البناية شرح الهداية

باب الربا قال: الربا محرم في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلا، فالعلة عندنا الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس، قال: ويقال: القدر مع الجنس وهو أشمل، والأصل فيه الحديث المشهور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الربا]
[تعريف الربا]
م: (باب الربا)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام الربا، ولما فرغ من بيان أبواب البيوع التي أمر الشارع بمباشرتها بقوله تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] مع أنواعها صحيحها وفاسدها شرع في بيان أبواب البيوع التي نهى الشارع عنها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] ، يقال: ربا المال يربو ربوا إذا زاد وارتفع والاسم الربا مقصور، وفي الشرع فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال.
وإذا نسب إليه يقال: هذا مال ربوي بكسر الراء والفتح خطأ، وفي " المبسوط ": الربا فضل خال عن العوض المشروط في البيع.
وقال علماؤنا: هو نوع بيع فيه فضل مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من عوض شرط في هذا العقد، وعلى هذا سائر أنواع البيوع الفاسدة من قبيل الربا، وفي جميع المعلوم الربا شرعا عبارة عن عقد فاسد وإن لم يكن زيادة.
لأن بيع الدراهم بالدراهم نسيئة ربا، وإن لم يتحقق فيه زيادة، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البيع هو التصرف المشروع بحده، والربا اسم جعل علما على تصرف يفيد العقد لا على الحد المشروع، انتهى.
وليس المراد مطلق الفضل بالإجماع، وإن فتح الأسواق في سائر بلاد المسلمين للاستفضال والاسترباح وإنما المراد فضل مخصوص وهو فضل مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من العوض.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الربا محرم في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلا) ش: أي حكم الربا وهو ثبوت الحرمة حاصل في كل مكيل بجنسه أو كل موزون بيع بجنسه، إذا وجد علة تحريم التفاضل كما إذا باع مكيلا، أي مكيل كان بجنسه يحرم الفضل، وكذلك إذا باع الموزون، أي موزون كان بجنسه يحرم الفضل م: (فالعلة) ش: أي علة الربا م: (عندنا الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقال القدر مع الجنس وهو أشمل) ش: لأنه يتناولهما، وليس كل واحد بانفراده يتناول آخر م: (والأصل فيه) ش: أي في باب حكم الربا م: (الحديث المشهور) ش: وهو الذي تلقته الأمة بالقبول ولشهرته ظن بعض العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه متواتر.

(8/260)


وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد والفضل ربا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وليس كذلك لأنه لا يصدق عليه حد التواتر، ولكنه مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب، وقال الجصاص: هذا الحديث يقرب من المتواتر لكثرة رواته م: (وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد، والفضل ربا» ش: الحديث ورد في هذا الباب مروي عن جماعة من الصحابة.
وقال الكاكي: ومداره على أربعة نفر من الصحابة: عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومعاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يقل شيئا غير ذلك.
قلت: روي أيضا عن بلال، وأبي هريرة، ومعمر بن عبد الله، وأبي بكر، وعثمان، وهشام بن عامر، والبراء، وزيد بن أرقم، وخالد بن أبي عبيد، وأبي بكرة، وابن عمر وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فهؤلاء اثنا عشر نفرا غير الأربعة الذين ذكرهم الكاكي فالجميع ستة عشر نفرا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
أما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الأئمة الستة من رواية مالك بن أوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الورق بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر إلا هاء وهاء» .
وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الجماعة غير البخاري، واللفظ للترمذي عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، وبيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد» .
وأما حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه مسلم والنسائي عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» ".
وأما حديث معاوية صريحا فلم أقف عليه، وإنما ذكر في حديث أبي الدرداء أخرجه النسائي: حدثنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق أكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل» .
وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند الطحاوي والطبراني وفيه قال: قال رسول الله

(8/261)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التمر بالتمر مثلا بمثل، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل، والذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، فإذا اختلف النوعان فلا بأس واحد بعشرة» .
وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم عن أبي زرعة عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة» الحديث.
وأما حديث معمر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم في أفراده وفيه: كنت أسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الطعام بالطعام مثلا بمثل» .. " الحديث.
وأما حديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند البزار في مسنده عن أبي رافع قال: سمعت أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل الزائد والمستزيد في النار» .
وأما حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم، والطحاوي، عن سليمان بن يسار أنه سمع مالك بن أبي عامر يحدث عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين» .
وأما حديث هشام بن عامر، فعند الطبراني بإسناده عنه، وفيه: «نهى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الذهب بالورق نسيئة» ".
وأما حديث البراء وزيد بن أرقم فعند البخاري ومسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وفيه كلاهما قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الذهب بالورق، والورق بالذهب دينا» .
وأما حديث فضالة بن عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فعند أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر....
الحديث، وفيه: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن» .

(8/262)


وعد الأشياء الستة، الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على هذا المثال، ويروى بروايتين، بالرفع "مثل" وبالنصب "مثلا"، ومعنى الأول بيع التمر ومعنى الثاني بيعوا التمر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما حديث أبي بكرة فعند النسائي والطحاوي قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نبيع الفضة بالفضة إلا عينا بعين سواء بسواء، ولا نبيع الذهب بالذهب إلا عينا بعين سواء بسواء» .
وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فعند الطحاوي والحاكم في مستدركه وفيه «أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا ما عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم» .
وأما حديث أبي الدرداء، فقد مضى عن قريب.
ثم اعلم أن المصنف قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة» بدأ بالحنطة، وليس في الأحاديث المذكورة الابتداء بالحنطة كما رأيت، ولكن الحنطة مذكورة في أثناء الحديث، ولكنه ذكر ما ذكر في " المبسوط " فإنه قال فيه: بدأ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكتاب بحديث رواه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحنطة بالحنطة» ... " الحديث.

[ما يجري فيه الربا]
ثم قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعد الأشياء الستة) ش: أي وعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما فيه ربا ستة أشياء م: (الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على هذا المثال) ش: أي مثلا بمثل يدا بيد في جميع ذلك م: (ويروى) ش: يعني يروى قوله مثلا بمثل م: (بروايتين بالرفع مثل، وبالنصب مثلا، ومعنى الأول) ش: أي الرفع م: (بيع التمر) ش: أي بيع التمر بالتمر مثل بمثل، فعلى هذا يكون ارتفاع مثل على أنه خبر للمبتدأ وهو قوله: بيع التمر فإنه مرفوع بالابتداء.
م: (ومعنى الثاني) ش: أي النصب م: (بيعوا التمر) ش: فالمعنى على هذا بيعوا التمر بالتمر حال كونه مثلا بمثل، فقوله التمر منصوب على المفعولية، ومثلا نصب على الحال، والتقدير حال كونهما متماثلين، وأما وجه الرفع والنصب في قوله: يدا بيد فما تعرض إليه المصنف ولا غالب الشراح غير أن الأترازي قال: قوله يدا بيد، مثلا بمثل، حال أي قابضا يدا بيد.
قلت: فيه ما فيه لأن على تقديره يكون انتصاب يدا على المفعولية لا على الحال، ولا يكون الحال إلا قوله قابضا، والكلام في أن نفس يدا هو حال فكأنه لما علم أن من شرط الحال أن يكون من المشتقات ولفظ يد غير مشتق، فقدر هذا التقدير فوقع فيما ينوب عنه.
والقاعدة في وقوع الحال في غير المشتقات أن يؤول بالمشتق فأولوا قوله: يدا بيد على معنى

(8/263)


والحكم معلول بإجماع القائسين، لكن العلة عندنا ما ذكرناه، وعند الشافعي الطعم في المطعومات، والثمنية في الأثمان، والجنسية شرط، والمساواة مخلص، والأصل هو الحرمة عنده لأنه نص على شرطين: التقابض والمماثلة، وكل ذلك يشعر بالعزة والخطر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
متناجزين م: (والحكم) ش: وهو حرمة الفضل م: (معلول بإجماع القائسين) ش: وهم الأئمة الأربعة وأصحابهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واحترز به عن أهل الظاهر فإنهم ينفون القياس ويقولون: لا يكون الربا إلا في الأشياء الستة التي ذكرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخصها بالذكر، وهو أيضا منقول عن طاووس وقتادة وعثمان البتي، وأبي سليمان. قلنا: إنما ذكر هذه الأشياء لتكون دلالة على ما فيه الربا مما سواها مما يشبهها، فالعلة فحيثما وجدت تلك العلة يوجد الربا.
م: (لكن العلة عندنا ما ذكرناه) ش: وهو قوله: القدر مع الجنس، وعدوا هذا الحكم إلى كل مكيل أو موزون قوبل بجنسه حتى أثبتوا هذا الحكم في الجص والنورة ونحوهما لوجود الكيل وأثبتوه في الحديد والنحاس والرصاص ونحو ذلك لوجود الوزن.
م: (وعند الشافعي الطعم) ش: أي العلة في الربا الطعم م: (في المطعومات والثمنية) ش: أي كونها ثمنا م: (في الأثمان) ش: وعدي هذا الحكم إلى كل ما صار ثمنا بالاصطلاح كالدراهم المنقوشة والفلوس الرائجة، وقيل الثمنية المطلقة لا تتعدى إلى الفلوس والقطارفة كذا في المختلف، وفي الروضة: والمراد بالمطعوم ما يعد للطعم غالبا تقوتا أو تأدما، أو تفكها وغيرها، فيدخل فيه الفواكه والحبوب والبقول والتوابل.
ويدخل الثمنية والتبر والمضروب والحلي والأواني من الذهب والفضة في تعدي الحكم إلى الفلوس إذا راجت، وجه. والصحيح أنها لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالية ولا يتعدى إلى غير الفلوس من الحديد والنحاس والرصاص وغيرها قطعا، وبقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال أبو ثور، وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: م: (والجنسية شرط) ش: أي شرط العمل العلة عليها حتى لا تصل العلة المذكورة عنده إلا عند وجود الجنسية، وحينئذ لا يكون لها أثر في تحريم النساء، فلو أسلم هرويا في هروي جاز عنده، وعندنا لا يجوز.
م: (والمساواة مخلص) ش: بفتح الميم وسكون الخاء أي موضع الخلاص، يعني يتخلص بالمساواة عن الحرمة م: (والأصل هو الحرمة عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان حق الكلام أن يقال: والأصل هو الحرمة عنده والمساواة تختلص أي عند الحرمة.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشارع م: (نص على شرطين) ش: أحدهما هو قوله م: (التقابض) ش: يفهم من قوله: يدا بيد والآخر هو قوله م: (والمماثلة) ش: يفهم من قوله: مثلا بمثل م: (وكل ذلك) ش: أي وكل من الشرطين م: (يشعر بالعزة والخطر) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

(8/264)


كاشتراط الشهادة في النكاح فيعلل بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة، وهو الطعم لبقاء الإنسان به والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها ولا أثر للجنسية في ذلك، فجعلناه شرطا، والحكم قد يدور مع الشرط. ولنا أنه أوجب المماثلة شرطا في البيع، وهو المقصود بسوقه تحقيقا لمعنى البيع، إذ هو ينبئ عن التقايل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كاشتراط الشهادة في النكاح) ش: فإن اشتراط الشهادة في عقد النكاح لأجل إظهار خطرها وعزتها دون سائر المعاملات م: (فيعلل) ش: أي إذا كان الشرطان يشعران بالعزة والخطر فيعلل الربا م: (بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة وهو الطعم) ش: في المطعومات م: (لبقاء الإنسان به، والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها) ش: أي تعلق مصالح الإنسان بالأموال والمناط مصدر ميمي من ناط الشيء ينوطه نوطا أي علقه.
م: (ولا أثر للجنسية في ذلك) ش: أي في إظهار الخطر والعزة م: (فجعلناه) ش: أي جعلنا الجنس م: (شرطا) ش: لا علة م: (والحكم قد يدور مع الشرط) ش: بيان هذا أن العلة إنما تعرف بالتأثير وللطعم والثمنية أثر كما ذكرنا وليس للجنسية أثر لكن لا تكميل إلا عند وجود الجنس فكان شرطا لأن الحكم يدور مع الشرط وجودا عنده لا وجوبا به.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: والحكم قد يدور لدفع شبهة ترد على جعله الطعم علة أو الثمنية علة، وهو أن الحكم يدور مع الجنسية كما يدور مع الطعم والثمنية عنده فلم يجعل الجنسية علة كما جعلها خصمك علة الربا.
فأجاب عنها فقال: نعم كذلك إلا أن العلة للوصف الذي له أثر في استجلاب ذلك الحكم لا لمجرد الدوران فإن الحكم قد يدور مع الشرط، كالرجم مع الإحصان مع الزنا فإنه يدور معه وجودا وعدما، ولا يدل على كونه علة، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكر من المطعومات أربعة، وهي أصول الطعم فإن الحنطة أصل لقوت بني آدم، والشعير للدواب، والتمر من الأصول تفكها، والملح أصل لتطيب الأطعمة.
فتبين بذلك أن العلة هي الطعم، أما إذا جعلت القدر مع الجنس يتمحض ذكر هذه الأشياء تكرارا إذ صفة القدر فيهما لا يتنوع، وحمل كلام الشارع على ما يفيده فائدة زائدة أولى م: (ولنا أنه) ش: أي أن الحديث المذكور أو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أوجب المماثلة شرطا في البيع) ش: بقوله: مثلا بمثل، لما مر أنه حال والأحوال شروط م: (وهو المقصود بسوقه) ش: أي وجوب المماثلة هو المقصود بسوق الحديث لأحد معان ثلاثة. أشار إلى الأول بقوله م: (تحقيقا لمعنى البيع) ش: أي لأجل تحقيق معنى البيع م: (إذ هو) ش: أي لأن البيع م: (ينبئ عن التقايل) ش: لأن البيع مبادلة المال بالمال لأن ما كان من باب المفاعلة يقتضي مقابلة كل جزء من أجزاء الآخر في متحد الجنس، ولو فضل أحد العوضين لخلا ذلك الفضل عن العوض فلا يتحقق معنى التقايل فلا تتحقق المعاوضة

(8/265)


وذلك بالتماثل، أو صيانة لأموال الناس عن التوى، أو تتميما للفائدة باتصال التسليم به، ثم يلزم عند فوته حرمة الربا، والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بل يكون استحقاقا لذلك القدر.
وذا خلاف قضية المعاوضة م: (وذلك) ش: أي التقايل يحصل م: (بالتماثل) ش: لأنه لو كان أحدهما أنقص من الآخر لم يحصل التقايل من كل وجه، وأشار إلى المعنى الثاني بقوله م: (أو صيانة لأموال الناس عن التوى) ش: أو صيانة عطف على قوله: تحقيقا، أي أو لأجل صيانة أموال الناس عن التوى أي الهلاك والتلف. لأن أحد البدلين إن كان أنقص من الآخر كان التبادل مضيعا لفضل ما عليه الفضل، يوضحه إذا كان الزائد خاليا عن العوض، وفيه تلف الزائد فاشترطت المماثلة حتى يتعين أموال الناس.
وإليه أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «والفضل ربا» أي الفضل على المتماثلين ربا، يعني أن الذي نطق به القرآن بقوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] المراد به هذا الفضل، وأشار إلى المعنى الثالث بقوله: م: (أو تتميما للفائدة) ش: أي لأجل التتميم لفائدة البيع وهو ملك الرقبة قبل القبض وملك التصرف بعده م: (باتصال التسليم به) ش: أي بالتماثل، يعني أن في النقدين لكونهما لا يتعينان بالتعيين شرطت المماثلة قبضا بعد مماثلة كل منهما للآخر ولتتميم فائدة البيع وهو ثبوت الملك.
وفي " المبسوط ": صاحب الشرع أوجب المماثلة في الجنس الواحد تتميما للفائدة في حق المتعاقدين، إذ لو كان أحد المعوضين أقل من الآخر تكون الفائدة تامة في حق أحد المتعاقدين دون الآخر وفي إيجاب المماثلة إتمام الفائدة لكل واحد منهما م: (ثم يلزم عند فوته) ش: أي عند فوت التماثل الذي هو شرط الجواز م: (حرمة الربا) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «والفضل ربا» م: (والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى) ش: هذا بيان عليه القدر والجنس لوجوب المماثلة، لأن المماثلة بين الشيئين إنما تكون باعتبار الصورة والمعنى، لأن كل محدث موجود بصورته ومعناه، وإنما تقوم المماثلة بهما فالقدر عبارة عن التساوي في المعيار فيحصل به المماثلة صورة، والجنس عبارة عن التشاكل في المعاني فتثبت به المماثلة معنى.
فإن قيل: حكم النص وجوب المماثلة فأي أثر للكيل والجنس في وجوب المماثلة؟ بل أثرهما في الوجود.
قلنا: المراد المقصود من الوجوب الوجود ولا يمكن الابتداء بالإيجاد إلا بالوجوب لأن الوجود يفضي إلى الوجوب ولا يمكن إيجاد المماثلة إلا بالقدر والجنس فيكون لهما أثر في وجود المماثلة وأضيف إليه لأن حكم النص إيجاب المماثلة، وحرمة الفضل عند فوتهما كذا في " جامع قاضي خان ".

(8/266)


والمعيار يسوي الذات، والجنسية تسوي المعنى، فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الربا؛ لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه، ولا يعتبر الوصف لأنه لا يعد تفاوتا عرفا، أو لأن في اعتباره سد باب البياعات أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمعيار يسوي الذات) ش: قال الجوهري: المعيار من عايرت المكاييل والموازين عيارا وعارت بمعنى، ومعنى المعيار يسوى الذات أي الصورة، فإن كيلا من البر مماثل كيلا من الذرة من حيث الصورة دون المعنى لعدم الجنسية م: (والجنسية تسوي المعنى) ش: فإن كيلا من بر يساوي كيلا من بر من حيث الصورة والمعنى، أما صورة فظاهر وأما معنى فللجنسية.
والقفيز من الحنطة يساوي القفيز من الشعير من حيث الصورة والمعنى، فإذا كان كذلك م: (فيظهر الفضل على ذلك) ش: أي على التساوي من حيث الصورة والمعنى م: (فيتحقق الربا، لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه) ش: قوله الخالي صفة للفضل، قوله: فيه أي في العقد م: (ولا يعتبر الوصف) ش: هذا جواب عما يقال إذا كانت المماثلة شرطا على ما قلتم، فكيف أهدر التفاوت في الوصف وهو الجودة في أحد البدلين دون الآخر، فأجاب بقوله: ولا يعتبر الوصف أي وصف الجودة والرداءة م: (لأنه) ش: أي لأن الوصف م: (لا يعد تفاوتا عرفا) ش: أي من حيث العرف فإن الناس لا يعدون التفاوت فيه معتبر العلة، ولهذا تصرف الأموال بالعدد دون الوصف فيقال: له مائة درهم أو دينار من غير اعتبار التفاوت بين الجيد والرديء، قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه تأمل؛ لأنه لو كان كذلك لما تفاضلا في القيمة في العرف، انتهى.
قلت: الكلام فيه من حيث الوصف لا من حيث الذات، والتفاضل في القيمة يرجع إلى الذات م: (أو لأن في اعتباره) ش: أي في اعتبار التفاوت في الوصف م: (سد باب البياعات) ش: في هذه الأشياء، وهو مفتوح لأن بيع هذه الأشياء لا يجوز متفاضلا ولا مجازفة فلم يبق إلا حالة التساوي، ولو اعتبر المساواة في الوصف تسد بياعات هذه الأشياء بجنسها لأن الحنطة لا تكون مثل حنطة أخرى في الوصف لا محالة، والبياعات بكسر الباء جمع بياعة، وإنما جمعوا المصدر على تأويل الأنواع م: (أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي ولا يعتبر الوصف لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «جيدها ورديئها سواء» .

(8/267)


والطعم والثمنية من أعظم وجوه المنافع، والسبيل في مثلها الإطلاق بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فيه، فلا معتبر بما ذكره، إذا ثبت هذا فنقول: إذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه يدا بيد مثلا بمثل جاز البيع فيه لوجود شرط الجواز وهو المماثلة في المعيار، ألا ترى إلى ما يروى مكان قوله "مثلا بمثل": كيلا بكيل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وهذا الحديث غريب ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر في هذا الباب.
وذر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره هذا الحديث وسكتوا عنه م: (والطعم والثمنية من أعظم وجوه المنافع) ش: هذا جواب عن جعل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطعم والثمنية علة للحرمة، تقريره أن ذلك فاسد لأنهما يقتضيان خلاف ما أضيف إليهما لما كانا من أعظم وجوه المنافع كان الطريق فيه الإطلاق وهو معنى قوله:
م: (والسبيل في مثلها) ش: أي في مثل هذه الأشياء التي تتعلق بها أعظم وجوه المنافع م: (الإطلاق) ش: أي التوسعة م: (بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فيه) ش: فإن السنة الإلهية جرت في حق الإنس وسائر الحيوانات، إنما كان الاحتياج إليها أكثر فكان أمره في الوجود وإطلاق الشرع أوسع كالماء والهواء وعلف الدواب، وعلف الدواب، وإذا كان كذلك كان تعليله بما يوجب التضييق تعليلا بفساد الوضع م: (فلا معتبر بما ذكره) ش: أي بما ذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أنه علل بعلة وقعت فاسدة في مخرجها.
فإن قلت: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - استدل بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تبيعوا الطعام بالطعام» .
قلت: قالوا هذا خبر لا يعرفه هو ولا ذكره أحد في كتاب مسند، وإنما المروي: «الطعام مثلا بمثل كيلا بكيل» ، وهذا لا يتناول إلا ما يكال بعينه كذا في " شرح مختصر" الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكرنا أن العلة القدر والجنس عندنا مطعوما كان أو غيره م: (فنقول: إذا بيع المكيل أو الموزون) ش: أي لو بيع الموزون م: (بجنسه يدا بيد مثلا بمثل جاز البيع فيه لوجود شرط الجواز) ش: أي جواز البيع.
م: (وهو) ش: أي شرط الجواز م: (المماثلة في المعيار، ألا ترى) ش: توضيح المماثلة في المعيار، فإن قوله: كيلا بكيل بمنزلة التفسير لقوله: مثلا بمثل، إذ كلام الشارع يفسر بعضه بعضا م: (إلى ما يروى مكان قوله: مثلا بمثل كيلا بكيل) ش: أشار به إلى ما قلنا: إن قوله كيلا بكيل بمنزلة التفسير إلى آخره.

(8/268)


وفي الذهب بالذهب وزنا بوزن. وإن تفاضلا لم يجز لتحقق الربا، ولا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لإهدار التفاوت بالوصف. ويجوز بيع الحفنة بالحفنتين، والتفاحة بالتفاحتين لأن المساواة بالمعيار، ولم يوجد فلم يتحقق الفضل، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - العلة هي الطعم، ولا مخلص وهو المساواة فيحرم، وما دون نصف الصاع فهو في حكم الحفنة لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه،
ولو تبايعا مكيلا أو موزونا غير مطعوم بجنسه متفاضلا كالجص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[بيع الذهب وزنا بوزن]
م: (وفي الذهب) ش: أي جاز المبيع أيضا في الذهب إذا بيع م: (الذهب وزنا بوزن) ش: أي من حيث الوزن يعني متساويين م: (وإن تفاضلا لم يجز لتحقق الربا) ش: يفضل أحدهما على الآخر م: (ولا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا) ش: أي ما يتحقق فيه من الأشياء الربوية م: (إلا مثلا بمثل) ش: يعني متماثلين متساويين م: (لإهدار التفاوت في الوصف) ش: أي لأجل إهدار التفاوت في وصف الجودة والرداءة شرعا وعرفا م: (ويجوز بيع الحفنة) ش: هي ملء الكف.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الجوهري: الحفنة ملء الكفين من الطعام م: (بالحفنتين، والتفاحة) ش: أي بيع التفاحة م: (بالتفاحتين لأن المساواة بالمعيار) ش: يعني المساواة بالكيل شرط م: (ولم يوجد) ش: لأنه لا كيل في الحفنة والحفنتين م: (فلم يتحقق الفضل) ش: لأن تحققه مبني على المساواة بالمعيار. فإذا لم يتحقق الفضل فلا يكون ربا واستوضح ذلك بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الحفنة والحفنتين لا تدخل تحت المعيار الشرعي م: (كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف) ش: إذ لو كان داخلا تحت المعيار كان مضمونا بالمثل عند الإتلاف كما في سائر المكيلات والموزونات، لأن المكيلات والموزونات كلها في ذوات الأمثال دون القيم م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلة) ش: أي علة الربا م: (هي الطعم) ش: فلا يجوز بيع الحفنة بالحفنتين لوجود الطعم م: (ولا مخلص وهو المساواة فيحرم) .
ش: وفي " شرح الطحاوي ": ولو باع البطيخة ببطيختين أو تفاحة بتفاحتين أو بيضة ببيضتين أو جوزة بجوزتين يجوز عندنا لعدم الكيل، وعنده لا يجوز لوجود الطعم، وكذلك إذا باع حفنة بحفنتين أو حبة بحبة أو تفاحة بتفاحة يجوز عندنا وعنده لا يجوز م: (وما دون نصف الصاع فهو في حكم الحفنة؛ لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه) ش: أي بما دون نصف الصاع بخلاف النصف لأن الشرع ورد بالتقدير فيه كما في صدقة الفطر وغيرها.
وفي " المبسوط ": هذا إذا لم يدخل كل واحد من البدلين تحت النصف، أما إذا بلغ أحدهما النصف والآخر لم يبلغ أو أكثر من النصف حتى لو باع حفنة بقفيز لا يجوز، وفي " الأسرار ": ما دون الحبة من الفضة لا قيمة له
م: (ولو تبايعا مكيلا أو موزونا غير مطعوم بجنسه متفاضلا كالجص

(8/269)


والحديد لا يجوز عندنا لوجود القدر والجنس، وعنده يجوز لعدم الطعم والثمنية. قال: وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه حل التفاضل والنساء لعدم العلة المحرمة. والأصل فيه الإباحة، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء لوجود العلة المحرمة وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، مثل أن يسلم هرويان في هروي أو حنطة في شعير، فحرمة ربا الفضل بالوصفين، وحرمة النساء بأحدهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحديد لا يجوز عندنا لوجود القدر والجنس، وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجوز لعدم الطعم والثمنية) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: ولو تبايعا وزنا بوزنين وهو مأكول أو مشروب كالدهن، والزيت والرب والخل لا يجوز إلا وزنا بوزن عند الكل لكن باختلاف التخريج أما عندنا فلوجود الجنس والوزن، وأما عند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية لوجود الطعم.
وأما عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلوجود الادخار، لأن عنده علة الربا الادخار والاقتيات.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم) ش: المعنى المضموم هو القدر م: (إليه) ش: أي إلى الجنس كبيع الحنطة بالدرهم أو الثياب م: (حل التفاضل والنساء) ش: بفتح النون والمد وهو البيع إلى أجل م: (لعدم العلة المحرمة) ش: معناه أن علة حرمة الربا القدر والجنس فلما انعدم لم تثبت الحرمة وحل التفاضل والنساء؛ لأن الحل هو الأصل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
فإن قيل: عدم العلة لا يدل على عدم الحكم.
قلنا: الأصل جواز البيع مطلقا والإباحة، إلا أن الشرع اعتبر التحريم بوصفه، فإذا وجد هذا الوصف قلنا بالتحريم وإلا نعمل بالأصل وهو معنى قوله م: (والأصل فيه الإباحة) ش: أي الأصل في البيع الإباحة إلا عند اعتبار الشرع التحريم م: (وإذا وجدا) ش: أي الوصفان م: (حرم التفاضل والنساء لوجود العلة المحرمة وإذا وجد أحدهما) ش: أي أحد الوصفين م: (وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء مثل أن يسلم هرويان في هروي) ش: أي الثوب الهروي.
وفي بعض النسخ: مرويان في مروي، وفيه عدم القدرة الذي هو أحد الوصفين، ويجوز فيه التفاضل بأن يباع واحد باثنين، ولا يجوز أن يباع بالنسيئة م: (أو حنطة في شعير) ش: أي أو أسلم حنطة في شعير وفيه عدم الجنس، فيجوز فيه التفاضل ولا يجوز النساء كما إذا أسلم أحدهما في الآخر م: (فحرمة ربا الفضل بالوصفين) ش: القدر والجنس م: (وحرمة النساء بأحدهما) ش: أي بأحد الوصفين.

(8/270)


وقال الشافعي: الجنس بانفراده لا يحرم النساء؛ لأن بالنقدية وعدمها لا يثبت إلا شبهة الفضل، وحقيقة الفضل غير مانع فيه حتى يجوز بيع الواحد بالاثنين فالشبهة أولى. ولنا أنه مال الربا من وجه نظرا إلى القدر أو إلى الجنس، والنقدية أوجبت فضلا في المالية فتحقق شبهة الربا وهي مانعة كالحقيقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي: والجنس بانفراده لا يحرم النساء لأن بالنقدية) ش: أي في جانب م: (وعدمها) ش: أي في جانب آخر م: (لا يثبت إلا شبهة الفضل) ش: لأن النسيئة عبارة عن تأخير المطالبة وهي ليست حقيقة الفضل إلا أن فيها تفاوت المالية حكما، والتفاوت في المالية حقيقة أكثر تأثيرا في التفاوت في المالية حكما، ولا أثر له في المنع من جواز العقد حتى يجوز بيع ثوب بثوبين، فالتفاوت حكما أولى. كذا قاله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويفهم منه معنى قوله: م: (وحقيقة الفضل غير مانع فيه حتى يجوز بيع الواحد بالاثنين فالشبهة أولى) ش: أي بأن لا تكون مانعة، بيانه على وجه الإيضاح: أن حقيقة الفضل غير مانع في الجنس حتى جاز بيع الهروي بالهرويين، والعبد بالعبدين والشبهة أولى.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل ليس في تخصيص الجنس بالذكر في عدم تحريم النساء زيادة فائدة فإن القدر عنده كذلك، فإنه يجوز إسلام الموزونات في الموزونات كالحديد والرصاص.
ويمكن أن يقال: إنما خصه بالذكر لأن الحكم وهو حرمة النساء إنما لم توجد عنده في صورة الجنس وأما في صورة القدر فقد توجد، فإنه لم يجوز بيع الذهب بالفضة نسيئة، وكذا بيع الحنطة بالشعير وإن كان علة ذلك عنده غير القدر وهو أن التقابض شرط في الصرف وبيع الطعام عنده م: (ولنا أنه) ش: أي أن بيع النسيئة م: (مال الربا من وجه نظرا إلى القدر) ش: أي إلى القدر وحده كما في الحنطة مع الشعير م: (أو إلى الجنس) ش: أي أو نظرا إلى الجنس وحده كالثوب الهروي مع الهروي.
م: (والنقدية أوجبت فضلا في المالية فتحقق شبهة الربا) ش: لأن الفضل من حيث النقدية فضل من حيث المعنى، والنقد خير من النسيئة فمن الوجه الذي هو مال الربا أظهر الفضل من حيث النقدية في أحدهما، وذلك شبهة الربا م: (وهي) ش: أي شبهة الربا م: (مانعة) ش: عن الجواز م: (كالحقيقة) ش: قال الأكمل في بحث من وجهين:
أحدهما: ما قيل أن كونه من مال الربا من وجه شبهة، وكون الشبهة أوجبت فضلا شبهة فصار بشبهة الشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها.
والثاني: أن كونها شبهة الربا كالحقيقة إما أن يكون مطلقا أو في محل الحقيقة، والأول ممنوع والثاني مسلم لكنها كانت جائزة فيما نحن فيه، فيجب أن تكون الشبهة كذلك.

(8/271)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب عن الأول: أن الشبهة الأولى في المحل والثانية في الحكم، وثمة شبهة أخرى، وهي التي في العلة، وبشبهة العلة والعمل يثبت شبهة الحكم لا شبهة الشبهة، وعن الثاني: أن القسمة غير حاضرة بل الشبهة مانعة في محل الشبهة كما أن الحقيقة مانعة في محلها إذا وجدت العلة بكمالها.
فإن قيل: بعض الشراح استدل للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما روي «عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أمره أن يجهز جيشا فبعدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة» ، رواه أبو داود.
واستدل لأصحابنا بما رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث الحسن عن سمرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحيوان نسيئة» ورواه بقية الأربعة.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: ما قال المصنف لم يستدل للجانبين بهذه الأحاديث، ثم قال: فالجواب أن جهالة التاريخ وتطرق التأويلات منعاه عن ذلك. قلت: قيل: الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان في دار الحرب وقد أخذ عبد الله من أهل الحرب ولا ربا بينهما عندنا.
وقيل: إن كان قبل تحريم الربا، وقيل: حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في طريق ابن إسحاق بطريق بقية وهو مدلس فلا يحتج به.
ولما أخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث سمرة قال: حديث سمرة حسن صحيح، وسماع الحسن عن سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - انتهى كلام الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(8/272)


إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه يجوز، وإن جمعهما الوزن؛ لأنهما لا يتفقان في صفة الوزن، فإن الزعفران يوزن بالأمناء وهو مثمن يتعين بالتعيين، والنقود توزن بالسنجات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروي عن ابن عباس وجابر وابن عمر في هذا الباب أيضا فحديث ابن عباس أخرجه الترمذي في كتاب العلل المفرد من حديث عكرمة عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه الترمذي في العلل ونحوه، وحديث جابر رواه ابن ماجه بلفظ: «لا بأس بالحيوان واحد باثنين يدا بيد» وكره نسيئة.
م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: وحرم النساء في قوله: فإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، إلا أن الرجل م: (إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه) ش: كالقطن والحديد م: (يجوز وإن جمعهما الوزن) ش: بيانه أن قوله: وحرم النساء بإطلاقه يتناول أن كل ما يوجد فيه أحد وصفي الربا من الجنس والقدر لا يجوز إلا إسلام أحدهما بالآخر وهاهنا يجوز إسلام النقود بالزعفران ونحوه مع وجود أحد الوصفين وهو الوزن.
فقال المصنف: م: (لأنهما) ش: أي لأن النقد والزعفران م: (لا يتفقان في صفة الوزن، فإن الزعفران يوزن بالأمناء) ش: وهو جمع المنا مقصور، والتثنية منوان، وقال الجوهري: المنا الذي يوزن به م: (وهو) ش: أي الزعفران م: (مثمن يتعين بالتعيين) ش: ولهذا إذا اشترى الدنانير أو الدراهم موازنة وقبض كان له أن يبيعه موازنة بدون إعادة الوزن.
وفي الزعفران ونحوه يشترط إعادة الوزن إذا اشترى موازنة ثم باع موازنة، وهذا اختلاف بينهما حكما، فإذا وجد الوزن في كل وجه يحرم النساء لوجود أحد وصفي علة الربا؛ لأنه حصل شبهة الربا، وإذا وجد الاتفاق في الوزن من وجه دون وجه نزلت الشبهة إلى شبهة الشبهة، والمعتبر هو الشبهة لا شبهة الشبهة م: (والنقود توزن بالسنجات) ش: بتحريك النون جمع سنجة، وهو بالفارسية سنك ترازو، وعن دريد بن السكيت: لا يقال بالسين بل هي بالصاد

(8/273)


وهو ثمن لا يتعين بالتعيين. ولو باع بالنقود موازنة وقبضها صح التصرف فيها قبل الوزن، وفي الزعفران وأشباهه لا يجوز، فإذا اختلفا فيه صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه، فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة وهي غير معتبرة.
قال: وكل شيء نص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا. وإن ترك الناس الكيل فيه مثل الحنطة والشعير والتمر والملح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صنجات، وفي المغرب: الصنجات بالتحريك جمع صنجة بالتسكين.
وعن الفراء: السين أفصح، والكر القبتي السين أصلا، قلت: الصواب مع الفراء لا يعرفه إلا من يعرف اللغة الفارسية م: (وهو) ش: أي النقود على تأويل ما يوزن بالسنجات م: (ثمن لا يتعين بالتعيين) ش: لأن النقدين لا يتعينان بالتعيين وقد مر غير مرة م: (ولو باع بالنقود موازنة) ش: أي لو باع الزعفران بالنقود، وفي بعض النسخ: ولو باع النقود موازنة بلا صرف الباقي أول النقود.
م: (وقبضها صح التصرف فيها قبل الوزن، وفي الزعفران وأشباهه لا يجوز) ش: وقد أوضحنا عن قريب م: (فإذا اختلفا) ش: أي النقود والزعفران م: (فيه) ش: أي في الوزن م: (صورة ومعنى وحكما) ش: هذا على طريق اللف والنشر، فقوله: صورة يرجع إلى قوله: يوزن بالأمناء، وقوله: معنى يرجع إلى قوله: يتعين بالتعيين، وقوله: وحكما يرجع إلى قوله: لا يجوز أي التصرف فيها لا يجوز م: (لم يجمعهما القدر من كل وجه) ش: أي لم يجمع النقود والزعفران القدر وهو الوزن من كل وجه، بل من وجه دون وجه، فإذا كان كذلك م: (فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة) ش: فإن الموزونين إذا اتفقا كان المنع للشبهة، وإذا لم يتفقا كان ذلك شبهة الوزن والوزن وحده شبهة فكان ذلك شبهة الشبهة م: (وهي) ش: أي شبهة الشبهة م: (غير معتبرة) ش: لأن الشبهة هي المعتبرة، ألا يقال: لم يخرجا بذلك عن كونهما موزونين فقد جمعهما الوزن لأن إطلاق اللفظ عليهما حينئذ بالاشتراك اللفظي ليس إلا، وهولا يفيد الاتحاد بينهما، وصار كأن الوزن لم يجمعهما حقيقة.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي عبارة المصنف تسامح، فإنه قال: إذا اختلفا صورة ولم يختلفا صورة ولهذا قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بل نقول: اتفاقهما في الوزن صورة لا معنى، وحكما إلا إذا حمل قوله: صورة على أن معناه حقيقة فافهم.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكل شيء نص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا، وإن ترك الناس الكيل فيه مثل الحنطة والشعير والتمر والملح) ش: حاصله أن ما كان مكيلا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغير أبدا عن ذلك بل يعتبر ما كان مكيلا في

(8/274)


وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون أبدا، وإن ترك الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة؛ لأن النص أقوى من العرف والأقوى لا يترك بالأدنى، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دالة، وعن أبي يوسف أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك لمكان العادة فكانت هي المنظور إليها وقد تبدلت، فعلى هذا لو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا أو الذهب بجنسه متماثلا كيلا لا يجوز عندهما، وإن تعارفوا ذلك لتوهم الفضل على ما هو المعيار فيه كما إذا باع مجازفة، إلا أنه يجوز الإسلام في الحنطة ونحوها وزنا لوجود الإسلام في معلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عهده.
ويشترط فيه التساوي بالكيل ولا يلتفت إلى التساوي في الوزن دون الكيل حتى لو تساوى الحنطة بالحنطة وزنا لا كيلا لم يجز م: (وكل ما نص) ش: أي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون أبدا، وإن ترك الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة) ش: كذلك يعتبر فيه التساوي بالكيل دون الوزن حتى لو تساوى الذهب بالذهب كيلا لا وزنا لم يجز.
وكذلك الفضة بالفضة وذلك لأن طاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجبة علينا م: (لأن النص أقوى من العرف) ش: لكون النص حجة على من تعارف وعلى من لم يتعارف، والمعروف ليس بحجة إلا على من تعارف به م: (والأقوى لا يترك بالأدنى، وما لم ينص) ش: من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دالة) ش: أي لأن العادات دالة على جواز الحكم فيما وقعت عليه العادة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» .
م: (وعن أبي يوسف أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك) ش: أي على الكيل في المكيل والوزن في الموزون في ذلك الوقت إنما كان م: (لمكان العادة) ش: فيه م: (فكانت) ش: أي العادة م: (هي المنظور إليها) ش: في ذلك الوقت م: (وقد تبدلت) ش: أي تلك العادة فيجب أن يكون الحكم على وفاق ذلك.
م: (فعلى هذا لو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا أو الذهب) ش: أي أو باع ذهبا م: (بجنسه متماثلا كيلا لا يجوز عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن تعارفوا ذلك) ش: وكلمة إن واصلة بما قبلها، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إذا تعارفوا ذلك م: (لتوهم الفضل) ش: من دليلهما م: (على ما هو المعيار فيه كما إذا باع مجازفة إلا أنه يجوز) ش: استثناء من قوله: لا يجوز عندهما أي لكن يجوز م: (الإسلام في الحنطة ونحوها وزنا) ش: على ما اختاره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لوجود الإسلام في معلوم) ش: فإن المماثلة ليست بمعتبرة فيه،

(8/275)


قال: وكل ما ينسب إلى الرطل فهو وزني، معناه ما يباع بالأواقي لأنها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا، بخلاف سائر المكاييل، وإذا كان موزونا فلو بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله؛
لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إنما المعتبر هو الإعلام على وجه ينفي المنازعة في التسليم، وذلك كما يحصل بالكيل يحصل بذكر الوزن، ذكر في " التتمة " أنه ذكر في " المجرد " عن أصحابنا أنه لا يجوز فكان في المسألة روايتان.

[بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكل ما ينسب إلى الرطل) ش: بكسر الراء وفتحها. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرطل نصف منا مقصور، ثم قال: هو الذي يوزن به، وقال في كتاب يوحنا بن سرافيون: الرطل اثنتا عشرة أوقية، وقال أيضا: الرطل عشرون أستارا والأستار ستة دراهم ودانقان، أو قال: أربعة مثاقيل فعلى هذا فيما قيل إن الأوقية أربعون درهما نظر.
وقال أبو عبيد: وزن الرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وزن سبعة، وفي " المغرب ": الرطل الذي يوزن به أو يكال به م: (فهو وزني) ش: خبر المبتدأ أعني قوله، وكلما دخلت الفاء فيه لتضمنه الشرط قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه ما يباع بالأواقي) ش: وكذا قال فخر الدين قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
تفسيره أن ما يباع بالأواقي فهو وزني م: (لأنها) ش: أي لأن الأواقي م: (قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا) ش: حتى لو بيع شيء منها بجنسه متساويا كيلا يجوز لجواز التفضيل في الوزن، وهذا لأنه يشق وزن الدهن بالأمناء والسنجات لأنه لا يتمسك إلا في وعاء، وفي وزن كل وعاء نوع خرج فاتخذ الرطل لذلك.
" والأواقي " جمع أوقية بالتشديد وهي أربعون درهما وهي أفعولة من الوقاية لأنها تقي صاحبها من الضرر، وعند الأطباء: الأوقية وزن عشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم، وهو أستار وثلثا أستار.
وفي " كتاب العين ": الأوقية وزن من أوزان الدهن وهي سبعة مثاقيل م: (بخلاف سائر المكاييل) ش: متصلا بقوله: لأنها قدرت يعني أن سائر المكاييل لم تقدر بالوزن فلا يكون للوزن فيه اعتبار.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: بخلاف سائر المكاييل يعني أن هاهنا القدر بالوزن فيجوز البيع بالأوقية، وإن كانت الأوقية كيلا لأنها قدرت بالوزن م: (وإذا كان موزونا) ش: يعني إذا ثبت أن ما ينسب إلى الرطل وزني م: (فلو بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله لا

(8/276)


يجوز لتوهم الفضل في الوزن، بمنزلة المجازفة. قال: وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الفضة بالفضة هاء وهاء» ، معنا يدا بيد، وسنبين الفضة في الصرف إن شاء الله تعالى. قال: وما سواه مما فيه الربا يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض، خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بيع الطعام بالطعام. له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الحديث المعروف: "يدا بيد".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز) ش: ولو كان سواء بسواء م: (لتوهم الفضل في الوزن بمنزلة المجازفة) ش: إنما قيد بقوله: لا يعرف وزنه بمكيال مثله لأنه إذا عرف وزنه جاز م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره" م: (وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان) ش: وهي النقود.
وقوله: وعقد الصرف كلام إضافي مبتدأ، وقوله: ما وقع خبره، وقوله م: (يعتبر) ش: خبرا بعد خبر أي يجيب م: (فيه قبض عوضيه في المجلس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الفضة بالفضة هاء وهاء» ش: هذا الحديث أخرجه محمد بن الحسن في الأصل عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أشهد أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلا هاء وهاء فمن زاد فقد أربى» .
وروى الجماعة في كتبهم عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» .
قوله: هاء ممدود على وزن هاع ومعناه خذ، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه فيتقابضان، وفسر المصنف بقوله م: (معناه يدا بيد) ش: وكذا قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن روى حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معنى قوله: إلا هاء وهاء بقول: يدا بيد، وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قوله يدا بيد أي قبضا بقبض كنى باليد عنه لكونه آلة القبض، ويقال: معنى يدا بيد عينا بعين، وكذا وقع في حديث مسلم عن عبادة وفيه: إلا سواء بسواء وعينا بعين م: (وسنبين الفقه في الصرف إن شاء الله تعالى) ش: هذه حوالة رابحة تأتي في باب المصرف.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما سواه مما فيه الربا) ش: أي ما سوى عقد الصرف مما يجري فيه ربا كالمكيلات والموزونات غير الذهب والفضة م: (يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض) ش: أي قبل التفرق بالأبدان م: (خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بيع الطعام بالطعام) ش: فإن عنده التقابض في المجلس شرط فيه إن اتحد المجلس أو لم يتحد، كأن باع كر حنطة بكر حنطة أو بثمن فافترقا من غير قبض فإنه لا يجوز عنده، وبه قال مالك م: (له) ش: أي للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الحديث المعروف: يدا بيد) ش: سواء

(8/277)


ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض، وللنقد مزية فتتحقق شبهة الربا. ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط فيه القبض كالثوب، وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف، ويترتب ذلك على التعيين، بخلاف الصرف لأن القبض فيه ليتعين به، ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يدا بيد عينا بعين» كذا رواه عبادة بن الصامت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بسواء م: (ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض وللنقد مزية) ش: على غيرها م: (فتتحقق شبهة الربا) ش: وهي كالحقيقة في باب الربا.
م: (ولنا أنه) ش: أن ما سوى عقد الصرف مما يجري فيه الربا م: (مبيع متعين) ش: وكل ما هو متعين قد تعين بالتعيين م: (فلا يشترط فيه القبض كالثوب) ش: والعبد والدابة وغيرها م: (وهذا) ش: أي عدم اشتراط القبض فيما يتعين م: (لأن الفائدة المطلوبة) ش: بالعقد م: (إنما هو التمكن من التصرف ويترتب ذلك على التعيين) ش: فلا يحتاج إلى القبض م: (بخلاف الصرف) ش: جواب عما يقال: لو كان الأمر كما قلتم لما وجب القبض في الصرف؟ فأجاب بقوله: بخلاف الصرف حيث يشترط فيه القبض م: (لأن القبض فيه) ش: أي في الصرف م: (ليتعين به) ش: أي بالقبض لأن النقود لا تتعين.
م: ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: هذا جواب عن استدلال الخصم بالحديث، أي معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يدا بيد عينا بعين» ش: تقريره أن المعنى إذا كان عينا بعين يعني معينا بعين يدل على أن المراد منه التعيين، إلا أن التعيين في الصرف لا يتحقق قبل التقابض فلأجل هذا اشترط التقابض.
م: (كذا رواه) ش: أي كذا روى عينا بعين م: (عبادة بن الصامت) ش: حاصله أن الروايتين أعني يدا بيد وعينا بعين كلتيهما وقعتا في حديث عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غير أن رواية عينا بعين وقعت في رواية مسلم عنه وقد مضى كما ينبغي، ثم اشتراط التعيين والتقابض جميعا المدلول عليهما بالروايتين منتف بالإجماع المركب، أما عندنا فلأن الشرط هو التعيين لا القبض، وأما عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبالعكس فحينئذ لا بد من حمل أحدهما على الآخر.
وقوله: يدا بيد يحتمل أن يكون المراد به القبض لأن اليد آلته، ويحتمل أن يكون المراد التعيين لأنه إنما يكون بالإشارة باليد.
وقوله: عينا بعين محكم لا يحتمل غيره فيحمل المحتمل على الحكم.
فإن قيل: يلزمكم على هذا العمل بعموم المشترك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز لأنكم جعلتم يدا بيد بمعنى القبض في الصرف، وبمعنى التعيين في بيع الطعام.
قلنا: لا نسلم ذلك لأن المراد في كلتا الصورتين التعيين، إلا أن التعيين في كل موضع

(8/278)


وتعاقب القبض لا يعتبر تفاوتا في المال عرفا بخلاف النقد والمؤجل. قال: ويجوز بيع البيضة بالبيضتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين لانعدام المعيار، فلا يتحقق الربا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يختلف بحسب حاله ففي الدراهم والدنانير التعيين لا يكون إلا بالقبض إذ هما لا يتعينان في المعقود والفسخ فكان القبض هناك في ضرورة وجوب التعيين.
أما الطعام فما يتعين بالتعيين ثمنا كان أو مثمنا فلم يحتج في تعيينه إلى القبض.
فإن قيل: يشكل بما إذا باع إبريق فضة بجنسه فإنه يشترط القبض مع أنه يتعين بالتعيين.
قلنا: التعيين في الإبريق بعارض الصفة فاعتبر فيما يرجع إلى الاحتياط الأصل وهو الثمنية وعدم التعيين، والشبهة في الربا كالحقيقة فاشترط القبض دفعا لها.
وقال الأكمل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: واعترض بأن ما ذكرتم إنما هو على طريقتكم في أن الأثمان لا تتعين، وأما الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فليس بقائل به فلا يكون ملزما. والجواب: أنه ذكره بطريق البادي هاهنا لثبوته بالدلائل الملزمة على ما عرف في موضعه، وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
فإن قلت: روي أيضا في رواية في حديث عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبضا بقبض وهذا صريح في الباب.
قلت: هذه رواية شاذة فلا يترك الحديث المشهور، وهو قوله: الحنطة بالحنطة، مثلا بمثل عينا بعين بهذه الرواية.

م: (وتعاقب القبض) ش: جواب عن قوله: إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض فأجاب بقوله: وتعاقب القبض بوجهيه أن تعاقب القبض المانع الذي يعد تفاوتا في المالية وهاهنا ليس كذلك لأن التعاقب هاهنا م: (لا يعتبر تفاوتا في المال عرفا) ش: فإن التجار لا يفصلون بين المقبوض وغيره بعد أن يكون حالا فلا يتحقق فضل أحدهما فيجوز م: (بخلاف النقد) ش: أي الحال م: (والمؤجل) ش: فإن فيهما التعاقب يعد تفاوتا لأنهم يفصلون فيهما.
م: (قال) ش: أي محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " م: (ويجوز بيع البيضة بالبيضتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما كرر هذه المسألة لأنها من مسائل " الجامع الصغير "، وقد علم حكمها قبل ذلك، وكان القياس أن يذكرها عند قوله: ويجوز بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين م: (لانعدام المعيار) ش: وهو الكيل م: (فلا يتحقق الربا) ش: يعني حكم النص وجوب التساوي بين البدلين فلا يشرع إلا في محل قابل له وهذا المحل لا يقبله فلم يشترط التساوي فيه فبقي على الأصل وهو الإباحة.

(8/279)


والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه لوجود الطعم على ما مر. قال: ويجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز لأن الثمنية ثبت باصطلاح الكل فلا تبطل باصطلاحهما، وإذا بقيت أثمانا لا تتعين، فصار كما إذا كانا بغير أعيانهما، وكبيع الدرهم بالدرهمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان البدلين نقدين، أما إذا كان كلاهما أو أحدهما نسيئة لا يجوز لأن الجنس بانفراده يحرم النساء.
فإن قيل: الجوز والبيض في ضمان المستهلكات مثليين فينبغي أن لا يجوز بيع الواحد بالاثنين لشبهة الربا.
قلنا: لا مماثلة بينهما حقيقة للتفاوت صغرا وكبرا إلا أن الناس اصطلحوا على إهدار التفاوت في حق ضمان العددان فيعمل ذلك في حقهم دون الربا الذي هو حق الشرع، كذا في " الذخيرة ".
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي في بيع البيضة بالبيضتين ونحوها م: (لوجود الطعم على ما مر) ش: من أصله أن علة الربا عنده في المطعومات الطعم، وفي " شرح الطحاوي ": لو باع بطيخة ببطيختين أو تفاحة بتفاحتين أو بيضة ببيضتين أو جوزة بجوزتين أو حفنة من الحنطة بحفنتين يجوز عندنا لعدم الكيل، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز لوجود الطعم.
وكذلك إذا باع حفنة بحفنة أو حبة بحبة أو تفاحة بتفاحة يجوز عندنا وعنده لا يجوز م (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما) ش: قيد بأعيانهما احترازا عما إذا باع بغير عين أحدهما أو كلاهما فإنه لا يجوز بالاتفاق لأن غير المعين إن كان كلا البدلين يلزم بيع الكالئ بالكالئ.
وإن كان أحدهما يلزم النساء. والجنس بانفراده يحرم النساء م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: استحسانا وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه م: (لأن الثمنية) ش: في الفلوس م: (ثبت باصطلاح الكل) ش: أي كل الناس م: (فلا تبطل باصطلاحهما) ش: لعدم ولايتهما على غيرهما م: (وإذا بقيت أثمانا لا تتعين) ش: بالاتفاق م: (فصار) ش: حكمه م: (كما إذا كانا بغير أعيانهما) ش: حيث لا يجوز بالاتفاق م: (وكبيع الدرهم بالدرهمين) ش: أي وصار أيضا حكمه كحكم بيع الدرهم بالدرهمين حيث لا يجوز بالاتفاق.
ولهذا تبين أن الفلوس الرائجة ما دامت رائجة لا تتعين بالتعيين حتى لو قوبلت بخلاف

(8/280)


ولهما أن الثمنية في حقهما تثبت باصطلاحهما، إذ لا ولاية للغير عليهما، فتبطل باصطلاحهما
وإذا بطلت الثمنية تتعين بالتعيين، ولا يعود وزنيا؛ لبقاء الاصطلاح على العد، إذ في نقضه في حق العد فساد العقد، فصار كالجوزة بالجوزتين، بخلاف النقود لأنها للثمنية خلقة، وبخلاف ما إذا كانا بغير أعيانهما لأنه كالئ بكالئ وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جنسها، كما إذا اشترى ثوبا بالفلوس معينة فهلكت قبل التسليم لم يبطل العقد كالذهب والفضة م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله- م: (أن الثمنية) ش: في الفلوس م: (في حقهما تثبت باصطلاحهما) ش: لا باصطلاح الناس م: (إذ لا ولاية للغير عليهما فتبطل) ش: أي الثمنية م: (باصطلاحهما) ش: يعني إذا ثبت الثمنية في حقهما باصطلاحهما كان لهما أن ينقضا ذلك الاصطلاح باصطلاح آخر.

[بيع الجوزة بالجوزتين]
م: (وإذا بطلت الثمنية تتعين بالتعيين) ش: لأنه عاد مثمنا كما كان م: (ولا يعود وزنيا لبقاء الاصطلاح) ش: أي اصطلاحهما م: (على العد) ش: تصحيحا لتصرفهما.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: ولا يعود وزنيا جواب لإشكال ذكره في " المبسوط " فقال: فإن قيل: تحت هذا الكلام فساد عظيم، فإنه إذا خرج عن أن يكون ثمنا في حقهما كان هذا قطعة صفر بقطعتي صفر وذلك لا يجوز في الوزني مجازفة فلم يكن في إبطال وصف الثمنية تصحيح هذا العقد، قلنا: الاصطلاح في الفلوس كان على صفة الثمنية والعد، وهما أعرضا في هذه المبالغة عن اعتبار صفة الثمنية وما أعرضا عن اعتبار صفة العد فيها. وليس من ضرورة خروجها من أن يكون بينهما في حقهما خروجهما من أن يكون عدديا كالجوز والبيض فإنه عددي وليس بثمني.
ثم إن المصنف استدل على بقاء اصطلاحهما في حق العد بقوله م: (إذ في نقضه) ش: أي في نقض الاصطلاح م: (في حق العد فساد العقد) ش: والحال أنهما قصدا صحة العد ولا صحة إلا بقاء العد م: (فصار كالجوزة بالجوزتين) ش: هذا بيان لانفكاك العددية عن الثمنية.
وبيع الجوزة بالجوزتين يجوز لانعدام المعيار فلا ربا فيه م: (بخلاف النقود) ش: جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كبيع الدرهم بالدرهمين م: (لأنها) ش: أي لأن النقود م: (للثمنية خلقة) ش: أي من حيث الخلقة لا من حيث الاصطلاح فلا تبطل الثمنية باصطلاحهما م: (وبخلاف ما إذا كانا بغير أعيانهما) ش: جواب عما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا كان بغير أعيانهما فإن ذلك لم يجز.
م: (لأنه كالئ بكالئ) ش: أي لأن هذا العقد نسيئة بنسيئة، وهو منهي عنه، وهو معنى قوله م: (وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار -

(8/281)


وبخلاف ما إذا كان أحدهما بغير عينه؛ لأن الجنس بانفراده يحرم النساء،
قال: ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في مسانيدهم من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع كالئ بكالئ، يعني دينا بدين» .
ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بموسى بن عبيدة ونقل تضعيفه عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قيل لأحمد: إن شعبة يروي عنه قال: لو رأى شعبة ما رأينا منه لم يرو عنه، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين.
ورواه أبو عبيدة في كتاب " غريب الحديث " عن زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة إلى آخره نحوه، وقال أبو عبيدة: هو النسيئة بالنسيئة، وقال في " الفائق ": كلأ الدين كلوءا فهو كالئ إذا تأخر، وذكر الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في المهموز، وقال: وكان الأصمعي يهمزه وينشد:
وإذا تباشرك الهمو ... م فإنها كالئ وناجز
أي منها ما هو نسيئة ومنها ما هو نقد.
وقال أبو عبيدة: تكلأت أي استنسأت نسيئة، وكذلك استكلأت كلأ بالضم وهو من التأخير، وقال أبو زيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كلأت الطعام تكليا أو كلأت أكلأتها إذا أسلفت فيه وما أعطيت في الطعام نسيئة من الدراهم فهو الكلاءة بالضم م: (وبخلاف ما إذا كان أحدهما بغير عينه) ش: هذا جواب عما إذا كان أحدهما غير عين م: (لأن الجنس بانفراده يحرم النساء) .
ش: واعلم أن بيع الفلس بجنسه متفاضلا على أربعة أوجه: بيع فلس بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما، وبيع فلس بعينه بفلسين بغير أعيانهما، وبيع فلس بغير عينه بفلسين بأعيانهما، وبيع فلس بعينه بفلسين بأعيانهما والكل فاسد سوى الوجه الرابع ففيه الخلاف المذكور.

[بيع الحنطة بالدقيق]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق) ش: لا متساويا ولا متفاضلا ولا بالكيل ولا بغيره، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد -

(8/282)


لأن المجانسة باقية من وجه؛ لأنهما من أجزاء الحنطة والمعيار فيهما الكيل لكن الكيل غير مسو بينهما وبين الحنطة لاكتنازهما فيه وتخلخل حبات الحنطة فلا يجوز وإن كان كيلا بكيل، ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متساويا كيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وهو قول الثوري أيضا، ونقل عن الشافعي وأحمد -رحمهما الله- في رواية أنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق متساويا، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- في أظهر القولين، إلا أن مالكا يعتبر الكيل، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بالوزن فقالا: الدقيق نفس الحنطة إلا أن أجزاءها قد تفرقت فأشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات.
وكذا الخلاف في بيع الحنطة بالنخالة م: (لأن المجانسة باقية من وجه) ش: لأن بالطحن لم يوجد إلا تفريق الأجزاء م: (لأنهما) ش: أي لأن الدقيق والسويق م: (من أجزاء الحنطة والمعيار فيهما الكيل، لكن الكيل غير مسو بينهما) ش: أي لكن بين الدقيق والسويق م: (وبين الحنطة لاكتنازهما) ش: أي لاجتماعهما م: (فيه) ش: أي في الكيل م: (وتخلخل حبات الحنطة) ش: يقال: أجزاؤه متخلخلة أي في خلالها فرج فإذا كان كذلك صار كالمجازفة في احتمال الربا م: (فلا يجوز وإن كان كيلا بكيل) ش: لعدم إشارة لأنه من جنسه من وجه وإن خص باسم الحر.
وفي " المبسوط ": لا يعرف التساوي بين الدقيق والحنطة فإن الدقيق لا يصير حنطة ولكن الحنطة تطحن، ولا بد وإن بعد الطحن متساويان في المكيال أم لا فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر.
فإن قيل: ينبغي أن يجوز بيع الحنطة بالسويق لعدم الاكتناز في السويق.
قلنا: الحرمة باعتبار الشبهة وهي كافية لثبوت الحرمة فإن السويق في ضمن الحنطة فيتحقق شبهة الجنسية، كما لا يجوز بيع المقلية بغير المقلية م: (ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متساويا كيلا) ش: متساويا نصب على الحال، وكيلا نصب على التمييز أي حال كونه متساويا من حيث الكيل.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: متساويا حال، وكذا كيلا حال، والعامل في متساويا بيع وفي كيلا لفظ متساويا، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: متساويا وكيلا حالان متداخلان لأن العامل في الأول بيع وفي الثاني متساويا، هذا نقله من كلام الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: ويجوز أن يكونا مترادفين.
قلت: الصواب هو الذي قلته لأن من شرط الحال أن يكون من المشتقات، وكيلا اسم غير مشتق لأن المراد به هي الآلة التي يكتال بها لا الكيل الذي هو مصدر كال يكيل كيلا.
ولئن سلمنا وقوع الحال من غير المشتقات لكن حينئذ يؤول بالمشتق وهاهنا كيف يؤول فلا يتأتى من لفظه.

(8/283)


لتحقق الشرط،
وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا؛ لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية، ولا بيع السويق بالحنطة، فكذا بيع أجزائهما لقيام المجانسة من وجه.
وعندهما يجوز؛ لأنهما جنسان مختلفان لاختلاف المقصود. قلنا: معظم المقصود وهو التغذي يشملهما، ولا يبالي بفوات البعض كالمقلية مع غير المقلية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لتحقق الشرط) ش: وهو المساواة في الكيل فيما هو مكيل، والكيل معيار شرعي في المكيل، وعن الإمام الفضلي: أنه يجوز إذا تساويا كيلا إذا كانا مكبوسين، وفي الدقيق بالدقيق وزنا روايتان. وفي الشامل: والدقيق بالدقيق، والمقلي بالمقلي، في رواية يجوز متساويا، والمقلي بغير المقلي لا يجوز لانعدام التساوي بينهما. وفي " شرح الأقطع ": يجوز بيع الدقيق بالدقيق إذا كانا على صفة واحدة من النعومة. وفي " خلاصة الفتاوى ": سواء كان أحدهما أحسن أو أدق، وكذا بيع النخالة بالنخالة.

م: (وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا؛ لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية ولا بيع السويق بالحنطة، فكذا بيع أجزائهما) ش: أي أجزاء المقلية وهي السويق وأجزاء الحنطة وهي الدقيق م: (لقيام المجانسة من وجه) ش: لأن السويق أجزاء حنطة مقلية، وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (يجوز لأنهما) ش: أي لأن دقيق الحنطة وسويقها: (جنسان مختلفان) ش: لاختلافهما في الاسم والهيئة والمعنى م: (لاختلاف المقصود) ش: لأن المقصود من الدقيق اتحاد الخبز والعصائد، ولا يحصل شيء من ذلك في السويق، بل المقصود منه أن يلت بالسمن أو العسل، أو يشرب بالماء وكان التفاوت بينهما أظهر من التفاوت بين الهروي والمروي.
وأشار إلى الجواب عن هذا بقوله: م: (قلنا: معظم المقصود وهو التغذي يشملهما) ش: أي يشمل الدقيق والسويق. فقوله: معظم المقصود مبتدأ، وقوله: يشملهما خبره، وقوله: وهو التغذي جملة معترضة بينهما م: (ولا يبالي بفوات البعض) ش: أي بعض المقصود م: (كالمقلية مع غير المقلية) ش: يعني لا يجوز لأنهما اعتبرا جنسا واحدا، وإن فات بعض المقاصد، لأن معظم المقاصد باق، والمقلية: المشوية من قلى يقلي إذا شوى، وقد طعنوا على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا اللفظ؛ لأنه لا يقال إلا مقلوة، والمقلية المبعضة، وطعنهم عليه خطأ، لأن محمدا كان من الفصحاء في اللغة، وهذا اللفظ جاء يائيا وجاء واويا، يقال: قليت السويق واللحم فهو مقلي وقلوت فهو مقلو لغة. كذا قال الجوهري: غاية ما في الباب أن محمدا ذكر الياء لأنه كان هذا المعروف عندهم.

(8/284)


والعلكة بالمسوسة. قال: ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا باعه بلحم من جنسه لا يجوز إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر ليكون اللحم بمقابلة ما فيه من اللحم، والباقي بمقابلة السقط، إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا من حيث زيادة السقط، أو من حيث زيادة اللحم، فصار كالحل بالسمسم. ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون، لأن الحيوان لا يوزن عادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والعلكة بالمسوسة) ش: يعني لا يجوز أيضا، والحنطة العلكة -بفتح العين المهملة وكسر اللام- الجيدة، وقال ابن دريد: طعام علك تبين المضغة وهي التي تكون كالعلك من صلابتها بتمدد من غير انقطاع، والحنطة المسوسة المدودة يقال: سوس الطعام إذا دود من السوس، وهو الذي يقع في الصوف والثياب والطعام، يقال: حنطة مسوسة بكسر الواو المشددة.
وفي " الكافي ": بيع الحنطة المقلية بغير المقلية لا يصح في الأصح لعدم التساوي بينهما لاكتناز أحدهما وتخلخل الآخر، وبيع العلكة بالمسوسة يجوز لوجود تساو بينهما. وفي " الذخيرة ": بيع المقلية بالمقلية يجوز متساويا للمجانسة بينهما في كل ذمة، ولكن ذكر في " المبسوط " أنه لا يجوز والله أعلم بصحته.
م: (قال: ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: قال المزني وقال الشافعي، ومالك وأحمد: لا يجوز بيع اللحم بالحيوان لا بطريق الاعتبار ولا بغيره م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا باعه) ش: أي إذا باع اللحم م: (بلحم من جنسه لا يجوز) ش: قيد به لأنه باع اللحم بلحم من غير جنسه، كما إذا باع لحم البقرة بلحم الشاة، فإنه يجوز بالإجماع من غير اعتبار القلة والكثرة.
م: (إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر) ش: أي اللحم الخالص الصافي أكثر من اللحم الذي في الشاة م: (ليكون اللحم) ش: الذي هو المفرز م: (بمقابلة ما فيه) ش: أي في الحيوان م: (من اللحم والباقي بمقابلة السقط) ش: بفتح السين والقاف، وهو ما لا ينطلق عليه اسم اللحم كالجلد والكرش والأمعاء والطحال م: (إذ لو لم يكن كذلك) ش: أي وإن لم يكن اللحم المفرز أكثر م: (يتحقق الربا من حيث زيادة السقط) ش: هذا على تقدير أن يكون اللحم الخالص أقل م: (أو من حيث زيادة اللحم، فصار كالحل) ش: بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام، وهو من السمسم فلا يجوز بيعه م: (بالسمسم) ش: بالاتفاق إذا كان الحل أكثر من الدهن الذي في السمسم.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي أن البائع م: (باع الموزون) ش: وهو اللحم م: (بما ليس بموزون) ش: وهو الشاة، فصح كبيع السيف بالحديد م: (لأن الحيوان لا يوزن عادة) ش: لأن الموزون حقيقة ما يمكن معرفة مقدار ثقله بالوزن، وهذا لا

(8/285)


ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن؛ لأنه يخفف نفسه مرة، ويثقل أخرى، بخلاف تلك المسألة؛ لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير ويوزن الثجير.
قال: ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة وقالا: لا يجوز لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين سئل عنه: «أوينقص إذا جف؟ فقيل: نعم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "لا إذا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتحقق في لحم الشاة الحية، وهو معنى قوله م: (ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن؛ لأنه) ش: أي لأن الحيوان م: (يخفف نفسه مرة ويثقل أخرى) ش: باختصاصه بضرب قوة فيه، فلا يدرى أن الشاة خففت نفسها أو أثقلت.
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أشار به إلى مسألة الحل بالسمسم م: (لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير) ش: بفتح الثاء المثلثة وكسر الجيم وسكون الياء وآخر الحروف الراء، وهو تفل كل ما يعصر، كذا في "المجمل" م: (ويوزن الثجير) ش: فيقع التمييز بينه وبين الدهن.

[بيع الرطب بالتمر]
م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة) ش: تفرد به أبو حنيفة بالقول بالجواز، لأن الباقين من أهل العلم لا يجوزون، وفيهم أبو يوسف ومحمد، أشار إليه بقوله م: (وقالا: لا يجوز) ش: وأجمعوا على أن بيع الرطب بالتمر متفاضلا لا يجوز م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (حين سئل عنه) ش: أي عن بيع الرطب بالتمر م: (أوينقص إذا جف؟ فقيل: نعم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لا إذا) » ش: هذا رواه مالك في الموطأ والأئمة الأربعة في سننهم عن زيد بن أبي عياش «عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم، فنهاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك» .
فإن قلت: قال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد تكلم بعض الناس في إسناد هذا الحديث، وقال: زيد: أبو عياش مجهول.
قلت: ليس كذلك، فإن أبا عياش هذا مولى لبني زهرة معروف، وقد ذكره مالك -

(8/286)


وله أن الرطب تمر لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين أهدي إليه رطبا: «أوكل تمر خيبر هكذا؟ " سماه تمرا»
وبيع التمر بمثله جائز لما روينا، ولأنه لو كان تمرا جاز البيع بأول الحديث. وإن كان غير تمر فبآخره، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في الموطأ. وأخرج حديثه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم، ولما أخرجه الترمذي قال: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في "مسنده "، وابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه "، ولفظهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ "قيل: نعم، قال: "فلا إذن» ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنه محكم لكل ما يرويه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الرطب تمر لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (حين أهدي إليه رطبا أو كل تمر خيبر هكذا؟ سماه تمرا) » ش: أي سمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرطب تمرا.
قلت: هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في أربعة مواضع من صحيحه، وليس فيها ذكر الرطب، لأن لفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر خيبر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكل تمر خيبر هكذا" قال: لا والله يا رسول الله» الحديث، ولأجل ذلك قال الأترازي حين ذكر الحديث على ما في الكتاب: فيه نظر، لأن الهداية كانت تمرا، والسغناقي والكاكي والأكمل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لم يحرروا هذا ونقلوا مثل ما في الكتاب، والآفة في ذلك عدم مراجعتهم إلى كتب الحديث.

م: (وبيع التمر بمثله جائز لما روينا) ش: وهو «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "التمر بالتمر مثلا بمثل» وقد مضى في حديث عبادة بن الصامت - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره م: (ولأنه) ش: أي لأن الرطب م: (لو كان تمرا جاز البيع بأول الحديث) ش: يعني الحديث الذي مضى، فإن في أوله التمر بالتمر م: (وإن كان) ش: أي الرطب م: (غير تمر فبآخره) ش: أي فبآخر الحديث م: (وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم) » ش: قد ذكرنا في أوائل البيوع أن هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، ولكن روى مسلم والأربعة حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي آخره: «وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» ".

(8/287)


ومدار ما روياه على زيد بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف عند النقلة.
قال: وكذلك الزبيب بالعنب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومدار ما روياه) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحديث الذي احتجا به، وهو حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور، أي مدار ما رواه أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - من حديث سعد م: (على زيد بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف عند النقلة) ش: أي نقلة الحديث، وهذا ليس بصحيح، بل هو ثقة عند النقلة ومضى الكلام فيه عن قريب.
وقال الأترازي: ونقلوا التضعيف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث، فمن ادعى فعليه البيان.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " المبسوط " دخل أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة، وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر، فقال: الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أو لا إلى آخره، فأوردوا عليه حديث سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: مداره على زيد بن عياش، وهو ممن لا يقبل حديثه، واستحسن أهل الحديث منه هذا الطعن، حتى قال ابن المبارك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كيف يقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعرف الحديث، وهو يقول: زيد بن عياش ممن لا يقبل حديثه.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سلمنا قوته في الحديث يعني قوة زيد بن عياش، لكنه خبر واحد لا يعارض به المشهور، ثم قال: واعترض بأن الترديد المذكور يقتضي أن بيع المقلية بغير المقلية جائز، لأن المقلية إما أن تكون حنطة فيجوز بأول الحديث، أو لا تكون، فيجوز بآخره فمنهم من قال: ذلك كلام حسن في المناظرة لدفع استدلال الخصم، والحجة لا تتم به بل بينا من إطلاق اسم التمر عليه، فقد ثبت أن التمر اسم لثمرة خارجة من النخل من حيث تنعقد صورتها إلى أن يدرك، والرطب اسم النوع منه كالبرني وغيره.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله ومدار ما روياه على زيد بن عياش والمذكور في كتب الحديث زيد أبو عياش.
قلت: وهم فيه وظن أن ذكر المصنف بأنه ابن عياش غير صحيح، وليس كذلك، بل هو ابن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكنيته أبو عياش، وكذلك وهم فيه الشيخ علاء الدين التركماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا. وقال صاحب " التنقيح ": زيد بن عياش أبو عياش الزرقي، ويقال: المخزومي، ويقال: مولى بني زهرة المدني ليس به بأس.

م: (وقال: وكذلك الزبيب بالعنب) ش: أي كذا الحكم في بيع الزبيب بالعنب وأكثر النسخ:

(8/288)


يعني على هذا الخلاف، والوجه فيه ما بيناه، وقيل: لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية. والرطب بالرطب يجوز متماثلا كيلا عندنا؛ لأنه بيع التمر بالتمر،
وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو اليابسة، أو التمر أو الزبيب المنقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذلك العنب بالزبيب م: (يعني على هذا الخلاف) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا تساويا كيلا، وعندهما: لا يجوز تساويا أو تفاضلا كما قالا في الرطب بالتمر م: (والوجه فيه) ش: أي في بيع العنب بالزبيب م: (ما بيناه) ش: في بيع الرطب بالتمر، وهو أن الزبيب مع العنب إن كان جنسا واحدا جاز بيع أحدهما بالآخر متماثلا كيلا، وإن كانا جنسين جاز أيضا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد» .
م: (وقيل: لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية) ش: هذه الرواية تقوي قول من قال: الحجة إنما تتم بإطلاق اسم التمر عليه، فإن النص لما أورد بإطلاق التمر على الرطب جعلا نوعا واحدا فجاز البيع مثلا بثمل، ولم يرد بإطلاق اسم العنب على الزبيب فاعتبر فيه التفاوت الصنفي المفسد، كما في المقلية بغيرها.
م: (والرطب بالرطب) ش: أي بيع الرطب بالرطب م: (يجوز متماثلا كيلا) ش: أي من حيث الكيل م: (عندنا) ش: وبه قال مالك وأحمد والمزني، وفي " حلية المؤمن ": وهو الاختيار م: (لأنه بيع التمر بالتمر) ش: وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز، وكذا الخلاف في بيع العنب بالعنب، وكذا في كل ثمرة عنه لها حالة جفاف كالتين والمشمش والخوخ والكمثرى والرمان الحامض والإجاص لا يجوز بيع رطبه برطبه، كما لا يجوز بيع رطبه بيابسه؛ لأنه لا يعرف قدر النقصان بينهما، وقد يكون الناقص من أحدهما أكثر من الآخر، كذا في " شرح جامع الوجيز " وكذا لا يجوز عنده بيع الباقل الأخضر بمثله.

م: (وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو باليابسة) ش: أي أو بيع الحنطة الرطبة باليابسة م: (أو التمر) ش: أي أو بيع التمر م: (أو الزبيب) ش: أي أو بيع الزبيب م: (المنقع) ش: بضم الميم وسكون النون وفتح القاف من أنقع الزبيب إذا ألقي في الخابية ليبتل ويخرج منه الحلاوة. قال الأترازي: كذا قالوا بفتح القاف مخففا، ولكن المشهور بين الفقهاء منقع بالتشديد وعليه بيت المنظومة في باب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت الأصل إثبات التشديد في اللغة، ولم يثبت إلا من باب الأفعال، فقال الجوهري: ونقعت الدواء وغيره في الماء فهو منقع ونقع لما ينقع نقوعا اجتمع. وقال ابن الأثير: وفي حديث الكريم يتخذونه زبيب فينقعونه، أي يخلطونه بالماء ليصير شرابا، وكل ما ألقي في ماء فقد أنقع، يقال: أنقعت الدواء وغيره في الماء فهو منقع والنقوع بالفتح ما ينقع في الماء من الليل ليشرب نهارا وبالعكس.

(8/289)


بالمنقع منهما متماثلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز جميع ذلك؛ لأنه يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال. وأبو حنيفة يعتبر في الحال، وكذا أبو يوسف عملا بإطلاق الحديث، إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما روينا لهما. ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيها يظهر مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنقيع شراب يتخذ من زبيب أو غيره ينقع في الماء من غير طبخ م: (بالمنقع) ش: أي بالزبيب والتمر المنقع وغير المنقع، أي وبيع غير المنقع م: (منهما متماثلا) ش: أي من التمر والزبيب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش:
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز جميع ذلك) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الإمام الحلواني: إن الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة اليابسة بالمبلولة إنما لا يجوز إذا ابتلت الحنطة وانتفخت، أما إذا لم تنتفخ بعد ذلك، لكن ثبت من ساعته يجوز إذا تساويا كيلا. كذا في " المحيط " و" الذخيرة ". وفي " المبسوط "، وذكر في بعض النسخ أبي حفص قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قوله الأخير أما قوله الأول كقول محمد م: (لأنه) ش: أي لأن محمدا م: (يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال) ش: وهو حالة الجفاف كما ذهب إليه في بيع الرطب بالتمر بحديث سعد، إلا أن بيع الرطب بالرطب اعتبر المساواة في الحال.
م: (وأبو حنيفة يعتبر) ش: أي يعتبر أعدل الأحوال م: (في الحال) ش: عملا بإطلاق الحديث المشهور، وهو الحديث الذي اعتبر فيه المماثلة في حالة المبيع، وهو حديث عبادة وغيره م: (وكذا أبو يوسف) ش: أي وكذا يعتبر أبو يوسف أعدل الأحوال في الحال م: (عملا بإطلاق الحديث) ش: يرجع إلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - جميعا م: (إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما روينا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- من بيان دليلهما.
وأراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "أينقص إذا جف؟ " إلى آخر الحديث، وهو حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبقي الباقي على القياس والمخصوص من القياس بالأثر لا يلحق به إلا ما كان في معناه، والحنطة الرطبة ليس في معنى الرطب من كل وجه، فالرطوبة في الرطوبة مقصودة، وفي الحنطة غير مقصودة بل هو عيب، فلهذا أخذ بالقياس.
م: (ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول) ش: أراد بها بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة إلى آخره م: (وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيها) ش: أي في هذه الفصول م: (يظهر) ش: في المال م: (مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد) ش: أراد به بقاء اسم الحنطة والزبيب والتمر بعد

(8/290)


وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما على ذلك، فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه، وفي الرطب بالرطب التفاوت بعد زوال ذلك الاسم، فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه، فلا يعتبر.
ولو باع البسر بالتمر متفاضلا لا يجوز؛ لأن البسر تمر، بخلاف الكفرى حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر اثنان بواحد؛ لأنه ليس بتمر، فإن هذا الاسم له من أول ما تنعقد صورته لا قبله، والكفرى عددي متفاوت حتى لو باع التمر به نسيئة لا يجوز للجهالة. قال: ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم، فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير، لأن عند ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجفاف، فوجد التغيير في المعقود عليه فلا يجوز م: (وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما) ش: أي أحد البدلين م: (على ذلك) ش: أي على اسم التمر م: (فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه) ش: فيكون مفسدا للعقد م: (وفي الرطب بالرطب التفاوت بعد زوال ذلك الاسم) ش: أي اسم الرطب على البدلين م: (فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه فلا يعتبر) ش: فيصح العقد.

م: (ولو باع البسر بالتمر متفاضلا) ش: ومتماثلا م: (لا يجوز لأن البسر تمر) ش: لأن التمر اسم لثمرة النخل من أول ما ينعقد، صورتها وبيعه به متساويا من حيث الكيل يدا بيد جاز بالإجماع م: (بخلاف الكفرى، حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر اثنان بواحد) ش: أي الكيلان من التمر بكيل من الكفرى وبالعكس يدا بيد.
" الكفرى " بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء مقصور، وهو اسم نوع من الطلع. وفي " المغرب ": وهو كم النخل أول ما يشق م: (لأنه) ش: أي لأن الكفرى م: (ليس بتمر، فإن هذا الاسم له) ش: أي التمر م: (من أول ما تنعقد صورته) ش: يعني التمر اسم لما يخرج من النخل من حين ينعقد، صورته إلى أن يدرك م: (لا قبله) ش: أي لا قبل الكفرى؛ لأنه يسبق، واشتقاقه من الكفر وهو الستر، سمي به لأنه يستر ما في جوفه من التمر، ويسمى كافرا وكفرا أيضا.
م: (والكفرى عددي متفاوت) ش: فهذا جواب إشكال يرد على قوله: إنه ليس بتمر فإنه إذا لم يكن تمرا ينبغي أن يجوز إسلام التمر في الكفرى. فأجاب بقوله: والكفرى عددي متفاوت في الصغر والكبر، فلا يجوز ثم أوضح ذلك بقوله م: (حتى لو باع التمر به) ش: أي الكفرى م: (نسيئة) ش: أي إلى أجل م: (لا يجوز للجهالة) ش: لتفاوت آحاده؛ لأنه عددي متفاوت.
م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت، والسمسم) ش: وبيع السمسم م: (بالشيرج حتى يكون الزيت) ش: في بيع الزيتون به م: (والشيرج) ش: أي ويكون بالشيرج في بيع السمسم به م: (أكثر مما في الزيتون) ش: في بيعه بالزيت م: (والسمسم) ش: في بيعه بالشيرج م: (فيكون الدهن بمثله) ش: أي بمثل الدهن، بيانه أن الدهن الخالص إذا كان أكثره من الدهن الخالص بمقابلة الثجير، وهو النقل م: (والزيادة بالثجير؛ لأن عند ذلك) ش: أي عند

(8/291)


يعرى عن الربا إذ ما فيه من الدهن موزون، وهذا لأن ما فيه لو كان أكثر أو مساويا له، فالثجير وبعض الدهن أو الثجير وحده فضل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مقابلة الدهن بالدهن، ومقابلة الزائد بالثجير م: (يعرى) ش: أي العقد م: (عن الربا إذ ما فيه من الدهن موزون) .
ش: قال تاج الشريعة:
فإن قلت: ينبغي أن يجوز بيع الدهن بالسمسم كيفما كان لأن السمسم كيلي، والدهن وزني.
قلت: السمسم اشتمل على الدهن وهو المقصود منه، وأنه وزني، والتمييز ممكن، فاعتبر الدهن الذي فيه احتياطا.
فإن قلت: لما كان المقصود هو الدهن ينبغي أن يجوز بيع السمسم بالسمسم متفاضلا، وينصرف الكثير إلى الدهن تصحيحا للعقد.
قلت: السمسم له صورة يقصد إليها، ومعنى وهو الدهن، فإذا بيع بجنسه تعتبر الصورة فوجبت التسوية إذا بيع بالدهن يعتبر المعنى، فيجب التسوية بين الدهن المقر فيه، وبين الذي في السمسم عملا بالشبهين. وفي " فتاوي قاضي خان ": إنما يشترط أن يكون الخالص أكثر من التفل في البدل الآخر شيء له قيمته، أما إذا كان شيء لا قيمة له كما في الزبد يجوز بالمثل، يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال زفر: يجوز الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج مع الجهالة بأنه أكثر منه أو أقل أو متساويا. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج أصلا، وكذا لا يجوز عنده بيع الجوز بدهنه، واللبن بسمنه والعنب بعصيره والتمر بدبسه.
وفي " الكافي ": اعلم أن بيع أحدهما بالآخر على أربعة أوجه: إن علم أن الزيت الذي في الزيتون أكثر من الزيت المنفصل لم يصح لتحقق الفضل الخالي عن العوض من حيث زيادة الدهن والثجير، وكذا إن علم أنه مثله، لأن التفل المسيل يكون فضلا، وإن كان الزيت المنفصل أكثر جاز، والفضل بالتفل، وهذه الثلاثة بالإجماع، وإن لم يعلم أنه مثله أو أكثر منه أو أقل منه صح عند زفر، وعندنا لا يصح.
م: (وهذا) ش: إيضاح لبيان ما قبله م: (لأن ما فيه) ش: أي في الموزون م: (لو كان أكثر أو مساويا له، فالثجير وبعض الدهن) ش: يعني إذا كان بعض ما فيه أكثر م: (أو الثجير وحده) ش: أي ولو كان ما فيه مساويا، وقوله م: (فضل) ش: خبر قوله: فالثجير، فإذا كان فضلا يكون خاليا عن العوض.

(8/292)


ولو لم يعلم مقدار ما فيه لا يجوز لاحتمال الربا، والشبهة فيه كالحقيقة، والجوز بدهنه، واللبن بسمنه، والعنب بعصيره، والتمر بدبسه على هذا الاعتبار.
واختلفوا في القطن بغزله، والكرباس بالقطن يجوز كيفما كان بالإجماع. قال: ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلا، ومراده لحم الإبل والبقر والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز مع الضأن، وكذا العراب مع البخاتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو لم يعلم مقدار ما فيه) ش: أي ما في الموزون م: (لا يجوز لاحتمال الربا) ش: لتوهم الفضل الذي كالمتحقق في هذا الباب، وهو معنى قوله م: (والشبهة فيه كالحقيقة) ش: للاحتياط م: (والجوز بدهنه) ش: كلام إضافي مبتدأ، وقوله م: (واللبن بسمنه، والعنب بعصيره، والتمر بدبسه) ش: معطوفات على المبتدأ. وقوله م: (على هذا الاعتبار) ش: خبره، يعني أن الدهن الخالص ينبغي أن يكون أكثر، حتى يجوز، بيانه إذا كان الدهن الخالص أكثر من الدهن الذي في الجوز والسمن الخالص أكثر مما في اللبن والعصير الخالص أكثر مما في العنب والدبس الخالص أكثر مما في التمر جاز، وإلا فلا.

[بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا]
م: (واختلفوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (في القطن بغزله) ش: أي في بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا. قال بعضهم: يجوز، لأن أصلها واحد، وكلاهما موزون. وقال بعضهم: لا يجوز، وإليه ذهب صاحب خلاصة الفتاوى، لأن القطن ينقص إذا غزل، فصار كالحنطة مع الدقيق، واتفقوا في بيع القطن بالقطن أنه جائز، وبيع المحلوج بالقطن إذا كان يعلم أن الخالص أكثر جاز وإلا فلا. وفي " الإيضاح " و" الذخيرة ": بيع غزل القطن بالقطن لا يجوز متساويا. وفي " فتاوي قاضي خان ": لا يجوز إلا متساويا، ولو خرجا أو أحدهما من الموزون فلا بأس ببيعهما متفاضلا، وبيع الغزل بالثوب جائز على كل حال. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بيع القطن بالثوب لا يجوز متفاضلا، وعندنا: لا يجوز مطلقا، وفي " جمع العلوم ": بيع الجوزقة بالغزل جائز كيفما كان على الأصح، وقيل: إنما يجوز بالاعتبار.
م: (والكرباس) ش: أي وبيع الكرباس م: (بالقطن يجوز كيفما كان) ش: يعني متساويا أو غير متساو م: (بالإجماع) ش: لاختلافهما من كل وجه لأن الكرباس بالصنعة صار شيئا آخر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلا) ش: وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز بيع اللحوم المختلفة متفاضلا. وفي الوجيز: وفي لحوم الحيوانات قولان، أصحهما أنها مختلفة م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري من قوله م: (لحم الإبل والبقر والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز مع الضأن، وكذا العراب مع البخاتي) ش: يعني جنس واحد، وقال الجوهري: الإبل العراب والخيل العراب خلاف البخاتي والبراذين.

(8/293)


قال: وكذلك ألبان البقر والغنم. وعن الشافعي لا يجوز لأنهما جنس واحد لاتحاد المقصود. ولنا أن الأصول مختلفة حتى لا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة، فكذا أجزاؤها إذا لم تتبدل بالصنعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المغرب ": يقال فرس عربي، وخيل عراب، وفرقه في الجمع بين الأناسي والبخاتي والبهائم جمع بختي منسوب إلى بخت نصر؛ لأنه أول من جمعه بين العربي والعجمي. وقال الجوهري: البخت من الإبل معرب، وبعضهم يقول: هو عربي الواحد بختي، والأنثى بختية، وجمعه بخاتي غير مصروف لأنه بزنة جمع الجمع، ولك أن تخفف الياء.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك ألبان البقر والغنم) ش: يعني يصح بيع بعضها بالبعض متفاضلا م: (وعن الشافعي: لا يجوز لأنهما) ش: أي اللحمان والألبان م: (جنس واحد لاتحاد المقصود) ش: أي من اللحم، وهو التغذي والتقوي وائتلاف المقاصد بعد ذلك يرجع إلى الوصف. وفي كتبهم: اللحمان احتباس، وهو ظاهر المذهب، وهو اختيار المزني، انتهى.
وقال مالك: اللحوم ثلاثة أجناس: الطيور، والدواب أهليها ووحشيها، والجريات. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إحدى روايتيه كقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وفي رواية كقولنا.
وفي " شرح الطحاوي ": ولو باع لحوم الشاة بشحمها أو بأليتها أو لحمها بصوفها يجوز ذلك كيفما كان، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعهما. وأما صوف الشاة مع شعر البقر جنسان يختلفان، ولو باع بعضها ببعض متفاضلا يجوز، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعها، وأما الرؤوس والأكارع والجلود يجوز يدا بيد كيفما كان، ولا يجوز نسيئة لأنه لم يضبط بالوصف.
ولو باع لحم الإبل بلحم الغنم أو بلحم البقر أو لبنها بلبن الغنم أو بلبن البقر يجوز كيفما كان، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعهما، وفي " الإيضاح ": روي عن أبي يوسف أنه يجوز بيع لحم الطير بعضه ببعض متفاضلا، وإن كان من نوع واحد لأنه لا يوزن في العادة.
م: (ولنا أن الأصول) ش: أي أصول اللحمان م: (مختلفة) ش: فكانت فروعها أجناسا، والدليل على أن أصولها مختلفة قوله: م: (حتى لا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة) ش: يعني لا تكمل نصاب البقر بالإبل وبالغنم م: (فكذا أجزاؤها) ش: أي أجزاء الأصول م: (إذا لم تتبدل بالصنعة) ش: فإذا تبدلت تصير جنسين بسبب تبدلهما بالصنعة.
وإن كان أصلهما واحدا كالنذبنجي مع الودراي والهروي مع المروي، قال الأكمل: فيه نظر، لأن كلامه في اختلاف الأصول لا في اتحادها، فكأنه يقول: اختلاف الأصول يوجب

(8/294)


قال: وكذا خل الدقل بخل العنب للاختلاف بين أصليهما، فكذا بين ماءيهما، ولهذا كان عصيراهما جنسين، وشعر المعز وصوف الغنم جنسان لاختلاف المقاصد. قال: وكذا شحم البطن بالألية أو باللحم؛ لأنها أجناس مختلفة لاختلاف الصور والمعاني والمنافع اختلافا فاحشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اختلاف الأجزاء إذا لم يتبدل بالصنعة، وأما إذا تبدلت فلا توجبه، وإنما توجب الاتحاد، فإن الصنعة كما تؤثر في تغيير الأجناس مع اتحاد الأصل كالهروي مع المروي مع اتحادهما في الأصل وهو القطن.
كذلك يؤثر في اتحادهما مع اختلاف الأصل كالدراهم المغشوشة المختلفة الغش مثل الحديد والرصاص إذا كانت الفضة غالبة. فإنها متحدة في الحكم بالصنعة مع اختلاف الأصول.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا خل الدقل بخل العنب) ش: يعني يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد، والدقل بالفتحتين رديء التمر م: (للاختلاف بين أصليهما) ش: لأن الدقل غير العنب م: (فكذا بين ماءيهما) ش: أي فكذا الاختلاف بين ماءيهما م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاختلاف بين ماءيهما م: (كان عصيراهما جنسين) ش: بإجماع الأئمة الأربعة.
فإن قلت: لم خص خل الدقل والحكم في خل كل تمر كذلك.
قلت: إجراء الكلام مجرى العادة لأنهم اعتادوا اتخاذ الخل من الدقل.
م: (وشعر المعز وصوف الغنم جنسان، لاختلاف المقاصد) ش: فإن الحبال الصلبة والمسوح إنما تتخذ من شعر المعز أو اللفافة، واللبد تتخذ من صوف الغنم.
فإن قلت: الشاة والمعز جنس واحد، ولهذا يملك نصاف أحدهما بالآخر، فينبغي أن تكون أجزاؤهما كذلك.
قلت: لما اختلفت المقاصد في الأجزاء جعلت مختلفة كألية الشاة مع لحمها، ألا ترى أن أحدهما يصلح لما لا يصلح الآخر، كما ذكرنا م: (قال: وكذا شحم البطن بالألية) ش: يعني يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا م: (أو باللحم) ش: أي أو شحم البطن باللحم فكذلك يجوز م: (لأنها) ش: أي لأن الشحم والألية واللحم م: (أجناس مختلفة لاختلاف الصور) ش: جمع صورة، واختلافها ظاهر، لأن الصور ما يحصل منه في الذهن عند تصوره.
ولا شك في ذلك عند تصور هذه الأشياء م: (والمعاني) ش: أي واختلاف المعاني، فلأن حقيقة كل واحد من هذه الأشياء تخالف حقيقة الآخر، ولهذا يقع على أحدهما اسم الشحم، وعلى الآخر اسم الألية، وعلى الآخر اسم اللحم م: (والمنافع اختلافا فاحشا) ش: أي واختلاف المنافع اختلافا فاحشا بحسب اختلاف اللحوم والشحوم والأليات.

(8/295)


قال: ويجوز بيع الخبز بالحنطة والدقيق متفاضلا؛ لأن الخبز صار عدديا أو موزونا، فخرج من أن يكون مكيلا من كل وجه، والحنطة مكيلة. وعن أبي حنيفة أنه لا خير فيه، والفتوى على الأول،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال الأكمل: وأما اختلاف المنافع فمكانه الطب، وهذا قصور في حق الطالب، أما الألية فإنها حارة رطبة أكثر من الشحم تصلح لمن به برودة ويبوسة، وتنفع العصب الجاسي ورديئة الغذاء والهضم.
وأما الشحم فمن ذكور الحيوانات أشد حرارة من شحم الإناث، وشحم الخصي أشد تسخينا، فالجملة في هذا أن أصناف شحوم الحيوانات إنما تكون بحسب مزاجها، وقوة كل شحم تسحق وترطب بدن الإنسان، ولكن إضافته قد تختلف في الزيادة والنقصان بحسب كل واحد من الحيوانات.
وأما اللحم فإنه غذاء يقوي البدن، واللحوم الفاضلة في لحوم الضأن والثني من العجاجيل والماعز، ولحوم الصغار منها أقبل للهضم وألطف غذاء، ولحوم الهرم والعجف رديء، ولحم الأسود أخف وألذ، وكذا لحم الذكر، وفي اللحم كلام كثير موضعه كتب الطب.

[بيع الخبز بالحنطة والدقيق]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز بيع الخبز بالحنطة، والدقيق متفاضلا) ش: يعني إذا كان يدا بيد م: (لأن الخبز صار عدديا أو موزنا، فخرج من أن يكون مكيلا من كل وجه) ش: بواسطة الصنعة م: (والحنطة مكيلة) ش: بالنص، وكذا الدقيق باعتبار أنه جزء الحنطة المكيلة، ومن جعله وزنيا باعتبار العرف لم يثبت الجنسية بينه وبين الخبز فلم يجمعها القدر من كل وجه، فلم تتحقق علة الربا، وهو وجود الوصفين.
م: (وعن أبي حنيفة أنه لا خير فيه) ش: أي في بيع الخبز بالحنطة والدقيق، يعني لا يجوز، وهو نفي الجواز على وجه المبالغة لكونه نفي الجنس، وهو قول الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والفتوى على الأول) ش: يعني على جواز بيع الخبز بالحنطة والدقيق، وهو اختيار المتأخرين، وذكر في " النوادر " عن أبي بكر أن بيع الحنطة بالخبز لا يجوز لا متفاضلا ولا متساويا.
وقال أبو الليث: هذا الجواب موافق قول أبي حنيفة خاصة كالحنطة بالدقيق. وفي " فتاوي قاضي خان ": بيع الخبز بالخبر متفاضلا عددا أو وزنا جائز في قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- يد بيد.
ولا خير فيه نسيئة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ الخبز ليس بوزني ولا عددي عنده. وقال محمد: هو عددي، وقال أبو يوسف: هو وزني إلا أن يكون قليلا لا يدخل تحت الوزن،

(8/296)


وهذا إذا كانا نقدين، فإن كانت الحنطة نسيئة جاز أيضا، وإن كان الخبز نسيئة يجوز عند أبي يوسف وعليه الفتوى، وكذا السلم في الخبز جائز في الصحيح، ولا خير في استقراضه عددا أو وزنا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتفاوت بالخبز والخباز والتنور والتقدم والتأخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيجوز الواحد بالاثنين وإن كان كثيرا لا يجوز.
وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز بيع الخبز بالخبز إذا كانا رطبين أو أحدهما. وقال أحمد: يجوز متماثلا إذا كانا رطبين، ولو كانا يابسين غير مدقوقين ففيه قولان: أحدهما: يجوز، والآخر: لا يجوز، ولو كانا يابسين غير مدقوقين لا يجوز لجهالة التماثل، كما لو كانا رطبين أو أحدهما.
م: (وهذا) ش: أي جواز بيع الخبز بالحنطة أو بالدقيق م: (إذا كانا نقدين، فإن كانت الحنطة نسيئة جاز أيضا، وإن كان الخبز نسيئة يجوز عند أبي يوسف، وعليه الفتوى) ش: أي على قول أبي يوسف لا يجوز السلم في الخبز فيجوز عنده كيفما كان. وذكر خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أن يفتي على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا محالة م: (وكذا السلم في الخبز جائز في الصحيح) ش: وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واحترز به عن قولهما كذا قاله الأترازي.
وقال الكاكي: احترز به بقوله في الصحيح عن ما روي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وفي " المبسوط ": وأما السلم في الخبز فلا يجوز عند أبي حنيفة ولا يحفظ عنهما خلاف ذلك. ومن أصحابنا من يقول: يجوز عندهما على قياس السلم في اللحم، ومنهم من يقول: لا يجوز لأنه لا يوقف على حدة مضيا، وأنه يتفاوت بالعجز والنضج عند الخبز.
م: (ولا خير في استقراضه عددا) ش: أي لا يجوز استقراض الخبز من حيث العدد م: (أو وزنا) ش: أي أو استقراضه من حيث الوزن م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه) ش: أي لأن الخبز بالضم م: يتفاوت بالخبز) ش: بالفتح من حيث الطول والعرض والغلظ والرقة م: (والخباز) ش: أي ويتفاوت أيضا بالخباز، لأن الخباز إذا كان حاذقا في هذا الباب يجيء خبزه أحسن ما يكون، وإلا فلا يجيء كما هو المطلوب م: (والتنور) ش: أي ويتفاوت أيضا بالتنور؛ لأنه إذا كان جديدا يجيء خبزه جيدا، بخلاف ما إذا كان عتيقا، كذا قاله الشراح.
قلت: بحسب قوة نار التنور وضعفها، فإن التنور إذا كانت ناره قوية يحترق وجه الخبز ولا ينضج لبابه، وإذا كانت ضعيفة لا يتخبز جيدا، بل ينبغي أن تكون النار معتدلة م: (والتقدم والتأخر) ش: أي ويتفاوت أيضا بحسب تقدم الخبز في أول التنور وتأخره إلى آخر التنور.
فإن في آخر التنور النار قوية يحترق الخبز بذلك، وفي أوله: لا ينضج كما ينبغي، والخباز إذا كان حاذقا يدري كيف يرفض الخبز فيه.

(8/297)


وعند محمد يجوز بهما للتعامل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز وزنا، ولا يجوز عددا للتفاوت في آحاده.
قال: ولا ربا بين المولى وعبده؛ لأن العبد وما في يده ملك لمولاه، فلا يتحقق الربا، وهذا إذا كان مأذونا له ولم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لا يجوز بالاتفاق؛ لأن ما في يده ليس ملك المولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تعلق به حق الغرماء فصار كالأجنبي فيتحقق الربا كما يتحقق بينه وبين مكاتبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند محمد: يجوز بهما) ش: أي العدد والوزن م: (للتعامل) ش: أي لتعامل الناس كذلك، وكذا ذكره قول محمد في " شرح الطحاوي "، و" المختلف والحصر "، و" خلاصة الفتاوى "، وذكر الولوالجي وصاحب " الفتاوى الصغرى " أنه يجوز عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عددا ولم يذكر الوزن، وإن كان لا يجوز السلم فيه عنده لا وزنا ولا عددا قال الولوالجي: وكان محمد ترك القياس في جواز استقراضه عددا لتعارف الناس كما ترك القياس بالعرف في جواز الاستصناع.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: أي استقراض الخبز م: (وزنا) ش: أي من حيث الوزن م: (ولا يجوز عددا) ش: أي من حيث العدد م: (للتفاوت في آحاده) ش: أي لأجل التفاوت في أفراد الخبز، فلا يتحقق التساوي فيه وعليه الفتوى. وفي " المجتبى ": باع رغيفا نقدا برغيفين نسيئة يجوز، ولو كان الرغيفان نقدا والرغيف نسيئة لا يجوز.
ولو باع كسرات الخبز يجوز نقدا ونسيئة كيفما كان عند صاحبه.
وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في الاستقراض وجهان كما في السلم.
أحدهما: لا يجوز كما قال أبو حنيفة وهو الأصح عند صاحب " التقريب ".
والثاني: يجوز وبه قال أحمد وهو اختيار ابن الصباغ لحاجة العامة وإطباق الناس عليه وعلى قول يجوز استقراضه، ويجب رد مثله وزنا فيجب أن يكون القرض معلوم القدر، كذا في " شرح الوجيز ".

[الربا بين المولى وعبده]
م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ولا ربا بين المولى وعبده، لأن العبد وما في يده ملك لمولاه، فلا يتحقق الربا، وهذا) ش: أي عدم كون الربا بين المولى وعبده م: (إذا كان) ش: أي العبد م: (مأذونا له) ش: في التجارة.
م: (ولم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لا يجوز بالاتفاق، لأن ما في يده ليس ملك المولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تعلق به) ش: أي بما في العبد م: (حق الغرماء فصار) ش: أي العبد م: (كالأجنبي) ش: من مولاه م: (فيتحقق الربا كما يتحقق) ش: أي الربا م: (بينه) ش: أي بين المولى م: (وبين مكاتبه) ش: لأن المكاتب صار كالحر يدا أو تصرفا في كسبه، فيجري الربا بينه

(8/298)


قال: ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب، خلافا لأبي يوسف والشافعي. لهما الاعتبار بالمستأمن منهم في دارنا. ولنا قوله -عليه الصلاة السلام-: «لا ربا بين المسلم الحربي في دار الحرب» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين مولاه، كما يجري بينه وبين غيره.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب) ش: أي ولا ربا أيضا بين المسلم الذي دخل دار الحرب بأمان وباع درهما بدرهمين، وكذا إذا باع خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو قامرهم وأخذ المال كل ذلك يحل له إذا كان في دار الحرب عند أبي حنيفة ومحمد م: (خلافا لأبي يوسف والشافعي) ش: ومالك وأحمد.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي م: (الاعتبار بالمستأمن منهم في دارنا) ش: يعني المستأمن من أهل الحرب الذي دخل دارنا بأمان تجري الربا بينه وبين المسلم فكذلك يجري بينه وبين المسلم في دار الحرب قياسا عليه بجامع تحقق الفضل الحالي عن العوض المستحق بعقد البيع.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب» ش: هذا حديث غريب ليس له أصل مسند، وقال الكاكي: ولنا الحديث المذكور في المتن. وفي " المبسوط ": عن مكحول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ربا بين المسلم....» الحديث، وهذا الحديث وإن كان مرسلا فمكحول ثقة والمرسل من مثله مقبول.
قال الأكمل: ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- ما روى مكحول إلى آخره، ثم قال: ذكره محمد بن الحسن، وذكره الأترازي، كذا ثم قال: كذا في شرح أبي نصر. قلت: أسند البيهقي في " المعرفة " في كتاب السير عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا لأن بعض المشيخة، حدثنا عن مكحول عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ربا بين أهل الحرب» أظنه قال: "وأهل الإسلام" قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا ليس بثابت، ولا حجة فيه، انتهى.

(8/299)


ولأن مالهم مباح في دارهم، فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه غدر، بخلاف المستأمن منهم، لأن ماله صار محظورا بعقد الأمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لا نسلم عدم ثبوته لأن جلالة قدر الإمام لا تقتضي أني جعل لنفسه مذهبا من غير دليل واضح، وأما قوله: ولا حجة فيه فبالنسبة إليه، لأن مذهبه عدم العمل بالمرسلات إلا مرسل سعيد بن المسيب والمرسل عندنا حجة على ما عرف في موضعه، والله أعلم.
م: (ولأن مالهم) ش: أي مال أهل الحرب م: (مباح في دارهم) ش: لأنه غير معصوم.
بل هو على أصل الإباحة م: (فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه) ش: أي في أخذه م: (غدر) ش: لأن الغدر حرام م: (بخلاف المستأمن منهم) ش: هذا جواب عن قياس أبي يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تقريره ما قاله بقوله م: (لأن ماله) ش: أي من المستأمن م: (صار محظورا) ش: أي ممنوعا أخذه م: (بعقد الأمان) ش: ولهذا لا يحل تناوله بعد انقضاء المدة.
وفي "الحجنى في الكناية مستاه": إن باشر مسلما أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما خلافا لأبي يوسف والأئمة الثلاثة، والله أعلم بالصواب.

(8/300)