعني إذا ركن قلب المرأة إلى الخاطب يكره خطبة غيره فإذا لم يركن فلا يكره.

[تلقي الجلب]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعن تلقي الجلب) ش: أي «ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي الجلب» أي المجلوب، صورته أن واحدا من أهل المصر أخبر بمجيء قافلة بمسيرة عظيمة فيخرج ويتلقاهما ويشتري منهم ما يتمارون ويدخل المصر ويبيعه على ما يريد من الثمن م: (وهذا) ش: أي تلقي الجلب على ما وصفناه إنما يكره م: (إذا كان يضر بأهل البلد) ش: بأن يكونوا في ضيق من جدب وقحط م: (فإن كان لا يضر) ش: أهل البلد ذلك م: (فلا بأس به إلا إذا لبس السعر عل الواردين) ش: بأن يشتري منهم بأرخص من سعر المصر وهم لا يعلمون بالسعر م: (فحينئذ يكره لما فيه من الغرر) ش: في حقهم م: (والضرر) ش: لأهل المصر وكلاهما قبيح.

م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره": م: (وعن بيع الحاضر للبادي) ش: وفسره ابن

(8/212)


فقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لا يبيع الحاضر للبادي، وهذا إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز، وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الإضرار بهم، أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر،
قال: والبيع عند أذان الجمعة، قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية: 9) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: لا يكون له سمادا وبينه الحلواني حيث قال: صورته أن يجيء القروي بالطعام إلى المصر فلا بد للسمسار الحاضر أن يبيع القروي بنفسه، بل يقول له: لا تفعل شيئا فلا أعلم، فيتوكل هذا السمسار الحاضر من البادي ويبيعه ويعلي على الناس السعر، فلو تركه يبيعه بنفسه ربما يرخص، وهذا مبني لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يبيع حاضر لباد وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» رواه مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول: "لا يبيع حاضر لباد" وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا، وقال ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي كلمة جامعة للبيع والشراء ويجيء الآن تفسير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله: لا يبيع حاضر لباد م: (فقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يبيع الحاضر للبادي» ش: وقد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظ الحديث في كتب الحديث بلفظ النكرة في الحاضر والبادي.
م: (وهذا) ش: أي كراهة بيع الحاضر للبادي م: (إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز) ش: أي ضيق م: (وهو) ش: أي الحاضر م: (أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي) ش: ويبيعه من أهل البادية بثمن غال، وأهل المصر يتضررون بذلك فلا يجوز م: (لما فيه من الإضرار بهم) ش: أي بأهل البلد م: (أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر) ش: وهكذا قال في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[البيع عند أذان الجمعة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والبيع عند أذان الجمعة) ش: أي ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البيع عند أذان الجمعة هكذا فسره الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو بالجر معطوف على قوله عن النجش، وهو أيضا يؤدي معنى ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر فيه النهي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك صريحا، وإنما قال: م: قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية: 9) ، ش: ولكن ما نهى الله عز وجل عن شيء وهو أيضا نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومعنى ذروا: اتركوا أمرا للجماعة من يذرون ما أتوا ما فيه وأصله اذروا أو ذروا حذفت الواو تبعا لفعله واستغني عن الهمزة فحذفت فصار ذروا، وأقل أحوال النهي الكراهة، ولأن السعي إلى الجمعة واجب بالنص.
وفي الاشتغال بالبيع والشراء أو بالنوم ونحو ذلك ترك السعي الواجب، وقد مر الكلام

(8/213)


ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه، وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة.
قال: وكل ذلك يكره لما ذكرنا، ولا يفسد به البيع لأن الفساد في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة،
قال: ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه مستقصى في باب الجمعة م: (ثم فيه) ش: أي في الاشتغال بالبيع م: (إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه) ش: بأن عقدا ووقفا ولم يسعيا، وأما إذا كانا يمشيان ويبيعان فلا بأس به، ذكره أبو الليث في أصوله م: (وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة) ش: أراد به ما ذكره في باب الجمعة، والأصح أن المعتبر هو الأول أي الأذان الأول إذا كان بعد الزوال، لحصول الإعلام به.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل ذلك يكره) ش: أي كل ما ذكرنا من أول الفصل إلى هنا مكروه وهو النجش والسوم على سوم غيره، وتلقي الجلب، وبيع الحاضر للباد، والبيع عند أذان الجمعة م: (لما ذكرنا) ش: أي لما ذكرنا من الدلائل في كل واحد منهما بمفرده.
م: (ولا يفسد به البيع) ش: أي بالنهي المذكور حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن يثبت الخيار في وجه في صورة تلقي الركبان، إذ ليس السعر عليهم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بيع التناجش باطل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ضعيفة، وفي صورة تلقي الركبان البيع باطل عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا بيع الحاضر للبادي وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الفساد في معنى خارج زائد) ش: أي مجاور م: (لا في صلب العقد) ش: أي لا متصل به م: (ولا في شرائط الصحة) ش: من الحرية والعقل والبلوغ، قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأراد بقوله: خارج مجاور لا مطلق الخارج بدليل قوله: زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، وإلا يشكل بالبيوع الفاسدة بالشرط، فإن الفساد لمعنى خارج لكن ليس مجاورا، لهذا قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: لمعنى خارج مشكل إلا أن يؤول خارج بالمجاور.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فإذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد» .
ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة فأخرجه أبو داود في "الزكاة"، وابن ماجه في "التجارات" عن عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر عبد الله الحنفي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسأله، فقال له: " أما في بيتك شيء؟ "

(8/214)


..
....
....
....
....
....
....
....
....
....
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: "ائتني بهما" فأتاه بهما فأخذهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وقال: "من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثا، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر فأسا فائتني به". فأتاه به فشد فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عودا بيده ثم قال: "اذهب واحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» وأخرجه الترمذي مختصرا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع حلسا وقدحا فيمن يزيد» وكذلك أخرجه النسائي مختصرا.
فإن قلت: كيف يقول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد صح، وضعفه العقيلي في كتابه والأخضر بن عجلان ذكره الأزدي في الضعفاء وأبو بكر الحنفي، قال ابن القطان: فيه مجهول لا أعرف أحدا نقل عدالته.
قلت: هذا الحديث لما رواه الترمذي حسنه، وعند البعض: الحسن من الصحيح والأخضر ابن عجلان وثقه البخاري، وأبو بكر الحنفي روى عنه جماعة وحسن الترمذي حديثه، ولولا أنه ثقة عنده لما حسن حديثه.
فإن قلت: كيف باع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحلس والقدح بغير إذن صاحبهما؟
قلت: قيل: يجوز للحاكم أن يبيع على المعسر.
فإن قلت: قال الترمذي: لم ينقل أنه كان معسرا.
قلت: كانت نفقة أهله واجبة عليه فهي كالدين، قلت: لا يحتاج إلى هذه التكلفات، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء فيتصرف على وجه المصلحة.
فإن قلت: قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، لم يروا بما شاء ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث [بأسا] .
قلت: قال ابن العربي: والباب واحد والمعنى مشترك لا يختص به غنيمة ولا ميراث والحلس بكسر الحاء المهملة كساء يطرح على ظهر البعير أو الحمار، والجمع أحلاس وحلوس كذا في الجمهرة، ويقال: فلان حلس بيته إذا لم ينزح منه.

(8/215)


ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه نوع منه. قال: ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما كبيرا، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: مدقع من الدقعاء وهو التراب، ومعنى فقر مدقع أي شديد يفضي بصاحبه إلى التراب.
وقيل: وهو سواء احتمال الفقر، قوله: أو لذي غرم مفظع أي لذي خلعة لازمة من غرامة مثقلة، وقال ابن الأثير: المفظع الشديد الشنيع، وقد أقطع يقطع فهو مقطع وقطع الأمر فهو قطيع، قوله: لذي دم موجع: هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤدها قبل التحمل عنه فيوجعه قتله.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيع من يزيد م: (بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه) ش: أي الحاجة داعية إلى ذلك، وتوارثها الناس في الأسواق م: (نوع منه) ش: أي من البيع المكروه، وإنما فصل هذا لما أن الكراهة في الدين تذكر بعد لمعنى راجع إلى المعقود عليه، والكراهة فيما ذكر قبل لمعنى يرجع إلى غير المعقود عليه، أو لأن الذي يذكر بعد مسائل مختلفة يجمعها معنى واحد وهو التفريق بخلاف الأول؛ لأن فيها مسائل شتى ولها أصول مختلفة.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصل هذا عما تقدم لأن هذا النوع له باب على حدة في الأصل والزيادات، ولهذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره في باب على حدة، قلت: على ما ذكره كان ينبغي أن يذكر له بابا على حدة.
م: (قال: ومن ملك مملوكين) ش: إنما قال: ملك، ولم يقل: اشترى لتناول وجوه سبب الملك من قبول الهبة والوصية والإرث والشراء م: (صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر) ش: وقيد بالصغيرين لأنه يكره في الكبيرين م: (لم يفرق بينهما) ش: ومراده بالتفريق أن يكون ذلك في ملك واحد، لأنه إذا كان أحدهما في ملك رجل والآخر في ملك الآخر لم يكره التفريق، ألا ترى إلى ما قال في " الشامل ": ولو كان أحدهما مملوكا له، والآخر لولده الصغير أو مكاتبه أو مضاربه جاز التفريق.
قال في " شرح الطحاوي ": إذا كان له ولدان صغيران فدخل أحدهما في ملك أحدهما الآخر فلا بأس ببيع أحدهما، وإن كان يملك بيعهما جميعا، وقال فيه أيضا: وكما يكره التفريق في البيع فكذلك يكره التفريق في القسمة في الميراث والغنائم.
م: (وكذلك) ش: أي لم يفرق م: (إن كان أحدهما) ش: أي أحد المملوكين م: (كبيرا) ش: وإلا صغيرا م: (الأصل فيه) ش: أي في هذا النوع م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي

(8/216)


«من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» «ووهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غلامين أخوين صغيرين، ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» .
ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من فرق.... " إلخ نحوه، وقال: حديث حسن غريب.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": روينا عن أبي أيوب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته» قال: وهكذا ذكر لفظ الحديث شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الشامل " و" الكفاية "، وكذا ذكره في "شرح الأقطع " و" الإيضاح "، ولكن ذكر صاحب " الهداية " بلفظ الأحبة.
قلت: المحدثون رووه بلفظ الأحبة، منهم الترمذي كما ذكرنا، والحاكم، والبيهقي، والدارمي، والدارقطني، وأحمد في مسنده بعضه، وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الترمذي: استدل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعموم الحديث على أنه لا يصح التفريق بين الأم وولدها الكبير في البيع ونحوه وهو رواية ابن الحكم عن مالك، وقال أيضا: هل يحصل الحكم بالوالدة أو يدخل فيه الجدة للأب، وكذلك الولد الصغير مع الولد هل يجوز التفريق بينهما بالبيع ونحوه. كذلك الجدة للأب والجد للأب صرح أصحابنا بأن الجدة كالأم عند عدم الأم، وكذلك الجد كالأب عند عدم الأب، فإن كان له أم أو أب رقيقان حرم التفريق بينه وبين الأم، وجاز التفريق بينه وبين الأب، وكذلك لو كان له أم وجدة لم يجز التفريق بينه وبين الأم، فإن بيع مع جدته دون أمه فالأصح أنه حرام.
وقال أيضا: فيه حجة للصحيح من الوجهين عند أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يزول تحريم التفريق بإذن الأم في أن يفرق بينها وبين ولدها، وبناه بعض العلماء على أن الحق في هذا هل هو لحق الوالدة أو لحق الله تعالى؟ فإن كان لحق الوالدة جاز التفريق بإذنها، وإن كان لحق الولد أو لحق الله تعالى فلا يجوز التفريق وإن أذنت، وجوز مالك التفريق بإذنها.
م: «ووهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غلامين صغيرين ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ "،

(8/217)


فقال: بعت أحدهما فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أدرك أدرك"، ويروى: "اردد، اردد» ، ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير، والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد، وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال: بعت أحدهما، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أدرك أدرك"، ويروى: "اردد، اردد") » ش: هذا رواه الترمذي وابن ماجه عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وهب لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غلاماك أخوين فبعت أحدهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا علي ما فعل غلاماك" فأخبرته، فقال: "رده".» ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وقال أبو داود في "سننه": ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليا فإنه قتل في الجماجم في سنة ثلاث وثمانين.
وأخرج الدارقطني في "سننه"، والحاكم في "مستدركه" عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدم علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبي فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما، ثم أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فقال: "أدركهما وارتجعهما وهما جميعا، ولا تفرق بينهما» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
م: (ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير) ش: أي ويستأنس بالكبير أيضا، ففي التفريق زوال الأنس وزيادة الإيحاش فيكره ما لم يبلغ الغلام، أو تحض الجارية، فإذا بلغا لا يكره التفريق م: (والكبير يتعاهده) ش: أي يتعاهد الصغير أي يقوم بحوائجه باعتبار الشفقة الناشئة من قرب القرابة م: (فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه) ش: أي على ترك المرحمة، وفيه أحاديث:
منها: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".»

(8/218)


ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم، ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما، لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها: حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الترمذي عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا.
ومنها: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الترمذي أيضا مرفوعا نحوه.
ومنها: حديث رواه أبو يعلى الموصلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن أنس مرفوعا: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".»
م: (ثم المنع) ش: أي المنع من التفريق م: (معلول بالقرابة المحرمة للنكاح) ش: بأن يكون أحدهما ذا رحم محرم من الآخر م: (حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب) ش: كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
م: (ولا قريب غير محرم) ش: أي ولا يدخل فيه محرم كالأخت من الرضاع وكامرأة الأب م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في المبيع من التفريق م: (الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأن النص ورد بخلاف القياس) ش: فإن القياس أن يتصرف المالك في ملكه كيف شاء م: (فيقتصر على مورده) ش: أي مورد النص وهو القرابة المحرمة للنكاح.
فإن قلت: كيف يكون على خلاف القياس، والمعنى هو قطع المعاهدة بالتفريق موجود؟
قلنا: وجود المعنى يدل على أنه لا يكون على خلاف القياس، فإن السلم شرع لحاجة المفاليس، ومع ذلك شرع على خلاف القياس، كذا قيل: لو كان منع التفريق معلوما بالقرابة المحرمة للنكاح لما جاز التفريق عند وجود هذه العلة، وقد جاز في مواضع مع وجودها.
أحدها: ما إذا كان أحد المملوكين بحال لا يمكن للمولى أن يبيعه بأن دبره، ولا بأس ببيع الذي هو محل البيع هنا وإن حصل التفريق.
والثاني: ما إذا جنى أحدهما، فلا بأس أن يدفعه المولى إلى ولي الجناية مع أن له منع البيع باختيار الفداء.

(8/219)


ولا بد من اجتماعهما في ملكه لما ذكرنا، حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثالث: ما لو استهلك مال أمان يباع فيه مع أن للمولى ولاية المنع بأداء قيمته.
والرابع: ما لو كانا مملوكين لحربي مستأمن فإنه يجوز للمسلم أن يشتري أحدهما مع أن كل موضع يكره التفريق بالبيع يكره التفريق بالشراء، وهاهنا لا يكره.
والخامس: أنه لو كان ثلاثة إخوة في يد رجل وأحدهم صغير فللمالك أن يبيع أحد الكبيرين استحسانا مع وجود التفريق.
والسادس: ما إذا اشتراهما ووجد بأحدهما عيبا فله أن يرده ويمسك الثاني في ظاهر الرواية.
والسابع: ما لو كان أحدهما أعتقه على مال أو غير مال فيقع التفريق باعتبار الإخراج عن الملك.
الثامن: أنه لو كان في يد رجل أمة، ولها ولد صغير مراهق يجوز بيعه باختياره ورضى أمه، والمسائل من المبسوط والإيضاح وشرح الطحاوي.
قلنا: أما الجواب عن الأول: أنه إنما لم يجوز التفريق باعتبار ضرر المملوك، فلو منعناه من بيع الآخر لحق الضرر للمولى فيه، وتعارض الضررين، فنفي الضرر عن المولى أولى لئلا يلزم الحجر عن التصرف في ملكه، وكذلك الجواب في الثاني والثالث.
وعن الرابع: أنه لو لم يجز شراء المسلم منه لذهب الحربي بينهما إلى دار الحرب، وضرر فساده في دار الحرب ثابت في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلعرضية الأمن والقتل إذ الظاهر من حال من يشأ في دارهم كان على دينهم، وأما ضرر الآخر فظاهر.
وأما الخامس: بأن المنع لحق الصغير وجه مرعي إذا كان معه أحد الكبيرين ليستأنس به ويقوم بحوائجه، مع أن فيه رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكره أيضا.
وعن السادس: بالجواب عن الثاني.
وعن السابع: أن الكتابة والإعتاق هو عين الجمع بأكمل الوجوه، إذ المكاتب أو المعتق صار أحق بنفسه، فيدور هو حيث ما دار أخوه فيتعاهد أموره.
وعن الثامن: أنه لما رضيا بالتفريق لم يبق الضرر فيجوز.
م: (ولا بد من اجتماعهما) ش: أي اجتماع المملوكين الصغيرين م: (في ملكه لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من فرق بين والدة وولدها» م: (حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره) ش: وفي بعض النسخ، والآخر لغيره وهو الأظهر، لأن لفظ الغير مطلقا يتناول

(8/220)


لا بأس ببيع واحد منهما، ولو كان التفريق بحق مستحق لا بأس به كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ورده بالعيب؛ لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به.
قال: فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز في قرابة الولادة ويجوز في غيرها. وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك لما روينا، فإن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل من هو غير المالك م: (لا بأس ببيع واحد منهما) ش: أي من الاثنين المذكورين لأن التفريق إنما يتحقق في ملك واحد لا في ملك اثنين.
م: (ولو كان التفريق بحق) ش: أي بسبب حق م: (مستحق لا بأس به) ش: أي بالتفريق ومثل لذلك بقوله: م: (كدفع أحدهما بالجناية) ش: بأن جنى أحدهما فدفعه م: (وبيعه بالدين) ش: بأن كان مأذونا وأحاط به دينه أو وجب الدين على المالك ولا مال له م: (ورده بالعيب) ش: بأن اشتراهما وكان بأحدهما عيب لم يظهر عند العقد، وعلل بقوله: م: (لأن المنظور إليه) ش: في منع التفريق م: (دفع الضرر عن غيره) ش: أي عن غير الصغير م: (لا الإضرار به) ش: أي بالصغير.
وحاصل الكلام: أن التفريق إنما نهي عنه لدفع الضرر عن الصغير وليس من شرط دفع الضرر عن شخص إلحاق الضرر بغيره، فإذا تعلق بأحدهما حق فالمنع من إيفاء الحق الضرار بصاحب الحق، وإنما حصل الإضرار بالصغير ضمنا لحق مستحق فلا يلتفت إليه لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد) ش: الكراهة بالإجماع وفي الجواز خلاف، فعند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - يجوز وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في قرابة الولادة) ش: أي في الولدين والمولودين، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح م: (ويجوز في غيرها) ش: أي غير الوالدين والمولودين م: (وعنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في جميع ذلك) ش: أي في قرابة الولادة وغيرها، وبه قال زفر والحسن وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الحديث: بعت أحدهما وقد مر م: (فإن الأمر بالإدراك) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث المذكور: أدرك.
م: (والرد) ش: أي القول بالرد في قوله: ويروى اردد، اردد م: (لا يكون إلا في البيع الفاسد) ش: وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ينبغي لأحد أن يفرق بين ذي رحم محرم فيهما صغير، فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يكره ذلك، ولا يفسخ البيع، وكان أبو يوسف ومحمد

(8/221)


ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشبه كراهة الاستيام، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - يكرهان ذلك ولا يفسخان البيع.
وكذلك الحكم فيه حتى يبلغ الصغير غير أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في الصبي: إذا كان أخوان أو أختان أو عمتان أو خالتان فإنه لا بأس ببيع واحد من ذلك واحتباس الصغير مع الآخر، هذا لفظ الطحاوي، وقد ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف كما ترى، وقد ذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره قول محمد مع أبي حنيفة كما ذكره المصنف.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ركن البيع صدر من أهله) ش: وهو العاقل البالغ حال كونه مضافا م: (في محله) ش: وهو المالية م: (وإنما الكراهة لمعنى مجاور) ش: وهو للرخصة الحاصلة بالتفريق م: (فشابه كراهة الاستيام) ش: أي السوم على سوم أخيه فإنه مكروه لا فاسد، والحديث محمول على طلب الإقالة أو بيع آخر ممن باع من أحدهما م: (وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما لأنه ليس في معنى ما ورد به النص) ش: لأن معنى ما ورد به الشرع هو أن التفريق قطع الاستئناس.
وترك التعاهد وليس هذا في الكبيرين م: (وقد صح أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (فرق بين مارية وسيرين وكانتا أمتين أختين) ش: بيان هذا ما رواه البزار في مسنده من «حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أهدى المقوقس القبطي لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاريتين وبغلة كان يركبها، فأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مارية أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهي أم عبد الرحمن بن حسان» .
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق في " دلائل النبوة " عن الزهري «عن عبد الرحمن بن عبد القادر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله ومخرجه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة مسروجة وجاريتين، إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها

(8/222)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجهم بن قيس العقدي، وهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر،» انتهى، وهذا مرسل ومخالف لما رواه البزار كما تراه.
ولكن الجمع بينهما بحديث آخر رواه البيهقي أيضا بإسناده إلى «حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزلني في منزله فأقمت عنده ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته إلى أن قال: وهذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، فأهدى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث جوار منهن: أم إبراهيم ابن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وواحدة وهبها - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري:» انتهى.
قلت: أبو جهم ذكره أبو عمر في " الاستيعاب " وقال: قيل اسمه عامر بن حذيفة، وقيل: عبيد بن حذيفة أسلم عام الفتح وصحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، توفي آخر خلافة معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما جهم بن قيس فذكره أيضا في الاستيعاب، وقال: جهم بن قيس بن عبد بن شراحبيل بن عبد مناف بن عبد الدار. وقال: هاجر إلى الأرض الحبشة مع امرأته، وتوفيت امرأته هناك.
ولم يتعرض إلى قضية هبة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إياه الجارية، ولا في أبي جهم، وأما سيرين فقد ذكرها أبو عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الاستيعاب في باب السين المهملة، وكذا ذكرها الذهبي في تجريد الصحابة وذكرها الأترازي بثلاث نقط على السين، والظاهر أنه سهو.

(8/223)