البناية شرح الهداية

باب الاختلاف في الشهادة قال: الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل؛ لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة، وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الاختلاف في الشهادة]
[كيفية موافقة الشهادة للمدعي]
م: (باب الاختلاف في الشهادة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الاختلاف في الشهادة، ولها فرع من مسائل الاتفاق في الشهادة شرع في بيان مسائل الاختلاف فيها، والمناسبة لقضية الطبع؛ لأن الاتفاق أصل، والاختلاف إنما هو يعارض الجهل والكذب فأضر لذلك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل) ش: موافقة الشهادة للمدعي أن تتحد أنواعاً، وكماً، وكيفاً، وزماناً، ومكاناً وفعلاً وانفعالاً، ووضعاً، وملكاً، ونسبة. فإنه إذا ادعى على آخر عشرة دراهم، وشهد الشاهد بعشرة دراهم، أو ادعى عشرة دراهم، ويشهد بثلاثين، إذا ادعى سرقة ثوب أحمر وشهد بأبيض، أو ادعى أنه قتل ولده يوم النحر بالكوفة وشهد بذلك يوم الفطر بالبصرة، أو ادعى شق زقه وإتلاف ما فيه، شهد بانشقاقه عنده، أو ادعى عقاراً بالجانب الشرقي من ملك فلان، وشهد بالغربي منه، أو ادعى أنه ملكه وشهد أنه ملك ولده، أو ادعى أنه عبده ولدته الجارية الفلانية، وشهد بولادة غيرها، لم تكن الشهادة موافقة للدعوى.
وأما الموافقة بين لفظيهما فليست بشرط. ألا ترى أن المدعي يقول ادعى علي غريمي هذا والشاهد يقول: أشهد بذلك، واستدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك بقوله: م: (لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة، وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها) .
ش: أما اشتراط تقدم الدعوى، فإن القاضي نصب لفصل الخصومات، فلا بد منها، ولا يغني بالخصومة إلا الدعوى، وأما وجودها عند الموافقة فلعدم ما يهدها من التكذيب، وأما عدمها عند المخالفة، فلوجود ذلك؛ لأن الشهادة لتصديق الدعوى، فإذا خالفتها وقد كذبتها، فصار وجودها وعدمها سواء، وإنما قيد بقوله في حقوق العباد احترازاً عن حقوق الله تعالى، فإن الشهادة فيها تقبل بدون الدعوى إذ حقوق الله تعالى واجبة على كل أحد، فكان كل واحد خصماً في إثباتها، قوله: " وانعدمت " أي الدعوى فيما يخالفها؛ لأن الشهادة لتصديق الدعوى، فإذا خالفها فقد كذبتها كما ذكرنا الآن، ويعتبر صدق الشاهد لا صدق المدعي في المخالفة. لأن الأصل في الشهود والعدول الصدق لا في المدعي لعدم شرطية العدالة فيه.
وفي " الذخيرة ": كما يشترط التوافق بين الدعوى والشهادة تشترط الموافقة بين الشاهدين

(9/167)


قال: ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل الشهادة عنده، وعندهما تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي الألفين وعلى هذا المائة والمائتان، والطلقة والطلقتان، والطلقة والثلاث. لهما أنهما اتفقا على الألف أو الطلقة وتفرد أحدهما بالزيادة، فيثبت ما اجتمعا عليه دون ما تفرد به أحدهما، فصار كالألف والألف والخمسمائة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضا؛ لأن القضاء إنما يجوز بالحجة، والحجة شهادة المثنى، وبالمخالفة تنعدم الحجة.

[اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أداء الشهادة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والمراد باتفاقهما لفظاً تطابق لفظهما على عادة المعنى بطريق الوضع، كما قال أحدهما: الهبة.
وقال الآخر: المعطية لا بطريق التضمن، ثم مثل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لذلك بقوله م: (فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل الشهادة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله -: م: (تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي الألفين) ش: وبه قال الشافعي في وجه وأحمد - رحمهما الله - في رواية، وقالا: يحلف ويستحق الألف الأخرى م: (وعلى هذا المائة والمائتان) ش: أي وعلى هذا الخلاف إذا شهد أحدهما بالمائة والآخر بالمائتين.
وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله -: يستحق المائة الأخرى بالحلف م: (والطلقة والطلقتان، والطلقة والثلاث) ش: أي وكذا على الخلاف إذا شهد أحدهما بأنه طلق امرأته واحدة، والآخر شهد بأنه طلقها ثنتين أو ثلاث طلقات.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد: م: (أنهما) ش: أي أن الشاهدين م: (اتفقا على الألف) ش: في شهادة أحدهما بالألف والآخر بألفين م: (أو الطلقة) ش: أي أو أنهما اتفقا على المطلقة شهادة أحدهما بالطلقة، والآخر بطلقتين أو بالثلاث م: (وتفرد أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: (بالزيادة) ش: وهي زيادة الألف من أحدهما في شهادتهما بالألف.
وزيادة المطلقة الثانية أو الثلاث م: (فيثبت ما اجتمعا عليه) ش: وهو الألف والطلقة الواحدة م: (دون ما تفرد به أحدهما) ش: وهو في زيادة الألف الآخر وزيادة الطلقة الثانية والثلاث يعني لا تقبل في تلك الزيادة م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كالألف والألف والخمسمائة) ش: أي وكما إذا ادعى ألفاً وخمسمائة، وشهد أحدهما بالألف والآخر بالألف وخمسمائة والمدعي يدعي الأكثر قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين على الألف لفظاً ومعنى، وسيجيء الكلام فيه عن قريب

(9/168)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهما اختلفا لفظا وذلك يدل على اختلاف المعنى؛ لأنه يستفاد باللفظ، وهذا لأن الألف لا يعبر به عن الألفين، بل هما جملتان متباينتان، فحصل على كل واحد منهما شاهد واحد، فصار كما إذا اختلف جنس المال.
قال: وإذا شهد أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما) ش: أن الشاهدين م: (اختلفا لفظاً) ش: لأن أحدهما فرد والآخر مجتمع م: (وذلك) ش: أي الاختلاف من حيث اللفظ م: (يدل على اختلاف المعنى؛ لأنه) ش: أي لأن المعنى م: (يستفاد باللفظ وهذا) ش: أي دلالة اختلاف اللفظ على اختلاف المعنى الذي يستفاد من اللفظ م: (لأن الألف لا يعبر به عن الألفين، بل هما جملتان متباينتان) ش: أي كلمتان متباينتان كزيد وعمرو، ولم يرد به الجملة المركبة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر كما في النحو م: (فحصل على كل واحد منهما شاهد واحد) ش: فلا تقبل م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا اختلف جنس المال) ش: كما إذا شهد أحدهما بألف درهم، والآخر بمائة دينار أو شهد أحدهما بكر حنطة، والآخر بكر شعير.
فإن قيل: الألف موجود في الألفين.
قلنا: نعم إذا ثبت الألفان يثبت في ضمنه الألف، وإذا لم يثبت التضمن كيف يثبت التضمن. ألا ترى أنه لو شهد أحدهما بأنه قال لامرأته: أنت خلية وشهد الآخر بأنه قال: أنت برية لا يثبت شيء، وإن اتفق المعنى.
فإن قيل: يشكل على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما لو ادعى ألفين وشهد بألف يقبل بالاتفاق، ذكره في " المبسوط "، مع أن شرط صحة القضاء الموافقة بين الدعوى والشهادة، ولم يوجد.
قلنا: الاتفاق في اللفظ بين الدعوى والشهادة ليس بشرط لصحة الدعوى حسب اتفاقه بين الشاهدين. ألا ترى أنه لو ادعى الغصب أو القتل وشهدا بإقراره به يقبل، ولو شهد أحدهما بالغصب والآخر بالإقرار بالغصب لا تقبل، وهذا لأن الشهادة التلفظ، ألا ترى أنها لا تقبل ما لم تقل أشهد بخلاف الدعوى، فإنه لو صحح دعواه في الكتابة تقبل دعواه، ولا يلزم أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
إذا قال زوجها: طلقي نفسك ثلاثاً. فطلقت واحدة كان ذلك منها جواباً فوقعت واحدة، ولا ما إذا قال لها: أنت طالق ألفا فإنه يقع ثلاثاً؛ لأن الأكثر في ذلك ثابت فيضمن الأقل، وليس فيما نحن فيه كذلك؛ لأن الأكثر شهد به واحد، فلا يثبت به شيء.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين

(9/169)


بألف والآخر بألف وخمسمائة، والمدعي يدعي ألفا وخمسمائة قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين عليهما لفظا ومعنى؛ لأن الألف والخمسمائة جملتان عطفت أحدهما على الأخرى، والعطف يقرر الأول، ونظيره الطلقة والطلقة والنصف والمائة والمائة والخمسون بخلاف العشرة والخمسة عشر؛ لأنه ليس بينهما حرف العطف، فهو نظير الألف والألفين.
، وإن قال المدعي: لم يكن لي عليه إلا الألف، فشهادة الذي شهد بالألف والخمسمائة باطلة؛ لأنه كذبه المدعي في المشهود به. وكذا إذا سكت إلا عن دعوى الألف لأن التكذيب ظاهر، فلا بد من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بألف والآخر بألف وخمسمائة، والمدعي يدعي ألفاً وخمسمائة قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين عليهما) ش: أي على الألف م: (لفظاً ومعنى؛ ولأن الألف والخمسمائة جملتان عطفت إحداهما على الأخرى، والعطف يقرر الأول) ش: أي يقرر المعطوف عليه م: (ونظيره) ش: أي ونظير المذكور م: (الطلقة والطلقة والنصف) ش: بأن شهد أحدهما بطلقة، والآخر بطلقة ونصف م: (والمائة والمائة والخمسون) ش: بأن شهد أحدهما بمائة، والآخر بمائة وخمسين يقبل شهادته على الطلقة بالاتفاق وكذلك على المائة
م: (بخلاف العشرة والخمسة عشر) ش: يعني إذا شهد أحدهما بعشرة والآخر بخمسة عشر يعني إذا ادعى المدعي خمسة عشر حيث لا يثبت العشر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الموافقة بين اللفظين شرط ولم يوجد م: (لأنه ليس بينهما حرف العطف) .
ش: فصارا متباينين؛ لأن خمسة عشر تذكير بغير حرف العطف، فكانت كلمة واحدة غير العشرة، فلم يوجد الموافقة.
وفي " النهاية ": هذا كله فيما إذا لم يدع المدعي عقداً. أما إذا كان في دعوى العقد، فهي ثمان مسائل:
البيع، والإجارة، والكتابة، والرهن، والعتق على مال، والصلح عن دم العمد، والخلع، والنكاح ... وسيجيء كل هذا مشروحاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى م: (فهو نظير الألف والألفين) ش: أي المذكور نظير ما إذا شهد أحدهما بألف والآخر شهد بألفين، لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مر عن قريب.

م: (وإن قال المدعي: لم يكن عليه إلا الألف فشهادة الذي شهد بالألف والخمسمائة باطلة؛ لأنه) ش: أي لأن الشاهد م: (كذبه المدعي في المشهود به) ش: وتكذيب الشاهد تفسيق له فكان مبطلاً شهادته، فبقي شاهد واحد.
م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا سكت) ش: أي المدعي م: (إلا عن دعوى الألف) ش: يعني ادعى الألف ولم يتعرض للخمس مائة لا بالنفي ولا بالإثبات م: (لأن التكذيب ظاهر فلا بد من

(9/170)


التوفيق.
ولو قال: كان أصل حقي ألفا وخمسمائة، ولكني استوفيت خمسمائة أو أبرأته عنها، قبلت لتوفيقه قال: وإذا شهد بألف، وقال أحدهما قضاه خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف لاتفاقهما عليه، ولم يسمع قوله أنه قضاه خمسمائة لأنه شهادة فرد إلا أن يشهد معه آخر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقضي بخمسمائة؛ لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة، وجوابه ما قلنا. قال: وينبغي للشاهد إذا علم بذلك أن لا يشهد بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة كيلا يصير معينا على الظلم. وقال وفي " الجامع الصغير ": رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم، فشهد أحدهما أنه قد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التوفيق) ش: ولم يوجد حتى لو وقف قبلت الشهادة، وأشار إلى التوفيق بقوله:
م: ولو قال: كان أصل حقي ألفاً وخمسمائة) ش: كما شهد م: ولكني استوفيت خمسمائة أو أبرأته عنها) ش: أي عن الخمس مائة م: (قبلت لتوفيقه) ش: أي لزوال التكذيب.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهدا بألف، وقال أحدهما قضاه خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف) ش: وفي بعض النسخ بألف م: (لاتفاقهما عليه) ش: أي لاتفاق الشاهدين على الألف م: (ولم يسمع قوله) ش: أي قول الشاهد الذي قال:
م: (إنه قضاه) ش: يعني قضاه م: (خمسمائة لأنه شهادة فرد، إلا أن يشهد معه آخر) ش: هذا هو المشهور.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقضي بخمسمائة؛ لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة) ش: فلا يجوز أن يثبت أكثر من ذلك م: (وجوابه) ش: أي جواب ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قلنا) ش:، أشار به إلى قوله لأنه شهادة فرد، كذا قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجوابه ما قلنا: إنهما اتفقا على وجوب الألف، وتفرد أحدهما بالقضاء، والقضاء يتلوا الوجوب لا محالة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي للشاهد إذا علم بذلك) ش: يعني الشاهد بقضاء خمس مائة إذا علم بذلك م: (أن لا يشهد بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة كيلا يصير معيناً على الظلم) ش: لعلمه بدعواه بغير حق.
وفي " جامع أبي الليث ": لا يحل للشاهد الذي يعلم القضاء أن يشهد على أصل الدين لعلمه بأن المدعي يدعي بغير حق.

م: (قال وفي " الجامع الصغير ": رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم فشهد أحدهما أنه قد

(9/171)


قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه، وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا. وذكر الطحاوي عن أصحابنا: أنه لا تقبل وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المدعي أكذب شاهد القضاء. قلنا: هذا إكذاب في غير المشهود به الأول وهو القرض، ومثله لا يمنع القبول.
قال: وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة، وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة، واجتمعوا عند الحاكم، لم يقبل الشهادتين؛ لأن إحداهما كاذبة بيقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه، وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا) ش: من أن القضاء يثبته بتفرد أحد الشاهدين.
والفرق بين مسألة الجامع وبين المسألة التي ذكرها قبلها أن مسألة " الجامع " شهد أحدهما بقضاء كل الدين وفي التي قبلها، شهد بقضاء بعض الدين.
م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أصحابنا: أنه لا تقبل) ش: يعني في القرض والدين جميعاً م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المدعي أكذب شاهد القضاء) ش: وهو تفسيق له.
م: (قلنا: هذا إكذاب في غير المشهود به الأول وهو القرض) ش: أي المشهود به الأول وهو القرض، لم يوجد في حقه التكذيب وهو له، وإنما وجد التكذيب لأنه أكذبه فيما عليه، وهو الشهادة بالقضاء، وهو غير المشهود به الأول م: (ومثله لا يمنع القبول) .
ش: ولهذا لو شهد بألف ومائة دينار، إذا ادعى المدعي ألف درهم تقبل شهادتهما، وإن كذبهما المدعي في المائة. إليه أشار في " الجامع ".

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا شهد شاهدان أنه) ش: أي أن عمراً مثلاً م: (قتل زيداً يوم النحر بمكة، وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين لأن إحداهما) ش: أي لأن إحدى الشهادتين م: (كاذبة) ش: ظاهراً م: (بيقين) .
ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " الذخيرة ": ولو شهد أحدهما بالقتل والآخر بالإقرار بالقتل لا تقبل؛ لأن القتل فعل والإقرار قول، والقول غير الفعل، فاختلف المشهود به، وكذا لو شهدا بالقتل واختلفا في الزمان والمكان؛ لأن الفعل الثاني غير الفعل الأول.
وفي " المغني ": وكل شهادة على فعل اختلاف الزمان أو المكان يمنع القبول، إلا في مسألة واحدة ذكرها داود بن رستم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد في نصراني شهدا عليه، فقال أحدهما: يصلي في مسجد بني زائدة شهراً، وآخر يصلي في مسجد بني عامر شهراً، أو قال أحدهما: يصلي بالكوفة شهراً، وقال أحدهما: رأيته يصلي بالشام. قال أجيز شهادتهما وأجبره على الإسلام.
وفي " الكافي ": اختلافهما في الزمان أو المكان في البيع والشراء والطلاق والعتاق والوكالة

(9/172)


وليست إحداهما بأولى من الأخرى. فإن سبقت إحداهما وقضى بها، ثم حضرت الأخرى، لم تقبل؛ لأن الأولى قد ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية.
قال: وإذا شهدا على رجل أنه سرق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والوصية والرهن والدين والقرض والبراءة والكفالة والحوالة، والقذف، لا يمنع القبول. وفي الجناية والغصب والقتل والنكاح يمنع، والأصل فيه أن المشهود به إن كان قولاً كالبيع ونحوه، فاختلافهما في الزمان، أو المكان لا يمنع.
ورواه أحمد في رواية؛ لأن القبول مما يعاد ويكرر، وإن كان المشهود به فعلاً كالغصب ونحوه، أو قولاً لكن الفعل شرط صحته كالنكاح، فإنه قول وحضور الشاهدين فعل، وهو شرط فاختلافهما في الزمان والمكان يمنع القول؛ لأن الفعل في زمان أو مكان غير الفعل في زمان أو مكان غيره، فاختلف المشهود به.
وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ظاهر روايته: اختلافهما في الزمان أو المكان يمنع في الجميع إلا فيما شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس، وقال الآخر: أقر بطلاقها يوم الجمعة، فإنه يقبل. وكذا في البيع والنكاح وغيرهما فلا ينقض بالثانية؛ لأن القضاء بالأول قضاء ببطلان الثاني ضمناً. إذ قتل شخص واحد لا يكون في موضعين.
وفي " الفتاوى الصغرى ": لو سكت شاهدا البيع عن بيان الوقت والمكان، فسألهما القاضي فقالا: لا نعلم ذلك يقبل شهادتهما؛ لأنهما لم يكلفا حفظ ذلك.
م: (وليست إحداهما بأولى من الأخرى) ش: يمكن أن هذا جواب عما يقال: فلم لا يسمع القاضي أحدهما.
فقال: وليست إحداهما إلى إحدى الشهادتين بأولى من الشهادة الأخرى لعدم المرجح، فإن كان كذلك م: (فإن سبقت إحداهما) ش: أي إحدى الشهادتين م: (وقضى بها) ش: أي وقضى القاضي بها م: (ثم حضرت الأخرى) .
ش: أي الشهادة الأخرى م: (لم تقبل؛ لأن الأولى قد ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية) ش: لأن الحكم بالثانية ينافي الحكم بالأول، وقد صحت ظاهراً حيث اتصل الحكم بها ينتقض بالكذب، فبقيت كما كانت، ونظيره رجل معه ثوبان، أحدهما نجس فوقع تحريه على أحدهما وصلى فيه، ثم وقع تحريه على الآخر لا يجوز الصلاة فيه؛ لأن الأول اتصل به حكم فلا ينتقض بتحرٍ آخر.

[شهدا على رجل أنه سرق بقرة واختلفا في لونها]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا شهد على رجل أنه سرق

(9/173)


بقرة، واختلفا في لونها قطع، وإن قال أحدهما: بقرة، والآخر ثوراً، لم يقطع. وهذا عند أبي حنيفة - رحمه الله -. وقالا: لا يقطع في الوجهين جميعاً. وقيل: الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة، لا في السواد والبياض وقيل: هو في جميع الألوان. لهما أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء، فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة، وصار كالغصب بل أولى؛ لأن أمر الحد أهم، فصار كالذكورة والأنوثة. وله أن التوفيق ممكن؛ لأن التحمل في الليالي من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقرة واختلفا في لونها) ش: بأن قال أحدهما: إنها سوداء، وقال الآخر: بأنها صفراء م: (قطع وإن قال أحدهما: بقرة) ش: أي بأنه سرق بقرة م: (والآخر ثوراً) ش: أي وقال الآخر: إنه سرق ثوراً م: (لم يقطع، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: لا تقطع في الوجهين جميعاً) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه فيما إذا سرق بقرة فقط، أما إذا ادعى سرقة بقرة بيضاء أو سوداء، لا تقبل شهادتهما إجماعاً؛ لأن كذب أحد الشاهدين، وكذا الخلاف فيما إذا ادعى سرقة ثوب فقط، أحدهما هروي، وقال الآخر: مروزي: فإن اختلفا في الزمان والمكان يقبل بالإجماع.
م: (وقيل: الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة) ش: لأن الحمرة الشديدة تظهر م: (لا في السواد والبياض) ش: لأنهما لا يتشابهان أصلاً م: (وقيل: هو) ش: أي الاختلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه - رحمهما الله - م: (في جميع الألوان) ش: وذكر في " المبسوط " أن الكل على الخلاف في الأصح.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء، فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة) ش: فلا اختلاف في المشهود به فلا يقبل م: (وصار كالغصب) ش: يعني شهد الغصب بقرة واختلفا في لونها.
م: (بل أولى؛ لأن أمر الحد أهم) ش: لأن الثابت بالغصب ضمان لا يسقط بالشبهات، والثابت هنا قد يسقط بالشبهات.
ولأن الاختلاف لما منع قبول الشهادة في المال، فلأن يمنع في الحر أولى، كما لو اختلفا في قدر القيمة م: (فصار كالذكورة والأنوثة) ش: في المغايرة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التوفيق ممكن؛ لأن التحمل في الليالي من

(9/174)


بعيد، واللونان يتشابهان أو يجتمعان في واحد، فيكون السواد من جانب وهذا يبصره، والبياض من جانب آخر، وهذا الآخر يشاهده،
بخلاف الغصب؛ لأن التحمل فيه بالنهار على قرب منه، والذكورة والأنوثة لا يجتمعان في واحدة. وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعيد) ش: إذ أكثر السرقات تكون في الليالي، وتحمل الشهادة من بعيد م: (واللونان يتشابهان) ش: كالحمرة والصفرة م: (أو يجتمعان) ش: أي اللونان بين ذلك بقوله:
م: (في واحد فيكون السواد من جانب وهذا يبصره، والبياض من جانب آخر، وهذا) ش: أي الآخر م: (يشاهده) ش: وكل واحد يشهد بما رآه.
فإن قيل: لو كانت البقرة على هذه الصفة، يقال لها: أبلقاً لا سوداء ولا بيضاء.
قلت: نعم، كذلك لمح، ولكن في حق من يعرف اللونين. أما في حق من لا يعرف إلا أحدهما يكون عنده ذلك اللون، كذا في " المبسوط ". وإذا كان التوافق ممكناً وجب القبول، كما إذا اختلف شهود الزنا في سبب واحد، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من وجهين: أحدهما: أن طلب التوفيق ها هنا لاحتيال أسباب الحد، وهو القطع، والحد يحتال لدونه لا لإثباته.
والثاني: أن التوفيق وإن كان ممكناً، ليس بمعتبر ما لم يصرح به فيما لم يثبت بالشبهات، فكيف يمكن اعتباره فيما يدربها.
والجواب عن الأول: أن ذلك إنما كان احتيالاً لإثباته، إذ لو كان في اختلاف ما كلفنا نقله، وهو من صلب الشهادة، كبيان قيمة المسروق ليعلم هل كان نصاباً تقطع به أو لا. وأما إذا كان في اختلاف ما لم يكلفنا نقله كلون ثياب السارق وأمثاله، فاعتبار التوفيق فيه ليس احتيالاً لإثبات الحد، لإمكان ثبوته به.
ألا ترى أنهما لو سكتا عن بيان لون البقرة ما كلفهما القاضي بذلك، فتبين أنه ليس من صلب الشهادة، ولم يكلفنا نقله إلى مجلس الحكم، بخلاف الذكورة والأنوثة، فإنهما يكلفان النقل بذلك؛ لأن القيمة تختلف باختلافهما، فكان اختلاف في صلب العقد. وعن الثاني بأنه جواب القياس؛ لأن القياس اعتبار مكان التوفيق، أو يقال التصريح بالتوفيق يعتبر فيما كان في صلب الشهادة وإمكانه فيما لم يكن فيه هذا.

[شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة]
م: (بخلاف الغصب) ش: هذا جواب عن مسألة الغصب وهو قوله م: (لأن التحمل فيه بالنهار على قرب منه) ش: أي لأن تحمل الشهادة في الغصب يكون بالنهار، إذ الغصب يكون فيه غالباً م: (والذكورة والأنوثة) ش: جواب عما استشهدا به من الاختلاف بهما فإنهما م: (لا يجتمعان في واحدة. وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه) ش: أي في حيوان عادة، ولأن الشاهدين

(9/175)


قال: ومن شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف، وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة، فالشهادة باطلة؛ لأن المقصود إثبات السبب وهو العقد، ويختلف باختلاف الثمن فاختلف المشهود به، ولم يتم العدد على كل واحد، ولأن المدعي يكذب أحد شاهديه. وكذلك إذا كان المدعي هو البائع، ولا فرق بين أن يدعي المدعي أقل المالين أو أكثرهما لما بينا. وكذلك الكتابة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكلفان بيان الذكورة والأنوثة؛ لأن القيمة تختلف باختلافهما، فكان اختلافهما فيهما في نفس الشهادة
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهد لرجل أنه اشترى عبداً من فلان بألف، وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة، فالشهادة باطلة) .
ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان المناسب ذكر هذه المسألة بعد قوله: وإن شهد أحدهما بألف، والآخر بألف وخمسمائة.
قلت: تلك المسألة في دعوى المال، وهذه في دعوى العقد م: (لأن المقصود إثبات السبب، وهو العقد، ويختلف باختلاف الثمن، فاختلف المشهود به ولم يتم العدد على كل واحد) ش: لأن اختلاف المشهود به يمنع قبول الشهادة، وكذا نقصان العدد يمنع.
م: (ولأن المدعي) ش: دليل آخر على ذلك م: (بكذب أحد شاهديه) ش: صورة المسألة في " الجامع الصغير ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال في الرجل يدعي على رجل أنه باعه هذا العبد بألف وخمسمائة فينكر البائع البيع، فيقيم عليه شاهداً بألف وخمسمائة، وشاهداً بألف، قال: هذا باطل.
م: (وكذلك) ش: أي وكذا الشهادة باطلة م: (إذا كان المدعي هو البائع، ولا فرق بين أن يدعي المدعي أقل المالين أو أكثرهما) ش: يعني سواء ادعى أقل المالين أو أكثر، وفي " الفوائد الظهيرية " عن السيد الإمام الشهيد أبي القاسم السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبل؛ لأن الشراء لواحد قد يكون بألف، ثم يصير بألف وخمسمائة، بأن اشترى ثم زاد في الثمن، فقد انقضى على الشراء الواحد م: (لما بينا) ش: وهو أن المقصود إثبات السبب.
م: (وكذلك الكتابة) ش: أي كالبيع؛ لأن عقد الكتابة يختلف باختلاف البدل كالبيع، [و] هنا تسع مسائل: البيع، والكتابة، والخلع، والطلاق، والإعتاق على مال، والصلح على دم العمد، والرهن والنكاح، والإجارة.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن نقل ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": وهذه ثمان مسائل؛ لأنه لم يذكر الطلاق. وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الكتابة بقوله: وكذلك الكتابة بعد أن ذكر البيع، فالبيع هو المسألة الأولى والكتابة هي الثانية.

(9/176)


لأن المقصود هو العقد إن كان المدعي هو العبد فظاهر. كذا إذا كان هو المولى؛ لأن العتق لا يثبت قبل الأداء، فكان المقصود إثبات السبب. وكذا الخلع والإعتاق على مال، والصلح عن دم العمد إذا كان المدعي هو المرأة أو العبد أو القاتل؛ لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه.
وإن كانت الدعوى من جانب آخر، فهو بمنزلة دعوى الدين فيما ذكرنا من الوجوه؛ لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق، فبقي الدعوى في الدين وفي الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بمنزلة البيع إذ كان الدعوى من العبد؛ لأنه يدعي العقد أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأن المقصود هو العقد) ش: أي عقد الكتابة م: (إن كان المدعي هو العبد فظاهر) ش: فلا تقبل الشهادة إذا اختلف الشاهدان في بدل الكتابة كما في البيع والشراء.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لا تقبل الشهادة م: (إذا كان) ش: أي المدعي م: (هو المولى؛ لأن العتق لا يثبت قبل الأداء) ش: أي قبل إذا بدل الكتابة، وبدل الكتابة لا يكون إلا بعقد الكتابة وهو معنى قوله: م: (فكان المقصود إثبات السبب) ش: أي العقد، والثالثة من المسائل الخلع أشار إليه بقوله م: (وكذا الخلع) ش: بأن ادعت المرأة الخلع وأنكر الزوج، والرابعة منها هو قوله م: (والإعتاق على مال) ش: والخامسة هو قوله م: (والصلح عن دم العمد) ش: فالحكم في هذه المسائل الثلاث م: (إذا كان المدعي هو المرأة) ش: في مسألة الكتابة م: (أو العبد) ش: أي وإن كان المدعي هو المرأة في مسألة الخلع م: (أو القاتل) ش: أي وإن كان المدعي هو القاتل في مسألة الصلح عن دم العمد فلا خفاء في هذه الثلاثة م: (لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه) ش: أي إلى إثبات العقد ليثبت الطلاق والعتاق والعفو بناء عليه.

م: (وإن كانت من جانب آخر) ش: وهو المولى وولي القصاص، بأن قال المولى: أعتقتك على ألف وخمس مائة، والعبد يدعي الألف وقال الزوج: خالعتك على ألف وخمسمائة، والمرأة تدعي الألف، وقال ولي القصاص: صالحتك على ألف وخمسمائة والقاتل يدعي الألف م: (فهو بمنزلة دعوى الدين) ش: أي كانت الدعوى مثل دعوى الدين وهو البدل وهو المبدل لوقوع العتق والطلاق والعفو بإقرار المولى والزوج وولي القصاص م: (فيما ذكرنا من الوجوه) ش: المذكورة من أنه يقبل على الألف إذا ادعى ألفا وخمسمائة بالاتفاق، وإذا ادعى ألفين لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وإن ادعى أقل المالين يعتبر الوجوه الثلاثة من التوفيق والتكذيب والسكوت عنهما م: (لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق) ش: وهو المعتق والزوج والولي م: (فبقي الدعوى في الدين) ش: وهو البدل، والمسألة السادسة هي قوله م: (وفي الرهن) ش: أي إذا شهد أحد الشاهدين بالألف والآمر بألف وخمسمائة.

(9/177)


إن كان المدعي هو الراهن لا يقبل؛ لأنه لا حظ له في الرهن، فعريت الشهادة عن الدعوى، وإن كان هو المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين، وفي الإجارة إن كان ذلك في أول المدة فهو نظير البيع، وإن كان بعد مضي المدة والمدعي هو الآجر فهو دعوى الدين.
قال: فأما النكاح، فإنه يجوز بألف استحسانا. وقالا: هذا باطل في النكاح أيضا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إن كان المدعي هو الراهن لا يقبل) ش: الشهادة م: (لأنه) ش: أي لأن الراهن م: (لا حظ له في الرهن) ش: لأنه لما لم يكن له أن يسترد الرهن قبل قضاء الدين كانت دعواه غير مفيدة، فكانت كأن لم يكن وهو معنى قوله م: (فعريت الشهادة عن الدعوى) ش: فلا تقبل.
م: (وإن كان) ش: أي المدعي م: (هو المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين) ش: يقضى بأقل المالين إجماعا.
فإن قيل: الرهن لا يثبت إلا بالإيجاب والقبول فكان عقدا كسائر العقود فينبغي أن يكون اختلاف الشاهدين في قدر المال بمنزلة اختلافهما في البيع أو الشراء، وإن كانت الدعوى من المرتهن.
قلنا: لما كان عقد الرهن غير لازم في حق المرتهن كان له أن يرد الرهن متى شاء، بخلاف الراهن لأنه ليس له استرداد الرهن متى شاء، فكان الاعتبار دعوى الدين في جانب المرتهن؛ لأن الرهن لا يكون بالدين فتقبل البينة كما في سائر الديون، ويثبت الرهن بالألف ضمنا، وتبعا للدين، والمسألة السابعة هي قوله: م: (وفي الإجارة) ش: أي اختلاف الشهادة إذا كان في الإجارة م: (إن كان ذلك) ش: أي الدعوى على تأويل الادعاء م: (في أول المدة) ش: قبل استيفاء المنفعة م: (فهو نظير البيع) ش: يعني لا تقبل الشهادة كما في البيع؛ لأن المقصود إثبات العقد، وقد اختلف باختلاف البدل م: (وإن كان بعد مضي المدة) ش: واستيفاء المنفعة م: (والمدعي) ش: أي والحال أن المدعي.
م: (هو الآجر فهو دعوى الدين) ش: أي المال فيقضي بأقل المالين إذا ادعى الأكثر، إذ لا حاجة هنا إلى إثبات العقد، وإن كان المدعي هو المستأجر بعد مضي المدة كان ذلك منه اعترافا بمال الإجارة، فيجب عليه ما اعترف، فلا حاجة فيه حينئذ إلى اتفاق الشاهدين أو اختلافهما.

[اختلاف الشهود في النكاح]
والمسألة الثانية هي قوله:
م: (قال) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: فأما النكاح) ش: يعني إذا اختلف الشهود فيه، فقال أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة م: (فإنه) ش: أي فإن النكاح م: (يجوز بألف استحسانا) ش: كما في دعوى الدين.
م: (وقالا: هذا باطل في النكاح أيضا) ش: يعني كما هو باطل في البيع، يعني فلا تقبل الشهادة

(9/178)


وذكر في الأمالي قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله - لهما أن هذا اختلاف في العقد؛ لأن المقصود من الجانبين السبب فأشبه البيع. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المال في النكاح تابع، والأصل فيه الحل والازدواج والملك، ولا اختلاف فيما هو الأصل فيثبت، ثم إذا وقع الاختلاف في التبع يقضى بالأقل لاتفاقهما عليه،
ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما في الصحيح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا يقضي بالنكاح. م: (وذكر في " الأمالي " قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله -) ش: قال فخر الدين قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وذكر في الدعوى عن " الأمالي " قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لهما) ش: أي ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن هذا اختلاف في العقد) ش: لأن النكاح بألف غير النكاح بألف وخمسمائة.
م: (لأن المقصود من الجانبين السبب) ش: والاختلاف في السبب يمنع قبول الشهادة م: (فأشبه البيع) ش: كما إذا اختلف الشاهدان فيه بأن شهد أحدهما بألف، والآخر بألفين فلا تقبل، كذا هذا م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المال في النكاح تابع) ش: ولهذا يصح بلا تسمية مهر وملك التصرف في النكاح من لا يملك التصرف في المال، كالعم، والأخ، والاختلاف في البائع لا يوجب اختلافا في الأصل.
م: (والأصل فيه) ش: أي في النكاح هذا دليل أخذ تقريره أن الأصل في النكاح م: (الحل) ش: هو حل البضع م: (والازدواج والملك) ش: هو ملك البضع؛ لأن شرعيته كذلك ولزوم المهر لمصون الحل الخطر عن الاستبذال بالتسلط عليها مجانا م: (ولا اختلاف) ش: للشاهدين م: (فيما هو الأصل فيثبت) ش: أي الأصل.
م: (ثم إذا وقع الاختلاف في التبع يقضى بالأقل) ش: أي بأقل المالين م: (لاتفاقهما عليه) ش: أي لاتفاق الشاهدين على الأقل. واعترضوا عليه بأن هذا تكذيب لأحد الشاهدين، وأجيب بأن التكذيب فيما ليس بمقصود، وهو المال، والتكذيب فيه لا يوجب التكذيب في الأصل وهو العقد.

م: (ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما) ش: قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما بكلمة " أو "، والصواب كلمة الواو بلالة يستوي، انتهى.
قلت: كان في نسخه بكلمة " أو "، فكذلك اعترض، وليس كذلك، فإن النسخ كلها بالواو، حتى في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - التي هي العمدة م: (في الصحيح) ش: احترازا عما قال

(9/179)


ثم قيل: الاختلاف فيما إذا كانت المرأة هي المدعية وفيما إذا كان الزوج هو المدعي إجماع، على أنه لا تقبل؛ لأن مقصودها قد يكون المال، ومقصوده ليس إلا بالعقد. وقيل الاختلاف في الفصلين وهذا أصح، والوجه ما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعضهم، وأنه لما كان كالدين وجب أن يكون الدعوى بأكثر المالين كما في الدين، وإليه ذهب شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ثم قيل: الاختلاف) ش: أي بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا كانت المرأة هي المدعية وفيما إذا كان الزوج هو المدعي إجماع) .
م: (على أنه لا يقبل لأن مقصودها قد يكون المال ومقصوده ليس إلا العقد) ش: فيكون الاختلاف فيه يمنع القبول.
م: (وقيل: الاختلاف) ش: أي الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في الفصلين) ش: جميعا، يعنى فيما إذا كان مدعي النكاح الرجل والمرأة م: (وهذا أصح) ش: أي الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في الفصلين جميعا أصح.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا في قوله: وهذا أصح نظرا لما أنهم لم يذكروا الخلاف في " شرح الجامع الصغير " و " شرح الطحاوي " فيما إذا كان المدعي هو الزوج، بل قالوا: لا تقبل الشهادة لأن الاختلاف وقع في العقد، انتهى.
قلت: عدم ذكرهم في " شرح الجامع الصغير " [و] " شرح الطحاوي " لا يستلزم عدم ذكر غيرهم م: (والوجه ما ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكر في دليل الطرفين عند قوله: لهما أن هذا اختلاف في العقد ... إلى آخر ما ذكره.

(9/180)


فصل في الشهادة على الإرث قال: ومن أقام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها وأودعها الذي هي في يده، فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنه مات وتركها ميراثا له. وأصله أنه متى ثبت الملك للمورث لا يقضى به للوارث حتى يشهد الشهود أنه مات وتركها ميراثا له عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يقول: إن ملك الوارث ملك المورث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة به للوراث وهما يقولان: إن ملك الوارث متجدد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الشهادة على الإرث]
م: (فصل في الشهادة على الإرث) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الشهادة على الإرث، ولما ذكر أحكام الشهادة المتعلقة بالإحياء شرع يذكر أحكام الشهادة المتعلقة بالميت، بحسب مقتضى الوقائع.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أقام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها وأودعها الذي هي في يده، فإنه يأخذها) ش: أي فإن المدعي الذي أقام البينة يأخذ الدار بهذه البينة م: (ولا يكلف البينة) ش: أي يشهدوا م: (أنه) ش: أي أن أباه م: (مات وتركها ميراثا له) ش: أي لابنه. وفي " الفوائد الظهيرية ": هذا بالإجماع، لكن على اختلاف التخريج.
فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقول في الميراث باشتراط الجر والانتقال من المورث إلى الوارث في قبول البينة، وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن كانا يشترطان ذكر الجر والانتقال، بأن يقول الشاهد عند الشهادة: هذا المدعي وارث الميت مات وتركها ميراثا له. أما ها هنا لم يشترطا؛ لأن المدعي أثبت لمورثه يدا إلى المدعي بما أقام من البينة؛ لأن يد المستودع والمستعير، يد المودع والمعير، فصار كأنه أقام البينة بأن أباه مات والدار في يده، ولو كان كذلك كانت البينة مقبولة فكذا هذا. م: (وأصله) ش: أي أصل حكم الشهادة على الإرث م: (أنه) ش: أي الشأن م: (متى ثبت الملك للمورث لا يقضى به للوارث) ش: أي لا يحكم له بذلك الملك م: (حتى يشهد الشهود أنه) ش: أي أن المورث م: (مات وتركها) ش: أي ترك تركة م: (ميراثا له) ش: أي لهذا الوارث م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا الخلاف مبني على الأصل المذكور، وهو أن الشهادة بالميراث يحتاج إلى الجر والانتقال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولا تحتاج إلى ذلك عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول أي أبو يوسف يقول:
م: (هو يقول: إن ملك الوارث ملك المورث) ش: لكون الوراثة خلافه، ولهذا يرد بالعيب ويرد عليه به، وإذا كان كذلك م: (فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة به) ش: أي بالملك م: (للوارث) .
م: (وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (يقولان: إن ملك الوارث متجدد في

(9/181)


في حق العين حتى يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة، ويحل الوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير، فلا بد من النقل، إلا أنه يكتفى بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة، وكذا على قيام يده على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وقد وجدت الشهادة على اليد في مسألة الكتاب لأن يد المستعير والمودع والمستأجر قائمة مقام يده، فأغنى ذلك عن الجر والنقل. وإن شهدوا أنها كانت في يد فلان مات وهي في يديه جازت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حق العين حتى يجب عليه) ش: أي على الوارث م: (الاستبراء في الجارية الموروثة، ويحل الوارث الغني ما كان صدقه على المورث الفقير) ش: وإن كان المورث غنيا، فلما كان ملكه متجددا، فلا بد من إثبات الملك له ابتداء وهو معنى قوله م: (فلا بد من النقل) ش: بأن يقول الشهود: إنه مات وترك هذا الشيء ميراثا لهذا لئلا يكون استصحاب الحال مثبتا.
م: (إلا أنه يكتفي بالشهادة) ش: هذا استثناء من قوله: لا بد من النقل، يعني عندهما لا بد من الجر والنقل إلا أن الشهادة يكتفى بها م: (على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة، وكذا على قيام يده) ش: أي يكتفى بالشهادة على قيام يده عند الموت؛ لأن اليد حينئذ تصير يد ملك بالضمان.
لأن الظاهر من حال من حضره الموت أن يسوي أسبابه ويعطي ما كان عنده من الودائع والغصوب، فإذا لم يبين فالظاهر أن ما في يده ملكه والأمانات تصير مضمونة بالتحصيل بأن مات ولم يبين أنها وديعة فلان؛ لأنه حينئذ ترك الحفظ وهو متعة يجب الضمان به. وإذا ثبت هذا لمن قام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها أو أودعها الذي في يده، فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنه مات وتركها ميراثا له بالاتفاق.
أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فلأنه لا يوجب الجر في الشهادة. وأما عندهما فلأن قيام اليد عند الموت يغني عن الجر م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: هذا إشارة إلى ما نذكره عن قريب بقوله: لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك.
م: (وقد وجد الشهادة على اليد في مسألة الكتاب) ش: أي هذا الكتاب وهي المسألة التي ذكرها عقيب الفصل بقوله: ومن أقام بينة على دار بها كانت لأبيه..... إلى آخرها، والحاصل: أنه أشار بهذا إلى أن هذه المسألة متفق عليها، وأشار إلى بيان وجهها بقوله م: (لأن يد المستعير والمودع) ش: بفتح الدال م: (والمستأجر) ش: بكسر الجيم ويد المستأجر م: (قائمة مقام يده) ش: أي يدأب المدعي الذي أقام بينة أنها كانت لأبيه م: (فأغنى ذلك) ش: إلى قيام يده عند الموت م: (عن الجر والنقل) .
م: (وإن شهدوا أنها) ش: أي أن هذه الدار م: (كانت في يد فلان مات وهي في يديه، جازت

(9/182)


الشهادة؛ لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل، فصار بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت. وإن قالوا لرجل حي نشهد أنها كانت في يد المدعي منذ أشهر لم تقبل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تقبل؛ لأن اليد مقصودة كالملك، ولو شهدوا أنها كانت ملكه تقبل، فكذا هذا، فصار كما إذا شهدوا بالأخذ من المدعي. وجه الظاهر وهو قولهما أن الشهادة قامت بمجهول؛ لأن اليد منقضية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهادة) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله " وإن شهدوا أنها كانت في يد فلان " أي يد أبيه، وصرح صدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " حيث قال: وإن شهدوا أنها كانت في يد أبيه مات وهي في يده جازت الشهادة؛ م: (لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان) ش: لأنهم لما شهدوا له باليد وقت الموت فلا يخلو إما أن يكون يد ملك أو يد أمانة فإن كانت يد ملك فلا شك، وإن كانت يد غصب تصير يد ملك بالضمان، وإن كانت أمانة تصير يد غصب بالتجهيل وهو معنى قوله م: (والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل) ش: فيصير يد ملك م: (فصار) ش: أي قول الشاهد بأنها كانت في يده وقت الموت م: (بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت) ش: فيثبت النقل إلى الورثة بالضرورة. وروي عن الحسن: أنها لا تقبل؛ لأنهم شهدوا بيد منقضية، والأصح أنها تقبل لما مر.

م: (وإن قالوا لرجل حي:) ش: ذكر هذه المسألة استطرادا، إذ هي ليست من باب الميراث، أي وإن قال الشهود لرجل حي، يعني إذا كانت الدار في يد رجل حي، فادعاها رجل آخر، وليست الدار في يده، فقالوا: إنها له فشهدوا أنها له وقيد بقوله " حي "؛ لأنهم لو شهدوا للميت بأنها كانت في يده وقت الموت تقبل بالإجماع، وقيد بقوله: م: (نشهد أنها كانت في يد المدعي) ش: لأنهم لو شهدوا أنها كانت له تقبل بالإجماع، كذا في " قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - "، وقوله م: (منذ أشهر) ش: وجوده كعدمه؛ لأن الخلاف ثابت فيما لم يذكره م: (لم تقبل) ش: أي هذه الشهادة.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تقبل؛ لأن اليد مقصودة كالملك) ش: إذا ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيد فكذا في اليد م: (ولو شهدوا أنها كانت ملكه تقبل، فكذا هذا فصار) ش: هذا م: (كما إذا شهدوا بالأخذ من المدعي) ش: يعني لو شهدوا أنها كانت في المدعي، وأخذها المدعى عليه الذي هو صاحب اليد يقبل الشهادة وترد الدار إلى المدعي، وكذا إذا اقر المدعى عليه بأنها كانت في يد المدعي ترد على ما ذكر في الكتاب.
م: (وجه الظاهر وهو قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الشهادة قامت بمجهول؛ لأن اليد منقضية) ش: أي زائلة، يعني يد المدعي زائلة في الحال، وليست بقائمة

(9/183)


وهي متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان، فتعذر القضاء بإعادة المجهول؛ بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف، وبخلاف الأخذ؛ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد ولأن يد ذي اليد معاين ويد المدعي مشهود به، وليس الخبر كالمعاينة وإن أقر بذلك المدعى عليه دفعت إلى المدعي؛ لأن الجهالة في المقربة لا تمنع صحة الإقرار. وإن شهد شاهدان أنه أقر أنها كانت في يد المدعي دفعت إليه؛ لأن المشهود به هاهنا الإقرار وهو معلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حتى تحمل على الملك باعتبار الظاهر م: (وهي) ش: أي اليد م: (متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان) ش: فإذا كان كذلك كانت مجهولة.
م: (فتعذر القضاء بإعادة المجهول) ش: تعذر الحكم بإعادتها مع قيام الجهالة م: (بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف، وبخلاف الأخذ؛ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد) ش: كيف ما كان.
قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» م: (ولأن يد ذي اليد معاين، ويد المدعي مشهود به) ش: والشهادة خبر.
م: (وليس الخبر كالمعاينة) ش: لاحتمال زوال اليد بعد ما كانت والمعاين راجح؛ لأن المعاينة توجب العلم والشهادة عليه الظن، فما كان موجبا للعلم أولى، قال: ليس في كثير من النسخ لفظ قال م: (وإن أقر بذلك المدعى عليه) ش: أي أقر بأن الدار في يد المدعي م: (دفعت إلى المدعي؛ لأن الجهالة في المقر به لا تمنع صحة الإقرار) ش: بل يجب عليه بيانه كما لو أقر لفلان بشيء يجب عليه بيانه.
م: (وإن شهد شاهدان أنه أقر) ش: أي المدعى عليه أقر م: (أنها كانت في يد المدعي دفعت إليه؛ لأن المشهود به ها هنا الإقرار وهو معلوم) ش: أي المشهود به وهو الإقرار معلوم، والمجهول هو المقر به والجهالة فيه ليست بمانعة لصحة الإقرار.

(9/184)