البناية شرح الهداية

كتاب الرجوع عن الشهادة قال: وإذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت؛ لأن الحق إنما يثبت بالقضاء. والقاضي لا يقضي بكلام متناقض، ولا ضمان عليهما؛ لأنهما ما أتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المدعى عليه، فإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا لم يفسخ الحكم؛ لأن آخر كلامهم يناقض أوله فلا ينقض الحكم بالتناقض، ولأنه في الدلالة على الصدق مثل الأول، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به، وعليهم ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان. والتناقض لا يمنع صحة الإقرار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الرجوع عن الشهادة]
[رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها]
م: (كتاب الرجوع عن الشهادة)
ش: أي: هذا كتاب في بيان أحكام الرجوع عن الشهادات. وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن الرجوع يقتضي سابقة الشهادة لا محالة. قيل ركنه قول الشاهد شهدت بزور شرطه أن يكون عند القاضي، وحكمه إيجاب التعزير على كل حال، سواء رجع قبل اتصال القضاء بالشهادة أو بعده، والضمان مع التعزير إن رجع بعد القضاء، أو كان المشهود به مالا وقد أزاله بغير عوض، والرجوع عن الشهادة مشروع بالإجماع، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت) ش: أي الشهادة ولا خلاف فيه م: (لأن الحق إنما يثبت بالقضاء) ش: أي بالحكم م: (والقاضي لا يقضي بكلام متناقض) ش: لأن الشاهد لما أكذب نفسه بالرجوع تناقض كلامه، والقضاء بالكلام المتناقض لا يجوز م: (ولا ضمان عليهما؛ لأنهما ما أتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المدعى عليه، فإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا) ش: يعني بعد الحكم م: (لم يفسخ الحكم؛ لأن آخر كلامهم يناقض أوله، فلا ينقض الحكم بالتناقض) ش: لأنه لو اعتبر رجوعه في إبطال القضاء أدى إبطاله إلى ما لا يتناهى؛ لأنه يأتي بعد ذلك فيرجع عن هذا الرجوع، فيجب إعادة الرضاء الأول، كذا في " المبسوط " م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكلام الآخر م: (في الدلالة على الصدق مثل الأول) ش: وكلما كان كذلك ساواه واحتيح إلى الترجيح م: (وقد ترجح الأول باتصال القضاء به) ش: فلا ينقضه به.
م: (وعليهم) ش: أي وعلى الشهود م: ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان) ش: فقضاه القاضي، وإن كان علة للتلف لكنه كالملجأ من جهتهم فكان السبب منهم تعديا، فيضاف الحكم إليهم كما في حفر البئر على قارعة الطريق م: (والتناقض لا يمنع صحة الإقرار) ش: هذا جواب عما يقال كلامهم متناقض، وذلك ساقط العبرة، فعلى ما الضمان ووعد

(9/200)


وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى.
ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم؛ لأنه فسخ للشهادة، فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس، وهو مجلس القاضي أي قاض كان، ولأن الرجوع توبة، والتوبة على حسب الجناية، فالسر بالسر، والإعلان بالإعلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقريره من بعد بقوله م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) ش: وفي " المغني " كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا يقول فيما رجع بعد القضاء: ينظر إلى حال الراجع، إن كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة، صح رجوعه في حق نفسه وفي حق غيره، حتى وجب عليه التعزير، وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه، وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشهادة في العدالة ودونه يجب عليه التعزير.
ولا ينقض القضاء ولا يجب الضمان عليه، وهو قول أستاذه حماد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم رجع عن هذا وقال: لا يصح رجوعه في حق غيره، وعلى كل حال لا ينقض القضاء، ولا يرد المشهود به على المشهود عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والأئمة الثلاثة، وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " أدب القاضي " للخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان حال المشهود، فذكر مثل ما ذكرناه الآن....
.. إلى آخره.

[كيفية الرجوع عن الشهادة]
م: قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم) ش: سواء كان هو الحاكم الأول أو غيره.
م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع عن الشهادة م: (فسخ للشهادة فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس، وهو مجلس القاضي أي قاض كان) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الدليل لا يتم إلا إذا ثبت أن فسخ الشهادة يختص بما تختص به الشهادة وهو ممنوع، فإن الرجوع إقرار بضمان مال المشهود عليه على نفسه بسبب الإتلاف بالشهادة الكاذبة، والإقرار بذلك لا يختص بمجلس الحكم.
والجواب: أن الاستحقاق لا يرتفع ما دامت الحجة باقية، فلا بد من رفعها، والرجوع في غير مجلس الحكم ليس برفع للحجة؛ لأن الشهادة في غير مجلسه ليست بحجة، والإقرار بالضمان مرتب على ارتفاعها أو تثبت في ضمنه فكان من توابعه.
م: (ولأن الرجوع توبة) ش: أي لأن الرجوع عن الشهادة توبة عن جناية الكذب، م: (والتوبة على حسب الجناية، فالسر بالسر، والإعلان بالإعلان) ش: فالشهادة كانت بالإعلان، والرجوع أيضا كذلك، وهذا للفظ جاء في حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى اليمن فقال معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أوصني يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " عليك بتقوى الله تعالى ما استطعت،

(9/201)


وإذا لم يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان. وكذا لا تقبل بينته عليها؛ لأنه ادعى رجوعا باطلا، حتى لو أقام البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل؛ لأن السبب صحيح.
. قال: وإذا شهد شاهدان بمال، فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه؛ لأن التسبيب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر، وقد سببا للإتلاف تعديا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنان؛ لأنه لا عبرة للتسبيب عند وجود المباشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واذكر الله تعالى عند كل شجر وحجر، وإذا علمت شرا فأحدث توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية» .
م: (وإذا لم يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان) ش: لأنه البينة، واليمين يترتبان على دعوى صحيحة، ودعوى الرجوع في غير مجلس الحكم باطلة م: (وكذا لا تقبل بينته) ش: أي بينة المشهود عليه م: (عليها) ش: أي على الشاهدين م: (لأنه ادعى رجوعا باطلا) ش: إذ الرجوع في غير مجلس القاضي باطل م: (حتى لو أقام) ش: أي المشهود عليه م: (البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل) ش: أي بينته م: (لأن السبب صحيح) .
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضمير المستكن في ضمنه يجوز أن يكون للقاضي، ومعناه حكم عليه بالضمان، لكنه لم يعط شيئا إلى الآن، ويجوز أن يكون للمدعي، ومعناه طلب من القاضي تضمنه وإلا كف، واللام في قوله لأن السبب بدل من المضاف إليه وهو قبول البينة، أي لأن سبب قبول البينة صحيح، وهو دعوى الرجوع في مجلس حكم، وقيل هو الضمان، ومعناه: لأن سبب الضمان صحيح، وهو الرجوع عند الحاكم، وليس بصحيح؛ لأن الدعوى حينئذ ليست بمطابقة للدليل، فإنها قبول البينة لا وجوب الضمان.

[شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في القول الأصح، وعنه في قول لا يضمنان م: (لأن التسبيب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر) ش: وواضع الحجر م: (وقد سببا) ش: أي الشاهدان م: (للإتلاف تعديا) ش: أي من حيث التعدي فوجب الضمان على الشهود.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنان؛ لأنه لا عبرة للتسبيب عند وجود المباشرة) ش: هذا ينتقض بشهود القصاص إذا رجعوا على أصله، وبالمحرم إذا أمسك صيدا حتى قتله محرم

(9/202)


قلنا تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي؛ لأنه كالملجأ إلى القضاء، وفي إيجابه صرف الناس عن تقلده وتعذر استيفاؤه من المدعي؛ لأن الحكم ماض، فاعتبر التسبيب، وإنما يضمنان إذا قبض المدعي المال دينا كان أو عينا؛ لأن الإتلاف به يتحقق. ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين.
قال: فإن رجع أحدهما ضمن النصف، والأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخر لا يقال: إن الشهود لم يوجد منهم إلا مجرد القول، ومجرد القول لا يوجب الضمان، لأنا نقول: يبطل ذلك بشهود العتق والطلاق قبل الدخول إذا رجعوا.
م: (قلنا: تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي؛ لأنه كالملجأ إلى القضاء) ش: لأن القضاء فرض عليه بما يثبت عنده ظاهرا حتى لو لم يرد وجوب القضاء عليه يكفر، ولو رأى ذلك ومع هذا أخر القضاء يفسق، وإذا كان كالملجأ معذورا في قضائه، وإنما قال " كالملجأ " ولم يقل " أنه ملجأ حقيقة "، إذ لو كان ملجأ حقيقة على الحكم بعد الشهادة لوجب القصاص على الشاهدين في الشهادة بالقتل العمد، إذا ظهر كذبه كما في المكره، كما هو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس كذلك، وهذا لأن الملجأ حقيقة من يخاف العقوبة الدنيوية، والقاضي إنما يخاف عقوبة الآخرة، ولا يصير به ملجأ؛ لأن كل واحد يقيم الطاعة خوفا من العقوبة على تركها في الآخرة ولا يصير به مكرها، ولكن لا يجب الضمان على القاضي لأنه غير متعمد.
م: (وفي إيجابه) ش: أي وفي إيجاب الضمان على القاضي م: (صرف الناس عن تقلده) ش: أي عن تقلد القضاء، وفي ذلك ضرر عام فيحتمل الضرر الخاص م: (وتعذر استيفاؤه من المدعي) ش: أيضا م: (لأن الحكم ماض فاعتبر التسبيب) ش: لأن الشهود صاروا لأجله سببا لإزالة مال متقوم للغير بغير حق، كما لو شهدوا بالعتق ثم رجعوا م: (وإنما يضمنان) ش: أي الشاهدان م: (إذا قبض المدعي المال) ش: سواء م: (دينا كان أو عينا؛ لأن الإتلاف به) ش: أي بالقبض م: (يتحقق) ش: وفي ذلك لا يتفاوت بين العين والدين، وهو اختيار شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفرق شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين العين والدين، فقال: إن كان المشهود به عينا يضمن للمشهود عليه قبض المدعي العين أولا، وإن كان المشهود به دينا يضمنه إذا استوفاه المدعى عليه.
م: (ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين) ش: بيان ذلك أنهما إذا لزما دينا بشهادتهما فلو ضمنا قبل الأداء إلى المدعي كان قد استوفى منهما عينا بمقابلة دين، ولا مماثلة بينهما، وقال الأترازي: يعني أن المشهود به إذا كان دينا لم يستوفه المشهود له لا يجب الضمان على الشهود؛ لأن الضمان يعتمد على المماثلة، ولا مماثلة بين العين والدين.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: فإن رجع أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م:

(9/203)


أن المعتبر في هذا إبقاء من بقي لا رجوع من رجع، وقد بقي من بقي بشهادته نصف الحق. وإن شهد بالمال ثلاثة، فرجع أحدهم فلا ضمان عليه؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، وهذا لأن الاستحقاق باق بالحجة، والمتلف متى استحق سقط الضمان فأولى أن يمتنع. فإن رجع آخر ضمن الراجعان نصف الحق؛ لأن ببقاء أحدهم يبقى نصف الحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ضمن النصف) ش: أي النصف المشهود به م: (والأصل) ش: هنا ما ذكروا في " شرح الجامع الكبير " م: (أن المعتبر في هذا بقاء من بقي لا رجوع من رجع، وقد بقي من بقي بشهادته نصف الحق) ش: لأن وجوب الحق في الحقيقة بشهادة الشاهدين، وما زاد فهو فضل في حق القضاء، إلا أن الشهود إذا كانوا أكثر من الاثنين يضاف القضاء، ووجوب الحق إلى الكل لاستواء حالهم، وإذا رجع واحد زال الاستواء وجلت إضافة القضاء إلى الشيء.
وعلى هذا رجع أحد الاثنين ضمن النصف؛ لأنه بقي من شهادة من بقي نصف الحق، فإن قيل: لا نسلم ذلك وأن الباقي فرد لا يصح لإثبات شيء به ابتداء فكذا بقاء. أجيب بأن البقاء أسهل من الابتداء، فيجوز أن يصلح في البقاء للإثبات ما لا يصلح في الابتداء لذلك كما في النصاب، فإن بعضه لا يصلح في الابتداء لإثبات الوجوب، ويصلح في البقاء بقدره.
م: (وإن شهد بالمال ثلاثة، فرجع أحدهم فلا ضمان عليه) ش: أي على الراجع م: (لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وقال أحمد: يغرم ثلث الحق، وبه قال الشافعي في قول آخر، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وهذا) ش: يعني عدم الضمان على الثالث الذي رجع، وقال الأترازي: وهذا، إشارة إلى قوله: لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق م: (لأن الاستحقاق) ش: أي المدعي للشهود به م: (باق بالحجة) ش: التامة.
م: (والمتلف متى استحق سقط الضمان) ش: أي عن المتلف بكسر اللام، صورته فيما إذا أتلف إنسان مال زيد فقضى القاضي له على المتلف بالضمان، ثم استحق المتلف عمرو، وأخذ الضمان من المتلف سقط الضمان الثابت لزيد بقضاء القاضي على المتلف م: (فأولى أن يمتنع) ش: أي الضمان من الراجع؛ لأن ابتداء استحقاق التلف يسقط الضمان، فبقاؤه أولى أن يمنع؛ لأن المنع أسهل من الدفع.
م: (فإن رجع آخر) ش: أي من الثلاثة م: (ضمن الراجعان نصف المال؛ لأن ببقاء أحدهم يبقى نصف الحق) ش: هذا أيضا بناء على الأصل المتقدم؛ لأن العبرة لما كان لبقاء من بقي كان الباقي نصف الحق، فإذا بقي نصف الحق كان الثالث بالرجوع نصف الحق لا محالة فيضمنه الراجعان؛ لأن أحدهما ليس أولى من الآخر، فكان ضمان النصف عليهما على السواء.

(9/204)


وإن شهد رجل وامرأتان، فرجعت امرأة وضمنت ربع الحق لبقاء ثلاثة الأرباع ببقاء من بقي، وإن رجعتا ضمنتا نصف الحق؛ لأن بشهادة الرجل بقي نصف الحق. وإن شهد رجل وعشر نسوة، ثم رجع ثمان فقط فلا ضمان عليهن؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، فإن رجعت أخرى كان عليهن ربع الحق؛ لأنه بقي النصف بشهادة الرجل والربع بشهادة الباقية، فبقي ثلاثة الأرباع. وإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق، وعلى النسوة خمسة أسداسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: على الرجل النصف، وعلى النسوة النصف؛ لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد، ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل امرأتين قامتا مقام رجل واحد. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: ينبغي أن يضمن الراجع الثاني فقط؛ لأن التلف إنما أضيف إليه.
قلنا: التلف مضاف إلى المجموع، إلا أن برجوع الأول لم يظهر أثره لمانع وهو بقاء من بقي، فإذا رجع الباقي ظهر أن التلف بهما.

[شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة]
م: (وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة وضمنت ربع الحق لبقاء ثلاثة الأرباع ببقاء من بقي، وإن رجعتا) ش: أي المرأتان م: (ضمنتا نصف الحق؛ لأن بشهادة الرجل بقي نصف الحق) .
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهد رجل وعشرة نسوة ثم رجع ثمان فقط) ش: من النساء م: (فلا ضمان عليهن؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق) ش: وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليهن أربعة أسدسة من الضمان، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح، م: (فإن رجعت أخرى كان عليهن) ش: أي على تسع نسوة م: (ربع الحق) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول.
م: (لأنه بقي النصف بشهادة الرجل والربع) ش: أي ربع الحق م: (بشهادة الباقية فبقي ثلاثة الأرباع، وإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق وعلى النسوة خمسة أسداسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقالا:) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (على الرجل النصف وعلى النسوة النصف) ش: وبه قال أبو العباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد، ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل) ش: معهن، فلا تقبل شهادتهن وحدهن، فصارت شهادة عشر نسوة كشهادة امرأتين، فصار الضمان على الرجل والنسوة إنصافا.

(9/205)


في نقصان عقلهن: " عدلت شهادة اثنتين منهن بشهادة رجل واحد " فصار كما إذا شهد بذلك ستة رجال، ثم رجعوا، وإن رجع النسوة العشرة دون الرجل كان عليهن نصف الحق على القولين لما قلنا.
" ولو شهد رجلان وامرأة بما ثم رجعوا، فالضمان عليهما دون المرأة؛ لأن الواحدة ليست بشهادة، بل هي بعض الشاهد فلا يضاف إليه الحكم. قال: وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا، فلا ضمان عليهما. وكذلك إذا شهدا بأقل من مهر مثلها؛ لأن منافع البعض غير متقومة عند الإتلاف؛ لأن التضمين يستدعي المماثلة على ما عرف، وإنما تضمن وتتقوم بالتملك؛ لأنها تصير متقومة ضرورة الملك إبانة لخطر المحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل امرأتين قامتا مقام رجل واحد. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في نقصان عقلهن: «عدلت شهادة كل اثنتين منهن بشهادة رجل واحد» ش: أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا معشر النساء..... " الحديث، وفيه " أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل بشهادة رجل
.» الحديث " م: (فصار) ش: يعني إذا كانت امرأتان كرجل صار م: (كما إذا شهد بذلك ستة رجال ثم رجعوا، وإن رجع النسوة العشرة دون الرجل كان عليهن نصف الحق على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول صاحبيه - رحمهما الله - م: (لما قلنا) ش: إن المعتبر هو بقاء من بقي، فالرجل يبقى ببقائه نصف الحق.

[شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا]
م: (ولو شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا فالضمان عليهما) ش: أي على الرجلين م: (دون المرأة؛ لأن الواحدة ليست بشاهدة، بل هي بعض الشاهد فلا يضاف إليه) ش: أي إلى بعض الشاهد م: (الحكم) ش: لأن القضاء يضاف إلى شهادة رجلين دون المرأة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما) ش: أي على الشاهدين م: (وكذلك إذا شهدا بأقل من مهر مثلها؛ لأن منافع البضع غير متقومة) ش: فلا تكون مضمونة م: (عند الإتلاف؛ لأن التضمين يستدعي المماثلة) ش: أي لا ضمان عليهما، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضمنان لها ما زاد على ما شهدا إلى تمام مهر المثل م: (على ما عرف) ش: يعني بالنصف وهو قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية 194) . ولا مماثلة بين العين والمنفعة التي هي العوض، أعني منفعة البضع، فلا يجب الضمان كما في إتلاف سائر منافع المغصوب، حيث لا يجب الضمان عندنا خلافا للشافعي.
م: (وإنما تضمن) ش: جواب عما يقال لو لم يكن المنافع متقومة لكانت بالتملك بذلك فأجاب بقوله: إنما تضمن أي المنافع م: (وتتقوم بالتملك لأنها) ش: أي لأن المنافع م: (تصير

(9/206)


وكذلك إذا شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها؛ لأنه إتلاف بعوض لما أن البضع متقوم حال الدخول في الملك والإتلاف بعوض كلا إتلاف، وهذا لأن مبنى الضمان على المماثلة، ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وبينه بغير عوض. وإن شهدا بأكثر من مهر المثل، ثم رجعا ضمنا الزيادة؛ لأنهما أتلفاها من غير عوض. قال: وإن شهدا ببيع شيء بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا؛ لأنه ليس بإتلاف معنى نظرا إلى العوض. وإن كان بأقل من القيمة ضمنا النقصان؛ لأنهما أتلفا هذا الجزء بلا عوض، ولا فرق بين أن يكون البيع باتا أو فيه خيار البائع. لأن السبب هو البيع السابق، فيضاف الحكم عند سقوط الخيار إليه، فيضاف التلف إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
متقومة ضرورة الملك إبانة) ش: أي إظهارا م: (لخطر المحل) ش: حتى يكون مصونا عن الابتذال م: (وكذلك) ش: أي لا ضمان م: (إذا شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها؛ لأنه إتلاف بعوض لما أن البضع متقوم حال الدخول في الملك والإتلاف بعوض كلا إتلاف) ش: كما لو شهد بشراء شيء بمثل قيمته ثم رجعا لا يضمنان م: (وهذا لأن مبنى الضمان على المماثلة) ش: معناه لعدم المماثلة بينهما وهو معنى قوله: م: (ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وبينه بغير عوض، وإن شهدا بأكثر من مهر ثم رجعا ضمنا الزيادة؛ لأنهما أتلفها) ش: أي الزيادة م: (من غير عوض) ش: وهو يوجب الضمان.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهدا ببيع شيء بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان المدعي هو المشتري، ولو كان المدعي هو البائع بأن ادعى رجل أنه باع عبده منه بألف درهم والمشتري ينكر، وقيمة العبد خمسمائة وشهدا بذلك ثم رجعا يضمنان خمسمائة، ولو كان المشتري يدعي المبيع بخمسمائة والعبد يساوي ألف درهم فشهد المشتري ثم رجعا يضمنان للبائع خمسمائة ذكره في " شرح الطحاوي " م: (لأنه ليس بإتلاف معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (نظرا إلى العوض) ش: لأنهما لما أخرجا البيع من ملكه فقد أدخلا في ملكه بإزائه مثله، م: (وإن كان أقل من القيمة ضمنا النقصان) ش: أي للبائع إن كان المدعي هو المشتري م: (لأنهما أتلفا هذا الجزء بلا عوض) ش: أي الجزء الذي هو في مقابله الألف من قيمته بلا عوض.
م: (ولا فرق بين أن يكون البيع باتا أو فيه خيار البائع؛ لأن السبب هو البيع السابق) ش: أي لأن السبب المزيل للملك هو العقد السابق على مضي المدة أو على سقوط بمضي المدة م: (فيضاف الحكم) ش: وهو زوال الملك م: (عند سقوط الخيار إليه) ش: أي إلى ذلك السبب، وقد حصل سبب الزوال بشهادة الشهود م: (فيضاف التلف إليهم) ش: يجب عليهم ضمان النقصان.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره جواب سؤال بأن يقال: ينبغي أن لا يجب الضمان على الشاهدين إذا شهدا بالبيع بشرط الخيار؛ لأنهما لم تبلغا شيئا على البائع؛ لأنهما أثبتا

(9/207)


وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها، ثم رجعا ضمنا نصف المهر؛ لأنهما أكدا ضمانا على شرف السقوط، ألا ترى أنها لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر أصلا، ولأن الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البيع بشرط الخيار، والبائع لم يزل ملكه عن البيع بعد، وإنما يزول إذا مضت المدة وهو ساكت، فإذا سكت عن الرد كان راضيا بزوال ملكه، فكيف يجب الضمان على الشهود حينئذ؟، فقال: لأن السبب هو السابق...... إلى آخره.

[شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها ثم رجعا]
م: (وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها، ثم رجعا ضمنا نصف المهر) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الربيع عنه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية المزني عنه: يضمن مهر المثل؛ لأن البضع عنده متقوم دخولا وخروجا.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أشهب عنه: لا ضمان على الشهود م: (لأنهما) ش: أي لأن الشاهدين م: (أكدا ضمانا على شرف السقوط) ش: بارتدادها وتقبيلها ابن زوجها وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن المرأة م: (لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر أصلا) ش: أي لأنه حينئذ يسقط عنه جميع المهر، والتأكيد شبهة بالإيجاب، ولهذا إذا أكره الرجل على طلاق امرأته قبل الدخول بها، كان له أن يرجع بنصف المهر على الذي أكرهه.
م: (ولأن الفرقة قبل الدخول) ش: أي قبل دخول الزوج عليها م: (في معنى الفسخ) ش: يعود المبدل وهو البضع إليها كما كان، فصار بمنزلة الفسخ قبل قبض المبيع، وإنما قال في معنى الفسخ ولم يقل هو فسخ؛ لأن النكاح بعد اللزوم لا يقبل الفسخ، لكن لما عاد المبدل إليها قبل الدخول كما كان صار بمنزلة الفسخ، فيكون وجوب نصف المهر ابتداء بشهادتهما.
وإنما قال: النكاح بعد اللزوم لا تقبل الفسخ، فيكون وجوب نصف المهر بشهادتهما، وإنما قال النكاح بعد اللزوم لا تقبل الفسخ؛ لأنه قبل اللزوم يقبله، كما لو نكح الصغيرة أخره، فلها خيار الفسخ بعد البلوغ لما أن النكاح لم يقع لازما، وإنما قيد قبل الدخول؛ لأنه لو طلقها بعد الدخول لم يجب شيء عليهما بالرجوع عندنا ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب مهر المثل عليهما والمسألة مشهورة، وفي " الكافي ": لو شهدا بالطلاق قبل الدخول ثم رجعا بعد موته عزما لورثته نصف المهر، ولم ترث لأنا حكمنا بالبينونة قبل الموت في حال الحياة، ولو شهدا بعد موت الزوج أنه طلقها قبل الدخول في حياته، ثم رجعا لم يضمنا للورثة؛ لأن الشهادة وقعت لهم وضمنا للمرأة نصف المهر والميراث، وبه قال

(9/208)


فيوجب سقوط جميع المهر كما مر في النكاح، ثم يجب نصف المهر ابتداء بطريقة المتعة، فكان واجبا بشهادتهما.
قال: وإن شهدا على أنه أعتق عبده ثم رجعا، ضمنا قيمته لأنهما أتلفا مالية العبد عليه من غير عوض والولاء للمعتق؛ لأن العتق لا يتحول إليهما بهذا الضمان، فلا يتحول الولاء إليهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (فيوجب) ش: أي الفرقة م: (سقوط جميع المهر كما مر في النكاح) ش: أي في باب المهر عند قوله: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة، وهي التي طلقها قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا.
وفي " التحفة ": ولو شهدا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا، وقد دخل بها وقضى القاضي ثم رجعا يضمنان الأمان أو على مهر المثل؛ لأن بقدر المهر إتلاف بعوض وهو استيفاء منافع البضع؛ لأن قبل الدخول إن كان المهر مسمى ضمنا النصف وإن لم يكن مسمى يضمنان المتعة؛ لأن ذلك تلف بشهادتهما، ولم يحصل له بمقابلته عوض.
م: (ثم يجب نصف المهر ابتداء بطريقة المتعة) ش: ولهذا لا يجمع بينهما وبين مهر المثل. حاصل الكلام: أن نصف المهر إنما يجب في الطلاق قبل الدخول ابتداء على طريق المتعة، وقد ألزمه الشاهدان على الزوج ولم يكن واجب عليه م: (فكان واجبا بشهادتهما) ش: فوجب الضمان عليهما كما إذا شهدا بمال فقضى به ثم رجعا.

[شهدا على أنه أعتق عبده ثم رجعا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهدا على أنه أعتق عبده، ثم رجعا ضمنا قيمته) ش: أي قيمة العبد، ولا خلاف فيه موسرين كانا أو معسرين م: (لأنهما أتلفا مالية العبد عليه) ش: أي على مولى العبد م: (من غير عوض والولاء للمعتق؛ لأن العتق لا يتحول إليهما) ش: أي إلى الشاهدين م: (بهذا الضمان) ش: لأنه مما لا يحتمل الفسخ، فإذا كان كذلك م: (فلا يتحول الولاء إليهما) ش: لأن الولاء لمن أعتق، فإن قيل ينبغي أن لا يكون الولاء للمولى لأنه ينكر العتق، قلنا صار مكذبا شرعا بالقضاء؛ لأن القاضي لما قضى عليه بالعتق تبعه بالولاء.
وفي " المبسوط ": لو شهدا أنه دبره فقضى بذلك ثم رجعا ضمنا ما نقضه التدبير؛ لأن ملك المالية للموصي ينتقض بالتدبير فيضمنان النقصان؛ ولو شهدا بالكتابة فقضى بذلك، ثم رجعا ضمنا قيمة العبد، ويتبعان المكاتب ببدل الكتاب على نحوهما؛ لأنهما قاما مقام المولى في ذلك حتى ضمنا قيمته، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهكذا قال في المدبر.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في المكاتب يرجع بالنقصان ولا يعتق المكاتب حتى يؤدي ما عليه إليهما، فإذا أداه إليهما، فالولاء للذي كاتبه، ولو عجز ورد إلى الرق كان لمولاه؛ لأن رقبته لم

(9/209)


وإن شهدوا بقصاص، ثم رجعوا بعد القتل ضمنوا الدية، ولا يقتص منهم. وقال الشافعي: يقتص منهم لوجود القتل منهم تسبيبا، فأشبه المكره بل أولى؛ لأن الولي يعان والمكره يمنع. ولنا: أن القتل مباشرة لم يوجد، وكذا تسبيبا؛ لأن التسبيب ما يفضي إليه غالبا. وهاهنا لا يفضي؛ لأن العفو مندوب بخلاف المكره؛ لأنه يؤثر حياته ظاهرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعد مملوكة لهما، ولو شهدا بإقرار المولى أن أمته أم ولده والمولى ينكر فقضى بذلك ثم رجعا، فإن لم يكن معها ولد ضمنا نقصان قيمتها، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ضمنا قيمتها للمولى.

[شهدوا بقصاص ثم رجعوا بعد القتل]
م: (وإن شهدوا بقصاص ثم رجعوا بعد القتل ضمنا الدية) ش: وبه قال ابن القاسم المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يقتص منهم) ش: أي من الشاهدين م: (وقال الشافعي: يقتص منهم) ش: وبه قال أحمد وأشهب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لوجود القتل منهم تسبيبا) ش: أي من حيث السببية م: (فأشبه المكره) ش: بكسر الراء، أي فأشبه المسبب ها هنا وهو الشاهد المكره.
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الشاهد المكره إن كان اسم فاعل أو أشبه القاضي المكره؛ لأنه كالملجأ بشهادتهما حتى لو لم ير الوجوب كفر إن كان اسم مفعول، وقيل: أشبه الولي المكره وهو ليس بشيء؛ لأنه ليس بملجأ إلى القتل م: (بل أولى) ش: أي التشبيه ها هنا أولى من الإكراه؛ لأن التشبيه موجب من حيث الإفضاء، ولا إفضاء ها هنا أكثر م: (لأن الولي يعان) ش: على الاستيفاء م: (والمكره) ش: بفتح الراء م: (يمنع) ش: لأن الشاهد بمنزلة المكره بكسر الراء، والولي بمنزلة المكره بفتح الراء.
م: (ولنا أن القتل مباشرة) ش: أي من حيث المباشرة م: (لم يوجد، وكذا) ش: أي وكذا لم يوجد م: (تسبيبا) ش: أي من حيث السببية، وكل واحد من قوله مباشرة وتسبيبا نصب على التمييز لما قدرنا.
م: (لأن التسبيب ما يفضي إليه غالبا، وها هنا لا يفضي) ش: فيما نحن فيه م: (لأن العفو مندوب) ش: من الولي. قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] (البقرة الآية: 237) . م: (بخلاف المكره) ش: بفتح الراء م: (لأنه يؤثر حياته ظاهرا) ش: والإكراه يفضي إلى القتل غالبا.
وفي " الكافي ": وقوله في " الهداية " ولنا أن القتل مباشرة لم يوجد، إلى قوله: لأنه يؤثر حياته ظاهرا، مشكل لأن الأمر على القلب والظاهر، أن الولي يقدم على القتل لكونه مباحا، وبه يدرك تارة، والظاهر أن المكره لا يقتل لأنه لا يباح له قتله، ويحتمل أن يرتدع المكره عنه أو يلحقه الفوت، أجيب عنه بأنه إنما قال الشيخ ظاهرا بالنظر إلى حال المسلم المتدين؛ لأنه لا يلحقه بعفوه ضرر بنفسه وماله، ويحصل له للأجر الكثير، فأما المكره يختار حياته بأدنى رخصة في الشرع، وترجحه على حياة غيره، واحتمال الفوت نادر، وعلى تقدير لحوق الفوت لم يبق

(9/210)


ولأن الفعل الاختياري مما يقطع النسبة، ثم لا أقل من الشبهة وهي دارئة للقصاص، بخلاف المال؛ لأنه يثبت مع الشبهات والباقي يعرف المختلف.

قال: وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإكراه وكلامنا في الإكراه.
م: (ولأن الفعل الاختياري) ش: هذا جواب عما يقال ظهور إيثار حياته، إما أن يكون شرعا أو طبعا، فالأول ممنوع لأن المسلم مندوب إلى الصبر على القتل، فصار كالعفو عن القصاص، والثاني مسلم ولكنه معارض بطبع ولي المقتول، فإنه يؤثر السعي في القصاص ظاهرا، فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بطريق التبدل فقال: ولأن الفعل الاختياري - يعني سلمنا أن ثمة سبب ولكن الفعل الاختياري م: (مما يقطع النسبة) ش: أي نسبة ذلك العقل إلى غيره، والفعل ها هنا وهو القتل وجد من المولى باختياره الصحيح، فيقطع نسبته إلى الشهود، سلمنا أنه لا يقطع نسبته إلى الشهود، ولكن من شبهة هو معنى قوله:
م: (ثم لا أقل من شبهة) ش: أي لا أقل أن يورث شبهته، أي شبهة قطع النسبة م: (وهي دارئة للقصاص) ش: أي مانعة من القصاص.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأن الفعل الاختياري..... إلى آخره، وهو قتل الولي يعني بعد الشهادة وحكم القاضي، وجد فعل الولي وهو ذلك مختار، فيقطع النسبة عن الشهود، كما إذا اشتكى إنسان كلبا على آخر فخرق ثوب المشتكى عليه لا يضمن المشتكى شيئا؛ لأن الخوف فعل اختياري من الكلب فيقطع النسبة عن المشتكى، وكمن فتح باب القفص حتى طار الطير، بخلاف المكره، فإنه وإن كان مختارا لكنه فاسد الاختيار، فصار كالآلة، بخلاف شق الذق بعدم إمكان الإضافة إلى المائع لعدم الاختيار.
م: (بخلاف المال) ش: أي الدية م: (لأنه) ش: أي لأن المال م: (يثبت مع الشبهات) ش: فلا يلزم من سقوط ما يسقط بالشبهات سقوط ما يثبت بها. فإن رجع أحدهما فعليه نصف الدية، فإن رجع الولي معهما، أو جاء المشهود بقتله حيا فلولي المقتول الخيار بين تضمين الشاهدين، أو تضمين القاتل لأن القاتل متلف حقيقة، والشاهدين حكما، فإن ضمن الولي لم يرجع على الشاهدين بشيء.
وإن ضمن الشاهدين لم يرجعا على الولي في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما م: (والباقي يعرف في المختلف) ش: أي في مختلف الرواية تصنيف الفقيه أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا مصنف علاء الدين العالم.

[رجوع شهود الفرع عن شهادتهم في مجلس القاضي بعد القضاء بشهادتهم]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا) ش: يعني إذا

(9/211)


لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم، فكان التلف مضافا إليهم. ولو رجع شهود الأصل وقالوا: لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم؛ لأنهم أنكروا السبب وهو الإشهاد. فلا يبطل القضاء لأنه خبر محتمل، فصار كرجوع الشاهد بخلاف ما قبل القضاء. وإن قالوا: أشهدناهم وغلطنا ضمنوا، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: لا ضمان عليهم؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع؛ لأن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة وهي شهادتهم، وله: أن الفروع نقلوا شهادة الأصول، فصار كأنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجعوا عن شهادتهم في مجلس القاضي بعد القضاء بشهادتهم ضمنوا المشهود به م: (لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم، فكان التلف مضافا إليهم) ش: فوجب عليهم الضمان.
م: (ولو رجع شهود الأصل وقالوا لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم لأنهم أنكروا السبب وهو الإشهاد) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: يضمنون كالمرتهن، م: (فلا يبطل القضاء لأنه خبر محتمل) ش: للصدق والكذب، فلا يبطل القضاء بالاحتمال.
م: (فصار كرجوع الشاهد) ش: أي شاهد الأصل، كما لو شهد بنفسه وقضى القاضي بشهادته، ثم رجع لا يبطل القضاء بالرجوع، فكذا لا يبطل بإنكار الإشهاد م: (بخلاف ما قبل القضاء) ش: يعني إذا أنكر شهود الأصل الإشهاد قبل القضاء بشهادة الفروع لا يقضي القاضي بشهادة الفروع بعد ذلك، كما إذا رجع الشهود قبل القضاء حيث لا يحكم القاضي بذلك.
م: وإن قالوا:) ش: أي الأصول م: أشهدنا وغلطنا ضمنوا) ش: أي الأصول م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا ضمان عليهم، لأن القضاء وقع بشهادة الفروع؛ لأن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة وهي) ش: أي الحجة م: (شهادتهم) ش: فالمسألة ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر الخلاف، وذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومثل ما ذكره ذكر " شرح الطحاوي " وعامة " شروح الجامع الكبير " و " الشامل ".
وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح أدب القاضي ": وروى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أصحابنا أنه لا شيء عليهم. وروى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء ": أن عليهم ضمان ذلك عاما في ظاهر الرواية، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا يضمنون، وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمنون كما روى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء ".
م: (وله: أن) ش: أي ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الفروع نقلوا شهادة الأصول، فصار كأنهم

(9/212)


حضروا، ولو رجع الأصول والفروع جميعا يجب الضمان عندهما على الفروع لا غير؛ لأن القضاء وقع بشهادتهم. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع من الوجه الذي ذكرا، وبشهادة الأصول من الوجه الذي ذكر، فيتخير بينهما. والجهتان متغايرتان، فلا يجمع بينهما في التضمين.
وإن قال شهود الفرع: كذب شهود الأصل أو غلطوا في شهادتهم لم يلتفت إلى ذلك؛ لأن ما أمضى من القضاء لا ينتقض بقولهم، ولا يجب الضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حضروا) ش: وشهدوا ثم حضروا ورجعوا م: (ولو رجع الأصول والفروع جميعا) ش: أي فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (يجب الضمان عندهما على الفروع لا غير؛ لأن القضاء وقع بشهادتهم) ش: وهذا لأن سبب الإتلاف الشهادة القائمة في مجلس القاضي، وإذا وجد من الفروع فيجب عليهم الضمان عند الرجوع.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع من الوجه الذي ذكرا) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: وهو أن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة، وهي شهادتهم م: (وبشهادة الأصول) ش: أي القضاء وقع بشهادة الأصول م: (من الوجه الذي ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قوله - إن الفروع نقلوا شهادة الأصول - م: (فيتخير بينهما) ش: أي يتخير الشهود عليه في التضمين بينهما، أي بين الوجهين إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع على مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (والجهتان متغايرتان) ش: هذا جواب عما يقال لم لا يجمع بين الجهتين حتى يضمن كل فريق نصف التلف، وتقريره أن الجهتين متغايرتان؛ لأن شهادة الأصول كانت على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الأصول ولا مجانسة بينهما م: (فلا يجمع بينهما) ش: أي بين الأصول والفروع م: (في التضمين) ش: بأن يقال: يضمن الفريقان حق المدعي عليه أيضا قابل له الخيار وفي تضمين أي الفريقين شاء.

[قال شهود الفرع كذب شهود الأصل وغلطوا في شهادتهم]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن قال شهود الفرع: كذب شهود الأصل وغلطوا في شهادتهم لم يلتفت إلى ذلك) ش: أي إلى قولهم، وهذا القول بعد القضاء بشهادتهما، ولم يكن مهما ضمان ذلك؛ لأنهما يقران على غيرهما بأنهما كذبا، فلا يقبل قولهما فيه م: (لأن ما أمضى من القضاء لا ينتقض بقولهم، ولا يجب الضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم، إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع) ش: وذلك لا يفيد شيئا.

(9/213)


قال: وإن رجع المزكون عن التزكية ضمنوا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمنون لأنهم أثنوا على الشهود خيرا، فصاروا كشهود الإحصان. وله أن التزكية إعمال للشهادة، إذ القاضي لا يعمل بها إلا بالتزكية، فصارت بمعنى علة العلة. بخلاف شهود الإحصان؛ لأنه شرط محض.
قال: وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان بوجود الشرط ثم رجعوا، فالضمان على شهود اليمين خاصة؛ لأنه هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن رجع المزكون عن التزكية ضمنوا) ش: لم يذكر القدوري فيه الخلاف، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقالا: لا يضمنون؛ لأنهم أثنوا على الشهود خيرا) ش: ولم يشهدوا بحق م: (فصاروا كشهود الإحصان) ش: إذا شهدوا بإحصان المشهود عليه، فإذا رجعوا بعد ذلك لا يضمنون. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التزكية إعمال للشهادة) ش: أي هي التي تميز الشهادة ويعمل بها م: (إذ القاضي لا يعمل بها) ش: أي بالشهادة م: (إلا بتزكية فصارت) ش: أي التزكية. م: (في معنى علة العلة) ش: والحكم يضاف إلى علة العلة كما يضاف إلى العلة، وإنما قال في معنى علة العلة؛ لأن الشهادة ليست بعلة، وإنما هي سبب أضيف الحكم إليه لتعذر الإضافة إلى العلة.
م: (بخلاف شهود الإحصان لأنه شرط محض) ش: لأن الشهادة على الزنا بدون الإحصان موجبة للعقوبة، وشهود الإحصان ما جعلوا غير الموجب موجبا، والحاصل أن الإحصان ليس فيه معنى العلة؛ لأن الإحصان علامة معرفة لحكم الزنا الصادر بعد الإحصان، فلا يتوقف بثبوت الزنا على ثبوت الإحصان، ويتوقف الحكم بشهود الزنا على التزكية فظهر الفرق، ولو رجع شهود الإحصان لم يضمنوا عندنا، وعند الشافعي في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: سواء رجعوا مع الشهود أو وحدهم، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي في قول، ومالك في رواية، وأحمد في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان) ش: أي وشهد شاهدان آخران م: (بوجود الشرط) ش: بيانه إذا شهد شاهدان على رجل أنه قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر وشهد آخران أنه دخل الدار، وقضى القاضي بعتقه.
م: (ثم رجعوا فالضمان) ش: أي ضمان قيمة العبد أو ضمان العبد م: (على شهود اليمين خاصة) ش: لفظ خاصة احتراز عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن الضمان عنده على الجميع م: (لأنه) ش: أي لأن اليمين م: (هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض) ش: لأن السبب إذا صلح لإضافة الحكم إليه لا يضاف إلى الشرط كحافر البئر مع الملقي، فإن الضمان

(9/214)


ألا ترى أن القاضي يقضي بشهادة اليمين دون شهود الشرط، ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ فيه. ومعنى المسألة يمين العتاق والطلاق قبل الدخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عليه دون الحافر، ثم أوضح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك بقوله.
م: (ألا ترى أن القاضي يقضي بشهادة شهود اليمين دون شهود الشرط) ش: يعني أن القاضي يسمع الشهادة باليمين ويحكم بها، وإن لم يشهد بالدخول، وإن لم يتعلق بشهادتهم حق صاروا كشهود الإحصان، فلا يلزمهم الضمان كذا في " شرح الأقطع ".
م: (ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه) ش: وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلى عدم وجوب الضمان على شهود الشرط. وفي " المبسوط ": ظن بعض مشايخنا أن شهود الشرط يضمنون بالرجوع فيما إذا كان اليمين ثابتا بإقرار الولي، وقالوا: لأن العلة لا تصلح لإضافة الحكم إليها؛ لأنها ليست تنفذ، فيكون الحكم مضافا إلى الشرط، إذ الشرط يخلف العلة، وهو غلط، بل الصحيح من المذهب: أن شهود الشرط لا يضمنون، نص عليه في الزيادات؛ لأن قوله أنت حر مباشرة للإتلاف عند وجود المباشرة يضاف الحكم إليه لا إلى الشرط، سواء كان الشرط بطريق التعدي أو لا.
م: (ومعنى المسألة) ش: يريد به صورة المسألة م: (يمين العتق والطلاق قبل الدخول) ش: يعني شهد رجلان على أنه على عتق عبده أو طلاق امرأته بدخول الدار، وشهد آخران أنه وجد الشرط، فقضى القاضي بوقوع العتق والطلاق، ثم رجعوا جميعا، فالضمان على شهود اليمين دون الشرط لما قلنا، وإنما قيد بقوله قبل الدخول؛ لأن رجوع الشهود بالطلاق عن الشهادة إذا كان بعد دخول الزوج لا يضمنون شيئا، والله أعلم.

(9/215)