البناية شرح الهداية

باب كتاب القاضي إلى القاضي قال: ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد به عنده، للحاجة على ما نبين فإن شهدوا على خصم حاضر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب كتاب القاضي إلى القاضي]
[حكم كتاب القاضي إلى القاضي]
م: (باب كتاب القاضي إلى القاضي)
ش: أي هذا باب في بيان حكم كتاب القاضي إلى القاضي، أورد هذا في هذا الكتاب بعد فصل الحبس، لأن هذا من عمل القضاة أيضا، إلا أن السجن يتم بقاض واحد، وهذا باثنين، والواحد قبل الاثنين والقياس يأبى جواز العمل به، لما فيه من شبهة التزوير، إذ الخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم، إلا أنه جوز لحاجة الناس إليه، لحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جوزه لحاجة الناس إلى ذلك وعليه أجمع الفقهاء.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق) ش: التي تثبت مع الشبهات دون ما يندرئ بها م: (إذا شهد به عنده) ش: أي إذا شهد بالكتاب عند القاضي المكتوب إليه، وشهد على صيغة المجهول م: (للحاجة) ش: أي لحاجة الناس إليه م: (على ما نبين) ش: إشارة إلى قوله بعد هذا لمساس الحاجة ... إلى آخره.
وفي " الأجناس " لا يكتب القاضي إلى القاضي فيما ينقل ويمول مثل العبد والدابة، والثوب، ويكتب في العقار، ويسمع شهادة المشهور على ذلك إذا بين حدودها الأربع. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو كتبت في العبد، لكتب في الناقة والحمار وفي هذين لا أكتب، فكذلك في العبد ولا جعل الآبق.
قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكتب في العبد وفي الجارية لا يكتب في قولهم.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": أصله رواية بشر بن الوليد في الجارية. إلى هنا لفظ " الأجناس ".
وقال في شرح الطحاوي " وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبل في جميع ذلك، أي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المنقول وغيره، ثم قال فيه: والفتوى على هذا لتعامل الناس.
م: (فإن شهدوا على خصم حاضر) ش: المراد من الخصم هنا، الوكيل عن الغائب أو المسخر الذي جعل وكيلا لأجل إثبات الحق عليه، والمسخر هو الشخص الذي ينصبه القاضي من جهة

(9/35)


حكم بالشهادة لوجود الحجة وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا، وإن شهدوا به بغير حضرة الخصم لم يحكم؛ لأن القضاء على الغائب لا يجوز، وكتب بالشهادة ليحكم المكتوب إليه بها، وهذا هو الكتاب الحكمي، وهو نقل الشهادة في الحقيقة، ويختص بشرائط نذكرها إن شاء الله وجوازه لمساس الحاجة؛ لأن المدعي قد يتعذر عليه الجمع بين شهوده وخصمه، فأشبه الشهادة على الشهادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخصم، لإثبات الحق، ولو لم يكن خصما أصلا لا المدعى عليه ولا نائبه وقد حكم القاضي بالشهادة، كان قضاء على الغائب، وهو لا يجوز عندنا.
وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز الحكم على الغائب فلا يحتاج إلى خصم م: (حكم بالشهادة لوجود الحجة، وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا) ش: إذ السجل لا يكون إلا بعد الحكم م: (وإن شهدوا به بغير حضرة الخصم لم يحكم؛ لأن القضاء على الغائب لا يجوز، وكتب بالشهادة) ش: أي كتب القاضي بما يسمعه من الشهادة إلى القاضي م: (ليحكم المكتوب إليه) ش: أي القاضي المكتوب إليه م: (بها) ش: أي بهذه الشهادة، لكن إذا ثبت عنده أنه كتاب القاضي الكاتب، وهو بمنزلة نقل الشهادة.
م: (وهذا هو الكتاب الحكمي) ش: أي وهذا الكتاب إلى القاضي يسمى الكتاب الحكمي؛ لأنه يكتب ليحكم به القاضي المكتوب إليه م: (وهو نقل الشهادة في الحقيقة) ش: ألا ترى أن للقاضي الأول أن يبطله قبل أن يبعث به إلى الثاني، وكذا للثاني أن لا ينفذ بكتابه، إلا أن يكون ذلك برأيه كذا في " المبسوط " م: (ويختص) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي م: (بشرائط نذكرها إن شاء الله) ش: في هذا الباب، ومن الشرائط المعلومة خمسة.
ذكرها في " الذخيرة ": وهو أن يكون القاضي الكاتب معلوما، والقاضي المكتوب إليه معلوما، والمدعى به معلوما، والمدعى عليه معلوما، والمدعى به المعلوم ثم إعلام كل واحد من هؤلاء المذكورين يكون بذكر اسمه واسم أبيه واسم جده أو قبيلته؛ لأن إعلام الإنسان إذا كان غائبا بهذه الأشياء، ولو لم يذكر اسم أبيه وجده لا يحصل التعريف بالاتفاق، وبذكر أبيه دون جده وقبيلته يحصل التعريف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان مشهورا.
م: (وجوازه) ش: أي جواز نقل كتاب الناس إلى القاضي، وهذا هو الموعود بقوله على ما نبين م: (لمساس الحاجة) ش: أي لشدة حاجة الناس إليه م: (لأن المدعي قد يتعذر عليه الجمع بين شهوده وخصمه فأشبه الشهادة على الشهادة) ش: تقرير هذا أن جوازه ثابت لمشابهة الشهادة على الشهادة لاتحاد المناط، وهو تعذر الجمع بين الشهود والخصم، فكما تجوز الشهادة على الشهادة

(9/36)


وقوله في الحقوق يندرج تحته الدين والنكاح والنسب والمغصوب والأمانة المجحودة والمضاربة المجحودة؛ لأن كل ذلك بمنزلة الدين، وهو يعرف بالوصف لا يحتاج فيه إلى الإشارة، ويقبل في العقار أيضا لأن التعريف فيه بالتحديد، ولا يقبل في الأعيان المنقولة للحاجة إلى الإشارة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل في العبد دون الأمة؛ لغلبة الإباق فيه دونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لإحياء حقوق الناس، فكذلك جواز الكتاب لذلك ولا يراد بالشاهد القياس لما ذكرنا أنه مخالف للقياس فيراد به الاتحاد في مناط الاستحسان.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الحقوق يندرج تحته الدين والنكاح) ش: بأن ادعى رجلا نكاحا على امرأة، أو بالعكس، وكذلك الطلاق، إذا ادعت امرأة على زوجها م: (والنسب) ش: بأن ادعى نسبا من الميت م: (والمغصوب) ش: بأن ادعى غصبا على رجل م: (والأمانة المجحودة) ش: الوديعة التي جحدها المودع م: (والمضاربة المجحودة) ش: التي جحدها المضارب، وإنما قيد بالجحد فيهما؛ لأن المودع والمضارب لو كانا مقرين، فلا حاجة إلى كتاب القاضي. م: (لأن ذلك كله) ش: أي لأن المذكور من هذه الأشياء كله م: (بمنزلة الدين) ش: والدين يجوز فيه الكتاب، فكذا يجوز فيما كان بمنزلته.
م: (وهو) ش: أي الدين م: (يعرف بالوصف لا يحتاج فيه إلى الإشارة) ش: فإن قيل: لا نسلم عدم الاحتياج في الإشارة فيما سوى الدين، فإن الشاهد يحتاج أن يشير إلى الرجل والمرأة عند دعوى النكاح من الجانبين، وكذلك في الأمانة والمغصوب.
قلنا: لا بل النكاح ونظائره المذكورة، لا يحتاج إلى الإشارة؛ لأن دعوى المدعي يضمن النكاح لا نفس المرأة، وكذلك نظائره؛ لأنها من الأفعال، وإن كان يلزم في ضمنه الإشارة، والمدعى هو العقد م: (ويقبل في العقار أيضا) ش: أي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في دعوى العقار أيضا م: (لأن التعريف فيه) ش: أي في العقار م: (بالتحديد) ش: أي ببيان حدوده الأربعة.
م: (ولا يقبل) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي م: (في الأعيان المنقولة للحاجة إلى الإشارة) ش: عند الدعوى والشهادة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله - في العبيد والجوار، وهو القياس المنصوص عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز في المنقول، وهو أصح الروايتين عنه.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن كتاب القاضي إلى القاضي م: (يقبل في العبد دون الأمة؛ لغلبة الإباق فيه دونها) ش: أي في العبد دون الأمة، لأن العبد يخدم خارج البيت، فيقدر على الإباق غالبا فتمس الحاجة إلى الكتاب، بخلاف الأمة، فإنها تخدم في البيت

(9/37)


وعنه: أنه يقبل فيهما بشرائط تعرف في موضعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا تقدر على الإباق غالبا، فلا تمس الحاجة. كذا في " شرح أدب القاضي " للصدر الشهيد، قلت: أكثر جوار أهل مصر تخرج إلى الأسواق وغيرها في أكثر الأوقات.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها عنه بشر بن الوليد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يقبل) ش: كتاب القاضي إلى القاضي م: (فيهما) ش: أي في العبد والأمة م: (بشرائط تعرف في موضعها) ش: وموضعه كتاب الإباق من " المبسوط "، وأراد بها بيان حلية العبد وصفته، ونسبه الذي أخذه، والختم في عنقه، وأخذ الكفيل.
وصفة ذلك: بخارى أبق له عبد إلى سمرقند مثلا، فأخذه سمرقندي، ويجوز المولى ببخارى، فطلب من قاضي بخارى أن يكتب بشهادة شهوده عنده بحسب إلى ذلك، ويكتب شهد عندي فلان وفلان بأن العبد الذي من صفته كيت وكيت ملك فلان المدعي وهو اليوم بسمرقند بيد فلان بغير حق، ويشهد على كتابه شاهدين، ويعلمهما ما فيه، ويرسلهما إلى سمرقند، فإذا انتهى المكتوب إليه يحضر العبد مع من هو بيده ليشهدا عنده بالكتاب وبما فيه، فيقبل شهادتهما ويفتح الكتاب ويدفع العبد إلى المدعي، ولا يقضي له لأن شهادة شاهدين الملك لم يكن بحضرة العبد، ويأخذ كفيلا من المدعي بنفس العقد.
ويجعل في عتق العب خاتما من رصاص كيلا يتهم المدعي بالسرقة، ويكتب كتابا إلى قاضي بخارى ويشهد شاهدين على كتابه وختمه، وعلى ما في الكتاب فإذا وصل إلى قاضي بخارى ويشهد بالكتاب وختمه أمر المدعي بشهادة شهوده ليشهدوا بالإشارة إلى العبد، أنه حقه وملكه، فإذا شهدوا بذلك، قضى له بالعبد وكتب إلى ذلك القاضي بما ثبت عنده ليبرئ كفيله.
وفي رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن قاضي بخارى لا يقضي للمدعي بالعبد، لأن الخصم غائب، ولكن يكتب كتابا آخر إلى قاضي سمرقند فيه ما جرى عنده، ويشهد شاهدين على كتابه وختمه وما فيه، ويبعث بالعبد إلى سمرقند حتى يقضي له بحضرة المدعى عليه، فإذا وصل الكتاب إليه يفعل ذلك ويبرئ الكفيل وصفة الكتاب في الجواري صفته في العبد، غير أن القاضي لا يدفع الجارية إلى المدعي، ولكنه يبعث بها معه على يد أمين، لئلا يطأها قبل القضاء بالملك، زاعما أنها ملكه.
ولكن أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قالا: هذا استحسان، فيه بعض قبح، فإنه إذا دفع العبد يستخدمه قهرا، ويستعمله، فيأكل من غلبته قبل القضاء بالملك، وربما يظهر العبد لغيره؛ لأن الحلية والصفة يشتبهان، فإن المختلفين متفقان في الحلي والصفات

(9/38)


وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل في جميع ما ينقل ويحول وعليه المتأخرون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال، ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين؛ لأن الكتاب يشبه الكتاب، فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأنه ملزم، فلا بد من الحجة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالأخذ بالقياس أولى.

م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن كتاب القاضي إلى القاضي م: (يقبل في جميع ما ينقل ويحول وعليه) ش: أي وعلى قول محمد والمشايخ المتأخرون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول، وقال الأسبيجابي: وعليه الفتوى.
وفي " الخلاصة ": ولو كتب اسم القاضي ونسبه، ولم يكتب اسم القاضي والمكتوب إليه ونسبه ولكن كتب إلى من بلغ كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم لا يجوز، وأبي يوسف وسع وأجاز وعليه عمل الناس اليوم، ولو لم يكتب في الكتاب التاريخ لا يقبله، وإن كتب فيه تاريخا ينظر هل هو كان قاضيا في ذلك الوقت أم لا، ولا يكتفي بالشهادة، إذا لم يكتب مكتوبا.
وكذا كونه كتاب القاضي، لا يثبت بمجرد شهادتهم بدون الكتابة وكذا لو شهدوا على أصل الحادثة، ولم يكن مكتوبا، كذا كونه لم يعمل به إلى هنا لفظ " الخلاصة ".
وفي " شرح الطحاوي ": وكتاب القاضي إلى القاضي، في حقوق الناس من الطلاق والعتاق وغيرها جائز إلا في الحدود والقصاص، وفي خزانة الفقه ويجوز كتاب القاضي إلى القاضي في المصرين أو من قاضي مصر إلى قاضي رستاق، ولا يجوز من القاضي الرستاق إلى قاضي مصر.
م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين) ش: يعني لا يقبل القاضي المكتوب إليه، كتاب القاضي إليه إلا بحجة تامة، وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما في سائر الحقوق.
وكان الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: بجواز كتاب القاضي إلى القاضي بغير بينة، قياسا على كتاب أهل الحرب ويجيء الجواب عنه عن قريب م: (لأن الكتاب يشبه الكتاب، فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا) ش: أي اشتراط الحجة م: (لأنه) ش: أي لأن كتاب القاضي إلى القاضي م: (ملزم، فلا بد من الحجة) ش: وهذا عليه عامة الفقهاء.
وعن الحسن البصري والعنبري وأبي ثور والإصطخري، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في

(9/39)


بخلاف كتاب الاستئمان من أهل الحرب؛ لأنه ليس بملزم، وبخلاف رسول القاضي إلى المزكي ورسوله إلى القاضي؛ لأن الإلزام بالشهادة لا بالتزكية. قال: ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم؛ ليعرفوا ما فيه أو يعلمهم به، لأنه لا شهادة بدون العلم، ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم كيلا يتوهم التغيير، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -؛ لأن علم ما في الكتاب والختم بحضرتهم شرط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواية ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مثل قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا: إذا كان القاضي المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب وختمه قبله كما في سائر الاستئمان بقوله: م: (بخلاف كتاب الاستئمان من أهل الحرب؛ لأنه ليس بملزم) ش: فإن الإمام بالخيار إن شاء أعطى الأمان وإن شاء لم يعطه، فلا يشترط فيه البينة، وأجاب عن قولهم كما م: (وبخلاف رسول القاضي إلى المزكي ورسوله) ش: أي ورسول المزكي م: (إلى القاضي) ش: حيث يقبل من غير حجة تامة م: (لأن الإلزام بالشهادة) ش: إذ القضاء مضاف إلى الشهادة م: (لا بالتزكية) ش: أي ليس الإلزام بالتزكية، وهذا لو قضى بدون التزكية صح قضاؤه، وإنما التزكية لنوع رجحان الصدق.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقبل قوله يشير إلى أن رسول القاضي إلى القاضي غير معتبر أصلا في حق لزوم القضاء عليه ببينة وغيرها، والقياس يقتضي اتحاد كتابه ورسوله في القبول كما في البيع، فإنه ينعقد بكتابه وينعقد برسول أو اتحادهما في عدمه؛ لأن القياس يأبى جوازها وفرق بينهما بوجهين:
أحدهما: ورود الأثر في جواز الكتاب، وإجماع التابعين على الكتاب دون الرسول، فبقي على القياس.
والثاني أن الكتاب كالخطاب، والكتاب وجد من موضع القضاء، فكان الخطاب من موضع القضاء فيكون حجة، وأما الرسول فقائم مقام الرسل والمرسل في هذا الموضع من يقال، وقول القاضي في غير موضوع قضائه كقول واحد من الرعايا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويجب أن يقرأ) ش: القاضي الكتاب م: (الكتاب عليهم) ش: أي على الشهود م: (ليعرفوا فيه) ش: أي في الكتاب م: (أو يعلمهم) ش: أي أو يعلم القاضي الشهود م: (به) ش: أي بما في الكتاب م: (لأنه لا شهادة بدون العلم ثم يختمه) ش: أي الكتاب م: (بحضرتهم ويسلمه إليهم؛ كيلا يتوهم التغيير، وهذا) ش: أي ما ذكر من الوجهين م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية م: (لأن علم ما في الكتاب والختم بحضرتهم شرط) ش: ارتفاع شرط على الخبر والمبتدأ هو

(9/40)


وكذا حفظ ما في الكتاب عندهما، ولهذا يدفع إليهم كتابا آخر غير مختوم ليكون معهم معاونة على حفظهم. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا: شيء من ذلك ليس بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الختم ليس بشرط أيضا فسهل في ذلك لما ابتلي بالقضاء وليس الخبر كالمعاينة. واختار شمس الأئمة السرخسي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله هذا، وقوله: إن علم ما في الكتاب معناه، لا نعلم ما في الكتاب، فإن كان عند أحد وجه غير هذا فليبين. م: (وكذا) ش: أي وكذا بشرط م: (حفظ ما في الكتاب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون اشتراط حفظ ما في الكتاب م: (يدفع إليهم) ش: أي إلى الشهود م: (كتابا آخر غير مختوم ليكون معهم معاونة على حفظهم) ش: فإن فات شيء من الأمور لا يقبل الكتاب عندهما م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا) ش: أي في قوله الأخير، إنما قال ذلك لأن قوله الأول مثل قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (شيء من ذلك) ش: هذا مقول القول ولفظ شيء مبتدأ، وإن كان نكرة، لأنه تخصيص بقوله من ذلك إلى شيء كائن من ذلك، أي علم ما في الكتاب، وحفظه والختم بحضرتهم وقوله م: (ليس بشرط) ش: خبر المبتدأ المذكور م: (والشرط) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الختم ليس بشرط أيضا فسهل في ذلك لما ابتلي بالقضاء وليس الخبر كالمعاينة) ش: لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب، وليس في المعاينة احتمال م: (واختار شمس الأئمة السرخسي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: تيسيرا على الناس وأجمعوا في الصك أن الإشهاد عليه لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فاحفظ هذا، فإن الناس اعتادوا بخلاف ذلك يشهدون على ما في الصك غير قراءة الحدود وغير ذلك. كذا في " مختلفات القاضي " وما قالاه احتياط وما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - توسع.
ومن الشرائط عندهما، أن يحفظوا شهادة ما في الكتاب من وقت التحمل إلى وقت الأداء كما في جميع الشهادات. كذا في " الذخيرة ".
ومن الشرائط عندهما أن يكون الكتاب معنونا، بأن يكتب فيه: هذا كتاب من فلان بن فلان القاضي ببلد كذا إلى فلان بن فلان القاضي، والشرط العنوان الباطن عندهما، لا على

(9/41)


قال، فإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم، لأنه بمنزلة أداء الشهادة فلا بد من حضوره بخلاف سماع القاضي الكاتب، لأنه للنقل لا للحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنوان الظاهر، حيث لو ترك العنوان الظاهر انتفى المكتوب إليه بالعنوان، وجاز ذلك، وعلى العكس لا يجوز.
وصورة الظاهر في زماننا: أن يكتب قبل كتابة التسمية على جانب اليسار من فلان بن فلان إلى القاضي الإمام فلان بن فلان قاضي بلد كذا، ويكتب في جانب اليمين فوق كتابه: بسم الله الحق المبين ونحو ذلك إلى القاضي الإمام فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم فإن كتب إلى قاضي فلان كذا، وفي البلد قاضيان لا يصح، ولو كان قاض واحد يصح ثم يكتب على ظهر الكتاب من قبل اليسار على الصدر من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا ونواحيها، ويكتب على الظهر من قبل اليمين بسم الله الملك الحق المبين إلى قاضي بلد كذا فلان بن فلان وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، ثم يكتب البسملة هذا كتابي أطال الله بقاء فلان القاضي إلى آخره، كما هو الرسم في الكتاب ثم يكتب: أما بعد.
ثم اعلم أنهم اختلفوا في تقدير المسافة التي يجوز كتاب القاضي فيها، وكثير منهم قالوا: لا يجوز فيما دون مسافة السفر به.
قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في وجه، وحكى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه: أنه يجوز فيما دون السفر، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: هذا مذهب أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[شروط قبول كتاب القاضي إلى القاضي]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإذا وصل) ش: أي كتاب القاضي م: (إلى القاضي لم يقبله) ش: وفي بعض النسخ لم يفتكه من الافتكاك.
والأول أوقف لرواية الكتب في " الجوامع " " وفتاوى قاضي خان " م: (إلا بحضرة الخصم لأنه) ش: أي لأن الكتاب م: (بمنزلة أداء الشهادة، فلا بد من حضوره) ش: أي حضور الخصم م: (بخلاف سماع القاضي الكاتب) ش: حيث يسمع الشهادة وإن كان الخصم وهو المدعى عليه غائبا م: (لأنه) ش: أي لأن سماعه م: (للنقل لا للحكم) ش: فكان سماع تلك الشهادة بمنزلة تحمل الفرع شهادة الأصول، وفي التحمل لم يشترط حضور الخصم فكذا هنا.

(9/42)


قال: فإذا سلمه الشهود إليه نظر إلى ختمه، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقضائه وقرأه علينا وختمه ففتحه القاضي وقرأه على الخصم، وألزمه ما فيه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر، ولم يشترط في الكتاب ظهور العدالة للفتح، والصحيح أنه يفض الكتاب بعد ثبوت العدالة، كذا ذكره الخصاف لأنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود، وإنما يمكنهم أداء الشهادة بعد قيام الختم، وإنما يقبله المكتوب إليه إذا كان الكاتب على القضاء حتى لو مات أو عزل أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال في " شرح الأقطع ": وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبله من غير حضور خصم؛ لأن الكتاب يختص بالمكتوب إليه، فكان له أن يقبله، والحكم بعد ذلك يقع بما علمه من الكتاب، فاعتبر حضور الخصم عند الحكم به.
م: (قال: فإذا سلمه الشهود إليه) ش: وفي بعض النسخ قال أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سلم الشهود الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه م: (نظر إلى ختمه، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقضائه وقرأه علينا وختمه ففتحه القاضي) ش: المكتوب إليه م: (وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه) ش: أي في الكتاب م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : م: (إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر) ش: أشار إلى ما قال قبل هذا: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخر شيء من ذلك ليس بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه.
م: (ولم يشترط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الكتاب) ش: أي في "مختصره " م: (ظهور العدالة للفتح) ش: أي فتح الكتاب لأنه قال: فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه، وقرأه علينا وختمه: فتحه القاضي، ولم يقل فإذا شهدوا وعدلوا، فعلم أنه لم يشترط العدالة وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والصحيح أنه يفض الكتاب) ش: أي يفتحه ويفك ضمته م: (بعد ثبوت العدالة) .
م: (كذا ذكره الخصاف؛ لأنه ربما يحتاج) ش: أي المدعي م: (إلى زيادة الشهود) ش: إذا لم تظهر العدالة م: (وإنما يمكنهم أداء الشهادة بعد قيام الختم) ش: ليشهدوا أن هذا كتاب فلان القاضي وختمه، [ ... ] ، فلا يمكنهم ذلك م: (وإنما يقبله المكتوب إليه) ش: ذكر هذا تعريفا على ما تقدم من مسائل القدوري، أي وإنما يقبل الكتاب القاضي المكتوب إليه م: (إذا كان الكاتب على القضاء حتى لو مات أو عزل) ش: أي القاضي الكاتب م: (أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب)

(9/43)


لا يقبله؛ لأنه التحق بواحد من الرعايا، ولهذا لا يقبل إخباره قاضيا آخر في غير عمله، أو في غير عملهما، وكذلك لو مات المكتوب إليه إلا إذا كتب إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين؛ لأن غيره صار تبعا له، وهو معروف، بخلاف ما إذا كتب ابتداء إلى كل من يصل إليه على ما عليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه غير معرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: بأن فسق أو جن أو ارتد أو لحق بدار الحرب م: (لا يقبله) .
ش: وقال الشافعي وأبو يوسف - رحمهما الله - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبله ويعمل به، واستدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عدم القبول بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي الكاتب بالأمور المذكورة م: (التحق بواحد من الرعايا) ش: لأنه حينئذ خرج من أن يكون حاكما فلا ينفذ الحكم بكتابه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه ملتحقا بواحد من الرعايا م: (لا يقبل إخباره قاضيا آخر في غير عمله أو في غير عملهما) ش: يعني إذا أخبر القاضي قاضيا آخر في غير عمل المخبر لا يقبل كتابه، فلأن لا يقبل كتابه إذا عزل أو مات بالطريق الأولى، كذا قاله تاج الشريعة.
وفي " الذخيرة " [قال] قاضي خان: التقيا في عمل أحدهما أو في مصر ليس من عملهما، فقال أحدهما للآخر: ثبت عندي لفلان كذا فاعمل بما يحق لك لم يقبل منه، ولم ينفذه؛ لأن الخطأ والسماع أو أحدهما وجد من غير القاضي، حيث لم يكن في مكان ولايته م: (وكذلك) ش: أي وكذا لا يقبله قاضي آخر م: (لو مات المكتوب إليه) ش: لأنه كتب إلى غيره، وقد مات م: (إلا إذا كتب إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين) ش: فحينئذ يقبل الكتاب بعد موت قاضي تلك البلدة المكتوب إليه م: (لأن غيره) ش: أي غير المكتوب إليه م: (صار تبعا له، وهو معروف) ش: أي معلوم الذي صار تبعا معلوم.
م: (بخلاف ما إذا كتب ابتداء) ش: من قاضي كورة كذا فلان بن فلان الفلاني م: (إلى كل من يصل إليه) ش: من قضاة المسلمين، حيث لم يقبل م: (على ما عليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه غير معرف) ش: أي مجهول حاصل الكلام أما في الصورة الأولى صرح الكتاب باعتماده على الكل بعد تعريف واحد منهم، بقوله إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، أو إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين؛ لأنه أتى بما هو شرط، وهو أن يكون من معلوم، ثم صير غيره تبعا له.
وأما في الصورة الثانية، فإن كتب ابتداء من فلان بن فلان قاضي بلد كذا إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، فإنه لا يصلح لأنه معلوم إلى مجهول، والعلم فيه شرط، وهو

(9/44)


ولو كان مات الخصم ينفذ الكتاب على وارثه لقيامه مقامه، ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص؛ لأن فيه شبهة البدلية فصار كالشهادة على الشهادة ولأن مبناهما على الإسقاط وفي قبوله سعي في إثباتهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: الظاهر أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه وقيل رد لقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوازه، فإنه حين ابتلي بالقضاء وسع كثيرا، تسهيلا للأمر على الناس.
م: (ولو كان مات الخصم) ش: يعني لو مات المدعى عليه قبل وصول كتاب القاضي إلى القاضي م: (ينفذ) ش: القاضي المكتوب إليه م: (الكتاب على وارثه) ش: أي ورثة الخصم م: (لقيامه) ش: أي لقيام الورثة م: (مقامه) ش: أي مقام الخصم م: (ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وفي قول آخر: يقبل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن الاعتماد على الشهود [ ... ] م: (لأن فيه) ش: أي في كتاب القاضي م: (شبهة البدلية) ش: لأن للمكتوب إليه صار بدلا عن الكاتب، لأنه لم يشاهد الشهادة م: (فصار كالشهادة على الشهادة) ش: وهي غير مقبولة فيهما، فلا يقبل فيما يسقط بالشبهات م: (ولأن مبناهما) ش: أي مبنى الحدود والقصاص م: (على الإسقاط وفي قبوله) ش: أي وفي قبول كتاب القاضي إلى القاضي فيهما م: (سعى في إثباتهما) ش: فلا يجوز، والله أعلم.

(9/45)


فصل آخر ويجوز قضاء المرأة في كل شيء إلا في الحدود والقصاص اعتبارا بشهادتها فيهما وقد مر الوجه،
وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك، لأنه قلد القضاء دون التقليد به، فصار كتوكيل الوكيل، بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث يستخلف؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل قضاء المرأة]
فصل آخر أي هذا فصل آخر، قيل لم يمض في هذا الباب فصل قبل هذا حتى يقول فصل آخر، وأجيب بأن هذا فصل آخر في كتاب " أدب القاضي "، فإنه تقدم فصل في الحبس وهذا فصل آخر م: (ويجوز قضاء المرأة في كل شيء) ش: وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز لأن المرأة ناقصة للعقل غير أهل للحضور مع الرجال ومحافل الخصوم م: (إلا في الحدود والقصاص) ش: مجمع عليه في عدم الجواز م: (اعتبارا بشهادتهما فيهما) ش: أي قياسا على شهادتهما فإن شهادتها جائزة م: (وقد مر الوجه) ش: أي مر وجه هذا في أول أدب القاضي "، أن حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة، لأن كل واحد منهما من باب الولاية، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء، وهي أهل للشهادة في غير الحدود والقصاص، فهي أهل للقضاء في غيرهما.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل: أراد به ما مر من قبل بخطوط من قوله لأن فيه شبهة البدلية، فإنه يدل على أن ما فيه شبهة البدلية لا يعتبر فيها فشهادتها كذلك، وقضاؤها مستفاد من شهادتها، انتهى.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: وقد مر الوجه أي في كتاب الحدود، أن فيها شبهة البدلية، قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] ... الآية (البقرة الآية: 282) .

[استخلاف القاضي]
م: (وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك) ش: أي الاستخلاف، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولو أذن له في الاستخلاف يجوز بلا خلاف. ولو نهاه عن الاستخلاف لا يجوز بلا خلاف. ولو ولاه وسكت عن الإذن والنهي، فعندنا لا يجوز، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وعن الإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إذا ولاه في عمل لا يقدر أن يتولاه بنفسه م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (قلد القضاء دون التقليد به) ش: أي بالقضاء م: (فصار) ش: أي حكمه م: (كتوكيل الوكيل) ش: فإن الوكيل لا يملك إلا إذا فوض إليه ذلك، لأنه مطلق التفويض ليس بإذن الاستخلاف م: (بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث يستخلف) ش: أي

(9/46)


لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا في الاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء، ولو قضى الثاني بمحضر من الأول، أو قضى الثاني فأجاز الأول جاز كما في الوكالة، وهذا لأنه حضره رأي الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث يجوز له الاستخلاف.
وإن لم يأذن له بذلك م: (لأنه) ش: أي لأن أداء الجمعة م: (على شرف الفوات لتوقته) ش: أي لتوقت أداء الجمعة بوقف تفوت بانقضائه؛ لأن الموانع من إقامتها من المرض والحدث في الصلاة وغيرهما، قد يعتبر به شيء من ذلك، مع ضيق الوقت، ولا يمكن انتظار الإمام الأعظم، لأنها لا تحتمل التأخير عن الوقت م: (فكان الأمر به) ش: أي بأداء الجمعة م: (إذنا بالاستخلاف دلالة) ش: أي من حيث الدلالة وإن لم يكن صريحا.
لكن إنما يجوز ذلك إذا كان ذلك الغير سمع الخطبة؛ لأنها من شرائط افتتاح الجمعة، فلو افتتح الأول الصلاة ثم سبقه الحدث، فاستخلف من لم يشهدها جاز؛ لأن المستخلف [ ... ] مفتتح، واعترض بمن أفسد صلاته، ثم افتتح بهم الجمعة، فإنه جاز وهو مفتتح في هذه الحالة، لم يشهد الخطبة، وأجيب بأنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة للأول، التحق بمن يشهد الخطبة.
م: (ولا كذلك القضاء) ش: أي ليس القضاء كالجمعة؛ لأنه غير موقت يفوت بالتأخير عند العذر م: (ولو قضى الثاني) ش: يعني لو استخلف القاضي بدون الإذن من الإمام، وقضى هذا النائب كيف يكون حكمه؟ قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو قضى الثاني) ش: أي ولو حكم نائبه الذي ولاه م: (بمحضر من الأول) ش: وهو القاضي المولى من الإمام م: (أو قضى الثاني) ش: وهو النائب عند غيبة المستنيب م: (فأجاز الأول) ش: وهو القاضي المستخلف م: (جاز) ش: إذا كان من أهل القضاء م: (كما في الوكالة) ش: فإن الوكيل إذا لم يأذن له الموكل بالتوكيل، فوكل وتصرف بحضرة الأول وأجازه الأول جاز م: (وهذا) ش: أي وجه الجواز م: (لأنه) ش: هذا يصلح أن يكون دليلا للمسألتين.
أما في هذه المسألة فلأنه، أي فلأن الخليفة م: (حضره رأي الأول) ش: أي رأي القاضي الأول الذي ولاه الخليفة وقت قعوده لاعتماده على علمه وعمله والحكم الذي حضره القاضي، أو أجازه قضاء حضره رأي القاضي فيكون راضيا به.
وأما في الولاية فيجيء في كتابها، فإن قيل: الإذن في الابتداء كالإجازة في الانتهاء فلم اختلف في الجواز وعدمه؟ فأجيب بالمنع، فإن الالتفات أسهل من الابتداء، وإن الحكم الذي

(9/47)


وهو الشرط. وإذ فوض إليه يملكه فيصير الثاني نائبا عن الأصل حتى لا يملك الأول عزله إلا إذا فوض إليه العزل هو الصحيح
قال: وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع، بأن يكون قولا لا دليل عليه. وفي " الجامع الصغير ": وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي، ثم جاء قاض آخر يرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أدى له القاضي به في الابتداء لم يحضره رأي القاضي فكأنه رضي الخليفة بتولية القاضي مقيدا به.
م: (وهو الشرط) ش: أي حضور رأي الأول هو شرط الجواز م: (وإذا فوض إليه يملكه) ش: أي إذا قال الخليفة القاضي: ولمن شئت كان له أن يولي غيره م: (فيصير الثاني نائبا عن الأصل) ش: أي فيصير النائب الذي ولاه القاضي المفوض إليه نائبا عن الخليفة م: (حتى لا يملك الأول عزله، إلا إذا فوض إليه العزل وهو الصحيح) ش: أي القاضي الأول لا يملك عزل القاضي الثاني الذي هو نائب القاضي المولى من جهة الخليفة؛ لأنه صار قاضيا من جهة الخليفة، فلا يملك القاضي المستنيب عزله، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يملك عزله لأنه نائبه، فصار كوكيله. قلنا: إنه صار قاضيا من جهة الخليفة إلا أن يقول له الخليفة: ولي من شئت واستبدل من شئت، فصار كالوكيل إذا قال له الموكل: اعمل برأيك، صح توكيله على الموكل وصار الثاني وكيله الموكل حتى لو مات الموكل، انعزل الأول والثاني، ولو مات الأول، لا ينعزل وكيله. فكذا إذا عزله الأول.

[الحكم إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم]
م: (وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه) ش: أي نفذه م: (إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع) ش: كالحكم ببطلان قضاء القاضي في المجتهدات كالحكم بحل متروك التسمية عامدا، فإنه مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] م: (الأنعام: الآية 121) ش: أي أو سنته المشهورة كالحكم بحل المطلقة ثلاثا بمجرد نكاح الزوج الثاني بلا دخول على مذهب سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن اشتراط الدخول ثابت بالحديث المشهور وهو حديث العسيلة م: (بأن يكون قولا لا دليل عليه) ش: بيان لمخالفة الإجماع، كما إذا مضى على الدين سنون، فحكم بسقوط الدين عمن عليه.
لتأخير المطالبة، فإنه لا دليل شرعي على ذلك، وعلى النسخة الأولى يكون قوله بأن يكون تعليلا للاستثناء فكأنه يقول عدم تنفيذه إذا كان مخالفا للأدلة المذكورة، بسبب أنه يكون قولا لا دليل عليه.
م: (وفي " الجامع الصغير ": وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي، ثم جاء قاض آخر يرى

(9/48)


غير ذلك أمضاه والأصل أن القضاء متى لاقى فصلا مجتهدا فيه ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن اجتهاد الثاني كاجتهاد الأول، وقد يرجح الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه، ولو قضى في المجتهد فيه، مخالفا لرأيه، ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان عابدا، ففيه روايتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير ذلك أمضاه) ش: أي غير ما قضى به الأول، إنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " بهذا للفظ؛ لأن فيه فائدتين:
إحداهما: أنه قيد بالفقهاء؛ لأن القاضي إذا كان غير عالم بموضع الاجتهاد، فاتفق قضاؤه، فعلى قول عامة المشايخ لا يجب على الثاني تنفيذه. كذا ذكره في " فصول الاستروشيني " - رَحِمَهُ اللَّهُ - محالا إلى " المحيط ". وفي " الذخيرة ": لا ينفذه المدفوع إليه على قول العامة.
والفائدة الثانية: أنه قيد بقوله يرى غير ذلك، ففي رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يتعرض بذلك فيحتمل أن قوله أمضاه فيما إذا كان رأي القاضي موافقا لحكم الأول، فإذا كان مخالفا لا يمضيه، فأبانت رواية " الجامع " بأن ذلك الإمضاء عام، فيما سوى المستثنيات، سواء كان يوافق رأيه أو يخالفه؛ لأن الحكم لاقى مجتهدا فيه، ولا ينقضي باجتهاد آخر.
وقد صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قلد القضاء لأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد كثرة اشتغاله، فاختصم إلى أبي الدرداء رجلان في شيء فقضى لأحدهما، ثم لقي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المقضى عليه، فسأله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن حاله، فقال قضى علي، فقال عمر: لو كنت مكانه لقضيت لك، فقال المقضى عليه وما يمنعك من القضاء فقال عمر: ليس هنا نص والرأي مشترك، ويروى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعان بزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقضى زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بين رجلين ثم لقي عمر أحد الخصمين، فقال: إن زيدا قضى علي، والباقي نحوه، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في حادثة بقضية، ثم قضى فيها بخلاف ذلك، فقيل له في ذلك فقال تلك كما قضيناه هذه كما نقضي.
م: (والأصل) ش: أي في تنفيذ القاضي ما رفع إليه إذا لم يكن مخالفا للأدلة المذكورة م: (أن القضاء متى لاقى فصلا مجتهدا فيه) ش: وفي بعض النسخ: محلا مجتهدا فيه م: (ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن الاجتهاد الثاني كاجتهاد الأول) ش: في أن كلا منهما يحتمل الخطأ م: (وقد يرجح الاجتهاد الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه) ش: درجة، وهو لم يتصل القضاء به م: (ولو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه) ش: حال كونه م: (ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان عابدا ففيه روايتان) ش: وفي بعض النسخ: فعنه أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان:

(9/49)


ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين. وعندهما لا ينفذ في الوجهين؛ لأنه قضى بما هو خطأ عنده وعليه الفتوى. ثم المجتهد فيه أن لا يكون مخالفا لما ذكرنا، والمراد بالسنة المشهورة منها وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في رواية: لا ينفذ وبه يفتي شمس الأئمة، والأوزجندي؛ لأنه زعم فساد قضائه فتعامل في حقه بزعمه، وفي رواية ينفذ وبه كان يفتي الصدر الشهيد والمرغيناني - رحمهما الله - وأشار إلى وجه هذا بقوله: م: (ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين) ش: لأن كل مجتهد لا يقطع القول بأن الصواب اجتهاده دون اجتهاد خصمه، بل الأمر محتمل عنده، فتعين الصواب فيما اتصل به القضاء حملا للأمر القضاء على الصواب. وذكر في " الذخيرة " الاختلاف في نفاذ القضاء، وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حل الإقدام على القضاء.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا ينفذ في الوجهين) ش: أي النسيان والعمد وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد - رحمهما الله تعالى - م: (لأنه قضى بما هو خطأ عنده) ش: فيعمل بزعمه قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وعليه الفتوى) ش: لأنه زعم فساد قضائه والمرء مؤاخذ بزعمه، كذا في " المحيط ".
وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفاذ القضاء على خلاف المذهب، وفي " فتاوى ظهير الدين " - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحق للسلطان أن ينقض ذلك.
م: (ثم المجتهد فيه أن لا يكون مخالفا لما ذكرنا) ش: من الكتاب والسنة المشهورة والإجماع م: (والمراد بالسنة المشهورة) ش: بالرفع لأن خبر لقوله والمراد أي المراد من السنة ليس مطلق السنة بل السنة المشهورة م: (منها) ش: أي من السنة.
والمراد من مخالفة الكتاب مخالفة نص الكتاب الذي لم يختلف السلف في تأويله كقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ، فإن السلف اتفقوا على عدم جواز تزوج امرأة الأب وجاريته ووطئها إن وطئها الأب، فلو حكم حاكم بجواز ذلك نقضه، من دفع إليه م: (وفيما اجتمع عليه) ش: أي في الذي اجتمع عليه م: (الجمهور) ش: أي جمهور العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أي أكثرهم، وأجلهم م: (لا يعتبر مخالفة البعض) ش: أي بعض العلماء - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا حكم الحاكم بخلاف ما عليه الأكثر كان حكمه على خلاف الإجماع نقضه من رفع إليه.

(9/50)


وذلك خلاف وليس باختلاف، والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول.
قال: وكل شيء قضى به القاضي في الظاهر بتحريمه، فهو في الباطن كذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلا عن السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وينبغي أن يحمل كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا على ما إذا كان الواحد المخالف ممن لم يسوغ اجتهاده، وذلك لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في جواز ربا الفضل، فإنه لم يسوغ له ذلك فلم يتبعه أحد وأنكروا عليه، فإذا حكم حاكم بجواز ذلك، وجب نقضه لأن الإجماع منعقد على الحرمة بدونه، فأما إذا سوغ له ذلك، لم ينعقد الإجماع بدونه، كقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في اشتراط حجب الأم من الثلث إلى السدس بالجمع من الإخوة وفي إعطائها ثلث الجميع بعد فرض أحد الزوجين، فإن حكم به لم يكن مخالفا للإجماع، وهذا هو المختار عند شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولعله اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحمل على قول من يرى أن خلاف الأقل غير مانع لانعقاده، لأنه ليس بصحيح عند عامة العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وذلك) ش: أي مخالفة البعض لما اجتمع عليه الجمهور م: (خلاف) ش: أي مخالفة للأكثر م: (وليس باختلاف) ش: لم يذكر أحد الفرق حينما وقعت عليه من الشروح والفرق بينهما إن الاختلاف أن يكون الطريق مختلفا.
والمقصود واحد كخلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والخلاف هو أن يكون الطريق مختلفا والمقصد مختلفا، فافهم فإنه دقيق م: (والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول) ش: وهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وفي " الذخيرة ": إنما اعتبر الخصاف الخلاف بين المتقدمين، والمراد من المتقدمين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن معهم من السلف، ولم يعتبر الخلاف بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والعبرة لحقيقة الاختلاف في صيرورة المحل مجتهدا فيه. انتهى.
والخلاف الذي يجعل المحل مجتهدا فيه هو الاختلاف الذي كان بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا الذي يقع بعدهم، فعلى هذا إذا حكم الشافعي والمالكي برأيه بما يخالف رأي من تقدم عليه من الصدر الأول، ورفع ذلك إلى حاكم لم ير بذلك كان له أن ينقضه.

[حكم الباطن فيما قضى به القاضي في الظاهر]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكل شيء قضى به القاضي في الظاهر) ش: أي فيما بينا م: (بتحريمه، فهو في الباطن) ش: أي عند الله م: (كذلك) ش: أي حرام م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ومن صور التحريم ادعت على زوجها أنه

(9/51)


فالقاضي يقضي وكذا إذا قضى بإحلال، وهذا إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح.
قال: ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طلقها ثلاثا، أو أقامت بينة كاذبة وقضى القاضي بالفرقة، وتزوجت بآخر بعد انقضاء العدة، فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا: لا يحل للزوج الأول وطئها ظاهرا أو باطنا، ويحل للثاني ظاهرا وباطنا علم بحقيقة الحال أولا.
وعلى قول أبي يوسف آخرا ومحمد والشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله - لا يحل للثاني وطئها إذا كان عالما بحقيقة الحال، ومن صورة التحريم أيضا وصبي وصبية سبيا وهما صغيران، فكبرا وأعتقا، ثم تزوج أحدهما الآخر، فجاء حربي مسلما، وأقام بينة أنهما ولداه.
م: (فالقاضي يقضي) ش: بنسبهما ويفرق بينهما، فإن رجع الشهود، أو تبين أنهم زور، لا يسع للزوج وطأها عنده، لأن القضاء بالحرمة نفذ ظاهرا وباطنا، وكذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يعلم حقيقة كذب الشهود.
م: (وكذا إذا قضى) ش: القاضي م: (بإحلال) ش: يعني إذا قضى القاضي بإحلال شيء في الظاهر، فهو في الباطن كذلك، ومن صوره رجل ادعى على امرأة نكاحا، وهي تجحد، فأقام عليها شاهدي زور، وقضى القاضي بالنكاح بينهما، حل للزوج وطأها، وحل للمرأة التمكين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله الأول.
وعند محمد وأبي يوسف في قوله الأخير، وزفر والأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يحل لهما ذلك م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح) ش: كنكاح وبيع وطلاق وعتاق لا في الأملك المرسلة مثل أن يدعي الملك، ولم يذكروا السبب، فإن الحكم فيها بشهادة الزور، لا ينفذ باطنا بالإجماع.
ومن صور البيع: ما إذا قضى القاضي بالبيع بشهادة الزور، سواء كانت الدعوى من جهة المشتري، مثل أن قال: بعتني هذه الجارية، أو من جهة البائع مثل أن يقول: اشتريت مني هذه الجارية، فإنه يحل للمشتري وطؤها في الوجهين جميعا.

[القضاء على الغائب]
م: (ولا يقضي القاضي على غائب) ش: ولا يقضي له أيضا عندنا م: (إلا أن يحضر من يقوم مقامه) ش: مثل وكيل الغائب أو وصيه. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: إذا كان غائبا

(9/52)


لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق. ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة، ولا منازعة بدون الإنكار، ولم يوجد، ولأنه يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء؛ لأن أحكامهما مختلفة، ولو أنكر ثم غاب، فكذلك الجواب؛ لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن البلد أو عن مجلس الحكم إذا كان مستترا في البلد قولا واحداَ، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ولو كان غائبا في مجلس الحكم غير مستتر في البلد فقولان أصحهما: أنه لا يحكم بدون حضوره، وبه قال مالك وأحمد، إذ في المستتر تضييع الحقوق، وفي غيره: لا. والثاني أنه يجوز م: (لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق) ش: فيحل للقاضي العمل بمقتضاها م: (ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة) ش: لأن الشهادة خبر تحتمل الصدق والكذب، ولا يجوز بناء الحكم على الدليل المحتمل، لأن الشرع جعلها حجة ضرورة قطع المنازعة، ولهذا إذا كان الخصم حاضرا وأقر بالحق لا حاجة إليها م: (ولا منازعة بدون الإنكار) ش: يعني لا تكون المنازعة إلا بالإنكار م: (ولم يوجد) .
ش: فإن قيل: قد قلتم بالشهادة بدون الإنكار إذا حضر الخصم وسكت.
أجيب: بأن الشرع أنزله منكرا حملا لأمره على الصلاح، إذ الظاهر من حال المسلم أن لا يسكت إن كان عليه حق، وكذا في " المبسوط " و" الأسرار " و" الذخيرة ".
فإن قيل: وقف الحكم إلى الحضور المدعى عليه بعد ثبوت البينة غير مفيد، لأن المدعى عليه لو حضر، فإما أن يقر أو ينكر، فعلى الوجهين كان الدعوى لازمة.
قلنا: بل هو مفيد، لأنه يحتمل أن يطعن في البينة، ويثبت طعنه بالحجة ويحتمل أنه يسلم الدعوى، ثم ادعى الأداء إلى المدعي ويثبت بالحجة.
م: (ولأنه) ش: دليل آخر على المطلوب أي ولأن البيان م: (يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء) ش: على الحاكم م: (لأن أحكامهما) ش: أي أحكام القضاء بالبينة، والإقرار م: (مختلفة) ش: فإن حكم القضاء بالبينة وجوب الضمان على الشهود عند الرجوع، ويظهر في الزوائد المتصلة والمنفصلة، فإن الرجل إذا اشترى جارية مولده عنده، فاستحقها رجل بالبينة، فإنه يأخذها وولدها، وإن أقر بها لرجل لم يأخذ ولدها، لأن البينة حجة مطلقة بخلاف الإقرار، فإنه حجة قاصرة لانعدام الولاية على الغير م: (ولو أنكر) ش: المدعى عليه م: (ثم غاب فكذلك الجواب) ش: يعني لا يقضي القاضي في غيبته م: (لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء) ش: لأن البينة إنما تظهر حجة بالقضاء، وبقاؤه شرط وهو محتمل هاهنا.

(9/53)


وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن يقوم مقامه قد يكون نائبا بإنابته كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفيه) ش: أي وفي الوجه م: (خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول الشرط الإصرار على الإنكار إلى وقت القضاء، وهو ثابت بعد غيبته بالاستصحاب، وأجيب أن الاستصحاب يصلح للدفع لا للإثبات.
فإن قلت: احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على المدعي» ، فاشتراط حضور الخصم لإقامة البينة زيادة عليه، وما قالت هند - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "يا رسول الله إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» فقد قضى عليه وهو غائب.
قلت: حجتنا نحن بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تقض لأحد الخصمين بشيء حتى تسمع كلام الآخر، فإنك لا تدري بما تقضي» رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال: هذا حديث حسن.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي» فدليلنا لأن البينة اسم لما يحصل به التبيان، وليس المراد بالبيان في حق المدعي؛ لأنه حاصل بقوله، ولا في حق القاضي، لأنه حاصل بقول المدعي إذا لم يكن له منازع إنما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاهد، وذلك إلا بحضوره.
وأما الجواب: عن حديث هند - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان عالما باستحقاق النفقة على أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ألا ترى أنها لم تقم البينة، وقيل: كان هذا فتوى وليس بحكم.
م: (ومن يقوم مقامه) ش: لما ذكر إن القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يحضر من يقوم مقامه بين ذلك بقوله، ومن يقوم مقامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي مقام المدعى عليه الغائب، ولا يخلو هذا إلا بأن يكون م: (قد يكون نائبا بإنابته، كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي) ش: قيد به احترازا عن المسخر من جهة القاضي، فإن فيه اختلاف الروايتان. وذكر في " الذخيرة ": وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع القاضي الخصومة عليه وكذا لو أحضر المدعي رجلا غير الخصم ليسمع القاضي الخصومة عليه.

(9/54)


وقد يكون حكما بأن كان ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر، وهذا في غير صورة في الكتب. أما إذا كان شرطا لحقه فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقاضي يعلم أنه ليس بخصم لا يسمع الخصومة عليه، ولا على المسخر، وإنما يجوز نصب الوكيل عن خصم اختفى في بيته، ولا يحضر مجلس الحكم ولكن بعد بعث في بعثائه إلى باب داره ونادى على باب داره، وقال: احضر مجلس الحكم وإلا يحكم عليك. أما في غير ذلك الموضع فلا.
م: (وقد يكون حكما) ش: هذا عطف على قوله: قد يكون بإنابته، أي قد يكون من يقوم مقامه حكما م: (بأن كان يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر) ش: أي يكون سببا لا محالة، أما إذا كان سببا في وقت دون وقت، لا ينصب الحاضر خصما عن الغائب. كما إذا قال رجل لامرأة رجل غائب: إن زوجك وكلني أن أحملك إليه، فقالت: قد طلقني ثلاثا، وبرهنت قبلت في حق قصر يد الوكيل عنها لا في حق إثبات الطلاق على الغائب حتى لو حضر الغائب وأنكر الطلاق، أعادت البينة. وأما صورة كون ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر فكثيرة، منها رجل أقام بينة على آخر أن هذه الدار له، اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها، وذو اليد غصبها منه وهو ينكر قبلت بينته، ويكون ذلك قضاء على الحاضر والغائب، حتى لو حضر الغائب، وأنكر البيع، لا يلتفت إلى إنكاره؛ لأن الشراء من المالك سبب لما يدعي على الحاضر فصار الحاضر كالوكيل عن الغائب فصار إنكاره كإنكار الغائب.
م: (وهذا) ش: أي ما يدعي على الغائب سببا لا محالة لما يدعيه على الحاضر م: (في غير صورة في الكتب) ش: ولهذا قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتفسير ذلك في مسائل منها ما ذكرناه الآن، ومنها إذا ادعى على رجل أنه كفيل عن فلان بما يذوب له عليه، فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر الحق، فبرهن أنه ذاب له على فلان ألف درهم، فإنه يقضي بها، ومنها إذا ادعى الشفعة في دار إنسان، وقال ذو اليد ما اشتريتها من أحد والدار داري، فيبرهن المدعي أنه اشتراها من فلان الغائب، وهو يملكها وأنه شفيعها، ويقضي بالشراء في حق ذي اليد والغائب جميعا.
م: (أما إذا كان شرطا) ش: يعني أما إذا كان ما يدعي على الغائب شرطا م: (لحقه) ش: أي لحق المدعي على الحاضر كمن قال لامرأته: إن طلق فلان امرأته فأنت طالق، فادعت امرأة الحالف عليه أن فلانا طلق امرأته وأقامت على ذلك بينة، فلا تصح هذه البينة ولا يقضي بوقوع الطلاق عليها أشار بقوله م: (فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب) ش: وهو قول عامة المشايخ

(9/55)


وقد عرف تمامه في " الجامع ".
قال: ويقرض القاضي أموال اليتامى ويكتب ذكر الحق؛ لأن في الإقراض مصلحتهم لبقاء الأموال محفوظة مضمونة. والقاضي يقدر على الاستخراج والكتابة ليحفظه، وإن أقرض الوصي ضمن؛ لأنه لا يقدر على الاستخراج. والأب بمنزلة الوصي في أصح الروايتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن بينتها على فلان الغائب لا تصح، لأن ذلك ابتداء القضاء على الغائب.
وقال فخر الإسلام الأوزجندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن البينة تقبل، ويجعل الحاضر خصما عن الغائب كما في السبب، لأن الدعوى والمدعي كما يتوقف على السبب يتوقف على الشرط.
فإن قيل: أليس لو قال لها: إن دخل فلان الدار فأنت طالق، فأقامت المرأة البينة أنه دخل وفلان غائب، كانت البينة صحيحة.
الجواب: إنما صحت هناك لأنه ليس فيها إبطال حق الغائب، فلا يكون قضاء على الغائب. م: (وقد عرفت تمامه) ش: أي تمام هذا المذكور من المسألة م: (في الجامع) ش: الصغير.

[إقراض القاضي من مال اليتامى]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويقرض) ش: من الإقراض بالضاد المعجمة وفاعله م: (القاضي أموال اليتامى) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي إلى الثقات والثقة الملي الحسن المعاملة.
وفي الأقضية إنما يملك القاضي الإقراض إذا لم يحصل غلبة لليتيم، أما إذا وجد فلا يملكه، هكذا روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويكتب ذكر الحق) ش: أي يكتب كتابا وهو الصك لأجل ذكر الحق، وهو الإقراض م: (لأن في الإقراض) ش: أي في إقراض أموالهم م: (مصلحتهم) ش: أي مصلحة اليتامى م: (لبقاء الأموال محفوظة) ش: فإن القاضي لكثرة اشتغاله قد يعجز عن الحفظ بنفسه م: (مضمونة) ش: لأن بالقرض تصير أموالهم مضمونة، فيقرضها، بخلاف الوديعة فإنه وإن حصل الحفظ بها فليست بمضمونة بالهلاك فلم تكن مضمونة.
فإن قيل: نعم هو كذلك، لكن لو لم يؤمن التوى بجحود المستقرض، أجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا بقوله: م: (والقاضي يقدر على الاستخراج) ش: لكونه معلوما له م: (والكتابة ليحفظه) ش: أي لتحفيظ القاضي بالكتابة، وينتفي النسيان بها م: (وإن أقرض الوصي) ش: أي مال اليتيم م: (ضمن لأنه لا يقدر على الاستخراج) ش: لبقاء مخافة التوى، وإن كان الحفظ والضمان موجودين م: (والأب) ش: في إقراض مال الصغير م: (بمنزلة الوصي) ش: حيث لا يجوز له الإقراض م: (في أصح الروايتين) ش: وهو اختيار الإمام فخر الإسلام والصدر الشهيد

(9/56)


لعجزه عن الاستخراج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والعتابي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لعجزه) ش: [أي] الأب م: (عن الاستخراج) ش: وفي رواية يجوز له ذلك، لأن ولاية الأب تعم المال والنفس، كولاية القاضي وشفقته تمنعه من ترك النظر له، والظاهر أنه يقرضه ممن يأمن جحوده، وإن أخذه الأب قرضا لنفسه، قالوا: يجوز، وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ليس له ذلك.

(9/57)