البناية شرح الهداية

كتاب الصرف
قال: الصرف هو البيع إذا كان كل واحد من عوضيه من جنس الأثمان، سمي به للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد. والصرف هو النقل والرد لغة، أو لأنه لا يطلب منه إلا الزيادة إذ لا ينتفع بعينه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الصرف]
م: (كتاب الصرف) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الصرف. وجه تأخير كتاب الصرف عن بيان أنواع البيوع أنه ذكر في أول باب السلم، أو لأن الصرف بيع الأثمان والثمن في البياعات يجري مجرى الوصف، والمبيع يجري مجرى الأصل لتوقف جواز البيع إلى وجود المبيع دون الثمن والوصف تابع للأصل.

[تعريف الصرف]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الصرف هو البيع) ش: وفي " المبسوط ": الصرف اسم لنوع بيع وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض، أشار إليه المصنف بقوله: م: (إذا كان كل واحد من عوضيه) ش: أي من عوضي البيع م: (من جنس الأثمان) ش: إنما قال من جنس الأثمان ولم يقل من الأثمان؛ لأن عقد الصرف يشمل التبر والحلي والمضروب والمخلوط، وقال الإمام الأسبيجابي: الصرف اسم لعقود ثلاثة بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة أو أحدهما بالآخر، فما اختص باسم الصرف اختص بشرائط ثلاثة، وجود التقابض من الجانبين جميعا قبل التفرق بالأبدان، وعدم اشتراط الخيار فيه.
ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل التفرق انقلب العقد جائزا عندنا خلافا لزفر، ولا يكون فيه تأجيل م: (سمي به) ش: أي سمي هذا العقد بالصرف م: (للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد) ش: أي لحاجة المتصارفين إلى نقل الثمن من يد أحدهما إلى يد الآخر.
م: (والصرف هو النقل والرد لغة) ش: أي يعني الصرف لغة هو النقل والرد، كذا قاله الخليل. ومنه سميت العبادة النافلة صرفا، وذكر في كتاب " العين " للخليل: الصرف فضل الدرهم على الدرهم في القيمة، وقال ابن دريد في " الجمهرة ": وقال بعض أهل اللغة: الصرف الفريضة والعدل النافلة. وقال قوم: الصرف الوزن والعدل الكيل م: (أو لأنه) ش: أي لأن الصرف عقد م: (لا يطلب منه إلا الزيادة) ش: أي لأنه عقد يرد على مال لا يطلب منه ذاته، بل يطلب منه الفضل م: (إذ لا ينتفع بعينه) ش: أي بعين ما يكون ثمنا خلقة فإن غير الدراهم والدنانير ينتفع بعينه كاللحم والثوب وغيرهما من أشياء غير النقدين، فيجوز أن تكون الفائدة والمقصود في بيعها الانتفاع بها لا الزيادة.

(8/393)


والصرف هو الزيادة لغة، كذا قاله الخليل،
ومنه سميت العبادة النافلة صرفا.
قال: فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل، وإن اختلفا في الجودة والصياغة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، وزنا بوزن، يدا بيد والفضل ربا» الحديث، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» وقد ذكرناه في البيوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أما في بيع الصرف لو لم يكن المطلوب الزيادة فيخلو عن الفائدة م: (والصرف هو الزيادة لغة، كذا قاله الخليل) ش: فكانت إرادة الزيادة مطلوبة في بيعها، فلهذا اختص هذا البيع بلفظ الصرف، وعن هذا قيل لمن يعرف هذا الفضل والزيادة صراف وصيرفي.

م: (ومنه) ش: أي ومن القول بأن الصرف لغة الزيادة م: (سميت العبادة النافلة صرفا) ش: لأنها زائدة على الفرائض. وقال الأترازي: وأما قوله: سميت العبادة النافلة صرفا ففيه نظر، لأن الزمخشري أورد في فائقه في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذكر المدينة: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ، فقال: الصرف التوبة لأنه صرف للنفس إلى البر عن الفجور والعدل العدية من المعادلة انتهى. قلت: لا وجه في هذا النظر أصلا، لأن الصرف ورد لمعان كثيرة وقد ذكرناها الآن.

[باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل وإن اختلفا) ش: أي العوضان م: (في الجودة والصياغة) ش: أما في الجودة بأن يكون أحدهم أجود من الآخر في ذاته، وأما الصياغة بأن يكون أحدهما أحسن صياغة من الآخر م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد والفضل ربا» ش: هذا الحديث قد تقدم في باب الربا م: (الحديث) ش: بالنصب، أي اقرأ هذا الحديث بتمامه، ويجوز بالرفع، أي روي هذا الحديث بتمامه وقد تقدم تمامه هناك.
م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جيد الأموال الربوية ورديئها سواء في حرمة الزيادة، وهذا الحديث غريب ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد الخدري المتقدم وهو ما رواه مسلم عنه، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الأخذ والعطاء فيه سواء» . وفي حديث عبادة بن الصامت: «الذهب بالذهب» - إلى قوله- «سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» م: (وقد ذكرناه) ش: أي الحديث المذكور م: (في البيوع) ش: أي في كتاب البيوع.

(8/394)


قال: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق لما روينا، ولقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره. ولأنه لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن بيع الكالئ بالكالئ، ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق الربا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[بيع الكالئ بالكالئ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) ش: يعني قبل الافتراق بالأبدان بإجماع العلماء م: (لما روينا) ش: وهو قوله: «يدا بيد» م: (ولقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره) ش: هذا رواه محمد بن الحسن في أوائل كتاب الصرف، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض، لا يباع منها غائب بناجز، فإني أخاف عليكم الربا وإن استنظرك إلى أن يدخل بيته فلا تنظره، انتهى.
قوله: استنظرك يخاطب به أحد عاقدي الصرف يعني إن سألك صاحبك أن يدخل بيته لإخراج بدل الصرف فلا تمهله، وقال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي: وعن ابن عمر أنه قال: إن وثب من سطح فثب معه.
وقال الأترازي: الربا إما بالمد يعني الربا، وهذا الذي ذكرناه كله دليل على وجوب التقابض قبل الافتراق. وفي "فوائد" القدوري: المراد بالقبض هنا القبض بالتزاحم لا بالتخلية، وهذا القبض شرط بقاء العقد على الصحة، لا شرط انعقاده صحيحا، يدل عليه قوله: فإن افترقا بطل العقد، والمشي إنما يبطل بعد وجوده.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن بيع الكالئ بالكالئ) ش: أي النسيئة بالنسيئة، «ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الكالئ بالكالئ» . رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع كالئ بكالئ يعني دينا بدين.» م: (ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق) ش: بالنصب لأنه جواب النفي، وهو قوله: لا بد، والمعنى كيلا يتحقق م: (الربا) ش: إذ في عدم قبض الآخر شبهة بيع النقد بالنسيئة، فيتحقق شبهة الربا وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: يشكل على هذا التعليل ما إذا باعا المصوغ بالمضروب، فإن المصوغ مما يتعين بالتعيين، ومع ذلك يشترط قبضها إذ النسيئة بالنسيئة أن ما تكون باعتبار عدم التعيين، ومع ذلك يشترط قبضها، لكن فيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة فيشترط قبضه اعتبارا بالشبهة في باب

(8/395)


ولأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فوجب قبضهما، سواء كانا يتعينان كالمصوغ، أو لا يتعينان كالمضروب أو يتعين أحدهما ولا يتعين الآخر لإطلاق ما روينا. ولأنه إن كان يتعين ففيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة، فيشترط قبضه اعتبارا للشبهة في الربا،
قال: والمراد منه الافتراق بالأبدان، حتى لو ذهبا عن المجلس يمشيان معا في جهة واحدة، أو ناما في المجلس، أو أغمي عليهما لا يبطل الصرف لقول ابن عمر: وإن وثب من سطح فثب معه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الربا.
م: (ولأن أحدهما) ش: دليل آخر، ولأن أحد العوضين م: (ليس بأولى) ش: بالقبض م: (من الآخر فوجب قبضهما سواء كانا يتعينان كالمصوغ) ش: والتبر م: (أو لا يتعينان كالمضروب، أو يتعين أحدهما ولا يتعين الآخر لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذهب بالذهب مثلا بمثل» : وهو يتناول المضروب وغيره م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيع المصوغ بالمصوغ م: (إن كان يتعين) ش: يعني بالتعيين م: (ففيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة) ش: أي لكونه خلق ثمنا، فإذا كان كذلك م: (فيشترط قبضه اعتبارا للشبهة في الربا) ش: حاصل هذا أن قوله: ولأنه إن كان يتعين جواب عما يقال: بيع المضروب بلا قبض لا يصح لأنه كالئ بكالئ، وبيع المصوغ بالمصوغ ليس كذلك لتعينه بالتعيين فأجاب بقوله ولأنه إلى آخره.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: فعلى هذا -أي على الذي ذكره المصنف- يلزم في بيع المضروب بالمصوغ نسيئة بشبهة الفضل، فإذا بيع مضروب بمصوغ نسيئة وهو مما يتعين كان بالنظر إلى كونه خلق ثمنا شبهة عدم التعيين وتلك شبهة زائدة على الشبهة الأولى، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها.
أجيب: بأن عدم الجواز في المضروب نسيئة بقوله يدا بيد لا بالشبهة، لأن الحكم في موضع النص يضاف إليه لا إلى العلة فتكون الحرمة في هذه الصورة باعتبار النص لا الشبهة.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والمراد منه) ش: أي من قوله قبل الافتراق م: (الافتراق بالأبدان) ش: دون المكان م: (حتى لو ذهبا عن المجلس) ش: أي المتعاقدان بالصرف حال كونهما م: (يمشيان معا في جهة واحدة) ش: قيد بمعا لأنهما لو مشيا في جهتين مختلفتين يبطل الصرف لوجود الافتراق بالأبدان م: (أو ناما في المجلس أو أغمي عليهما لا يبطل الصرف لقول ابن عمر) ش: أي لقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (وإن وثب من سطح فثب معه) ش: وقد مر الكلام في قول ابن عمر هذا عن قريب.
وقوله: فثب بكسر الثاء المثلثة وسكون الباء أمر من وثب يثب، وأصل يثب يوثب فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، والأمر منه: ثب على وزن عل، لأن المحذوف منها فاء الفعل م:

(8/396)


وكذا المعتبر ما ذكرناه في قبض رأس مال السلم، بخلاف خيار المخيرة لأنه يبطل بالإعراض.

وإن باع الذهب بالفضة جاز التفاضل لعدم المجانسة ووجب التقابض لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» ،
فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد لفوات الشرط وهو القبض، ولهذا لا يصح شرط الخيار فيه،
ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وكذا المعتبر ما ذكرناه) ش: أي وكذا الذي يعتبر ما ذكرناه وهو الافتراق بالأبدان م: (في قبض رأس مال السلم) ش: أراد أن قبض رأس المال قبل الافتراق بالأبدان في السلم شرط.
م: (بخلاف خيار المخيرة) ش: هذا يرتبط بقوله: لا يبطل الصرف، يعني أن الصرف لا يبطل بذهاب العاقدين معا وخيار المخيرة يبطل م: (لأنه) ش: أي لأن خيارها م: (يبطل بالإعراض) ش: لأن اشتغالها بالمشي وإن كان زوجها معها دليل الإعراض عما جعل إليها فيبطل خيارها وإن لم تفارق الزوج، كذا قال القدوري في شرحه.
وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أنه جعل الصرف بمنزلة خيار المخيرة حتى قال: يبطل بما هو دليل الإعراض كالقيام عن المجلس، كذا في " الذخيرة ".

[باع الذهب بالفضة]
م: (وإن باع الذهب بالفضة جاز التفاضل لعدم المجانسة ووجب التقابض لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» . الورق بكسر الراء الفضة.
قوله: ربا أي حرام، بطريق إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا، وذلك لأن الربا يستلزم الحرام، قوله هاء وهاء مقصوران وممدودان ومعنى هاء خذ، ومنه قَوْله تَعَالَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الحاقة: الآية 19) .
وقال الكاكي: وفي بعض الروايات «إلا يدا بيد هاء وهاء» وهو تأكيد لقوله يدا بيد، كأنه قال إلا يدا مع التقابض، كذا في " المغرب ".
قلت: ولم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث.

[افترقا في الصرف قبل قبض العوضين]
م: (فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين) ش: هذا متعلق بقوله: ولا بد من قبض العوضين لبقاء العقد م: (أو أحدهما) ش: أي أو أحد المتعاقدين م: (بطل العقد لفوات الشرط وهو القبض، ولهذا) ش: أي ولأن الافتراق بلا قبض مبطل م: (لا يصح شرط الخيار فيه) ش: أي في الصرف، قيد بشرط الخيار لأن خيار العيب وخيار الرؤية يثبتان في الصرف كما في سائر العقود، إلا أن خيار الرؤية لا يثبت إلا في العين، وقد مر ذلك في أول كتاب الصرف م: (ولا

(8/397)


الأجل؛ لأن بأحدهما لا يبقى القبض مستحقا، وبالثاني يفوت القبض المستحق، إلا إذا أسقط الخيار في المجلس فيعود إلى الجواز لارتفاعه قبل تقرره، وفيه خلاف زفر. قال: ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه، حتى لو باع دينارا بعشرة دراهم، ولم يقبض العشرة حتى اشترى بها ثوبا فالبيع في الثوب فاسد؛ لأن القبض مستحق بالعقد حقا لله تعالى وفي تجويزه فواته، وكان ينبغي أن يجوز العقد في الثوب كما نقل عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الدراهم لا تتعين فينصرف العقد إلى مطلقها، ولكنا نقول: الثمن في باب الصرف مبيع؛ لأن البيع لا بد له منه ولا شيء سوى الثمنين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأجل) ش: أي ولا يصح الأجل فيه أيضا م: (لأن بأحدهما) ش: وهو شرط الخيار م: (لا يبقى القبض مستحقا) ش: لأن الخيار يمنع الملك م: (وبالثاني) ش: أي الأجل م: (يفوت القبض المستحق) ش: بالعقد م: (إلا إذا أسقط الخيار في المجلس) ش: يعني منهما إن كان الخيار لهما أو ممن له ذلك م: (فيعود إلى الجواز) ش: أي جواز العقد م: (لارتفاعه قبل تقرره، وفيه خلاف زفر) ش: أي لارتفاع سبب الفساد قبل تقرره، وهذا عن أصحابنا الثلاثة بالاستحسان والقياس أن لا يجوز العقد بعد وقوعه على فساد وهو قول زفر.

[التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه]
م: (قال: ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه) ش: هذا لفظ القدوري. قال الأترازي: اعلم أن أحد المتعاقدين في الصرف إذا أبرأ صاحبه مما عليه قبل القبض أو وهبه أو تصدق به عليه وقبل الآخر بطل الدين وانتقض الصرف، وإن لم يقبل من عليه لم يبطل م: (حتى لو باع دينارا) ش: إيضاح لما قبله، يعني ولو باع شخص دينارا لرجل آخر م: (بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة، حتى اشترى بها ثوبا فالبيع في الثوب فاسد، لأن القبض مستحق) ش: أي واجب م: (بالعقد حقا لله تعالى) ش: حتى لا يسقط بإسقاط المتعاقدين م: (وفي تجويزه) ش: أي وفي تجويز بيع الثوب م: (فواته) ش: أي فوات حق الله عز وجل.
فإن قيل: في عدم تجويزه فوات حق العبد وحق العبد مقدم على حقه تعالى.
قلنا: إنما يكون حق العبد مقدما بعدما ثبت حقه، وهاهنا لم يجز بيعه في الثوب فكيف يكون حقه مقدما؟
م: (وكان ينبغي أن يجوز العقد في الثوب كما نقل عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الدراهم لا تتعين فينصرف العقد إلى مطلقها) ش: أي مطلق الدراهم، إذ الإطلاق والإضافة إلى بدل عقد الصرف سواء، وإنما قال: عن زفر لأن الظاهر من مذهبه كمذهب أصحابنا الثلاثة م: (ولكنا نقول الثمن في باب الصرف مبيع؛ لأن البيع لا بد له منه) ش: أي من المبيع م: (ولا شيء سوى الثمنين) ش: فجعل كل واحد منهما مبيعا لعدم الأولوية يعني أن عقد الصرف بيع لأنه مبادلة مال بمال، وهذا لو

(8/398)


فيجعل كل واحد منهما مبيعا لعدم الأولوية. وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز، وليس من الضرورة كونه مبيعا أن يكون متعينا كما في المسلم فيه. ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة؛ لأن المساواة غير مشروطة فيه، ولكن يشترط القبض في المجلس لما ذكرنا، بخلاف بيعه بجنسه مجازفة لما فيه من احتمال الربا.
قال: ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة
وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حلف لا يبيع فصارف يحنث في يمينه، والبيع ما يشتمل على مبيع وثمن وليس كل واحد من بدلي الصرف بأن يجعل مبيعا أولى من الآخر م: (فيجعل كل واحد منهما) ش: ثمنا من وجه م: (مبيعا لعدم الأولوية) ش: من وجه ضرورة انعقاد البيع.
م: (وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز) ش: كما قلنا في المقايضة م: (وليس من ضرورة كونه مبيعا أن يكون متعينا كما في المسلم فيه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره بأن يقال: لو كان كل واحد من بدلي الصرف مبيعا لكان متعينا. فأجاب عنه بمنع الملازمة كما في المسلم فيه، لأنه مبيع واجب في الذمة وليس بمتعين.
م: (ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعلم أن بيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب يجوز مجازفة سواء كان متساويين في الوزن أو أقل أو كان أحدهما أكثر من الآخر؛ لأن المساواة ليست بمشروطة عند اختلاف الجنسين لما روي من حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» فلما لم تكن المساواة مشروطة لم تكن المجازفة حراما، لأن حرمة المجازفة لاحتمال التفاضل وهو معنى قوله م: (لأن المساواة غير مشروطة فيه) ش: أي في بيع الذهب بالفضة م: (ولكن يشترط القبض في المجلس) ش: أي يشترط التقابض قبل الافتراق بالأبدان لهذا الحديث، وهو معنى قوله: م: (لما ذكرنا) ش: أي الحديث الذي ذكره فيما مضى وفي البيوع أيضا.
م: (بخلاف بيعه) ش: أي بيع الذهب م: (بجنسه) ش: أي بالذهب م: (مجازفة لما فيه) ش: أي في هذا البيع م: (من احتمال الربا) ش: حاصل المسألة أن بيع الذهب أو الفضة بالجنس لا يجوز إذا لم يعرف المتعاقدان وزن واحد منهما أو كانا يعرفان وزن واحد منهما ولا يعرفان وزن الآخر أو كان أحدهما يعرف الوزن دون الآخر.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وزنا فوجدهما سواء جاز، سواء عرف في المجلس أو بعد التفرق، وعندنا إذا وزنا في المجلس فكانا سواء جاز، وإن وزنا بعد التفرق فوجدا سواء فسد.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي

(8/399)


عنقها طوق فضة قيمته ألف مثقال بألفي مثقال فضة، ونقد من الثمن ألف مثقال، ثم افترقا فالذي نقد ثمن الفضة؛ لأن قبض حصة الطوق واجب في المجلس لكونه بدل الصرف والظاهر منه الإتيان بالواجب، وكذا لو اشتراهما بألفي مثقال، ألف نسيئة وألف نقدا فالنقد ثمن الطوق؛ لأن الأجل باطل في الصرف جائز في بيع الجارية، والمباشرة على وجه الجواز هو الظاهر منهما، وكذا لو باع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون ودفع من الثمن خمسين جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة، وإن لم يبين ذلك لما بينا، وكذلك إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما؛ لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد، قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: الآية 22) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنقها طوق فضة قيمته ألف مثقال بألفي مثقال فضة، ونقد من الثمن ألف مثقال، ثم افترقا فالذي نقد ثمن الفضة، لأن قبض حصة الطوق واجب في المجلس) ش: لكونه حقًا للشرع م: (لكونه بدل الصرف، والظاهر منه الإتيان بالواجب) ش: تفريغا للذمة، لأن من حال المسلم أن يؤدي الواجب ولا يخل به، وهذا كما إذا ترك سجدة في صلاة صلبية وسها أيضا ثم أتى بسجدة في السهو في آخر الصلاة وسلم فصرف إحداهما إلى الصلبية وإن لم ينوها لكون الإتيان بها على وجه الصحة. وكذا لو طاف للصدر ولم يطف للزيارة بطواف الصدر إلى طواف الزيارة ليكون الإتيان بالحج على وجه الصحة والخروج عن العهدة بيقين.

م: (وكذا لو اشتراهما) ش: أي الجارية والطوق م: (بألفي مثقال ألف نسيئة وألف نقدا فالنقد ثمن الطوق؛ لأن الأجل باطل في الصرف جائز في بيع الجارية) ش: والظاهر من حالهما المباشرة على وجه الجواز، وهو معنى قوله م: (والمباشرة على وجه الجواز هو الظاهر منهما) ش: أي من المتعاقدين م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (لو باع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون، ودفع من الثمن خمسين جاز البيع، وكان المقبوض حصة الفضة، وإن لم يبين ذلك لما بينا) ش: من قولنا: إن الظاهر منه الإتيان بالواجب.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما) ش: أي من ثمن الجارية ومن ثمن الطوق، لأن أمور المسلمين محمولة على
إصلاح
ما أمكن وقد أمكن هنا م: (لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد) ش: مجازا عند قيام الدليل، وقد قام الدليل لأن ثمن الطوق واجب في المجلس ونظر المصنف لذلك بقوله م: (قال الله تعال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: الآية 22)) ش: أي من البحرين العذب والملح، والمراد أحدهما، إذ اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الملح دون العذب لما أن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كالعاج للملح، كما يقال الولد من الذكر والأنثى مع أن الولد تلده الأنثى، كذا في " التيسير ".

(8/400)


والمراد أحدهما فيحمل عليه بظاهر حاله،
فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية؛ لأنه صرف فيها، وكذا في السيف، إن كان لا يتخلص إلا بضرر؛ لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر، ولهذا لا يجوز إفراده بالبيع كالجذع في السقف. وإن كان يتخلص السيف بغير ضرر جاز البيع في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمراد أحدهما) ش: أي أحد البحرين وهو البحر الملح م: (فيحمل عليه) ش: أي قوله خذ هذه الخمسين من ثمنيهما على أحدهما، وهو الطوق م: (بظاهر حاله) ش: أي حال المسلم أنه لا يباشر إلا على وجه الجواز.

[لم يتقابضا حتى افترقا بالأبدان]
م: (فإن لم يتقابضا حتى افترقا) ش: بالأبدان م: (بطل العقد في الحلية؛ لأنه صرف فيها) ش: أي في العقد وقد فات شرطه م: (وكذا في السيف) ش: أي وكذا بطل العقد في السيف أيضا م: (إن كان لا يتخلص) ش: أي الحلية م: (إلا بضرر؛ لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر) ش: كما لا يجب تسليم الجوهر على الغاصب إذا ركبه في حلية ولا يمكن تخليصه إلا بضرر فيلحق بالغصب مع أنه جاز.
فإن قيل: ينبغي أن يجعل الحلية تبعا للسيف.
قلنا: إنما يجعل الشيء تبعا لغيره إذا كان مكيلا للمعنى المقصود، وهاهنا المقصود من السيف.
فإن قيل: إن البائع رضي بضرر التخليص حيث باعه مركبا مع علمه أن البيع يقتضي الرضا ولم يوجد من الغاصب رضا ضرر التخليص.
قلنا: لا نسلم أنه رضي به لأنه باع كليهما وظنه وجوب التسليم بالسيف لا بطريق الانفراد.
فإن قيل: فيه تفريق الصفقة فينبغي أن لا يجوز في الكل.
قلنا: التفريق إنما يكون بعد العقد والعقد لم ينعقد في الحلية لفقد شرط الجواز.
فإن قيل: ليس كذلك فإن العقد موجود فيهما بدليل قوله: وبطل العقد.
قيل: اختلف المشايخ فيه على أن التفريق إنما يكون أن لو كان هذا مضافا إلى العاقد كما في النظائر ولم يوجد، إذ المراد بالبطلان عدم الانعقاد.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم إمكان تسليمه إلا بضرر م: (لا يجوز إفراده) ش: أي إفراد السيف م: (بالبيع كالجذع في السقف) ش: أي كما لا يجوز إفراد بيع الجذع في السقف لعدم إمكان تسليمه إلا بضرر ظاهر م: (وإن كان يتخلص السيف) ش: أي في الحلية م: (بغير ضرر جاز البيع في

(8/401)


السيف وبطل في الحلية؛ لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والجارية، وهذا إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه، فإن كانت مثله أو أقل منه أو لا يدري لا يجوز البيع للربا أو لاحتماله، وجهة الصحة من وجه وجهة الفساد من وجهين فترجحت.

قال: ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض وصح فيما قبض، وكان الإناء مشتركا بينهما؛ لأنه صرف كله فصح فيما وجد شرطه وبطل فيما لم يوجد، والفساد طارئ لأنه يصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع. ولو استحق بعض الإناء فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السيف وبطل في الحلية؛ لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والجارية) ش: أي فصار حكمه حكم بيع الجارية التي في عنقها طوق فضة وقد مر بيانه م: (وهذا) ش: أي جواز البيع في السيف وبطلانه في الحلية فيما م: (إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه) ش: أي في السيف، أي من الفضة الحلية التي في السيف، وهي الفضة المضمومة إلى السيف، لأنه حينئذ تكره الفضة بالفضة، والباقي بمقابلة الفصل والحفر والحمائل، ولكن بطلانه في الحلية لفوات شرط جواز العقد وهو التقابض قبل الافتراق.
م: (فإن كانت) ش: أي الفضة المفردة م: (مثله) ش: أي مثل ما في السيف م: (أو أقل منه) ش: أي أقل ما في السيف من الفضة م: (أو لا يدري) ش: أقل أو أكثر أو مثله م: (لا يجوز البيع للربا) ش: لأنه في صورة العقد م: (أو لاحتماله) ش: أي أو لاحتمال الربا على الصورة التي لا يدري م: (وجهة الصحة من وجه، وجهة الفساد من وجهين) ش: المساواة والنقصان م: (فترجحت) ش: أي جهة الفساد. واعترض بأن كل جهة منهما علة للفساد فلا يصلح للتصحيح، وأجاب شمس الأئمة الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن مراده إذا كان أحدهما يكفي للحكم، فما ظنك بهما إلا بالترجيح الحقيقي إذ لا تعارض بين المفسد والمصحح فيما يلحق الشبهة فيه بالحقيقة.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض، وصح فيما قبض، وكان الإناء مشتركا بينهما؛ لأنه) ش: أي هذا العقد م: (صرف كله فصح فيما وجد شرطه) ش: أي شرط الصرف م: (وبطل) ش: أي العقد م: (فيما لم يوجد) ش: أي الشرط وهو التقابض م: (والفساد طارئ) ش: أي عارض، لأن العقد انعقد صحيحا ثم فسد لعدم القبض وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن العقد م: (يصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع) ش: أي الفساد، كما إذا باع عبدين ومات أحدهما قبل القبض، فإن البيع يبقى في الباقي ويبطل في الهالك ولا يثبت الخيار للمشتري بفعله وهو عدم النقض في بدل الصرف.
م: (ولو استحق بعض الإناء فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده، لأن

(8/402)


الشركة عيب في الإناء. ومن باع قطعة نقرة ثم استحق بعضها أخذ ما بقي بحصته ولا خيار له؛ لأنه لا يضره التبعيض.

قال: ومن باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين جاز البيع وجعل كل جنس منهما بخلافه. وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا يجوز، وعلى هذا الخلاف إذا باع كر شعير وكر حنطة بكري شعير وكري حنطة. لهما أن في الصرف إلى خلاف الجنس تغيير تصرفه؛ لأنه قابل الجملة بالجملة، ومن قضيته الانقسام على الشيوع لا على التعيين. والتعيين لا يجوز، وإن كان فيه تصحيح التصرف، كما إذا اشترى قلبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشركة عيب في الإناء) ش: لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب لأنها تنقبض بالتبعيض، والإناء ينقبض بالتبعيض، بخلاف ما مر، لأن الشركة فيه وقعت بصنعه.
وقال زفر والشافعي -رحمهما الله-: لا يجوز وهو القياس وهو قول أحمد أيضا. م: (ومن باع قطعة نقرة) ش: وهي قطعة فضة مذابة، كذا في " تهذيب الديوان ". قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعلى هذا تكون الإضافة في قوله قطعة نقرة من قبيل إضافة الجنس إلى النوع. م: (ثم استحق بعضها أخذ ما بقي بحصته ولا خيار له؛ لأنه لا يضره التبعيض) ش: بخلاف الإناء فإذا لم يكن عيبا لم يثبت الخيار لأن الخيار لا يثبت بلا سبب.

[باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين جاز البيع وجعل كل جنس منهما بخلافه) ش: تصحيحا للعقد، وكذا على هذا إذا باع كر حنطة وكر شعير بكري حنطة وكري شعير، أو باع السيف المحلى بفضة بسيف محلى بفضة ولا يعلم حكمهما يصح البيع عندنا م: (وقال زفر والشافعي -رحمهما الله-: لا يجوز) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي وزفر م: (إذا باع كر شعير وكر حنطة بكري شعير وكري حنطة) ش: يصح البيع عندنا خلافا م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي. م: (أن في الصرف إلى خلاف الجنس تغيير تصرفه) ش: أي تصرف البائع م: (لأنه قابل الجملة بالجملة، ومن قضيته) ش: أي ومن قضية التقابل م: (الانقسام على الشيوع لا على التعيين) ش: ومعنى الشيوع هو أن يكون الكل واحدا من البدلين حظ من جملة الآخر. م: (والتغيير لا يجوز وإن كان فيه تصحيح التصرف) ش: لأنه يعتبر المقابلة غير الأولى، ويكون التصرف تصرفا آخر.
والواجب تصحيح تصرف العاقل على الوجه الذي باشره وقصده لا على خلاف ذلك والعاقد إن قصد المقابلة المطلقة لا مقابلة الجنس إلى خلاف الجنس، وهي إنشاء تصرف آخر وفسخ التصرف الأول.
م: (كما إذا اشترى قلبا) ش: بضم القاف وسكون اللام وبالباء الموحدة وهو السوار ذكر هذه

(8/403)


بعشرة وثوبا بعشرة ثم باعهما مرابحة لا يجوز، وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب. وكذا إذا اشترى عبدا بألف درهم، ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع مع عبد آخر بألف وخمسمائة لا يجوز في المشترى بألف، وإن أمكن تصحيحه بصرف الألف إليه، وكذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، وقال: بعتك أحدهما لا يجوز، وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده، وكذا إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد العقد في الدرهمين، ولا يصرف الدرهم إلى الثوب لما ذكرنا. ولنا أن المقابلة المطلقة تحتمل مقابلة الفرد بالفرد كما في مقابلة الجنس بالجنس، وأنه طريق متعين لتصحيحه فتحمل عليه تصحيحا لتصرفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسألة دليلا على صحة وقوع المسألة المذكورة، صورتها إذا اشترى قلبا م: (بعشرة) ش: يعني سوارا وزنه عشرة دراهم م: (وثوبا بعشرة) ش: أي ثوبا قيمة عشرة دراهم بعشرة دراهم م: (ثم باعهما مرابحة) ش: يعني بعشرين درهما م: (لا يجوز وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب) ش: خاصة تصحيحا لتصرفه م: (وكذا) ش: أي نظيرها م: (إذا اشترى عبدا بألف درهم ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع مع عبد آخر بألف وخمسمائة لا يجوز) ش: أي العقد م: (في المشتري) ش: بفتح الراء م: (بألف) ش: درهم لأنه شراء ما باع بأقل مما باع، وهذا لا يجوز عندهم أيضا م: (وإن أمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح العقد م: (بصرف الألف إليه) ش: أي إلى المشتري، والباقي إلى العبد الآخر.
م: (وكذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، وقال: بعتك أحدهما لا يجوز وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده) ش: أي نظيرها، م: (وكذا إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب، وافترقا من غير قبض فسد العقد في الدرهمين، ولا يصرف الدرهم إلى الثوب) ش: وإن أمكن تصحيح التصرف يصرف الجنس إلى خلاف الجنس م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: ومن قضية الانقسام على الشيوع لا على التعيين.
م: (ولنا أن المقابلة المطلقة) ش: يعني المقابلة التي ذكراها مطلقة. م: (تحتمل مقابلة الفرد بالفرد) ش: قال تاج الشريعة: يعني يحتمل أن يقابل أحد الجنسين بالجنس الآخر بأن يقابل الدرهمان بالدينارين، والدينار بالدرهم م: (كما في مقابلة الجنس بالجنس) ش: بأن باع دينارين بدينارين يكون الفرد بمقابلة الفرد بالاتفاق، ألا ترى أنه لو قبض كل واحد منهما دينارا لجاز العقد، ولو كان مقابلا بالآخر يكون العقد فاسدا، لأن المقبوض حينئذ يكون مقابلا بالمقبوض وغير المقبوض م: (وأنه) ش: أي وأن مقابلة الفرد على تأويل التقابل م: (طريق متعين لتصحيحه) ش: أي لتصحيح العقد بأن يكون الواحد بالواحد والاثنان بالاثنين فيلزم منه صرف شيء إلى خلاف جنسه فيصح العقد م: (فتحمل عليه تصحيحا لتصرفه) ش: أي على مقابلة الفرد بالفرد على تأويل التقابل إذ تصحيح كلام العاقد تقتضيه ديانته وعقله واجب ما أمكن.

(8/404)


وفيه تغيير وصفه لا أصله؛ لأنه يبقى موجبه الأصلي وهو ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل، وصار هذا كما إذا باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره ينصرف إلى نصيبه تصحيحا لتصرفه. بخلاف ما عد من المسائل. أما مسألة المرابحة لأنه يصير تولية في القلب بصرف الربح كله إلى الثوب، والطريق في المسألة الثانية غير متعين؛ لأنه يمكن صرف الزيادة على الألف إلى المشتري، وفي الثالثة: أضيف البيع إلى المنكر وهو ليس بمحل للبيع والمعين ضده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفيه) ش: أي فيما قلنا من مقابلة الفرد بالفرد م: (تغيير وصفه) ش: أي وصف العقد وهو بطلان صفة الشيوع م: (لا أصله) ش: أي لا تغيير أصل العقد كما قاله خصم لأن تغيير أصل العقد الصحيح يوجب الملك قبل القبض.
فلو قلنا: بانقسام على طريق الشيوع كما قاله الخصم يفسد العقد ولا يثبت الكل قبل القبض فيلزم تغيير أصل العقد لرعاية وصف العقد، فكان ما قلنا أهون التغييرين، فكان أولى م: (لأنه) ش: أي لأن تغيير الوصف لا الأصل م: (يبقى موجبه الأصلي) ش: ويبقى من الإبقاء وموجبه منصوب به، والأصلي بالنصب صفته م: (وهو) ش: أي الموجب الأصلي م: (ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل) ش: الكل الأول هو الدرهمان والدينار، والكل الثاني هو الدرهم والديناران. م: (وصار هذا) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره ينصرف) ش: أي بيعه م: (إلى نصيبه تصحيحا لتصرفه) ش: أراد أن العقد يصرف إلى نصف البائع لا إلى النصف الشائع بين النصيبين م: (بخلاف ما عد من المسائل. أما مسألة المرابحة) ش: هذا شروع في الجواب عن المسائل المشتبهة بها، فقوله: خلاف مسألة المرابحة جواب عن المسألة الأولى وهو بنظيرها بمسألة المرابحة المذكورة على المسألة الخلافية، أراد أن مسألة المرابحة ليست كذلك م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المرابحة م: (يصير تولية في القلب بصرف الربح كله إلى الثوب) ش: فإن الربح لو صرف إلى الثوب خاصة كان بائعا للقلب الذي وزنه عشرة دراهم بعشرة دراهم، وهو تولية في القلب، والتولية ضد المرابحة، والشيء لا يتناول ضده.
م: (والطريق في المسألة الثانية غير متعين) ش: لأنه متعدد فيبقى الثمن مجهولا فيفسد العقد م: (لأنه يمكن صرف الزيادة على الألف إلى المشتري) ش: وهذا لأنا لو صرفنا خمسمائة أو أقل من ذلك بدرهم أو درهمين أو ثلاثة ونحو ذلك إلى العبد الآخر لا يلزم شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، بخلاف ما نحن فيه، فإن طريق التصحيح متعين وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس.
م: (وفي الثالثة) ش: أي وفي المسألة الثالثة م: (أضيف البيع إلى المنكر) ش: وهو قوله: وكذا إذا اشترى عبدا م: (وهو ليس بمحل للبيع) ش: أي المنكر لجهالته م: (والمعين ضده) ش: أي المنكر

(8/405)


وفي الأخيرة: انعقد العقد صحيحا والفساد في حالة البقاء، وكلامنا في الابتداء.
قال: ومن باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز البيع ويكون العشرة بمثلها والدينار بدرهم؛ لأن شرط البيع في الدراهم التماثل على ما روينا، فالظاهر أنه أراد به ذلك، فبقي الدرهم بالدينار، وهما جنسان، ولا يعتبر التساوي فيهما. ولو تبايعا فضة بفضة، أو ذهبا بذهب، وأحدهما أقل ومع أقلهما شيء آخر يبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية، وإن لم تبلغ فمع الكراهية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشيء لا يتناول ضده، ويشكل عليه مسألة عبدي أو حماري حر، فإن عند أبي حنيفة يعتق العبد لاستعارة المنكر المعرفة.
م: (وفي الأخيرة) ش: أي في المسألة الأخيرة وهي ما إذا باع درهما أو ثوبا بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض م: (انعقد العقد صحيحا) ش: سواء كان الجنس مقابلا بالجنس أو بخلافه م: (والفساد في حالة البقاء) ش: يعني الفساد وقع في حالة البقاء بالافتراق من غير قبض م: (وكلامنا في الابتداء) ش: يعني الذي نحن فيه لا يصح العقد فيه ابتداء بدون صرف الجنس إلى خلاف الجنس فافترقا.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز البيع، ويكون العشرة بمثلها والدينار بدرهم؛ لأن شرط البيع في الدراهم التماثل على ما روينا) ش: من الحديث المشهور م: (فالظاهر أنه أراد به) ش: أي بالبيع م: (ذلك) ش: أي التماثل م: (فبقي الدرهم بالدينار وهما جنسان ولا يعتبر التساوي فيهما) ش: لاختلاف الجنسين، وإنما جوزنا على هذا الوجه حملا لأمور المسلمين على
الصلاح،
ولأن كل عين جاز بيعها بجنسها جاز بغير جنسها كالثياب.
م: (ولو تبايعا فضة بفضة) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا وليست مذكورة في " الجامع الصغير " ولا في القدوري م: (أو ذهبا بذهب وأحدهما أقل ومع أقلهما شيء آخر) ش: أي والحال أن مع أقل الوزنين منهما شيء آخر من خلاف جنسه م: (يبلغ قيمته) ش: أي قيمة ذلك الشيء م: (باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية، وإن لم يبلغ فمع الكراهية) ش: أي يجوز مع الكراهية.
وذكر هذه المسألة في " الإيضاح " على الخلاف فقال: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا باع الدراهم بالدراهم وفي أحدهما فضل من حيث الوزن وفي الجانب الذي لا فضل فيه فلوس قال: هو جائز في الحكم ولكني أكرهه حتى روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قيل له: كيف تجد ذلك في قلبك؟ قال: مثل الجبل.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس به؛ لأنه أمكن تصحيحه بأن يجعل الجنس بالجنس

(8/406)


وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع لتحقق الربا، إذ الزيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا، ومن كان له على آخر عشرة دراهم، فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة دراهم ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة فهو جائز، ومعنى المسألة: إذا باع بعشرة مطلقة. ووجهه: أنه يجب بهذا العقد ثمن يجب عليه تعيينه بالقبض لما ذكرنا، والدين ليس بهذه الصفة، فلا يقع بالمقاصة بنفس البيع لعدم المجانسة، فإذا تقاصا تضمن ذلك فسخ الأول والإضافة إلى الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والزيادة بإزاء الفلوس.
م: (وإن لم يكن له قيمة) ش: أي وإن لم يكن للشيء الآخر قيمة م: (كالتراب) ش: ونحوه م: (لا يجوز البيع لتحقق الربا، إذ الزيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا. ومن كان له على آخر عشرة دراهم فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة دراهم ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة فهو جائز) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وهذه المسألة على وجهين: أما إن باع الدينار بالعشرة التي عليه، أو باعه بعشرة مطلقة وقبض الدينار وجعل ثمن الدينار قصاصا بالعشرة. فالأول: جائز بلا خلاف، والثاني: جائز استحسانا، والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي وأحمد، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ومعنى المسألة) ش: هذا من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي: معنى المسألة المذكورة م: (إذا باع بعشرة مطلقة) ش: يعني لم يقيده بالعشرة التي عليه، لأنه لو أضاف العقد إلى العشرة التي عليه يجوز البيع بلا خلاف، وفي المطلقة يجوز عندنا استحسانا، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز قياسا، وجه القياس: أن هذا استبدال ببدل الصرف، فلا يجوز، كما لو أخذ ببدل الصرف عرضا أو دينارا، أشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (ووجه) ش: أي وجه الجواز الذي هو استحسان م: (أنه يجب بهذا العقد ثمن يجب عليه تعيينه بالقبض) ش: لأن العقد لما أطلق وجب به ثمن يجب تعيينه بالقبض كيلا يلزم الربا م: (لما ذكرنا، والدين ليس بهذه الصفة) ش: إشارة إلى قوله: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق م: (فلا يقع بالمقاصة بنفس البيع) ش: لأن الدين لا يصلح وفاء لذلك، فلم يكن قصاصا م: (لعدم المجانسة) ش: من العين والدين.
م: (فإذا تقاصا) ش: يعني بالتراضي جاز ذلك عندنا لأنه م: (تضمن ذلك فسخ الأول) ش: أي الصرف الأول وهو الصرف المطلق وهو بيع الدينار بعشرة مطلقة م: (والإضافة) ش: أي وتضمن ذلك أيضا إضافة العقد م: (إلى الدين) ش: وهو بيع الدينار بالعشرة التي هي دين، فصار كأنه قال: اشتريت هذا الدينار منك بالعشرة التي لك علي وقبل الآخر يعني عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا الأول ثم جددا العقد مضافا إلى ذلك الدين لأنهما قصدا تصحيح هذه المقاصة ولا طريق له سوى هذا، ولهذا شرطنا تراضيهما على المقاصة هاهنا، وإن كان في

(8/407)


إذ لولا ذلك يكون استبدالا ببدل الصرف. وفي الإضافة إلى الدين تقع المقاصة بنفس العقد على ما نبينه. والفسخ قد يثبت بطريق الاقتضاء، كما إذا تبايعا بألف ثم بألف وخمسمائة، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه لأنه لا يقول بالاقتضاء، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سائر الديون تقع المقاصة بدون التراضي م: (إذ لولا ذلك) ش: يعني لولا تحويل العقد إلى صرف آخر وهو بيع الدينار بالعشرة التي هي دين م: (يكون استبدالا ببدل الصرف) ش: قبل القبض وهو لا يجوز.
م: (وفي الإضافة إلى الدين تقع المقاصة بنفس العقد) ش: هذا في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: المقاصة إنما تصح إذا كان وجوب بدل الصرف قائما، فإذا بطل عقد الصرف بالفسخ، كيف توجد المقاصة، لأن الفائت بالاقتضاء يجب أن يثبت على وجه لا يبطل به المقتضى، فإذا ثبت الفسخ المقتضي بطل المقتضى وهو المقاصة، لأن المقتضي قيام العشرة الثابت بالعقد وقد فات بالفسخ.
وتحرير الجواب أن يقال: إضافة أي بإضافة العقد ابتداء إلى الدين أي العشرة التي عليه تقع المقاصة بنفس العقد، وإنما تبطل المقاصة عند فسخ الأول إذا لم يتجدد عقد جديد، وهاهنا جدد العقد فصح المقاصة به.
فإن قيل: لو فسخ الصرف ضمنا ينبغي أن يشترط القبض، لأن الإقالة بيع في حق الثالث.
قلنا: صارت الإقالة هاهنا في ضمن المقاصة فجاز أن لا يثبت حكم البيع لمثل هذه الإقالة، بل يثبت حكم البيع إذا كانت الإقالة قصدا م: (على ما نبينه) ش: إشارة إلى قوله: فكفى ذلك للجواز، أي: الإضافة إلى الدين كاف للجواز؛ لأنه دين يسقط لا خطر فيه.
م: (والفسخ قد يثبت بطريق الاقتضاء) ش: هذا جواب أيضا عما يقال: إن العقد لو فسخ للمقاصة وجب قبض الدينار عل البائع بحكم الإقالة، لأن للإقالة حكم الصرف. وتقرير الجواب: أن الفسخ ضمني يثبت في ضمن المقاصة بطريق الاقتضاء، فجاز أن لا يثبت بعد هذا حكم البيع م: (كما إذا تبايعا بألف) ش: يعني عقدا بألف درهم م: (ثم بألف وخمسمائة) ش: أي ثم تبايعا، فإن العقد الأول ينفسخ ضرورة بثبوت الثاني.
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي فيما ذكرنا من الحكم المذكور م: (لأنه) ش: أي لأن زفر م: (لا يقول بالاقتضاء) ش: وخالفنا فيه كما خالف في قوله: أعتق عبدك أعني بألف درهم.
فإن قيل: يشكل عليه الشراء بأن قال: إن شريتك فإن الملك يثبت عنده فيه بطريق الاقتضاء.
قلنا: لا نسلم أنه يثبت بطريق الاقتضاء بل يثبت بطريق الدلالة م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من

(8/408)


إذا كان الدين سابقا، فإن كان لاحقا فكذلك في أصح الروايتين لتضمنه انفساخ الأول والإضافة إلى دين قائم وقت تحويل العقد، فكفى ذلك للجواز. قال: ويجوز بيع درهم صحيح ودرهمين غلتين بدرهمين صحيحين ودرهم غلة، والغلة ما يرده بيت المال ويأخذه التجار، ووجهه: تحقيق المساواة في الوزن، وما عرف من سقوط اعتبار الجودة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التقاص والفسخ والإضافة إلى الدين م: (إذا كان الدين سابقا) ش: أي على العقد م: (فإن كان) ش: أي الدين م: (لاحقا) ش: بأن اشترى دينارا بعشرة دراهم وقبض الدينار، ثم إن مشتري الدينار باع ثوبا من بائع الدينار بعشرة دراهم ثم أراد أن يتقاصا م: (فكذلك) ش: تقع المقاصة م: (في أصح الروايتين) ش: وهي رواية أبي حفص سليمان، وهي التي اختارها فخر الإسلام والمصنف، - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي رواية أبي حفص: لا تقع المقاصة وهي التي اختارها شمس الأئمة وقاضي خان، لأن الدين لاحق والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوز المقاصة في دين سابق؛ «لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه روي أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إني أكري إبلا بالبقيع إلى مكة بالدراهم وآخذ مكانها دنانير، أو قال بالعكس، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا بأس بذلك إذا افترقتما وليس بينكما عمل") » .
وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى وجه الأصح بقوله: م: (لتضمنه انفساخ الأول) ش: أي لتضمن التقاصص انفساخ الصرف الأول وإن شاء صرف آخر، لأنهما لما تقاصا صار كأنهما جددا عقدا آخر جديدا، فكان الدين سابقًا على المقاصة، وهو معنى قوله: م: (والإضافة) ش: أي إضافة عقد الصرف م: (إلى دين قائم) ش: أي ثابت م: (وقت تحويل العقد) ش: فيكون الدين حينئذ سابقًا على المقاصة م: (فكفى ذلك للجواز) ش: أي الإضافة إلى الدين كان للجواز، لأنه دين يسقط لا خطر فيه.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع درهم صحيح ودرهمين غلتين بدرهمين صحيحين ودرهم غلة) ش: بفتح العين المعجمة وتشديد اللام، قال في " المغرب ": الغلة من الدراهم المقطعة التي في القطعة منها قيراط أو طسوج أو حتة. ونقله المطرزي هكذا عن أبي يوسف في رسالته. وفي بعض الحواشي: دراهم غلة أي منكسرة.
وفي " زاد الفقهاء " الغلة من الغلول وهي الخيانة، يقال غل وأغل أي خان، وقال المصنف: م: (والغلة ما يرده بيت المال ويأخذه التجار) ش: أي يردها بيت المال لكونها قطعا لا لزيافتها. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز هذا البيع.
م: (ووجهه) ش: أي وجه جواز هذا البيع م: (تحقيق المساواة في الوزن) ش: لأن المساواة هي شرط الجواز، فإذا وجدت فلا مانع أصلا م: (وما عرف من سقوط اعتبار الجودة) ش: هذا عطف

(8/409)


قال: وإذا كان الغالب على الدراهم الفضة فهي فضة، وإذا كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهب، ويعتبر فيهما من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد حتى لا يجوز بيع الخالصة بها ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا في الوزن، وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنا؛ لأن النقود لا تخلو عن قليل غش عادة لأنها لا تنطبع إلا مع الغش. وقد يكون الغش خلقيا كما في الرديء منه فيلحق القليل بالرداءة، والجيد والرديء سواء. وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير اعتبارا للغالب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على قوله: تحقيق المساواة بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» .

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا كان الغالب على الدراهم الفضة) ش: بالنصب لأنه خبر كان م: (فهي فضة) ش: أي حكمها حكم الدراهم، الأصل أن النقود لا تخلو عن قليل غش خلقة أو عادة، فالأول كما في الرديء، والثاني ما يخلط للانطباع، فإنها بدونه تتفتت، فإذا كان كذلك يعتبر الغالب، لأن المغلوب في مقابلة الغالب كالمستهلك. م: (وإذا كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهب، ويعتبر فيهما) ش: وفي بعض النسخ: ويعتبر فيها، وعلى التقديرين الضمير يرجع إلى الدراهم والدنانير م: (من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد، حتى لا يجوز بيع الخالصة بها) ش: أي بالمغشوشة. م: (ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا في الوزن) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيع الخالصة منها بالدراهم المغشوشة، بعضها ببعض، سواء كان الغش غالبا أو النقرة، ويجوز أن يشتري بها سلعة في أظهر الوجهين، كذا في " الحلية ".
م: (وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنا) ش: أي إلا متساويا في الوزن. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلا وزنا، أي لا عددا كما في الفلوس م: (لأن النقود لا تخلو عن قليل غش عادة، لأنها لا تنطبع إلا مع الغش) ش: لأنا قد ذكرنا الآن أنها بدون بعض الغش تتفتت ولا يجتمع بعضها ببعض م: (وقد يكون الغش خلقيا) ش: أي من حيث الخلقة وذلك م: (كما في الرديء منه) ش: أي من كل واحد من الذهب والفضة م: (فيلحق القليل بالرداءة) ش: أي يلحق القليل من الغش بالرداءة الفطرية والمتساوي كغالب الفضة في التبايع والاستقراض وفي الصرف كغالب الغش م: (والجيد والرديء سواء) ش: بالنص.
م: (فإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير اعتبارا للغالب) ش: هذا أيضا لفظ القدوري، غير أن قوله اعتبارا للغالب من كلام المصنف. وقال الأقطع: المراد به إذا كانت الفضة لا تتخلص من الغش؛ لأنها صارت مستهلكة فلا اعتبار بها، فأما إذا كانت تتخلص من الغش فليست مستهلكة، فإذا بيعت بفضة خالصة فهي كبيع نحاس بنحاس وفضة بفضة.

(8/410)


فإن اشترى بها فضة خالصة فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف. وإن بيعت بجنسها متفاضلا جاز صرفا للجنس إلى خلاف الجنس، وهي في حكم شيئين فضة وصفر، ولكنه صرف حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين، وإذا شرط القبض في الفضة يشترط في الصفر؛ لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر. قال: ومشايخنا - رحمهم الله تعالى- لم يفتوا بجواز ذلك في العدالي والغطارفة؛ لأنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيه ينفتح باب الربا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيجوز على هذا الاعتبار م: (فإن اشترى بها) ش: أي بالمغشوشة م: (فضة خالصة فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف) ش: يعني إن كانت الفضة الخالصة مثل تلك الفضة التي في الدراهم المغشوشة أو أقل، أو لا يدري لا يصح. وإن كانت أكثر يصح. م: (وإن بيعت) ش: أي الدراهم المغشوشة م: (بجنسها) ش: أي بالدراهم المغشوشة م: (متفاضلا) ش: أي بيعا متفاضلا. م: (جاز) ش: أي البيع م: (صرفا) ش: أي من حيث الصرف م: (للجنس إلى خلاف الجنس) ش: تحرزا عن الربا م: (وهي) ش: أي الدراهم المغشوشة التي بيعت بالدراهم المغشوشة م: (في حكم شيئين فضة وصفر) ش: وبيع الفضة بالصفر أو العكس متفاضلا يجوز، فكذلك بيع الدراهم المغشوشة بالمغشوشة بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس م: (ولكنه صرف) ش: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يشترط القبض في هذه الصورة، لأنه لما صرف الجنس إلى خلاف الجنس، أي الفضة إلى الصفر لم يبق صرفا، فيكف يشترط التقابض. فأجاب بقوله: ولكنه صرف، تقريره: أن هذا البيع صرف م: (حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين) ش: أي من جانب الثمن، لأن الأصل في المقابلة المطلقة الشيوع م: (وإذا شرط القبض في الفضة يشترط في الصفر؛ لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر) ش: لأن صرف الجنس إلى خلاف جنسه كان لضرورة تصحيح التصرف فيما رواءه يكون العقد عقد صرف، فيشترط القبض فيه.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومشايخنا) ش: يريد به علماء ما وراء النهر فدعي لهم بقوله م: (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى، لم يفتوا بجواز ذلك) ش: أي بجواز التفاضل م: (في العدالي) ش: بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة وباللام المكسورة، أي الدراهم المنسوبة إلى العدالي وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش م: (والغطارفة) ش: أي الدراهم الغطرفية وهي المنسوبة إلى غطريف بكسر الغين المعجمة وسكون الطاء وكسر الراء بعدها الياء آخر الحروف الساكنة، وفي آخره فاء وهو ابن عطاء الكندي أمير خراسان أيام هارون الرشيد. وقيل: هو خال الرشيد م: (لأنها) ش: أي لأن العدالي والغطارفة م: (أعز الأموال في ديارنا) ش: أي في بخارى وسمرقند م: (فلو أبيح التفاضل فيه) ش: أي في المذكور من العدالي والغطارفة م: (ينفتح باب الربا) ش: ويندرجون إلى الذهب والفضة بالقياس على ذلك.

(8/411)


ثم إن كانت تروج بالوزن فالتبايع والاستقراض فيهما بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد، وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما؛ لأن المعتبر هو المعتاد فيهما إذا لم يكن فيهما نص. ثم هي ما دامت تروج تكون أثمانا فلا تتعين بالتعيين. وإذا كانت لا تروج فهي سلعة تتعين بالتعيين، وإذا كانت يتقبلها البعض دون البعض فهي كالزيوف لا يتعلق العقد بعينها، بل بجنسها زيوفا، إن كان البائع يعلم بحالها لتحقق الرضا منه، وبجنسها من الجياد. إن كان لا يعلم لعدم الرضا منه. وإذا اشترى بها سلعة فكسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم إن كانت) ش: أي الدراهم والدنانير التي غلب الغش عليها والدنانير التي كذلك م: (تروج بالوزن فالتبايع والاستقراض فيهما) ش: أي في الدراهم والدنانير التي غلب الغش عليهما م: (بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد) ش: أي يعتبران بالعدد م: (وإن كانت تروج بهما) ش: أي بالوزن وبالعد م: (فبكل واحد منهما) ش: أي فيعتبر بكل واحد منهما م: (لأن المعتبر هو المعتاد فيهما إذا لم يكن فيهما نص) ش: قال الأكمل: حيث لم يكن منصوصا عليهما، فهذا التفسير يدل على أن قوله: "إذا لم يكن" ليس هكذا، بل "إذ لم يكن" بدون الألف بعد الذال، ولكن غالب النسخ "إذا" بالألف بعد الذال، والذي يظهر لي أن الصواب مع الأكمل.
م: (ثم هي) ش: أي الدراهم المغشوشة والدنانير المغشوشة م: (ما دامت تروج) ش: فيقبلها الناس م: (تكون أثمانا) ش: يعني يكون حكمها حكم الأثمان م: (فلا تتعين بالتعيين) ش: فإن هلكت قبل التسليم لا يبطل العقد بينهما ويجب عليه مثلها.
م: (وإذا كانت لا تروج فهي سلعة) ش: أي حكمها حكم السلعة م: (تتعين بالتعيين) ش: كالرصاص والستوقة م: (وإذا كانت يتقبلها البعض) ش: أي بعض الناس م: (دون البعض فهي كالزيوف لا يتعلق العقد بعينها بل بجنسها) ش: حال كونها م: (زيوفا إن كان البائع يعلم بحالها) ش: أي بحال الدراهم والدنانير المغشوشة م: (لتحقق الرضا منه) ش: أي من البائع م: (وبجنسها) ش: أي ويتعلق العقد بجنسها م: (من الجياد إن كان لا يعلم لعدم الرضا منه) ش: أي بالزيوف.
م: وإذا اشترى بها) ش: أي بالدراهم التي غشها غالب م: (سلعة فكسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وتفسير الكساد مذكور في البيوع أنها لا تروج في جميع البلدان، هذا على قول محمد، أما عندهما: الكساد في بلد يكفي لفساد البيع في تلك البلدة.
وفي " العيون ": إن عدم الرواج إنما يوجب فساد البيع إذا كان لا يروج في جميع البلدان، لأنه حينئذ يصير هالكا ويبقى البيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة ويروج في

(8/412)


وقال أبو يوسف -رحمة الله عليه-: قيمتها يوم البيع. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيمتها آخر ما تعامل الناس بها. لهما أن العقد قد صح إلا أنه تعذر التسليم بالكساد وأنه لا يوجب الفساد، كما إذا اشترى بالرطب فانقطع. وإذا بقي العقد وجبت القيمة، ولكن عند أبي يوسف وقت البيع لأنه مضمون به. وعند محمد: يوم الانقطاع؛ لأنه أوان الانتقال إلى القيمة. ولأبي حنيفة: أن الثمن يهلك بالكساد؛ لأن الثمنية بالاصطلاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غيرها لا يفسد البيع، لأنه لم يهلك ولكنه تعييب، فكان للبائع الخيار إن شاء قال: أعط مثل النقد الذي وقع عليه العقد، وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير.
م: (وقال أبو يوسف -رحمة الله عليه-: قيمتها يوم البيع) ش: لأنها كانت مضمونة م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيمتها آخر ما تعامل الناس بها) ش: أي بالدراهم المغشوشة والبيع لا يبطل عندهما.
وكذا عند الشافعي وأحمد -رحمهما الله- ولكن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب ذلك الكاسد؛ لأنه مال عنده في وجه يخير البائع إن شاء أجاز البيع بذلك، وإن شاء فسخه لتعينه. وعند أحمد: يجب النقد الجديد بالقيمة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن العقد قد صح) ش: وقال الكاكي: أي بالإجماع لوجود مبادلة المال بالمال م: (إلا أنه تعذر التسليم بالكساد) ش: أي لأن الشأن تعذر تسليم الثمن وهي المغشوشة بالكساد لانعدام الثمنية ويجوز أن يكون الضمير في "لأنه" للثمن، أي لأن الثمن تعذر تسليمه بالكساد.
م: (وأنه) ش: أي وإن تعذر التسليم أو الكساد م: (لا يوجب الفساد) ش: لأنه صفة عارضة قابلة للزوال ساعة فساعة بالرواج م: (كما إذا اشترى) ش: أي نظير هذا كما إذا اشترى رجل شيئا م: (بالرطب فانقطع) ش: بأن لا يوجد في الأسواق لا يبطل البيع بالاتفاق، ويجب القيمة ولا ينتظر إلى زمان الرطب في السنة الثانية فكذا هذا م: (وإذا بقي العقد وجبت القيمة لكن عند أبي يوسف وقت البيع لأنه مضمون به) ش: أي لأن الثمن مضمون بالبيع فكان كالمغصوب يعتبر قيمته يوم الغصب، لأنه مضمون فيه، وعليه الفتوى، فإنه ذكر في " الذخيرة " وعليه قيمة الدراهم يوم وقع البيع في قول أبي يوسف الآخر وعليه الفتوى.
م: (وعند محمد يوم الانقطاع لأنه) ش: أي لأن يوم الانقطاع م: (أوان الانتقال إلى القيمة) ش: يعني يوجب العقد رد ما انعقد به العقد والانتقال إلى القيمة بالانقطاع فيعتبر يوم الانقطاع. وفي " المحيط " و" التتمة " و" الحقائق ": وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتَى رِفْقًا للناس.
م: (ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد لأن الثمنية بالاصطلاح) ش: أي ثمنية الدراهم التي

(8/413)


وما بقي فيبقى بيعا بلا ثمن فيبطل. وإذا بطل البيع يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته إن كان هالكا، كما في البيع الفاسد.
قال: ويجوز البيع بالفلوس؛ لأنه مال معلوم، فإن كانت نافقة جاز البيع بها وإن لم تعين؛ لأنها أثمان بالاصطلاح. وإن كانت كاسدة لم يجز البيع بها حتى يعينها؛ لأنها سلع، فلا بد من تعيينها. وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة خلافا لهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غشها غالب، إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح م: (وما بقي) ش: أي الاصطلاح م: (فيبقى) ش: أي العقد م: (بيعا بلا ثمن فيبطل، وإذا بطل البيع يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته) ش: أي تجب قيمته م: (إن كان هالكا) ش: لا يقال: العقد تناول عينها وهو باق بالكساد وهو مقدور التسليم، لأنا نقول: إن العقد تناولها بصفة الثمنية لأنها ما دامت رائجة فهي تثبت دينا في الذمة، وبالكساد ينعدم منها صفة المالية وصفة الثمنية في الفلوس والدراهم المغشوشة التي غلب غشها كصفة المالية في الأعيان، ولو انعدمت المالية بهلاك المبيع قبل القبض أو بتخمر العصير فسد البيع، فكذا هذا.
وأما الجواب عن البيع بالرطب أن الرطب مرجو الوصول في العام الثاني غالبا، فلم يكن هذا هالكا من كل وجه، فلم يبطل المثمن أصلا، وفي الدراهم المغشوشة بعد الكساد لا يرجى الوصول إلى ثمنها في الحال، لأن الكساد أصلي في الشيء إذا رجع أصله، فلما ينتقل عنه. م: (كما في البيع الفاسد) ش: فإن الحكم فيه أنه يجب على المشتري رد المبيع فيه على البائع إن كان قائما، وإن كان هالكا يجب عليه رد قيمته يوم القبض.

[البيع بالفلوس]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز البيع بالفلوس؛ لأنه مال معلوم) ش: هذا بالإجماع م: (فإن كانت نافقة) ش: أي رائجة م: (جاز البيع بها وإن لم تعين) ش: الفلوس م: (لأنها أثمان بالاصطلاح) ش: فلا يتعين في البيع كالدراهم والدنانير، وإن شرط المتبايعان أعيانهما ويكون ما أوجب كل واحد منهما في العقد على نفسه دينا في ذمته ولا يجبر كل واحد منهما أن يسلمها ما شرط من العين إن شاء أعطى العين، وإن شاء أعطى مثلها.
وإن هلكت لم ينفسخ العقد بهلاكها لأنه لم يقع عليها م: (وإن كانت) ش: أي الفلوس م: (كاسدة) ش: يعني لا تروج م: (لم يجز البيع بها حتى يعينها؛ لأنها سلع فلا بد من تعيينها) ش: فإذا لم يعينها يصح العقد.
م: (وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة) ش: قيد بالكساد لأنها إذا غلت أو رخصت كان عليه رد المثل بالاتفاق، ذكره في " شرح الطحاوي " م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - هذا الخلاف الذي ذكره القدوري خلاف ما ذكر في

(8/414)


وهو نظير الاختلاف الذي بيناه. ولو استقرض فلوسا نافقة فكسدت، عند أبي حنيفة يجب عليه مثلها؛ لأنه إعارة وموجبه رد العين معنى، والثمنية فضل فيه؛ إذ القرض لا يختص به. وعندهما يجب قيمتها؛ لأنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصل و" شرح الطحاوي " و" الأسرار " و" الإشارات "، لأنه ذكر بطلان البيع عند الكساد فيها بلا خلاف، قال في الإشارات: إذا اشترى شيئا بفلوس فكسدت قبل القبض فسد العقد عندنا خلافا لزفر.
وفي " شرح الطحاوي ": وقال بعض مشايخنا: إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا، لأن كسادها بمنزلة يجب فيها، والأول أظهر، ولو نقد الدرهم وقبض من الفلوس نصفها خمسين ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقد النصف الآخر بطل البيع في نصفها وله أن يسترد نصف الدراهم. ولو اشترى فاكهة أو شيئا بعينه بفلوس ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها وقد قبض المبيع فسد البيع، وله أن يرد المبيع إن كان قائما أو قيمته أو مثله إن كان هالكا.
وعن أبي يوسف أن عليه قيمة الفلوس ولا يفسد البيع م: (وهو نظير الاختلاف الذي بيناه) ش: أي الاختلاف في كساد الفلوس نظير الاختلاف في كساد الدراهم الذي غشها غالب، يعني يبطل البيع عند أبي حنيفة بكساد الفلوس، وعندهما لا يبطل، لكن عند أبي يوسف يجب قيمتها يوم البيع. وعند محمد: آخر ما يتعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع في السوق. م: (ولو استقرض فلوسا نافقة فكسدت عند أبي حنيفة يجب عليه مثلها لأنه إعارته) ش: أي لأن الاستقراض المثلي إعارة كما أن إعارته قرض وموجب استقراض المثلي رد عينه، وهو معنى قوله م: (وموجبه رد العين معنى) ش: أي موجب عقد الإعارة رد المعين من حيث المعنى لا من حيث الحقيقة، وذا لا يكون إلا بالمثل.
م: (والثمنية فضل فيه) ش: جواب عما يقال: كيف يكون المثل بمعنى العين وقد فات وصف الثمنية، وإنما كان بمعنى العين أن لو رد مثله حال كونه نافقا.
فقال: فأجاب المصنف بقوله: والثمنية فضل، تقريره: أن الثمنية بمعنى صحة استقراض كونه ثمنا فضل في القرض م: (إذ القرض لا يختص به) ش: أي بمعنى الثمنية يعني صحة استقراض الفلس لم يكن باعتبار الثمنية، بل لأنه مثلي وبالكساد لم يخرج من أن يكون مثليا، ولهذا صح استقراضه بعد الكساد.
م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (يجب قيمتها) ش: أي قيمة الفلوس التي كسدت بعد رواجها م: (لأنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض) ش:

(8/415)


فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع، لكن عند أبي يوسف يوم القبض. وعند محمد يوم الكساد على ما مر من قبل. وأصل الاختلاف فيمن غصب مثليا فانقطع. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنظر، وقول أبي يوسف أيسر. قال: ومن اشترى شيئا بنصف درهم فلوس جاز وعليه ما يباع بنصف درهم من الفلوس، وكذا إذا قال: بدانق فلوس، أو بقيراط فلوس جاز. وقال زفر: لا يجوز في جميع ذلك لأنه اشترى بالفلوس، وإنما تقدر بالعدد لا بالدانق ونصف الدرهم، فلا بد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وليس المثل المجرد عنها في معناها م: (فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع لكن عند أبي يوسف: يوم القبض، وعند محمد: يوم الكساد على ما مر من قبل) ش: عند قوله: وعند أبي يوسف وقت البيع.
م: (وأصل الاختلاف) ش: أي بين أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- في اعتبار القيمة يوم القبض أو الكساد.
فرع: الاختلاف م: (فيمن غصب مثليا فانقطع) ش: فعند أبي يوسف تجب القيمة يوم الغصب. وعند محمد: يوم الانقطاع، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى في أول كتاب الغصب. م: (وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنظر) ش: أي للجانبين.
وفي بعض النسخ: أنظر للجانبين جانب المقرض والمستقرض، أما جانب المقرض فبالنسبة إلى قول أبي حنيفة؛ لأن في رد المثل إضرارا به، وأما في حق المستقرض فلانتقاص قيمته يوم الكساد، وفي اعتبار قيمته يوم القبض إضرار به م: (وقول أبي يوسف أيسر) ش: أي للمفتي وفي بعض النسخ أيسر للمفتي؛ لأن يوم الكساد قيمته غير مضبوطة، ويوم القبض مضبوطة، فاعتبار المضبوط أيسر من اعتبار غير المضبوط.
وقال الأترازي: لأن قيمته يوم القبض معلومة للمقرض والمستقرض وسائر الناس وقيمته يوم الانقطاع تشتبه على الناس ويختلفون فيها، فكان قول أبي يوسف أيسر.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن اشترى شيئا بنصف درهم فلوس جاز) ش: قيد بنصف درهم، لأنه لو قال بدرهم فلوس لا يجوز عند محمد على ما يجيء م: (وعليه) ش: أي وعلى المشتري م: (ما يباع بنصف درهم من الفلوس) ش: لأن ذلك النصف من الدراهم فلوس لا نقرة، وذلك معلوم عند الناس وقت العقد فيجب عليه الوفاء بذلك م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا قال بدانق فلوس أو بقيراط فلوس جاز) ش: الدانق سدس الدرهم والقيراط ست حبات.
م: (وقال زفر: لا يجوز في جميع ذلك؛ لأنه اشترى بالفلوس وإنما تقدر بالعدد لا بالدانق ونصف الدرهم) ش: فإذا لم يبين عدد الفلوس كان مجهولا فلا يجوز، وهو معنى قوله م: (فلا بد

(8/416)


من بيان عددها، ونحن نقول: ما يباع بالدانق ونصف الدرهم من الفلوس معلوم عند الناس الكلام فيه فأغنى عن بيان العدد. ولو قال: بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس، فكذلك عند أبي يوسف؛ لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم وهو المراد، لا وزن الدرهم من الفلوس. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بالدرهم ويجوز فيما دون الدرهم؛ لأن في العادة المبايعة بالفلوس فيما دون الدرهم فصار معلوما بحكم العادة ولا كذلك الدرهم. قالوا: وقول أبي يوسف أصح لا سيما في ديارنا. قال: ومن أعطى صيرفيا درهما، وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما؛ لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز، وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل؛ لأن الصفقة متحدة والفساد قوي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من بيان عددها) ش: لنفي الجهالة م: (ونحن نقول: ما يباع بالدانق ونصف الدرهم من الفلوس معلوم عند الناس الكلام فيه) ش: أي فيما إذا كان معلوما، يعني فرض المسألة فيما إذا كان ما يباع بنصف درهم من الفلوس معلوما حين العقد، فكان مغنيا عن ذكر العدد. وقال الإمام الحلواني: هذا إذا كان الدانق والقيراط معلوما، فإن عند الناس لا تختلف معاملتهم فيه، فأما إذا كان مختلفا فكما قاله زفر لمكان المنازعة.
م: (فأغنى عن بيان العدد) ش: يعني إذا كان معلوما أغنى ذلك عن بيان العدد.
م: (ولو قال: بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس فكذلك عند أبي يوسف) ش: يجوز م: (لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم، وهو المراد) ش: أي كونه معلوما هو المراد م: (لا وزن الدرهم من الفلوس) ش: أي ليس المراد علم وزن الدرهم من الفلوس م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بالدرهم) ش: أي أن الشراء بدرهم فلوس أو بدرهمين لا يجوز م: (ويجوز فيما دون الدرهم، لأن في العادة المبايعة بالفلوس فيما دون الدرهم، فصار معلوما بحكم العادة ولا كذلك الدرهم) ش:
م: (قالوا) ش: أي مشايخنا، م: (وقول أبي يوسف أصح لا سيما) ش: أي خصوصا م: (في ديارنا) ش: بما وراء النهر، لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم. وقال الأترازي: قوله سيما في ديارنا هذا تركيب عجيب، فينبغي أن يقال: لا سيما، كما قال امرؤ القيس:
ولا سيما يوم بدار جلجل
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أعطى صيرفيا درهما وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز، وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز، وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل؛ لأن الصفقة متحدة والفساد قوي) ش: لأنه متمكن في

(8/417)


فيشيع وقد مر نظيره. ولو كرر لفظ الإعطاء كان جوابه كجوابهما هو الصحيح، لأنهما بيعان. ولو قال: أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز؛ لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله، وما وراءه بإزاء الفلوس. قال: وفي أكثر نسخ "المختصر" ذكر المسألة الثانية، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صلب العقد، ولأنه يجمع عليه لمعنى الربا م: (فيشيع وقد مر نظيره) ش: أي في البيع، وهو ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع يبطل البيع عنده في الكل.
م: (ولو كرر لفظ الإعطاء) ش: بأن قال: أعطني فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة م: (كان جوابه) ش: أي جواب أبي حنيفة م: (كجوابهما هو الصحيح) ش: أي كجواب أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- في الأصح لتفرق الصفقة بتكرر لفظ الإعطاء وفساد أحد البيعين لا يوجب فساد الآخر، وأشار إليه المصنف بقوله م: (لأنهما بيعان) ش: يعني بتكرر لفظ الإعطاء.
م: (ولو قال: أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز، لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله، وما وراءه بإزاء الفلوس) ش: وفي الأصل: ولو اشترى فقال: أعطني كذا كذا فلسا ودرهما صغيرا وزنه نصف درهم إلا قيراطا كان هذا جائزا كله إذا تقابضا قبل أن يتفرقا.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي أكثر نسخ المختصر) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ذكر المسألة الثانية) ش: وهي قوله أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز، يعني لم يذكر في أكثر نسخ المختصر المسألة الأولى، وهو قوله من أعطى الصيرفي درهما وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي، ولهذا قال في " شرح الأقطع ": وهو غلط من الناسخ.
وقال الكاكي: إنما ذكر المصنف هذا، يعني قوله نسخ المختصر دفعا لمؤاخذة ترد على صاحب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه ذكر في بعض النسخ المسألة، وأجاب بالجواز مطلقًا، وليس كذلك بالإجماع، أما عنده فظاهر لأنه يبطله في الكل. وأما عندهما يجوز في الفلوس ويبطل في الباقي، فعلم أن الجواز ليس بمطلق في المسألة الأولى، فذكر الجواب مطلقًا في بعض النسخ محمول على خطأ من الكاتب، والدليل عليه أن أكثر النسخ ذكر المسألة الثانية وأجاب بالجواز مطلقًا. م: (والله أعلم بالصواب) .

(8/418)