البناية شرح الهداية

باب الإقالة
الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» . ولأن العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا لحاجتهما، فإن شرط أكثر منه أو أقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الإقالة]
[تعريف الإقالة]
م: (باب الإقالة)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإقالة، قيل: الإقالة مشتق من القول والهمزة للسلب كأشكى يعني أزال القول السابق [....
....] .
والجوهري ذكرها في " الصحاح " في القاف مع الياء وأقلته البيع إقالة وهو فسخه ورفعه، وذكر في " مجموع اللغة " قال: أقال البيع قيلا وإقالة فسخ، والمناسبة بين هذا الباب وبين الذي قبله هي أن الخلاص من حيث البيع فاسد والمكروه لما كان بالفسخ كان للإقالة تعلقا خاصا بها فذكر عقبها.

[حكم الإقالة]
م: (الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول) ش: لا خلاف للأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في جواز الإقالة ولكن خلافهم أنها فسخ أو بيع على ما يأتي، والدليل على جوازها الحديث الذي يأتي ولأن الإقالة رفع العقد والعقد حق المتعاقدين وقد انعقد بتراضيهما فكان لهما رفعه دفعا للحاجة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م: م: «من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أقال مسلما ببيعته أقال الله عثرته» ، زاد ابن ماجه يوم القيامة، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال ابن حبان فيه: يوم القيامة دون الحاكم ونادما عند البيهقي.
م: (ولأن العقد) ش: أي عقد البيع م: (حقهما فيملكان رفعه) ش: أي رفع العقد الذي وقع بينهما م: (دفعا) ش: أي لأجل الدفع م: (لحاجتهما) ش: لأن كل من كان له حق يملك رفعه م: (فإن شرط أكثر منه) ش: أي من الثمن الأول م: (أو أقل) ش: أي أو شرط الأقل من الثمن الأول م:

(8/224)


فالشرط باطل ويرد مثل الثمن الأول، والأصل أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما، إلا أنه لا يمكن جعله فسخا فتبطل، وهذا عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بيع إلا أنه لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخا، إلا أنه لا يمكن فتبطل. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخا فيجعل بيعا، إلا أنه لا يمكن فتبطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالشرط باطل) ش: ولا يسقط رد الثمن من البائع، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الإقالة فاسدة والثمن على حال، وإذا كان الشرط المذكور باطلا م: (ويرد) ش: أي البائع م: (مثل الثمن الأول) ش: الذي وقع العقد عليه.
م: (والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين) ش: في جميع الأحوال منقولا كان المبيع أو غير منقول، مقبوض أو غير مقبوض م: (بيع جديد) ش: أي الإقالة بيع م: (في حق غيرهما) ش: ولهذا تجب الشفعة للشفيع فيما إذا باع دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم تقايلا وعاد المبيع إلى ملك البائع، ولو كانت الإقالة بيعا لما جاز لكونه قبل القبض بل هي جديد في حق غيرهما م: (إلا أنه لا يمكن جعله فسخا فتبطل) ش: أي الإقالة كما إذا ولدت المبيعة بعد القبض ولدا فإن الزيادة المنفصلة تمنع فسخ العقد حقا للشرع.
م: (وهذا) ش: أي المذكور كله م: (عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بيع) ش: أي الإقالة بيع، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور أو بالنظر إلى أن لفظ الإقالة في الأصل مصدر م: (إلا أنه لا يمكن جعله بيعا) ش: كما إذا تقايلا في المنقول قبل القبض م: (فيجعل فسخا إلا أنه لا يمكن) ش: أي جعله فسخا م: (فتبطل) ش: أي الإقالة كما إذا تقايل في العروض المبيعة بالدراهم بعد هلاكها، أو تقايلا في المنقول قبل القبض على خلاف جنس الثمن الأول، لأن بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز والفسخ يكون بالثمن الأول وقد سميا ثمنا آخر.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ، إلا إذا تعذر جعله فسخا) ش: أي إلا إذا تعذر جعل عقد الإقالة فسخا، بأن تقايلا بعد القبض بالثمن الأول بعد الزيادة المنفصلة أو تقايلا بعد القبض بخلاف جنس الثمن الأول، م: (فيجعل بيعا إلا أنه لا يمكن) ش: أي جعله بيعا كما في صورة بيع العروض بالدراهم بعد هلاكها م: (فتبطل) ش: أي الإقالة ويبقى العقد على حاله.
وفي " الذخيرة ": هذا الخلاف بينهم فيما إذا حصل الفسخ بلفظ الإقالة، أما إذا جعل بلفظ المفاسخة والمبادلة أو الرد فإنها لا تجعل بيعا وإن أمكن أن تجعل بيعا، وفي " شرح الوجيز ": إذا كانت الإقالة بلفظ الإقالة فيه قولان فسخ أو بيع، أما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة، وفي " شرح الأقطع ": وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أن الإقالة بيع بعد القبض وفسخ قبله.

(8/225)


لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ للفسخ والرفع، ومنه يقال أقلني عثرتي فيوفر عليه قضيته، وإذا تعذر يحمل على محتمله وهو البيع، ألا ترى أنه بيع في حق الثالث، ولأبي يوسف أنه مبادلة المال بالمال بالتراضي، وهذا هو حد البيع، ولهذا تبطل بهلاك السلعة وترد بالعيب وتثبت به الشفعة وهذه أحكام البيع. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ ينبئ عن الرفع والفسخ كما قلنا، والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية، ولا يحتمل ابتداء العقد ليحمل عليه عند تعذره لأنه ضده، واللفظ لا يحتمل ضده فتعين البطلان، وكونه بيعا في حق الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " شرح الطحاوي ": وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: الإقالة بيع على كل حال حتى إنه أبطل الإقالة في المنقول قبل القبض لأنه لا يجوز بيعه م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ) ش: أي لفظ الإقالة م: (للفسخ والرفع) ش: يعني في اللغة م: (ومنه يقال: أقلني عثرتي) ش: أي ارفعها م: (فيوفر عليه) ش: أي على اللفظ م: (قضيته) ش: أي ما اقتضاه من موضوعه اللغوي.
م: (وإذا تعذر) ش: أي الفسخ م: (يحمل على محتمله وهو البيع) ش: بطريق المجاز، ولهذا كانت بيعا في حق الثالث، وإنما يحمل على البيع صيانة لكلام العاقل عن الإلغاء، وقوله: م: (ألا ترى) ش: توضح لكون الإقالة بيعا عند تعذر الفسخ بطريق المجاز وهو احتمال اللفظ إياه م: (أنه) ش: أي أن الإقالة م: (بيع في حق الثالث) ش: وهو الشفيع م: (ولأبي يوسف أنه) ش: أي أن الإقالة م: (مبادلة المال بالمال بالتراضي وهذا) ش: أي المذكور وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي م: (هو حد البيع) ش: وإن تلفظا بلفظ الإقالة لأن العبرة للمعاني لا للألفاظ، ولهذا تجعل الكفالة بشرط براءة الأصل حوالة والحوالة بشرط عدم البراءة كفالة.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقالة مبادلة المال بالمال بالتراضي الذي هو حد البيع م: (تبطل) ش: أي الإقالة م: (بهلاك السلعة وترد بالعيب) ش: كما في البيع م: (وتثبت به الشفعة، وهذه أحكام البيع) ش: فتكون الإقالة بيعا إلا أن المنقول قبل القبض لو حملت على البيع كان فاسدا فحملت على الفسخ حملا لكلامهما على الصحة.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ) ش: أي لفظ الإقالة م: (ينبئ عن الرفع والفسخ كما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: إن اللفظ للفسخ والرفع م: (والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية) ش: فإذا تعذر صير إلى المجاز إن أمكن وإلا بطل م: (ولا يحتمل) ش: أي الإقالة م: (ابتداء العقد ليحمل عليه) ش: أي على العقد مجازا م: (عند تعذره لأنه) ش: لأن العقد م: (ضده) ش: أي ضد الرفع م: (واللفظ لا يحتمل ضده) ش: واستعارة أحد الضدين للآخر لا يجوز كما عرف في موضعه، فإذا كان كذلك م: (فتعين البطلان) ش: أي بطلان الإقالة.
م: (وكونه بيعا في حق الثالث) ش: جواب عما يقال: الإقالة بيع جديد في حق الثالث، ولو

(8/226)


أمر ضروري؛ لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك لا مقتضى الصيغة، إذ لا ولاية لهما على غيرهما، إذا ثبت هذا نقول: إذا شرط الأكثر فالإقالة على الثمن الأول، لتعذر الفسخ على الزيادة؛ إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال فيبطل الشرط؛ لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع، لأن الزيادة يمكن إثباتها في العقد فيتحقق الربا، أما لا يمكن إثباتها في الرفع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يحتمل البيع لم يكن ذلك، تقرير الجواب أن كون الإقالة بيعا في حق الثالث الذي هو الشفيع م: (أمر ضروري) ش: يعني ثبوته بيعا بطريق الضرورة، والمحكم لا باعتبار اللفظ وليس بطريق المجاز إذ الثابت بالمجاز ثابت تقتضيه الصيغة، وهذا ليس كذلك م: (لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك) ش: للبائع ببدل ظهر موجبه في حق ثالث دونهما لامتناع ثبوت الضدين في محل واحد فإذا كان كذلك اعتبر الحكم في الثالث لا الصيغة يعني لا تعتبر الصيغة وهو معنى قوله: م: (لا مقتضى الصيغة) ش: لأن البيع وضع لإثبات الملك قصدا وزوال الملك من ضروراته والإقالة وضعت لإزالة الملك وإبطاله وثبوت الملك من ضروراته فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما كان لصاحبه كما ثبت في المبايعة فاعتبر موجب الصيغة في حق المتعاقدين، لأن لهما ولاية على أنفسهما، واعتبر الحكم في حق غيرهما، ولا ولاية لهما في حق غيرهما وهو معنى قوله: م: (إذ لا ولاية لهما) ش: أي للمتعاقدين م: (على غيرهما) ش: بأن يجعلا هذا المبيع فسخا في حق غيرهما، لكون الفسخ إضرارا في حق الغير، وجواب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحقيقة....
... إلخ.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجواب إخوان المدعي أن كون الإقالة بيعا جديدا في حق ثالث ليس مقتضى الصيغة.
لأن كونها فسخا مقتضاها فلو كان كونها بيعا كذلك لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكر من الأصل م: (نقول: إذا شرط الأكثر فالإقالة على الثمن الأول) ش: الذي وقع عليه العقد م: (لتعذر الفسخ على الزيادة) ش: لأن فسخ العقد عبارة عن رفعه على الوصف الذي كان قبله، والفسخ على الزيادة ليس كذلك م: (إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال فيبطل الشرط) ش: والإقالة لا تبطل م: (لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع) ش: حيث يبطل بالشروط الفاسدة م: (لأن الزيادة يمكن إثباتها في العقد فيتحقق الربا) ش: لأن في الشرط شبهة الربا.
لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين وهو مستحق بعقد المعاوضة خال عن العوض.
م: (أما لا يمكن إثباتها) ش: أي إثبات الزيادة م: (في الرفع) ش: أي في رفع العقد لأن الإقالة تشبه البيع من حيث المعنى فكان الشرط الفاسد فيها شبهة الشبهة، فلا يؤثر في صحة الإقالة كما لا يؤثر في صحة البيع بخلاف البيع لأن الزيادة فيه إثبات ما لم يكن بالعقد فيتحقق الربا.

(8/227)


وكذا إذا شرط الأقل لما بيناه، إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل؛ لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب. وعندهما في شرط الزيادة يكون بيعا، لأن الأصل هو البيع، عند أبي يوسف، وعند محمد جعله بيعا ممكن، فإذا زاد كان قاصدا بهذا البيع، وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه هو الأصل عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ بالثمن الأول لأنه سكوت عن بعض الثمن الأول، ولو سكت عن الكل وأقال يكون فسخا، فهذا أولى بخلاف ما إذا زاد، وإذا دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بيناه. ولو أقال بغير جنس الثمن الأول فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجعل التسمية لغوا، وعندهما بيع لما بينا، ولو ولدت المبيعة ولدا ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إذا شرط الأقل) ش: أي من الثمن الأول م: (لما بيناه) ش: من قوله: إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إشارة إلى قوله: لتعذر الفسخ م: (إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل؛ لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كانت حصة العيب مقدار المحطوط أو زائدا أو أنقص بقدر ما يتغابن الناس فيه م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في شرط الزيادة يكون بيعا؛ لأن الأصل هو البيع عند أبي يوسف، وعند محمد جعله بيعا ممكن) ش: يعني وإن كانت الإقالة عنده فسخا، لكنها في الزيادة غير ممكن، وجعله بيعا ممكن م: (فإذا زاد كان قاصدا بهذا البيع) ش: لأن في الزيادة تعذر العمل بالحقيقة فيصار إلى المجاز صونا لكلام العاقل عن الإلغاء، ولا فرق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزيادة والنقصان، لأن الأصل عنده هو البيع، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الفسخ.
م: (وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بيع عنده م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (هو الأصل عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ بالثمن الأول لأنه سكوت عن بعض الثمن الأول، ولو سكت عن الكل) ش: أي عن جميع الثمن م: (وأقال يكون فسخا، فهذا أولى بخلاف ما إذا زاد) ش: حيث يجعل بيعا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعترض بأن كونه فسخا إذا سكت عن كل الثمن إما أن يكون على مذهبه خاصة أو على الاتفاق والأول رد المختلف على المختلف، والثاني غير ناهض، لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجعله فسخا لامتناع جعله بيعا لانتفاء ذكر الثمن بخلاف صورة النقصان، فإن فيها ما يصلح ثمنا.
م: (وإذا دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بيناه) ش: أن الحط يجعل بإزاء ما فاته بالعيب م: (ولو أقال بغير جنس الثمن الأول فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجعل التسمية لغوا، وعندهما بيع لما بينا) ش: يعني وجه كل واحد منهما في فضل الزيادة م: (ولو ولدت المبيعة ولدا ثم

(8/228)


تقايلا فالإقالة باطلة عنده لأن الولد مانع من الفسخ، وعندهما تكون بيعا، والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنقول لتعذر البيع، وفي العقار يكون بيعا عنده لإمكان البيع فإن بيع العقار قبل القبض جائز عنده،
قال: وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع عنها؛ لأن رفع البيع يستدعي قيامه وهو قائم بالمبيع دون الثمن، فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه، وإن تقايضا تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما، ولا تبطل بهلاك أحدهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقيا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقايلا فالإقالة باطلة عنده) ش: يعني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الولد مانع من الفسخ) ش: لأجل الزيادة م: (وعندهما يكون بيعا) ش: وحاصله ما ذكره في " الذخيرة " أن الجارية إذا ولدت ثم تقايلا فإن كان قبل القبض صحت الإقالة سواء كانت الزيادة متصلة كالسمن والجمال أو منفصلة كالولد والأرش والعقر، لأن الزيادة قبل القبض لا تمنع الفسخ منفصلة كانت أو متصلة، والزيادة بعد القبض إن كانت منفصلة فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يصححها إلا فسخا، وقد تعذر حقا للشرع، وإن كانت متصلة فهي صحيحة عنده لأن المتصلة لا تمنع الفسخ عنده متى وجد برضا من له الحق في الزيادة ببطلان حقه فيها وقد وجد الرضا لما تقايلا فأمكن تصحيحها فسخا عنده.
م: (والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنقول لتعذر البيع) ش: وذلك أن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز بالإجماع، وبيع العقار قبل القبض يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (في العقار يكون بيعا عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لإمكان البيع، فإن بيع العقار قبل القبض جائز عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[هلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع عنها) ش: أي صحة الإقالة م: (لأن رفع البيع يستدعي قيامه) ش: أو قيام البيع م: (وهو) ش: أي قيام البيع م: (قائم بالمبيع دون الثمن) ش: لأن الأصل هو المبيع ولهذا شرط وجوده عند البيع بخلاف الثمن فإنه بمنزلة الوصف، ولهذا جاز العقد وإن لم يكن موجودا م: (فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه، وإن تقايضا) ش: أي لو عقدا عقد المقايضة وهي بيع عوض بعوض مأخوذ من قولهم هما قيضان أي مثلان م: (تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما) ش: أي أحد العوضين م: (ولا تبطل بهلاك أحدهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقيا، والله أعلم بالصواب) ش: لأن الأصل وجود المبيع.

(8/229)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: ما الفرق بين التقايض والتصارف فإن هلاك البدلين في الصرف غير مانع من الإقالة، وفي التقايض مانع مع أن في كل منهما لكل واحد من البدلين حكم المبيع، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر في جعله مبيعا أو ثمنا.
قلنا: الفرق أن في التصارف لا يلزمه رد المقبوض بعد الإقالة وله الخيار إن شاء رده وإن شاء رد مثله، فلا يكون هلاك المقبوض مانعا لصحة الإقالة، وإن كان في العوضين جميعا لأن الإقالة لا تتعلق بأعيانهما لو كانا قائمين فصار هلاكهما كقيامهما، بخلاف المقايضة لأنهما متى كانا قائمين فتعلق الإقالة بأعيانهما وبهلاكهما لم يبق شيء من المعقود عليه، وشرط قيامه في البيع والإقالة كذا في " المبسوط ".

(8/230)


باب المرابحة والتولية قال: المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح، والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب المرابحة والتولية]
[تعريف المرابحة]
م: (باب المرابحة والتولية)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام المرابحة والتولية، ولما ذكر أنواع البيوع التي ترجع إلى جانب المبيع، شرع في بيان أنواع البيوع التي ترجع أحكامها إلى جانب الثمن من المرابحة والتولية والربا والصرف والبيع بالنسيئة وتقديم الأول على الثاني لأصالة المبيع دون الثمن.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح) ش: هذا تعريف المرابحة وهو مصدر رائج من باب المفاعلة الذي يستدعي مشاركة الاثنين، قوله: ما ملكه وفي بعض النسخ ما تملكه من باب التفعل م: (والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح) ش: التولية مصدر وفي غيره أي جعله واليا. هذا بحسب اللغة وأما بحسب اصطلاح الشرع فهو الذي ذكره وفي كل منهما اعتراض.
أما تعريف المرابحة: فغير مطرد ولا منعكس، أما الأول: فلأنه من اشترى دنانير بالدراهم لا يجوز بيع الدنانير مرابحة مع صدق التعريف عليه، وأما الثاني: فلأن المغصوب الآبق إذا عاد بعد القضاء بالقيمة على الغاصب جاز بيعه للغاصب مرابحة، والتعريف ليس بصادق عليه لأنه لا عقد فيه.
ولأنه مشتمل على إبهام يجب عنه خلو التعريف، وذلك لأن قوله: بالثمن الأول إما أن يراد به عين الثمن الأول أو مثله لا سبيل إلى الأول لأن عين الثمن الأول صار ملكا للبائع الأول، فلا يكون مرادا في البيع الثاني، ولا إلى الثاني، لأنه لا يخلو إما أن يراد المثل من حيث الجنس أو المقدار، والأول ليس بشرط لما ذكر في " الإيضاح " و" المحيط " أنه إذا باعه مرابحة، فإن كان ما اشتراه بدله مثلا جاز جعل الربح من جنس رأس المال للدراهم من الدراهم أومن غير الدراهم من الدنانير أو على العكس، إذا كان معلوما يجوز به الشراء لأن الكل ثمن.
والثاني: يقتضي أن لا يضم إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز وغيرها بأنها ليست بثمن في العقد الأول على أن الثمن ليس بشرطه في المرابحة أصلا، فإنه لو ملك ثوبا بهته أو وصبه فقومه ثم باعه مرابحة على ملك والقيمة جاز، والمسألة في " المبسوط ".
قيل: فعلى هذا الأولى أن يقال: نقل ما ملكه من السلع بما قام عنده، والجواب عن الأول: أنا لا نسلم صدق التعريف عليه، فإنه إذا لم يجز البيع لا يصدق عليه النقل، وعن الثاني: بأن المراد بالعقد أعم من أن يكون ابتداء أو انتهاء، وإذا قضى بالقيمة عاد ذلك عقدا حتى لا يقدر

(8/231)


والبيعان جائزان لاستجماع شرائط الجواز والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع؛ لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد على فعل الذكي المهتدي، ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما، ولهذا كان مبناهما على الأمانة والاحتراز عن الخيانة وعن شبهتها، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر بعيرين، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولني أحدهما" فقال: هو لك بغير شيء، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أما بغير ثمن فلا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المالك على رد القيمة وأخذ المغصوب، والمراد به بالمثل هو المثل في المقدار، والعادة جرت بإلحاق ما يزيد في البيع أو قيمته إلى رأس المال كان من جملة الثمن الأول عادة، وإذا لم يكن الثمن نفسه مرادا يجعل مجازا عما قام عنده من غير خيانة فيدخل فيه مسألة " المبسوط ".
وإنما عبر عنه بالثمن لكونه العادة الغالبة في المرابحات فيكون من باب ترك الحقيقة للعادة، وأما تعريف التولية فإنه يرد عليه ما كان يرد على المرابحة من حيث لفظ العقد والثمن الأول والجواب.
م: (والبيعان) ش: أي بيع المرابحة وبيع التولية م: (جائزان لاستجماع شرائط الجواز) ش: لأن المبيع معلوم والثمن معلوم والناس يعاملون بهما من غير نكير، وتعامل الناس من غير نكير حجة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» م: (
والحاجة
ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي) ش: بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء، هو الذي يخفى عليه الأمور، ويقال: هو قليل الفطنة وهو على وزن فعيل من السواء.
وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقول غبيت عن الشيء وغبيته أيضا أغبى غباوة إذا لم يفطن له وغبي على الشيء غبيا كذلك إذا لم تعرفه، ووصف المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعنى بقوله: م: (الذي لا يهتدي في التجارة إلى أن يعتمد على فعل الذكي المهتدي ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح) ش: نقدا بأمانته واعتمادا على بصيرته م: (فوجب القول بجوازهما، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان مبناهما) ش: أي مبنى المرابحة والتولية م: (على الأمانة والاحتراز عن الخيانة وعن شبهتها) ش: أي وعن شبهة الخيانة حتى إذا اشترى شيئا مؤجلا ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إذا بين الأجل م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر بعيرين، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولني أحدهما"، فقال: هو لك بغير شيء، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما بغير ثمن فلا» ش: هذا غريب فلذلك قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد صح التولية من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكره في الكتاب ولم يزد عيه شيئا.
وحديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة -

(8/232)


قال: ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض مما له مثل؛ لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة، ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم، وإن باعه بربح ده يازده لا يجوز؛ لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات الأمثال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وفيه «أن أبا بكر قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله راحلتي هاتين فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بالثمن» الحديث ليس فيه غير ذلك أخرجه في مكرمة الخلق.
ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده ولفظه: «فأعطى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إحدى الراحلتين، فقال: خذها يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاركبها، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أخذتها بالثمن» الحديث.
وفي " الطبقات لابن سعد "، «وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد اشتراها بثمانمائة درهم من نعم بني قسر، فأخذ إحداهما وهي القصواء.»

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض) أي الثمن م: (مما له مثل؛ لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة) ش: تعرف بالحرز والظن، فيتمكن فيه شبهة الخيانة فيحترز عنها كما يحترز عن حقيقة الخيانة إذ مبنى المرابحة على الأمانة، ولهذا لو اشترى عبدين أو ثوبين بثمن مؤجل فباع أحدهما مرابحة بحصة من الثمن أو بغير بيان الأجل لا يجوز عندنا.
وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز إن قسط الثمن على القيمة وأخبر بما يخصه م: (ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل) ش: قوله: مرابحة نصب على التمييز، وقوله: ممن يملك ذلك البدل خبر كان، صورته رجل باع عبدا بثوب وملك ذلك الثوب غيره من البائع بسبب من الأسباب.
وذلك الغير الذي في يده الثوب يشتري هذا العبد بذلك الثوب ويربح درهم، جاز وهو معنى قوله م: (وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم، وإن باعه بربح ده يازده) ش: أي بربح درهم على عشرة دراهم، وإن كان الثمن عشرين كان الربح بزيادة درهمين.
وإن كان ثلاثين فثلاثة ولفظ " ده " بفتح الدال وسكون الهاء وهو اسم العشرة بالفارسية ويازده بالياء آخر الحروف، وسكون الزاي، وده مثل الأول وهو اسم أحد عشر بالفارسية. قال في هذه الصورة: م: (لا يجوز لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته، لأنه ليس من ذوات الأمثال) ش: فصار البائع بائعا بذلك الثمن القيمي كالثوب مثلا أو بجزء من أحد عشر جزءا من الثوب، والجزء

(8/233)


ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والطراز والصبغ، والفتل وأجرة حمل الطعام؛ لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار؛ ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به، هذا هو الأصل، وما عددناه بهذه الصفة لأن الصبغ وأخواته يزيد في العين والحمل يزيد في القيمة، إذ القيمة تختلف باختلاف المكان. ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا كيلا يكون كاذبا، وسوق الغنم بمنزلة الحمل بخلاف أجرة الراعي، وكراء بيت الحفظ لأنه لا يزيد في العين والمعنى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحادي عشر لا يعرف إلا بالقيمة وهي مجهولة فلا يجوز م: (ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والطراز والصبغ) ش: والطراز بكسر الطاء وتخفيف الراء وهو علم بالثوب قاله في " المغرب ".
م: (والفتل) ش: من فتلت الحبل وغيره م: (وأجرة حمل الطعام؛ لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار، ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به، هذا هو الأصل وما عددناه بهذه الصفة، لأن الصبغ وأخواته يزيد في العين، والحمل يزيد في القيمة، إذ القيمة تختلف باختلاف المكان) ش: بحسب قرب المسافة وبعدها، وفي " شرح الطحاوي ": وبعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أصل في ذلك أصلا، فقال: كل ما يؤثر في المعقود عليه، فإن بدله يلحق برأس المال، وكل ما لا يؤثر في العين، فإنه لا يلحق برأس المال.
إلا أن هذا الأصح لا يصح، فإن الكبري وأجرة الثمار وسابق الغنم تضم ولا تؤثر في العين، وفي " الإيضاح " والمعنى الذي اعتمد عليه من اعتبار عادة التجار تعم المواضع كلها م: (ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا كيلا يكون كاذبا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني في كل موضع يجوز له أن يضم إلى رأس المال بقوله: قام علي بكذا، ولأنه صدق لا يقول: اشتريته بكذا لأنه كذب وهو حرام، وهذا بخلاف ما إذا اشترى متاعا ثم رقمه بأكثر من ثمنه ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز، هي مسألة الأصل حيث لا يقول: قام علي بكذا ولا اشتريته بكذا لأنه كذب، وإنما يقول: رقمه كذا وكذا فأنا أبيعه مرابحة على كذا، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: وكذلك لو كان أصله ميراثا أو هبة أو صدقة فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة كان ذلك جائزا، ورقم الثوب وشاه رقما، والتاجر يرقم الثياب أي يعلم بها أن ثمنها كذا ومنه لا يجوز بيع الشيء برقمه كذا في " المغرب ".
م: (وسوق الغنم بمنزلة الحمل) ش: يعني في جواز ضم ما أنفق على الغنم في سياقها كما له أن يضم أجرة الحمل م: (بخلاف أجرة الراعي) ش: حيث لا يجوز ضمه م: (وكراء بيت الحفظ لأنه) ش: أي لأن أجرة الراعي، وكذا كراء بيت الحفظ م: (لا يزيد في العين) ش: وهو ظاهر م: (والمعنى) ش:

(8/234)


وبخلاف أجرة التعليم لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه وهو حذاقته، فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه،
وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحط فيهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي ولا يزيد في المعنى وهو القيمة والمالية م: (وبخلاف أجرة التعليم) ش: وهو عطف على قوله: بخلاف أجرة الراعي م: (لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه) ش: أي في المتعلم م: (وهو حذاقته) ش: أي ذكاء ذهنه. وفي " المبسوط ": أنفق على عبده في تعلم الدراهم لا يلحقها برأس المال لأنه ليس فيه عرف، وكذلك في تعلم الشعر والغناء والعربية وتعلم القرآن والحساب حتى لو كان في شيء من ذلك عرف ظاهر يلحقه برأس المال، وكذا لا يلحق أجرة الطبيب والرائض والبيطار والراعي وجعل الآبق والختان والحجام لعدم العرف وفي " التحفة "، وأما أجرة السمسار في ظاهر الرواية ملحق برأس المال وفي البرامكة قال: لا يلحق.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": وكذلك إذا كان مضار بما أنفق على الرقيق في طعامهم وكسوتهم، وما لا بد لهم منه إذا كان ما أنفق من ذلك بالمعروف، فإن كان أسرف لم يضم الفضل وضم ما بقي ولا يضم ما أنفق عل نفسه في سفره في كسوته وطعامه ومركبه ودهنه وغسل ثيابه، ولا يضم أيضا ما أنفق على مرض الرقيق في أجرة طبيب أو حجام أو دواء.
وقيل: أجرة الدلال لا تضم، وكذا المساح الذي يؤجر في الطريق إلا إذا جرت عادة التجار، وكذا لا يضم كل ما جاوز القوت من الطعام والإمام، وإلا أجرة الكيال في الطعام ونحوه، ويلحق به ثمن علف الدواب وأجرة التجصيص والتطيين وحفر البئر في الدار والقناة في الأرض ونفقة الكراب وكسح الكروم وسقي الزرع والكروم ما بقيت، فإذا ذهبت لم يحسب شيء منه، وأجرة لقاط التمر والسلاح والملاح ونحوها، فإن أنفق على الغنم وأصاب من أصوافها وألبانها يضم ما فضل من قيمتها من الصوف واللبن وكذا الدجاجة إذا باضت.
وفي " تتمة الشافعية ": يدخل المسكن الذي يأخذه السلطان م: (فإن اطلع المشتري على خيانة) ش: وفي " التحفة " ظهور الخيانة إما بإقرار البائع أو بالبينة أو بالنكول عن اليمين وكذا في " تتمة الشافعية " م: (في المرابحة فهو بالخيار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله:

[اطلع على خيانة في التولية]
م: (وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن) ش: أي أسقط الخيانة أي قدرها.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحط فيهما) ش: أي يحط قدر الخيانة في المرابحة والتولية جميعا، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكى أبو حامد المروزي قولا آخر عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن البيع لا يصح.

(8/235)


وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخير فيهما. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الاعتبار للتسمية لكونه معلوما، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب فيكون وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة فيتخير بفواته، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأصل فيه كونه تولية ومرابحة، ولهذا ينعقد بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول، إذا كان ذلك معلوما فلا بد من البناء على الأول وذلك بالحط، غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال، وفي المرابحة منه ومن الربح، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو لم يحط في التولية لا يبقى تولية لأنه يزيد على الثمن الأول فيتغير التصرف فتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيل: هو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخير فيهما) ش: يعني له الخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الاعتبار للتسمية) ش: لتعلق العقد بالتسمية م: (لكونه) ش: أي لكون التسمية م: (معلوما) ش: لأنه بحسب أن يكون الثمن معلوما والعلم يحصل بالتسمية م: (والتولية والمرابحة ترويج وترغيب فيكون) ش: أي ذكر التولية والمرابحة م: (وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة) ش: أي كوصف سلامة المبيع.
فإذا فات الوصف المرغوب فيه بظهور الخيانة كان بمنزلة العيب م: (فيتخير بفواته) ش: كما لو وجد المبيع معيبا م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأصل فيه) ش: أي في لفظ المرابحة والتولية م: (كونه) ش: أي كون المعقد م: (تولية ومرابحة) ش: لا التسمية م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون العقد تولية ومرابحة م: (ينعقد) ش: أي المعقد م: (بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول إذا كان ذلك) ش: أي الثمن م: (معلوما) ش: واقتصر هو على التسمية صح العقد والتسمية كالتفسير م: (فلا بد من البناء على الأول) ش: أي فلا بد من بناء العقد الثاني في حق الثمن على العقد الأول، إذ الثاني في حكم الأول، وقدر الخيانة لم يكن ثابتا في العقد الأول فلا يمكن إثباته في العقد الثاني، فيحط ضرورة وهو معنى قوله: م: (وذلك بالحط) ش: أي بحط شيء من الثمن وهو مجهول فبينه بقوله: م: (غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال) ش: وهو ظاهر.
م: (وفي المرابحة منه) ش: أي ويحط في المرابحة من رأس المال م: (ومن الربح) ش: حتى لو باع ثوبا بعشرة على ربح خمسة فظهر أن الثمن كان ثمانية، يحط قدر الخيانة وهو درهمان من الأصل وما قابله من الربح وهو درهم، فيأخذ الثوب باثني عشر درهما لأن هذا ربح على الكل، وما قابله من الربح وهو درهم، فيأخذ الثوب باثني عشر درهما لأن هذا ربح على الكل، فظهرت الخيانة في الكل، فيظهر الأثر في الربح أيضا.
م: (ولأبي حنيفة أنه لو لم يحط في التولية لا يبقى) ش: أي العقد م: (تولية لأنه يزيد على الثمن الأول) ش: لكن لا يجوز أن لا يبقى تولية م: (فتغير التصرف) ش: حينئذ فلا يجوز، فإذا كان كذلك م: (فتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة) ش: كما كانت من غير تغير التصرف، لكن

(8/236)


وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف، فأمكن القول بالتخيير، فلو هلك قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة، لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن، كخيار الشرط والرؤية بخلاف خيار العيب؛ لأنه مطالبة بتسليم الفائت فيسقط ما يقابله عند عجزه
قال: ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه، فإن باعه مرابحة طرح عنه كل ربح كان قبل ذلك، فإن كان استغرق الثمن لم يبعه مرابحة، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يبيعه مرابحة على الثمن الأخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتفاوت الربح م: (وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف فأمكن القول بالتخيير) ش: لفوات الرضا م: (فلو هلك) ش: أي المبيع م: (قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ) ش: عند ظهور الخيانة م: (يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة) ش: احترز به عما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول، أنه يفسخ البيع على القيمة، إن كانت أقل من الثمن حتى يندفع الضرر عن المشتري بناء على حاصله في مسألة التحالف بعد هلاك السلعة، إنه يفسخ بعد التحالف دفعا للضرر عن المشتري ويرد القيمة ويسترد الثمن كذا هاهنا.
وقال الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قال بالحط لو هلك المبيع أو استهلكه أو انتقض فله الحط، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قولا واحد وإنما القولان له فيما إذا كانت السلعة قائمة، ومن قال بالفسخ إذا امتنع لزمه جميع الثمن.
وفي " الكافي ": لو هلك المبيع قبل أن يرده أو حدث به ما يمنع الفسخ عند ظهور الخيانة لزمه جميع الثمن وسقط خياره عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو المشهور من قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الشرط والرؤية) ش: وقد تعذر الرد بالهلاك أو غيره فيسقط خياره م: (بخلاف خيار العيب) ش: بحيث لا يجب كل الثمن بل ينقص منه مقدار العيب لأجل العيب م: (لأنه) ش: أي لأن خيار العيب م: (مطالبة بتسليم الفائت) ش: أي الجزء الفائت م: (فيسقط ما يقابله) ش: أي ما يقابل العيب من الثمن م: (عند عجزه) ش: أي عجز المشتري عن تسليمه بهلاك المبيع أو بحدوث ما يمنع الفسخ.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه فإن باعه مرابحة طرح) ش: أي طرح البائع الأول وهو المشتري الثاني م: (عنه) ش: أي عن ثمن ما اشترى م: (كل ربح كان قبل ذلك) ش: أي قبل الربح الذي حصل في العقد الثاني م: (فإن كان) ش: أي في الربح م: (استغرق الثمن لم يبعه مرابحة، وهذا عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقالا: يبيعه مرابحة على الثمن الأخير) ش: في الفصلين، وبه قال الشافعي ومالك -

(8/237)


صورته إذا اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة، فإنه يبيعه مرابحة بخمسة ويقول: قام علي بخمسة، ولو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا، وعندهما يبيعه مرابحة على العشرة في الفصلين. لهما أن العقد الثاني عقد متجدد منقطع الأحكام عن الأول فيجوز بناء المرابحة عليه كما إذا تخلل ثالث. ولأبي حنيفة أن شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة لأنه يتأكد به بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رحمهما الله - م: (صورته) ش: ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من المسألة م: (إذا اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر) ش: توضيحه رجل اشترى ثوبا بعشرة دراهم وقبض ثم باعه من غيره بخمسة عشر وسلم المبيع وانتقد الثمن م: (ثم اشتراه بعشرة، فإنه يبيعه مرابحة بخمسة) ش: عن الثمن الثاني الذي ربح وهو خمسة، فيبيعه مرابحة على خمسة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ويقول: قام علي بخمسة) ش: ولا يقول: اشتريته بخمسة لئلا يصير كاذبا م: (ولو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة، ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني لا يبيعه مرابحة من غير بيان، بل يبيعه مساومة لأنه إذا حط عنه الربح لا يبقى الثمن م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (يبيعه مرابحة على العشرة في الفصلين) ش: أي في الفصل الأول والثاني م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله.
م: (أن العقد الثاني عقد متجدد منقطع الأحكام عن الأول) ش: وفي " المبسوط ": إنه شراء مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح أو وضيعة وكل ما هو كذلك م: (فيجوز بناء المرابحة عليه كما إذا تخلل ثالث) ش: بأن اشترى من مشتريه، توضيحه باعه بعشرين ثم باعه المشتري إلى ثالث، ثم اشتره البائع الأول بعشرة تجوز المرابحة بعشرة.
م: (ولأبي حنيفة أن شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة) ش: يعني أن الربح الثاني الذي استفاده بالعقد كان على شرف السقوط بأن يرد بعيب، فإذا اشتراه من المشتري تأكد وهو معنى قوله: م: (لأنه يتأكد به) ش: أي لأن الربح الذي كان على شرف السقوط يتأكد به، أي بالعقد الثاني م: (بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب) ش: وللتأكيد في بعض المواضع حكم الإيجاب، كما في شهود الطلاق قبل الدخول، إذا رجعوا يضمنون نصف المهر لتأكد ما كان على شرف السقوط لاحتمال أنه يسقط بتقبيل ابن الزوج أو بالارتداد.
فإذا اعتبرنا التأكيد يصير البائع في مسألتنا مشتريا بالعقد الثاني ثوبا وخمسة دراهم بالعشرة، فيكون خمسة بإزاء الخمسة ويبقى الثوب بالخمسة، ويبيعه مرابحة على خمسة احترازا عن شبهة الخيانة فإنها لحقيقتها، وهو معنى قوله:

(8/238)


والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا، ولهذا لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح بشبهة الحطيطة، فيصير كأنه اشترى خمسة وثوبا بعشرة، فيطرح خمسة بخلاف ما إذا تخلل ثالث؛ لأن التأكد حصل بغيره.
قال: وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة، وعليه دين يحيط برقبته فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحة على عشرة، وكذلك إن كان المولى اشتراه فباعه من العبد؛ لأن في هذا العقد شبهة العدم، لجوازه مع المنافي، فاعتبر عدما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح) ش: صورة الصلح ادعى على رجل ألف درهم فصالحه على ثوب أو عبد، فإنه لا يبيعها مرابحة على ألف لأن الصلح بناه على التجوز والحطيطة، ولو وجد حقيقة ما جاز المبيع مرابحة فكذا م: (بشبهة الحطيطة) ش: وهي ما يحط من ثمن السلعة م: (فيصير كأنه اشترى خمسة وثوبا بعشرة فطرح خمسة) ش: يعني إذا كان شبه حصول الربح ثابتة، يصير كأنه اشترى بالعقد الثاني خمسة دراهم وثوبا بعشرة، فالخمسة بإزاء الخمسة، والثوب بخمسة فيبيعه مرابحة على خمسة، وعورض بأنه لو كان كذلك لما جاز الشراء بعشرة فيما إذا باعه بعشرين، لأنه يصير في الشراء الثاني كأنه اشترى ثوبا وعشرة بعشرة فكان ثمنه شبهة الربا وهو حصول الثوب بلا عوض.
وأجيب: بأن التأكيد له شبهة الإيجاب في حق العباد واحترازا عن الخيانة لا في حق الشرع، وشرعية جواز المرابحة لمعنى راجع إلى العباد فيؤثر التأكيد في المرابحة، وأما جواز البيع وعدمه في شبهة الربا فحق الشرع فلا يكون التأكيد فيه شبهة الإيجاب، كذا نقل من " فوائد الإمام العلامة حميد الدين" - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بخلاف ما إذا تخلل ثالث) ش: أي بينهما م: (لأن التأكيد) ش: أي تأكيد الربح م: (حصل بغيره) ش: وهو الثالث فلم يستفد ربح المشتري الأول بالشراء الثاني، فانتفت الشبهة.

[اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين يحيط برقبته]
م م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين يحيط برقبته) ش: أي والحال أنه مديون بدين يحيط برقبته، وفي " النهاية " إنما قيد به لأنه لو لم يكن على العبد دين وباع من المولى لم يصح، لأن هذا البيع لا يفيد للمولى شيئا لم يكن له قبل البيع لا يملك الرقبة ولا يملك التصرف م: (فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه) ش: أي فإن المولى م: (يبيعه مرابحة على عشرة، وكذلك إن كان المولى) ش: هو العقد الذي م: (اشتراه فباعه من العبد) ش: بخمسة عشر، باعه العبد مرابحة على عشرة م: (لأن في هذا العقد) ش: أي بيع العبد من المولى وعكسه م: (شبهة العدم) ش: أي شبهة عدم الجواز لا حقيقة عدم الجواز م: (لجوازه مع المنافي) ش: أي لجواز العقد، لقيام الدين مع وجود المنافي للجواز وهو كون العبد ملكا للمولى فصار كأنه باع ملك نفسه من نفسه وكذا في الشراء م: (فاعتبر عدما) ش: أي فاعتبر

(8/239)


في حكم المرابحة وبقي الاعتبار للأول، فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول، وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني، فيعتبر الثمن الأول.
قال: وإذا كان مع المضارب عشرة دراهم بالنصف، فاشترى ثوبا بعشرة، وباعه من رب المال بخمسة عشر، فإنه يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العقد كأن لم يكن م: (في حكم المرابحة) ش: لوجوب الاحتراز فيها عن شبهة الجناية.
وإذا عدم البيع الثاني م: (وبقي الاعتبار الأول) ش: أي العقد الأول م: (فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول) ش: أي فيما إذا باعه من مولاه م: (وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني) ش: أي فيما إذا باعه المولى من عبده م: (فيعتبر الثمن الأول) ش: أي الثمن المذكور في الفصل الأول فلا يبيعه مرابحة على الثمن المذكور فيه وإنما يبيعه على الثمن المذكور في الأول.
وقال الكاكي: ذكر هذه المسألة وأخواتها في " المبسوط " من غير ذكر دين العبد فقال: وإذا اشترى شيئا من أبيه، أو أمه، أو ولده، أو مكاتبه، أو عبده، أو اشترى العبد، أو المكاتب من مولاه أشياء بثمن قد قام على البائع بأقل من ثمنه، لم يكن له أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام على البائع من العبد والمكاتب بالاتفاق، لأن بيع المرابحة على ما يتقين بخروجه عن ملكه، لأن كسب العبد لمولاه، وما حصل من مكاتبه من وجه كان له أيضا.
وللمولى في حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك حقيقة الملك عند عجزه، فأما في غير المماليك من الآباء والأولاد والأزواج فكذلك الجواب عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه.
وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول: له أن يبيعه مرابحة بما اشتراه لتباين الأملاك بينهما.
وقال الأترازي: قد اختلف نسخ شروح " الجامع الصغير "، فقد قيد فخر الإسلام دين العبد المستغرق.
وقال الصدر الشهيد: بعبد مأذون عليه دين محيط برقبته أو غير محيط. وقاضي خان قيد بالمحيط أيضا، والعتابي قيد بالمأذون فحسب، ولم يذكر الدين أصلا، وقال في " شرح الطحاوي ": لو اشترى من مماليكه ومكاتبه وعبده المأذون الذي عليه دين أو لا دين عليه فإنه يبيعه مرابحة على أقل الضمانين إلا أن يبين الأمر على وجه.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان مع المضارب عشرة دراهم بالنصف، فاشترى ثوبا بعشرة، وباعه من رب المال بخمسة عشر فإنه) ش: أي فإن رب المال م: (يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف) ش: لأن بيع المرابحة بيع أمانة يحترز فيها عن الخيانة وعن شبهتها

(8/240)


لأن هذا البيع، وإن قضى بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر، مع أنه اشترى ماله بماله لما فيه من استفادة ولاية التصرف، وهو مقصود، والانعقاد يتبع الفائدة ففيه شبهة العدم، ألا ترى أنه وكيل عنه في البيع الأول من وجه فاعتبر البيع الثاني عدما في حق نصف الربح.
قال: ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن هذا البيع، وإن قضى بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر) ش: فإن عنده لا يجوز بيع رب المال من المضارب، ولا بيع المضارب من رب المال، إذا لم يكن في المال ربح م: (مع أنه اشترى ماله بماله) ش: أي مع أن رب المال يشتري مال نفسه بمال نفسه، لأن رقبة المال له م: (لما فيه) ش: دليل قوله: قضى بجوازه وذلك أن ولاية التصرف انقطعت عن رب المال بتسليم المال إلى المضارب، ثم لما اشترى من المضارب استفاد ولاية التصرف وهو معنى قوله: لما فيه، أي لما في هذا العقد.
م: (من استفاد ولاية التصرف) ش: أي ملك اليد، لأن رب المال بالتسليم إلى المضارب قطع ولاية التصرف عن ماله، وبالشراء عن المضارب يحصل له ولاية التصرف، ولهذا لو صار مال المضارب جارية لا يحل لرب المال وطؤها وإن لم يكن فيها ربح، ذكره الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وللمضارب حق التصرف، ولهذا لا يملك رب المال منع المضارب عن التصرف، ذكره في الإيضاح م: (وهو مقصود) ش: أي حصول ولاية التصرف هو المقصود م: (والانعقاد يتبع الفائدة) ش: أي انعقاد العقد يتبع الفائدة، ولهذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، واشتراهما صفقة واحدة جاز، ودخل عبده في الشراء لحصول الفائدة في حق انقسام الثمن ثم يخرج.
فكذا فيما نحن فيه، لأن المال كالمملوك للمضارب في حق التصرف، وكغير المملوك لرب المال في حق التصرف، ولا يملك رب المال إبطال هذا الملك للمضارب إلا بالشراء فجاز ذلك لحصول الفائدة.
م: (ففيه شبهة لعدم) ش: جواب قوله: وإن قضى بجوازه، أي عدم الجواز، ثم أوضح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن المضارب م: (وكيل عنه) ش: أي عن رب المال م: (في البيع الأول من وجه) ش: لأنه يعمل لنفسه ولرب المال، ولهذا يكون الربح لهما بخلاف الوكيل لأنه يعمل للموكل، ولهذا يكون الربح له م: (فاعتبر البيع الثاني) ش: يعني لما كان فيه شبهة العدم اعتبر البيع الثاني م: (عدما في حق نصف الربح) ش: لأن ذلك حق رب المال.
وقال تاج الشريعة: في حق نصف الربح وهو نصف حق الربح الذي بحصته ولا يعمل في حق نصف الربح يستحقه المضارب إذ لا شبهة في هذا النصف أصلا.

م: (قال) ش: أي محمد -

(8/241)


اشترى جارية فأعورت أو وطئها وهي ثيب يبيعها مرابحة ولا يبين؛ لأنه لم يحتبس عنده شيء يقابله بمقابلة الثمن، لأن الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن، ولهذا لو فاتت قبل التسليم لا يسقط شيء من الثمن. وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن، والمسألة فيما إذا لم ينقصها الوطء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى جارية فأعورت) ش: أي بآفة سماوية أو ثوبا أو طعاما، فأصابه عيب عند المشتري بغير فعل أحد م: (أو وطئها وهي ثيب يبيعها مرابحة، ولا يبين) ش: أي لا يقول: إنها سليمة فأعورت في يدي م: (لأنه لم يحتبس عنده) ش: أي عند المشتري.
وفي بعض النسخ لأنه لم يحتبس بفعله أي بفعل المشتري م: (شيء يقابله بمقابلة الثمن؛ لأن الأوصاف تابعة) ش: والغاية وصف م: (لا يقابلها الثمن) ش: أي فلا يقابلها شيء من البدل إذا جاءت بغير صنع أحد، وإنما البدل كله مقابلة الأصل وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة بلا بيان.
م: (ولهذا) ش: توضيح لقوله: لأنه لم يحتبس عنده شيء بمقابلة الثمن م: (لو فاتت) ش: أي العين م: (قبل التسليم) ش: إلى المشتري م: (لا يسقط شيء من الثمن، وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن) ش: لأنها ليست بمال، فإن قيل: يشكل على قول الغاية وصف لا يقابله شيء من الثمن الآجل، فإنه وصف وعليه أن يبيعه إذا اشتراه بالأجل.
قلنا: يعطي في مقابلة الأجل شيء عادة فيكون في مقابلة شيء من الثمن، فيكون كالجزء فيلزمه البيان، فإن قيل: المستوفى من منافع البضع بمنزلة الجزء والجزاء إذا قصد إتلافه كان له قسط من الثمن، بدليل أنه لو اشترى جارية فوطئها، ثم وجد بها عيبا لم يتمكن من الرد، وإن كانت هي ثيبا وقت الشراء، وذلك باعتبار أن المستوفي بالوطء بمنزلة إحباس جزء من البيع عند المشتري.
قلنا: عدم جواز الرد باعتبار ما ذكرت غير مسلم، بل لمعنى آخر، وهو لا يخلو: إما أن يردها مع العقد ولا وجه إليه، لأن العقد ما ورد على الزيادة، أو يردها بغير عقد ولا وجه إليه أيضا؛ لأنها تعود إلى قديم ملكه فيكون وطء المشتري بلا ملك وذا لا يجوز م: (والمسألة فيما إذا لم ينقصها الوطء) ش: لأنها إذا نقصها فات الوصف بفعل قصدي، هذا في الثيب لأن الوطء لا ينقصها فإنه يبيعها، مرابحة قبل البيان، بخلاف البكر، فإنه إذا وطئها، فأزال لعذرتها لا يبيعها مرابحة قبل البيان لأنه حبس جزء من العين كما يجيء عن قريب.
وفي الثيب المستوفى ليس بمال فلا يقابله البدل، فكان كالاستخدام، ولهذا لو حدث بالمبيع عيب قبل القبض لا يسقط شيء من الثمن غير أن المشتري يخير بين أخذه بكل الثمن وتركه.
وفي قول زفر إذا أعورت بآفة سماوية لا يبيعها مرابحة من غير بيان لأنها قد تغير عن حالها التي اشتراها به.

(8/242)


وعن أبي يوسف في الفصل الأول أنه لا يبيع من غير بيان كما إذا احتبس بفعله، وهو قول الشافعي، فأما إذا فقأ عينها بنفسه، أو فقأها أجنبي فأخذ أرشها لم يبعها مرابحة حتى يبين؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابلها شيء من الثمن، وكذا إذا وطئها وهي بكر لأن العذرة جزء من العين، فيقابلها الثمن وقد حبسها. ولو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر، أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان، ولو تكسر بنشره وطيه لا يبيعه حتى يبين، والمعنى ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقول زفر أحوط، ثم قال: وبه نأخذ.
م: (وعن أبي يوسف في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا اشترى جارية فأعورت م: (أنه لا يبيع من غير بيان كما إذا احتبس بفعله) ش: أي كما إذا احتبس الشيء الغائب بفعل المشتري م: (وهو قول الشافعي) ش: وهو زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، لكنهما اختلفا في التخريج، فعند زفر يجب البيان باعتبار أنه لو علم المشتري أنه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلزم له ربحا على ذلك ما لم يعين بعد ما تعيب.
وأما الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيقول وجب البيان بناء على مذهبه أن للأوصاف حصة من الثمن، وأن التعيب بآفة سماوية، ويضع العباد سواء عنده م: (فأما إذا فقأ عينها) ش: وفي بعض النسخ قلنا: إن فقأ عينها، وفي بعضها: وأما إذا فقأ.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو الأصح، وقال الأكمل: وفي بعض النسخ، قلنا فيكون جوابا لقول أبي يوسف، والشافعي - رحمهما الله -، يعني إذا فقأ المشتري عين الجارية م: (بنفسه أو فقأها أجنبي فأخذ أرشها لم يبعها مرابحة حتى يبين؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابلها شيء من الثمن) ش: وعبارة المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تدل بالتنصيص عل أخذ أرشها وهو المذكور في لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير "، وقال في " النهاية ": كان ذكر الأرش وقع اتفاقا، لأنه لما فقأ الأجنبي وجب عليه ضمان الأرش، وجوب ضمان الأرش سبب لأخذ الأرش فأخذ حكمه.
ثم قال: والدليل على هذا الإطلاق ما ذكره في " المبسوط " من غير تعرض لأخذ الأرش، وذكر نقل " المبسوط " كذلك م: (وكذا إذا وطئها وهي بكر) ش: لا يبيعها مرابحة إلا بالبيان م: (لأن العذرة جزء من العين، فيقابلها الثمن وقد حبسها) ش: فلا بد من البيان، ولو فقأت عين نفسها بنفسها فهو كالأعور إذ لا يلزمه البيان كذا في " المبسوط " م: (ولو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر) ش: بالقاف، من قرض الثوب بالمقراض إذا قطعه. ونص أبو اليسر على أنه بالفاء م: (أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان) ش: لأن الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن م: (ولو تكسر بنشره وطيه لا يبيعه حتى يبين) ش: لأنه صار مقصودا بالإتلاف م: (والمعنى ما بيناه) ش: يعني في الدليلين،

(8/243)


قال: ومن اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين، فعلم المشتري، فإن شاء رده وإن شاء قبل؛ لأن للأجل شبها بالمبيع. ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، والشبهة في هذا ملحقه بالحقيقة فصار كأنه اشترى شيئين وباع أحدهما مرابحة بثمنهما، والإقدام على المرابحة يوجب السلامة عن مثل هذه الخيانة، فإذا ظهرت يخير، كما في العيب. وإن استهلكه ثم علم لزمه بألف ومائة؛ لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن،
قال: فإن كان ولاه إياه ولم يبين رده إن شاء؛ لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة لأنه بناء على الثمن الأول، وإن كان استهلكه ثم علم لزمه بألف حالة لما ذكرناه. وعن أبي يوسف أنه يرد القيمة ويسترد كل الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما في قرض الفأر، والآخر في تكسر الثوب.

[اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين) ش: أنه اشتراه نسيئة م: (فعلم المشتري فإن شاء رده وإن شاء قبل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.
وقال الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت الأجل م: (لأن للأجل شبها بالمبيع، ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، والشبهة في هذا) ش: أي في هذا الباب م: (ملحقة بالحقيقة) ش: أي بحقيقة المبيع احتياطا م: (فصار كأنه اشترى شيئين وباع أحدهما مرابحة بثمنهما) ش: أي بثمن الاثنين، وذلك حرام يجب الاحتراز عنه فكذا هذا م: (والإقدام على المرابحة يوجب السلامة عن مثل هذه الخيانة) ش: فإذا لم يبين أنه نسيئة تظهر الخيانة، وظهورها كالعيب فيكون له الخيار وهو معنى قوله م: (فإذا ظهرت) ش: أي الخيانة م: (يخير) ش: أي له الخيار بين الأخذ والترك م: (كما في العيب) ش: أي كما له الخيار عند ظهور العيب في البيع م: (وإن استهلكه) ش: أي وإن استهلك المشتري المبيع المذكور بوجه بأن باعه، أو بوجه آخر.
م: (ثم علم لزمه) ش: أي المبيع لزم المشتري لتعذر الفسخ م: (بألف ومائة لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن) ش: حقيقة ولكن فيه لشبهة المقابلة، فباعتبار شبهة الخيانة كان له أن يفسخ البيع إذا كان المبيع قائما، فأما أن يسقط من الثمن شيء بعد الهلاك بمقابلة الأجل فلا.

[الخيانة في التولية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن كان ولاه إياه) ش: أي باعه بالتولية م: (ولم يبين) ش: أنه اشتراه بألف نسيئة ثم علم المشتري كان له الخيار م: (رده إن شاء؛ لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة؛ لأنه بناء على الثمن الأول) ش: فلا زيادة ولا نقصان، فلا يمكن الحط هنا لأن الثمن هو الألف ولا زيادة، فأي شيء يحط م: (وإن كان استهلكه ثم علم لزمه بألف حالة لما ذكرناه) ش: أراد به قوله: لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن م: (وعن أبي يوسف) ش: في " النوادر " أنه قال: م: (أنه) ش: أي أن المشتري م: (يرد القيمة) ش: أي قيمة العين م: (ويسترد كل الثمن وهو)

(8/244)


وهو نظير ما استوفى الزيوف مكان الجياد، وعلم بعد الإنفاق، وسيأتيك من بعد إن شاء الله تعالى. وقيل: يقوم بثمن حال وبثمن مؤجل، فيرجع بفضل ما بينهما، ولو لم يكن الأجل مشروطا في العقد، ولكنه منجم معتاد قيل لا بد من بيانه لأن المعروف كالمشروط، وقيل: يبيعه ولا يبينه لأن الثمن حال.
قال: ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن، فإن أعلمه البائع بثمنه في المجلس فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأن الفساد لم يتقرر، فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي المذكور من هذا الحكم م: (نظير ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد) ش: بأن كان له على آخر عشرة جياد.
فإذا استوفى زيوفا م: (وعلم بعد الإنفاق) ش: يرد زيوفا مثلها ويأخذ الجياد م: (وسيأتيك من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في مسائل منثورة قبيل كتاب الصرف م: (وقيل) ش: قائله الفقيه أبو جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقوم بثمن حال وبثمن مؤجل فيرجع) ش: أي البائع م: (بفضل ما بينهما) ش: أي التفاوت الذي بين القيمتين م: (ولو لم يكن الأجل مشروطا في العقد ولكنه منجم معتاد) ش: كعادة بعض البلدان يشترون بعقد ويسلمون الثمن بعد أشهر، إما جملة وإما منجما م: (قيل: لا بد من بيانه لأن المعروف كالمشروط) ش: أي لأن الثابت بالعرف كالمشروط بين العاقدين م: (وقيل: يبيعه ولا يبينه) ش: يعني لا يجب بيانه م: (لأن الثمن حال) ش: لعدم ذكر الأجل، والأصل الحال في الثمن.
>
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه) ش: يعني إذا قال: وليتك هذا بما قام علي، يريد به بما اشتراه به مع ما لحقه من المؤن كالصبغ والعقل وغير ذلك، م: (ولم يعلم) ش: أي والحال أنه لم يعلم م: (المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح الوجهين.
والوجه الثاني أنه لا يفسد البيع م: (فإن أعلمه البائع بثمنه) ش: أي فإن أعلم المشتري البائع بثمنه م: (في المجلس، فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأن الفساد لم يتقرر) ش: لأنه في مجلس العقد لا يتقرر لأن ساعات المجلس كساعة واحدة، دفعا للضرر وتحقيقا لليسر م: (فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد) ش: العقد لا يتقرر لأن ساعات المجلس كساعة واحدة دفعا للضرر وتحقيقا في وجه، وفي وجه قال: لا ينقلب صحيحا بعد ما انعقد فاسدا م: (وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس) ش: فإن التأخير إلى آخر المجلس عفو كتأخير القبول، فإن التأخير في آخر المجلس يترابط بالإيجاب.

(8/245)


وبعد الافتراق قد تقرر فلا يقبل الإصلاح ونظيره بيع الشيء برقمه إذا علم في ذلك المجلس، وإنما يتخير لأن الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في خيار الرؤية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن تخللت بينهما ساعات فكذا العلم في آخر المجلس كالعلم الحاصل في أوله، فيصح على تقدير الابتداء م: (وبعد الافتراق قد تقرر) ش: أي الفساد م: (فلا يقبل الإصلاح) ش: وفي " الكافي " هذا فساد لا يحتمل الإصلاح م: (ونظيره) ش: أي نظير هذا الحكم م: (بيع الشيء برقمه) ش: بسكون القاف، صورته أن التاجر يرقم الثياب، أي يعلمها بعلامة بأن ثمنها كذا فيبيع بذلك الثمن الذي هو معلوم للبائع غير معلوم للمشتري م: (إذا علم) ش: أي المشتري إذا علم قدر ذلك الثمن م: (في ذلك المجلس) ش: صح البيع، وإن كان بعد القبول، ويحصل كأنه علم وقت القبول، ولو علم بعد الافتراق لا يصح م: (وإنما يتخير) ش: أي المشتري م: (لأن الرضا لم يتم قبله) ش: أي قبل العلم بمقدار الثمن كما لا يتم بعدم الرؤية م: (لعدم العلم فيتخير) ش: أي المشتري م: (كما في خيار الرؤية) ش: أي كما يتخير في خيار الرؤية إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء رده، لأن ورود الشرع بإثبات الخيار ثمن ورد هاهنا.
فإن قيل: ينبغي أن لا يكون للمشتري الخيار لما ذكرنا أن الموجود في آخر المجلس كالموجود في أوله.
قلنا: لم يوجد الرضا في آخر المجلس حتى يجعل كالموجود في أوله فلهذا كان له الخيار.

(8/246)


فصل ومن اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع ما لم يقبض؛ لأن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[بيع ما لم يقبض]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل غير المسائل التي ذكرت قبله، وإنما ذكرها هنا استطرادا باعتبار تقيدها بقيد زائد على البيع المجرد من الأوصاف كالمرابحة والتولية م: (ومن اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه) ش: قيد بالبيع، ولم يقل لم يجز أن يتصرف فيه لتقع المسألة على الاتفاق.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز جميع التصرفات فيه قبل القبض في غير الطعام، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خص الطعام بالذكر عند النهي بقوله: «من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه» فدل على تخصيص الحكم وإلا فليس لهذا التخصيص فائدة.
قلنا: التخصيص بالشيء لا يدخله على نفي الحكم فيما عداه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان البيع مكيلا أو موزونا أو معدودا لم يجز بيعه قبل القبض وفي غيره يجوز م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي صلى الله عيه وسلم م: «نهى عن بيع ما لم يقبض» ش: روى النسائي في سننه الكبرى عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، «عن حكيم بن حزام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "قلت يا رسول الله، إني رجل أبتاع هذه البيوع وأبيعها، فما يحل لي منها وما يحرم، قال: لا تبيعن شيئا حتى تقبضه» ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه".
وروى الطحاوي بإسناده إلى «حكيم بن حزام قال: كنت أشتري طعاما فأربح فيه قبل أن أقبضه فسألت النبي صلى الله عيه وسلم فقال: لا تبعه حتى تقبض» م: (لأن فيه) ش: أي في المنقول م: (غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك) ش: أي هلاك المبيع قبل القبض فيتبين حينئذ أنه باع ملك الغير

(8/247)


ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، رجوعا إلى إطلاق الحديث، واعتبارا بالمنقول، وصار كالإجارة، ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر بخلاف المنقول،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بغير إذنه، وذلك مفسد للعقد.
وفي " الإيضاح " كل عرض ملك بعقد ينفسخ العقد فيه بهلاكه قبل القبض لم يجز التصرف فيه، كالمبيع والأجرة إذا كانت عينا، ويدل الصلح إذا كان معينا وما لا ينفسخ العقد بهلاكه فالتصرف فيه جائز قبل القبض كالمهر، وبدل الخلع والعتق على مال، وبدل الصلح عن دم العمد.
م: (ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال زفر والشافعي رحمهما الله، وأحمد وأبو حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أولا م: (رجوعا) ش: أي راجعا أو لأجل الرجوع م: (إلى إطلاق الحديث) ش: المذكور، فإن كلمة ما في الحديث للتعميم فيما لا ينتقل ولم يلحقه خصوص فلا يجوز تخصيصه بالقياس م: (واعتبارا بالمنقول) ش: أي وبالقياس عليه، لأنه مبيع لم يقبض فلا يجوز بيعه كالمنقول م: (وصار كالإجارة) ش: فإنها في العقار لا يجوز قبل القبض، والجامع اشتمالهما على ربح لم يضمن.
فإن المقصود من البيع والربح، وربح ما لم يضمن نهي عنه شرعا، والنهي يقتضي الفساد فيكون البيع فاسدا قبل القبض لأنه لم يدخل في ضمانه كما في الإجارة م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن ركن البيع) ش: وهو الإيجاب والقبول م: (صدر من أهله) ش: أي من العاقل والبالغ م: (في محله) ش: وهو المال المملوك وهو يقتضي الجواز م: (ولا غرر فيه) ش: لأنه لا يتوهم انفساخ العقد فيه بالهلاك.
م: (لأن الهلاك في العقار نادر) ش: إما بغلبة الماء أو الرمل أو لجوار بيت الغال والنادر لا يعتد به م: (بخلاف المنقول) ش: فإن الهلاك من غيره نادر.
وقال بعض مشايخنا: في موضع لا يخفى عليه أن يصير لجوار يغلب عليه الرمال، فأما في موضع لا يؤمن ذلك فلا يجوز، كذا ذكره الإمام المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قيل: هذا التعليل معارض لمطلق النص، فإن مطلقه يتناول العقار كما بينا، قلنا الحديث مخصوص فإن بيع عقد المهر وبدل الخلع. والصلح عن دم العمد والميراث، والثمن قبل القبض يصح بالاتفاق، فحينئذ يجوز تخصيصه بالقياس، والدليل عليه ثبوت حق الشفعة قبل القبض والشفيع يتملك، فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل الملك ببدل لما جاز للشفيع الأخذ بالشفعة قبل القبض.
وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأخذ بالشفعة قبل القبض وجهان: في وجه لا يصح، وفي وجه يصح، وهو الأصح.

(8/248)


والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد، والحديث معمول به، عملا بدلائل الجواز والإجارة. قيل على هذا الخلاف، ولو علم في المعقود عليه في الإجارة المنافع وهلاكها غير نادر. قال ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: يتوهم انفساخ العقد بالرد بالعيب، وذلك غير نادر، قلنا: لا يتوهم الانفساخ بالرد حتى جاز البيع فيه قبل القبض، لأنه على تقدير جواز البيع قبل القبض يصير ملكا للمشتري، وحينئذ لا يملك المشتري الأول الرد بالعيب فلا يتوهم الانفساخ فيه بالرد حينئذ، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
م: (والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد) ش: هذا جواب عما يقال: كيف قلت: ولا غرر فيه لأن الهلاك في العقار نادر، والغرر موجود أيضا بعقد القبض بظهور الاستحقاق فأجاب بقوله: والغرر المنهي عنه في الحديث غرر انفساخ العقد الأول م: (والحديث) ش: أي الحديث المذكور م: (معمول به) ش: أي بغرر انفساخ العقد فيما قبل القبض بهلاك المعقود عليه فيكون مخصوصا بالمنقول، ألا ترى أنه يجوز الإعتاق قبل القبض والوصية قبله م: (عملا بدلائل الجواز) ش: أي جواز البيع من الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، وأما السنة فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» هكذا ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه، ثم قال: رواه في السنن قيس بن غرزة.
قلت: الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، ولفظه فيما ذكره الترمذي:
حدثنا هناد، ثنا أبو بكر بن عباس، عن عاصم، عن أبي وائل، «عن قيس بن غرزة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عيه وسلم ونحن نسمى السماسرة فقال: "يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة» ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقيس بن غرزة، بفتح الغين المعجمة، والراء ثم الزاي، غفاري نزل الكوفة ومات بها.
وأما الإجماع فإن النبي صلى الله عيه وسلم بعث والناس يتبايعون فلم ينكرهم على ذلك بل قررهم عليه، وقد انعقد إجماع الأمة على ذلك م: (والإجارة) ش: جواب عن قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صورة النزاع على الإجارة وتقريره أنها لا تصلح مقيسا عليها، لأنها على الاختلاف وهو معنى قوله: م: (قيل على هذا الخلاف ولو علم في المعقود عليه في الإجارة المنافع وهلاكها غير نادر) ش: يعني عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إجارة العقار قبل القبض جائزة.
وقال في " الإيضاح ": ما لا يجوز بيعه قبل القبض لا يجوز إجارته، لأن صحة الإجارة

(8/249)


اشترى مكيلا مكايلة، أو موزونا موازنة فاكتاله أو اتزنه، ثم باعه مكايلة أو موازنة، لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ولا أن يأكله حتى يعيد الكيل والوزن؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تملك الرقبة، فإذا ملك التصرف في الأصل وهو الرقبة ملك في المنافع، وقيل: لا يجوز بلا خلاف وهو الصحيح، لأن المنافع بمنزلة المنقول.
والإجارة تمليك المنافع فيمتنع جوازها لبيع المنقول.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى مكيلا مكائلة) ش: يعني رد الكيل م: (أو موزونا) ش: أي أو اشترى ما يوزن م: (موازنة) ش: يعني بالوزن قيد بالشراء لأنه إذا ملك مكيلا موزونا أو معدودا بهبة أو وصية أو ميراث جاز لمن ملك أن يتصرف فيه قبل القبض وقبل الكيل والوزن والعدد، قيد بقوله مكائلة أو موازنة، يعني بشرط الكيل والوزن بأن اشترى هذا الطعام على أنه عشرة أقفزة، أو هذا الحديد على أنه كذا كذا منا وقبضه لا يجوز له أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن وبعد المكائلة أيضا يخرج المجازفة، فإنه إذا اشتراه مجازفة وقبضه جاز التصرف فيه قبل الكيل والوزن على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى م: (فاكتاله أو اتزنه) ش: الاكتيال الأخذ بالكيل والاتزان الأخذ بالوزن، يقال: كال المعطي فاكتال الآخذ، ووزن المعطي فاتزن الآخذ.
م: (ثم باعه مكائلة أو موازنة) ش: أي باعه المشتري بشرط الكيل م: (لم يجز للمشتري منه) ش: أي لم يجز للمشتري الثاني من المشتري الأول الذي اشتراه مكائلة أو موازنة م: (أن يبيعه ولا أن يأكله حتى يعيد الكيل والوزن، لأن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان، صاع البائع وصاع المشتري» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه" عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه أبو الزبير عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عيه وسلم نحوه، ورواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا. أخرجه عنه البزار من طريق محمد بن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النبي صلى الله عيه وسلم: نحوه. وزاد فيه، فيكون لصاحبه فيه الزيادة وعليه النقصان، انتهى.
وأراد بصاع البائع صاعه لنفسه حتى يشتريه وبصاع المشتري، صاعه لنفسه حتى يبيعه لإجماعهم أن البيع الواحد له يحتاج إلى الكيل مرتين، وبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

(8/250)


ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه، وبخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة له،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومالك وأحمد - رحمهما الله - وكما لا يملك سائر التصرفات المختصة بالملك كالهبة والوصية ونحو ذلك كذا في " المبسوط "، وفي " الجامع الصغير " المحبوبي ولو قبضه بغير كيل وأكله لا يقال إنه حرام لأنه أكل ملك نفسه إلا أنه يأثم لرد ما أمر به من الكيل.
وفي الفوائد الظهيرية: المكيلان على أقسام:
الأول: ما يحتاج إلى الكيل مرتين وهو السلم على ما يجيء في بابه، وبيع العين المكيل مكايلة بعدما اشتراه مكائلة.
والثاني: ما يحتاج إلى كيل واحد، وهو ما إذا اشترى المسلم إليه حنطة مجازفة أو استفادها زراعة أو أرشا، أو استقرض حنطة على أنها كر ثم أدناها رب السلم أو باعها مكايلة احتج فيه إلى كل واحد وكذا فيما استفاد أرشا أو زراعة وكذا فيما استفاده قرضا بشرط الكيل.
والثالث: هو ما لا يحتاج فيه إلى الكيل وهو ما إذا اشترى حنطة مجازفة ثم باعها مجازفة في "نوادره" أنه يجوز، واعلم أن الأموال ثلاثة مقدارات كالكيلي والوزني، فإن اشتراه مجازفة وقبضه جاز تصرفه قبل الكيل والوزن على ما يجيء، وإن اشتراه بشرط الكيل والوزن فلا يجوز وقد مر.
وعدديات الجوز والبيض، فإن اشتراه بشرط العد فقبضه فهل يجوز له التصرف قبل العد ثانيا؟ لم يذكر جوابه في الكتاب فقد ذكروا في " شرح الجامع الصغير " عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أبطل البيع قبل العد ثانيا كما في الكيل والوزن لأن العدد لمعرفة المقدار، ألا ترى أنه لو اشترى جوازا على أنه مائة فزاد فالزيادة للبائع ولا يدخل في البيع.
وروي عنهما أنهما أجازا العقد قبل العد لأن العد يخالف الكيل والوزن، ألا ترى أنه يجري فيه الربا، ولهذا لو باع جوزة بجوزتين جاز. ومذروعات كالثوب والعقار، ونحو ذلك، فإن اشترى مجازفة أو بشرط الذرع بأن اشترى على أنه عشرة أذرع مثلا فقبضه لا يجوز له التصرف فيه لأنه مال الغير وهو حرام فيجب التحرز عنه قبل الذرع، وقد مر في أول كتاب البيوع.
م: (ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه) ش: وهو بترك التصرف م: (بخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة) ش: يعني الكل م: (له) ش: واعترض بأن الزيادة لا تتصور في المجازفة وأجيب بأن من الجائز أنه اشترى مكيلا مكايلة واكتاله على أنه عشرة أقفزة مثلا، ثم باعه مجازفة فإذا هو اثنا عشر في الواقع فيكون زيادة على

(8/251)


وبخلاف ما إذا باع الثوب مذارعة لأن الزيادة له؛ إذ الذرع وصف في الثوب بخلاف القدر،
ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع وإن كان بحضرة المشتري؛ لأنه ليس صاع البائع والمشتري وهو الشرط، ولا بكيله بعد البيع بغيبة المشتري لأن الكيل من باب التسليم؛ لأن به يصير المبيع معلوما ولا تسليم إلا بحضرته، ولو كاله البائع بعد البيع بحضرة المشتري فقد قيل لا يكتفى به لظاهر الحديث، فإنه اعتبر صاعين، وقيل: يكتفى به وهو الصحيح؛ لأن المبيع صار معلوما بكيل واحد وتحقق معنى التسليم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكيل الذي اشتراه المشتري الأول كذا في " الكافي ".
قال الأكمل: وفيه من التمحل ما ترى، وقيل المراد الزيادة التي كانت في ذهن البائع وذلك بأنه باع مجازفة، وفي ذهنه أنه مائة قفيز، فإذا هو زائد على ما ظنه، والزائد للمشتري م: (وبخلاف ما إذا باع الثوب مذارعة لأن الزيادة له، إذ الذرع وصف في الثوب) ش: وليس فيه جهالة، ولا اختلاط المبيع بغيره م: (بخلاف القدر) ش: أي الكيل فإنه ليس بوصف، لأن بازدياد القدر لا يزداد قيمة المقدر كخمسين منا من الحنطة إذا زاد عليه خمسون أخرى لا يزداد قيمة الخمسين الأولى.

[كيل البائع قبل البيع]
م: (ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع) ش: المراد من البائع المشتري الأول م: (وإن كان بحضرة المشتري) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها وذلك م: (لأنه ليس صاع البائع والمشتري وهو الشرط) ش: أي الشرط هو صاع البائع والمشتري م: (ولا بكيله) ش: أي بكيل البائع م: (بعد البيع بغيبة المشتري، لأن الكيل من باب التسليم لأن به) ش: أي بالكيل م: (يصير المبيع معلوما، ولا تسليم إلا بحضرته) ش: أي بحضرة المشتري إذ لا بد للتسليم من مسلم حاضر، فالتسليم إلى الغائب لا يتحقق م: (ولو كاله البائع بعد البيع بحضرة المشتري، فقد قيل: لا يكتفى به) ش: أي بكيل البائع.
م: (لظاهر الحديث فإنه) ش: أي فإن الحديث م: (اعتبر صاعين، وقيل: يكتفى به) ش: أي بكيل البائع م: (وهو الصحيح) ش: أي الاكتفاء بالكيل الواحد هو الصحيح، م: (لأن المبيع صار معلوما بكيل واحد وتحقق معنى التسليم) ش: وانتفى احتمال الزيادة، قيل في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيهام التناقض وذلك لأنه وضع المسألة أولا فيما إذا كان العقد أن يشترط الكيل واستدل على وجوب جريان الصاعين بالحديث.
ثم ذكر في آخر المسألة أن الصحيح أن يكتفى بالكيل الواحد، وهو يقتضي أن يكون وضع المسألة فيما يكون عقدا واحدا، بشرط الكيل كما أن الاكتفاء بالكيل الواحد في الصحيح من الرواية، إنما هو العقد الثالث بشرط الكيل، وأما إذا وجد العقدان بشرط الكيل، فالاكتفاء بالكيل الواحد فيهما ليس بصحيح من الرواية، بل الجواب فيه على الصحيح من الرواية وجوب الكيلين.

(8/252)


ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين على ما نبين في باب السلم إن شاء الله تعالى، ولو اشترى المعدود عدا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما؛ لأنه ليس بمال الربا وكالموزون، فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تحل له الزيادة على المشروط. قال: والتصرف في الثمن قبل القبض جائز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودفعه بأن يكون المراد بالبائع في قوله: ولو كاله البائع، المشتري الأول أو بالمشتري هو الثاني وبالبيع البيع الثاني، ومعناه أن المشتري إذا باع مكايلة وكاله بحضرة مشتريه يكتفى بذلك، ويدل على ذلك قوله: م: (ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين) ش: فإنه يدل على أن في هذه الصورة اجتماع الصفقتين غير منظور إليه فكأنه يقول: الحديث دليل عل وجوب الصاعين فيما اجتمعت الصفقتان كما في أول المسألة.
والأكمل غير منفرد بهذا الكلام، لأن السفناقي: ذكر هذا وتبعه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (على ما نبين في باب السلم إن شاء الله تعالى) ش: عند قوله: ومن أسلم فلأجل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرا، فأمر رب السلم بقبضه قضاء لم يكن قضاء، وإن أمره أن يقبضه لنفسه فاكتاله له ثم اكتاله لنفسه جاز.
قالوا: الحديث ورد فيما إذا وجد عقدان بشرط الكيل، بأن يشتري المسلم إليه إلى آخر ما ذكرناه، فإنه اشترط فيه صاعان، صاع للمسلم إليه وصاع لرب السلم بكيله للمسلم إليه أولا ثم يكيله لنفسه، لأن هاهنا وجد عقدان بشرط الكيل فيشترط لكل كيل على حدة.
وفي " الكافي " قال أيضا: إن محمل الحديث على المسلم إليه فذكر نحوه وقال: فإنه لا يصح إلا بصاعين لاجتماع الصفقتين بشرط الكيل، إحداهما اشترى المسلم إليه والأخرى قبض رب السلم لنفسه وهو كالبيع الجديد فإنه يحتاج فيه إلى الكيلين م: (ولو اشترى المعدود عدا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأنه ليس بمال الربا) ش: ولهذا جاز بيع الواحد بالاثنين فكان المذروع وحكمه مر م: (وكالموزون فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه لا تحل له الزيادة على المشروط) ش: ألا ترى أنه من اشترى جزافا على أنه ألف فوجدها أكثر لم تسلم له الزيادة ولو وجدها أقل يسترد حصة النقصان من البائع فلا بد لجواز التصرف من العدد كالوزن في الموزون م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والتصرف في الثمن قبل القبض جائز) ش: بأن يأخذ من المشتري مكان الدراهم الثمن ثوبا أو غيره.

(8/253)


لقيام المطلق، وهو الملك، وليس فيه غرر الانفساخ بالهلاك لعدم تعينها بالتعيين بخلاف المبيع.
قال: ويجوز للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن. ويجوز للبائع أن يزيد المشتري في المبيع، ويجوز أن يحط عن الثمن، ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا في سائر الديون من المهر والأجرة وضمان المتلفات ونحوها سوى الصرف والسلم جائز م: (لقيام المطلق) ش: بكسر اللام م: (وهو الملك) ش: حتى لو باع إبلا بدراهم أو بكر حنطة جاز له أن يأخذ به له شيئا آخر م: (وليس فيه) ش: أي في التصرف في الثمن م: (غرر الانفساخ بالهلاك) ش: أي انفساخ العقد بهلاك الثمن م: (لعدم تعينها بالتعيين بخلاف المبيع) ش: أي من النقود، وإذا لم يفسخ يبقى الثمن على ذمة المشتري،.

[الزيادة في الثمن]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شرط صحة الزيادة في الثمن في ظاهر الرواية بقاء المبيع وكون المبيع محال للمقابلة في حق المشتري حقيقة، وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط صحة الزيادة كون المبيع قابلا للمقابلة في نفسه لا في حق المشتري حقيقة، فعلى هذه الرواية تصح الزيادة في الثمن بعدما باع المشتري أو وهب وسلم أو تصدق، لأن البيع بقي محلا للمقابلة في نفسه.
وفي ظاهر الرواية لم يصح؛ لأنه لم يبق محلا للمقابلة في حق المشتري، وقال الأترازي: الزيادة في الثمن إنما تصح إذا كان المعقود عليه قائما، أما إذا لم يكن فلا يصح وإن كان الهلاك حقيقة أو حكما، أما حقيقة كما إذا مات، وأما حكما كما إذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم فقبضها المشتري فأعتقها أو دبرها أو كاتبها أو كان استولدها، ثم إن المشتري زاد في ثمنها فالزيادة لا تصح، وكذلك لو باعها أو وهبها من غيره وسلمها إليه.
وقال في " شروح الجامع الكبير " ولو رهنها أو أجرها أو قطعت يدها صحت الزيادة لأن المعقود عليه قائم والنصرانيان إذا تبايعا خمرا ثم أسلما لم يجز الزيادة في الثمن لأنه كالهلاك في حق المسلم، ولو زاد في الثمن بعد هلاك الشاة لم يجز لأن المحل ليس بقابل م: (ويجوز للبائع أن يزيد المشتري في المبيع ويجوز أن يحط عن الثمن) ش: زيادة البائع للمشتري في البيع جائزة ما دام المبيع قائما لأن المعقود عليه ما دام قائما كان العقد قائما لقيام أثره وهو الملك المستفاد في العين فإذا هلك لم تصح الزيادة لأن العدم لا يصح تغييره بخلاف الحط فإنه يصح بعد هلاك المعقود عليه، فإنه لو أمكن أن يجعل تغييرا للعقد بأن كان العقد قائما جعل تغييرا وإن لم يكن جعله تغييرا كما في حالة الهلاك جعل برءا عن الدين فصح الحط في الحالين.
م: (ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك) ش: أو بالمزيد والمزيد عليه فإن للبائع أن يحبس المبيع ما لم يستوف المزيد والمزيد عليه من الثمن إذا كان الثمن حالا، وليس للمشتري أن يمنع الزيادة بعد ذلك لأنها استحقت بأصل العقد.

(8/254)


فالزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد عندنا، وعند زفر والشافعي لا يصحان على اعتبار الالتحاق بل يصحان على اعتبار ابتداء الصلة. لهما أنه لا يمكن تصحيح الزيادة ثمنا؛ لأنه يصير ملكه عوض ملكه، فلا يلتحق بأصل العقد، وكذلك الحط لأن كل الثمن صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه فصار برءا مبتدأ. ولنا أنهما بالحط والزيادة يغيران العقد، من وصف مشروع إلى وصف مشروع، وهو كونه خاسرا أو رابحا أو عدلا، ولهما ولاية الرفع، فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير وصار كما إذا أسقط الخيار أو شرطاه بعد العقد، ثم إذا صح يلتحق بأصل العقد؛ لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه بخلاف حط الكل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذلك المشتري ليس له مطالبة البائع بتسليم المبيع ما لم يسلم المزيد والمزيد عليه من الثمن، وكذلك المشتري يرجع على البائع بجميع ذلك، أعني بالأصل والزيادة إذا استحق المبيع.
وفي صورة الحط للمشتري مطالبة البائع بتسليم المبيع إذا سلم ما بقي من الثمن بعد الحط، وكذلك الشفيع يستحق المبيع بما بقي بعد الحط م: (فالزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد عندنا، وعند زفر والشافعي لا يصحان على اعتبار الالتحاق) ش: يعني بأصل العقد م: (بل يصحان على اعتبار ابتداء الصلة) ش: أي الهبة بالزيادة عندهما في الثمن، والثمن هبة ابتداء لا يتم إلا بالتسليم م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي - رحمهما الله - م: (أنه لا يمكن تصحيح الزيادة ثمنا) ش: أي من حيث كونه ثمنا م: (لأنه يصير ملكه) ش: أي ملك المشتري م: (عوض ملكه) ش: لأنه ملك المبيع بالعقد المسمى ثمنا. فالزيادة في الثمن تكون في مقابلة ملك نفسه وهو المبيع، وذلك لا يجوز فحينئذ م: (فلا يلتحق بأصل العقد، وكذلك الحط لأن كل الثمن صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه) ش: عند ذلك م: (فصار برءا مبتدأ) ش: يعني ابتداء غير داخل في شيء.
م: (ولنا أنهما) ش: أي البائع والمشتري م: (بالحط والزيادة يغيران العقد) ش: لتراضيهما م: (من وصف مشروع) ش: وهو أصل العقد م: (إلى وصف مشروع وهو كونه خاسرا) ش: في الحط م: (أو رابحا) ش: في الزيادة م: (أو عدلا) ش: يعني لا خسارة ولا ربح، والزيادة في المبيع أو الثمن أو الحط يغيره إلى هذه الأوصاف لا يرفع أصله كما شرع باتا وانحيازا م: (ولهما) ش: أي وللبائع والمشتري م: (ولاية الرفع) ش: أي رفع العقد بالإقالة م: (فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير) ش: من وصف إلى وصف، والتصرف في وصف الشيء أهون من التصرف في أصله، فالذي يملك التصرف في الأصل أولى بأن يملك التصرف في الوصف م: (وصار كما إذا أسقط الخيار) ش: أي وصار كما إذا كان للعاقدين أو لأحدهما خيار الشرط فأسقطه.
م: (أو شرطاه بعد العقد) ش: أي أو شرطا الخيار به، أي وصار كما بعد إتمام العقد م: (ثم إذا صح) ش: أي الحط أو الزيادة م: (يلتحق بأصل العقد) ش: أي بأصل العقد م: (لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه) ش: أي لا يقوم بنفسه م: (بخلاف حط الكل) ش: هذا جواب عما يقال:

(8/255)


لأنه تبديل لأصله لا تغيير لوصفه فلا يلتحق به، وعلى اعتبار الالتحاق لا تكون الزيادة عوضا عن ملكه،
ويظهر حكم الالتحاق في التولية والمرابحة حتى يجوز على الكل في الزيادة، ويباشر على الباقي في الحط وفي الشفعة حتى يأخذ بما بقي في الحط، وإنما كان للشفيع أن يأخذ بدون الزيادة لما في الزيادة من إبطال حقه الثابت فلا يملكانه ثم الزيادة لا تصح بعد هلاك المبيع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لو كان حط البعض صحت لكان حط الكل كذلك اعتبارا للكل بالبعض، فأجاب بقوله بخلاف حط الكل حيث لا يصح م: (لأنه) ش: أي لأن حط الكل م: (تبديل لأصله) ش: أي تغيير لأصل العقد م: (لا تغيير لوصفه) ش: لأن عمل الحط في إخراج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا.
فالشرط فيه قيام الثمن وذلك في حط البعض لوجود ما يصلح ثمنا، وأما حط الجميع فتبديل العقد لأنه إما أن يبقى بيعا باطلا لعدم الثمن حينئذ، وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك أو يصير هبة، وقد كان قصدهما التجارة في البيع دون الهبة م: (فلا يلتحق به) ش: أي بأصل العقد لوجود المانع، فلا يلزم من عدم الالتحاق لمانع عدمه لا لمانع فيلحق حط البعض بأصل العقد.
م: (وعلى اعتبار الالتحاق) ش: هذا جواب عن تعليل زفر والشافعي - رحمهما الله - أن بالزيادة يصير ملكه عوض ملكه فأجاب بقوله: وعلى اعتبار الالتحاق يعني إذا اعتبرنا الالتحاق م: (لا تكون الزيادة عوضا عن ملكه) ش: أي عن ملك المشتري لأن الزيادة لما التحقت بأصل العقد صارت كالموجود عند العقد فلا يلزم حينئذ ما قالاه.

[حكم الالتحاق في التولية والمرابحة]
م: (ويظهر حكم الالتحاق في التولية والمرابحة حتى يجوز على الكل في الزيادة، ويباشر على الباقي في الحط) ش: فإن البائع إذا حط بعض الثمن عن المشتري، والمشتري قال الآخر وليتك هذا الشيء وقع عقد التولية على ما بقي من الثمن بعد، فكان الحط بعد العقد ملتحقا بأصل العقد وكان الثمن في ابتداء العقد هو ذلك المقدار وكذلك في الزيادة.
م: (وفي الشفعة) ش: أي يظهر حكمه أيضا في الشفعة م: حتى يأخذ) ش: أي الشفيع م: بما بقي في الحط) ش: دون الزيادة لما فيه من إبطال حقه الثابت بالثمن الأول فلا يملكان إبطاله م: (وإنما كان للشفيع) ش: هذا جواب سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كانت الزيادة ملتحقة بأصل العقد لأخذ الشفيع بالزيادة كما لو كانت في ابتداء العقد وتقرير الجواب إنما كان للشفيع م: (أن يأخذ بدون الزيادة) ش: لأن حقه تعلق بالعقد الأول فإذا أخذ بالزيادة يبطل حقه الذي تعلق بالعقد وهو معنى قوله م: (لما في الزيادة من إبطال حقه الثابت) ش: أي الثابت له بالعقد الأول، وليس لها ولاية على إبطال حق الغير، تراضيهما وهو معنى قوله م: (فلا يملكانه) ش: أي التصرف بالزيادة فيما يرجع إليه الشفيع لأنه إضرار به، فلم تظهر الزيادة في حقه م: (ثم الزيادة) ش: أي في الثمن م: (لا تصح بعد هلاك المبيع) ش: لأن الزيادة تغير العقدين من وصف يستدعي قيام العقد وقيامه بقيام

(8/256)


على ظاهر الرواية؛ لأن المبيع لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه، والشيء يثبت ثم يستند، بخلاف الحط؛ لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا.
قال: ومن باع بثمن حال ثم أجله أجلا معلوما صار مؤجلا؛ لأن الثمن حقه فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه، ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقا، فكذا مؤقتا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المعقود عليه م: (على ظاهر الرواية) .
ش: احترازا عما روي عن الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أن الزيادة تصح كالحط، وأشار إلى وجه ظاهر الرواية بقوله: م: (لأن المبيع لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه) ش: إذ الاعتياض إنما يكون في موجود م: (والشيء يثبت ثم يستند) ش: فلم يستند الزيادة لعدم ما يقابله فلا يستند.
وذكر في " الشامل " في رواية " النوادر ": ويجوز الزيادة بعد الهلاك كالحط م: (بخلاف الحط) ش: حيث يصح بعد الهلاك م: (لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله) ش: لكونه إسقاطا والإسقاط لا يستلزم ثبوت ما يقابله فيثبت الحط في الحال م: (فيلتحق بأصل العقد استنادا) ش: أي من حيث الاستناد.
وقال تاج الشريعة: قوله: بحال يمكن إخراج البدل إلى آخره فإن الهلاك لا قيمة له، فإخراج البدل عما يقابله ملائم له ولا كذلك الزيادة في الثمن بعد هلاك المبيع ونظيره ما ذكر في كتاب الطلاق إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة فماتت المرأة بعد قوله: أنت طالق قبل قوله واحدة لا يقع الطلاق لأن العدد إذا قرن بالطلاق كان المعتبر هو العدد، وحين قال واحدة ما يثبت المرأة محلا للطلاق فيبطل.
ولو قال أنت طالق إن شاء الله، فماتت بعد قوله أنت طالق قبل قوله: إن شاء الله لا يبطل الاستثناء ويعمل عليه بعد الموت، كذلك فيما نحن فيه هلاك المبيع ملائم إخراج الثمن عن مقابلته ولا يلائم جعل الشيء بمقابلته فلهذا يصح الحط ولا تصح الزيادة.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع بثمن حال ثم أجله أجلا معلوما صار مؤجلا) ش: وقال الشافعي وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مؤجلا حتى يجوز له أن يطالبه في الحال، لأن هذا وعد، وكذا خلافه في كل دين حال إذا أجل فعندنا يصير مؤجلا وبه قال مالك إلا القرض فإن تأجيله لا يصح، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح ما يجيء عن قريب.
م: (لأن الثمن حقه فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه) ش: لأن التأجيل براءة مؤقتة إلى حلول الأجل، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثمن فلأن يملك البراءة المؤقتة أولى وهو معنى قوله: م: (ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقا فكذا مؤقتا) ش: أي فكذا يملك إبراءه مؤقتا بل هو بطريق

(8/257)


ولو أجله إلى أجل مجهول إن كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح لا يجوز، وإن كانت متقاربة كالحصاد والدياس، يجوز لأنه بمنزلة الكفالة، وقد ذكرناه من قبل. وكل دين حال إذا أجله صاحبه صار مؤجلا لما ذكرنا إلا القرض. فإن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة في الابتداء حتى يصح بلفظ الإعارة ولا يملكه
من لا يملك التبرع كالوصي والصبي، ومعاوضته في الانتهاء، فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة إذ لا جبر في التبرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى.
م: (ولو أجله إلى أجل مجهول إن كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح) ش: ونزول المطر وقدوم الحاج وقدوم رجل من سفره م: (لا يجوز وإن كانت) ش: أي الجهالة م: (متقاربة كالحصاد والدياس) ش: أي حصاد الزرع ودياسه، والجذاذ والنيروز والمهرجان والميلاد م: (يجوز لأنه بمنزلة الكفالة) ش: فإن الأجل لم يشترط في عقد المعاوضة فيصح مع الجهالة اليسيرة بخلاف البيع. م: (وقد ذكرناه من قبل) ش: يعني في أواخر البيع الفاسد.
م: (وكل دين حال إذا أجله صاحبه صار مؤجلا لما ذكرنا) ش: أنه حقه فله أن يؤخره م: (إلا القرض فإن تأجيله لا يصح لأنه) ش: أي لأن القرض م: (إعارة وصلة في الابتداء) ش: فبهذا الاعتبار من التبرعات م: (حتى يصح بلفظ الإعارة) ش: حتى لو قال: أعرتك هذه المائة مثلا فيكون قرضا م: (ولا يملكه) ش: أي ولا يملك القرض.

م: (من لا يملك التبرع كالوصي) ش: فإنه لا يجوز له أن يقرض مال الصغير م: (والصبي) ش: فإنه لا يملك التصرف فضلا عن القرض الذي هو التبرع م: (ومعاوضته) ش: أي القرض معاوضة م: (في الانتهاء) ش: لأن الواجب بالقرض دون المثل لا رد العين م: (فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة) ش: أي كما لا يلزم في الإعارة م: (إذ لا جبر في التبرع) ش: لأن الأجل لو لزم فيه لصار المتبرع ملزما على المتبرع وهو المكث على المطالبة إلى مضي الأجل وذاتيا في موضوع التبرعات.
قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] لو ثبت الجبر لتحقق السبيل وفي " شرح الأقطع " لو شرط الأجل في ابتداء القرض بطل الشرط وصح القرض، وكذلك إذا شرطاه في ثاني الحال ولو مات المقرض وأجل وارثه.
قال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح كما لو أجل المقرض وقال صاحب " المحيط " ينبغي أن يصح من الوارث على قول البعض، وقال واحد من الفقهاء: رأيت في المنتقى أن القرض إذا صار مستهلكا يصح تأجيله والصحيح أنه لا يصح. وقال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التأجيل في بدل المستهلك صحيح سواء كان المستهلك دراهم أو دنانير أو غير ذلك وعند

(8/258)


وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا، وهذا بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة، حيث يلزم الورثة من ثلثه أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح والحيلة في تصحيح تأجيل القرض أن يحيل المستقرض المقرض على آخر بدينه وأجل المقرض ذلك الرجل فحينئذ يصح، كذا في " فصول" الأستروشي.
م: (وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا) ش: والمعول على النكتة الأولى لا على النكتة الثانية لأن على النكتة الثانية يلزم أن لا يصح القرض أصلا وهو جائز بالإجماع وكأنه انتفع بالعين وردها م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا م: (بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة، حيث يلزم الورثة من ثلثه أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع، بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى) ش: في كونهما وصية بالتبرع بالمنافع ويلزم في الوصية ما لا يلزم في غيرها ألا ترى أنه لو أوصى بثمرة بستانه إلى فلان صح ولزم وإن كانت معدومة وقت الوصية فلذلك يلزم التأجيل في القرض.
وهو معنى قوله: م: (فيلزم حقا للموصي) ش: حتى لا يجوز للورثة مطالبة الموصى له بالاسترداد قبل السنة حقا له.

(8/259)