البناية
شرح الهداية باب التحكيم وإذا حكم رجلان رجلا فحكم
بينهما ورضيا بحكمه جاز؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ
حكمه عليهما، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم؛ لأنه بمنزلة القاضي فيما
بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب التحكيم]
[تعريف التجكيم ومشروعيته]
م: (باب التحكيم)
ش: أي هذا باب في بيان التحكيم، وهو مصدر من حكم بالتشديد، يقال: حكمه، أي
فوض إليه الحكم، وهو أيضا من أنواع القضاء، إلا أنه أخر ذكره؛ لأن حكمه
أدنى حالا من حكم القاضي، وهذا إذا خالف حكمه مذهب القاضي الذي ينمي إليه
أبطله، ولهذا لا يجوز حكمه في الحدود والقصاص، بخلاف حكم القاضي.
ويجوز حكم القاضي رضي الخصم بذلك أم لا، ولا يجوز حكم المحكم إلا برضى
الخصمين، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:
{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:
35] (النساء الآية 35) ، فلما جاز التحكيم بين الزوجين دل على جوازه في
سائر الخصومات. وأما السنة ما «روى أبو شريح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه
قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن قومي إذا
اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي عني الفريقان، فقال - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا» ، رواه النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما
الإجماع فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا مجمعين على جواز
التحكيم.
م: (وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز؛ لأن لهما ولاية على
أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما) ش: ولا ينفذ على غيرهما حتى لو
ظفر المشتري بعيب، فحكم هو والبائع رجلا فرده على البائع بحكمه لم يكن
للبائع أن يرده على بائعه ولو اصطلح البائع الأول والثاني. والمشتري جميعا
على حكمه يرده على البائع الأول استحسانا، والوكيل بالبيع إذا ظفر المشتري
بعيب فاصطلحا على حكم فرده بعيب لا يحدث مثله، جاز على الأمر في رواية.
وفي رواية: جاز عليه دون الأمر، وإن كان عيب محدث مثله يلزم البائع إلا إذا
حكماه برضا الأمر كذا في " المحيط " م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرناه إنما
يصح م: (إذا كان المحكم) ش: بتشديد الكاف المفتوحة م: (بصفة الحاكم) ش:
المولى م: (لأنه) ش: أي لأن الحكم م: (بمنزلة القاضي فيما بينهما) ش: أي
فيما بين المحكمين.
واعترض بأنه لو كان كذلك، لما وقع التفرقة بينهما في حق التعليق وبالإضافة
إلى المستقبل
(9/58)
فيشترط أهلية القضاء، ولا يجوز تحكيم
الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي لانعدام أهلية
القضاء اعتبارا بأهلية الشهادة، والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر
في المولى، ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما؛ لأنه مقلد من
جهتهما فلا يحكم إلا برضاهما جميعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكنها وقعت، فإنهما جائزان في
القضاء دون التحكيم عنده، وأجيب بأن التحكيم صلح معنى حيث لا يثبت إلا
بتراضي الخصمين.
والمقصود به قطع المنازعة، والصلح لا يعلق ولا يضاف بخلاف القضاء،
والإمارة؛ لأنه تعريض م: (فيشترط أهلية القضاء) ش: هذا نتيجة قوله: لأنه
بمنزلة القاضي، فلذلك ذكره بالفاء أي يشترط أهلية القضاء ووقت التحكيم ووقت
الحكم، حتى لو حكما عبدا ثم أعتق أو صبيا ثم بلغ، أو ذميا فأسلم، وحكم لا
ينفذ حكمه كما في المولى، وكذا لو كان مسلما وقت التحكيم، ثم ارتد وكذا على
القلب في الكل لا ينفذ حكمه، كذا في " المغني " و " المحيط ".
م: (ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق
والصبي) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره"، وهذا كله من
إضافة المصدر إلى المفعول، لأنه لو جعل من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل،
ينقلب حكم المسألة، فإن ذلك جائز، وفي " المغني " يجوز تحكيم المكاتب،
والعبد المأذون كالحر، وتحكيم الذمي لا يجوز بين المسلمين، أما لو كان حكما
فيما بين الذميين يجوز؛ لأنه من أهل الشهادة بين أهل الذمة دون المسلمين،
م: (لانعدام أهلية القضاء) ش: أي في المذكورين م: (اعتبارا بأهلية الشهادة)
ش: أي لأجل الاعتبار بأهلية الشهادة، فإنهم غير أهل الشهادة والقضاء مبني
عليها.
م: (والفاسق) ش: مبتدأ م: (إذا حكم) ش: على صيغة المجهول بتشديد الكاف م:
(يجب أن يجوز) ش: خبر المبتدأ م: (عندنا) ش: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (كما مر في المولى) ش: أي وفي القاضي الفاسق المولى في أول
كتاب " أدب القاضي "، يعني إذا حكم الفاسق ينبغي أن يجوز قياسا على الفاسق
إذا ولي القضاء، ولكن لا ينبغي أن يتولى الفاسق القضاء، وكذا لا يحكم
الفاسق.
وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك م: (ولكل واحد من المحكمين) ش: بتشديد الكاف
المكسورة وفتح الميم م: (أن يرجع ما لم يحكم) ش: أي المحكم م: (عليهما) ش:
أي على المحكمين م: (لأنه) ش: أي لأن المحكم م: (مقلد) ش: بفتح اللام
المشددة م: (من جهتهما) ش: أي من جهة المحكمين م: (فلا يحكم إلا برضاهما
جميعا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه.
(9/59)
وإذا حكم لزمهما لصدور حكمه عن ولاية
عليهما، وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، لأنه لا فائدة في
نقضه ثم في إبرامه على ذلك الوجه. وإن خالفه أبطله؛ لأن حكمه لا يلزمه لعدم
التحكيم منه.
ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا حكم) ش: أي المحكم م: (لزمهما) ش: أي لزم المحكمين ما حكم به م:
(لصدور حكمه) ش: أي حكم المحكم م: (عن ولاية عليهما) ش:، وبه قال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول مالك، وأحمد عن الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -:
لا بد من تراضيهما بعد الحكم، وهو اختيار المزني م: (وإذا رفع حكمه) ش: أي
حكم المحكم م: (إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، لأنه لا فائدة في نقضه) ش:
أي في نقض القاضي حكم هذا المحكم م: (ثم في إبرامه) ش: أي في حكمه قطعا م:
(على ذلك الوجه) ش: أي الوجه الذي حكم به المحكم، وفائدة إمضاء الحاكم
المحكم أنه لو رفع أي حاكم يخالف مذهبه، لم يتمكن من نقضه ولم يمضه لتمكن،
لأن إمضاء الأول بمنزلة حكم نفسه.
م: (وإن خالفه أبطله) ش: أي وإن خالف حكم المحكم من مذهب الحاكم الذي رفع
إليه أبطل حكم المحكم م: (لأن حكمه) ش: أي حكم المحكم م: (لا يلزمه) ش: أي
لا يلزم الحاكم م: (لعدم التحكيم منه) ش: أي من المحكم بخلاف حكم الحاكم،
فإنه لا يبطله الثاني، وإن خالف مذهبه لعموم ولايته، فكان قضاؤه حجة في حق
الكل، فلا يجوز لقاض آخر أن يرده، وعند مالك وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ -: حكم المحكم في المجتهدات نافذ كالمولى فلا يبطله وإن خالف رأيه
إلا أن يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم.
[التحكيم في الحدود والقصاص]
م: (ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص) ش: هذا مذهب الخصاف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فإنه قال: التحكيم لا يجوز في الحدود والقصاص، واختاره القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره "، وكذلك اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ
-.
والمراد بالحدود: التي هي الواجب حقا لله تعالى. وأما في حد القذف والقصاص
فقد اختلفت الروايات فيهما، فقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في " شرح أدب القاضي ": من أصحابنا من قالوا: إنه يجوز هذا في الحدود
الواجبة لله تعالى؛ لأن الإمام هو المتعين لاستيفاء حقوق الله تعالى.
وأما في القصاص وحد القذف فيجوز التحكيم؛ لأن الاستيفاء إليها. وفي "
الذخيرة "، يجوز التحكيم في القصاص؛ لأنه من حقوق العباد. وعن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز
في غير الأموال وما في معناها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لا
يجوز في حد ولا في لعان ولا في قصاص أو قذف أو طلاق أو عتاق أو
(9/60)
لأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا
يملكان الإباحة، فلا يستباح برضاهما. قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على
جواز التحكيم في سائر المجتهدات، كالطلاق والنكاح، وغيرهما، وهو صحيح. إلا
أنه لا يفتي به، ويقال: يحتاج إلى حكم المولى دفعا لتجاسر العوام فيه، وإن
حكماه في دم خطأ فقضى بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه؛ لأنه لا ولاية له
عليهم إذ لا تحكيم من جهتهم. ولو حكم على القاتل بالدية في ماله رده القاضي
ويقضي بالدية على العاقلة؛ لأنه مخالف لرأيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نسب أو ولاء؛ لأنها مبنية على الاحتياط، فيتعين القاضي المولى كالحدود م:
(لأنه لا ولاية لهما على دمهما) ش: هذا دليل القصاص، ولم يذكر دليل الحدود
أي؛ لأن الشأن لا ولاية للمحكمين على دمهما م: (ولهذا لا يملكان الإباحة
فلا يستباح برضاهما) ش: ولو علل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل ما علل؛
لأن حكم المحكم ليس بحجة في غير المحكمين، فكانت فيه شبهة والحدود والقصاص
لا يستوفي بالشبهات فكان أشمل.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من المتأخرين: م:
(وتخصيص) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الحدود والقصاص يدل على جواز
التحكيم في سائر المجتهدات، كالطلاق والنكاح وغيرهما) ش: كالكنايات في
جعلها رجعية والطلاق المضاف، وهو الظاهر عند أصحابنا، لكن مشايخنا امتنعوا
عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاج إلى حكم المولى، كما في الحدود والقصاص كيلا
يتجاسر العوام، كذا ذكره الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في أدب
القاضي".
وفي " الذخيرة " " وفتاوى العتابي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حكم المحكم
في اليمين المضافة، لكن لا يفتى كيلا يتجاسر الناس.
وقال شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مسألة حكم المحكم تعلم ولا
يفتى بها، وكان يقول: ظاهر المذهب أنه يجوز، إلا أن الإمام الأستاذ أبا علي
النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول: فكتم هذا الفصل، ولا يفتى به كيلا
يتطرق الجهال إلى ذلك فيؤدي إلى هدم مذهبنا م: (وهو صحيح) ش: أي التحكيم في
سائر المجتهدات صحيح؛ لأنه هو الظاهر عن أصحابنا.
م: (إلا أنه لا يفتى به ويقال) ش: عند السؤال م: (يحتاج إلى حكم المولى) ش:
أي القاضي المولى م: (دفعا) ش: أي للدفع م: (لتجاسر العوام فيه) ش: وقد
ذكرناه. م: (وإن حكماه) ش: أي فإن حكم المحكمان المحكم م: (في دم خطأ فقضى
بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه؛ لأنه لا ولاية له) ش: أي للمحكم م:
(عليهم) ش: أي على العاقلة م: (إذا لا تحكيم من جهتهم) ش: وحكم المحكم لا
ينفذ على غير المحكمين م: (ولو حكم على القاتل بالدية في ماله رده القاضي
ويقضي بالدية على العاقلة لأنه) ش: أي لأن حكم المحكم على القاتل م: (مخالف
لرأيه) ش: أي لرأي القاضي
(9/61)
ومخالف للنص أيضا، إلا إذا ثبت القتل
بإقراره؛ لأن العاقلة لا تعقله، ويجوز أن يسمع البينة ويقضي بالنكول، وكذا
بالإقرار؛ لأنه حكم موافق للشرع، ولو أخبر بإقرار أحد الخصمين أو بعدالة
الشهود وهما على تحكيمهما يقبل قوله؛ لأن الولاية قائمة، ولو أخبر بالحكم
لا يقبل قوله لانقضاء الولاية كقول المولى بعد العزل.
وحكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء وهذا لأنه
لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة. فكذلك لا يصح القضاء لهم بخلاف ما إذا
حكم عليهم؛ لأنه تقبل شهادته عليهم لانتفاء التهمة، فكذا القضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومخالف للنص أيضا) ش: وهو حديث حمل بن مالك قوموا قدره، كما سيأتي في
كتاب المعاقل - إن شاء الله تعالى - م: (إلا إذا ثبت القتل بإقراره) ش: هذا
استثناء من قوله: "رده القاضي" أي رد القاضي قضاءه بالدية في ماله، إلا إذا
ثبت القتل بإقرار القاتل، فحينئذ يجوز الحكم بالدية في مال القاتل م: (لأن
العاقلة لا تعقله) ش: أي لا تعقل الإقرار ولا الصلح ولا العمد.
م: (ويجوز أن يسمع) ش: أي المحكم م: (البينة ويقضي بالنكول) ش: هذا لفظ
القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا
بالإقرار لأنه) ش: أي لأن كل واحد من سماع البينة والقضاء بالنكول
وبالإقرار م: (حكم موافق للشرع) ش: لأنه ليس الحكم إلا بواحد من هذه
الأشياء.
م: (ولو أخبر) ش: أي المحكم م: (بإقرار أحد الخصمين) ش: بأن قال لأحدهما:
اعترفت عندي لهذا بكذا م: (أو بعدالة الشهود) ش: مثل أن يقول: قامت عندي
وقد ألزمتك بهذا أو حكمت به لهذا عليك، فأنكر المقضي عليه أن يكون أقر عنده
بشيء أو قامت عليه بينة بشيء له يلتفت إلى قوله، وقضى القاضي ونفذ؛ لأن
المحكم يملك إنشاء الحكم عليه بذلك.
م: (وهما) ش: أي والحال أن المحكمين م: (على تحكيمهما يقبل قوله) ش: أي قول
الحكم م: (لأن الولاية قائمة) ش: فيملك إنشاء الحكم، ويملك الإخبار بهذه
الأشياء م: (ولو أخبر بالحكم) ش: بأن يقول: كنت حكمت عليك لهذا بكذا م: (لا
يقبل قوله لانقضاء الولاية كقوله المولى بعد العزل) ش: لأنه لما حكم صار
معزولا، ولا يقبل قوله "إني حكمت بكذا"، كالقاضي المولى إذا قال بعد عزله:
حكمت بكذا، لا يقبل قوله فكذا هذا.
[حكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده]
م: (وحكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده باطل، والمولى) ش: أي القاضي المولى
م: (والمحكم) ش: أي الذي جعل حكما م: (فيه) ش: أي في بطلان الحكم م: (سواء،
وهذا) ش: أي بطلان الحكم م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا تقبل شهادته) ش:
أي شهادة المحكم م: (لهؤلاء) ش: أي للوالدين والولد والزوجة م: (لمكان
التهمة) ش: وهو ظاهر م: (فكذلك لا يصح القضاء لهم بخلاف ما إذا حكم عليهم؛
لأنه تقبل شهادته عليهم لانتفاء التهمة، فكذا القضاء) ش: إذا قضى عليهم.
(9/62)
ولو حكما رجلين لا بد من اجتماعهما؛ لأنه
أمر يحتاج فيه إلى الرأي، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو حكما رجلين لا بد من اجتماعهما) ش: حتى لو حكم أحدهما ولم يحكم
الآخر لا يجوز م: (لأنه) ش: أي لأن التحكيم م: (أمر يحتاج فيه إلى الرأي،
والله أعلم بالصواب) ش: لأن رأي الواحد ليس كرأي الاثنين، ولا يصدقان على
ذلك الحكم بعد القيام من مجلس الحكومة حتى يشهد على ذلك غيرهما؛ لأنها بعد
القيام كسائر الرعايا، فلا تقبل شهادتهما على فعل ما سواه، والله أعلم
بالصواب.
وفي " المحيط ": ولو حكم حرا وعبدا محكما لم يجز، ولو حكم مسلم ومرتد رجلا
فحكم بينهما، ثم قتل المرتد أو لحق بدار الحرب لم يجز حكمه عليهما، ولو أمر
الإمام رجلا أن يحكم بين الناس، وهو ممن يجوز شهادته جاز، ويصير كالقاضي،
ولو أمر القاضي رجلا لم يجز إلا بإذن الإمام ولو حكم لا يجوز إلا أن يجيزه
القاضي بعد الحكم، أو يتراضى به الرجلان بعد الحكم.
ولو حكما رجلا فأخرجه القاضي من الحكومة، فحكم بعده فأجاز جاز، وليس للمحكم
أن يفوض التحكيم إلى غيره، ولو فرض، وحكم الثاني بغير رضاهما، فأجاز الأول
لم يجز إلا أن يخيرا بعد الحكم. وقيل: ينبغي أن يجوز كالوكيل الأول إذا جاز
بيع الثاني ولو حكما واحدا، فحكم لأحدهما ثم حكما آخر ينفذ حكم الأول إن
كان جائزا عنده، وإلا أبطله.
وكتاب الحكم إلى القاضي لا يجوز، كما لا يجوز كتاب القاضي إليه. ولا يحكم
الحكم بكتاب قاض إلا إذا رضي الخصمان، والله أعلم.
(9/63)
مسائل شتى من كتاب القضاء
قال: وإذا كان علو لرجل وسفل آخر، فليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا ولا
ينقب فيه كوة وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه بغير رضا صاحب
العلو،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مسائل شتى في كتاب القضاء]
[التصرف في محل تعلق به حق محترم للغير]
م: (مسائل شتى) ش: أي هذه مسائل شتى م: (من كتاب القضاء) ش: أي مسائل
متفرقة متعلقة بكتاب القضاء وأصل شتى من شت الأمر يشت شتا إذا تفرق. يقال:
أمر مشت أي متفرق. وجاءوا أشتاتا، أي متفرقين، وقوم شتى، وأشياء شتى. قال
الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] (الليل الآية: 4) أي
إن عملكم لمختلف، وفي تفسير إن أعمالكم لمختلفة، وقد جرت عادة المصنفين أن
يذكروا ما شذ من المسائل في آخر الكتاب استدراكا للغاية، ويترجموه بقولهم،
مسائل متفرقة أو بقولهم: مسائل شتى، أو بقولهم مسائل منثورة. وقال الأترازي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان القياس على هذا أن يذكر صاحب " الهداية " مسائل
هذا الفصل في آخر كتاب "أدب القاضي "، انتهى.
قلت: الذي ذكره صاحب " الهداية " هاهنا، هو القياس؛ لأن كل شيء قيل: مسائل
شتى من الأبواب والفصول من كتاب " أدب القاضي " ومتعلقاته، فافهم.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا
كان علو لرجل وسفل لآخر فليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا) ش: أصل يتد يوتد
حذف الياء لوقوعها بين الياء والكسرة، والوتد بفتح الواو وكسر التاء. وقال
الجوهري: الوتد بالكسر واحد الأوتاد وبالفتح لغة، وكذلك الود في لغة من
يدغم، تقول: وتد الوتد ثم وتدا، وإذا أمرت. قلت: تد وتدك بالميتدة، وهي
المدق، انتهى.
قلت: الوتد في لغة البلدتين، الخازوق، وهو قطعة من الخشب أو الحديد يدق في
الحائط ليعلق عليه شيء أو يربط به شيء م: (ولا ينقب فيه كوة) ش: قاله
الأترازي: الكوة بفتح الكاف كذا في "الديوان " هي الروزن. وفي " المغرب":
الكوة نقب البيت والجمع كوى. وقد يضم الكاف في الفرد والجمع - ويستدار
مفتاح الماء إلى المزارع والجداول، فيقال: كوى النهر. وقال الجوهري: الكوة
نقب البيت والجمع كوا بالمد، وكوى أيضا مقصور. والكوة بالضم لغة ويجمع على
كوى.
قلت: الكوة بخش في الحائط غير نافذ من ورائها يحط فيها شيء م: (وهذا) ش: أي
الذي ذكرها من عدم جواز دق الوتد ونقب الكوة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: وكذا لا يفتح بابا ولا يدخل جذعا فيه، ولا يهدم سفله، وكذا
لم يكن لصاحب العلو أن يحدث في بنائه إلا أن يضع عليه جذعا، ولا كنيفا لم
يكن م: (معناه بغير رضا صاحب العلو) ش: أي معنى قول محمد -
(9/64)
وقالا: يصنع ما لا يضر بالعلو، وعلى هذا
الخلاف إذا أراد صاحب العلو أن يبني على علوه، قيل: ما حكي عنهما تفسير
لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا خلاف فيه. وقيل: الأصل عندهما
الإباحة؛ لأنه تصرف في ملكه، والملك يقتضي الإطلاق والحرمة بعارض الضرر،
فإذا أشكل لم يجز المنع، والأصل عنده الحظر؛ لأنه تصرف في محل تعلق به حق
محترم للغير، كحق المرتهن والمستأجر والإطلاق بعارض، فإذا أشكل لا يزول
المنع على أنه لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين بناء أو نقضه، فيمنع
عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": ليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا ولا
ينقب فيه كوة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بغير رضا صاحب العلو)
ش: حاصله كما يجيء الآن أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما أراد
بالمنع ما فيه ضرر ظاهر.
قيل: بل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحظر أصل والإطلاق يعارض لعدم
الضرر، ولا خلاف فيما لم يضر لصاحبه، فإن له أن يصنع ما لا يضر به بالاتفاق
وإنما الخلاف في حالة الإشكال أنه يضر به أم لا؟ فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: ليس له ذلك إلا يرضي صاحبه (وقالا:) أي قال أبو يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: م: (يصنع ما لا يضر بالعلو) ش: لأن التصرف حصل في ملكه م: (وعلى
هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م:
(إذا أراد صاحب العلو أن يبني على علوه) ش: بيتا أو يضع عليه جزوعا ونحو
ذلك م: (قيل ما حكي عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م:
(تفسير لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا خلاف فيه) ش: قال بعض
المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": أن أبا حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد بالمنع ما فيه ضرر ظاهر، فيكون فصلا مجمعا عليه؛
لأن التصرف حصل في ملكه.
م: (وقيل:) ش: بل بينهم خلاف لأن م: (الأصل عندهما الإباحة؛ لأنه تصرف في
ملكه، والملك يقتضي الإطلاق والحرمة بعارض الضرر) ش: أي إطلاق التصرف م:
(فإذا أشكل) ش: ولم يعلم أنه يضره أم لا م: (لم يجز المنع) ش: لأن الأصل
الإطلاق في تصرف ملكه م: (والأصل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (الحظر) ش: أي المنع م: (لأنه تصرف في محل تعلق به حق محترم
للغير) ش: وتعلق حق الغير بملكه بين تصرفه فصار هذا م: (كحق المرتهن
والمستأجر) ش: في منع المالك عن التصرف في المرهون والمستأجر.
م: (والإطلاق) ش: أي إطلاق التصرف م: (بعارض) ش: عدم الضرر م: (فإذا أشكل)
ش: بأن لم يعلم فيه ضرر أم لا م: (لا يزول المنع على أنه) ش: أي مع أن
التصرف فيه م: (لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين البناء ونقضه، فيمنع
عنه) ش: ولهذا لا يملك صاحب السفل أن يهدم كل الجدار أو السقف. فكذا بعضه.
(9/65)
قال: وإذا كانت زائغة مستطيلة تنشعب منها
زائغة مستطيلة، وهي غير نافذة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وقول أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قياس.
وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو تصرف صاحب السفل في ساحة السفل بأن
حفر بئرا أو ما أشبه، ويتضرر به صاحب العلو له ذلك عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما الحكم معلول لعلة الضرر، وبه قال الشافعي
ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ،
وفي الأقضية لو انهدم السفل لا يجبر صاحب السفل على البناء، وبه قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقالوا في رواية أخرى: يجبر ويخير صاحب العلو، فإن شاء بنى السفل إلى موضع
علوه ثم يبني علوه ويمنع صاحب السفل عن السكن فيه حتى يؤدي قيمة السفل.
والصحيح أنه يعتبر قيمته يوم البناء لا وقت الرجوع بخلاف ما لو انهدم دار
مشتركة، فبنى أحدهما بغير إذن صاحبه، لا يرجع على صاحبه بشيء، وبه قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح، لأنه هنا غير مضطر إلى البناء في
نصيب شريكه، لأنه يمكنه أن يقاسم المساحة ولهذا لا يجبر الشريك على بناء
الجدار المشترك بعد انهدامه عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في قول وأحمد ومالك - رحمهما الله - في رواية.
ولو كان البيت صغيرا فانهدم، ولا يمكن قسمة الساحة، لا يكون متبرعا في
البناء، وهكذا تقول في الطاحون والحمام حتى لو انهدم بعضه يرجع بحصة صاحبه
عليه، ولو انهدم كله فإن أمكن إلينا بعد القسمة يكون في البناء متطوعا،
وإلا لا، كذا ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
كانت زائغة) ش: أي سكة. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال تاج الشريعة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله "زائغة" أي سكة غير نافذة وفي حجة الشرع
الزائغة كوجه، سميت بذلك لزيغها عن الطريق الأعظم.
وقال الأترازي: الزائغة المحلة سميت بها لميلها من طرف إلى طرف، من زاغت
الشمس إذا مالت. وفي "تهذيب ديوان الأدب ": الزائغة الطريق الذي جاز عن
الطريق الأعظم م: (مستطيلة) ش: أي طويلة من استطال يعني طال م: (تنشعب عنها
زائغة مستطيلة وهي نافذة) ش: أي الزائغة
(9/66)
فليس لأهل الزائغة الأولى أن يفتحوا بابا
في الزائغة القصوى؛ لأن فتحه للمرور ولا حق لهم في المرور إذ هو لأهلها
خصوصا حتى لا يكون لأهل الأولى فيما بيع فيها حق الشفعة، بخلاف النافذة؛
لأن المرور فيها حق العامة، قيل: المنع من المرور لا من فتح الباب؛ لأنه
رفع بعض جداره. والأصح أن المنع من الفتح لأن بعد الفتح لا يمكنه المنع من
المرور في كل ساعة، ولأنه عساه يدعي الحق في القصوى بتركيب الباب. وإن كانت
مستديرة قد لزق طرفاها فلهم أن يفتحوا بابا، لأن لكل واحد منهم حق المرور
في كلها، إذ هي ساحة مشتركة، ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنشعبة غير نافذة، وكذلك الزائغة الأولى أيضا غير نافذة.
كذا ذكره التمرتاشي والفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قالا: سكة
طويلة غير نافذة، وسكة أخرى عن يمينها أو شمالها غير نافذة ولكن في أكثر
الكتب لم يقيد الأولى بكونها غير نافذة، وتعليل الكتاب يقتضي ذلك.
وصورتها هكذا
م: (فليس لأهل الزائغة الأولى أن يفتحوا بابا في الزائغة القصوى) ش: أي
السفلى م: (لأن فتحه للمرور لاحق لهم في المرور إذ هو لأهلها خصوصا) ش: أي
خاصته م: (حتى لا يكون لأهل الأولى) ش: أي السكة الأولى م: (فيما بيع فيها)
ش: أي في السكة القصوى م: (حق الشفعة) ش: لأن السكة لهم خاصة م: (بخلاف
النافذة؛ لأن المرور فيها حق العامة) ش: وليست للسكان فيها خاصة م: (قيل:
المنع من المرور لا من فتح الباب لأنه) ش: أي لأن الفتح م: (رفع بعض جداره)
ش: ولأن يرفع جميع جداره بالهدم، فرفع بعضه أولى، ولهذا لو فتح كوة أو بابا
للاستضاءة دون المرور لم يمنع. م: (والأصح أن المنع من الفتح، لأن بعد
الفتح لا يمكنه المنع من المرور وفي كل ساعة ولأنه) ش: إذا فعل ذلك م:
(عساه) ش: أي لعله م: (يدعي الحق في القصوى بتركيب الباب) ش: ويكون القول
قوله من هذا الوجه فيمنع.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت) ش: أي الزائغة
القصوى م: (مستديرة قد لزق طرفاها) ش: يعني سكة اعوجاج حتى بلغ اعوجاجها
رأس السكة، والسكة غير نافذة م: (فلهم أن يفتحوا بابا) ش: أي فلكل واحد
منهم أن يفتح بابه م: (لأن لكل واحد منهم حق المرور في كلها، إذ هي ساحة
مشتركة ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها) ش: بهذه
(9/67)
قال: ومن ادعى في دار دعوى، وأنكرها الذي
هي في يده ثم صالحه منها، فهو جائز وهي مسألة الصلح على الإنكار، وسنذكرها
في الصلح إن شاء الله تعالى. والمدعي وإن كان مجهولا، فالصلح على معلوم عن
مجهول جائز عندنا؛ لأنه جهالة في الساقط فلا تقضي إلى المنازعة على ما عرف.
قال: ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت كذا فسئل البينة فقال:
جحدني الهبة، فاشتريتها منه، وأقام المدعي البينة على الشراء قبل الوقت
الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل بينته لظهور التناقض، إذ هو يدعي الشراء بعد
الهبة وهم يشهدون به قبلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصورة:
[ادعى في دار دعوى وأنكرها الذي هي في يده ثم
صالحه منها]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ادعى في دار دعوى
وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها فهو جائز) ش: قيل: أراد به إذا كان
المدعي به مقدرا معلوما، كالثلث، ونحوه حتى تكون الدعوى صحيحة؛ لأن الصلح
إذا كانت الدعوى صحيحة، أما إذا كانت فاسدة أي هذه المسألة م: (وهي مسألة
الصلح على الإنكار، وسنذكرها في الصلح - إن شاء الله تعالى -) ش: والصلح
على [ ... ] جائز عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا جواب عما
يقال كيف يصح الصلح مع جهالة المدعي ومعلومية مقداره شرط صحة الدعوى، ألا
ترى أنه لو ادعى على إنسان شيئا لا يصح دعواه، أجاب المنصف بقوله: م:
(والمدعى وإن كان مجهولا فالصلح على معلوم عن مجهول جائز عندنا) ش: ثم علله
بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن المجهول م: (جهالة في الساقط فلا تفضي إلى
المنازعة) ش: والأصل فيه أن ما يجب تسليمه يشترط العلم به، لأن الجهالة
تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم، وما لا يجب تسليمه لا تضر
الجهالة فيه م: (على ما عرف) ش: في كتاب الصلح.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت كذا) ش: يعني أنه سلمها إليه في
وقت م: (فسئل البينة) ش: على دعواه م: (فقال:) ش: أي المدعي: م: (جحدني
الهبة) ش: ولم يكن لي بينة في حق الهبة م: (فاشتريتها منه وأقام المدعي
البينة على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل بينته لظهور
التناقض) ش: والتناقض يمنع صحة الدعوى م: (إذ هو يدعي الشراء بعد الهبة وهم
يشهدون به) ش: أي بالشراء م: (قبلها) ش: أي قبل الهبة، أي قبل عقدها.
(9/68)
ولو شهدوا به بعدها تقبل لوضوح التوفيق.
ولو كان ادعى الهبة ثم أقام البينة على الشراء قبلها ولم يقل جحدني الهبة
فاشتريتها، لم تقبل أيضا، ذكره في بعض النسخ؛ لأن دعوى الهبة إقرار منه
بالملك للواهب عندها ودعوى الشراء رجوع عنه فعد مناقضا، بخلاف ما إذا ادعى
الشراء بعد الهبة؛ لأنه تقرير ملكه عندها.
ومن قال لآخر: اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر إن أجمع البائع على ترك
الخصومة وسعه أن يطأها؛ لأن المشتري لما جحده كان فسخا من جهته إذ الفسخ
يثبت به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو شهودا به) ش: أي بالشراء م: (بعدها) ش: أي بعد الهبة م: (تقبل
لوضوح التوفيق) ش: وهذا لأنه يمكنه أن يقول: وهب لي منذ شهر ثم جحدني الهبة
فاشتريتها منه منذ أسبوع، فلا تناقض، وفي الوجه الأول: التوفيق غير ممكن،
فيتحقق التناقض إذ لا يمكنه أن يقول: وهب لي منذ شهر، ثم جحدني الهبة
فاشتريتها منذ سنة. وهذه المسألة تدل على أن التناقض إنما يمنع صحة الدعوى
إذا لم يمكن التوفيق، وأما إذا أمكن فلا.
م: (ولو كان ادعى الهبة ثم أقام البينة على الشراء قبلها) ش: أي قبل الهبة
م: (ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها، لم تقبل أيضا، ذكره في بعض النسخ) ش:
أي بعض نسخ " الجامع الصغير "، ثم ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه عدم
قبول البينة هنا للتناقض بقوله: م: (لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك
للواهب) ش: في ذلك الوقت م: (ودعوى الشراء) ش: قبل الهبة م: (رجوع عنه) ش:
أي الإقرار للواهب م: (فعد مناقضا) ش: فلا يقبل بينته م: (بخلاف ما إذا
ادعى الشراء بعد الهبة) ش: حيث تقبل بينته م: (لأنه تقرير ملكه) ش: أي ملك
الواهب م: (عندها) ش: أي عند الهبة، فإن قبل ينبغي أن لا تقبل في هذه
الصورة أيضا، لأنه ادعى شراء باطلا، لأنه ادعى شراء يملكه بالهبة، أجيب
بأنه لا جحد الهبة، فقد فسخها من الأصل وتوقف الفسخ في حق المدعي على رضاه،
فإذا قدم على الشراء منه، فقد رضي بذلك الفسخ فيهما بينهما فإذا انفسخت
الهبة بتراضيهما، واشترى ما لا يملكه فكان صحيحا.
[قال لآخر اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر]
م: (ومن قال لآخر: اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر) ش: أي الآخر
المخاطب م: (إن أجمع البائع) ش: أي إن قصد وعزم بقلبه، وقيل يشهد بلسانه
على العزم بالقلب م: (على ترك الخصومة وسعه) ش: أي حل له أي للبائع م: (أن
يطأها) ش: أي الجارية وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل.
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه لأنه لما باعها فيه على ملك
المشتري ما لم يبعها من البائع أو يتقايلا م: (لأن المشتري لما جحده) ش: أي
البيع م: (كان فسخا من جهته إذ الفسخ يثبت به)
(9/69)
كما إذا تجاحدا، فإذا عزم البائع على ترك
الخصومة تم الفسخ وبمجرد العزم، وإن كان لا يثبت الفسخ فقد اقترن بالفعل
اقترن الفعل، وهو إمساك الجارية ونقلها وما يضاهيه، ولأنه لما تعذر استيفاء
الثمن من المشتري فات رضا البائع فيستبد بفسخه.
قال: ومن أقر أنه قبض من فلان عشرة دراهم، ثم ادعى أنها زيوف صدق. وفي بعض
النسخ: اقتضى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي بالجحود م: (كما إذا تجاحدا) ش: البيع لأن الإقالة قد تكون بلفظ
الإقالة، وبلفظ الرد وبجحودهما، بأن تجاحد البائع لأن الفسخ رفع العقد من
الأصل، والجحود إنكار من الأصل فيجعل أحدهما مجازا عن الآخر.
م: (فإذا عزم البائع على ترك الخصومة تم الفسخ) ش: بينهما، ألا ترى إلى ما
قالوا في " شرح الجامع الصغير ": إذا قال لآخر: أجرتك هذه الدار بكذا أو
بعتك هذا الثوب بكذا، فأخذ الدار أو الثوب وذهب به، كأن ذلك قبولا منه، كذا
هذا، فإن قيل: لو جاز قيام الجحود والعزم على ترك الخصومة مقام الفسخ لجاز
لامرأة جحد زوجها النكاح، وحرمت على الخصومة أن تتزوج بزوج آخر إقامة لهما
مقام الفسخ، لكن ليس لها ذلك، وأجيب بأن الشيء يقوم مقام غيره، إذا احتمل
المحل ذلك الغير بالضرورة والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد اللزوم، فكيف يقوم
غيره مقامه بخلاف البيع م: (وبمجرد العزم) ش: هذا جواب عما يقال: الفسخ لا
يثبت بمجرد العزم على الفسخ، ألا ترى أن من له خيار الشرط إذا عزم بقلبه
على فسخ العقد، لا ينفسخ العقد بمجرد عزمه فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ
- بقوله م: (وبمجرد العزم) ش: أي بمجرد عزم الرجل.
م: (وإن كان لا يثبت الفسخ، فقد اقترن بالفعل) ش: أي فقد اقترن العزم
بالفعل م: (وهو إمساك الجارية ونقلها) ش: أي نقل الجارية من موضع الخصومة
إلى بيته م: (وما يضاهيه) ش: أي وما يشابه ذلك من الأفعال كالكتابة والعرض
على البيع والاستخدام؛ لأن إمساكها لا يحل بدون الفسخ فيتحقق الانفساخ
دلالة كمن قال لآخر: أجرتك هذه الدابة يوما بكذا لتركبها إلى مكان كذا،
فأخذ المستأجر ليركبها كان ذلك قبولا دلالة؛ لأن الأخذ والاستعمال لا يحل
بدون القبول م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن الشأن م: (لما تعذر استيفاء
الثمن من المشتري) ش: بجحود العقد م: (فات رضا البائع) ش: وفواته يوجب
الفسخ لفوات ركن البيع م: (فيستبد بفسخه) ش: فيستقل البائع بفسخ العقد
فيجعل عزمه فسخا، والفرق بين الدليلين أن الانفساخ كان في الأول مترتبا على
الفسخ من الجانبين، وجعل جحوده فسخا من جانبه. والعزم على ترك الخصومة من
جانب البائع، وفي الثاني مترتب على الفسخ من جانب البائع باستبداده.
[أقر الطالب أنه قبض ماله على فلان مائة ثم قال
وجدتها زيوفا]
م: (قال: ومن أقر أنه قبض من فلان عشرة دراهم) ش: أي بسبب من الأسباب من
استقراض أو ثمن سلعة أو غصب أو وديعة م: (ثم ادعى أنها زيوف صدق) ش: أي
القول قوله مع يمينه م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " الجامع الصغير
" م: (اقتضى) ش: أي لفظ اقتضى
(9/70)
وهو عبارة عن القبض أيضا ووجهه أن الزيوف
من جنس الدراهم، إلا أنها معيبة، ولهذا لو تجوز بها في الصرف والسلم جاز،
والقبض لا يختص بالجياد فيصدق؛ لأنه أنكر قبض حقه، بخلاف ما إذا أقر قبض
الجياد أو حقه أو الثمن أو استوفى لإقراره بقبض الجياد صريحا أو دلالة فلا
يصدق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موضع قبض م: (وهو) ش: أي لفظ اقتضى م: (عبارة عن القبض أيضا) ش: ولكن لفظ
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير " اقتضى.
وفي " المبسوط " أقر الطالب أنه قبض ماله على فلان مائة، ثم قال: وجدتها
زيوفا، فالقول قوله وصل أم فصل، وقوله في الكتاب: "ثم ادعى أنها زيوف صدق"
محمول على هذا الرأي وصل أم فصل، وبه صرح المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
"جامعه" فقال: هو مصدق وصل أم فصل.
وفي " المبسوط ": في باب الإقرار بالدين: لو قال: لفلان علي ألف من ثمن
مبيع، إلا أنها زيوف أو مبهرجة لم يصدق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دعوى
الزيافة وصل أم فصل في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يصدق إن
وصل، ولا يصدق إن فصل. ولو أقر بالمال غصبا أم وديعة، وقال: هي نبهرجة أو
زيوف صدق فصل أو وصل، ولو قال: علي ألف من غير ذكر التجارة والغصب، فقال
بعض مشايخنا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فهو على الخلاف المذكور. وقيل: يصدق
هاهنا إذا وصل بالاتفاق، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إذا فصل لا
يقبل في جميع الصور.
م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكر من تصديقه م: (أن الزيوف من جنس الدراهم، إلا
أنها معيبة، ولهذا) ش: أي ولكونها من جنس الدراهم م: (لو تجوز بها في
الصرف، والسلم جاز) ش: إذ لو لم تكن من جنسها، كان التجويز استبدالا وهو
فيهما لا يجوز، وقد تقدم م: (والقبض لا يختص بالجياد) ش: هذا جواب عما
يقال، الإقرار بالقبض يستلزم الإقرار بقبض الحق، وهو الجياد حملا لجهالته
على ما له حق قبضه لا ما ليس له ذلك، ولو أقر بقبض حقه، ثم ادعى أنه زيوف،
لم يسمع منه، فكذا هذا، فأجاب بقوله والقبض لا يختص بالجياد، للملازمة
والزيوف له حق قبضه، لأنه دون حقه، والممنوع من القبض ما يزيد على حقه،
وإذا لم يكن القبض مختصا بالجياد، فالإقرار به لا يستلزم الإقرار بقبض
الجياد، فبدعواه الزيوف لم يكن متناقضا بل هو ينكر قبض حقه م: (فيصدق لأنه
أنكر قبض حقه) ش: لأن القول قول المنكر مع يمينه.
م: (بخلاف ما إذا أقر قبض الجياد أو حقه) ش: أي وأقر أنه قبض حقه م: (أو
الثمن) ش: أي أو أقر أنه قبض م: (أو استوفى) ش: أي أقر أنه استوفى حيث لا
يصدق م: (لإقراره بقبض الجياد صريحا) ش: في قوله: إنه قبض الجياد م: (أو
دلالة) ش: في الثلاثة البقية م: (فلا يصدق) ش: لأنه
(9/71)
والنبهرجة كالزيوف وفي الستوقة لا يصدق؛
لأنه ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به فيما ذكرنا لا يجوز. والزيف ما
زيفه بيت المال. والنبهرجة ما يرده التجار، والستوقة ما يغلب عليها الغش.
قال: ومن قال لآخر: لك علي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
متناقض. أما في الأول فظاهر وكذا في غيره، لأن حقه في الجياد، فكان الإقرار
بقبض حقه مطلقا أقر بقبض الجياد والاستيفاء عبارة عن القبض بوصف التمام
فكان عبارة عن قبض حقه أيضا. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
"النهاية": جمع المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين هذه المسائل الأربع في
الجواب بأنه لا يصدق، وليس الحكم فيها على السواء، فإنه إذا أقر بقبض
الجياد، ثم ادعى أنها زيوف لا يصدق لا موصولا ولا مفصولا، وفيما بقي يصدق
موصولا، ولا يصدق مفصولا، ثم أطال الكلام فيه.
[قال اقتضيت من فلان كذا درهما ثم ادعى أنها
نبهرجة]
م: (والنبهرجة كالزيوف) ش: أي في حكم التصديق إذا قال: اقتضيت من فلان كذا
درهما، ثم ادعى أنها نبهرجة يصدق، كما إذا قال: إنها زيوفا م: (وفي الستوقة
لا يصدق؛ لأنه ليس من جنس الدراهم) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ليس هذا الحكم على إطلاقه، فإنه ذكر في " المبسوط " في الإقرار: ولو أقر
قبض خمسمائة مما له على الديون، ثم قال بعد أن سكت: هي رصاص لم يصدق؛ لأن
اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة، وإن كان موصولا فالقول قوله؛ لأن
الرصاص من الدراهم صورة، وإن لم يكن منها معنى، فكان بيانا مغير الظاهر
كلامه إلى ما هو محتمل، فيصح موصولا، وكذلك في الستوقة، لأن الرصاص أبعد من
الستوقة في اسم الدراهم، والحكم في الرصاص هكذا، فيجب أن يكون كذلك بالطريق
الأولى م: (حتى لو تجوز به فيما ذكرنا) ش: أي في الصرف والسلم م: (لا يجوز)
ش: لأنه ليس من جنس الدراهم. ثم بين الزيوف والنبهرجة والستوقة ما هي
بقوله: م: (والزيف ما زيفه بيت المال) ش: أي رده، وفي المغرب زافت عليه
دراهمه، أي صارت مردودة عليه لغش فيها م: (والنبهرجة ما يرده التجار) ش:
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " النبهرج ": الدراهم التي فضتها رديئة،
وقيل: التي فيها الغلبة للفضة، وقد استعير لكل باطل ومنه يهرج دمه إذا بطل.
م: (والستوقة ما يغلب عليها الغش) ش: وهو بالفتح أردأ من النبهرجة.
وفي " النوازل ": قال أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الزيوف هي الدراهم
المغشوشة، والنبهرجة هي التي تضرب من غير دار السلطان، والستوقة صفر مموه
بالفضة، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: الزيوف ما زيفه بيت المال، والنبهرجة
ما يهرجه التجار، و"الستوقة" فارسية معربة، وهي تعريب سدبر. وفي " المبسوط
": الستوقة كالفلوس، فإنه صفر مموه من الجانبين، وقيل: معرب سرطاقة أي
الطاقة الأعلى والأسفل فضة والأوسط صفر.
[قال لك علي ألف درهم فقال ليس لي عليك شيء ثم
قال في مكانه بل لي عليك]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: ومن
قال لآخر: لك علي
(9/72)
ألف درهم فقال: ليس لي عليك شيء ثم قال في
مكانه: بل لي عليك ألف درهم فليس عليه شيء؛ لأن إقراره هو الأول وقد ارتد
برد المقر له. والثاني دعوى فلا بد من الحجة أو تصديق خصمه، بخلاف ما إذا
قال لغيره: اشتريت وأنكر الآخر له أن يصدقه؛ لأن أحد المتعاقدين لا يتفرد
بالفسخ كما لا يتفرد بالعقد، والمعنى أنه حقهما، فبقي العقد فعمل التصديق.
أما المقر له يتفرد برد الإقرار فافترقا. قال: ومن ادعى على آخر مالا،
فقال: ما كان لك علي شيء قط، فأقام المدعي البينة على ألف، وأقام هو البينة
على القضاء قبلت بينته وكذلك على الإبراء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ألف درهم فقال) ش: أي المقر له م: ليس لي عليك شيء ثم قال في مكانه: بل لي
عليك ألف درهم فليس عليه) ش: أي على المقر م: (شيء، لأن إقراره) ش: المعتبر
م: (هو الأول وقد ارتد برد المقر له. والثاني) ش: وهو قوله: بل لي عليك ألف
درهم م: (دعوى فلا بد من الحجة) ش: أي البينة م: (أو تصديق خصمه) ش: حتى لو
صدقه المقر ثانيا، لزمه المال استحسانا م: (بخلاف ما إذا قال لغيره:
اشتريت) ش: مني هذا العبد م: (وأنكر الآخر) ش: يعني أقر بالشراء منه وأنكر
المقر له م: (له أن يصدقه) ش: بعد ذلك لأن إقراره، وإن كان مما يحتمل
الإبطال، لكن المقر لم يستقل بإثباته، فلا ينفرد أحد المتعاقدين بالفسخ،
وهو معنى قوله م: (لأن أحد المتعاقدين لا يتفرد بالفسخ كما لا يتفرد
بالعقد) ش: يعني أن المقر له لا ينفرد بالرد كما أن المقر لا ينفرد
بإثباته.
م: (والمعنى أنه) ش: أي أن الفسخ م: (حقهما، فبقي العقد فعمل التصديق) ش:
بخلاف الأول فإن أحدهما ينفرد بالإثبات، فينفرد الآخر بالرد وإليه أشار
بقوله م: (أما المقر له يتفرد برد الإقرار فافترقا) ش: أي الحكمان
المذكوران.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قلت: إن عزم المقر على ترك الخصومة، وجب
أن لا يفيد التصديق بعد الإنكار، فإن الفسخ قد تم، ولهذا، لو كانت جارية حل
وطؤها كما تقدم، ويجوز أن يقال: إن قوله: "ثم قال في مكانه" إشارة إلى
الجواب عن ذلك فإن العزم والنقل كان دليل الفتح، وبه سقط.
قال في " الكافي ": ذكر في " الهداية " أن أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ،
وذكر قبله، ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري، فات رضا البائع،
فيستبد بفسخه، والتوفيق بين كلامه صعب، وذلك أنه قال لما تعذر استيفاء
الثمن يستبد، وهاهنا قال: لما أقر المشتري في مكانه بالشراء، لم يتعذر
الاستيفاء فلا يستبد بالفسخ.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
ادعى على آخر مالا فقال: ما كان لك علي شيء قط، فأقام المدعي البينة على
ألف، وأقام هو البينة على القضاء قبلت بينته وكذلك على الإبراء) ش: يعني
لما تقبل البينة على القضاء، فقيل أيضا
(9/73)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل؛
لأن القضاء يتلو الوجوب وقد أنكره فيكون مناقضا. ولنا أن التوفيق ممكن؛ لأن
غير الحق قد يقضى ويبرأ منه دفعا للخصومة والشغب، ألا ترى أنه يقال قضى
بباطل، وقد يصالح على شيء فيثبت ثم يقضي، وكذا إذا قال: ليس لك علي شيء قط،
لأن التوفيق أظهر. ولو قال: ما كان لك علي شيء قط، ولا أعرفك، لم تقبل
بينته على القضاء، وكذا على الإبراء لتعذر التوفيق؛ لأنه لا يكون بين اثنين
أخذ وإعطاء وقضاء واقتضاء، ومعاملة ومصالحة بدون المعرفة. وذكر القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل أيضا؛ لأن المحتجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الإبراء. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل) ش: وبه قال ابن
أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن القضاء يتلو الوجوب) ش: لأنه تسليم
مثل الواجب م: (وقد أنكره فيكون مناقضا) ش: في دعواه، وقبول النية تقتضي
دعوى صحيحة م: (ولنا أن التوفيق ممكن لأن غير الحق قد يقضي ويبرأ منه دفعا
للخصومة والشغب) .
م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه يقال قضى بباطل) ش: كما يقال قضى
بحق م: (وقد يصالح على شيء) ش: بالإنكار م: (فيثبت ثم يقضي) ش: أي يؤدي،
والقضاء يجيء بمعنى الأداء. قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}
[الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) فإذا أديت م: (وكذا إذا قال) ش: أي الرجل
المخاطب عند دعوى المال عليه: م: (ليس لك علي شيء قط؛ لأن التوفيق أظهر) ش:
لأن يقول ليس لك علي شيء في الحال لأني قد قضيتك حقك، أو لأنك أبرأتني، ألا
ترى أنه لو صرح به يصح، وهذا لأن ليس لنفي الحال. فإذا أقام المدعي البينة
على المدعى به والمدعى عليه على القضاء أو الإبراء قبل زمان الحال لم يتصور
تناقض أصلا ما لو دلت المسألة على قبول البينة عند إمكان التوفيق من غير
دعواه.
واستدلال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لمسألة الكتاب بفصل دعوى القصاص،
والرق فقال: ألا ترى أنه لو ادعى على رجل دم عمد، فلم تثبت عليه أقام
المدعى عليه بينة على الإبراء أو العفو أو الصلح معه على مال قبلت، وكذا لو
ادعى رقبة جارية، فأنكرت وأقام البينة على رقبتها ثم أقامت هي بينة على أنه
أعتقها أو كاتبها أو ألف وأنها أدت إليه قبلت.
م: (ولو قال: ما كان لك علي شيء قط، ولا أعرفك، لم تقبل بينته على القضاء
وكذا على الإبراء) ش: أي وكذا لا تقبل بينته على الإبراء م: (لتعذر
التوفيق؛ لأنه لا يكون بين اثنين أخذ وإعطاء وقضاء واقتضاء ومعاملة ومصالحة
بدون المعرفة) ش: فتعذر التوفيق فبطلت البينة.
م: (وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن بينته على تأويل البرهان م: (تقبل أيضا) ش:
على القضاء م: (لأن المحتجب) ش: أي الرجل المحتجب، وهو الذي لا يراه كل أحد
لعظمته. وقال تاج الشريعة: المحتجب الذي لا يتولى
(9/74)
أو المخدرة قد يؤدي بالشغب على بابه، فيأمر
بعض وكلائه بإرضائه ولا يعرفه، ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن التوفيق.
قال: ومن ادعى على آخر أنه باعه جاريته، فقال: لم أبعها منك قط، فأقام
المشتري البينة على الشراء، فوجد بها أصبعا زائدة فأقام البائع البينة أنه
برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ
- أنه تقبل اعتبارا بما ذكرنا. ووجه الظاهر أن شرط البراءة تغيير للعقد من
اقتضاء وصف السلامة إلى غيره، فيستدعي وجود البيع وقد أنكره فكان مناقضا
بخلاف الدين؛ لأنه قد يقضي وإن كان باطلا على ما مر.
قال: ذكر حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأمور بنفسه م: (أو المخدرة) ش: أي المرأة المخدرة وهي التي لم تجر عادتها
بالبروز وحضور مجلس الحكم م: (قد يؤدي بالشغب على بابه) ش: الشغب بفتح
الشين وسكون الغين المعجمتين، وقال الجوهري: الشغب بالتسكين تهييج الشر ولا
يقال شغب م: (فيأمر بعض وكلائه بإرضائه ولا يعرفه، ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن
التوفيق) ش: من حيث أنه عرفه بعد إرضائه بلا معرفة. وقال فخر الدين قاضي
خان في "شرح الجامع الصغير ": فعلى هذا لو كان المدعى عليه يتولى الأعمال
بنفسه، لا تقبل بينته؛ لأنه لا يمكنه التوفيق من هذا الوجه، وقيل: تقبل
البينة على الإبراء في هذا الفصل اتفاق الروايات، لأن الإبراء يتحقق بلا
معرفة.
[ادعى على آخر أنه باعه جاريته فقال لم أبعها
منك قط فأقام المشتري البينة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
ادعى على آخر أنه باعه جاريته، فقال: لم أبعها منك قط، فأقام المشتري
البينة) ش: أي أقام المدعي البينة م: (على الشراء) ش: منه م: (فوجد) ش: أي
المشتري م: (بها) ش: أي الجارية م: (أصبعا زائدة) ش: خص هذا العيب بالذكر
دون عيب آخر، لما أنه عيب قديم لا يحدث مثله في مثل تلك المدة م: (فأقام
البائع البينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع) ش: لأن التوفيق
بين الكلامين متعذر.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي بينة البائع م: (تقبل
اعتبارا بما ذكرنا) ش: أراد به ما ذكره في مسألة البائع وكيلا من المالك في
البيع، فكان المالك في قوله ما بعتها صادقا ثم المالك في دعواه السواء من
كل عيب، لا يكون مناقضا م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن شرط
البراءة) ش: عن العيب م: (تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره،
فيستعدي وجود البيع) ش: لأن الصفة بدون الموصوف غير مقصودة م: (وقد أنكره)
ش: أي والحال أن البائع قد أنكر م: (فكان مناقضا) ش: لأن دعوى البراءة تقضي
سابقة العقد فلا تسمع بينته م: (بخلاف الدين) ش: فإن هناك تقبل بينة
المطلوب على القضاء والإبراء بعد إنكاره أصل الدين إذ التوفيق ممكن، بأن
يقول: ما كان لك علي شيء قط، غير أني دفعت المال قطعا للخصومة والملامة،
فلما جحدتني أثبته، كذا ذكره المحبوبي م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (قد
يقضى وإن كان باطلا على ما مر) ش: عند قوله لأن غير الحق قد يقضى ويبرأ منه
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ذكر حق) ش: قال تاج الشريعة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -
(9/75)
كتب في أسفله، ومن قام بهذا الذكر الحق فهو
ولي ما فيه إن شاء الله تعالى، أو كتب في شراء فعلى فلان خلاص ذلك وتسليمه
إن شاء الله تعالى بطل الذكر كله، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وقالا: إن شاء الله تعالى هو على الخلاص، وعلى من قام بذكر الحق، وقولهما
استحسان ذكره في الإقرار؛ لأن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه؛ لأن الذكر
للاستيثاق، وكذا الأصل في الكلام الاستبداد، وله أن الكل كشيء واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي كتاب إقرار بدين، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله ذكر حق أي صك
يعني لو كتب ذكر إقرار على نفسه ثم م: (كتب في أسفله، ومن قام بهذا الذكر
الحق فهو ولي فيه إن شاء الله تعالى، أو كتب في شراء) ش: يعني كتب ذكر
إقرار في شراء، يعني في صك الشراء، ثم كتب في آخره وما أدرك فلانا من الدرك
م: (فعلى فلان خلاص ذلك وتسليمه إن شاء الله تعالى بطل الذكر كله) ش: يعني
يبطل الصك كله حتى يبطل الدين الذي فيه، ويفسد الشراء، وصورتها في " الجامع
الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرجل يكتب
على نفسه ذكر الحق، فيكتب في أسفله إن شاء الله تعالى، أو يكتب الشراء
فيكتب في أسفله فما أدرك فيه فلانا من درك، فعلى فلان خلاصه إن شاء الله
تعالى، قال: إن شاء الله يبطل الدين، ويفسد الشراء وهذا معنى قوله م: (وهذا
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني بطلان الصك كله.
م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إن شاء الله تعالى
هو على الخلاص) ش: يعني قوله إن شاء الله تعالى ينصرف إلى قوله على فلان
خلاصه م: (وعلى من قام بذكر الحق) ش: والشراء صحيح والمال المقر به لازم م:
(وقولهما) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (استحسان ذكره) ش:،
أي ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الإقرار) ش: من " المبسوط " م:
(لأن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه) .
ش: أي لأن الصك يشتمل على إنشاء ولا تعلق للبعض بالبعض فانصرف إلى الذي
يليه م: (لأن الذكر) ش: أي الصك يكتب م: (للاستيثاق) ش: والتأكيد لا
للإبطال فكان ذلك دلالة على قصر الاستثناء على الذي يليه م: (وكذا الأصل في
الكلام الاستبداد) ش: أي الاستقلال فلا يكون ما في الصك بعضه مرتبا ببعض
فينصرف الاستثناء إلى ما يليه.
والجواب: أن الذكر للاستيثاق مطلقا، وإذا لم يكتب في آخره إن شاء الله
تعالى، والثاني مسلم، والأول عين النزاع، والأصل في الكلام الاستبداد إذ لم
يوجد ما يدل على خلافه، وقد وجد ذلك وهو العطف.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الكل) ش: فيما نحن
فيه م: (كشيء واحد
(9/76)
بحكم العطف فيصرف إلى الكل كما في الكلمات
المعطوفة، مثل قوله عبده حر وامرأته طالق، وعليه المشي إلى بيت الله تعالى
إن شاء الله تعالى، ولو ترك فرجة قالوا: لا يلتحق به ويصير كفاصل السكوت،
والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بحكم العطف فيصرف إلى الكل كما في الكلمات المعطوفة) ش: بعضها على بعض م:
(مثل قوله عبده حر وامرأته طالق، وعليه المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء
الله تعالى) ش: فإنه ينصرف إلى الجميع ولا يلزمه شيء م: (ولو ترك فرجة) ش:
أي موضع بياض قبل قوله، ومن قام بهذا الذكر الحق فهو ولي ما فيه إن شاء
الله تعالى.
م: (قالوا) ش: المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (لا يلتحق) ش: أي قوله:
"إن شاء الله" حينئذ م: (به) ش: أي بجميع الصك، بل يلتحق بقوله من قام بذكر
الحق م: (ويصير كفاصل السكوت) ش: أي تلك الفرجة كالسكوت في المنطق، فإن
قيل: ينبغي أن لا يكتب قوله، ومن قام الآخر أنه توكيل، ولا يصح التوكيل على
هذا الوجه، لأنه توكيل لمجهول، والمجهول لا يصلح وكيلا، قلنا: الغرض من
كتابته إثبات رضا المعز بتوكيل من يوكله المقولة بالخصومة معه على قول أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن التوكيل بالخصومة عنده من غير رضا الخصم
لا يصح وكونه توكيلا مجهولا ليس بصائر؛ لأنه في الإسقاط، والإسقاطات تصح مع
الجهالة، كما في الصلح على الإنكار.
وقيل: هو للاحتراز عن قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز
التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم، إلا إذا رضي بوكالة وكيل مجهول لا عن
مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن الرضا بالوكالة المجهولة عنده لا
تثبت، فوجوده كعدمه، قلت ذكر في كتب المذاهب الأربعة أن عند ابن أبي ليلى
يجوز التوكيل بغير رضا الخصم مطلقا، والله أعلم.
(9/77)
فصل في القضاء بالمواريث قال: وإذا مات
نصراني فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: أسلمت بعد موته، وقالت الورثة: أسلمت
قبل موته فالقول قول الورثة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول قولها؛
لأن الإسلام حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات. ولنا أن سبب الحرمان ثابت في
الحال، فيثبت فيما مضى تحكيما للحال، كما في جريان ماء الطاحونة، وهذا
ظاهر، نعتبره للدفع وما ذكره يعتبره للاستحقاق، ولو مات المسلم وله امرأة
نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته، وقالت: أسلمت قبل موته، وقالت الورثة: لا بل
أسلمت بعد موته، فالقول قولهم أيضا ولا يحكم الحال، لأن تحكيمه يؤدي إلى
جعله حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه أما الورثة فهم الدافعون، ويشهد لهم
ظاهر الحدوث أيضا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في القضاء بالمواريث]
[مات نصراني فجاءت امرأته وقالت أسلمت بعد موته
وقالت الورثة أسلمت قبل موته]
أي هذا فصل في بيان أحكام القضاء بالمواريث، وهو جمع ميراث، أصله متوارث،
قلبت الواو ياء لسكونها، وإنكار ما قبلها وهو اسم مثل الإرث ولما كان الموت
آخر أحوال البشر ذكر الأحكام المتعلقة به آخرا م: (قال: وإذا مات نصراني
فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: أسلمت بعد موته، وقالت الورثة: أسلمت قبل موته
فالقول قول الورثة) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير ".
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول
قولها) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الإسلام حادث
فيضاف إلى أقرب الأوقات) ش: فيجعل موجودا بعد الموت لا قبله.
م: (ولنا أن سبب الحرمان) ش: أي سبب حرمان المرأة وهو إسلامها من ميراث
زوجها النصراني م: (ثابت في الحال، فيثبت فيما مضى تحكيما للحال) ش: أي
باستصحاب الحال وتحكيم المال عند عدم دليل آخر واجب والحال يصلح للدفع لا
للاستحقاق.
م: (كما في جريان ماء الطاحونة) ش: فإن ربها مع المستأجر إذا اختلفا بعد
مضي المدة في جريان الماء وانقطاعه بحكم الحال، فإن كان جاريا في الحال،
كان القول قول رب الطاحونة، وإن لم يكن جاريا كان القول قول المستأجر م:
(وهذا) ش: أي تحكيم الحال م: (ظاهر) ش: نحن م: (نعتبره للدفع) ش: أي لدفع
استحقاقها الميراث م: (وما ذكره) ش: أي: زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(يعتبره للاستحقاق) ش: وفي بعض النسخ: وما ذكره أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ
-، والظاهر يعتبر للدفع لا للاستحقاق.
م: (ولو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته، وقالت: أسلمت
قبل موته، وقالت الورثة: لا بل أسلمت بعد موته، فالقول قولهم أيضا) ش: أي
للورثة م: (ولا يحكم الحال) ش: أي لا يقال إنها مسلمة في الحال فتكون مسلمة
قبل موته فلا يحكم الحال م: (لأن تحكيمه يؤدي إلى
(9/78)
قال: ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف
درهم وديعة، فقال المستودع: هذا ابن الميت لا وارث له غيره، فإنه يدفع
المال إليه، لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث خلافة، فصار كما إذا أقر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جعله حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه) ش: أي إلى الاستحقاق وهو لا يصلح
لذلك، وبه يتم الدليل وقوله م: (أما الورثة، فهم الدافعون) ش: إشارة إلى
معنى آخر، وهو أن في كل مسألة منها اجتمع نوعا الاستصحاب، أما في الأولى،
فلأن نصرانية امرأة النصراني كانت لما تبعه فيما مضى، ثم جاءت مسلمة، فادعت
إسلاما حادثا، فبالنظر إلى ما كانت فيما مضى الأصل فيه أن يبقى هو من النوع
الأول، وبالنظر إلى ما هو موجود في الحال الأصل فيه أن يكون موجودا فيما
مضى، وهو من النوع الثاني.
فلو اعتبرنا الأول حتى كان القول قولها، كان استصحاب الحال مثبتا، وهو
باطل، فاعتبرنا الثاني ليكون دافعا، فبالنظر إلى النصرانية يقتضي بقاءها
إلى ما بعد الموت، وبالنظر إلى الإسلام يقتضي أن يكون ثابتا قبل موته. فلو
اعتبرناه لزم أن يكون الحال مثبتا، وهو لا يصلح، فاعتبرنا الأول ليكون
دافعا، والورثة هم الدافعون فيتقيد بهم الاستبدال به وقوله: م: (ويشهد لهم
ظاهر الحدوث أيضا) ش: دليل آخر وهو أن الإسلام حادث، والحادث يضاف إلى أقرب
الأوقات.
فإن قيل: إن كان ظاهر الحدوث معتبرا في الدلالة، كان ظاهر في المسألة
الأولى معارضا للاستصحاب ويحتاج إلى مرجع. والأصل عدمه، فالجواب: أنه معتبر
في الدفع لا في الإثبات.
وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبره للإثبات. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: ونوقض بنقض إجمالي، وهو أن ما ذكرتم على الاستصحاب لا يصلح للإثبات، ولو
كان صحيحا بجميع مقدماته لما قضى فيه بالأجر على المستأجر، إذا كان ماء
الطاحونة جاريا عند الاختلاف، لأنه استدلال به لإثبات الأجر.
والجواب: أنه استدلال به لدفع ما يدعي المستأجر على الأجر من ثبوت العيب
الموجب بسقوط الأجر، فإنه بالعقد السابق الموجب له، فيكون دافعا لا موجبا.
إلى هنا كلامه، ثم قال: واعتبر هذا واستغنى عما في " النهاية ".
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم وديعة فقال المستودع) ش: أي الذي عنده
الوديعة م: (هذا ابن الميت لا وارث له غيره، فإنه) ش: أي فإن المستودع م:
(يدفع المال إليه) ش: أي إلى ابن الميت م: (لأنه أقر أن ما في يده حق
الوارث خلافة) ش: أي من حيث الخلافة عن الميت. م: (فصار) ش: حكم هذا م:
(كما إذا أقر)
(9/79)
أنه حق المورث وهو حي أصالة، بخلاف ما إذا
أقر لرجل أنه وكيل المودع بالقبض، أو أنه اشتراه منه حيث لا يؤمر بالدفع
إليه؛ لأنه أقر بقيام حق المودع، إذ هو حي فيكون إقرارا على مال الغير ولا
كذلك بعد موته، بخلاف المديون إذا أقر بتوكيل غيره بالقبض؛ لأن الديون تقضى
بأمثالها، فيكون إقرارا على نفسه فيؤمر بالدفع إليه ولو قال المودع لآخر:
هذا ابنه أيضا، وقال الأول: ليس له ابن غيري قضى بالمال للأول؛ لأنه لما صح
إقراره للأول انقطع يده عن المال فيكون هذا إقرارا على الأول، فلا يصح
إقراره للثاني كما إذا كان الأول ابنا انقطع يده عن المال، فيكون هذا
إقرارا على الأول فلا يصح إقراره للثاني كما لو كان الأول ابنا معروفا،
ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح، وحين أقر للثاني له مكذب فلم يصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي المستودع م: (أنه حق المورث) ش: بكسر الراء م: (وهو حي) ش: أي والحال
أنه حي م: (أصالة) ش: أي من حيث الأصالة م: (بخلاف ما أقر) ش: أي المستودع
م: (لرجل أنه وكيل المودع) ش: بكسر الدال م: (بالقبض أو أنه اشتراه منه) .
ش: أي أقر أن الرجل المقر له عين الوديعة من المودع م: (حيث لا يؤمر بالدفع
إليه؛ لأنه أقر بقيام حق المودع) ش: بكسر الدال م: (إذ هو حي) ش: أي والحال
أنه حي م: (فيكون) ش: إقراره م: (إقرارا على مال الغير) ش: فلا يصح لأن
إقراره حجة قاصرة عليه، فلا يصح في حق الغير م: (ولا كذلك) ش: أي وليس
الحكم كما ذكره م: (بعد موته) ش: أي بعد موت المودع.
م: (بخلاف المديون إذا أقر بتوكيل غيره بالقبض) ش: يعني إذا أقر المديون
لرجل أنه وكيل صحاب الدين يقبض الدين حيث يؤمر بالدفع م: (لأن الديون تقضى
بأمثالها) ش: لا بأعيانها م: (فيكون إقرارا على نفسه فيؤمر بالدفع إليه) ش:
ومن أقر على نفسه يؤمر بالخروج عن عهدته. م: (ولو قال المودع) ش: بفتح
الدال م: (لآخر) ش: أي لشخص آخر م: (هذا ابنه أيضا، وقال الأول) ش: أي
الابن الأول م: (ليس له ابن غيري قضى بالمال للأول؛ لأنه لما صح إقراره
للأول انقطع يده عن المال، فيكون هذا إقرارا على الأول، فلا يصح إقراره
للثاني كما إذا كان الأول ابنا) ش: أي الابن الأول ليس له ابن غيري يقضي
بالمال للأول؛ لأنه لما صح إقراره للأول م: (انقطع يده عن المال، فيكون هذا
إقرارا على الأول، فلا يصح إقراره للثاني كما لو كان الأول) ش: أي الابن
الأول م: (ابنا معروفا) ش: لأنه لا مزاحم له م: (ولأنه حين أقر للأول لا
مكذب له) ش: يعني لم يكذب به أحد م: (فصح) ش: أي إقراره م: (وحين أقر
للثاني) ش: أي للابن الثاني م: (له مكذب) ش: وهو الابن الأول م: (فلم يصح)
ش: واعترض بأن تكذيب غيره ينبغي أن لا يؤثر في إقراره، فيجب عليه ضمان نصف
ما أدى للأول. وأجابوا بالتزام ذلك إذا دفع الجميع بلا قضاء كالذي أقر
بتسليم الوديعة من القاضي بعدما أقر لغير من أقر له القاضي، وأما إن كان
الدفع بقضاء، كان في الإقرار الثاني مكذبا شرعا، فلا يلزمه الإقرار.
(9/80)
قال: وإذا قسم الميراث بين الغرماء
والورثة، فإنه لا يؤخذ منهم كفيل ولا من وارث وهذا شيء احتاط به بعض
القضاة، وهو ظلم وهذا وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يأخذ
الكفيل، والمسألة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة، ولم يقل الشهود: لا
نعلم له وارثا غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أخذ الكفيل من الغرماء والوارث]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
قسم الميراث بين الغرماء والورثة، فإنه لا يؤخذ منهم كفيل) ش: أي من
الغرماء م: (ولا من وارث) ش: أي ولا يؤخذ أيضا كفيل من وارث م: (وهذا شيء)
ش: أي أخذ الكفيل الشيء م: (احتاط به بعض القضاة) ش: وكان ابن أبي ليلى -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يفعل كذلك بالكوفة في قضائه م: (وهو ظلم) ش: هذا دليل
على أن المجتهد يخطئ ويصيب، ونص على أن الإمام أسبق الأئمة أبا حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه براءة عن مذهب أهل الاعتزال، حيث قالوا: كل
مجتهد مصيب. م: (وهذا) ش: أي عدم أخذ الكفيل من الغرماء والوارث م: (عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: يأخذ الكفيل) ش: أي لا يدفع المال إليهم حتى يأخذ الكفيل، وبه
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وقال في قول آخر: لا يجب أخذ الكفيل؛ بل يستحب. وقيل: إن كان الوارث ممن
يحجب وجب، وإلا فلا، وقيل: إن كان الوارث مأمونا لا يجب، وإن كان غير مأمون
يجب، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الدفع إلى الوارث، إنما يصح
إذا كان وارثا لا يحجب بغيره، وإن كان يحجب بغيره لا يدفع المال إليه.
وإن كان وارثا يختلف نصيبه ولا يحجب، ويدفع إليه أقل النصيبين عند أبي يوسف
- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أوفر النصيبين، وبه
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مضطرب، ذكره الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي
".
م: (والمسألة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة، ولم يقل الشهود: لا نعلم
له وارثا غيره) ش: قيد بقوله ولم يقل الشهود.. إلى آخره؛ لأنهم إذا قالوا
ذلك، يدفع إليه المال بلا أخذ كفيل بالاتفاق، وعند ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لا يثبت إرثه حتى يقول الشهود: لا وارث له سواه، ويأخذ الكفيل
عنده في هذه الصورة أيضا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه،
وقال في وجه: يجب أخذ الكفيل في جميع الصور.
وإذا شهدوا أنه ابن فلان مالك هذه الدار، ولم يشهدوا على عدد الورثة، ولم
يقولوا في شهادتهم: لا نعلم له وارثا غيره، فإن القاضي يتلوم زمانا على قدر
ما يرى، وقدر الطحاوي مدة التلوم بالحول فإن حضر وارث غيره قسمت فيما
بينتهم، وإن لم يحضر دفع الدار إليه إن كان
(9/81)
لهما أن القاضي ناظر للغيب. والظاهر أن في
التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا؛ لأن الموت قد يقع بغتة فيحتاط
بالكفالة، كما إذا دفع الآبق واللقطة إلى صاحبه أو أعطى امرأة الغائب
النفقة من ماله. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق الحاضر ثابت قطعا
أو ظاهرا فلا يؤخر لحق موهوم إلى زمان التكفيل، كمن أثبت الشراء ممن في يده
أو أثبت الدين على العبد حتى يبيع في دينه لا يكفل، ولأن المكفول له مجهول،
فصار كما إذا كفل لأحد الغرماء، بخلاف النفقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحاضر ممن لا يحجب حرمانا كالأب والابن وإن كان يحجب بغيره كالجد والأخ،
فإنه لا يدفع إليه، وإن كان ممن يحجب نقصانا كالزوج والزوجة يدفع إليه أوفر
النصيبين، وهو النصف والربع عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأقلهما وهو
الربع والثمن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: م: (أن القاضي ناظر للغيب) ش: بضم الغين المعجمة وتشديد الياء جمع غائب
م: (والظاهر أن في التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا؛ لأن الموت قد يقع
بغتة فيحتاط بالكفالة، كما إذا دفع) ش: القاضي اللقطة إلى رجل أثبت عنده
أنه صاحبه، فإنه يأخذ منه كفيلا م: (الآبق واللقطة) ش: أي وكما إذا دفع
العبد الآبق م: (إلى صاحبه) ش: فإنه يأخذ منه كفيلا احتياطا م: (أو أعطى)
ش: أي وكما إذا أعطى م: (امرأة الغائب النفقة من ماله) ش: أي من مال الزوج
بأن كان عند إنسان وديعة يقر بها المودع ويقر بقيام النكاح، فإنه يفرض لها
النفقة ويأخذ منها كفيلا احتياطا.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق الحاضر ثابت قطعا) ش: فيما
إذا كان القاضي يعرف يقينا أنه لا وارث لميت غير الحاضر م: (أو ظاهرا) ش:
فيما إذا لم يعرف القاضي وارثا آخر واحتمل وجود الآخر وعدمه، فإذا كان
الأمر كذلك م: (فلا يؤخر) ش: أي حق الحاضر م: (لحق موهوم إلى زمان التكفيل)
ش: لأن القاضي ليس بمكلف بإظهاره، بل بما ظهر عنده من الحجة، فكان العمل
بالظاهر واجبا عليه م: (كمن أثبت الشراء ممن في يده أو أثبت الدين على
العبد حتى يبيع في دينه لا يكفل) ش: أي من المشتري أو من رب الدين مع
احتمال مشتر آخر ودين آخر.
فلو أخذ الكفيل بناء على هذا الاحتمال يكون الأدنى معارضا على الحجة الأعلى
وأنه لا يجوز م: (ولأن المكفول له مجهول) ش: هذا دليل آخر على عدم جواز أخذ
الكفيل، وذلك لما تقدم أن جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة، وهنا المكفول
له مجهول فلا يصح.
م: (فصار كما إذا كفل لأحد الغرماء) ش: ولم يعين من هو، فإنه لا يصح م:
(بخلاف النفقة)
(9/82)
لأن حق الزوج ثابت وهو معلوم. وأما الآبق
واللقطة ففيه روايتان. والأصح أنه على الخلاف، وقيل: إن دفع بعلامة اللقطة
أو إقرار العبد، يكفل بالإجماع؛ لأن الحق غير ثابت. ولهذا كان له أن يمنع.
وقوله: ظلم، أي ميل عن سواء السبيل، وهذا يكشف عن مذهبه - رَحِمَهُ اللَّهُ
- أن المجتهد يخطئ ويصيب، لا كما ظنه البعض. قال: وإذا كانت الدار في يد
رجل وأقام الآخر البينة أن أباه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخيه فلأن
الغائب قضي له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا جواب عما استشهد به من المسائل أما النفقة م: (لأن حق الزوج ثابت)
ش: في الوديعة م: (وهو) ش: أي الزوج م: (معلوم) ش: أيضا فصحت الكفالة.
م: (وأما الآبق واللقطة ففيه) ش: أي ففي كل واحد منهما م: (روايتان) ش: قال
في رواية: لا أحب أن يأخذ منه كفيلا، وقال في رواية: أحب إلي أن يأخذ منه
كفيلا م: (والأصح أنه على الخلاف) ش: المذكور إذا ظهر الاستحقاق بالبينة،
وقالوا في " شروح الجامع الصغير "، والصحيح أن الرواية الأولى قول أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فعلى ما قالوا لا يصح قياسا على تلك المسألة.
م: (وقيل: إن دفع بعلامة اللقطة أو إقرار العبد) ش: فإنه لمن يطلبه م:
(يكفل بالإجماع؛ لأن الحق غير ثابت) ش: لأن العلامة أو قول العبد لا يوجب
الاستحقاق م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان له) ش: أي للقاضي م: (أن
يمنع) ش: أي من الدفع، فصح تأخيره للتكفيل صيانة للقضاء.
م: (وقوله) ش: أي وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير
" حين سأله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مسألة قسمة الميراث بين
الغرماء م: (ظلم أي ميل عن سواء السبيل) ش: إنما ذكره تمهيدا لما ذكره
بقوله: م: (وهذا) ش: أي إطلاق الظلم على المجتهد فيه م: (يكشف عن مذهبه -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن
المجتهد يخطئ ويصيب لا كما ظنه البعض) ش: وهم المعتزلة أن كل مجتهد مصيب،
على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإنما وقعوا في هذا الظن بسبب ما
نقل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال ليوسف بن خالد السمتي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد، قلنا: معناه مصيب
في الاجتهاد، حتى يكون مثابا، وإن وقع اجتهاده مخالفا عند الله عز وجل. فقد
قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو تلاعنا ثلاثا ففرق القاضي بينهما، فقد
قضاه وقد أخطأ السنة جعل قضاءه صوابا، مع فتواه أنه يخطئ بالحق عند الله عز
وجل، كذا في "التقويم ".
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -[في] " الجامع الصغير " م: (وإذا
كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر) ش: أي رجل آخر م: (البينة أن أباه مات
وتركها) ش: أي الدار م: (ميراثا بينه وبين أخيه فلأن الغائب قضي له بالنصف)
ش: أي بنصف الدار م: (وترك النصف الآخر في الذي هي في يده،
(9/83)
ولا يستوثق منه بكفيل، وهذا عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن كان الذي هي في يده جاحدا، أخذ منه وجعل
في يد أمين، وإن لم يجحد ترك في يده، لهما أن الجاحد خائن فلا يترك المال
في يده، بخلاف المقر لأنه أمين، وله أن القضاء وقع للميت مقصودا واحتمال
كونه مختارا للميت ثابت، فلا تنقض يده كما إذا كان مقرا وجحوده قد ارتفع
بقضاء القاضي، والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة الحادثة معلومة له
وللقاضي. ولو كانت الدعوى في منقول فقد قيل: يؤخذ منه بالاتفاق؛ لأنه يحتاج
فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه، بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها، ولهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا يستوثق منه) ش: أي من صاحب اليد م: (بكفيل) ش: أي لا يؤخذ من ذي اليد
كفيل م: (وهذا) ش: أي ترك النصف الآخر في يد من في يده م: (عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:. وعدم الاستيثاق بالكفيل هنا فبالإجماع، والخلاف في
الذي ذكرناه.
م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إن كان الذي هي في
يده جاحدا أخذ منه) ش: أي أخذ منه الكفيل م: (وجعل في يد أمين) ش: حتى تقدم
الغائب م: (وإن لم يحجد ترك في يده) ش: لأنه أمين م: (لهما) ش: أي لأبي
يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الجاحد خائن فلا يترك المال في يده،
بخلاف المقر لأنه أمين) ش: فترك في يده م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القضاء وقع للميت مقصودا) ش: لأن القضاء بالإرث
قضاء للميت، ولهذا يقضي ديونه منه وينفذ وصاياه م: (واحتمال كونه) ش: أي
كون صاحب اليد م: (مختارا للميت ثابت، فلا تنقض يده) ش: بقيد من غير مختار
له، وإنما قال واحتمال كونه، لأن كون المال بيد من لو بيده باختيار الميت
ليس بقطعي.
واحتمال ذلك يفيد المطلوب فاكتفى به م: (كما إذا كان) ش: من بيده م: (مقرا)
ش: فإنه إنما يترك الباقي بيده كذلك.
م: (وجحوده) ش: هذا جواب عما ذكراه، ووجهه أن الخيانة الجحود م: (قد ارتفع
بقضاء القاضي) ش: وكذا لازمه م: (والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة
الحادثة معلومة له) ش: أي للابن م: (وللقاضي) ش: فالظاهر أنه إنما جحد
لاشتباه الأمر عليه، وقد زال ذلك بالحجة.
م: (ولو كانت الدعوى في منقول) ش: والمسألة بحالها.
م: (فقد قيل: يؤخذ) ش: أي النصف الآخر م: (منه) ش: أي من الذي يده م:
(بالاتفاق؛ لأنه يحتاج فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه) ش: أي في القول لأنه
لما جحد ربما يتصرف فيه إما لخيانة أو لزعمه أنه ملكه، فالأخذ منه أبلغ في
الحفظ.
م: (بخلاف العقار؛ لأنها محصنة بنفسها، ولهذا) ش: أي ولكون العقار محصنة
بنفسها
(9/84)
يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب
دون العقار، وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير. وقيل: المنقول على
الخلاف أيضا، وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أظهر لحاجته إلى
الحفظ، وإنما لا يؤخذ الكفيل لأنه إنشاء الخصومة، والقاضي إنما نصب لقطعها
لا لإنشائها، وإذا حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه
بذلك القضاء؛ لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له عليه
دينا كان أو عينا؛ لأن المقضي له وعليه إنما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار، وكذا حكم وصي
الأم والأخ والعم على الصغير) ش: من بيع العروض على الكبير، وإنما خصهم
بالذكر إذ ليس لهم ولاية التصرف ولهم ولاية الحفظ، وهذا من باب الحفظ م:
(وقيل: المنقول على الخلاف أيضا) ش: يعني لا يؤخذ نصيب الغائب من يد المدعى
عليه على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. وقال الأستروشني
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في "فصوله": وأما المنقول فلا شك أن على قولهما يؤخذ
نصيب الغائب من يده ويوضع على يدي عدل. واختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال بعضهم: لا ينزع من
يده، وقال بعضهم: ينزع من يده.
م: (وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه) ش: أي في المنقول م: (أظهر)
ش: من قوله في العقار م: (لحاجته إلى الحفظ) ش: أي لحاجة المنقول إلى
الحفظ، فإذا لم ينزع من يده كان مضمونا عليه، وإذا نزع منه لم يبق مضمونا
عليه، فكان الحفظ في عدم النزع أكثر م: (وإنما لا يؤخذ الكفيل) ش: هذا راجع
إلى قوله، ولا تستوثق منه بكفيل، ومعناه أخذ الكفيل م: (لأنه إنشاء
الخصومة) ش: لأن من بيده الباقي قد لا تصح نفسه بإعطائه، والقاضي يطالبه
فتنشأ الخصومة والقاضي لم ينصب لإنشائها بل لقطعها، وهو معنى قوله م:
(والقاضي إنما نصب لقطعها) ش: أي لقطع الخصومة م: (لا لإنشائها) .
فإن قيل: هب أن القاضي لم ينصب لذلك، فيكون الخصم هو الحاضر يطالبه
بالكفيل، والقاضي يقطعها بحكمه بإعطائه.
أجاب الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه بقوله: يجعل تركيب الدليل هكذا طلب
الكفيل هاهنا إنشاء خصومة وهو مشروع لقطع الخصومة ورفعها، فلما فرضناه
رافعا لشيء كان منشأ له، وهذا خلف باطل. م: (وإذا حضر الغائب) ش: وأخذ
نصيبه هل يكلف إلى إعادة البينة أم لا، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
م: (لا يحتاج إلى إعادة البينة) ش: في أخذ نصيبه من ذي اليد م: (ويسلم
النصف إليه بذلك القضاء) ش: لأن بينة الحاضر كانت له ولأخيه الغائب م: (لأن
أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له) ش: أي للميت.
م: (وعليه) ش: أي وعلى الميت سواء كان م: (دينا كان أو عينا؛ لأن المقضي له
وعليه إنما هو
(9/85)
الميت في الحقيقة، وواحد من الورثة يصلح
خليفة عنه في ذلك، بخلاف الاستيفاء لنفسه؛ لأنه عامل فيه لنفسه، فلا يصلح
نائبا عن غيره، ولهذا لا يستوفي إلا نصيبه، وصار كما إذا قامت البينة بدين
الميت إلا أنه إنما يثبت استحقاق الكل على أحد الورثة إذا كان الكل في يده.
ذكره في " الجامع "؛ لأنه لا يكون خصما بدون اليد فيقتصر القضاء على ما في
يده.
قال: ومن قال مالي في المساكين صدقة فهو على ما فيه الزكاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الميت في الحقيقة، وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه) ش: أي عن الميت م: (في
ذلك) ش: الأمر وهو اختيار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار فخر الإسلام
- رَحِمَهُ اللَّهُ - والخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومنهم من قال: يكلف
بإعادة البينة على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قتل العمد
إذا أقام الحاضر البينة: أن فلانا قتل أباه عمدا ثم حضر الغائب، يحتاج إلى
إقامة البينة.
م: (بخلاف الاستيفاء) ش: جواب عما يقال: لو صلح أحدهم للخلافة كان كالميت،
وجاز له استيفاء الجميع كالميت لكن لا يدفع إليه سوى نصيبه بالإجماع. تقرير
الجواب: أن الاستيفاء م: (لنفسه) ش: خلاف ذلك م: (لأنه) ش: أي لأن المستوفي
م: (عامل فيه لنفسه فلا يصلح نائبا عن غيره) ش: ولقائل أن يقول: فليكن
عاملا لنفسه في نصيبه، ونائبا عن غيره فيما زاد ولا محظور فيه.
وجوابه: في المسائل قال: لكن لا يدفع إليه سوى نصيبه بالإجماع وما كان كذلك
لا يقبل التشكيك م: (ولهذه) ش: أي ولأجل كون العامل لنفسه لا يصلح أن يكون
نائبا لغيره م: (لا يستوفي) ش: الحاضر م: (إلا نصيبه، وصار كما إذا قامت
البينة بدين الميت) ش: فإنه يقضي بالكل، ولا يأخذ إلا نصيب نفسه م: (إلا
أنه) ش: استثناء من قوله: لأن أحد الورثة ينتصب خصما إلى قوله له وعليه،
يعني أنه لو ادعى أحد على أحد الورثة دينا على الميت يكون هو خصما في جميع
التركة لا يكون قضاء على جميع الورثة إن كانت التركة جميعها في يده، وهو
معنى قوله: إلا أنه أي إلا أن الشأن م: (إنما يثبت استحقاق الكل على أحد
الورثة إذا كان الكل) ش: أي كل التركة م: (في يده) ش: أي في يد الحاضر م:
(ذكره في " الجامع ") ش: أي " الجامع الكبير " في باب الشهادة في المواريث
م: (لأنه) ش: أي لأن الحاضر م: (لا يكون خصما بدون اليد فيقتصر القضاء على
ما في يده) ش: وفي " الكافي ": أن دعوى العين لا يتوجه إلا على ذي اليد،
وإنما ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين إذا كان المدعي في يده، وهذا بخلاف
دعوى الدين، فإن أحد الورثة ينتصب خصما، وإن لم يكن في يده شيء من التركة،
وكذا ذكره في " المحيط " و" الذخيرة ".
[قال مالي في المساكين صدقة]
م: (قال: ومن قال: مالي في المساكين صدقة فهو على ما فيه الزكاة) ش: أي يجب
عليه أن يتصدق بجميع ما يملكه من أجناس الأموال التي يجب فيها الزكاة،
كالنقدين والسوائم وأموال التجارة بلغ النصاب أم لا، إلا أن المعتبر هو جنس
مال الزكاة، والقليل منه، ولهذا قالوا: إذا
(9/86)
وإن أوصى بثلث ماله فهو على ثلث كل شيء،
والقياس أن يلزمه التصدق بالكل، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعموم
اسم المال كما في الوصية. وجه الاستحسان أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله
تعالى فينصرف إيجابه إلى ما أوجب الشارع فيه الصدقة من المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نذر أن يتصدق بماله وعليه دين يحيط بماله لزمه التصدق به، فإن قضى به دينه
لزمه التصدق بقدره عند تملكه، ولا يجب التصدق بالأموال التي لا يجب في
جنسها الزكاة كالعقار والرقين وأثاث المنازل وثياب البذلة وغير ذلك.
م: (وإن أوصى بثلث ماله فهو على ثلث كل شيء، والقياس) ش: في الأول أيضا م:
(أن يلزمه التصدق بالكل، وبه) ش: أي بالقياس م: (قال زفر - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول النخعي
والليثي - رحمهمها الله -، واستدل زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر
أن يطيع الله فليطيعه» .
والجواب عنه: أنا نحن نقول به، وقد بينا الفرق بين الوصية والنذر، وقال
الزهري ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يتصدق بثلث ماله، سواء كان
زيوفا أم لا، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي
لبابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قال: إن من توبتي يا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنخلع من مالي، فقال - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجزئك الثلث» ، والجواب عليه أنه ليس بنذر،
وليس هو محل النزاع.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": ذكر
أبو يوسف [في] " الأمالي " حكاه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن
نفسه أنه إذا قال: مالي في المساكين صدقة انصرف إلى مال الزكاة، وإذا قال:
ما أملك صدقة انصرف إلى جميع الأموال، وفي قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
يتصدق بثلث ماله.
وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه كفارة اليمين. وروي عن الشعبي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب عليه شيء، إلى هنا لفظ الفقيه أبي الليث
- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وجه القياس في التصدق بالكل، ما قاله زفر - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
م: (لعموم اسم المال) ش: فإنه عام يتناول ما تجب فيه الزكاة، وما لا يجب
فيه الزكاة فينصرف إلى الكل م: (كما في الوصية) ش: فإنه إذا أوصى بثلث ماله
ينصرف إلى الكل، ولا يختص بما فيه الزكاة م: (وجه الاستحسان أن إيجاب العبد
معتبر بإيجاب الله تعالى) ش: فإيجاب الله الصدقة في مطلق المال ينصرف إلى
مال الزكاة، فكذا إيجاب العبد م: (فينصرف إيجابه) ش: أي إيجاب العبد م:
(إلى ما أوجب الشارع فيه الصدقة من المال) ش: ولا يرد الاعتكاف حيث لم يوجب
في الشرع من جنسه، وهو معتبر لأنه لبث في مسجد جماعة عبادة، وهو من جنس
الوقوف
(9/87)
أما الوصية فأخت الميراث؛ لأنها خلافة كهي،
فلا تختص بمال دون مال، ولأن الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله، وهو مال
الزكاة. أما الوصية فتقع في حال الاستغناء، فينصرف إلى الكل، وتدخل فيه
الأرض العشرية عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنها سبب الصدقة، إذ
جهة الصدقة في العشرية راجحة عنده. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل
لأنها سبب المؤنة إذ جهة المؤنة راجحة عنده، ولا تدخل أرض الخراج بالإجماع؛
لأنه يتمحض مؤنة. ولو قال: ما أملكه صدقة في المساكين، فقد قيل: يتناول كل
مال؛ لأنه أعم من لفظ المال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعرفات، أو لأنه في معنى الصلاة، لأنه انتظار أوقات الصلاة، ولهذا اختص
بمسجد جماعة والمنتظر للصلاة كأنه في الصلاة.
م: (أما الوصية فأخذت الميراث لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (خلافة كهي) ش:
أي كالوراثة أن في كل منهما تمليك مضافا إلى ما بعد الموت م: (فلا تختص) ش:
أي الوصية م: (بمال دون مال) ش: كالميراث لا يختص بمال الزكاة م: (ولأن
الظاهر) ش: دليل آخر، أي ولأن الظاهر من حال الناذر م: (التزام الصدقة من
فاضل ماله، وهو مال الزكاة) ش: لأن الحياة مظنة الحاجة إلى ما تقوم به
حوائجه الأصلية فيختص النذر بمال الزكاة.
م: (أما الوصية فتقع في حال الاستغناء) ش: عن الأموال م: (فينصرف إلى الكل)
ش أي كل الأموال م: (وتدخل فيه) ش: أي في النذر م: (الأرض العشرية عند أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنها) ش: أي لأن الأرض العشرية م: (سبب
الصدقة) ش: وهي العشر، فكانت الأرض العشرية بمنزلة مال التجارة من حيث أنها
من جنس مال الزكاة التي تجب فيها الصدقة.
ولا يقال في عشر يعني المؤنة بالحديث، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
م: (إذ جهة الصدقة) ش: أي العبادة م: (في العشرية راجحة عنده) ش: أي عند
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل لأنها) ش: أي لأن الأرض
العشرية على تأويل المكان أو لتذكير الخبر، كما في قوله: هذا ربي م: (سبب
المؤنة إذ جهة المؤنة راجحة عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وذكر الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تدخل) ش: أي في النذر م:
(أرض الخراج بالإجماع) ش: لأن مصرفة المقاتلة وفيهم الأغنياء وقوله م:
(لأنه يتمحض مؤنة) ش: يتعلق بقوله: ولا يدخل.
م: (ولو قال: ما أملكه صدقة في المساكين، فقد قيل: يتناول كل مال) ش: وهو
رواية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ذكره في " الأمالي " وإليه ذهب محمد بن إبراهيم الميداني - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (لأنه أعم من لفظ المال) ش: إذ الملك يطلق على المال وعلى
غيره، يقال النكاح، وملك القصاص وملك المتعة، بخلاف ما لو قال: عبده حر إن
(9/88)
والمقيد إيجاب الشرع، وهو مختص بلفظ المال،
فلا مخصص في لفظ الملك، فبقي على العموم، والصحيح أنهما سواء؛ لأن الملتزم
باللفظين الفاضل عن الحاجة على ما مر، ثم إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت
الإيجاب يمسك من ذلك قوته، ثم إذا أصاب شيئا تصدق بمثل ما أمسك؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أملك إلا خمسين درهما، فإن ذلك ينصرف إلى مال الزكاة، وإن نص على لفظ الملك
ذكره في " الجامع "، لأن بقرينة الاستثناء أن المراد من الملك المال، إذ
استثناء الدراهم يدل أن المستثنى من جنسه.
كذا ذكره المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمقيد) ش: بتشديد الياء
المكسورة، هذا جواب عما يقال الصدقة بالأموال مقيدة في الشرع بأموال
الزكاة، فزيادة التعميم خروج عن الاعتبار الواجب الرعاية، وتقرير الجواب أن
المقيد م: (إيجاب الشرع) ش: أي المقيد بمال الزكاة إيجاب الشرع م: (وهو
مختص بلفظ المال) ش: قال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
[التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) .
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هاتوا ربع عشر أموالكم» م:
(فلا مخصص في لفظ الملك) ش: إذ لم يوجد من الله عز وجل إيجاب الصدقة مضافا
إلى الملك تخصيصا بأموال الزكاة م: (فبقي على العموم) ش: وفيه نظر؛ لأنه
حينئذ لا يكون إيجاب العبد معتبرا بإيجاب الشرع.
م: (والصحيح أنهما) ش: أي أن لفظ "مالي وما أملك" م: (سواء) ش: فيما نحن
فيه، يعني يختصان بالأموال الزكوية، وهو اختيار شمس الأئمة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ذكره في "مبسوطه" وهو اختيار أبي بكر البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-؛ م: (لأن الملتزم باللفظين الفاضل عن الحاجة) ش: الملتزم بفتح الزاي.
وأراد باللفظين قوله: مالي في المساكين صدقة، وقوله: ما أملك صدقة في
المساكين ببيان هذا أن الملتزم بالصدقة، والصدقة إنما تجب على العبد شرعا
في المال الفاضل عن الحاجة.
وكذا في إيجاب العبد على نفسه، والفاضل عن الحاجة مال الزكاة، فلذلك اختص
لفظ الملك والمال بمال الزكاة بدلالة لسان لفظ الصدقة، هكذا بخط شيخي
العلامة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما مر) .
ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إشارة إلى ما ذكر من وجه الاستحسان
بقوله: إن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وليس بواضح، لأنه أبطل ذلك
الوجه بقوله م: (والمقيد إيجاب الشرع) ش: وهو بلفظ المال، ولعله إشارة إلى
قوله: "ولأن الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله".
م: (ثم إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت الإيجاب يمسك من ذلك قوته) ش: لأن
حاجته هذه مقدمة، إذ لو لم يمسك لاحتاج أن يسأل الناس من يومه، وقبيح أن
يتصدق بماله ويسأل الناس من يومه م: (ثم إذا أصاب شيئا) ش: يعني إذا حصل له
شيء من الدنيا م: (تصدق بمثل ما أمسك؛ لأن
(9/89)
حاجته هذه مقدمة، ولم يقدر محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لاختلاف أحوال الناس فيه. وقيل: المحترف يمسك قوته ليوم وصاحب
الغلة لشهر، وصاحب الضياع لسنة على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال.
وعلى هذا صاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله.
قال: ومن أوصى إليه ولم يعلم بالوصاية حتى باع شيئا من التركة، فهو وصي
والبيع جائز، ولا يجوز بيع الوكيل حتى يعلم، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أنه لا يجوز في الفصل الأول أيضا؛ لأن الوصاية إنابة بعد الموت،
فتعتبر بالإنابة قبله، وهي الوكالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حاجته هذه مقدمة) ش: على الصدقة وغيرها م: (ولم يقدر محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: على صيغة المجهول يعني لم يبين في " المبسوط " مقدار ما يمسك
م: (لاختلاف أحوال الناس فيه) ش: بكثرة العيال وقلتها.
م: (وقيل: المحترف يمسك قوته ليوم) ش: أي لأجل نفقة يوم؛ لأن يده تصل إلى
ما ينفق يوما فيوما م: (وصاحب الغلة) ش: أي صحاب الدور والحوانيت والبيوت
التي يؤجرها م: (لشهر) ش: أي يمسك منه لأجل قوته لشهر واحد م: (وصاحب
الضياع لسنة) ش: أي يمسك صاحب الضيعة لأجل قوت سنة، لأن يد الدهقان إنما
يصل إلى ما ينفق سنة فسنة م: (على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال) ش:
تارة يصل إلى المال عند معنى نصف سنة، وتارة في آخر سنة م: (وعلى هذا) ش:
أي وعلى هذا الاعتبار م: (صاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله) ش:
اعتبارا لتفاوت وصولهم إلى المال.
[أوصى إليه ولم يعلم حتى باع شيئا من التركة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
أوصى إليه) ش: على صيغة المجهول م: (ولم يعلم بالوصاية) ش: أي ولم يعلم أنه
وصي م: (حتى باع شيئا من التركة، فهو وصي والبيع جائز، ولا يجوز بيع الوكيل
حتى يعلم) ش: إنه وكيل لتوقف التوكيل على العلم. وقال أحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا يتوقف التوكيل على العلم، كالوصاية.
وفي " الجامع " فإذا أعلمه إنسان فباع فهو جائز، ولا يكون نهيا عن الوكالة،
حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل، هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه،
وفي شروحه أن عندهما يثبت العزل بخبر الواحد، سواء كان عدلا أو فاسقا أو
عبدا أو حرا أو غير ذلك كالوكالة.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز في الفصل الأول أيضا)
ش: يعني لا يجوز بيع الوصي أيضا، قيل: العلم بالوصاية اعتبارا بالوكالة م:
(لأن الوصاية إنابة بعد الموت فتعتبر بالإنابة قبله) ش: أي قبل الموت م:
(وهي الوكالة) ش: أي الإنابة قبل الموت هي الوكالة.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: لأن الوصاية إنابة، أي جعل الوصي
نائبا عن نفسه، والإنابة يعني جعل الغير نائبا عن نفسه لم يوجد في كتب
اللغة المتداولة بين الناس، بل هي
(9/90)
ووجه الفرق على الظاهر أن الوصاية خلافة
لإضافتها إلى زمان بطلان الإنابة، فلا يتوقف على العلم كما في تصرف الوارث
أما الوكالة فإنابة لقيام ولاية المنوب عنه، فيتوقف على العلم، وهذا لأنه
لو توقف على العلم لا يفوت النظر لقدرة الموكل، وفي الأول يفوت العجز
الموصي، ومن أعلمه من الناس بالوكالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مستعملة فيها بمعنى الرجوع، كقولهم أناب إلى الله أي رجع. فلهذا عيب على
صاحب الكتاب استعمال الإنابة، بمعنى جعل الغير نائبا عن نفسه، قال شيخي
العلامة صاحب " النهاية ": ليس هذا هو موضع عيب إذ صاحب " الكشاف "
استعملها في ذلك في "الكشاف " في سورة الروم، وكفى قوله حجة في اللغة؛
انتهى.
قلت: لا يحتاج إلى هذه الحوالة، فإن الجوهري قال: ناب عني فلان أي قام
مقامي، ويستخرج منه صحة قول المصنف.
م: (ووجه الفرق) ش: بينهما م: (على الظاهر أن الوصاية خلافة لإضافتها إلى
زمان بطلان الإنابة) ش: وهو بعد الموت م: (فلا يتوقف على العلم كما في تصرف
الوارث) ش: بالبيع ولم يعلم بموت المورث فإنه صحيح. م: (أما الوكالة فإنابة
لقيام ولاية المنوب عنه، فيتوقف على العلم، وهذا) ش: أي توقف الوكالة على
العلم وعدم توقف الوصية عليه.
م: (لأنه) ش: أي لأن التوكيل م: (لو توقف على العلم) ش: أي على العلم، وفي
بعض النسخ لأنها لو توقفت عليه أي توقفت الوكالة على العلم م: (لا يفوت
النظر لقدرة الموكل، وفي الأول يفوت لعجز الموصي) ش: أراد بالأول من
الوصاية لو توقف على العلم يفوت النظر لعجز الموصي، لعدم قدرته، ثم اعلم أن
هذا الذي ذكره من عدم جواز التصرف قبل العلم بالوكالة إذا ثبتت مقصودة،
وكذلك إذن الصبي والعبد بالتجارة، إن كان قصدا لا يثبت بدون العلم؛ لأن
الإذن من الآذان، يعني الإعلام، والإعلام لا يتصور بدون العلم.
أما إذا ثبتت الوكالة في ضمن أمر الحاضر بالتصرف، ففيه روايتان: نحو أن
يقول الموكل لرجل: اذهب بعبدي إلى فلان فيبيعه فلان منك، فذهب الرجل بالعبد
إليه، وأعلمه أن صاحب العبد أمره ببيعه، فاشتراه صح شراؤه منه، وإن لم
يخيره بذلك، واشتراه منه، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب "الوكالة
" أن البيع جائز، وجعل معرفة المشتري بالتوكيل كمعرفة البائع.
وذكر في كتاب " الزيادات " أنه لا يجوز البيع، وأما العزل القصدي لا يصح
بدون العلم، والحكم يصح بدونه، كما إذا مات الموكل، ونحو ذلك، وكذلك الحي.
م: (ومن أعلمه) ش: أي من أعلم الوكيل م: (من الناس بالوكالة) ش: أطلق اسم
الناس
(9/91)
يجوز تصرفه؛ لأنه إثبات حق لا إلزام أمر.
قال: ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل، وهذا عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: وهو والأول سواء؛ لأنه من
المعاملات وبخبر الواحد فيها كفاية. وله أنه خبر ملزم فيكون شهادة من وجه،
فيشترط أحد شطريها وهو العدد أو العدالة، بخلاف الأول، وبخلاف رسول الموكل؛
لأن عبارته كعبارة المرسل للحاجة إلى الإرسال، وعلى هذا الخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليتناول كل مميز صغير أو كبير أو كافر أو مسلم م: (يجوز تصرفه، لأنه إثبات
حق لا إلزام أمر) ش: أي إطلاق محض لا يشتمل على شيء من الإلزام، وما كان
كذلك فقول الواحد فيه كاف. وفي " أصول شمس الأئمة " - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
المعاملات لا إلزام فيها، كالوكالات، والمضاربات، والإذن للعبد في التجارة
يكفي فيها خبر الواحد.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - لا يثبت الوكالة والعزل عنها بخبر
الواحد، وهذا من باب المعاملات، ولهذا لا يشترط فيه لفظ الشهادة م: (ولا
يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده) ش: أي عند الوكيل م: (شاهدان أو رجل
عدل) ش: والمراد من الشهادة الإخبار، إذ لفظ الشهادة ليس بشرط، ذكره في "
جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي اشتراط الشاهدين أو
رجل عدل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: هو) ش: أي النهي عن الوكالة م: (والأول) ش: هو الإعلام بالوكالة
م: (سواء) ش: في الاكتفاء بخبر الواحد م: (لأنه) ش: أي لأن العزل م: (من
المعاملات وبخبر الواحد) ش: أي وبإخبار الواحد م: (فيها) ش: أي في
المعاملات م: (كفاية) ش: فيثبت بخبر الفاسق اعتبارا بالوكالة، والإذن للعبد
في التجارة بخلاف الديانات، فإنها لا تثبت بخبر الفاسقين، فلأن لا تثبت
بخبر الواحد الفاسق أولى، كذا ذكره المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن العزل
م: (خبر ملزم) ش: أما كونه خبر فلأنه كلام يحتمل الكذب يحصل به الإعلام،
وأما كونه ملزم لأنه يلزم الامتناع عن التصرف م: (فيكون شهادة من وجه) ش:
دون وجه. فمن حيث إنه ضرر يلزم الوكيل من حيث منعه عن التصرف تشترط الشهادة
م: (فيشترط أحد شطريها) ش: أي أحد شطري الشهادة م: (وهو) ش: أي أحد شطري
الشهادة م: (العدد) ش: بأن يكون اثنان م: (أو العدالة) ش: بأن يكون واحدا
عدلا م: (بخلاف الأول) ش: أي التوكيل؛ لأنه لا إلزام فيه بوجه م: (وبخلاف
رسول الموكل) ش: فإنه لا يشترط فيه أيضا شيء من ذلك م: (لأن عبارته) ش: أي
عبارة الرسول م: (كعبارة المرسل للحاجة إلى الإرسال) ش: إذ ربما لا يتفق
لكل أحد في كل وقت بالغ عدل يرسله إلى وكيله. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: يعني
الذي ذكره بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في اشتراط أحد
(9/92)
إذا أخبر المولى بجناية عبده، والشفيع
والبكر والمسلم الذي لم يهاجر إلينا، قال: وإذا باع القاضي أو أمينه عبدا
للغرماء وأخذ المال فضاع واستحق العبد لم يضمن؛ لأن أمين القاضي قائم مقام
القاضي، والقاضي قائم مقام الإمام، وكل واحد منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شطريها، وهاهنا ست مسائل ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - منها خمسة منها:
عزل الوكيل وقد مضى ذكر الأربعة بعد ذلك، الأولى قوله م: (إذا أخبر المولى
بجناية عبده) فإن أخبره اثنان أو واحد عدل، فتصرف فيه بعده بعتق أو بيع،
كان اختيارا منه للغد، أو إن أخبره فاسق فصدقه فكذلك، وإلا فعلى الاختلاف
فعنده لا يكون اختيارا خلافا لهما. الثانية: في قوله م: (والشفيع) ش: إذا
أخبره اثنان أو عدل بالبيع، فسكن سقطت شفاعته وإن أخبره فاسق فعلى
الاختلاف. الثالثة: هي قوله: م: (والبكر) ش: إذا بلغها تزوج الولي، فسكتت،
فإن أخبرها اثنان أو عدل كان رضاء بلا خلاف، وإن أخبرها فاسق، فعلى
الاختلاف، الرابعة: هي قوله: م: (والمسلم الذي لم يهاجر إلينا) ش: إذا
أخبره اثنان أو عدل مما عليه من الفرائض لزمته وبتركها يجب القضاء. وإن
أخبره فاسق وكذبه، فعلى الاختلاف فعنده لا يلزمه خلافا لهما.
والسادسة: التي لم يذكرها المصنف: عزل المأذون إذا أخبره واحد بالحجر من
تلقاء نفسه وهو عدل، أو اثنان ثبت الحجر صدق العبد أو كذب، وإن كان فاسقا
وكذبه ثبت الحجر عندهما، خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيد
بتلقاء نفسه؛ لأن حكم الرسول حكم مرسله كما ذكرنا.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال) ش: أي الثمن م: (فضاع) ش: أي
الثمن م: (واستحق العبد لم يضمن) ش: أي القاضي أو أمينه صورة المسألة في "
الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عنه في الرجل
يموت وعليه دين مائة درهم لرجل وله عبد يساوي مائة درهم، فيرفع الغريم
الوصي إلى القاضي، فيأمر بالبيع للغريم في دينه، فيبيعه بمائة درهم لقبض
الوصي الثمن، فيهلك ثم يستحق العبد من يد المشتري.
قال: يرجع المشتري على الغريم بالثمن، والوارث إذا بيع له بمنزلة الغريم
سواء. إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير "،
والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر بيع القاضي وبيع أمينه.
ثم ذكر أن أمين القاضي لم يضمن م: (لأن أمين القاضي قائم مقام القاضي،
والقاضي قائم مقام الإمام) ش: والإمام لا يضمن، فكذا القاضي أو أمينه وهو
معنى قوله م: (وكل واحد منهم) ش: أي
(9/93)
لا يلحقه ضمانا كيلا يتقاعد الناس عن قبول
هذه الأمانة فتضيع الحقوق ويرجع المشتري على الغرماء؛ لأن البيع واقع لهم،
فيرجع عليهم عند تعذر الرجوع على العاقد، كما إذا كان العاقد محجورا عليه
ولهذا يباع بطلبهم، وإن أمر القاضي الوصي ببيعه للغرماء، ثم استحق أو مات
قبل القبض وضاع المال، رجع المشتري على الوصي لأنه عاقد نيابة عن الميت،
وإن كان بإقامة القاضي عنه فصار كما إذا باعه بنفسه.
وقال: ويرجع الوصي على الغرماء لأنه عامل لهم، وإن ظهر للميت مال يرجع
الغريم فيه بدينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الإمام والقاضي وأمينه م: (لا يلحقه ضمانا كيلا يتقاعد الناس) ش: أي كل
واحد منهم م: (عن قبول هذه الأمانة) ش: خوفا من الضمان م: (فتضيع الحقوق)
ش: أي حقوق المسلمين م: (ويرجع المشتري على الغرماء؛ لأن البيع واقع لهم)
ش: أي للغرماء فإذا كان ذلك م: (فيرجع عليهم) ش: أي على الغرماء م: (عند
تعذر الرجوع على العاقد، كما إذا كان العاقد محجورا عليه) ش: عند تعذر
الرجوع.
أطلق لفظ المحجور ليتناول العبد المحجور والصبي المحجور، فإن من وكل صبيا
محجورا يعقل البيع والشراء، أو عبدا محجورا جاز العقد بمباشرتهما، ولا
يتعلق حقوق العبد بهما، بل يتعلق بموكلهما.
وإذا تعذر تعليق الحقوق هنا على العاقد، يتعلق بأقرب الناس إلى العاقد كما
في توكيل المحجور، وأقرب الناس فيما نحن فيه الغريم، لوقوع العقد له كما في
الوكيل.
م: (ولهذا) ش: أي لأجل وقوع البيع لأجل الغرماء م: (يباع) ش: أي العبد م:
(بطلبهم) ش: أي بطلب الغرماء م: (وإن أمر القاضي الوصي ببيعه للغرماء) ش:
أي ببيع العبد م: (ثم استحق أو مات) ش: أي العبد م: (قبل القبض وضاع المال،
رجع المشتري على الوصي لأنه) ش: أي لأن الوصي م: (عاقد نيابة عن الميت) ش:
هذا ظاهر إذا كان الميت أوصى إليه م: (وإن كان) ش: أي الوصي م: (بإقامة
القاضي عنه) ش: أي عن الميت م: (فصار كما إذا باعه) ش: أي كما إذا باعه
الميت م: (بنفسه) ش: حال حياته وثمة كان يرجع الحقوق إليه، فكذا هنا لأن
القاضي إنما أقامه نائبا عن الميت، لا عن نفسه، وعقد النائب كعقد المنوب
عنه.
م: (وقال) ش: يجوز أن يكون فاعله محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه كذا حكي
عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويجوز أن يكون فاعله المصنف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فتأمل م: (ويرجع الوصي على الغرماء لأنه عامل لهم) ش: أي لأن
الوصي عامل للغرماء. ومن عمل عملا لغيره ولحقه ضمان، يرجع على من وقع له
العمل م: (وإن ظهر للميت مال) ش: آخر بعد ذلك م: (يرجع الغريم فيه بدينه)
ش: أي يأخذ دينه من ذلك، وهل يرجع بما غرم للوصي في ذلك المال، ففيه
اختلاف.
(9/94)
قالوا: ويجوز أن يقال يرجع بالمائة التي
غرمها أيضا؛ لأنه لحقه في أمر الميت، والوارث إذا بيع له بمنزلة الغريم؛
لأنه إذا لم يكن في التركة دين، كان العاقد عاملا له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (ويجوز أن يقال: يرجع
بالمائة التي غرمها أيضا) ش: كما رجع بدينه، وإنما قيد بهذا اللفظ؛ لأن فيه
اختلاف. قال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز أن يقال: يرجع بما ضمن
للوصي أو للمشتري م: (لأنه) ش: أي لأن الضمان م: (لحقه في أمر الميت) ش:.
وعن بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يرجع لأن الضمان إنما لحقه
بفعله؛ لأن قبض الوصي كقبض الميت.
وفي " الكافي ": الأصح الرجوع لأنه قبض ذلك وهو مضطر فيه م: (والوارث إذا
بيع له) ش: أي لأجله يعني إذا احتاج إلى بيع شيء من التركة، وهو صغير فباعه
الوصي، ثم اشترى، رجع المشتري بالثمن على الوصي، والوصي على الوارث أشار
إليه بقوله م: (بمنزلة الغريم) ش: حيث يرجع م: (لأنه إذا لم يكن في التركة
دين كان العاقد عاملا له) ش: أي للوارث.
(9/95)
فصل آخر وإذا قال القاضي: قد قضيت على هذا
بالرجم، فارجمه، أو بالقطع فاقطعه، أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل، وعن
محمد أنه رجع عن هذا، وقال: لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة؛ لأن قوله يحتمل
الغلط والخطأ، والتدارك غير ممكن، وعلى هذه الرواية لا يقبل كتابه، واستحسن
المشايخ هذه الرواية لفساد حال أكثر القضاة في زماننا، إلا في كتاب القاضي
للحاجة إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده]
[قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه]
م: (فصل آخر) ش: أي هذا فصل آخر، ومسائل يجمعها أصل واحد يتعلق بكتاب
القضاء، وهو أن قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده مقبول أم لا. فلذلك
ذكرها في فصل على حدة.
م: (وإذا قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه) ش: يعني إذا قال
القاضي لك: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه وسعك أن ترجمه م: (أو بالقطع
فاقطعه) ش: أي وإذا قال لك قضيت عليه بالقطع وسعك أن تقطعه.
م: (أو بالضرب فاضربه) ش: أي وإذا قال: قضيت عليه بالضرب فاضربه. وقوله: م:
(وسعك أن تفعل) ش: جواب قوله: " وإذا قال القاضي" في ثلاث صور.
م: (وعن محمد أنه رجع عن هذا) ش: لأنه كان حكي هذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "، ثم
رجع عنه م: (وقال: تأخذ بقوله) ش: أي بقول هذا القاضي: م: (حتى تعاين
الحجة) ش: أي الشهادة بحضرتك.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو يشهد على ذلك مع القاضي عدل، وهذه
رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(لأن قوله) ش: أي قول القاضي م: (يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك) ش: بعد
وقوع الأمر م: (غير ممكن) ش: لفواته وبه أخذ مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ
- لفساد قضاة هذا الزمان، لا سيما قضاة مصر؛ لأن أكثرهم يقولون بالراشي،
فأحكامهم باطلة.
وصدق خبر الواحد بيقين مرتبة الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وغيرهم
غير معصومين عن الكذب والغلط على الخصوص في قضاة هذا الزمان بغلط الجهل
والفسق فيهم.
م: (وعلى هذه الرواية) ش: أي الرواية التي رويت عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: م: (لا يقبل كتابه) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (واستحسن المشايخ هذه الرواية) ش:
وقالوا: ما أحسن هذا في زماننا م: (لفساد حال أكثر القضاة في زماننا) ش:
فلا يؤتمنون م: (إلا في كتاب القاضي) ش: إلى القاضي لم يأخذوا بهذه الرواية
م: (للحاجة إليه) ش: أي إلى كتاب القاضي إلى القاضي للضرورة
(9/96)
وجه ظاهر الرواية أنه أخبر عن أمر يملك
إنشاءه فيقبل لخلوه عن التهمة، ولأن طاعة أولي الأمر واجبة، وفي تصديقه
طاعة. وقال الإمام أبو منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان عدلا عالما يقبل
قوله لانعدام تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر، فإن أحسن
التفسير وجب تصديقه، وإلا فلا. وإن كان جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا
أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطأ والخيانة.
قال: وإذا عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها
عليك فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال: قضيت بقطع
يديك في حق هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه ظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي أن القاضي م: (أخبر
عن أمر يملك إنشاءه) ش: لأن المتولي يتمكن من إنشاء القضاء، ومن [ ... ]
تمكن به من الإنشاء لا يرد م: (فيقبل لخلوه عن التهمة) ش: وقال الأكمل -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث، وهو أنه يتمكن من ذلك بحجة أو بدونها،
والثاني ممنوع، والأول [
] إلى غير ظاهر الرواية من معاينة الحجة م: (ولأن طاعة أولي الأمر واجبة)
ش: هذا دليل آخر، لأن القاضي من أولي الأمر وطاعة أولي الأمر واجبة م: (وفي
تصديقه طاعة) ش: أي طاعة القاضي. وكان ينبغي أن يقال: إطاعته.
م: (وقال الإمام أبو منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الماتريدي، واسمه محمد
بن محمد بن محمود ونسبته إلى " ماتريد " محله من سمرقند، ويقال: ماتريت
أيضا بالتاء، م: (إن كان) ش: أي القاضي م: (عدلا عالما يقبل قوله لانعدام
تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر) ش: أي قضائه لتهمة الخطأ
م: (فإن أحسن التفسير) ش: القضاء بأن فسر على وجه اقتضاه الشرع أن يقول
مثلا: استفسرت المقر بالزنا، كما هو المعروف فيه وحكمت عليه بالرجم، وثبت
عندي بالحجة أنه أخذ نصابا من حرز لا شبهة فيه، وأنه قتل عمدا بلا شبهة،
فحينئذ م: (وجب تصديقه) ش: وقبول قوله م: (وإلا فلا) ش: أي فلا يحسن
تفسيره، فلا يجب تصديقه ولا يقبل قوله.
م: (وإن كان) ش: أي القاضي م: (جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا أن يعاين
سبب الحكم لتهمة الخطأ) ش: في الجهل م: (والخيانة) ش: أي ولتهمة الجناية في
الفسق، وهذا على أربعة أقسام، ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - منها ثلاثة،
ولم يذكر القسم الرابع من القسمة العقلية، وهو أن يكون عالما عادلا؛ لأنه
يقبل قوله بدون الاستفسار.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا
عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها عليك،
فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال) ش: أي القاضي:
م: (قضيت بقطع يديك في حق هذا) ش: فالقول قول القاضي، وهذا أي كون القول
قول القاضي في تأمين الصورتين.
(9/97)
إذا كان الذي قطعت يده والذي أخذ منه المال
مقرين أنه فعل ذلك وهو قاض. ووجهه أنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه
كان الظاهر شاهدا له، إذ لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه، لأنه ثبت
فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي، ولو أقر القاطع والآخذ بما
أقر به القاضي لا يضمن أيضا؛ لأنه فعله في حال القضاء، ودفع القاضي صحيح
كما إذا كان معاينا.
ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه فعل ذلك قبل التقليد أو بعد
العزل، فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح؛ لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة
منافية للضمان، فصار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا كان الذي قطعت يده، والذي أخذ منه المال) ش: حال كونه م: (مقرين
أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك) ش: أي كل واحد من أخذ المال وقطع إليه
م: (وهو قاض) ش: يعني في حال قضائه م: (ووجهه) ش: أي وجه كون القول قول
القاضي في الوجهين م: (أنهما) ش: أي أن القاضي والمأخوذ منه المال أو
المقطوع يده م: (لما توافقا) ش: أي انقضاء م: (أنه) ش: أي أن القاضي م:
(فعل ذلك) ش: أي أخذ المال أو القطع حال كونه م: (في قضائه) ش: يعني في حال
ولايته فلما اتفقا م: (كان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدا له) ش: أي
للقاضي م: (إذ) ش: وفي بعض النسخ م: (لا يقضي بالجور) ش: أي بالظلم والخروج
عن الحق م: (ظاهرا) ش: والقول قول من يشهد له الظاهر.
م: (ولا يمين عليه) ش: أي على القاضي م: (لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق
ولا يمين على القاضي) ش: لأن إيجابها عليه يقضي إلى تعطيل أمور الناس،
بامتناع الدخول في القضاء، ولأنا لو ألزمنا عليه اليمين، لكان خصما، وقضاء
الخصم لا يجوز م: (ولو أقر القاطع) ش: أي بأمر القاضي م: (والآخذ) ش: أو
أقر أخذ المال بأمر القاضي م: (بما أقر به القاضي) ش: أي بالقطع أو الأخذ
م: (لا يضمن) ش: القاضي م: (أيضا لأنه) ش: أي لأن القاطع أو الآخذ م: (فعله
في حالة القضاء) ش: وهو صحيح.
م: (ودفع القاضي صحيح) ش: أي دفع القاضي المال إلى رب الدين أو المستحق
صحيح، لأنه دفع في حالة القضاء، والظاهر أنه محق م: (كما إذا كان) ش: أي
دفع القاضي المال إلى الآخذ بحكم القضاء م: (معاينا) ش: يعني في معاينة
المأخوذ منه المال لا يضمن الآخذ، وكذا أقر بما أقر به القاضي م: (ولو زعم
المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك قبل التقليد
أو بعد العزل) ش: أي أو فعل بعد عزله م: (فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح)
ش: احترز به عما ذكره شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه " أن
القول للمدعي إذا قال فعله بعد العزل م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (أسند
فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: لأنه إذا عرف أنه كان قاضيا، صحت
إضافة القطع أو الأخذ إلى حالة القضاء، لأن حالة القضاء معهودة فيتقي بها
الضمان، وهو اختيار فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصدر الشهيد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فصار)
(9/98)
كما إذا قال: طلقت أو أعتقت، وأنا مجنون
والجنون منه كان معهودا. ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل بما أقر به
القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان
عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره بخلاف الأول؛ لأنه ثبت فعله في
قضائه بالتصادق، ولو كان المال في يد الآخذ قائما، وقد أقر بما أقر به
القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه
فعله في غير قضائه، يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى
تملكه إلا بحجة، وقول المعزول فيه ليس بحجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: إسناد القضاء هما م: (كما إذا قال) ش: من عهد منه الجنون: م: (طلقت) ش:
امرأتي م: (أو أعتقت) ش: أي قال: أعتقت عبدي م: (وأنا مجنون والجنون) ش: أي
والحال أن الجنون م: (منه كان معهودا) ش: أي معلوما بين الناس، فإن القول
قوله حتى لا يقطع الطلاق ولا العتاق لإضافته إلى حالة منافية الإيقاع.
م: (ولو أقر القاطع والآخذ في هذا الفصل) ش: وهو فصل أن المقطوع يده
والمأخوذ ماله يزعم أن القاضي قطع وأخذ قبل التقليد أو بعد العزل م: (بما
أقر به القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان) ش: وهو أخذ المال وقطع
اليد م: (وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان
على غيره) ش: يعني لا يقبل في ذلك، فإن قيل: ينبغي أن لا يضمن الآخذ
والقاطع أيضا؛ لأنهما أسندا الفعل أيضا إلى حالة معهودة للضمان. والجواب أن
جهة الضمان راجحة؛ لأن إقرار الرجل على نفسه بسبب الضمان حجة قطعية، وقضاء
القاضي حجة ظاهرا والظاهر لا يعارض القطعي.
م: (بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول م: (لأنه ثبت فعله) ش: أي فعل القاضي
م: (في قضائه بالتصادق) ش: فكان بمنزلة الثابت معاينة م: (ولو كان المال في
يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي
في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن
اليد كانت له) ش: أي للمأخوذ منه م: (فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة) ش:
لأنه لم يكن له ولاية الآخذ إلا بحجة ظاهرة.
م: (وقول المعزول) ش: أي القاضي المعزول م: (فيه ليس بحجة) ش: لكون شهادة
فرد، بخلاف ما لو كان المال هالكا وأن القاضي ينكر وجوب الضمان، والقول قول
المنكر، والله أعلم بالصواب.
(9/99)
|