البناية شرح الهداية

باب الحقوق ومن اشترى منزلا فوقه منزل فليس له الأعلى إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه أو منه ومن اشترى بيتا فوقه بيت بكل حق هو له لم يكن له الأعلى ومن اشترى دارا بحدودها فله العلو والكنيف جمع بين المنزل والبيت والدار، فاسم الدار ينتظم العلو لأنه اسم لما أدير عليه الحدود والعلو من توابع الأصل وأجزائه فيدخل فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الحقوق]
[اشترى منزلا فوقه منزل]
م: (باب الحقوق)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحقوق، وهو جمع حق، وهو ما يستحقه الرجل، وله معان أخرى، منها الحق ضد الباطل. وقال بعض الشراح: كان من حق مسائل هذا الباب أن تذكر في الفصل المتصل بأول كتاب البيوع، إلا أن المصنف التزم ترتيب " الجامع الصغير "، وهناك هكذا وقع، فكذا هنا وقبل الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع.
م: (ومن اشترى منزلا فوقه منزل فليس له الأعلى) ش: أي لا يدخل في بيعه المنزل الأعلى م: (إلا أن يشتريه بكل حق هو له) ش: أي إلا أن يقول وقت شرائه المنزل: اشتريته بكل حق هو له م: (أو بمرافقه) ش: أي أو يشتريه بمرافقه بأن يقول: اشتريته بمرافقه. وفي " المغرب ": مرافق الدار المتوضأ والمطبخ ونحوهما الواحد مرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير م: (أو بكل قليل وكثير هو فيه) ش: أي أو إلا أن يشتريه بكل قليل وكثير هو فيه، أي في المنزل.
م: (أو منه) ش: أي من المنزل، وهنا ثلاثة أشياء: المنزل والبيت والدار، وفسرها المصنف كلها ليتبين ما يترتب على كل اسم منها من الاحتياج إلى تصريح ما يدل على المرافق لدخولها وعدمه، فقال م: (ومن اشترى بيتا فوقه بيت بكل حق هو له لم يكن له الأعلى) ش: أي البيت الأعلى.
م: (ومن اشترى دارا بحدودها فله العلو) ش: الذي عليها م: (والكنيف) ش: أي وله الكنيف أيضا، وهو المستراح م: (جمع) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (بين المنزل والبيت والدار، فاسم الدار ينتظم العلو) ش: يعني يشمله من غير نص باسمه الخاص.
ومن غير ذكر الحقوق م: (لأنه) ش: أي لأن العلو م: (اسم لما أدير عليه الحدود والعلو من توابع الأصل وأجزائه) ش: فلا يخرج عنها م: (فيدخل فيه) ش: أي في الأصل. وفي شرح نظم " الجامع الكبير ": الدار اسم في اللغة لقطعة أرض ضربت لها الحدود وميزت عما يجاورها بإدارة خط عليها فبين في بعضها دون البعض ليجمع فيها مرافق الصخر للاسترواح ومنافع الأبنية للإسكان وغير ذلك، ولا فرق فيما إذا كانت الأبنية بالماء والتراب أو بالخيام والغاب.

(8/301)


والبيت اسم لما يبات فيه، والعلو مثله، والشيء لا يكون تبعا لمثله فلا يدخل فيه إلا بالتنصيص عليه. والمنزل بين الدار والبيت لأنه يتأتى فيه مرافق السكنى مع ضرب قصور؛ إذ لا يكون فيه منزل الدواب، فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع، ولشبهه بالبيت لا يدخل فيه بدونه. وقيل: وفي عرفنا يدخل العلو في جميع ذلك؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والبيت اسم لما يبات فيه والعلو مثله) ش: أي مثل البيت م: (والشيء لا يكون تبعا لمثله) ش: لأن تبع الشيء أدنى منه لا محالة لا مثله، وبين نتيجة هذا بقوله م: (فلا يدخل فيه) ش: أي يدخل العلو في شراء البيت م: (إلا بالتنصيص عليه) ش: أي على اسم العلو بذكره وإلا لكان الشيء تابعا لمثله وهولا يجوز ولا يرد على هذا المستعير، فإن له أن يعير فيما لا يختلف باختلاف المستعيرين ولا يرد المكاتب أيضا فإن له أن يكاتب.
لأن المراد بالتبعية هاهنا أن يكون اللفظ الموضوع لشيء يتبعه ما هو مثله في الدخول تحت الدلالة؛ لأنه ليس بلفظ عام يتناول الأفراد، إذ فرض المسألة في معلوم ولا من لوازمه وليس في الإعادة والكتاب ذلك، فإن لفظ المعير: أعرتك لم يتناول عارية المستعير أصلا لا تبعا ولا أصالة، وإنما ملك الإعارة لأنها تمليك المنافع، ومن ملك شيئا جاز أن يملك لغيره.
وإنما لا يملك فيما يختلف باختلاف المستعمل حذاء وقوع التغيير به، والمكاتب لما اختص بمكاتبه كان أحق بتصرف ما يوصله إلى مقصوده في كتابة عبده بسبب إلى ما يوصله إلى ذلك فكانت جائزة.
م: (والمنزل بين الدار والبيت؛ لأنه يتأتى فيه مرافق السكنى) ش: أي منافعها م: (مع ضرب قصور) ش: يعني لكن فيه قصور م: (إذ لا يكون) ش: أي لأنه لا يكون م: (فيه منزل الدواب) ش: وما يجري مجرى ذلك م: (فلشبهه) ش: أي فلشبهه المنزل م: (بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع ولشبهه بالبيت لا يدخل فيه بدونه) ش: أي بدون ذكره، لأن المنزل له منزلة بين المنزلتين.
وقال السرخسي: المنزل اسم لما يشتمل على بيوت ومطبخ وموضع قضاء الحاجة، ولكن لا يكون فيه صحن. وفي " الفوائد ": المنزل اسم لبيتين أو ثلاثة ينزل فيه ليلا أو نهارا.
والعلو وإن كان محلا للنزول فيه فهو دون السفل في احتمال السكنى، لأن السفل محتمل السكنى لنفسه ودوابه والعلو لا يحتمل السكنى للدواب، فكان أصلا من وجه تبعا من وجه، فلو ذكر الحقوق يدخل، وإلا فلا، فيكون منزلته دون منزلة الدار فوق منزلة البيت، وهكذا ذكره في " جامع قاضي خان ".
م: (وقيل: في عرفنا يدخل العلو في جميع ذلك) ش: أي الدار والمنزل والبيت. وقال الإمام الزاهد العتابي في " شرح الجامع الصغير ": هذا - يعني الذي ذكره أولا - في عرفهم وفي عرفنا

(8/302)


لأن كل بيت يسمى بالفارسية خانه ولا يخلو عن علو، وكما يدخل العلو في اسم الدار يدخل الكنيف لأنه من توابعها، ولا تدخل الظلة إلا بذكر ما ذكرنا عند أبي حنيفة لأنه مبني على هواء الطريق فأخذ حكمه. وعندهما إن كان مفتحه في الدار يدخل من غير ذكر شيء مما ذكرنا؛ لأنه من توابعه فشابه الكنيف،
قال: ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له، أو بمرافقه، أو بكل قليل وكثير، وكذا الشرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يدخل العلو من غير ذكر في الفصول كلها، لأن في عرفنا الدار والمنزل والبيت كله واحد. وقال المصنف: م: (لأن كل بيت يسمى بالفارسية خانه) ش: وفي بعض النسخ: لأن كل مسكن يسمى خانه م: (ولا يخلو عن علو) ش: يعني في عرف بلاد العجم يسمى كذلك، سواء كان المسكن صغيرا أو كبيرا، ولفظ خانه بالخاء المعجمة وفتح النون وهو اسم البيت بالعجمي.
م: (وكما يدخل العلو في اسم الدار يدخل الكنيف) ش: وهو المستراح م: (لأنه من توابعها) ش: أي من توابع الدار. وفي بعض النسخ من توابعه. قال الكاكي: أي من توابع الدار؛ لأنه يجوز فيه التذكير؛ لأنه مؤنث غير حقيقي، ولأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط والكنيف مما أدير عليه الحائط، فيكون من الدار فيدخل تحت بيع الدار بلا ذكر الحقوق.
م: (ولا تدخل الظلة) ش: وهي الساباط الذي أحد طرفيه على الدار المبيعة والطرف الآخر على دار أخرى أو على الأسطوانات في السكة ومفتحة في الدار، كذا في " الجامع الصغير لقاضي خان "، وفي " المغرب ": قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي تكون فوق الباب م: (إلا بذكر ما ذكرنا عند أبي حنيفة) ش: وهو قوله بكل حق هو له أو مرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه م: (لأنه مبني) ش: أي لأن الظلة على تأويل الساباط م: (على هواء الطريق فأخذ حكمه) ش: أي حكم الطريق.
م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد م: (إن كان مفتحه) ش: أي مفتح الظلة م: (في الدر يدخل) ش: أي في البيع م: (من غير ذكر شيء مما ذكرنا) ش: من المرافق والحقوق م: (لأنه) ش: أي لأن الظلة م: (من توابعه) ش: أي من توابع الدار م: (فشابه الكنيف) ش: حيث يدخل من غير ذكر شيء من الحقوق والمرافق.

م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا) ش: أي أو اشترى منزلا م: (أو مسكنا) ش: أي أو اشترى مسكنا م: (لم يكن له) ش: أي للمشتري م: (الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه) ش: أو يشتري بمرافقه م: (أو بكل قليل وكثير) ش: هو منه أو فيه فيكون له الطريق حينئذ. وقال الكاكي: المراد الطريق الخاص في ملك إنسان.
قلنا: طريقها إلى مكة غير نافذة وإلى طريق عام فيدخل م: (وكذا الشرب) ش: بكسر

(8/303)


والمسيل؛ لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع، بخلاف الإجارة لأنها تعقد للانتفاع، ولا يتحقق إلا به؛ إذ المستأجر لا يشتري الطريق عادة ولا يستأجره، فيدخل تحصيلا للفائدة المطلوبة منها. أما الانتفاع بالمبيع فممكن بدونه لأن المشتري عادة يشتريه وقد يتجر فيه فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشين المعجمة، أي لا يدخل في الأرض م: (والمسيل) ش: وكذا مسيل الماء أو إلقاء الثلج في ملك إنسان لا يدخل من غير ذكر مما ذكرنا م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الطريق والشرب والمسيل م: (خارج عن الحدود) ش: أي حدود المبيع فكانت هذه الأشياء أصلا بنفسها من حيث إنه مقصود قيامها بدون المبيع م: (إلا أنه من التوابع) ش: من حيث إنه لا يقصد به.
وإنما يقصد بها الانتفاع بالمبيع فكانت تابعة م: (فيدخل بذكر التوابع) ش: أي بذكر الحقوق والمرافق. وفي " الذخيرة " بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون عند البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع، حتى إن من سد طريق منزله وجعل له طريقا آخر وباع المنزل بحقوقه يدخل تحت البيع الطريق الثاني لا الطريق الأول.
م: (بخلاف الإجارة) ش: بهذه تدخل هذه الأشياء في الإجارة بدون ذكر الحقوق، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأنها) ش: أي لأن الإجارة م: (تعقد للانتفاع ولا يتحقق) ش: أي الانتفاع م: (إلا به) ش: أي بالطريق م: (إذ المستأجر لا يشتري الطريق عادة ولا يستأجره، فيدخل تحصيلا للفائدة المطلوبة منها) ش: أي من الإجارة، بيان هذا أن البيع شرع لتمليك العين لا لتمليك المنفعة وهذا يصح فيما لا ينتفع به في الحال كالجحش والمهر الصغير والأرض السبخة والإجارة لا تصح فيه والإنسان قد يشتري ليبيعه ليربح، وقد يشتريه للانتفاع.
فكان القصد فيه تملك العين لا الانتفاع لا محالة، فلا ضرورة في إدخال هذه الأشياء في البيع، فلا يدخل إلا بالذكر، كذا في " جامع قاضي خان ".
وفي " الكافي " ولهذا لو استأجر علوا واستثنى الطريق فسدت الإجارة. بخلاف البيع، فإنه لو اشترى علوا واستثن الطريق صح، لأن موجب البيع تمليك الرقبة والانتفاع من ثمراته، أما الإجارة فللانتفاع، ولا انتفاع بدون الطريق.
م: (أما الانتفاع بالمبيع فممكن بدونه) ش: أي بدون الطريق م: (لأن المشتري عادة يشتريه) ش: أي يشتري الطريق والشرب والمسيل، ووحد الضمير لكل واحد أو بتأويل المذكور م: (وقد يتجر فيه) ش: أي في شرائه م: (فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة) ش: المطلوبة.

(8/304)


باب الاستحقاق ومن اشترى جارية فولدت عنده فاستحقها رجل ببينة فإنه يأخذها وولدها، وإن أقر بها لرجل لم يتبعها ولدها، ووجه الفرق أن البينة حجة مطلقة فإنها كاسمها مبينة فيظهر بها ملكه من الأصل والولد كان متصلا بها، فيكون له. أما الإقرار حجة قاصرة يثبت الملك في المخبر به ضرورة صحة الإخبار، وقد اندفعت بإثباته بعد الانفصال فلا يكون الولد له، ثم قيل: يدخل الولد في القضاء بالأم تبعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الاستحقاق]
[حكم الاستحقاق]
م: (باب الاستحقاق)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستحقاق، وهو طلب الحق، وذكر هذا الباب عقيب باب الحقوق للمناسبة التي بينهما لفظا ومعنى.
م: (ومن اشترى جارية فولدت عنده) ش: أي عند المشتري ولدت من غير مولاها.
وفي " الكافي " ولدت لا باستيلاده م: (فاستحقها رجل ببينة فإنه يأخذها) ش: أي فإن المستحق يأخذ الجارية م: (وولدها) ش: أي يأخذ ولدها معها أيضا م: (وإن أقر بها) ش: أي وإن أقر بالجارية م: (لرجل لم يتبعها) ش: أي لم يتبع الجارية م: (ولدها) ش: أي لا يأخذ المقر له الولد ويأخذ الأمة فقط م: (ووجه الفرق) ش: أي بين البينة والإقرار حيث يأخذ الجارية وولدها بالبينة فقط لا بالإقرار م: (أن البينة حجة مطلقة) ش: يعني غير مقتصرة على المقضي عليه فهي حجة في قول كافة الناس.
وفي " الكافي " البينة حجة متعدية حتى تظهر في حق كافة الناس والإقرار حتى لا يقتصر على المقر م: (فإنها) ش: أي فإن البينة م: (كاسمها مبينة) ش: من التبين وهو الإظهار، وأصله من البيان وهو الظهور م: (فيظهر بها) ش: أي بالبينة م: (ملكه) ش: أي ملك الرجل المستحق م: (من الأصل) ش: يعني في حق الجارية والولد جميعا م: (والولد كان متصلا بها) ش: أي بالجارية م: (فيكون) ش: أي الولد م: (له) ش: أي للمستحق، ولهذا يرجع الباعة بعضهم على بعض.
م: (أما الإقرار حجة قاصرة) ش: فتظهر في حقه دون غيره م: (يثبت الملك في المخبر به) ش: أي مقصورا على ما أقر به وهو الجارية م: (ضرورة صحة الإخبار) ش: أي لأجل ضرورة صحة إخبار المخبر م: (وقد اندفعت) ش: أي الضرورة م: (بإثباته) ش: أي بإثبات الملك م: (بعد الانفصال) ش: أي انفصال الولد فلا يظهر الإلحاق بالولد م: (فلا يكون الولد له) ش: ولهذا لا يرجع المشتري على البائع بالثمن عند الاستحقاق بالإقرار م: (ثم قيل) ش: أشار بهذا إلى اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في فصل الاستحقاق بالبينة في أن الولد في القضاء بالأم يدخل تبعا أم لا.
فقال بعضهم م: (يدخل الولد في القضاء بالأم تبعا) ش: أي تبعا للأم لأنه لما ظهر الملك في

(8/305)


وقيل: يشترط القضاء بالولد وإليه تشير المسائل، فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الزوائد في الحكم، وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت الحكم بالأم تبعا.
قال: ومن اشترى عبدا فإذا هو حر وقد قال العبد للمشتري: اشترني فإني عبد له، فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة لم يكن على العبد شيء، وإن كان البائع لا يدري أين هو رجع المشتري على العبد ورجع هو على البائع، وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية فوجده حرا لم يرجع عليه على كل حال. وعن أبي يوسف - أنه لا يرجع فيهما؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجارية من الأصل يدخل في الأولاد م: (وقيل يشترط القضاء بالولد) ش: على حدة؛ لأنه أصل يوم القضاء لكونه منفصلا عن الأم، فلا بد من الحكم كذا قيل وهو الأصح م: (وإليه) ش: أي إلى هذا القول وهو اشتراط القضاء بالولد م: (تشير المسائل) ش: وبين ذلك بقوله م: (فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد) ش: يعني إذا قضى القاضي بالأصل ولم يعرف الزوائد.
م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل الزوائد في الحكم) ش: بالأصل، فيجب الحكم بالزوائد أيضا م: (وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت الحكم) ش: أي حكم القاضي م: (بالأم تبعا) ش: أي من حيث التبعية للأم؛ لأنها منفصلة من الأصل يوم القضاء في الولد لعدم دخوله إذا كان في يد الغائب في القضاء بالأم؛ لأنه إذا دخل حينئذ يكون قضاء على الغائب.

[اشترى عبدا فإذا هو حر]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى عبدا فإذا هو حر) ش: كلمة إذا للمفاجأة، أي فظهر أنه حر م: (وقد قال العبد) ش: أي والحال أن العبد قد قال م: (للمشتري اشترني فإني عبد له) ش: إنما قيد بهذين القيدين لأنه لو قال وقت البيع: إني عبد ولم يأمره بالشراء أو قال: اشترني ولم يقل: إني عبد لا يرجع عليه بالثمن في قولهم، كذا ذكره الإمام التمرتاشي في جامعه محالا إلى شيخ الإسلام خواهر زاده.
م: (فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة) ش: أي يدري مكانه م: (لم يكن على العبد شيء) ش: لأن البائع هو الذي أخذ ماله فوجب أن يسترد منه، والعبد لم يأخذ منه شيئا م: (وإن كان البائع لا يدري أين هو رجع المشتري على العبد) ش: بالثمن على العبد؛ لأنه غره حيث أمره بالشراء وأتلف ماله م: (ورجع هو) ش: أي العبد م: (على البائع) ش: إذا قدر عليه.
لأنه أدى عنه م: (وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية) ش: يعني إن ارتهن رجل عبدا قد أقر بأنه عبد للمرتهن م: (فوجده حرا) ش: أي فوجد المرتهن العبد وهو حر م: (لم يرجع عليه) ش: أي لم يرجع المرتهن على العبد بشيء م: (على كل حال) ش: أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا أية غيبة كانت.
م: (وعن أبي يوسف أنه لا يرجع فيهما) ش: أي إن كل واحد من البائع والمرتهن لا يرجع

(8/306)


لأن الرجوع بالمعاوضة أو بالكفالة، والموجود ليس إلا الإخبار كاذبا، فصار كما إذا قال الأجنبي ذلك، أو قال العبد: ارتهني فإني عبد، وهي المسألة الثانية. ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره إني عبد. إذ القول له في الحرية فيجعل العبد بالأمر بالشراء ضامنا للثمن له عند تعذر رجوعه على البائع دفعا للضرر والغرر، ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه، والبيع عقد معاوضة فأمكن أن يجعل الآمر به ضامنا للسلامة كما هو موجبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على العبد في البيع والرهن م: (لأن الرجوع) ش: إنما يكون م: (بالمعاوضة) ش: في المبايعة م: (أو بالكفالة) ش: أي أو بكفالة العبد بالثمن ولم يوجد واحد منهما م: (والموجود ليس إلا الإخبار كاذبا) ش: بأنه عبد.
وقال فخر الدين الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي المعروف بقاضي خان في شرح " الجامع الصغير ": وهذه المسألة دليل على أن العبد إذا كفل بثمن نفسه عن البائع صحت الكفالة، فإذا تعذر استيفاؤه من البائع يرجع عليه ثم يرجع العبد على البائع إذا حضر؛ لأنه أدى ضمانا عليه م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا قال الأجنبي ذلك) ش: بأن قال: اشتره فإنه عبد فظهر حرا إذا اشتراه فهو حر.
م: (أو قال العبد: ارتهني فإني عبد) ش: فظهر حرا ليس له عليه شيء م: (وهي المسألة الثانية) ش: وهي قوله وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره) ش: أي أمر العبد حيث قال: اشترني فأنا عبد م: (وإقراره) ش: بقوله م: (إني عبد، إذ القول) ش: أي لأن القول م: (له في الحرية) ش: أي للعبد لأنه متمسك بالأصل، إذ الأصل الحرية م: (فيجعل العبد بالأمر بالشراء) ش: أي بقوله: اشترني م: (ضامنا للثمن له) ش: أي للمشتري م: (عند تعذر رجوعه) ش: أي رجوع المشتري م: (على البائع دفعا للضرر) ش: عن المشتري م: (والغرر) ش: أي ولأجل الغرور من جهته.
والغرور في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض يجعل سببا للضمان دفعا للضرر بقدر الإمكان م: (ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه) ش: أي لا يعذر في الرجوع إلا في الذي لا يعرف مكانه لعدم القدرة عليه.
م: (والبيع) ش: كأنه جواب عما يقال من جهة أبي يوسف كيف فرقتم بين البيع والرهن في الرجوع وعدمه؟ فأجاب بقوله والبيع م: (عقد معاوضة) ش: يستحق العبد بها السلامة م: (فأمكن أن يجعل الآمر) ش: على وزن اسم الفاعل م: (به ضامنا للسلامة) ش: أي سلامة المبيع للمشتري م: (كما هو موجبه) ش: أي موجب البيع، لأن موجبه سلامة المبيع للمشتري.
>

(8/307)


بخلاف الرهن؛ فإنه ليس بمعاوضة، بل هو وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى يجوز الرهن ببدل الصرف، والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال، فلا يجعل الآمر به ضامنا للسلامة. وبخلاف الأجنبي لأنه لا يعبأ بقوله فلا يتحقق الغرور. ونظير مسألتنا قول المولى: بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له، ثم ظهر الاستحقاق فإنهم يرجعون عليه بقيمته. ثم في وضع المسألة ضرب إشكال على قول أبي حنيفة، لأن الدعوى شرط في حرية العبد عنده، والتناقض يفسد الدعوى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الرهن فإنه ليس بمعاوضة) ش: وهو ظاهر م: (بل هو) ش: أي الرهن م: (وثيقة لاسيتفاء عين حقه) ش: من غير عوض م: (حتى يجوز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال) ش: حتى إذا هلك يقع الاستيفاء. ولو كان معاوضة لكان استبدالا برأس مال السلم أو بالمسلم فيه وهو حرام، وكذا في بدل الصرف فلم يكن هذا غرورا في عقد المعاوضة، فلا ينتهض سببا للضمان، ولهذا قلنا: لو سأل رجل غيره عن أمن الطريق فقال: له اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فسلب اللصوص أمواله لا يضمن المخبر بشيء؛ لأنه غرور فيما ليس بمعاوضة.
وكذا لو قال: كل هذا الطعام فإنه غير مسموم فأكل ثم ظهر بخلافه لا يضمن أيضا م: (فلا يجعل الآمر به) ش: يعني إذا لم يكن معاوضة لم يجعل الآمر به م: (ضامنا للسلامة) ش: فلا يجب عليه شيء.
م: (وبخلاف الأجنبي) ش: عطف على قوله: بخلاف الرهن، يعني إخبار الأجنبي بكونه عبدا لا يفضي إلى البيع م: (لأنه) ش: أي لأن الأجنبي م: (لا يعبأ) ش: أي لا يبالي م: (بقوله) ش: لعدم الاعتماد على قوله م: (فلا يتحقق الغرور) ش: بقوله لعدم الاكتراث به.
م: (ونظير مسألتنا) ش: وهي أن الغرور في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض جعل سببا للضمان نظير م: (قول المولى) ش: للناس من أهل السوق م: (بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له) ش: في التجارة، فبايعوه ولحقه ديون م: (ثم ظهر الاستحقاق) ش: أي ثم ظهر أنه حر م: (فإنهم) ش: أي فإن الذي بايعوه م: (يرجعون عليه) ش: أي على المولى بديونهم م: (بقيمته) ش: أي بقدر قيمته بحكم الغرور م: (ثم في وضع المسألة) ش: بقوله فإذا هو حر م: (ضرب إشكال على قول أبي حنيفة؛ لأن الدعوى شرط في حرية العبد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة.
وقوله: أنا حر بعد قوله: أنا عبد متناقض م: (والتناقض يفسد الدعوى) ش: فيكف تثبت الحرية.
وأجابوا عنه بجوابين.

(8/308)


وقيل: إن كان الوضع في حرية الأصل فالدعوى فيها ليس بشرط عنده لتضمنه تحريم فرج الأم. وقيل: هو شرط، لكن التناقض غير مانع لخفاء العلوق، وإن كان الوضع في الإعتاق فالتناقض لا يمنع لاستبداد المولى به، فصار كالمختلعة تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع والمكاتب يقيمها على الإعتاق قبل الكتابة.
قال: ومن ادعى حقا في دار معناه حقا مجهولا، فصالحه الذي في يده على مائة درهم فاستحقت الدار إلا ذراعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أشار المصنف إلى الجواب الأول بقوله م: (وقيل: إن كان الوضع في حرية الأصل) ش: فلقبول البينة وجهان: أحدهما ما قاله عامة المشايخ، وهو عدم اشتراط الدعوى لقبول الشهادة على حرية الأصل وهو معنى قوله م: (فالدعوى فيها ليس بشرط عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لتضمنه تحريم فرج الأم) ش: أي لتضمن الدعوى، أي دعوى حرية الأصل، وذكر الضمير الراجع إلى الدعوى على معنى الادعاء.
وأشار إلى الوجه الثاني بقوله م: (وقيل هو شرط) ش: أي الدعوى شرط على تأويل الادعاء م: (لكن التناقض) ش: هنا لم يمنع صحة الدعوى، فإنه م: (غير مانع لخفاء العلوق) ش: أي حال العلوق، وكل ما كان مبناه على الخفاء فالتناقض معفو، وقوله م: (وإن كان الوضع في الإعتاق) ش: هو الجواب الثاني أراد أنه إن كان المراد به الحرية بعتاق عارض م: (فالتناقض) ش: في الدعوى م: (لا يمنع) ش: صحة الدعوى في المعتق؛ لأنه أمر يجري فيه الخفاء.
م: (لاستبداد المولى به) ش: أي لتفرد المولى بالإعتاق، فربما لا يعلم العبد إعتاقه ثم يعلم بعد ذلك م: (فصار) ش: هذا م: (كالمختلعة) ش: أي كالمرأة التي اختلعت م: (تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع) ش: فإنه يقبل ذلك منها وإن تناقضت للخفاء في تطليقة لاستبداده به، وإنما قيد بالثلاث لأن فيما وراءها يمكن أن يقيم الزوج بينة أنه قد تزوجها بعد الطلاق الذي قد أثبتته المرأة قبل يوم أو يومين.
وأما في الثلاث فلا يمكنه ذلك م: (والمكاتب يقيمها) ش: أي يقيم البينة م: (على الإعتاق قبل الكتابة) ش: فإنها تقبل منه لاستبداد سيده بالتحرير، ثم المرأة والمكاتب يستردان بدل الخلع والكتابة بعد إقامتهما البينة على ما ادعياه.
وقال الناطفي في " الأجناس ": رجل باع غلاما وهو ساكت ثم قال بعد البيع مع علمه بالبيع: أنا حر لا يقبل قوله وهو عبد، وزاد في " مختصر الطحاوي ": وقيل له بعد البيع: قم مع مولاك فقام فذاك إقرار منه بالرق.

[ادعى حقا في دار فصالحه الذي هو في يده]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى حقا في دار معناه حقا مجهولا) ش: فأنكر المدعى عليه م: (فصالحه الذي هو في يده على مائة درهم، فاستحقت الدار إلا ذراعا منها)

(8/309)


منها لم يرجع بشيء، لأن للمدعي أن يقول دعواي: في هذا الباقي. وإن ادعاها كلها فصالحه على مائة درهم فاستحق منها شيء رجع بحسابه؛ لأن التوفيق غير ممكن فوجب الرجوع ببدله عند فوات سلامة المبدل، ودلت المسألة على أن الصلح عن المجهول على معلوم جائز؛ لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي موضع ذراع منها م: (لم يرجع بشيء) ش: أي لم يرجع المدعى عليه على المدعي م: (لأن للمدعي أن يقول دعواي في هذا الباقي) ش: فلا يثبت حق الرجوع بالشك.
م: (وإن ادعاها كلها) ش: أي كل الدار م: (فصالحه على مائة درهم فاستحق منها شيء رجع بحسابه، لأن التوفيق غير ممكن) ش: لأنه ادعى كل الدار فصالح على ذلك فاستحق بعض الدار والمائة كانت وقعت بدلا عن كل الدار، لأن البدل يقسم على أجزاء المبدل، فلما استحق بعض المبدل تعين الرجوع م: (فوجب الرجوع ببدله) ش: أي بحصته م: (عند فوات سلامة المبدل) ش: لأنه أخذ ذلك القدر من البدل بغير حق.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ودلت المسألة على أن الصلح عن المجهول على معلوم جائز، لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة) ش: ودلت المسألة أيضا على أن صحة الدعوى ليست بشرط لصحة الصلح، لأن دعوى الحق في الدار لا تصح للجهالة، ولهذا لا تقبل البينة على ذلك إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه بالحق فحينئذ تصح الدعوى وتقبل البينة، والإقرار عن المجهول جائز عندنا.

(8/310)


فصل في بيع الفضولي قال: ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ. وقال الشافعي: لا ينعقد لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية؛ لأنها بالملك أو بإذن المالك، وقد فقدا ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيع الفضولي]
[حكم بيع الفضولي]
م: (فصل في بيع الفضولي)
ش: أي هذا فصل في بيان حكم بيع الفضولي وهو نسبة إلى الفضول جمع الفضل، يعني الزيادة. وفي " المغرب " وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه، حتى قيل فضول بلا فضل وسنا بلا سن وطولا بلا طول وعرضا بلا عرض ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس بوكيل وبفتح الفاء خطأ، انتهى كلامه.
وقيل: الفضولي من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي كالأجنبي يزوج أو يبيع ولم يرد في النسبة إلى الواحد، وإن كان هو القياس لأنه صار بالغلبة كالعلم بهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي. وقال الأكمل: مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق ظاهرة، لأن بيع الفضولي صورة من صور الاستحقاق، لأن المستحق يقول عند الدعوى. هذا ملكي. ومن باعك فإنما باعك بغير إذني فهو عين بيع الفضولي.
قلت: لا يقال مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق، وإنما يقال: هذا الفصل داخل في هذا الباب الذي قبله، لأن الباب عند المصنفين إذا ذكروا فصلا أو فصلين أو أكثر عقيب باب يقولون هذا داخل في الباب الذي قبله، وإنما يفردونه بالذكر لأنه ليس بداخل فيه من كل وجه فافهم.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء فسخ) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي لا ينعقد) ش: أي بيع الفضولي لا ينعقد أصلا وعنده تصرفات الفضولي كلها باطلة في الجديد، وبه قال أحمد: في رواية، وفي القديم كمذهبنا م: (لأنه) ش: أي لأن بيع ملك غيره م: (لم يصدر عن ولاية شرعية) ش: قال الكاكي، احترز به عن الولاية الحسية، فإنها تثبت بمجرد اليد، سواء كانت اليد حقا أو لا.
وقال غيره: يعني لم يصدر عن ولاية شرعية أنه أضاف التصرف إلى محل ليس له ولاية عليه فيلغو م: (لأنها) ش: أي لأن الولاية الشرعية تثبت م: (بالملك) ش: المطلق للتصرفات م: (أو بإذن المالك) ش: الذي له ولاية التصرف م: (وقد فقدا) ش: على صيغة المجهول، أي فقد فقد الملك والمالك، يعني لم يوجدا م: (ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية) ش: أي بالولاية الشرعية وقد عدمت، ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» .

(8/311)


ولنا أنه تصرف تمليك وقد صدر من أهله في محله، فوجب القول بانعقاده إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره، بل فيه نفعه حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري فثبت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه، كيف وأن الإذن ثابت دلالة؛ لأن العاقل يأذن في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أنه) ش: أي أن بيع الفضولي م: (تصرف تمليك) ش: إلا أنه فيه من قبيل إضافة العام إلى الخاص كعلم الفقه، فلا نزاع في ذلك، وإنما قال تصرف تمليك ولم يقل تمليك، لأن التمليك من غير المالك لا يتصرف، وأما كونه تصرف تمليك فلأن كون المبيع تمليك مال بمال وهو قصد إيقاعه تمليكا في محل قابل للملك.
ولكن لا ينفذ في الحال قبل الإجازة لئلا يتضرر المالك. وقال الكاكي: وقيد التصرف بالتمليك احترازا عن تصرف هو إسقاط كالطلاق والعتاق بمال أو بغير مال من الصبي والمجنون.
فإن هذه التصرفات منهما لا تصح ولا تتوقف على إجازة الولي ولا على إجازة نفسهما بعد البلوغ والإفاقة، بخلاف ما إذا اشترى الصبي شيئا أو تزوج امرأة أو زوج أمته، فإن هذه التصرفات منه تتوقف على إجازة الولي أو إجازة نفسه بعد البلوغ، ولا يجوز بنفس البلوغ بغير إجازة بعده.
م: (وقد صدر) ش: أي والحال أن هذا العقد قد صدر م: (من أهله) ش: وهو كونه عاقلا بالغا م: (في محله) ش: أي في محل العقد وهو كونه مالا متقوما م: (فوجب القول بانعقاده، إذ لا ضرر فيه) ش: أي في هذا العقد م: (للمالك مع تخييره) ش: أي مع كونه مخيرا بين الإجازة والفسخ م: (بل في) ش: أي في هذا العقد م: (نفعه) ش: أي نفع للمالك م: (حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره) ش: وهو حقوق العبد، فإنها لا ترجع إلى المالك م: (وفيه) ش: أي في هذا العقد م: (نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء وفيه نفع المشتري) ش: لأنه أقدم عليه طائعا ولولا النفع لما أقدم م: (فثبت القدرة الشرعية) ش: وهو التصرف الذي ينعقد به العقد.
وهذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية م: (تحصيلا لهذه الوجوه) ش: أي لأجل تحصيل هذه الوجوه، وهي كفاية مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن ونفع العاقدين لصون كلامهما عن الإلغاء.
م: (كيف وأن الإذن ثابت دلالة) ش: فهذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الولاية الشرعية بإذن المالك وقد فقد الإذن فقال كيف لا ينعقد بيع الفضولي لعدم الإذن من المالك والحال أن الإذن ثابت دلالة، أي في حق انعقاد العقد لاشتماله على النفع م: (لأن العاقل يأذن في

(8/312)


التصرف النافع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التصرف النافع) ش: وقيل قوله: وكيف لا إلى آخره جواب عما يقال القدرة بالملك أو بالإذن ولم يوجد، فأجاب عن ذلك منكرا بقوله: وكيف لا إلى آخره.
فإن قيل: لو كان الإذن ثابتا دلالة فيما هو نافع يكون الرضا من المالك متحققا دلالة، فينبغي أن لا يثبت له الخيار.
قلنا: الإذن ثابت دلالة فيما هو نافع لا فيما هو ضار، وفي الانعقاد نفع فيثبت من وجه في انعقاده بغير اختياره ضرر فلا يثبت الإذن في حقه فلذلك يخير.
والجواب عن حديث حكيم بن حزام الذي استدل به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو نهيه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن بيع ما ليس عنده لأن مطلق النهي يوجب فساد النهي عنه أنه كان يبيعه ثم يشتريه ويزيد تسليمه بحكم ذلك العقد.
والدليل عليه أن قال: «يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الرجل يأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "لا تبع ما ليس عندك» .
وقال الأترازي في استدلال أصحابنا: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم " كالأسرار " وغيره في «حديث عروة البارقي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى له دينارا يشتري به أضحية، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاء بالشاة والدينار الآخر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخبره بذلك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بارك الله في صفقتك، فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به» فقد باع ما اشترى له - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بغير أمره. وأجاز - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بيعه، ثم قال: وفي كتب الحديث وإن عروة البارقي وحكيم بن حزام يعني روى الحديث عن الاثنين.
قلت: أما حديث عروة البارقي فرواه الترمذي: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان ثنا هارون بن موسى ثنا الزبير بن الحر عن أبي لبيد «عن عروة البارقي قال دفع إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دينارا لأشتري له شاة فاشتريت له شاتين، فبعت أحدهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ما كان من أمره فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك"، فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم فكان من أكثر أهل الكوفة مالا» . وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن سعيد.
وأما حديث حكيم بن حزام فرواه الترمذي أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت «عن حكيم بن حزام أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار قال فاشترى أضحية فربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء

(8/313)


قال: وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد، فلا بد من قيامه وذلك بقيام العاقدين والمعقود عليه، وإذا أجاز المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يده بمنزلة الوكيل؛ لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالأضحية والدينار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ضح بالشاة وتصدق بالدينار» .
ورواه أبو داود أيضا عن محمد بن كثير. ولما أخرج الترمذي الحديثين لم يسكت عنهما، بل قال: وحبيب بن ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام، وأبو لبيد اسمه لمازة، وفي إسناد أبي داود مبهم.
وقيل: حديث حكيم لا يصح لأنه إما منقطع أو في إسناده مجهول.
قلت: الانقطاع في إسناد الترمذي والمجهول في إسناد أبي داود، وقال ابن العربي: حديث عروة صحيح.
وأما الإبهام الذي في إسناد أبي داود فإنه روى عن شبيب عن فرقدة حدثني الحي عن عروة البارقي الحديث.
وقال الخطابي: يعني الحي حدثوه وما كان سبيله هذا من الرواة لم تقم به الحجة، ووقع في رواية الكرخي عن شبيب عن فرقدة يسمعه من قومه عن عروة البارقي، وروي أيضا من حديث سفيان عن شبيب بن فرقدة قال: أخبرنا الحسن عن عروة البارقي الحديث، وهذا الإسناد ما فيه إبهام وهو صحيح كما قاله ابن العربي.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وله الإجازة) ش: أي وللمالك إجازة البيع الذي عقد الفضولي م: (إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد فلا بد من قيامه) ش: أي من قيام العقد م: (وذلك) ش: أي قيام العقد م: (بقيام العاقدين والمعقود عليه) ش: كما في الإنشاء وبقاء الفضولي إنما يشترط لصحة الإجازة في البيع إلا في النكاح حتى لو زوج رجل ابنته الصغيرة من رجل غائب ثم مات الأب وبلغ الزوج النكاح فأجاز ذلك فهو جائز وهذا نص أن بموت الأب لا ينقطع نكاح الصغيرة، كذا في " فصول الأستروشي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإذا أجاز المالك) ش: البيع م: (كان الثمن مملوكا له) ش: أي للمالك م: (أمانة في يده) ش: أي في يد الفضولي م: (بمنزلة الوكيل) ش: بالبيع إذا باع وقبض الثمن فإنه أمانة في يده م: (لأن الإجازة اللاحقة) ش: في بيع الفضولي م: (بمنزلة الوكالة السابقة) ش: في البيع بالوكالة من حيث إن كلا منهما يثبت الحكم ويرفع المانع، والمال في يد الوكيل أمانة، فكذا في يد الفضولي.
فإن قلت: ليس كذلك، فإن المشتري من الفضولي إذا باع ثم أجاز المالك المبيع بطل البيع الثاني، ولو كان البيع الأول صدر من الوكيل لا يبطل البيع الثاني.

(8/314)


وللفضولي أن يفسخ قبل الإجازة دفعا للحقوق عن نفسه، بخلاف الفضولي في النكاح؛ لأنه معير محض، هذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان عرضا معينا إنما تصح الإجازة إذا كان العرض باقيا أيضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: المالك البات إذا طرأ على ملك موقوف أبطله، وقد طرأ المالك البات للمشتري الأول فأبطل الملك الموقوف الذي كان للمشتري الثاني، ونظيره تزوج أمة بغير إذن مولاها فمات المولى فإنه لا ينعقد بإجازة الوارث، لأن ملك التزوج للأمة موقوف، وملك الوارث فيها ملك بات فيبطل الملك الموقوف بطرآن ذلك الملك بالبات.

[للفضولي أن يفسخ قبل إجارة المالك البيع]
م: (وللفضولي أن يفسخ قبل الإجازة) ش: أي قبل إجارة المالك البيع م: (دفعا للحقوق عن نفسه) ش: لما أن الحقوق ترجع إلى الوكيل وهو ما بالإجازة وهو ما بالإجازة يصير بمنزلته في رجوع الحقوق إليه فله أن يفسخه لدفع الضرر عن نفسه، وكذلك للمشتري أن يفسخه. فإن قيل: في القول بجواز فسخه قبل الإجازة ضرر للمالك كما ذكرنا أن للمالك فيه نفع فيفوت ذلك بالفسخ.
قلنا: ضرر للمالك يحصل في ضمن دفع الضرر عن نفسه فلا يعتبر.
م: (بخلاف الفضولي في النكاح) ش: حيث لا يجوز له أن يفسخه قبل إجازة الموقوف له أو فسخه لأن الحقوق لا ترجع إليه م: (لأنه معير محض) ش: وسفير، فإنه لما أعير انتهى أمره فصار بمنزلة الأجنبي، بخلاف الفضولي في البيع؛ لأنه لا يثني أمره بالبيع لما ذكرنا أن الحقوق ترجع إليه.
وقال الكاكي: قال شيخي العلامة صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا كان الفسخ بالقول، أما إذا كان الفسخ بالفعل بأن يتزوج الفضولي امرأة برضاها فقيل إجازة زوج أختها كان ذلك نقضا للنكاح الأول، كذا ذكره في الفضول " الإستروشيني " م: (هذا) ش: أي ما قلنا من قيام المتعاقدين والمعقود عليه م: (إذا كان الثمن دينا) ش: في بيع الفضولي كالدراهم والدنانير والفلوس والكيلي والوزني الموصوف في الذمة بغير عينه.
م: (فإن كان عرضا) ش: أي مما يعين بالتعيين م: (معينا) ش: عين في العقد م: (إنما تصح الإجازة إذا كان العرض باقيا أيضا) ش: فهاهنا قيام خمسة أشياء يشترط البائع والمشتري والمالك والمبيع وقيام ذلك العرض فيما إذا كان الثمن دينا يشترط قيام الأربعة من الخمسة المذكورة فقط، والخامس وهو العرض فيما ليس بشرط. وفي الفصل الأول قيام الثمن في يد البائع ليس بشرط، فإن أجاز المالك بعد قيام الأربعة جاز البيع، ولو لم يجز المالك البيع وفسخه انفسخ البيع، وله أن يسترد المبيع ويرجع المشتري بالثمن على البائع إن كان نقده، ولو مات المالك قبل الإجازة انفسخ البيع.

(8/315)


ثم الإجازة إجازة نقد لا إجازة عقد، حتى يكون عرض الثمن مملوكا للفضولي، وعليه مثل المبيع إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا؛ لأنه شراء من وجه، والشراء لا يتوقف على الإجازة. ولو هلك المالك لا ينفذ بإجازة الوارث في الفصلين؛ لأنه توقف على إجازة المورث لنفسه فلا يجوز بإجازة غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الإجازة في بيع المقايضة]
م: (ثم الإجازة) ش: أي الإجازة في بيع المقايضة يعني فيما إذا كان الثمن عرضا م: (إجازة نقد) ش: أي ينقد الثمن من ماله، لأن العوضين إذا كان عرضا كان العقد شراء من وجه والشراء لا يتوقف بل ينفذ على الفضولي، فيصير ملكا له.
وبإجازة المالك لا ينتقل الملك إليه فيكون تأثير الإجازة في أن ينقد الفضولي الثمن من مال المجيز.
وهذا استقراض حصل في ضمن الشراء فيصح حكما له كما لو قال: اشتر لي عبد فلان بعبدك هذا فاشتره جاز وعلى الآمر قيمة عبد المأمور؛ لأنه صار كالمستقرض لعبده فيجب عليه مثله إن كان مثليا وقيمته إن لم يكن م: (لا إجازة عقد) ش: لأنه نقد م: (حتى يكون عرض الثمن مملوكا للفضولي) ش: كما ذكرناه الآن م: (وعليه) ش: أي على الفضولي م: (مثل المبيع إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا لأنه) ش: أي لأن البيع بالعرض م: (شراء من وجه) ش: لأنه بيع مقايضة م: (والشراء لا يتوقف على الإجازة) ش: أي على إجازة من اشترى له، لأن الأصل في التصرفات النفاذ والتوقف للضرورة، ولأن الأصل في تصرف الإنسان أن يكون واقفا على نفسه.
فإن قلت: لو كان كذلك لما صح العقد إذا باع الوكيل بالعرض، لأن الموكل وكله بالبيع لا بالشراء.
قلت: صح لأن التوكيل بالبيع مطلق، والبيع يكون بالدين والعين، والموكل عالم بذلك، فلما أطلق الوكالة صار كأنه قال: بعه بأي طريق شئت. فيجوز بأي طريق باع. م: (ولو هلك المالك لا ينفذ بإجازة الوارث) ش: أي وارث المالك م: (في الفصلين) ش: أي فيما إذا كان الثمن عرضا أو دينا.
فإن قلت: هو في الفصل الثاني مشتري فكان ينبغي أن ينفذ الشراء في حق الفضولي.
قلت: لا ينفذ لعجزه عن تسليم الثمن؛ لأنه ملك الغير وقد مات المالك قبل الإجازة.
م: (لأنه) ش: أي لأن بيع الفضولي م: (توقف على إجازة المورث لنفسه فلا يجوز بإجازة غيره) ش: لأن الإجازة عبارة عن اختيار العقد الذي باشره الفضولي والاختيار لا يحتمل النقل لأنه لا يتصور في الأعراض.

(8/316)


ولو أجاز المالك في حياته ولم يعلم حال المبيع جاز البيع في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الأصل بقاؤه، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك.
قال: ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري، ثم أجاز المولى البيع، فالعتق جائز؛ استحسانا، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه لا عتق بدون الملك، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: يشكل بأمة تزوجت بغير إذن مولاها ثم مات المولى فإنه ينعقد بإجازة الوارث إذا لم يحل له وطؤها.
قلت: الأمة تتصرف بأهليتها لأنها باقية على أصل الحرية فيما هو من خواص الآدمية، والنكاح من خواصها. وإنما يتوقف على إجازة المالك كيلا يتضرر والوارث مالك كالمورث، ولم يثبت له ملك بات ليبطل الملك الموقوف.
م: (ولو أجاز المالك في حياته) ش: ثم مات م: (ولم يعلم حال المبيع) ش: يعني باق أو غير باق م: (جاز البيع في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الأصل بقاؤه، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة) ش: وهو بقاء المسمى م: (فلا يثبت مع الشك) ش:
فإن قلت: الشك متساوي الطرفين وقد ترجح جانب الوجود هنا.
قلت: استصحاب الحال لا يصلح للإثبات، فسقط اعتبار ترجيح جانب الوجود، فصار متساوي الطرفين لتحقق الشك.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري ثم أجاز المولى البيع فالعتق جائز) ش: من المشتري م: (استحسانا، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " ولم يذكر فيها الاختلاف، ولهذا قالوا في شروح " الجامع الصغير ": إن العتق جائز اسحتسانا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: قياسا، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد وهو رواية عن أبي يوسف، وهذه المسألة هي المسألة التي جرت المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض هذا الكتاب عليه فإن أبا يوسف قال: ما رويت لك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العتق جائز، وإنما رويت أن العتق باطل.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل رويت لي أن العتق جائز م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا عتق بدون الملك) ش: عن أبي حنيفة م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا عتق فيما لا

(8/317)


يملك ابن آدم» ، والموقوف لا يفيد الملك، ولو ثبت في الآخرة يثبت مستندا، وهو ثابت من وجه دون وجه، والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا، ولهذا لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان، ولا أن يعتق المشتري والخيار للبائع ثم يجيز البائع، ذلك:
، وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب فيما نحن فيه مع أنه أسرع نفاذا حتى نفذ من الغاصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يملك ابن آدم» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ للترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك» .
وقال: حديث حسن صحيح وقد تقدم في كتاب العتق مع الكلام فيه مقتضى.
م: (والموقوف لا يفيد الملك) ش: أي الموقوف نفوذه على إجازة مالك ظاهر الملك وهو المغصوب منه، ألا ترى أن بيع الفضولي لا يفيد الملك للمشتري في الحال بالإجماع ولا ملك للمشتري من الغاصب في الحال.
م: (ولو ثبت في الآخرة) ش: بالفتحات بمعنى الأخير م: (يثبت مستندا) ش: إلى سببه وهو بيع الغاصب منه م: (وهو) ش: أي الملك الثابت بطريق الاستناد م: (ثابت من وجه دون وجه، والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» م: (ولهذا) ش: هذا استيضاح من المصنف بفروع تؤنس، ذكر منها قوله: م: (لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان) ش: وهو راجع إلى قوله: لأنه لا عتق بدون الملك.
فالغاصب إذا أعتق ثم أدى الضمان لا يعتق، وإن كانت المضمونات تملك مستندة إلى أول السبب لما قلنا: إن الملك المستند ثابت من وجه دون وجه م: (ولا أن يعتق المشتري، والخيار للبائع ثم يجيز البائع ذلك) ش: هذا راجع إلى قوله: والموقوف لا يفيد الملك، حاصله أنه لا ينفذ عتق المشتري العبد، والحال أن البائع كان بالخيار ثم أجاز البيع.

م: (وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب) ش: يعني أن المشتري من الغاصب إذا باع العبد المغصوب من الغير ثم أجاز المالك البيع الأول لا يصح هذا البيع الثاني، فكذلك إذا أعتق ينبغي أن يكون كذلك، وأراد بقوله م: (فيما نحن فيه) ش: المسألة المصدرة بقوله: ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري إلى آخره.
فالعتق لا يصح عند محمد كما ذكر م: (مع أنه) ش: أي أن البيع م: (أسرع نفاذا) ش: من العتق أي أقل احتياجا إلى الملك في النفوذ من العتق م: (حتى نفذ) ش: أي البيع م: (من الغاصب

(8/318)


إذا أدى الضمان، وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان، ولهما أن الملك ثبت موقوفا بتصرف مطلق موضوع لإفادة الملك، ولا ضرر فيه، على ما مر، فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه وينفذ بنفاذه، وصار كإعتاق المشتري من الراهن، وكإعتاق الوارث عبدا من التركة وهي مستغرقة بالديون يصح وينفذ إذا قضى الديون بعد ذلك، بخلاف إعتاق الغاصب بنفسه؛ لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا أدى الضمان، وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان) ش: يعني إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان يعني المشتري من الغاصب إذا أعتق العبد الذي اشتراه منه ثم ملكه الغاصب بأداء الضمان وأجاز العتق لا ينفذ.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (أن الملك ثبت موقوفا) ش: أي ثبت ملك المشتري من الغاصب موقوفا على إجازة مالك العبد م: (بتصرف مطلق) ش: بفتح اللام وقيل بالكسر، والأول أشهر، واحترز به عن البيع بشرط الخيار، لأن الملك ثمة لم يثبت أصلا لا موقوفا ولا باتا ووصف المطلق بوصفين أحدهما وهو قوله: م: (موضوع لإفادة الملك) ش: واحترز به عن الغصب فإنه لم يوضع لإفادة الملك، والآخر بقوله م: (ولا ضرر فيه) ش: أي في إعتاق المشتري م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخيره، كذا قاله الكاكي.
وقال الأترازي: على ما مر إشارة إلى قوله: ولنا أنه تصرف تمليك وقد صدر من أهله في محله إلى آخره. قلت: الأول أظهر م: (فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه) ش: أي على المالك الموقوف م: (وينفذ) ش: أي الإعتاق م: (بنفاذه) ش: أي بنفاذ الملك؛ لأنه من حقوقه، والشيء إذا فقد فقد بحقوقه، وإذا توقف توقف بحقوقه.
م: (وصار) ش: أي إعتاق المشتري من الغاصب م: (كإعتاق المشتري من الراهن) ش: فإنه يتوقف نفاذه على إجازة المرتهن أو فك الرهن، والجامع بينهما لأنه إعتاق في بيع موقوف م: (وكإعتاق الوارث عبدا من التركة وهي) ش: أي التركة، والحال أي والحال أن التركة م: (مستغرقة بالديون يصح) ش: أي الإعتاق موقوفا م: (وينفذ إذا قضى الديون بعد ذلك) ش: أي بعد إعتاق الوارث ثم شرع المصنف في الجواب عن المسائل المذكورة التي ذكرها محمد تثبتا لما ذهب إليه.
فقال: م: (بخلاف إعتاق الغاصب بنفسه) ش: حيث لم ينفذ بعد ضمان القيمة م: (لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك) ش: لأنه عدوان محض، وهذا التعليل لا يتم؛ لأنه يرد عليه أن ينفذ بيعه أيضا عند إجازة المالك لأنه لم يوضع لإفادة الملك كما لا ينفذ عتقه، لما أن كلا من جواز البيع والعتق يحتاج إلى الملك، ولكن وجه تمام التعليل بما ذكره في " المبسوط " بخلاف

(8/319)


وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار للبائع لأنه ليس بمطلق، وقران الشرط به يمنع انعقاده في حق الحكم أصلا. وبخلاف المشتري من الغاصب إذا باع؛ لأن بالإجازة يثبت للبائع ملك بات، فإذا طرأ على ملك موقوف لغيره أبطله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الغاصب إذا أعتق ثم ضمن القيمة، لأن المستند له حكم الملك لا حقيقة الملك، ولهذا لا يستحق الزوائد المنفصلة وحكم المالك يكفي لنفوذ البيع دون العتق كحكم ملك المكاتب في كسبه، وهاهنا الثابت للمشتري من وقت العقد حقيقة الملك، ولهذا استحق الزوائد المتصلة والمنفصلة جميعا، لأن الملك ثبت مطلقا لا ضرورة إذا للضمان.
م: (وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار للبائع) ش: حيث لا ينفذ العتق م: (لأنه) ش: أي لأن البيع بالخيار م: (ليس بمطلق) ش: أي غير تام م: (وقران الشرط به) ش: أي بالبيع أو بالعقد م: (يمنع انعقاده في حق الحكم أصلا) ش: فكان الملك معدوما مع وجود الخيار المانع، فلم يصادف إعتاق المشتري محال مملوكا له فيلغو.
م: (وبخلاف المشتري من الغاصب إذا باع) ش: هذا جواب عن المسألة الثالثة، بيانه أن الذي اشترى من الغاصب إذا باع ما اشتراه لا يتوقف بيعه بل يبطل م: (لأن بالإجازة) ش: أي بإجازة المبيع الأول م: (يثبت للبائع) ش: وهو المشتري من الغاصب م: (ملك بات) ش: أي من كل وجه م: (فإذا طرأ) ش: أي الملك البات م: (على ملك موقوف لغيره) ش: أي لغير المشتري من الغاصب وهو المشتري من المشتري من الغاصب م: (أبطله) ش: أي أبطل الملك الموقوف لغيره؛ لأنه لا يتصور اجتماع البات مع الموقوف في محل واحد والبيع بعد ما بطل لا يلحقه الإجازة، وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله مبطل للملك الموقوف بطروء الملك البات على الملك الموقوف.
فإن قيل: يشكل على هذا الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان ينقلب بيع الغاصب جائزا، وإن طرأ الملك الذي يثبت للغاصب بأداء الضمان على ملك المشتري الذي اشتراه منه وهو موقوف.
قلنا: إن ثبوت الملك للغاصب ضروري ثبت له ضرورة وجوب الضمان، فلم يظهر في حق إبطال ملك المشتري.
فإن قيل: لو كان الملك البات يبطل الملك الموقوف فأولى أن يمنعه، لأن المنع أسهل من الرفع، فعلى هذا يجب أن لا ينعقد بيع الفضولي، لأن للمالك ملكا باتا فيجب أن يمنع الفضولي عن الانعقاد لعدم اجتماع الملك الموقوف مع البات.
قلنا: البيع الموقوف غير موجود في حق المالك بل يوجد من الفضولي، فالمنع إنما يكون بعد

(8/320)


وأما إذا أدى الغاصب الضمان ينفذ إعتاق المشتري منه، كذا ذكره هلال وهو الأصح. قال: فإن قطعت يد العبد فأخذ أرشها، ثم أجاز البيع؛ فالأرش للمشتري؛ لأن الملك قد تم له من وقت الشراء، فتبين أن القطع حصل على ملكه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوجود، أي وجود المعارض ولا معارض هنا، بخلاف ما نحن فيه. فإن الملك البات ثبت للفضولي، والملك الموقوف ظهر في حقه فوقع التعارض بين الملكين فيرفع البات الموقوف.
وقال الأكمل: وفيه نظر لأن ما يكون بعد الوجود رفع لا منع، وفي الحقيقة هو مغالطة وإن كلامنا في أن طرأ الملك البات يبطل الموقوف وليس ملك المالك طارئا حتى يتوجه السؤال.

[إعتاق المشتري من الغاصب]
م (وأما إذا أدى الغاصب الضمان) ش: هذا جواب عن المسألة الرابعة بيانه أن الغاصب إذا أدى الضمان فلا نسلم له وأن إعتاق المشتري منه لا ينفذ كما قال محمد م: (ينفذ إعتاق المشتري منه) ش: أي من الغاصب م: (كذا ذكره هلال) ش: وهو هلال الري بن يحيى البصري صاحب " الوقف "، ومن قال: إنه الزازي فقد صحف م: (وهو الأصح) ش: أي نفاذ إعتاق المشتري من الغاصب هو الأصح، وفيه إشارة إلى أن فيه اختلاف المشايخ.
وقال علاء الدين العالم في " طريقة الخلاف ": فيه اختلاف المشايخ والأصح أنه ينفذ، وإليه أشار في وقف هلال، فإنه نفذ وقف المشتري من الغاصب إذا ملكه الغائب بالضمان والوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (فإن قطعت يد العبد) ش: أي في يد المشتري من الغاصب م: (فأخذ) ش: أي المشتري م: (أرشها ثم أجاز) ش: أي المولى م: (البيع) ش: أي بيع الغاصب م: (فالأرش) ش: أي فأرش اليد م: (للمشتري لأن الملك قد تم له) ش: بعد الإجازة م: (من وقت الشراء، فتبين أن القطع حصل على ملكه) ش: قال الأكمل: واعترض بما إذا غصب عبدا فقطعت يده وضمنه الغاصب فإنه لا يملك الأرض، وإن ملك المضمون، والفضولي إذا قال لامرأة: أمرك بيدك فطلقت نفسها ثم بلغ الخبر الزوج فأجاز صح التفويض دون التطليق وإن ثبت المالكية لها من حين التفويض حكما للإجازة. وأجيب عن الأول: بأن الملك في المغصوب ثبت ضرورة على ما عرف وهي تندفع مثبوتة من وقت الأداء فلا تملك الأرش لعدم حصوله في ملكه.
وعن الثاني: بأن الأصل أن كل تصرف يوقف حكمه على شيء أن يجعل معلقا بالشرط لا سببا منه وقت وجوده لئلا يتخلف الحكم عن السبب إلا فيما لا يحتمل التعليق بالشرط كالبيع ونحوه، فإنه يعتبر سببا من وقت وجوده متأخرا حكمه إلى وقت الإجازة فعندهما يثبت الملك من وقت العقد والتفويض مما يحتمله، فجعل الموجود من الفضولي معلقا بالإجازة

(8/321)


وهذا حجة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش، كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم رد في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا إذا قطعت يد المشتري في يد المشتري، والخيار للبائع، ثم أجيز البيع؛ فالأرش للمشتري. بخلاف الإعتاق على ما مر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعندهما يصير كأنه وجد الآن فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة.
م: (وهذا حجة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال الأترازي: إن كون أرش اليد للمشتري بعد الإجازة حجة عليه، يعني لما تم الملك من وقت الشراء حتى كان الأرش للمشتري كان ينبغي أن ينفذ إعتاق المشتري من الغاصب أيضا عنده، لأن الإعتاق يكون حينئذ في الملك وفي نسخة شيخي العلاء: وهذه حجة على محمد. قال الكاكي: أي هذه المسألة، وفي بعض النسخ وهو أي قوله: فتبين أن القطع ... إلى آخره، والأول أصح.
وجه كونها حجة أن الملك الثابت عنده بطريق الاستناد لا يكفي لنفوذ العتق ويكفي لاستحقاق الأرش، وعندهما يكفي لهما، وفي نسخة " الأكمل " وهذا أي كون الأرش للمشتري حجة على محمد في عدم تجويز الإعتاق في الملك الموقوف لما أنه لو لم يكن للمشتري شيء من الملك لما كان له الأرش عند الإجازة كما في الغصب، حيث لا يكون له ذلك عند أداء الضمان.
م: (والعذر له) ش: أي لمحمد، قال الكاكي: أي الجواب عن هذه المسألة. وقال الأترازي: أي جواب محمد عن هذا بأن يقول: م: (أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش) ش: والثابت بالاستناد ملك من وجه دون وجه م: (كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم رده في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا قطعت يد المشتري) ش: بفتح الراء وهو العبد م: (في يد المشتري) ش: بكسر الراء م: (والخيار للبائع) ش: الواو فيه للحال م: (ثم أجيز البيع فالأرش للمشتري) ش: بكسر الراء م: (بخلاف الإعتاق) ش: حيث لا ينفذ إعتاق المشتري فيما إذا كان الخيار للبائع م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: والمصحح للإعتاق هو الملك الكامل لا الملك من وجه دون وجه.
وفي " النهاية ": قوله: على ما مر هو قوله: وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار البائع لأنه ليس بمطلق، وقران الشرط به يقع انعقاده. وقال الأكمل: وقيل بخلاف الإعتاق متعلق بقوله إن الملك من وجه لاستحقاق الأرش، يعني أن إعتاق المشتري من الغاصب بعد الإجازة لا ينفذ عند محمد، لأن المصحح للإعتاق وهو الملك الكامل لا الملك من وجه دون وجه.
وقوله على ما مر إشارة إلى قوله: والمصحح الإعتاق هو الملك الكامل، وهذا أقرب،

(8/322)


ويتصدق بما زاد على نصف الثمن؛ لأنه لم يدخل في ضمانه أو فيه شبهة عدم الملك. قال: فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول لم يجز البيع الثاني لما ذكرنا، ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به، بخلاف الإعتاق عندهما لأنه لا يؤثر فيه الغرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أي أقرب من الوجه الذي ذكره في النهاية. ووجه الأقربية ما ذكرناه، وهو الذي ذكره الشراح.
م: (ويتصدق) ش: أي المشتري من الغاصب م: (بما زاد) ش: من أرش اليد م: (على نصف الثمن) ش: لأن أرش اليد الواحدة في المرء نصف الدية، وفي العبد نصف القيمة والذي دخل في ضمان المشتري بمقابلة اليد المقطوعة نصف الثمن وما زاد عليه لم يدخل في ضمانه فكان ربح ما لم يضمن فيتصدق بالفضل وهو حاصل معنى قوله: م: (لأنه لم يدخل في ضمانه) ش: أي لأن ما زاد على نصف الثمن لم يدخل في ضمان المشتري م: (أو فيه شبهة عدم الملك) ش: تعليل آخر، أي أو في أخذ الأرش بعد القبض شبهة عدم الملك، لأن الملك يثبت يوم القطع مستندا إلى وقت البيع وهو ثابت من وجه دون وجه فيكون فيه شبهة عدم الملك فلا يطيب الربح الحاصل به. وقال الأترازي: وفيه نظر؛ لأنه إذا كان بشبهة العدم اعتبار ينبغي أن يتصدق بجميع الأرش لا بالنظر وحده، انتهى.
قلت: كان ينبغي ألا يتصدق بشيء بالنظر إلى ثبوت الملك من كل وجه ولكن لما كان غير ثابت من كل وجه يتصدق بالربح فقط بالنظر إلى عدم ثبوت الملك من كل وجه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (فإن باعه المشتري من آخر) ش: أي فإن باع المشتري من الغاصب العبد من شخص آخر م: (ثم أجاز المولى البيع الأول لم يجز البيع الثاني لما ذكرنا) ش: أي بالإجازة يثبت للبائع ملك بات، والملك البات إذا طرأ على ملك موقوف لغيره أبطله م: (ولأن فيه) ش: أي في البيع الثاني م: (غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به) ش: أي بالغرر ولورود النهي عن بيع فيه غرر.
قيل: هذا التعليل شامل لبيع الغاصب من مشتريه وبيع الفضولي أيضا؛ لأنه يحتمل أن يجيز المالك بيعها وأن لا يجيز، ومع ذلك انعقد بيع الغاصب والفضولي موقوفا. وأجيب: بأن غرر الانفساخ في بيعهما عارضه النفع الذي يحصل للمالك المذكور فيما تقدم، فبالنظر إلى العذر يفسد وبالنظر إلى النفع وعدم الضرر يجوز فقلنا بالجواز الموقوف عملا بهما.
م: (بخلاف الإعتاق عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- حيث ينفذ إعتاق المشتري من الغاصب بعد الإجازة على قولهما م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (لا يؤثر فيه الغرر) ش: بدليل أن المشتري لو أعتق المبيع قبل القبض يجوز، ولو باعه لا يجوز، وقد

(8/323)


قال: فإن لم يبعه المشتري فمات في يده أو قتل، ثم أجاز البيع لم يجز؛ لما ذكرنا أن الإجازة من شرطها قيام المعقود عليه وقد فات بالموت، وكذا بالقتل إذ لا يمكن إيجاب البدل للمشتري بالقتل، حتى يعد باقيا ببقاء البدل؛ لأنه لا ملك للمشتري عند القتل ملكا يقابل بالبدل، فيتحقق الفوات، بخلاف البيع الصحيح؛ لأن ملك المشتري ثابت فأمكن إيجاب البدل له فيكون المبيع قائما بقيام خلفه.
قال: ومن باع عبد غيره بغير أمره، وأقام المشتري البينة على إقرار البائع أو رب العبد أنه لم يأمره بالبيع، وأراد رد البيع لم تقبل بينته؛ للتناقض في الدعوى، إذ الإقدام على الشراء إقرار منه بصحتة، والبينة مبنية على صحة الدعوى. وإن أقر البائع بذلك عند القاضي بطل البيع إن طلب المشتري ذلك؛ لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روي عن أبي حنيفة أنه يتوقف البيع كما يتوقف الإعتاق.
م: (قال) ش: أي المصنف، لأن محمدا لم يذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير "، ولكن الشراح ذكروها، وصاحب " الهداية " ذكرها تفريعا كما ذكرها الشراح م: (فإن لم يبعه المشتري) ش: أي المشتري من الغاصب م: (فمات) ش: أي العبد م: (في يده) ش: أي في يد المشتري م: (أو قتل ثم أجاز) ش: أي المالك م: (البيع) ش: أي بيع الغاصب م: (لم يجز) ش: بالاتفاق م: (لما ذكرنا أن الإجازة من شرطها قيام المعقود عليه وقد فات بالموت، وكذا بالقتل إذ لا يمكن إيجاب البدل للمشتري بالقتل حتى يعد باقيا ببقاء البدل؛ لأنه لا ملك للمشتري عند القتل ملكا يقابل بالبدل فيتحقق الفوات. بخلاف البيع الصحيح) ش: يعني البيع الصحيح إذا قتل العبد قبل القبض يمكن إيجاب البدل للمشتري م: (لأن ملك المشتري ثابت فأمكن إيجاب البدل له فيكون المبيع قائما بقيام خلفه) ش: وهو القيمة والمشتري بالخيار فإن اختار البدل كان البدل له.

[باع عبد غيره بغير أمره]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع عبد غيره بغير أمره) ش: صورته في " الجامع " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل باع عبد رجل بغير أمر صاحبه فقال المشتري: أرد البيع لأنك بعتني بغير أمر صاحبه وجحد البائع ذلك م: (وأقام المشتري البينة على إقرار البائع أو رب العبد) ش: أي وأقام البينة على رب العبد م: (أنه لم يأمره بالبيع وأراد رد البيع لم تقبل بينته للتناقض في الدعوى) ش: لأن صحة البينة عند صحة الدعوى، وهنا بطلت الدعوى م: (إذ الإقدام) ش: أي لأن إقدام المشتري م: (على الشراء إقرار منه بصحته) ش: أي صحة الشراء وأن البائع ملك البيع م: (والبينة مبنية على صحة الدعوى) ش: والدعوى غير صحيحة لما قلنا.
م: (وإن أقر البائع بذلك) ش: أي بأنه باعه بغير أمره عند القاضي أو عند غير القاضي إلا أن البينة تختص بمجلس القاضي فلهذا ذكر م: (عند القاضي بطل البيع إن طلب المشتري ذلك) ش: أي إبطال البيع م: (لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار) ش: ألا ترى أن من أنكر شيئا ثم أقر بذلك

(8/324)


فللمشتري أن يساعده على ذلك فيتحقق الاتفاق بينهما، فلهذا شرط طلب المشتري. قال: وذكر في الزيادات أن المشتري إذا صدق مدعيه ثم أقام البينة على إقرار البائع أنه للمستحق تقبل، وفرقوا أن العبد في هذه المسألة في يد المشتري، وفي تلك المسألة في يد غيره وهو المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن لا يكون العين سالما للمشتري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صح إقراره، إلا أن الإقرار حجة قاصرة نافذ في حق الغير خاصة م: (فللمشتري أن يساعده على ذلك) ش: أي يوافق البائع على إقراره.
فإذا ساعده م: (فيتحقق الاتفاق بينهما) ش: فينفذ عليهما م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (شرط طلب المشتري) ش: حتى يكون نقضا باتفاقهما.
ثم ذكر المصنف مسألة الزيادات نقضا على مسألة " الجامع الصغير " بقوله م: (قال) ش: أي المصنف م: (وذكر في الزيادات) ش: في الباب الثالث من الكتاب م: (أن المشتري إذا صدق مدعيه) ش: يوضحه رجل ادعى على المشتري بأن ذلك العبد له وصدقه المشتري في ذلك م: (ثم أقام البينة على إقرار البائع أنه) ش: أي أن البيع م: (للمستحق) ش: أي هذا المستحق م: (تقبل) ش: وإن تناقض في دعواه.
م: (وفرقوا) ش: أي المشايخ بين رواية " الجامع الصغير " والزيادات م: (أن العبد في هذه المسألة) ش: أي في مسألة " الجامع الصغير " م: (في يد المشتري) ش: فيكون سالما له فلا يثبت له حق الرجوع بالثمن مع سلامة المبيع، لأن شرط الرجوع بالثمن عدم سلامة المبيع م: (وفي تلك المسألة) ش: أي في مسألة الزيادات م: (في يد غيره) ش: أن العبد المبيع في يد غيره م: (وهو المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن لا يكون العين سالما للمشتري) ش: وهاهنا لم يسلم فله الرجوع لوجدان شرطه.
وقال الأترازي: ولنا في هذا الفرق نظر، لأن وضع المسألة في الزيادات أيضا في العبد في يد المشتري، ولئن قلنا: إن العبد في يد المستحق فلا نسلم أن البينة تقبل حينئذ، لأن التناقض في الدعوى موجود لا محالة كما بينا، ومبنى البينة على صحة الدعوى فلم تصح فلا تصح البينة، والأولى أن يقال: إن المشتري أقام البينة على قرار البائع أو رب العبد قبل البيع في مسألة " الجامع الصغير "، فلهذا لم تقبل البينة للتناقض وفي مسألة الزيادات أقام البينة على الإقرار بعد البيع، فلم يلزم التناقض فقبلت البينة، انتهى. وقد نقل الأكمل هذا بقوله: قيل في هذا الفرق نظر إلى آخره.
ثم قال: قال صاحب " النهاية ": ولم يتضح لي فيه شيء سوى هذه بعد أن تأملت فيه برهة من الدهر وفيه نظر، لأن التوفيق في وضع " الجامع الصغير " ممكن لجواز أن يكون المشتري أقدم

(8/325)


قال: ومن باع دارا لرجل وأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع، عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف آخرا، وكان يقول أولا: يضمن البائع، وهو قول محمد، وهي مسألة غصب العقار، وسنبينه في الغصب إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الشراء ولم يعلم بإقرار البائع لعدم الأمر، ثم ظهر له ذلك بأن قال عدول: سمعناه قبل البيع أقر بذلك ويشهدون به، ومثل ذلك ليس بمانع، وهذا الموضع موضع تأمل.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع دارا لرجل) ش: أي باع دار غيره بغير أمره، وفي جامع فخر الإسلام: ومعنى المسألة إذا باعها ثم اعترف بالغصب وكذبه المشتري م: (وأدخلها المشتري في بنائه) ش: يعني قبضها، وإنما قيد بهذا لأن المسألة هكذا وقعت م: (لم يضمن البائع) ش: أي قيمة الدار إن أقر أنه غصب منه م: (عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف آخرا، وكان يقول أولا: يضمن البائع وهو قول محمد، وهي مسألة غصب العقار، وسنبينه في الغصب) ش: أي في كتاب الغصب م: (إن شاء الله تعالى) ش: والله القادر على ذلك.
فروع: عقدان موقوفان أجيزا وتوافقا كالبيعين ثبتا، ولو تنافيا ثبت إقرارهما كالبيع والنكاح وإلا بطلا كالنكاحين. ولو اجتمع بيعان في عقد من فضوليين وأجيزا معا أخذ كل واحد النصف أو ترك، لأن كل واحد شرع في العقد على أن العبد كله له، فإذا انتصف يجوز، والبيع أحق من النكاح والإجارة والرهن، حتى لو باعه فضولي والآخر رهنه أو أجره أو زوجه فأجازهما المولى جاز البيع وبطل غيره، لأن البيع أقوى لأنه يفيد ملك الرقبة ولا كذلك غيره، والكتابة والتدبير أحق من غيرهما؛ لأنها لازمة، بخلاف غيرها، والهبة والإجارة أحق من الرهن، لأن الهبة تفيد ملك الرقبة والإجارة ملك المنفعة ولا كذلك الرهن والهبة أحق من الهبة في الدار، فإن الهبة تبطل بالشروع ويبقى البيع بلا مزاحم، وفي العبد استويا لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في إفادة الملك، وكل واحد يأخذ بالنصب، لأن هبة المشاع فيما لا يقيم صحيحة، م: (والله أعلم بالصواب) .

(8/326)