البناية شرح الهداية

باب الوكالة بالبيع والشراء فصل في الشراء
قال ومن وكل رجلا بشراء شيء، فلا بد من تسمية جنسه وصفته أو جنسه ومبلغ ثمنه ليصير الفعل الموكل به معلوما، فيمكنها الائتمار، إلا أن يوكله وكالة عامة، فيقول ابتع لي ما رأيت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الوكالة بالبيع والشراء]
[فصل في الشراء]
[وكل رجلاً بشراء شيء هل يلزم تسمية الجنس والصفة]
م: (باب الوكالة بالبيع والشراء) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوكالة بالبيع والشراء. قدم هذا الباب على سائر الأبواب لكثرة وقوع البيع والشراء ومساس الحاجة إليه في ذلك.
م: (فصل في الشراء)
ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشراء، وقدم هذا الفصل على الفصول التي تأتي بعده لأن الشراء مثبت لما هو الأصل في فقد البيع وهو البيع، والبيع مزيل له والثبوت قبل الزوال فكان الشراء أولى بالتقدم.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن وكل رجلاً بشراء شيء) ش: أي غير معين لأن في المعين لا يحتاج إلى تسمية الجنس والصفة، م: (فلا بد من تسمية جنسه) ش: كالعبد والجارية، إذ العبد جنس بلسان الشرع، وكذا الجارية باعتبار اختلاف الأحكام وأراد بالجنس النوع لا مصطلح أهل النطق، فإن الجنس عندهم هو المقبول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو كالحيوان، والنوع هو المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو، كالإنسان مثلاً.
والصنف هو النوع المقيد بقيد عرض كالتركي والهندي، والمراد هنا بالجنس: ما يشمل أصنافاً على اصطلاح أولئك وبالنوع الصنف م: (وصفته) ش: أي نوعه كالتركي والهندي ولا خلاف فيه للفقهاء م: (أو جنسه ومبلغ ثمنه) ش: أي أو تسمية جنسه مقدار ثمنه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال في وجه: لا يصح حتى يذكر نوعه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرط أن يكون معلوماً في الجملة، قيل: هو الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استحساناً، والقياس عدم الجواز، وجه الاستحسان: حديث عروة البارقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقد مر لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الجنس وقدر الثمن وسكت عن الصفة. م: (ليصير الفعل الموكل به معلوماً فيمكنها الائتمار) ش: أي فيمكن الوكيل الامتثال لأمر الموكل م: (إلا أن يوكله) ش: هذا استثناء من قوله " فلا بد من تسمية جنسه " يعني إذا وكله م: (وكالة عامة فيقول ابتع لي ما رأيت) ش:

(9/235)


لأنه فوض الأمر إلى رأيه، فأي شيء يشتريه يكون ممتثلا.

والأصل فيه أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحسانا؛ لأن مبنى التوكيل على التوسعة؛ لأنه استعانة وفي اعتبار هذا الشرط بعض الحرج وهو مدفوع. ثم إن كان اللفظ يجمع أجناسا أو ما هو في معنى الأجناس لا يصح التوكيل وإن بين الثمن؛ لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس، فلا يدري مراد الأمر لتفاحش الجهالة، وإن كان جنسا يجمع أنواعا لا يصح إلا ببيان الثمن أو النوع؛ لأنه بتقدير الثمن يصير النوع معلوما، وبذكر النوع تقل الجهالة، فلا يمنع الامتثال. مثاله: إذا وكله بشراء عبد أو جارية لا يصح؛ لأنه يشمل أنواعا، فإن بين النوع التركي والحبشي أو الهندي أو السندي أو المولد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يحتاج إلى ذكر الجنس وغيره م: (لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (فوض الأمر إلى رأيه) ش: أي إلى رأي الوكيل م: (فأي شيء يشتريه يكون متمثلاً) ش: لأمر الموكل، وفيه خلاف لأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: لا تصح هذه الوكالة العامة.

[الجهالة اليسيرة في الوكالة بالبيع والشراء]
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب: م: (أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحسانا) ش: الجهالة اليسيرة جهالة النوع كالتوكيل بشراء الحمار والفرس والبغل والثوب الهروي والمروي، فإنها لا تمنع صحة الوكالة وإن لم يبين بالثمن.
وقال بشر المريسي: لا تصح الوكالة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد في رواية؛ لأن التوكيل بالبيع والشراء يعتبر بنفس البيع والشراء، فلا تصح إلا ببيان وصف المعقود عليه، قلنا: تصح هذه الوكالة م: (لأن مبنى التوكيل على التوسعة لأنه استعانة وفي اعتبار هذا الشرط) ش: يعني اشتراط بيان الوصف م: (بعض الحرج وهو مدفوع) ش: شرعاً.
م: (ثم إن كان اللفظ) ش: أي اللفظ الذي يذكره الموكل م: (يجمع أجناساً) ش: كالدابة والثوب م: (أو ما هو في معنى الأجناس) ش: كالدار والرقيق م: (لا يصح التوكيل وإن بين الثمن؛ لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس، فلا يدري مراد الأمر لتفاحش الجهالة) ش: والوكيل لا يقدر على الامتثال. وفي " الكافي ": الجهالة ثلاثة أنواع، فاحشة ويسيرة ومتوسطة. وقد ذكر المصنف اليسيرة والفاحشة، ويذكر عن قريب المتوسطة.
م: (وإن كان) ش: أي اللفظ م: (جنساً يجمع أنواعاً) ش: كالعبد والأمة والدار م: (لا يصح إلا ببيان الثمن أو النوع لأنه بتقدير الثمن يصير النوع معلوماً، وبذكر النوع تقل الجهالة فلا يمنع الامتثال) ش: أي امتثال أمر الآمر م: (مثاله إذا وكله) ش: أي مثال هذا النوع: إذا وكل رجل رجلاً م: (بشراء عبد أو جارية لا يصح؛ لأنه) ش: أي لأن لفظ عبد أو لفظ جارية م: (يشمل أنواعاً فإذا بين النوع كالتركي أو الحبشي أو الهندي أو السندي أو المولد) ش: في المغرب المولد الذي ولد في دار السلام،

(9/236)


جاز، وكذا إذا بين الثمن لما ذكرناه. ولو بين النوع أو الثمن ولم يبين الصفة الجودة والرداءة والسطة جاز؛ لأنه جهالة مستدركة. ومراده من الصفة المذكورة في الكتاب النوع.
وفي " الجامع الصغير " ومن قال لآخر اشتر لي ثوبا أو دابة أو دارا، فالوكالة باطلة للجهالة الفاحشة، فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض. وفي العرف يطلق على الخيل والحمار والبغل فقد جمع أجناسا، وكذا الثوب لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء، ولهذا لا يصح تسميته مهرا، وكذا الدار تشمل ما هو في معنى الأجناس؛ لأنها تختلف اختلافا فاحشا باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال والبلدان، فيتعذر الامتثال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيل: العبد الذي تولد بين العرب ونشأ بين أولادهم، م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (وكذا) ش: أي وكذا جاز م: (إذا بين الثمن لما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: لأن تقدير الثمن يصير النوع معلوماً.
م: (ولو بين النوع أو الثمن ولم يبين الصفة الجودة والرداءة والسطة) ش: أي الوسط وأصله وسط حذفت الواو منه كما في عدة وغطة، وعوضت التاء في آخرها عن الواو، م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (لأنه جهالة مستدركة) ش: أي يسيرة م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الصفة المذكورة) ش: وهي قوله: وصفته م: (في الكتاب النوع) ش: أي في " مختصر القدوري " ومن الكلام فيه أول الفصل.

[قال لآخر اشتر لي دابة أو ثوبا أو دارا]
م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: وفائدة ذكر وضع " الجامع الصغير " بيان اشتمال لفظه على أجناس مختلفة، م: (ومن قال لآخر اشتر لي دابة أو ثوباً أو داراً، فالوكالة باطلة) ش: وإن عين الثمن حتى لو اشترى كان الشراء واقعاً على الوكيل، وبه صرح في " نسخ الجوامع " م: (للجهالة الفاحشة فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض، وفي العرف يطلق على الخيل والحمار والبغل، فقد جمع أجناساً وكذا الثوب لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء) ش: كأنه أراد به الأرفع من الثياب ومن الكساء دونها، ولكن لم يرد في اللغة ما أراده من هذا.
قال صاحب " الجمهرة ": أطلسته كدره في غيره والذئب أطلس وكذلك كل شيء يشبه وقال في " تهذيب ديوان الأدب ": الأطلس على لون الذئب، يقال ذئب أطلس، والأطلس الخلق من الثياب، ولبعض الفضلاء: أنس مشتق من الإنس، والأنس إن ثناه عن الإنس ثيابهم ملبس، ولكنها على ذباب منهم طلس.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الثوب الملبوس من الأطلس إلى الكساء م: (لا يصح تسميته مهراً) ش: للجهالة الفاحشة، م: (وكذا الدار) ش: أي لا يصح توكيله بشراء الدار مطلقاً لأنها م: (تشمل ما هو في معنى الأجناس؛ لأنها تختلف اختلافاً فاحشاً باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال) ش: جمع محلة م: (والبلدان) ش: جمع بلد وإذا كان الاختلاف فيها فاحشاً م: (فيتعذر الامتثال) ش: أي امتثال أمر الآمر بشراء الدار مطلقاً.

(9/237)


قال، وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار والثوب جاز معناه نوعه. وكذا إذا سمى نوع الدابة بأن قال حمارا أو نحوه.
قال: ومن دفع إلى آخر دراهم وقال اشتر لي بها طعاما فهو على الحنطة ودقيقها استحسانا. والقياس أن يكون على كل مطعوم اعتبارا للحقيقة كما في اليمين على الأكل إذ الطعام اسم لما يطعم، وجه الاستحسان: أن العرف أملك وهو على ما ذكرنا إذا ذكر مقرونا بالبيع والشراء، ولا عرف في الأكل، فبقي على الوضع. وقيل إن كثرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار) ش: بأن قال: في محلة كذا م: (والثوب) ش: أي وسمى عين الثوب م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (معناه) ش: أي معنى قوله في " الجامع الصغير " ووصف جنس الدار. م: (نوعه) ش: لأن تفاحشهم يرتفع بذكر الوصف والثمن، م: (وكذا إذا سمى نوع الدابة، بأن قال: حمار أو نحوه) ش: مثل بغل جاز، وإن لم يبين الثمن.
كذا في " المبسوط "؛ لأن الجنس صار معلوماً بالتسمية وإنما بقيت الجهالة بالوصف فتصح الوكالة بدون تسمية الثمن.
فإن قيل: الحمير أنواع، منها ما يركبه العظماء، ومنها ما لا يصلح إلا للحمل.
قلت: هذا اختلاف للوصف مع أن ذلك يصير معلوماً بمعرفة حال الموكل، حتى قالوا: إن القاضي أو الوالي لو أمر بشراء حمار يصرف إلى ما يركب مثله حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الأذنين لا يجوز، بخلاف ما لو أمر القاضي ليرى بذلك، كذا في المبسوط.

[دفع إلى آخر دراهم وقال اشتري لي حنطة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى آخر دراهم) ش: قيد بالدفع لأنه إذا لم تدفع الدراهم، وقال: اشتري لي حنطة أو شعيراً لم يجز؛ لأنه لم يبين المقدار، وجهالة المقدار في المكيلات كجهالة الجنس م: (وقال اشتر لي بها طعاماً فهو على الحنطة ودقيقها استحساناً، والقياس أن يكون على كل مطعوم اعتباراً للحقيقة) ش: لأن الطعام اسم للمطعوم م: (كما في اليمين على الأكل) ش: إذا حلف لا يأكل طعاماً، فأكل فاكهة يحنث م: (إذ الطعام اسم لما يطعم) ش: بحسب العرف على ما يجيء بيانه مشروحاً إن شاء الله تعالى.
م: (وجه الاستحسان: أن العرف أملك) ش: أي أقوى وأرجح بالاعتبار من القياس م: (وهو على ما ذكرنا) ش: أي العرف على ما ذكرناه من أنه واقع على الحنطة ودقيقها م: (إذا ذكر مقروناً بالبيع والشراء) ش: ولهذا يسمى عندهم السوق الذي يباع فيه الحنطة ودقيقها سوق الطعام، وإذا كان السوق هكذا ترك القياس به؛ لأن العرف أقوى من القياس؛ لأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص م: (ولا عرف في الأكل) ش: أي في اليمين بالأكل م: (فبقي على الوضع) ش: وهو أن الطعام اسم لما يطعم.
م: (وقيل) ش: هو قول الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه قال: م: (إن كثرت

(9/238)


الدراهم فعلى الحنطة، وإن قلت فعلى الخبز، وإن كان فيما بين ذلك فعلى الدقيق.
قال: وإذا اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب، فله أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده؛ لأنه من حقوق العقد وهي كلها إليه. فإن سلمه إلى الموكل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدراهم فعلى الحنطة) ش: أي الوكالة تقع على الحنطة. وقال تاج الشريعة: قوله هو على ما ذكرناه.
قالوا: هذا عرف أهل الكوفة، فإن سوق الحنطة ودقيقها عندهم يسمى سوق الطعام له هو في عرف غير أهل الكوفة ينصرف التوكيل إلى شراء كل مطعوم م: (وإن قلت: فعلى الخبز) ش: أي فتقع الوكالة على الخبز م: (وإن كان فيما بين ذلك) ش: أي بين القليل والكثير م: (فعلى الدقيق) ش: وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت الدراهم كثيرة بحيث يشتري الحنطة والدقيق والخبز، فاشترى بها الوكيل الخبز أو الدقيق لا يجوز على الموكل، وإن كانت وسطاً اشترى بها الحنطة أو الدقيق فاشترى بها الوكيل الحنطة أو الدقيق جاز، ولو اشترى بها الخبز لا يجوز، وإن كانت قليلة بحيث لا يشتري بمثلها في العرف إلا الخبز، فإنه يحوز إذا اشترى الخبز.
وفي " الفتاوى الصغرى ": ما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عرفهم.
أما في عرفنا: فالطعام ما يمكن أكله من غير دم كاللحم المطبوخ والمشوي ونحوه، فتصرف الوكالة إلى ذلك دون الحنطة والدقيق والخبز والفتوى على هذا.
وفي " القدوري " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان شهد وليمة فدفع إليه دراهم كثيرة، فهو على الخبز، وإذا وكله بشراء لحم بدرهم فاشترى المطبوخ أو المشوي منه لا يجوز على الأمر إلا إذا كان مسافراً نزل خاناً، ولحم الطير الوحشي يجوز عليه إن كان في بلد يباع في أسواقه منه فيشتري الناس. وشراء الشاة الحية أو المذبوحة لا يجوز عليه، وإن سمى فهي للآمر بعشرة دراهم إلا أن تكون مسلوخة، ولو أمره بشراء البيض فهو على بيض الدجاجة، بخلاف اليمين على أكل البيض حيث يقع على بيض الطير.
هذا كله من " الفتاوى الصغرى ".

[اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب، فله أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده لأنه) ش: أي فللوكيل أن يرده بالعيب م: (من حقوق العقد وهي كلها إليه) ش:، أي الحقوق كلها إلى الوكيل م: (فإن سلمه إلى الموكل) ش: أي وإن أسلم الوكيل

(9/239)


لم يرده إلا بإذنه؛ لأنه انتهى حكم الوكالة، ولأن فيه إبطال يده الحقيقية، فلا يتمكن منه إلا بإذنه، ولهذا كان خصما لمن يدعي في المشتري دعوى كالشفيع وغيره قبل التسليم إلى الموكل لا بعده.

قال: ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم؛ لأنه عقد يملكه بنفسه، فيملك التوكيل به دفعا للحاجة على ما مر، ومراده التوكيل بالإسلام دون قبول السلم؛ لأن ذلك لا يجوز، فإن الوكيل يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره، وهذا لا يجوز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المبيع إلى الموكل م: (لم يرده إلا بإذنه) ش: أي بإذن الموكل، م: (لأنه انتهى حكم الوكالة) ش: لأنه خرج من الوكالة وانقطع حقه م: (ولأن فيه) ش: أي في الرداء م: (إبطال يده الحقيقية) ش: أي يد الموكل.
م: (فلا يتمكن منه) ش: أي من الرد م: (إلا بإذن الموكل ولهذا) ش: أي ولأجل أن حقوق العقد كلها إلى الوكيل م: (كان) ش: أي الوكيل م: (خصماً لمن يدعي في المشتري دعوى كالشفيع وغيره قبل التسليم إلى الموكل لا بعده) ش: يعني كون الوكيل خصماً لمن يدعي إنما يكون قبل تسليم الوكيل المبيع إلى الموكل لا بعد التسليم؛ لأن الحقوق ترجع اليد قبل التسليم إلى الموكل.

[التوكيل بعقد الصرف والسلم]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم لأنه) ش: أي لأن عقد الصرف والسلم م: (عقد يملكه بنفسه، فيملك التوكيل به دفعاً للحاجة على ما مر) ش: في أول كتاب الوكالة ويرد عليه الاستقراض فإنه ملك الموكل ولا يملك التوكيل، وكذا يرد عليه مسألة الوكالة من جانب المسلم إليه، فإن المسلم إليه باشره بنفسه لقبول السلم يجوز. ولو وكل غيره لا يجوز.
وأجاب الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الثاني بقوله فجوابه: أن القياس أن لا يملكه المسلم لكونه بيع للمعدوم، إلا أنه جوز ذلك من المسلم إليه رخصة له دفعاً لحاجة المفاليس، وما ثبت بخلاف القياس يقتصر على مورد النص فلم يجز توكيله غيره أو نقول جاز بيع المعدوم ضرورة دفع حاجة المفاليس؛ والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة فلم يظهر أثره في التوكيل، ولم يرد نقصاً على الكلي الذي قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انتهى.
قلت: هذا ذكره غيره أيضاً.
م: (ومراده التوكيل بالإسلام) ش: يعني أن المراد منه: التوكيل بعقد السلم من جهة رب السلم م: (دون قبول السلم لأن ذلك لا يجوز) ش: وهذا لا يجوز وهو معنى قوله: فإن ذلك لا يجوز، م: (فإن الوكيل يبيع طعاماً في ذمته على أن يكون الثمن لغيره) ش: وهو الموكل م: (وهذا لا يجوز) ش: لأن من باع ملك نفسه من الأعيان على أن يكون الثمن لغيره لم يجز، فكذلك في الديون لا يجوز، نص على ذلك محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في باب: الوكالة في السلم، فإن بطل التوكيل بقي

(9/240)


فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد لوجود الافتراق من غير قبض. ولا يعتبر مفارقة الموكل لأنه ليس بعاقد، والمستحق بالعقد قبض العاقد وهو الوكيل، فيصح قبضه. وإن كان لا يتعلق به الحقوق كالصبي والعبد المحجور عليه، بخلاف الرسول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوكيل عاقداً لنفسه فملك رأس المال، فلما أسلمه إلى الموكل على وجه التمليك كان قرضاً عليه
فإن قيل: قد يجوز التوكيل بشيء يجب في ذمة الغير كما في الوكيل بالشراء فإن الوكيل هو المطالب بالثمن، والثمن يجب في ذمة الموكل، فينبغي أن يجوز فيما نحن فيه لجامع معنى الرسم، فإن السلم فيه دين في ذمة المسلم إليه، كالثمن؟ .
قلنا: المسلم فيه دين له حكم المبيع حتى لا يجوز الاستبدال به قبل القبض، وليس للثمن حكم المبيع فلا يلزم من الجواز هناك.
م: (فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره " أي فارق الوكيل بعقد الصرف والسلم صاحبه الذي عقد معه قبل القبض بطل العقد م: (لوجود الافتراق من غير قبض) ش: لأن القبض في المجلس شرط ولم يوجد م: (ولا يعتبر مفارقة الموكل) ش: قبل القبض م: (لأنه ليس بعاقد، والمستحق بالعقد قبض العاقد وهو الوكيل، فيصح قبضه) ش: أي قبض الوكيل بدل الصرف.
م: (وإن كان لا يتعلق به الحقوق) ش: كلمة " إن " للوصل، والضمير في كان يرجع إلى الوكيل والمعنى يصح قبض الوكيل، وإن كان مما لا يلزم العهدة م: (كالصبي والعبد المحجور عليه) ش: يعني كما إذا كان الوكيل صبياً أو عبداً محجوراً لأنه العاقد.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب سؤال يرد على أصل الوكالة، فإن الصبي والعبد المحجورين إذا توكلا يصح، ولا يرجع عليهما حقوق العقد من التسليم والتسلم، فكيف يتعلق ها هنا بهما التسليم؟ والتسليم في بدل الصرف وهما وكيلان فيه حتى بطل الصرف بمفارقتها قبل القبض، فأجاب عنه: أن قبضهما صحيح وإن كان لا يلزمهما الحقوق؛ لأن القبض في الصرف من تتمة صحة العقد فيصح ممن يوجد عند العقد. م: (بخلاف الرسول) ش: أن في باب الصرف وفي باب السلم.
وفي بعض النسخ: الرسولين أي الرسول في الصرف والرسول في السلم، وليس معناه الرسول من الجانبين في الصرف، والرسول من الجانبين في السلم، أي من جانب رب السلم ومن جانب المسلم إليه؛ لأنه كما لا تجوز الوكالة من جانب المسلم إليه فكذلك الرسول، ومعناه: أن الرسول إذا قبض لا يصح العقد بقبضه على ما يجيء، وقوله: " بخلاف الرسول " مرتبط بقوله: " فيصح قبضه "، أي يصح قبض الوكيل بخلاف قبض الرسول فإنه لا يصح، والمعتبر قبض

(9/241)


لأن الرسالة في العقد لا في القبض، وينتقل كلامه إلى المرسل فصار قبض الرسول قبض غير العاقد فلم يصح.
قال: وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله، وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل؛ لأنه انعقدت بينهما مبادلة حكمية، ولهذا إذا اختلفا في الثمن يتحالفان، ويرد الموكل بالعيب على الوكيل، وقد سلم المشتري للموكل من جهة الوكيل، فيرجع عليه، ولأن الحقوق لما كانت راجعة إليه وقد علمه الموكل، فيكون راضيا بدفعه من ماله، فإن هلك المبيع في يده قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن؛ لأن يده كيد الموكل، فإذا لم يحبس يصير الموكل قابضا بيده. وله أن يحبسه حتى يستوفي الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرسل م: (لأن الرسالة في العقد) ش: أي حصل فيه م: (لا في القبض. وينتقل كلامه إلى المرسل فصار قبض الرسول قبض غير العاقد فلم يصح) ش: أي قبض الرسول.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به) ش: أي بالثمن م: (على الموكل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (انعقدت بينهما) ش: أي بين الوكيل والموكل م: (مبادلة حكمية) ش: أي صار الوكيل كالبائع من المشتري، والدليل على المبادلة ما أشار إليه بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون معنى المبادلة فيه م: (إذا اختلفا) ش: أي الوكيل والموكل م: (في الثمن يتحالفان) ش: والتحالف من خواص المبادلة، م: (ويرد الموكل بالعيب على الوكيل) ش: هذا أيضاً من كون معنى المبادلة فيه، حيث يكون للموكل أن يرد المبيع على الوكيل بالشراء بالعيب م: (وقد سلم المشتري للموكل من جهة الوكيل فيرجع عليه) ش: أي يرجع الوكيل على الموكل، يعني لما كان الموكل كالمشتري من الوكيل وقد سلم له المشتري، أي: الذي اشترى له من جهة يرجع عليه، (ولأن الحقوق) دليل آخر (لما كانت إليه) أي إلى الوكيل م: (وقد علمه الموكل) ش:، أي والحال أن الموكل قد علم كون الحقوق راجعاً إليه، م: (فيكون) ش: أي الموكل م: (راضياً بدفعه) ش: أي بدفع الثمن م: (من ماله) ش: أي مال الوكيل. فإذا دفع الوكيل بسبب أمر الموكل زيادة بالشراء، كان الموكل راضياً أيضاً برجوع الوكيل بما أدى، ولم يسقط الثمن ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة.
م: فإن هلك المبيع في يده) ش: أي في يد الوكيل م: (قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن؛ لأن يده كيد الموكل، فإذا لم يحبس يصير الموكل قابضاً بيده) ش: أي حكماً والهلاك في يده كالهلاك في يد الموكل، فلا يبطل الرجوع، ويقال: لأن المبيع أمانة في يد الوكيل لأنه قبضه للموكل، فليس على الأمين شيء ما لم يحدث مساً، فلا يضمنه، كما إذا هلكت الوديعة في يد المودع، م: (وله) ش: أي للوكيل م: (أن يحبسه) ش: أي المبيع م: (حتى يستوفي الثمن) ش: سواء دفع الوكيل الثمن إلى البائع أو لم يدفع كذا في " المبسوط "، وقالت الأئمة الثلاثة ليس له حبسه.

(9/242)


لما بينا أنه بمنزلة البائع من الموكل. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك؛ لأن الموكل صار قابضا بيده فكأنه سلمه إليه فيسقط حق الحبس. قلنا: هذا مما لا يمكن التحرز عنه، فلا يكون راضيا بسقوط حقه في الحبس، على أن قبضه موقوف فيقع للموكل إن لم يحبسه ولنفسه عند حبسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له حق الحبس، فإذا حبسه صار غاصباً على ما يجيء الآن.
وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: إذا نقد الثمن له حبسه. وفي " الذخيرة ": لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شيء من الكتب: أن للوكيل حبس المبيع قبل نقد الثمن، وحكى عن الإمام الحلواني: أن له ذلك، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا كلام عجيب من صاحب " الذخيرة "، وكيف خفي عليه.
وقد صرح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " في باب الوكالة في الشراء، فقال: وإذا وكل الرجل رجلاً أن يشتري له عبداً بألف درهم بعينه فاشتراه الوكيل وقبضه، فطلب الآمر أخذ العبد من الوكيل وأبى الموكل أن يدفعه، فللوكيل أن يمنعه ذلك حتى يستوفي الثمن، في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان الوكيل نقد الثمن أو لم ينقد فهو سواء إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل، وفي " الفتاوى الصغرى " الوكيل بالشراء إذا اشترى بالنسبة فحل عليه الثمن بموته لا يحل على الآمر.
م: (لما بينا أنه بمنزلة البائع من الموكل) ش: كأنه أشار بهذا إلى قوله لأنه انعقدت بينهما مبادلة حكمية، والمبادلة هو البيع.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك) ش: أي حق الحبس، م: (لأن الموكل صار قابضاً بيده) ش: أي بيد الوكيل بدليل أن هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل، فكأنه قبضه حقيقة، م: (فكأنه سلمه إليه فيسقط حق الحبس) ش: ولو وقع في يد الموكل حقيقة لا يكون للوكيل حق الحبس، فكذا إذا وقع في يده حكماً.
م: (قلنا: هذا مما لا يمكن التحرز عنه) ش: يعني دخول البيع في يد الوكيل على وجه لا يكون ولاية الحبس، لا يمكن التحرز عنه، وما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو، فلا يسقط حقه في الحبس لأن سقوط حقه باعتبار رضاه بتسليمه، فلا يتحقق منه الرضا فيما لا طريق له إلى التحرز عنه؛ فإذا كان كذلك م: (فلا يكون راضياً بسقوط حقه في الحبس على أن قبضه موقوف) ش: يعني لا نسلم أنه صار قابضاً بيده بل قبضه موقوف.
فإذا كان موقوفاً: م: (فيقع للموكل إن لم يحبسه ولنفسه) ش: أي ويقع لنفسه أي لنفس الوكيل م: (عند حبسه) ش: حاصل الكلام: أن قبضه موقوف للتردد بين أن يكون تتميم مقصود الموكل وبين أن يكون لإحياء حق نفسه، فإذا حبسه تبين أنه قبضه لإحياء حق نفسه، فلم يكن الموكل

(9/243)


فإن حبسه فهلك كان مضمونا ضمان الرهن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمان البيع عند محمد وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمان الغصب عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه منع بغير حق. لهما أنه بمنزلة البائع منه، فكان حبسه لاستيفاء الثمن فيسقط بهلاكه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأنه مضمون بالحبس للاستيفاء بعد أن لم يكن وهو الرهن بعينه، بخلاف المبيع؛ لأن البيع ينفسخ بهلاكه، وهاهنا لا ينفسخ أصل العقد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قابضاً حكماً فلا يسقط حقه للضرورة.

[حبس الوكيل المبيع فهلك عنده]
م: (فإن حبسه) ش: أي فإن حبس الوكيل المبيع م: (فهلك كان مضموناً ضمان الرهن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حتى لو كان فيه وفاء بالثمن يسقط وإلا رجع بالفضل على الموكل م: (وضمان البيع عند محمد) ش: قلت قيمته أو كثرت، م: (وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وضمان الغصب عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه منع بغير حق) ش:، وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا كان الثمن خمسة عشر مثلاً وقيمة المبيع عشرة، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع الوكيل على الموكل بالفضل وهو الخمسة فتظهر فائدة ضمان الغصب، في عكس هذا وهو أن يكون قيمة المبيع خمسة عشر والثمن عشرة، يرجع الموكل على الوكيل بخمسة، فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع الموكل على الوكيل بمثله إن كان مثلياً، وبقيمته بالغة ما بلغت.
وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتفاوت الحال بين أن يكون الثمن كثيراً أو قليلاً؛ لأنه يسقط بهلاك المبيع، فلا يجب شيء أصلاً.
م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أنه) ش: أي أن الوكيل م: (بمنزلة البائع منه) ش: أي من الوكيل، م: (فكان حبسه لاستيفاء الثمن فيسقط) ش: أي الثمن م: (بهلاكه) ش: أي بهلاك المبيع.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه مضمون بالحبس للاستيفاء بعد أن لم يكن) ش: لأنه لم يكن مضموناً قبل الحبس وصار مضموناً بعد الحبس، م: (وهو الرهن بعينه) ش: يعني بمعنى الرهن لا بمعنى المبيع، فإن المبيع مضمون قبل الحبس بنفس العقد، م: (بخلاف المبيع) ش: فإنه ليس كذلك م: (لأن البيع ينفسخ بهلاكه) ش: أي بهلاك المبيع م: (وها هنا لا ينفسخ أصل العقد) ش: بل يبقى بين الوكيل وبائعه، فلا يكون نظير المبيع، فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه بقوله:

(9/244)


قلنا: ينفسخ في حق الموكل والوكيل، كما إذا رده الموكل بعيب ورضي الوكيل به.
وقال: وإذا وكله شراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلا بدرهم من لحم يباع منه عشرة أرطال بدرهم، لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يلزمه العشرون بدرهم وذكر في بعض النسخ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة، ومحمد لم يذكر الخلاف في الأصل. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمر بصرف الدرهم في اللحم وظن أن سعره عشرة أرطال، فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيرا وصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف، فباعه بألفين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا ينفسخ في حق الموكل والوكيل، كما إذا رده الموكل بعيب ورضي الوكيل به) ش: فإنه يلزم الوكيل وينفسخ العقد فيما بين الموكل والوكيل؛ وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه مغالطة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يفرق بين هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وبين هلاكه في يد الوكيل بالشراء بعد حبسه عن الموكل لاستيفاء الثمن، ففي الأول: ينفسخ البيع وفي الثاني: لا؛ وانفساخ البيع بين الوكيل والموكل بالرد بالعيب لا يدل على انفساخه إذا هلك في يد الوكيل فخرج الجواب عن موضع النزاع انتهى.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل وهذه مغالطة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلى آخر ما ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال وإنه كما ترى فاسد؛ لأنه إذا فرض أن الوكيل بائع كان الهلاك في يده كالهلاك في يد بائع ليس بوكيل، فاستويا في وجود الفسخ وبطل الفرق، بل إذا تأملت وجدت ما ذكر عن جانب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غلطاً أو مغالطة، وذلك لأن البائع من الوكيل بمنزلة بائع البائع، وإذا انفسخ العقد بين المشتري وبائعه لا يلزم منه الفسخ بين البائع وبائعه، فكان ذكره أحدهما يعني غلطاً أو مغالطة.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا وكله شراء عشرة أرطال لحم بدرهم، فاشترى عشرين رطلاً بدرهم من لحم يباع منه عشرة أرطال بدرهم) ش: أي إذا كانت عشرة أرطال من ذلك اللحم يساوي قيمته درهماً قيد به؛ لأنه إذا كانت عشرة أرطال منهما تساوي درهماً نفذ الكل على الوكيل بالإجماع، ذكره في " الذخيرة "، م: (لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يلزمه العشرون بدرهم) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة ومحمد لم يذكر الخلاف في " الأصل ") ش: أي في " المبسوط " م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أمره) ش: أي أن الموكل أمر الوكيل م: (بصرف الدراهم في اللحم، وظن أن سعره عشرة أرطال، فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيراً، وصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف، فباعه بألفين) ش: جاز هذا فكذا ذاك.

(9/245)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمره بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فينفذ شراؤها عليه، وشراء العشرة على الموكل. بخلاف ما استشهد به؛ لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له بخلاف ما إذا اشترى ما يساوي عشرين رطلا بدرهم حيث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمره) ش: أي أن الموكل أمر الوكيل م: (بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فينفذ شراؤها عليه) ش: أي شراء الزيادة على الوكيل م: (وشراء العشرة على الموكل) ش: أي وينفذ شراء العشرة التي أمر الوكيل بها على الموكل؛ لأنه خالفه فيما أمره به.
فإن قيل: يجب أن لا يلزم الآمر شيء من ذلك؛ لأن العشرة تثبت ضمناً للعشرين لا قصداً وقد وكله بشراء عشرة قصداً، ومثل هذا لا يجوز على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كما إذا قال الرجل: طلق امرأتي واحدة فطلقها ثلاثاً: لا يقع واحدة لثبوتها في ضمن الثلاث، والمتضمن لم يثبت لعدم التوكيل، فلا يثبت ما في ضمنه أيضاً تبعاً له.
فأجاب عنه حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأن في مسألة الطلاق وقوع الواحدة ضمني، وها هو كذلك لا يقع إلا في ضمن ما تضمنه، وما تضمنه لم يصح لعدم الأمر به. فكذا ما في ضمنه.
وأما فيما نحن فيه، فكل قصدي لأن أجزاء الثمن تتوزع على أجزاء المبيع، فلا يتحقق التضمن في الشراء، فإن قيل يشكل بأن إذا أمره أن يشتري له ثوباً هروياً فاشترى له هرويين بعشرة، كل واحد يساوي عشرة لا ينفذ بيع واحد منهما على الموكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الذخيرة " ناقلاً عن " المنتقى ".
وأجاب صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من هذا يجعل اللحم من ذوات الأمثال ولا تفاوت في قيمتها إذا كانت من جنس واحد وصفة واحدة وكلامنا فيه، وحينئذ كان للوكيل أن يجعل للموكل أي عشرة شاء بخلاف الثوب، فإنه من ذوات القيم والثوبان وإن تساويا في القيمة لكن يعرف ذلك بالحزر والظن وذلك لا يعين حق الموكل، فثبت مجهولاً، فلا ينفذ عليه، انتهى.
قلت: هذا لا شيء إلا على قول من جعل اللحم من ذوات الأمثال وهو مختار صاحب " المحيط " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (بخلاف ما استشهد به) ش: جاوب عن تمثيل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المتنازع فيه بتوكيل بيع العبد بألف وبيعه بألفين، م: (لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له) ش: أي لأن الزيادة عوض ملك الأمر فلا يجوز أن يستحقه الوكيل إلا بإذن الموكل ولا بغير إذنه. ولهذا لو قال: بع ثوبي هذا على أن ثمنه لك لا يجوز؛ م: (بخلاف ما إذا اشترى ما يساوي عشرين رطلاً بدرهم حيث

(9/246)


يصير مشترياً لنفسه بالإجماع؛ لأن الأمر يتناول السمين وهذا مهزول فلم يحصل مقصود الأمر.
قال: ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه؛ لأنه يؤدي إلى تغرير الأمر حيث اعتمد عليه، ولأن فيه عزل نفسه فلا يملكه على ما قيل إلا بمحضر من الموكل. فلو كان الثمن مسمى فاشترى بخلاف جنسه، أو لم يكن مسمى فاشترى بغير النقود، أو وكل وكيلا بشرائه فاشترى الثاني وهو غائب يثبت الملك للوكيل الأول في هذه الوجوه لأنه خالف أمر الآمر فينفذ عليه. ولو اشترى الثاني بحضرة الوكيل الأول نفذ على الموكل الأول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصير مشترياً لنفسه بالإجماع) ش: لوجود المخالفة م: (لأن الأمر يتناول السمين) ش: أي اللحم السمين م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي اشتراه م: (مهزول فلم يحصل مقصود الأمر) ش: فلا يكون له

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه؛ لأنه يؤدي إلى تغرير الأمر حيث اعتمد عليه) ش: وذلك لا يجوز م: (ولأن فيه) ش: أي في شرائه لنفسه م: (عزل نفسه) ش: عن الوكالة م: (فلا يملكه) ش: لأن عزله يكون بالخلاف لا بالوفاق م: (إلا بمحضر من الموكل) ش: أي إلا بحضور من وكله فلا يغيبه.
قال في " التتمة ": هذا إذا كان الموكل غائباً، فإن كان حاضراً وصرح الوكيل بالشراء لنفسه يصير مشترياً لنفسه؛ لأنه خالف أمر الآمر، فنفذ الشراء على نفسه بخلاف الوكيل بنكاح امرأة بعينها تزوجها لنفسه بنفسه يصح، والفرق بينهما أن النكاح الذي أتي به الوكيل غير داخل تحت الأمر، إذ الآمر أمره بنكاح مضاف إليه، وقد أتى بنكاح مضاف إلى نفسه، فإن الوكيل بالنكاح يضيفه إلى الموكل، وفي الشراء مأمور بالشراء مطلقاً لا مضافاً إلى الأمر، فقد أتى بما دخل تحت الوكالة فيقع لموكله.
م: (فلو كان الثمن مسمى) ش: إلى الآخر ثلاثة أوجه، ذكر المصنف تفريعاً على مسألة القدوري، الأولى هو قوله فلو كان الثمن مسمى يعني وكله بالشراء بثمن مسمى م: (فاشترى بخلاف جنسه) ش: أي بخلاف جنس المسمى، بأن سمى دراهم فاشترى بخلاف جنسه بدنانير، الوجه الثاني: هو قوله م: (أو لم يكن مسمى فاشترى بغير النقود) ش: وهو المكيلات والموزونات، الوجه الثالث: هو قوله م: (أو وكل) ش: أي الوكيل وكل م: (وكيلاً بشرائه فاشترى الثاني) ش: أي فاشترى الوكيل الثاني م: (وهو) ش: وكيل الوكيل م: (غائب) ش: أي والحال أن الوكيل الأول غائب م: (يثبت الملك للوكيل الأول) ش: أي لموكل الوكيل الثاني م: (في هذه الوجوه) ش: الثلاثة المذكورة م: (لأنه خالف أمر الآمر فينفذ عليه) ش: أي لأن الوكيل الذي وكل خالف أمر الوكيل الذي وكله بشراء شيء بثمن مسمى.. إلى آخره م: (ولو اشترى الثاني) ش: أي الوكيل الثاني.
م: (بحضرة الوكيل الأول) ش: يثبت الملك للوكيل الأول، وفي بعض النسخ: ولو اشترى

(9/247)


لأنه حضره رأيه فلم يكن مخالفا.
قال: وإن وكله بشراء عبد بغير عينه، فاشترى عبدا فهو للوكيل، إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل أو يشتريه بمال الموكل. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه المسألة على وجوه، إن أضاف العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر وهو المراد عندي بقوله أو يشتريه بمال الموكل دون النقد من ماله؛ لأن فيه تفصيلا وخلافا، وهذا بالإجماع وهو مطلق. وإن أضافه إلى دراهم نفسه كان لنفسه حملا لحاله على ما يحل له شرعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثاني بحضرة الوكيل الأول م: (نفذ على الموكل الأول؛ لأنه حضره رأيه فلم يكن مخالفاً) ش:. فإن قيل: يشكل هذا بما لو أوكل الوكيل بطلاق أو عتاق لآخر، فطلق الوكيل الثاني وأعتق بحضرة الوكيل الأول، لا يقع. ذكره في " الذخيرة " و " التتمة ". قلنا: إن الوكيل بالطلاق والعتاق رسول لأن العمل بحقيقة الوكالة متعذر؛ لأن التوكيل تفويض الرأي إلى الوكيل، وجعله بمنزلة المالك، وتفويض الرأي إلى الوكيل، إنما يتحقق فيما يحتاج فيه إلى الرأي، والطلاق المفرد والعتاق المفرد لا يحتاج إلى الرأي، فلما تعذر العمل بحقيقة الوكالة جعلناها مجازاً عن الرسالة؛ لأن الوكالة تتضمن معنى الرسالة، والرسول ينقل عبارة المرسل فصار المأمور مأموراً ينقل العبارة من الآمر، أما البيع وغيره فيما يحتاج فيه إلى الرأي فيعمل بحقيقة الوكالة، كذا في " الذخيرة ".

[وكله بشراء عبد بغير عينه فاشترى عبدا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن وكله بشراء عبد بغير عينه فاشترى عبداً فهو للوكيل، إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل أو يشتريه بمال الموكل) ش: هذا كله لفظ القدوري والمصنف - رحمهما الله -.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه المسألة على وجوه) ش: أشار إلى الوجه الأول بقوله: م: (إن أضاف) ش: أي الوكيل م: (العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو المراد عندي) ش: بمعنى أن المراد من قول القدوري عندي وهو قوله: " أو يشتريه بمال الموكل " أشار إليه بقوله م: (أو يشتريه بمال الموكل دون النقد من ماله؛ لأن فيه) ش: أي في النقد بعد الشراء مطلقاً م: (تفصلاً) ش: أراد به صورة التكاذب والتوافق، ففي التكاذب بحكم النقد اتفاقاً م: (وخلافاً) ش: أي في التوافق على عدم النية بحكم النقد عند أبي يوسف وعند محمد - رحمهما الله - هو للوكيل على ما يأتي بيانه مشروحاً م: (وهذا بالإجماع) ش: أي الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالاتفاق إذا اشترى بمال الموكل م: (وهو مطلق) ش: أي الذي ذكره القدوري مطلق لا تفصيل فيه.
والوجه الثاني: هو قوله: م: (وإن أضافه إلى دراهم نفسه) ش: أي نصف الوكيل العقد إلى دراهم لنفسه م: (كان لنفسه) ش: يعني يقع العقد له م: (حملاً لحاله) ش: أي لحال الوكيل م: (على ما يحل له شرعاً) ش: لأنه لما أضاف العقد إلى دراهم الآمر يقع له؛ لأنه لو لم يقع له كان واقعاً للوكيل.

(9/248)


أو يفعله عادة، إذ الشراء لنفسه بإضافة العقد إلى دراهم غير مستنكر شرعا وعرفا، وإن أضافه إلى دراهم مطلقة، فإن نواها للآمر فهو للآمر، وإن نواها لنفسه فلنفسه؛ لأن له أن يعمل لنفسه ويعمل للآمر في هذا التوكيل. وإن تكاذبا في النية يحكم النقد بالإجماع؛ لأنه دلالة ظاهرة على ما ذكرنا، وإن توافقا على أنه لم تحضره النية. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للعاقد؛ لأن الأصل أن كل واحد يعمل لنفسه، إلا إذا ثبت جعله لغيره ولم يثبت. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحكم النقد فيه؛ لأن ما أوقعه مطلقا يحتمل الوجهين، فيبقى موقوفا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإذا كان وقع العقد للوكيل كان غاصباً لدراهم الآمر، وهو لا يحل شرعاً م: (أو يفعله عادة) ش: عطف على قوله " يحل له "، يعني أن العادة جرت بأن الشراء إذا كان مضافاً إلى دراهم فإنه يقع الشراء لصاحب الدراهم، م: (إذ الشراء) ش: أي لأن الشراء م: (لنفسه بإضافة العقد إلى دراهم غير مستنكر شرعاً) ش: لأن الأصل هو الوفاء عند العهد بالنص م: (وعرفاً) ش: لأن الأصل هو الوفاء بالعادة.
والوجه الثالث: هو قوله: م: (وإن أضافه) ش: أي العقد م: (إلى دراهم مطلقة) ش: يعني من غير إضافة إلى دراهم أحد ففيه تفصيل أشار إليه بقوله م: (فإن نواها) ش: أي فإن نوى نية الشراء م: (للآمر فهو للآمر، وإن نواها لنفسه فلنفسه) ش: أي فكان لنفسه م: (لأن له) ش: أي للوكيل م: (أن يعمل لنفسه ويعمل للآمر في هذا التوكيل) ش: أي في التوكيل بشراء عبد بغير عينه فيعمل فيه لنفسه أصالة، ويعمل بغيره وكالة؛ لأن المأمور به غير معين، فكانت نيته معتبرة.
والوجه الرابع: هو قوله: م: (وإن تكاذبا) ش: أي الموكل والوكيل م: (في النية) ش: بأن قال الموكل: اشتريته لي وقال الوكيل: اشتريته لنفسي م: (يحكم النقد) ش: على صيغة المجهول من التحكيم، فأي من نقد الثمن من ماله فهو له م: (بالإجماع لأنه) ش:، أي لأن تحكيم النقد م: (دلالة ظاهرة على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: حملاً لحلاله على ما يحل له شرعاً.
والوجه الخامس: هو قوله: م: وإن توافقا) ش: أي الموكل والوكيل م: على أنه) ش: أي على أن الوكيل م: لم تحضره النية) ش: ففيه اختلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -.
م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للعاقد؛ لأن الأصل أن كل واحد يعمل لنفسه إلا إذا ثبت جعله) ش: أي جعل العمل م: (لغيره ولم يثبت) ش: م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحكم النقد فيه؛ لأن ما أوقعه مطلقاً) ش: يعني من غير تعيين نية.
م: (يحتمل الوجهين) ش: أراد بهما وقوع الشراء للموكل ووقوعه للوكيل م: (فيبقى موقوفاً

(9/249)


فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه، ولأن مع تصادقهما يحتمل النية للآمر. وفيما قلناه حمل حاله على الصلاح كما في حالة التكاذب والتوكيل بالإسلام في الطعام على هذه الوجوه. قال: ومن أمر رجلا بشراء عبد بألف، فقال: قد فعلت ومات عندي، وقال الآمر: اشتريته لنفسك، فالقول قول الآمر. فإن كان دفع إليه الألف، فالقول قول المأمور،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه، ولأن مع تصادقهما) ش: يعني على أنه لم يحضره النية م: (يحتمل النية للآمر) ش: لاحتمال أن يكون نوى الآمر ثم نسبه.
م: (وفيما قلناه) ش: أي في تحكيم النقد م: (حمل حاله) ش: أي حمل حال الوكيل م: (على الصلاح) ش: وهو أن لا يكون الوكيل غاصباً على تقدير النقد من مال الآمر م: (كما في حالة التكاذب) ش: بحمله النقد لأجل حال الوكيل على الوكيل على الصلاح.
فإن قلت: كيف قلتم إذا أضاف العقد إلى دراهم الآمر يقع الشراء له وإن أضافه الوكيل إلى دراهم نفسه يقع الشراء له. والدنانير لا يتعينان في العقود والفسوخ عندنا، فكانت الإضافة وعدم الإضافة سواء؟
قلت: لا نسلم إنها لا تتعين مطلقاً، بل تتعين في الوكالات، وبه صرح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أواخر هذا الفصل في تعليل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وسيجيء بيان تمامه إن شاء الله تعالى، أو نقول، لا يريد بتعيينها تعلق الشراء بعينها على وجه يكون هي مستحقة لا محالة، بل يريد تقييد الوكالة به، فإذا تعددت الوكالة بها، حتى إذا هلكت قبل الشراء بطلت الوكالة وصلحت الإضافة إلى أحدهما معينة لوقوع العقد منه. م: (والتوكيل بالإسلام في الطعام على هذه الوجوه) ش: أي على الوجوه المذكورة في الوكيل بالشراء، فإن أضاف الوكيل بالسلم العقد إلى دراهم الآمر، كان السلم له، وإن أضافه إلى دراهم لنفسه كان له، وإن عقده مطلقاً من غير إضافة إلى دراهم أحد، فإن نوى السلم للموكل كان له، وإن نوى لنفسه، وإن تكاذبا بحكم النقد، وإن توافقا على أنه لم يحضره النية كان السلم للوكيل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحكم النقد فعن دراهم أيهما نقد فالعقد له.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أمر رجلاً بشراء عبد بألف، فقال: قد فعلت ومات عندي، وقال الآمر: اشتريته لنفسك فالقول قول الآمر) ش: هذا إذا لم يدفع الثمن فالقول له، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقالا في وجه آخر: القول للمأمور.
م: (فإن كان دفع إليه) ش: أي إلى الوكيل م: (الألف فالقول قول المأمور) ش: بلا خلاف

(9/250)


لأن في الوجه الأول أخبر عما لا يملك استئنافه، وهو الرجوع بالثمن على الآمر وهو ينكر، والقول للمنكر. وفي الوجه الثاني هو أمين يريد الخروج عن عهدة الأمانة فيقبل قوله، ولو كان العبد حيا حين اختلفا إن كان الثمن منقودا، فالقول للمأمور لأنه أمين، وإن لم يكن منقودا. فكذلك عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -؛ لأنه يملك استئناف الشراء فلا يتهم في الإخبار عنه، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للآمر لأنه موضع تهمة بأن اشتراه لنفسه. فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر، بخلاف ما إذا كان الثمن منقودا لأنه أمين فيه، فيقبل قوله تبعا لذلك، ولا ثمن في يده هاهنا. وإن كان أمره بشراء عبد بعينه ثم اختلفا والعبد حي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن في الوجه الأول) ش: وهو الوجه الذي لم يدفع الثمن فيه م: (أخبر عما لا يملك استئنافه) ش: أي يقدر على إنشائه، أي إنشاء العقد، إذ العبد ميت، ومن أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال لا يكون القول له، كما لو قال راجعت إن كانت العدة باقية فإنه يصدق؛ لأنه يملك إنشاءه وإلا فلا. كذا ها هنا م: (وهو الرجوع على الآمر بالثمن) ش: وإنما لم يقل: وهو العقد؛ لأن مقصود الوكيل من ذكر العقد الرجوع بالثمن على الآمر، فكأنه ذكر السبب وأراد المسبب، وهو جائز؛ لأن الرجوع بالثمن مختص بالشراء لأجل الآمر م: (وهو) ش: أي الآمر م: (ينكر والقول للمنكر) .
م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو الذي دفع الثمن فيه م: (هو) ش: أي للوكيل م: (أمين يريد الخروج عن عهدة الأمانة فيقبل قوله) ش: لأنه أمين م: (ولو كان العبد حياً حين اختلفا) ش: فقال للمأمور اشتريته لك، وقال الآمر اشتريته لنفسك م: (إن كان الثمن منقوداً فالقول للمأمور لأنه أمين) ش: وأخبر عما يملك إنشاؤه للحال م: (وإن لم يكن) ش: أي الثمن م: (منقوداً فكذلك) ش: القول لمأمور م: (عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنه يملك استئناف الشراء فلا يتهم في الإخبار عنه) .
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للآمر لأنه موضع تهمة) ش: لأنه ربما اشتراه لنفسه ووجد به عيباً أو لم يعبه، فلما لم يوافقه أراد أن يلزمه الآمر لخسارة الصفقة ومثله متعارف بين الوكلاء، فلا يقبل قوله لهذه التهمة، وهذا حاصل معنى قوله م: (بأن اشتراه لنفسه فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر) ش: أي ألزم الصفقة الآمر.
م: (بخلاف ما إذا كان الثمن منقوداً لأنه أمين، فيقبل قوله تبعاً لذلك) ش: أي يقبل قول الوكيل: اشتريت لك عبداً ومات عندي تبعاً لخروج الوكيل عن عهدة الأمانة التي هي الألف المنقودة م: (ولا ثمن في يده ها هنا) ش: أي إذا كان العبد حياً والثمن غير منقود فلم يوجد المتبوع وهو كون الوكيل أميناً، فلا يوجد البيع وهو قبول قوله بطريق التبعية لخروج الوكيل عن عهدة الأمانة، فكذلك لا يقبل قوله ها هنا. م: (وإن كان أمره بشراء عبد بعينه ثم اختلفا) ش: بأن قال الآمر: اشتريته لنفسك، وقال المأمور: بل اشتريته لك م: (والعبد حي) ش: أي والحال أن العبد

(9/251)


فالقول للمأمور سواء كان الثمن منقودا أو غير منقود، وهذا بالإجماع؛ لأنه أخبر عما يملك استئنافه ولا تهمة فيه؛ لأن الوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك شراءه لنفسه بمثل ذلك الثمن في حال غيبته على ما مر. بخلاف غير المعين على ما ذكرناه لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ومن قال لآخر: بعني هذا العبد لفلان، فباعه ثم أنكر أن يكون فلان أمره، ثم جاء فلان وقال: أنا أمرته بذلك، فإن فلانا يأخذه؛ لأن قوله السابق إقرار منه بالوكالة عنه، فلا ينفعه الإنكار اللاحق، فإن قال فلان: لم آمره لم يكن ذلك له؛ لأن الإقرار يرتد برده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حي م: (فالقول للمأمور سواء كان الثمن منقوداً أو غير منقود، وهذا بالإجماع؛ لأنه أخبر عما يملك استئنافه) ش: على قولهما م: (ولا تهمة فيه) ش: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا قاله بعض الشارحين.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا بعيد عن التحقيق؛ لأن المجموع دليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قوله ولا تهمة فيه بعد، انتهى.
قلت: لا بعد فيه؛ لأن المسألة متفقة مع اختلاف التخريج.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويمكن أن يقع قوله لا يملك استئنافه قول الكل م: (لأن الوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك شراءه لنفسه بمثل ذلك الثمن في حال غيبته) ش: أي في حال غيبة الموكل قيد به إذ في حال حضرة الموكل يملك م: (على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل صفحة بقوله ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه.
م: (بخلاف غير المعين) ش: أي بخلاف ما إذا كان العبد غير معين م: (على ما ذكرناه لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أشار به إلى دليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبل خطوط وهو قوله لأنه موضع التهمة.

م: (ومن قال لآخر: بعني هذا العبد لفلان، فباعه ثم أنكر أن يكون فلان أمره، ثم جاء فلان وقال: أنا أمرته بذلك، فإن فلاناً يأخذه) ش: هذا من مسائل " الجامع الصغير " قوله: لفلان، أي لأجل فلان، يعني أن فلاناً أمرني أن أشتري هذا العبد لأجله، فباعه صاحب العبد ثم أنكر المقر أمر فلان بعد الشراء وقال لم يكن فلاناً أمرني بل اشتريته لنفسي، ينعقد البيع للحال قوله، فإن فلاناً يأخذه يعني له ولاية أخذه م: (لأن قوله السابق) ش: أي قول المشتري السابق وهو معنى قوله: هذا العبد م: (إقرار منه بالوكالة عنه فلا ينفعه الإنكار اللاحق) ش: بعد ذلك لأنه مناقض، ولا قول للمناقض.
م: (فإن قال فلان: لم آمره لم يكن ذلك له) ش: أي لفلان على العبد سبيل م: (لأن الإقرار) ش: أي لأن إقرار المقر م: (يرتد برده) ش: أي برد المقر له، فإذا عاد إلى تصديقه بعد ذلك لم ينفعه

(9/252)


قال: إلا أن يسلمه المشتري له فيكون بيعا عنه، وعليه العهدة لأنه صار مشتريا بالتعاطي، كمن اشترى لغيره بغير أمره حتى لزمه ثم سلمه المشترى له ودلت المسألة على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي، وإن لم يوجد نقد الثمن وهو يتحقق في النفيس والخسيس لاستتمام التراضي وهو المعتبر في الباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه عاد حين انتفى الإقرار، فلم يصح له تصديقه ولزم الشراء للمشتري.
م: (قال) ش: فالظاهر أن قائله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير " م: (إلا أن يسلمه المشتري له) ش: استثناء من قوله: لم يكن له، أي لم يكن له إلا في صورة التسليم إليه، وإنما ذكر صورة التسليم إليه؛ لأن فلاناً لو قال أمرت بعد قوله لم آمره، لم يعتبر ذلك، بل يكون العبد للمشتري وقوله إلا أن يسلمه المشتري، روى المشتري بكسر الراء وفتحها، فعلى الكسر يكون المشتري فاعلاً، وقوله له أي لأجله، ويكون المفعول الثاني محذوفاً وهو إليه، أي إلا أن يسلمه الفضولي العبد الذي اشتراه لأجل فلان إليه، وعلى الفتح يكون المشتري له مفعولا ثانيا بدون حرف الجر وهو فلان، والفاعل مضمر، أي ألا يسلم الفضولي العبد إلى المشتري له وهو فلان م: (فيكون بيعاً عنه) ش: مبتدأ م: (وعليه العهدة) ش: أي على فلان الآمر العهدة، أي عهدة الأخذ بتسليم الثمن.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني لما انعقد بينهما بيع بالتعاطي، كانت العهدة للأخذ على المشتري، كذا فسره فخر الدين قاضي خان، وفخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو المفهوم من كلام محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأنه) ش: أي لأن الآخذ م: (صار مشترياً بالتعاطي، كمن اشترى لغيره بغير أمره حتى لزمه) ش: أي لزم المشتري م: (ثم سلمه المشتري له) ش: بفتح الراء.
قال تاج الشريعة: يكون المشتري له عبارة له بحق الموكل، يعني يسلم المشتري العبد إلى الموكل م: (ودلت المسألة) ش:، أي المسألة المذكورة م: (على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي وإن لم يوجد نقد الثمن) . ش: قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وغيره في شروح " الجامع الصغير ": ثبت بهذا أن بيع التعاطي كما يكون بأخذ وإعطاء، فقد ينعقد بالتسليم على جهة البيع والتمليك، وإن كان أخذاً بلا إعطاء كعادة الناس.
م: (وهو يتحقق) ش: أي البيع بالتعاطي م: (في النفيس والخسيس) ش: يعني من خسيس الأشياء ونفيسها م: (لاستتمام التراضي وهو المعتبر) ش: أي التراضي هو المعتبر م: (في الباب) ش: أي في باب البيع، ولما وجد التراضي انعقد البيع في النفيس والخسيس خلافاً لما يقوله الكرخي

(9/253)


قال: ومن أمر رجلا أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا، فاشترى له أحدهما جاز؛ لأن التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه، وقد لا يتفق الجمع بينهما في البيع إلا فيما لا يتغابن الناس فيه؛ لأنه توكيل بالشراء وهذا كله بالإجماع. ولو أمره بأن يشتريهما بالألف وقيمتهما سواء. فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اشترى أحدهما بخمسمائة أو أقل جاز، فإن اشترى بأكثر يلزم الآمر؛ لأنه قابل الألف بهما وقيمتهما سواء، فيقسم بينهما نصفين دلالة، فكان أمرا بشراء كل واحد منهما بخمسمائة، ثم الشراء بها موافقة وبأقل منها مخالفة إلى خير وبالزيادة إلى شر، قلت الزيادة أو كثرت فلا يجوز إلا أن يشتري الباقي ببقية الألف قبل أن يختصما استحسانا؛ لأن شراء الأول قائم وقد حصل غرضه المصرح به وهو تحصيل العبدين بالألف، وما ثبت الانقسام إلا دلالة، والصريح يفوقها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بيع التعاطي لا ينعقد إلا في الأشياء الخسيسة.

[أمر رجلان أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا فاشترى أحدهما]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - له في " الجامع الصغير " م: (ومن أمر رجلان أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا فاشترى أحدهما جاز؛ لأن التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه) ش: يعني عن قيد شرائهما متفرقين أو مجتمعين م: (وقد لا يتفق الجمع بينهما) ش: أي بين العبدين م: (في البيع إلا فيما لا يتغابن الناس فيه) ش: فإنه لا يجوز م: (لأنه توكيل بالشراء) ش: وهو لا يحتمل الغبن الفاحش م: (وهذا كله بالإجماع) ش: بين الأصحاب، وهو احتراز عما إذا وكل بالبيع.
م: (ولو أمره بأن يشتريهما بألف وقيمتهما سواء، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اشترى أحدهما بخمسمائة أو أقل جاز، فإن اشترى بأكثر لم يلزم الآمر؛ لأنه) ش: أي لأن الآمر. م: (قابل الألف بهما وقيمتهما سواء) ش: أي والحال أن قيمة العبدين سواء، م: (فيقسم بينهما نصفين دلالة) ش: أي من حيث الدلالة فيعمل بها عند عدم الصريح، وعند وجوده يعمل به لقوته م: (فكان أمراً بشراء كل واحد منهما بخمسمائة، ثم الشراء بها) ش: أي بخمسمائة م: (موافقة وبأقل منها مخالفة إلى خير وبالزيادة إلى شر) ش: أي مخالفة إلى شر سواء.
م: (قلت الزيادة أو كثرت فلا يجوز إلا أن يشتري الباقي ببقية الألف قبل أن يختصما) ش: أي قبل الاختصام لثبوت المخالفة م: (استحساناً) ش: قيد به إذ في القياس لا ينفذ على الآمر؛ لأنه صار مخالفاً، والشراء فيما لا يتوقف فينفذ عليه، وهو قياس الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وجه الاستحسان هو قوله، م: (لأن شراء الأول قائم وقد حصل غرضه المصرح به) ش: أي غرض الآمر الذي صرح به م: (وهو تحصيل العبدين بالألف، وما ثبت الانقسام إلا دلالة، والصريح يفوقها) ش: أي يفوق الدلالة، حاصل المعنى الانقسام بالسوية كان ثابتا بطريق الدلالة، وإذا جاء الصريح وأمكن العمل به بطل الدلالة.

(9/254)


وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن اشترى أحدهما بأكثر من نصف الألف بما يتغابن الناس فيه وقد بقي من الألف ما يشتري بمثله الباقي جاز؛ لأن التوكيل مطلق، لكنه يتقيد بالمتعارف وهو فيما قلنا، ولكن لا بد أن يبقى من الألف باقية يشتري بمثلها الباقي ليمكنه تحصيل غرض الآمر.
قال: ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه جاز؛ لأن في تعيين المبيع تعيين البائع، ولو عين البائع يجوز على ما نذكره إن شاء الله تعالى. قال: وإن أمره أن يشتري بها عبدا بغير عينه، فاشتراه فمات في يده قبل أن يقبضه الآمر مات من مال المشتري، وإن قبضه الآمر فهو له. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: وهو لازم للآمر إذا قبضه المأمور، وعلى هذا إذا أمره أن يسلم ما عليه أو يصرف ما عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن اشترى أحدهما بأكثر من نصف الألف بما يتغابن الناس فيه، وقد بقي من الألف ما يشتري بمثله الباقي جاز؛ لأن التوكيل مطلق) ش: يعني غير مقيد بخمسمائة م: (لكنه يتقيد بالمتعارف) ش: وهو فيما يتغابن الناس فيه م: (وهو فيما قلنا) ش: أي المتعارف فيما يتغابن الناس فيه م: (ولكن لا بد أن يبقى من الألف باقية يشتري بمثلها الباقي ليمكنه تحصيل غرض الآمر) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": احتمل أن المسألة لا اختلاف فيها؛ لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما قال: لم يجز شراؤه على الآمر إذا أراد زيادة لا يتغابن الناس في مثلها، وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - قالا في الذي يتغابن الناس في مثله: إنه لا يلزم الآمر، فإذا حملت على هذا الوجه لا يكون في المسألة اختلاف، واحتمل أن في المسألة اختلاف في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زاد على خمسمائة قليلاً أو كثيراً لا يجوز على الآمر، وفي قولهما: يجوز إذا كانت الزيادة قليلة.

[له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه جاز؛ لأن في تعيين المبيع تعيين البائع ولو عين البائع يجوز على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى ما ذكره لقوله بعد عشرة خطوطاً. وبخلاف ما إذا عين البائع لأنه يصير وكيلاً عنه بالقبض، م: (قال: وإن أمره أن يشتري بها) ش: أي بالألف التي على الآخر م: (عبداً بغير عينه فاشتراه فمات في يده قبل أن يقبضه الآمر مات من مال المشتري وإن قبضه الآمر فهو له وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (هو) ش: أي العبد م: (لازم للآمر) ش: في الوجهين وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: م: (إذا قبضه المأمور) ش: أي الوكيل م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا أمره) ش: أي إذا أمر من عليه الدين م: (أن يسلم ما عليه) ش: أي يعقد عقد السلم م: (أو يصرف ما عليه) ش: أي أو يعقد عقد العرف من غير تعيين من يسلم إليه أو يعقد عقد الصرف بأن قال: أسلم أو أصرف مالي عليك في كذا

(9/255)


لهما: أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات دينا كانت أو عينا، ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد، فصار الإطلاق والتقييد فيه سواء، فيصح التوكيل ويلزم الآمر؛ لأن يد الوكيل كيده. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تتعين في الوكالات. ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها أو بالدين منها ثم استهلك العين أو أسقط الدين بطلت الوكالة، فإذا تعينت كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكله بقبضه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان على الاختلاف وإن عين المسلم إليه ومن يعقد به عقد الصرف صح بالاتفاق، وإنما خصهما بالذكر لدفع ما عسى يتوهم أن التوكيل فيهما لا يجوز لاشتراط القبض في المجلس.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات ديناً كانت أو عيناً) ش: يعني لا يكون في الذمة، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد) ش: ووجب مثل ذلك الدين فإذا لم يتعين دراهم الدين صار التقييد والإطلاق سواء، وهو معنى قوله: م: (فصار الإطلاق) ش: بأن قال: بألف ولم يضفه إلى ما عليه م: (والتقييد) ش: بأن أضافه إلى ما عليه م: (فيه) ش: أي في عقد تبائع العين بالدين م: (سواء) ش: فإذا كان كذلك م: (فيصح التوكيل ويلزم الآمر لأن يد الوكيل كيده) ش: فصار كما لو قال: تصدق بمالي عليك على المساكين، فإنه يجوز وكذا لو آجر حماراً أو دابة أو أمر المستأجر بالمرمة من الأجرة، أو يشتري بالأجرة عبداً يسوق الدابة وينفق عليهما فصار هذا كما لو كان البائع أو المبيع متعيناً.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي أن الدراهم والدنانير م: (تتعين في الوكالة) ش: قال شيخ الإسلام: تتعين بعد القبض أما قبل القبض لا تتعين بلا خلاف، ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الزيادات " ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (أو بالدين منها ثم استهلك) ش: أي الآمر أو الوكيل م: (العين أو أسقط الدين) ش: أي الموكل أسقط الدين بأن أبرأه عن الدين بعد التوكيل بشراء العبد به م: (بطلت الوكالة) ش: ألا ترى أن الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقل في " الأجناس " عن " الأصل ": الوكيل بالشراء إذا قبض الدنانير من الموكل وقد أمره أن يشتري بها طعاما فاشترى بدنانير غيرها ثم نقد دنانير الموكل فالطعام للوكيل وهو ضامن لدنانير الموكل، ثم قال الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه المسألة تدل على أن الدراهم والدنانير يتعينان في الوكالة.

[تمليك الدين من غير من عليه الدين]
م: (فإذا تعينت) ش: أي الدراهم والدنانير في الوكالات هو من تتمة الدليل أنها تتعين في الوكالات، وإذا تعينت م: (كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكله بقبضه)

(9/256)


وذلك لا يجوز، كما إذا اشترى بدين على غير المشتري، أو يكون أمرا بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله، وذلك باطل كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت بخلاف ما إذا عين البائع لأنه يصير وكيلا عنه في القبض ثم يتملكه. وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم. وإذا لم يصح التوكيل نفذ الشراء على المأمور فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وذلك لا يجوز لعدم القدرة على التسليم، م: (وذلك لا يجوز) ش: أي تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز م: (كما إذا اشترى بدين على غير المشتري) ش: بأن كان لزيد على عمرو مثلًا دين فاشترى زيد من آخر شيئًا بذلك الدين الذي له على عمرو، فإنه لا يجوز م: (أو يكون أمرًا) ش: عطف على قوله: لأن هذا تمليك الدين من عليه الدين، أي أو أن يكون آمرًا م: (بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله) ش: أي أو يكون أمرًا يصرف أي يدفع مالا يملكه إلا بالقبض قبل القبض، وذلك لأن الديون تقضى بأمثالها، فكان ما أدى الديون إلى البائع أو إلى رب الدين ملك المديون ولا يملك الدائن قبل القبض م: (وذلك باطل) ش: أي الأمر بدفع ما ليس يملكه باطل، وصار هذا م: (كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت) ش: فإنه باطل لأنه أمر بصرف مالا يملكه الآمر إلا بالقبض إلى من يختاره المديون بنفسه.
م: (بخلاف ما إذا عين البائع) ش: أي بخلاف ما إذا عين الموكل عين البائع م: (لأنه يصير وكيلًا عنه بالقبض) ش: تصحيحًا لتصرفه بقدر الإمكان، م: (ثم يتملكه) ش: أي ثم يتملكه البائع واعترض بأنه لو اشترى شيئا بدين على آخر ينبغي أنه يجوز بجعله وكيلًا بالقبض أولًا لكونه معينًا، وأجيب: بأن عدم الجواز هاهنا لكونه بيعًا بشرط وهو أداء الثمن على الغير.
م: (وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق) ش: هذا جواب عن قياسهما على الأمر بالتصدق م: (لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم) ش: لأنه إخراج المال إلى الله تعالى وهو معلوم، م: (وإذا لم يصح التوكيل) ش: وهذا رجوع إلى أول البحث يعني لما ثبت بالدليل أن التوكيل بشراء عبد غير معين لم يعلم بائعه غير صحيح م: (نفذ الشراء على المأمور) ش: فإذا هلك عنده م: (فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيًا) ش: أي من حيث التعاطي يعني إذا قبضه الآمر عنه انعقد بينهما بيع بالتعاطي، فإن هلك عنده كان من ماله فائدة الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات. وفسوخها عندنا خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - كما لا يتعينان إذا كانتا عينًا لا يتعينان إذا كانتا دينًا، ولهذا إذا اشترى شيئًا بدين له على البائع ثم تصادقا على أنه لا دين له لا يبطل الشراء ووجب مثل ذلك الدين، وذكر في " الزيادات ": أن الدراهم والدنانير يتعينان في الهبة والوصية والمضاربة والشركة قبل القبض والتسليم.

(9/257)


قال: ومن دفع إلى آخر ألفا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور: اشتريتها بألف فالقول قول المأمور ومراده إذا كانت تساوي ألفا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر، فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفا فيضمن. قال: وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر. أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة. وإن كانت قيمتها ألفا فمعناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الكبير ": اختلف مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الدراهم والدنانير أنهما عند الإشارة إليهما هل يتعينان في العقود أم لا؟ قاله أبو طاهر الدياس - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنهما لا يتعينان، وحكاه عن القاضي أبو حازم - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول أكثر مشايخ بلخ، ونسبه الشيخ أبو سهل الشرعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أشار إليه لتعينت، ولكن مع هذا للمشتري أن يمنعها ويدفع غيرها لعدم التفاوت بينهما وبين غيرها، وفسر الشيخ أبو المعين - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأنهما يتعينان في العقود، جوازًا لا وجوبًا، ثم قال: وعن أصحابنا روايتان في الدراهم والدنانير هل يتعينان في العقود الفاسدة والمختار: عدم التعيين.
ثم اعلم أن عدم تعين الدراهم والدنانير في حق الاستحقاق لا غير، فإنهما يتعينان جنسًا وقدرًا ووصفا، بالاتفاق، وبه صرح الإمام العتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح الجامع الصغير ".

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى آخر ألفًا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور اشتريتها بألف، فالقول قول المأمور) ش: إلى هاهنا لفظ " الجامع الصغير " وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومراده) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا كانت) ش: أي الجارية م: (تساوي ألفًا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر) ش: فالقول قوله أي قول المنكر مع يمينه م: (فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفًا فيضمن) .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر؛ أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة) ش: لأنه أمره أن يشتري جارية تساوي ألفًا وقد خالف الشراء فيلزم المأمور م: (وإن كانت قيمتها ألفًا فمعناه) ش: أي فمعنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن

(9/258)


أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا ينزلان منزلة البائع والمشتري وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد والذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور. قال: ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنا، فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة، وقال المأمور: بألف وصدق البائع المأمور، فالقول قول المأمور مع يمينه قيل: لا تحالف هاهنا لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر وفي المسألة الأولى وهو غائب، فاعتبر الاختلاف. وقيل يتحالفان لما ذكرنا، وقد ذكر معظم يمين التحالف وهو يمين البائع، والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي عنهما وقبله أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجارية للمأمور م: (أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا) ش: أي في هذا الفصل م: (ينزلان منزلة البائع والمشتري، وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد الذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور) ش: لأن بعد التحالف ينفسخ العقد التقديري الذي جرى بين الآمر والمأمور.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنًا فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة وقال المأمور بألف وصدق البائع المأمور) ش: أي صدق بائع العبد الوكيل فيما قاله، م: (فالقول قول المأمور مع يمينه) ش:، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -:
م: (قيل: لا تحالف هاهنا) ش: وهو قول أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر) ش: يعني يجعل تصادقهما بمنزلة إنشاء عقد، ولو أنشأ العقد يلزم الجارية للآمر فكذا هنا م: (وفي المسألة الأولى) ش: وهي التي سبقت الآن م: (وهو) ش: أي البائع م: (غائب، فاعتبر الاختلاف) ش: الذي كان بين الآمر والمأمور ووجب التحالف، وهاهنا البائع الحاضر.
م: (وقيل: يتحالفان) ش: وهو قول أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهما نزلا منزلة البائع والمشتري، م: (وقد ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا جواب عمال يقال المذكور فيه، فالقول قول المأمور مع يمينه، فالتحالف يخالفه.
أجاب بقوله: وقد ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأصل": م: (معظم يمين التحالف وهو يمين البائع) ش: لأن البائع هو الوكيل جعله معظم يمين التحالف لأن يمين البائع مخصوص بصورة التحالف وليس المشتري كذلك لأنه يجب عليه اليمين بكل حال لكونه منكرًا.
م: (والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي) ش: هذا جواب عن قول أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ارتفع الخلاف بتصادقهما، وتقرير الجواب: أن البائع بعد استيفاء الثمن أجنبي م: (عنهما) ش: أي عن الوكيل والموكل م: (وقبله) ش: أي وقبل استيفاء الثمن م: (أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما

(9/259)


بيع فلا يصدق عليه فبقي الخلاف، وهذا قول الإمام أبي منصور وهو أظهر والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيع فلا يصدق عليه) ش: أي الوكيل م: (فبقي الخلاف) ش: أي بين الآمر والمأمور والتخالف، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا قول الإمام أبي منصور وهو) ش: أي قول الإمام أبي منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أظهر) ش: أي أصح، وفي "جامع قاضي خان" - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي جعفر أصح.
وفي " الكافي ": هو الصحيح؛ وقال الإمام المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في "جامعه" بعد هذا: إذا تصادقا على الثمن عند التوكيل وإن اختلفا فقال الوكيل: أمرتني بالشراء بالألف، وقال الآمر: بخمسمائة، فالقول للآمر، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيلزم العبد الوكيل دون الآمر لأن يستفاد من جهته، فكان القول له، ولو أقام البينة فبينة الوكيل أولى لما فيها من زيادة الإثبات، م: (والله أعلم بالصواب) .

(9/260)


فصل في التوكيل بشراء نفس العبد قال: وإذا قال العبد لرجل: اشتر لي نفسي من مولاي بألف ودفعها إليه، فإن قال الرجل للمولى: اشتريته لنفسه فباعه على هذا فهو حر والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه، إذ لا يرجع عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في التوكيل بشراء نفس العبد]
م: (فصل في التوكيل بشراء نفس العبد) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التوكيل بشراء نفس العبد، والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في هذا الفصل مسألتين:
أولهما: توكيل العبد رجلًا ليشتريه من مولاه، والثانية: أن يوكل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه. فالعبد في الأولى موكل، والثانية وكيل.
وتحل الترجمة على طبق الوجهين، لمقتضى أن الألف واللام في التوكيل بدلًا من المضاف إليه، فالتقدير في الوجه الأول: فصل في توكيل العبد رجلًا ليشتريه لنفسه من مولاه، وفي الوجه الثاني: فصل في توكيل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه، وعلى التقديرين المصدر مضاف إلى فاعله في الوجهين، ولكنه يختلف أيضًا، ففي الأول المفعول هو الرجل، وفي الثاني هو العبد، والأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - سعى هنا حيث جعل المصدر مضافًا إلى الفاعل والمفعول وليس كذلك والوجه ما قلناه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من مولاي بألف درهم ودفعها إليه) ش:، أي دفع العبد الألف إلى الرجل الذي وكله م: (فإن قال الرجل) ش: أي الوكيل م: (للمولى: اشتريته) ش: أي العبد م: (لنفسه) ش: أي لنفس العبد م: (فباعه على هذا) ش: أي على هذا الوجه م: (فهو حر) ش: أي العبد يصير حرًا م: (والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه) ش: أي من العبد م: (إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل) ش: لأن العبد لا يملك، وإن ملك لأنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق إذ البيع إزالة ملك بعوض، والإعتاق إزالة لا إلى أحد، فجاز أن يستعار منه؛ كذا قاله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
حاصل الكلام: ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن بيع العبد من نفسه إعتاق على مال، والإعتاق على مال يتوقف على وجود القبول من المعتق وقد وجد ذلك بأن شراء العبد لنفسه قبول منه للمعتق ببدل.
م: (والمأمور سفير عنه) ش: أي عن العبد حيث أضاف العقد إلى موكله م: (إذ لا يرجع عليه

(9/261)


الحقوق، فصار كأنه اشترى بنفسه. وإذا كان إعتاقا أعقب الولاء وإن لم يعين للمولى فهو عبد للمشتري لأن اللفظ حقيقة للمعاوضة وأمكن العمل بها إذا لم يعين فيحافظ عليها. بخلاف شراء العبد نفسه لأن المجاز فيه متعين، وإذا كان معاوضة يثبت الملك له والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله ثمنا للعبد. فإنه في ذمته حيث لم يصح الأداء بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره حيث لا يشترط بيانه لأن العقدين هنالك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحقوق) ش: هذا تعليل لقوله: سفير عنه، أي لأن حقوق العبد لا ترجع إليه كما إذا كان كذلك م: (فصار كأنه) ش: أي كأن العبد م: (اشترى بنفسه) ش: من نفسه.
م: (وإذا كان إعتاقًا أعقب الولاء) ش: لأن الولاء للمعتق م: (وإن لم يعين للمولى) ش: أي وإن لم يقل الوكيل اشتريت العبد لنفس العبد م: (فهو عبد للمشتري) ش: أي يكون العبد للمشتري م: (لأن اللفظ) ش: أي قوله اشتريت عبدك بكذا موضوع م: (حقيقة للمعاوضة) ش: لأن المولى قال بعت هذا العبد بألف، وقال الوكيل اشتريت وليس بحقيقة للإعتاق م: (وأمكن العمل بها) ش: أي بحقيقة اللفظ م: (إذا لم يعين) ش: أي إذا لم يقل: اشتريت عبدك لأجل عبدك، م: (فيحافظ عليها) ش: أي على المعاوضة.
م: (بخلاف شراء العبد نفسه) ش: حيث يجعل الإعتاق لتعذر العمل بالمعاوضة فإنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق. وهو معنى قوله: م: (لأن المجاز فيه متعين) ش: والمجاز معنى إزالة الملك فإن البيع يزيل الملك بعوض على آخر، والإعتاق يزيل لا إلى آخر، وقد مر الكلام فيه.
م: (وإذا كان معاوضة يثبت المالك له) ش: أي المشتري م: (والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله) ش: أي مثل ذلك الألف حال كونه م: (ثمنًا للعبد) ش: وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمنًا نص على التمييز، قلت: الأوجه أنه يكون حالًا بتأول تثمينًا م: (فإنه) ش: أي فإن الثمن م: (في ذمته) ش: أي في ذمة المشتري م: (حيث لم يصح الأداء) ش: المشتري هو المأمور.
قال في "النهاية": وهذا ظاهر فيما إذا وقع الشراء للمشتري، وأما إذا وقع الشراء للعبد حتى يعتق هل يجب على العبد ألف أخرى. قال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يذكره في الكتاب ولكن يجب عليه ألف أخرى. لأن الأول مال المولى فلا يصلح بدلًا عن ملكه.
م: (بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره) ش: أي من غير العبد بأن وكل أجنبي أجنبيًا آخر بشراء العبد من مولاه م: (حيث لا يشترط بيانه) ش: بأن يقول وقت الشراء: اشتريته لموكل لوقوع الشراء للموكل م: (لأن العقدين) ش: يعني الذي يقع له والذي للموكل م: (هنالك) ش: أي في

(9/262)


على نمط واحد، وفي الحالين المطالبة تتوجه نحو العاقد. أما هاهنا فأحدهما إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة على الوكيل والمولى عساه لا يرضاه ويرغب في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان. ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك، فقال لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل فهو للآمر، لأن العبد يصلح وكيلا عن غيره في شراء نفسه؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حق البائع م: (على نمط واحد) ش: أي على نوع واحد وهو المبايعة والنمط والنوع والطريقة أيضًا م: (وفي الحالين) ش: أي في حال الإضافة إلى نفسه والإضافة إلى موكله م: (المطالبة تتوجه نحو العاقد) ش: فلا يحتاج إلى البيان م: (أما هاهنا) ش: أي في صورة توكيل العبد بشراء نفسه م: (فأحدهما) ش: وفي بعض النسخ: أما هاهنا فأحدهما بدون لفظة فإن أي أحد الحالين م: (إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة فيه على الوكيل) ش: لأنه سفير.
هذه رواية كتاب الوكالة في باب الوكالة بالعتق: أن العبد يعتق والمال على العبد دون الوكيل، وذكر في باب الوكالة المأذون والمكاتب من كتاب "الوكالة": أن العبد يعتق والمال على الوكيل، وهكذا ذكر في وكالة الجامع: ولو بين للمولى أنه يشتريه لنفسه لكن أضاف الشراء لنفسه، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الوكالة: أن العبد يعتق والثمن على العبد لا الوكيل، وذكر في " الجامع الكبير ": وجب الثمن على الوكيل ويرجع به على العبد. وعن عيسى ابن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصحيح أن الثمن على العبد.
م: (والمولى عساه لا يرضاه) ش: أي الإعتاق لأنه لو أعتق والمولى لا يعلم به يلزمه الضرر ولا يرضى به، لأن ولاءه يكون له، فهو موجب جنايته يكون أيضًا عليه بحكم الولاء، فتعذر تنفيذه على المولى وأمكن تنفيذه على الوكيل والآخر معاوضة محضة، والمطالبة على الموكل م: (ويرغب) ش: أي المولى عساه يرغب م: (في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان) ش: قوله عساه لا يرضاه، حق الكلام أن يقال: عساه وأن لا يرضاه، لأن قوله: لا يرضاه في محل النصب، يعني ولكنه شبه عسى بكاد، فاستعمل استعماله وذكر ضمير الغائب مقام الظاهر أحد المذاهب الثلاثة كما عرف في موضعه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك) ش: هذه هي المسألة الثانية من المسألتين اللتين شملتا هذا الفصل م: (فقال) ش: أي العبد م: (لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل) ش: أي المولى م: (فهو) ش: أي العقد والعبد م: (للآمر لأن العبد يصلح أن يكون وكيلًا عن غيره في شراء نفسه) ش:، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: لا يصلح فلا يجوز هذا التوكيل م: (لأنه) ش: أي

(9/263)


أجنبي عن ماليته، والبيع يرد عليه من حيث إنه مال إلا أن ماليته في يده، حتى لا يملك البائع الحبس بعد البيع لاستيفاء الثمن، فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالا، فيقع العقد للآمر. وإن عقد لنفسه فهو حر، لأنه إعتاق، وقد رضي به المولى دون المعاوضة، والعبد وإن كان وكيلا بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر وفي مثله ينفذ على الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن العبد م: (أجنبي عن ماليته) ش: لأنها لمولاه، ولهذا لو أقر بماليته لغيره لا يصلح م: (والبيع يرد عليه) ش: أي على العبد م: (من حيث إنه مال) ش: فكان توكيله بشرائها كتوكيله بغيره من أموال المولى وكتوكيل أجنبي بشراء نفسه م: (إلا أن ماليته في يده) ش: استثناء عن قوله لأنه أجنبي عن ماليته لأنها لمولاه إلا أنها بيده م: (حتى لا يملك البائع) ش: وهو المولى م: (الحبس بعد البيع) ش: لاستيفاء الثمن لأن ماليته في يده لكونه مأذونًا له كالمودع إذا اشترى الوديعة وهي في يده لم يكن للبائع حبسه م: (لاستيفاء الثمن فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله) ش: أي فعل العبد نتيجة الدليل.
وتقريره العبد يصلح وكيلًا عن غيره في شراء نفسه لأنه مال وكل من يصلح وكيلًا عن غيره في شراء مال إذا أضاف العقد إلى الآمر صح فعله م: (امتثالًا) ش: فالعبد إذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالًا م: (فيقع العقد للآمر) ش: قياسًا على حر توكل بشيء وفعله، وقوله ففعل فهو للآمر يشير إلى أن العقد يتم بقول المولى بعت.
وهو يخالف ما ذكر في " الجامع " فإن إضافة العقد إلى الموكل إنما تفيد الملك إذ وجد الإيجاب من المولى والقبول من العبد حتى لو قال العبد: بعني نفسي من فلان فقال: بعت لا يتم العقد حتى يقول العبد قبلت بناء على أن الواحد لا يتولى طرفي البيع، بخلاف ما إذا اشترى لنفسه كما يأتي، فإنه إعتاق على مال مقدر والواحد يتولى طرفيه، فيتم بقول المولى بعت مسبوقًا بقول العبد بعني نفسي.
فإن قلت: إذا أضاف إلى الموكل فمن الطالب بالثمن؟. أجيب: بأنه في ذمة العبد لكونه العاقد، فإن قلت قد يكون محجورًا عليه ومثله لا يرجع إليه الحقوق؟، وأجيب: بأن الحجر زال بالعقد الذي باشره مع مولاه، فإن المباشرة تستدعي به تصور صحة المباشرة، وهو إذن.
م: (وإن عقد لنفسه فهو حر) ش: يعني إذا قال: بعني نفسي مني فقال: المولى بعت، فهو حر م: (لأنه إعتاق وقد رضي به المولى دون المعاوضة) ش: لأنه علم أن البيع منه إعتاق م: (والعبد وإن كان وكيلًا) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: ينبغي أن لا يجوز بيعه لنفسه لأنه وكيل بشراء معين لا يتمكن من أن يشتريه لنفسه، فينبغي أن لا يتمكن العبد من ذلك فأجاب بقوله: والعبد وإن كان وكيلًا م: (بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر) ش: وهو الإعتاق على مال فكان مخالفًا، م: (وفي مثله ينفذ الشراء على الوكيل) ش: والوكيل إذا خالف نفذ الشراء على

(9/264)


وكذا لو قال: بعني نفسي، ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق يحتمل الوجهين، فلا يقع امتثالا بالشك، فيبقى التصرف واقعا لنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوكيل.
م: (وكذا لو قال: بعني نفسي ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق) ش: وهو قوله "بعني نفسي" م: (يحتمل الوجهين) ش: أي يحتمل أن يكون مشتريًا بنفسه لنفسه ويحتمل أن يكون مشتريًا لغيره م: (فلا يقع امتثالًا بالشك فيبقى التصرف واقعًا لنفسه) ش: لأن الظاهر أن الإنسان يتصرف لأجل نفسه لا سيما تصرفًا يحص منه الإعتاق.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعورض بأن اللفظ حقيقة للمعاوضة كما تقدم، وإذا تردد اللفظ بين أن يحمل على حقيقته وعلى مجازه حمل على الحقيقة بالنية.
وأجيب: بأن اللفظ للحقيقة إذا لم يكن ثمة قرينة للمجاز، وقد وجدت فيما نحن فيه وهي إضافة العبد العقد إلى نفسه، فإن الحقيقة بالنسبة إليه غير مقصودة ورضي المولى بذلك، وإليه أشار بقوله: وقد رضي المولى به دون المعاوضة لا يقال فعلى هذا لا يكون قوله: لأن المطلق يحتمل الوجهين صحيحًا، لأنا نقول: الاحتمال إنما هو من حيث إطلاق اللفظ، وذلك لا يحتمل الإنكار والترجيح من حيث الإضافة إلى نفسه، وهي خارجة عن مفهوم اللفظ.

(9/265)


فصل في البيع قال: والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز له أن يعقد مع أبيه وجده ومن لا تقبل شهادته له عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة إلا من عبده أو مكاتبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في البيع]
م: (فصل في البيع) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام التوكيل بالبيع ولما فرغ عن بيان أحكام التوكيل بالشراء شرع في بيان التوكيل بالبيع، وأخر هذا الفصل عن بيان الفصل المتقدم لأنه يتضمن الإزالة وذلك يتضمن الإثبات وهو مقدم.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز له أن يعقد مع أبيه وجده ومن لا تقبل شهادته له) ش: مثل ابنه وأخيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك وأحمد - رحمهما الله - في وجه.
م: (وقالا: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يجوز بيعه من الأقارب الذين لا تقبل شهادته لهم بمثل القيمة، إشارة إلى أنه لا يجوز بغبن يسير وإلا لم يكن للتخصيص بمثل القيمة فائدة، ولكن ذكر في "الذخيرة" أنه يجوز بيعه من هؤلاء بالغبن اليسير لأن اليسير ملحق بمثل القيمة.
وقال فيها: لو باع ممن لا تقبل شهادته له بأكثر من القيمة يجوز بيعه بلا خلاف وبالغبن الفاحش لا يجوز بلا خلاف، وفي الغبن اليسير يجوز عندهما ولا يجوز عنده. وبمثل القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان في رواية الوكالة والبيوع لا يجوز، وفي رواية المضاربة يجوز وبيع المضارب وشراؤه ممن لا تقبل شهادته له بغبن يسير لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبيعه منهم بأكثر من القيمة وشراؤه منهم بأقل من القيمة يجوز بلا خلاف، وبمثل القيمة يجوز عندهما، وكذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - باتفاق الروايات.
م: (إلا من عبده أو مكاتبه) ش: فإنه لا يجوز عندهما أيضًا لأن البيع من هؤلاء كالبيع من نفسه فلا يجوز وقيد في " المبسوط" بقوله: إلا من عبده الذي لا دين عليه لأن كسبه لمولاه فيبيعه منه كبيعه من نفسه، فكان فيه إشارة إلى أنه إذا كان عليه دين يجوز في تعميم المشيئة ثم الوكيل بالبيع لا يجوز أن يبيعه من نفسه عندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجوز، وبه قال مالك والأوزاعي -رحمهما الله -: إذا لم يخاف لعدم التهمة، قلنا: لو جاز يؤدي إلى التضاد في الأحكام فإنه يكون مستزيدًا ومستنقصًا أيضًا ومخاصمًا في العيب وفيه من التضاد ما لا يخفى.

(9/266)


لأن التوكيل مطلق ولا تهمة إذ الأملاك متباينة. والمنافع منقطعة بخلاف العبد؛ لأنه بيع من نفسه لأن ما في يد العبد للمولى وكذا للمولى حق في كسب المكاتب وينقلب حقيقة بالعجز. وله: أن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالات، وهذا موضع التهمة بدليل عدم قبول الشهادة، ولأن المنافع بينهم متصلة، فصار بيعا من نفسه من وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي "المبسوط ": المراد من عدم الجواز في البيع من هؤلاء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مطلق، الوكالة؛ أما لو قيد الوكالة بتعميم المشيئة بأن قال: بع لمن شئت يجوز البيع من هؤلاء بلا خلاف، بخلاف البيع من نفسه أو من ابن صغير له حيث لا يجوز فإن قيل يشكل على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع المضارب من هؤلاء بمثل القيمة حيث يجوز سهوا ظهور الربح أم لا، والمضارب قبل ظهور الربح وكيل. قلنا: قال بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عدم الجواز عنده مطلقًا على ما إذا باعه بالغبن، أما البيع بمثل القيمة فجائز في المضاربة من هؤلاء.
م: (لأن التوكيل مطلق) ش: أي عن التقييد بشخص دون آخر، والمطلق يعمل بإطلاقه م: (ولا تهمة) ش: أي في البيع بمثل القيمة هذا نفي التهمة من حيث المالية وقوله م: (إذ الأملاك متباينة والمنافع منقطعة) ش: ففي التهمة إيثار الغبن. فكان هذا جواب عن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن في البيع بمثل القيمة تهمة إيثار الغبن. فلما كانت المنافع منقطعة لم يكن الوكيل مبيعًا بذلك الغبن فلا يورث التهمة، والدليل على تباين الأملاك حل وطء الابن جاريته، ولا يحل وطء جارية أبيه لتباين ملك أبيه عن ملكه وتباين الأملاك يوجب انقطاع المنافع.
م: (بخلاف العبد) ش: فإنه لا يجوز بيع الوكيل من عبده الذي لا دين عليه م: (لأنه بيع من نفسه) ش: أي لأن بيع الوكيل من عبده بيع من نفسه م: (لأن ما في يد العبد حق المولى وكذا للمولى حق في كسب المكاتب) ش: حتى لا تصلح تبرعاته ولا تزويج عبده م: (فينقلب) ش: أي حق المولى م: (حقيقة) ش: أي ينقلب حق المولى في كسب المكاتب إلى حقيقة الملك م: (بالعجز) ش: أي بعجز المكاتب عن أداء بدل الكتابة لأن المولى يملك حينئذ جميع المال في يده.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالات) ش: لأن الوكالة شرعت للأمانة، فيكون الوضع موضع الأمانة فلو كانت التهمة داخلة فيها لعاد على موضوعه بالنقض م: (وهذا موضع التهمة) ش: التهمة مأخوذة من وهم بالفتح، أي ذهب يعني يذهب الوهم أنه إنما يختار هذا النفع لنفسه فيكون عاملًا لنفسه والوكيل يعمل بغيره م: (بدليل عدم قبول الشهادة) ش: فيما بينهم لتهمة الانتفاع بمال آخر م: (ولأن المنافع بينهم متصلة فصار) ش: أي بيع الوكيل من هؤلاء م: (بيعًا من نفسه من وجه) ش: وصار مال كل واحد منهم كمال صاحبه من وجه، وفي البيع إخراج وإدخال من الجانبين، وفي البيع من هؤلاء إخراج إلى نفسه من وجه فلا يجوز.

(9/267)


والإجارة والصرف على هذا الخلاف.
قال: والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس فيه، ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير، لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف؛ لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقعها، والمتعارف البيع بثمن المثل وبالنقود، ولهذا يتقيد التوكيل بشراء الفحم والجمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والإجارة والصرف على هذا الخلاف) ش: أي الوكالة بالإجارة والصرف على الخلاف المذكور، وإنما خصها بالذكر لأن الإجارة شرعت على خلاف القياس والصرف مشروط بشروط عرى عنها البيع، وكان يجب أن لا يجوز مع هؤلاء، فبين أنهما على الاختلاف أيضًا، وفي " الكافي ": ولو اشترى من هؤلاء عينًا بثمن معلوم وأراد بيعه مرابحة لم يجز بلا بيان عنده، خلافًا لهما بناء على هذا الأصل.

[الوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ليست هذه المسألة الوكيل بالبيع مطلقًا يملك البيع بما عز وهان وبأي من كان وإلى أجل كان متعارفًا وغير متعارف.
م: (وقالا: لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس فيه) ش: أي قاله أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله -، لا يجوز الغبن الفاحش ويجوز الغبن اليسير م: (ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير) ش: أي لا يجوز بغير النقود.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يجوز بثمن المثل وبنقد البلد، فإن كانت النقود مختلفة بعقير الأغلب ولا يبيع إلا حالًا، وإن استويا باع بما هو أنفع للموكل، وفي "الذخيرة": إذا باع بأجل متعارف فيما بين الناس في تلك الساعة، بأن باع مثلًا إلى خمسين سنة وما أشبه ذلك.
فعند أبي حنيفة - رحمة الله تعالى عليه -: يجوز، وعندهما: لا يجوز، ثم قال: إنما يجوز البيع بالنسبة إذا لم يكن في اللفظ ما يدل على البيع بالنقد، أما إذا كان لا يجوز وذلك نحو أن يقول: بعه واقض ديني.
أو قال: بعه فإن الغرماء يلازمونني، أو قال: بعه فإني أحتاج إلى نفقة عيالي، ففي هذه الصور لا يجوز بيعه نسيئة بالاتفاق.
م: (لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف) ش: أي لأن المطلق بالأمر يتقيد بما هو متعارف بين الناس م: (لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقعها، والمتعارف البيع بثمن المثل وبالنقود ولهذا) ش: أي ولأجل تقيد التصرفات بمواقعها م: (يتقيد التوكيل بشراء الفحم) ش: وفي بعض النسخ بشراء الفحم وهو أليق بقران قوله. بزمان الحاجة، إذ كل الأزمان زمان الحاجة إلى اللحم م: (والجمد)

(9/268)


والأضحية بزمان الحاجة. ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه وهبة من وجه، وكذا المقايضة، بيع من وجه وشراء من وجه، فلا يتناوله مطلق اسم البيع. ولهذا لا يملكه الأب والوصي، وله: أن التوكيل بالبيع مطلق، فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة والبيع بالغبن أو بالعين متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم من العين، والمسائل ممنوعة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما هو المروي عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: بسكون الميم لا غير ما جمد من الماء م: (والأضحية بزمان الحاجة) ش: في تلك السنة لا السنة الآتية.
الحاصل: أن التوكيل بشراء الفحم يتقيد بأيام البرد والجمد بأيام الصيف والأضحية بأيام النحر أو قبلها كل ذلك من تلك السنة، حتى لو اشترى ذلك في السنة الثانية لم يلزم الآمر، وقيل هذا قولهما، أما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتقيد ولو وكله بشراء اللحم يدخل فيه لحم البقر والإبل والضأن وقيل: إن كان الأمر غريبا يتصرف إلى المطبوخ ولا يدخل الكرش والبطون والأكباد والرؤوس والأكارع واللحم القديد ولحم الطيور والوحوش، وكذا لا تدخل الشاة حية أو مذبوحة غير مسلوخة، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقع على ما يباع في العادة في الكل.
م: (ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه) ش: وهو ظاهر م: (وهبة من وجه) ش: ألا ترى أنه لو باع مريض بالغبن الفاحش يعتبر من الثلث، والأب والوصي لا يملكان البيع بالغبن الفاحش م: (وكذا المقايضة) ش: أي البيع بالعرض م: (بيع من وجه وشراء من وجه) ش: وهو وكيل بالبيع لا بالشراء م: (فلا يتناوله) ش: أي فلا يتناول التوكيل بالبيع في البيع بغبن فاحش وفي بيع المقايضة م: (مطلق اسم البيع ولهذا لا يملكه الأب والوصي) ش: لأن المطلق ينصرف إلى الكامل.
م: (وله: أن التوكيل بالبيع مطلق) ش: يعني غير مقيد بشيء م: (فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة) ش: فيتناول كل ما يطلق عليه البيع م: (والبيع بالغبن) ش: وبالغين المعجمة والباء الموحدة م: (أو بالعين) ش: بالعين المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وهو العرض، وهذا جواب عن قولهما: يعني سلمنا أن المطلق يتقيد بالمتعارف، لكن البيع بالغبن والعين م: (متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم) ش: بالعين، من تبرم به إذا شبه وكذا برم به بالكسر، وعند العامة م: (من العين) ش: لا يبالي بقلة الثمن وكثرته م: (والمسائل) ش: أي مسائل شراء الفحم والجمد م: (ممنوعة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما هو المروي عنه) .
ويقال من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولئن سلمنا أن التوكيل يتقيد فنقول إنما يتقيد بدلالة العرض لا بدلالة العادة، لأن الغرض من شراء الفحم دفع ضرر البرد وذلك يختص بالشتاء،

(9/269)


وأنه بيع من كل وجه حتى إن من حلف لا يبيع يحنث به، غير أن الأب والوصي لا يملكانه مع أنه بيع؛ لأن ولايتهما نظرية ولا نظر فيه. والمقايضة شراء من كل وجه وبيع من كل وجه لوجود حد كل واحد منهما. قال والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها، ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والغرض من شراء الجمد دفع ضرر الحر، وذلك يختص بالصيف حتى لو انعدمت هذه الدلالة بأن وجد التوكيل ممن يعتاد تربص العين كالحدادين وغيرهم أو تربص الجمد، كالفقاعيين وغيرهم لا يتقيد، كذا قال الإمام علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريقة الخلاف، وكذلك التوكيل بالأضحية، يتقيد بأيام النحر بالغرض لا بالعادة، لأن غرض الموكل خروجه عن عهدة الوجوب الذي يلحقه في أيام تلك السنة.
م: (وأنه) ش: أي وأن البيع بالغبن أو العين م: (بيع من كل وجه حتى إن من حلف أن لا يبيع يحنث به) ش: أي بالبيع بالغبن أو العين، فلما جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين جعل في الوكالة كذلك م: (غير أن الأب الوصي) ش: جواب عما يقال لو كان ذلك بيعا من كل وجه لملكه الأب والوصي، وتقرير الجواب: أن الأب والوصي م: (لا يملكانه) ش: أي البيع بالعين م: (مع أنه بيع) ش: يعني يطلق عليه أنه بيع، م: (لأن ولايتهما نظرية) ش: أي لأن ولاية الأب والوصي على الصغير من حيث النظر في أمرهما بالشفقة وأيضا النفع إليه م: (ولا نظر فيه) ش: أي في بيع الغبن.
م: (والمقايضة) ش: جواب عن قولهما، وكذا المقايضة، وتقرير الجواب أن المقايضة م: (شراء من كل وجه وبيع من كل وجه لوجود حد كل واحد منهما) ش: وهو مبادلة المال بالمال على وجه التراضي، وكل ما صدق عليه هذا الحد فهو بيع من كل وجه وشراء من كل وجه، فإن قيل: فمن المحال أن يوصف الشيء الواحد بصفة وبضدها في حالة واحدة. قلنا: إنما كان محالا إذا كان ذلك من وجهة واحدة، وليس كذلك، فإنه بيع من كل وجه بالنسبة إلى غرض نفسه، وشراء بالنسبة إلى غرض صاحبه.
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك، فمن أي وجه رجح أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جانب البيع.
قلنا: ذكر في " المبسوط ": جانب البيع يرجح على جانب الشراء في البيع بالغرض. ألا ترى أن أحد المضاربين إذا اشترى بغير إذن صاحبه، كان مشتريا لنفسه، ولو باع بغير إذن صاحبه شيئا من مال المضاربة يوقف على إجازة صاحبه، فإنه باعه بغرض.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها، ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله) ش: وهو الغبن الفاحش ولا خلاف فيه

(9/270)


لأن التهمة فيه متحققة فلعله اشتراه لنفسه، فإذ الم يوافقه ألحقه بغيره على ما مر حتى لو كان وكيلا بشراء شيء بعينه، قالوا: ينفذ على الآمر؛ لأنه لا يملك شراءه لنفسه وكذا الوكيل بالنكاح، إذا زوجه امرأة بأكثر من مهر مثلها جاز عنده؛ لأنه لا بد من الإضافة إلى الموكل في العقد، فلا تتمكن هذه التهمة ولا كذلك الوكيل بالشراء لأنه يطلق العقد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين الأئمة الأربعة م: (لأن التهمة فيه متحققة) ش: أي في هذا الشراء لتحقق التهمة فيه، والتهمة معتبرة في باب الوكالة، ألا ترى أن الوكيل بالبيع لا يبيع من أبيه وابنه للتهمة م: (فلعله) ش: أي ولعل الوكيل م: (اشتراه) ش: أي اشترى الشيء الذي وكل به م: (لنفسه) ش: أي لأجل نفسه م: (فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره) ش: أي لغير نفسه لأنه لما رأى الخسران في الشراء ألحقه بالموكل م: (على ما مر) ش: إشارة إلى ما ذكر في المتن قبل ورقة بقوله: "لأنه موضع تهمة" بأن اشتراه لنفسه فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر م: (حتى لو كان وكيلا بشراء شيء بعينه) .
م: (قالوا:) ش: أي قال المشايخ وأراد به عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فإن بعضهم قال يتحمل فيه الغبن اليسير لا الفاحش، وقال: لا يتحمل فيه اليسير أيضا م: (ينفذ على الآمر) ش: لانتفاء التهمة م: (لأنه لا يملك شراءه لنفسه) ش: أي لأن الوكيل لا يملك أن يشتريه لنفسه، وإن نوى الشراء لنفسه وصرح بذلك، بأن قال: اشهدوا أني قد اشتريتها لنفسي إلا إذا خالف في الثمن لا إلى خبر. أو خالف إلى جنس آخر على ما مر مرة.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جواز عقد الوكيل بالشراء بزيادة يتغابن الناس في مثلها فيما ليس له قيمة معلومة عند أهل البلد، فأما ما له قيمة معلومة عندهم كالخبز واللحم إذا زاد الوكيل بالشراء على ذلك لا يلزم الآمر قلت الزيادة أو كثرت قال في "بيوع التتمة " وبه يفتى.
م: (وكذا الوكيل بالنكاح) ش: على الخلاف المذكور م: (إذا زوجه) ش: أي موكله م: (امرأة بأكثر من مهر مثلها جاز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ووقع في بعض النسخ جاز عقده بالقاف. والظاهر أنه تصحيف وإن كان له وجه م: (لأنه لا بد من الإضافة) ش: أي من إضافة العقد م: (إلى الموكل في العقد فلا تتمكن هذه التهمة) ش: وأشار به إلى قوله لأن التهمة فيه متحققة، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " وإذا وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة بعينها، فزوجها إياه فهو جائز، فإن زادها على مهر مثلها فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إذا زوجها بما يتغابن الناس في مثله، فهو جائز، وإذا أكثر في ذلك لم يلزم الزوج النكاح إلا أن ترضاه م: (ولا كذلك الوكيل بالشراء لأنه يطلق العقد) ش: أي لأنه لا يضيف العقد إلى الموكل حيث يقول اشتريت، ولا يقول فلان.

(9/271)


قال: والذي لا يتغابن الناس فيه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، وقيل في العروض دهنيم، وفي الحيوانات ده يازده، وفي العقارات ده دوازده لأن التصرف يكثر وجوده في الأول ويقل في الأخير ويتوسط في الأوسط وكثرة الغبن لقلة التصرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الذي لا يتغابن الناس فيه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والذي لا يتغابن الناس فيه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين) ش: لما ذكر الغبن اليسير والفاحش شرع أن يبين كيفيتهما فقال والذي ... إلى آخره، وقوله والذي مبتدأ وخبره هو قوله ما لا يدخل، ومقابل هذا مما يتغابن فيه، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، والمقدار الذي يتغابن الناس نصف العشرة وأقل منه، وهذا غير منصوص عنهم، ولكن مذاهبهم تدل عليه.
وقال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الكبير ": اختلف المشايخ في الحد الفاصل بين القليل والكثير، منهم من قال ما يتغابن الناس فيه قليل وما لا يتغابن الناس فيه كثير، ومنهم من قال ما يدخل تحت تقويم المقومين فهو قليل، وما لا يدخل فهو كثير، ومنهم من قال: ذلك مفوض إلى رأي القاضي.
م: (وقيل) ش: هذا معطوف على ما تضمن قوله ما يدخل تحت تقويم المقومين وهو بيان للغبن اليسير، وقال نصير بن يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه قال قدر ما يتغابن الناس فيه م: (في العروض دهنيم) ش: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء اسم عشرة بالفارسي ونيم بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم وهو اسم النصف والمراد هنا نصف درهم م: (وفي الحيوانات: ده يازده) ش: وهذا اسم لأحد عشر وزيادة بالياء آخر الحروف بعدها ألف ثم زاي ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة ثم هاء ساكنة م: (وفي العقارات ده دو أزده) ش: وهذا اسم لاثني عشر ودو نزده بضم الدال المهملة وبالواو وسكون النون بعد الألف وسكون الزاي والتقاء الساكنين عندهم مفتقر كثير وبعد الزاي دال مهملة مفتوحة ثم هاء ساكنة.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلا عن لفظ الشيخ أبي المعين النسفي ومحمد - رحمهما الله -: قدر في هذا الكتاب بده نيم يعني في " الجامع الكبير " ومشايخ بلخ أدخلوا ذلك على ما قال الفقيه أبو القاسم بن شعيب بن إدريس - رَحِمَهُ اللَّهُ - حكى عنهم أنهم قدروا اليسير في العقار بده دوا زاد، وفي الحيوان بده يازده وفي العروض: بده نيم.
م: (لأن التصرف يكثر وجوده في الأول) ش: وهو قوله في العروض ده نيم م: (ويقل في الأخير) ش: وهو قوله في العقارات: ده دو أزده م: (ويتوسط في الأوسط) ش: وهو قوله في الحيوانات: ده يازده م: (وكثرة الغبن لقلة التصرف) .
ش: وأوضح ذلك الشيخ الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: بلا، فإذا كان الغبن إلى هذا المبلغ كان

(9/272)


قال: وإذا وكله ببيع عبد له فباع نصفه، جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن اللفظ مطلق عن قيد الافتراق والاجتماع، ألا ترى أنه لو باع الكل بثمن النصف يجوز عنده، فإذا باع النصف به أولى. وقالا: لا يجوز لأنه غير متعارف؛ ولما فيه من ضرر الشركة، إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما لأن بيع النصف قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن لا يجد من يشتريه جملة، فيحتاج إلى أن يفرق فإذا باع الباقي قبل نقض البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يسيرا لزم الآمر، وإن زاد على ذلك لزم الموكل، والتقدير على هذا الوجه لأن الغبن يزيد بقلة التجربة وينقص من كثرتها وقلتها، وكثرتها بقلة وقوع التجارات وكثرته.
وفي القسم الأول كثير، وفي الأخير قليل، وفي الأوسط متوسط، وعشرة دراهم نصاب يقطع به يد محترمة فجعل أصلا والدرهم مال يحبس لأجله، فقد لا يتسامح به وفي المماكسة، فلم يعتبر فيما كثر وقوعه يسيرا والنصف من النصفة فكان يسيرا وضوعف بعد ذلك بحسب المواقع، فما كان أقل وقوعا منه اعتبر ضعفه وما كان أقل من الأقل اعتبر ضعف ضعفه.

[وكله ببيع عبد له فباع نصفه]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (وإذا وكله ببيع عبد له فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إذا وكل رجل رجلا ببيع عبده أي مطلقا، وإنما وضع المسألة في العبد ليترتب عليه هذا الاختلاف المذكور لأنه إذا باع نصف ما وكل ببيعه وليس في تفريعه ضرر، كالحنطة والشعير يجوز بالاتفاق، ذكره في " الإيضاح " م: (لأن اللفظ مطلق عن قيد الافتراق والاجتماع) ش: فيجري على إطلاقه، واستوضح بقوله:
م: (ألا ترى أنه لو باع الكل بثمن النصف يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: م: (فإذا باع النصف به) ش: أي بذلك الثمن م: (أولى) ش: لأن إمساك البعض مع بيع البعض بهذا الثمن أنفع له من بيع الكل بذلك الثمن، وإنما قيد بقوله " عنده " لأنه لا يجوز عندهما لأنه غبن فاحش، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -، فإن قيل: إنما يجوز بيع الكل بثمن النصف لعدم الشركة، أما في بيع النصف بنصف الثمن يلزم الشركة وهي عيب في الأعيان، فكان يحالفه إلى الشراء. قلنا: ضرر الشركة أهون من ضرر بيع الكل بثمن النصف، فلما جاز ذلك على قوله فلان يجوز هذا وهو أهون أولى.
م: (وقال: لا يجوز لأنه غير متعارف) ش: لأن التوكيل به ينصرف إلى التعارف وبيع النصف غير متعارف م: (ولما فيه من ضرر الشركة) ش: أي لما في بيع النصف من ضرر الشركة لأنها عيب م: (إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما) ش: أي الوكيل والموكل م: (لأن بيع النصف قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن لا يجد من يشتريه جملة، فيحتاج إلى أن يفرق فإذا باع الباقي قبل نقض البيع

(9/273)


الأول تبين أنه وقع وسيلة. وإذ لم يبع ظهر أنه لم يقع وسيلة فلا يجوز، وهذا استحسان عندهما، وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف، فإن اشترى باقيه لزم الموكل لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثا بين جماعة، فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا، فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع وسيلة، فينفذ على الآمر وهذا بالاتفاق. والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الشراء تتحقق التهمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأول تبين أنه وقع وسيلة) ش: إلى الامتثال م: (وإذا لم يبع ظهر أنه لم يقع وسيلة فلا يجوز وهذا) ش: أي كون البيع موقوفا إلى أن يبيع النصف الآخر قبل الخصومة م: (استحسان عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، لأن القياس أن لا يتوقف لثبوت المخالفة ببيع النصف.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وفي قوله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون الشراء لنفسه في الأحوال كلها، وفي شرح الطحاوي "، ولو اختصم الوكيل مع الموكل إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي وألزم القاضي الوكيل، ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك يلزم الوكيل بالإجماع، وكذلك هذا الحكم في جميع الأشياء التي في تنقيصها مضرة، ويكون التنقيص فيه عيبا كالعبد والأمة والدابة والثوب وما أشبه ذلك، والذي ليس فيه التنقيص عيبا، فاشترى بعضه لزم الآمر، وقد مر هذا عن قريب، ولو وكله بشراء عبدين فاشترى له أحدهما لزم الآمر بالإجماع، وكذا لو وكله بشراء جماعة من العبيد فاشترى واحدا منها لزم الآمر.
م: (وإن وكله) ش: وفي بعض النسخ وإن وكله أي وإن وكل رجل رجلا م: (بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف) ش: بالاتفاق وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقالا في قول ورواية: لا ينفذ على الآمر م: (فإن اشترى باقيه لزم الموكل لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال، بأن كان موروثا من جماعة فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا) ش: الشقص القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، فإذا اشترى شقصا شقصا حتى اشترى الباقي كان وسيلة إلى تحصيل مقصود الآمر فجاز، وإليه أشار بقوله: م: (فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع وسيلة، فينفذ على الآمر) ش: لأنه يصير كأن اشترى جملة، وزالت التهمة م: (وهذا بالاتفاق) ش: لأنه لما اشترى باقيه ارتفع الخلاف.
وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه المسمى " بالتقريب ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وكل رجل رجلا أن يشتري له عبدا فاشترى نصفه جاز عتق الآمر فيه، ولم يجز عتق الوكيل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز عتق الوكيل فيه دون الموكل م: (والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بين البيع والشراء م: (أن في الشراء تتحقق التهمة) ش: لأن صحة الأمر بتسمية العبد

(9/274)


على ما مر، وآخر أن الآمر بالبيع يصادف ملكه فيصح فيعتبر فيه إطلاقه، والآمر بالشراء صادف ملك الغير فلم يصح فلا يعتبر فيه التقييد والإطلاق.
قال: ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه بعيب لا يحدث مثله لقضاء القاضي ببينة أو بإباء يمين أو بإقراره، فإنه يرده على الآمر لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ونصف العبد ليس بعبد، فلا يصير به ممثلا أمر الآمر، وأما في جانب البيع فصحة التوكيل باعتبار ملك العين وذلك موجود في البعض فيعتبر فيه إطلاقه.
وتحقيق الكلام فيه: أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعتبر العموم والإطلاق في التوكيل بالبيع. وأما في التوكيل بالشراء فيعتبر المتعارف الذي لا ضرر فيه ولا تهمة وعندهما كلاهما سواء م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله الذي تقدم لأن التهمة فيه متحققة، م: (وآخر) ش: أي فرق آخر بين البيع والشراء م: (أن الآمر في البيع) ش: أي في صورة التوكيل بالبيع م: (يصادف ملكه) ش: أي ملك الآمر م: (فيصح) ش: أي أمره لولايته على ملكه م: (فيعتبر فيه إطلاقه) ش: أي إطلاق الأمر، فجاز بيع النصف لأن الأمر وقع مطلقا عن الجمع والتفريق.
م: (والأمر بالشراء) ش: أي الأمر بالتوكيل في الشراء م: (صادف ملك الغير) ش: وهو مال البائع م: (فلم يصح) ش: أي الأمر مقصودا لأنه لا ملك للآمر في مال الغير، وإنما صح ضرورة لحاجته إليه ولا عموم لما ثبت ضرورته م: (فلا يعتبر فيه التقييد والإطلاق) ش: فلم يجز شراء البعض لأن الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وذلك يتأدى بالتعارف وهو شراء الكل لا البعض، لأن الغرض المطلوب من الكل لا يحصل بشراء البعض، إلا إذا اشترى البعض قبل أن يختصما على ما مر.

[أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه) ش: أي على البائع م: (بعيب لا يحدث مثله) ش: كالإصبع الزائدة، والسن الشاغية م: (لقضاء القاضي) ش: إما م: (بينة) ش: قامت على المأمور م: (أو بإباء يمين) ش: أي القضاء بنكول المأمور عن اليمين عند توجهها إليه م: (أو بإقراره) ش: أي القضاء بإقرار المأمور بالعيب م: (فإنه) ش: أي فإن المأمور م: (يرده) ش: أي يرد العبد م: (على الآمر) ش: من غير خصومة، إذ الرد على الوكيل رد على الموكل م: (لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع) ش: فإن قيل إذا كان الوكيل مقرا بالعيب يرد عليه فلا حاجة إلى قضاء القاضي فما فائدة من ذكره.
أجيب: بأنه يحتاج في صورة الإقرار إلى القضاء، لأنه يمكن أن يقر بالعيب ويمتنع عن

(9/275)


فلم يكن قضاؤه مستندا إلى هذه الحجج، وتأويل اشتراطها في الكتاب: أن القاضي يعلم أنه لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا، لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع، فيحتاج إلى هذه الحجج لظهور التاريخ، أو كان عيبا لا يعرفه إلا النساء والأطباء، وقولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة لا في الرد، فيفتقر إليها في الرد، حتى لو كان القاضي عاين البيع والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها، وهو رد على الموكل فلا يحتاج الوكيل إلى رد وخصومة. قال وكذلك إن رد عليه بعيب يحدث مثله ببينة أو بإباء يمين، لأن البينة حجة مطلقة، والوكيل مضطر في النكول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القبول فالقاضي يجبره على القبول م: (فلم يكن قضاؤه مستندا) ش: هذا جواب عما يقال: لما كان العيب لا يحدث مثله لم يتوقف القضاء إلى هذه الحجج، بل تقضى بدونها لعلة قطعها بوجود العيب عند البائع، وتقرير الجواب بأن يقال لم يكن قضاؤه مستندا م: (إلى هذه الحجج) ش: وهي البينة، والإقرار، والإباء عن اليمين م: (وتأويل اشتراطها في الكتاب) ش: أي اشتراط الحجج المذكورة في " الجامع الصغير ".
م: (أن القاضي يعلم أنه) ش: أي أن العيب المذكور م: (لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا، لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع، فيحتاج إلى هذه الحجج لظهور التاريخ) ش: يوضح هذا أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط في " الجامع الصغير " البينة أو الإباء أو الإقرار لاشتباه الأمر على القاضي بأن العيب قديم أو لا إذ يعلم القاضي منها أن مثل هذا العيب لا يحدث مدة شهر مثلا.
ولكنه لا يعلم تاريخ البيع متى كان، فيحتاج المشتري إلى واحدة من هذه الحجج على أن تاريخ البيع منذ شهر حتى يظهر عند القاضي أن هذا العيب كان في يد البائع فيرد المبيع عليه وهذا بيان ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو كان عيبا) ش: أي أو كان العيب الذي يريد المشتري الرد به عيبا م: (لا يعرفه النساء) ش: كالقرن في الفرج، والمرض الدق م: (والأطباء) ش: أي أو عيبا لا يعرفه إلا الأطباء. كالسعال القديم م: (وقولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة) ش: للمشتري م: (لا في الرد) ش: أي ليس بحجة في رد المبيع على البائع، فإذا كان كذلك م: (فيفتقر) ش: أي القاضي م: (إليها في الرد) ش: أي إلى الحجج المذكورة وهي البينة والإقرار والإباء م: (حتى لو كان القاضي عاين البيع، والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها) ش: أي من الحجج المذكورة م: (وهو) ش: أي الرد على الوكيل م: (رد على الموكل فلا يحتاج الوكيل إلى رد وخصومة قال: وكذلك إن رده عليه) ش: أي إن رد المشتري المبيع على البائع م: (بعيب) ش: أي بسبب عيب م: (يحدث مثله) ش: أي مثل هذا العيب م: (ببينة) ش: يتعلق بقوله إن رده م: (أو بإباء يمين) ش: أي أو بالنكول عن اليمين م: (لأن البينة حجة مطلقة) ش: أي مثبته عند الناس كافة، فيثبت بها قيام العيب عند الموكل فنفذ الرد على الموكل م: (والوكيل مضطر في النكول) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المبسوط ". فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو رده

(9/276)


لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسة المبيع فلزم الأمر، قال: فإن كان ذلك بإقراره لزم المأمور لأن الإقرار حجة قاصرة، وهو غير مضطر إليه لإمكانه السكوت والنكول، إلا أن له أن يخاصم الموكل فيلزمه ببينة أو بنكوله. بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء. والعيب يحدث مثله حيث لا يكون له أن يخاصم بائعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بنكوله لم يكن له أن يرده على الموكل ولو اشترى شيئا وباعه من غيره ثم المشتري الثاني رده على المشتري الأول بنكوله لم يكن له أن يرده على بائعه.
وتقرير الجواب: أن الوكيل مضطر في هذا النكول م: (لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسة المبيع فلزم الأمر) ش: تقريره إنما اضطر إلى ذلك بعمل باشره الآمر، يعني أنه لم يباشر أحوال العبد فلا يعرف بعيب ملك الغير، والآمر هو الذي أوقعه فيه فكان الرد عليه ردا على الموكل عبدا، فأما إذا أقر فإنه مختار فيه لا مضطرا وبخلاف المشتري فإنه مضطر في النكول ولكنه بعمل باشره بنفسه فلا يرجع على غيره، كذا في " المبسوط ".
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرد بالبينة ظاهر، وإذا كان بالنكول ففيه نوع إشكال لأنه جعل النكول هنا بمنزلة البينة، وفي فصل الاستحقاق بمنزلة الإقرار ألا ترى أن من اشترى عبدا فادعى رجل أنه عبده واستحلف المشتري فنكل، فقضى القاضي بنكوله فالمشترى لا يرجع بالثمن كما أقر به المشتري.
والجواب هو الفرق بين المسألتين، أن في مسألة الشراء سبق من المشتري ما يطلق له اليمين لكون المبيع ملكه لما أن الشراء من أسباب الملك فلم يكن مضطرا في النكول فاعتبر نكوله بإقراره، وأما في حق الوكيل فلم يسبق منه ما يطلق له اليمين، فكان مضطرا في النكول كما هو مضطر عند إقامة البينة، فيعتبر نكوله بالبينة في هذا الوجه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن كان ذلك) ش: أي العيب م: (بإقراره لزم المأمور) وهو الوكيل م: (لأن الإقرار حجة قاصرة) ش: لا يظهر إلا في حق المقر دون غيره م: (وهو غير مضطر إليه) ش: أي إلى الإقرار م: (لإمكانه السكوت والنكول) ش: حتى يقضي عليه اليمين، ويقضي بالنكول والسكوت، والنكول مرفوعان، أي لأنه يمكنه السكوت والنكول م: (إلا أن له) ش: أي غير أن له م: (أن يخاصم الموكل فيلزمه ببينة أو بنكوله) ش: أي نكول الموكل؛ لأن الرد بالقضاء فسخ لعموم ولاية القاضي غير أن الحجة قاصرة، وهي الإقرار فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصمه، ومن حيث القصور لا يلزمه وهذه فائدة الحاجة إلى القضاء مع الإقرار، فيسقط ما قال في النهاية " إذا أقر الوكيل بالعيب لا حاجة حينئذ إلى قضاء القاضي، لأنه يقبله لا محالة.
م: (بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء والعيب يحدث مثله حيث لا يكون له أن يخاصم بائعه)

(9/277)


لأنه بيع جديد في حق ثالث، والبائع ثالثهما، والرد بالقضاء فسخ لعموم ولاية القاضي غير أن الحجة قاصرة وهي الإقرار، فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصمه، ومن حيث القصور في الحجة لا يلزم الموكل إلا بحجة، ولو كان العيب لا يحدث مثله، والرد بغير قضاء بإقراره يلزم الموكل من غير خصومة في رواية، لأن الرد متعين، وفي عامة الروايات ليس له أن يخاصمه لما ذكرنا، والحق في وصف السلامة، ثم ينتقل إلى الرد، ثم إلى الرجوع بالنقصان، فلم يتعين الرد، وقد بيناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان ينبغي أن يقول يخاصم موكله، أو يقول أمره وكان ينبغي أيضا أن يقول مكان قوله والبائع ثالثهما والموكل ثالثهما، لأن الكلام في مخاصمة الوكيل مع الموكل وهو ليس ببائع انتهى قبل غير بالبائع عن قوله يخاصم أمره لأن البيع لما انتقل إلى الموكل وتقرر عليه بأمر قد حصل من جهته فكأنه باعه إياه م: (لأنه بيع جديد في حق ثالث والبائع ثالثهما) ش: وهو الموكل والآمر.
م: (والرد بالقضاء فسخ) ش: هذا جواب سؤال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يكون له حق الخصومة مع الموكل، إذ قد حصل الرد بإقرار الوكيل فكان بيعا جديدا في حق الكل، وتقرير الجواب: أن الرد بقضاء القاضي فسخ م: (لعموم ولاية القاضي) ش: على الوكيل والموكل فلا يحتمل أن يكون عقدا مبتدأ لفقد التراضي لأن القاضي يرده على كره منه فيجعل فسخا م: (غير أن الحجة) ش: وهي الإقرار م: (قاصرة وهي الإقرار) يعني دليل قاصر فعملنا بهما م: (فمن حيث الفسخ) ش: أي فمن حيث إن الرد بالقضاء م: (كان له) ش: أي الوكيل م: (أن يخاصمه) ش: الموكل م: (ومن حيث القصور في الحجة) ش: أي ومن حيث إن الإقرار حجة قاصرة م: (لا يلزم الموكل إلا بحجة) ش: وهي إقامة البينة على الموكل م: (ولو كان العيب لا يحدث مثله والرد بغير قضاء بإقراره يلزم الموكل من غير خصومة في رواية) ش: وهي رواية كتاب البيوع من الأصل م: (لأن الرد متعين) ش: في هذا لأن الخصمين فعلا عين ما يفعله القاضي، فإذا كان الرد متعينا صار تسليم الخصم، وتسلم القاضي سواء كتسليم الشفعة، وقضاء الدين، والرجوع في الهبة م: (وفي عامة الروايات) ش: أي من " المبسوط " م: (ليس له أن يخاصمه لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله لأنه بيع جديد في حق ثالث.
م: (والحق في وصف السلامة) ش: جواب من قال: إن الرد متعين يعني حكم الأصل المطالبة بوصف السلامة م: (ثم ينتقل إلى الرد) ش: بضرورة العجز م: (ثم إلى الرجوع) ش: أي ثم ينتقل إلى الرجوع م: (بالنقصان) ش: وهي حصة العيب م: (فلم يتعين الرد) ش: وفيما ذكر من المسائل متعين لا يحتمل التحول إلى غيره، تفسير القياس لعدم الجامع م: (وقد بيناه) ش: أي حكم

(9/278)


في الكفالة بأطول من هذا.
قال: ومن قال لآخر: أمرتك ببيع عبد بنقد فبعته بنسيئة، وقال المأمور. أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا، فالقول قول الآمر، لأن الأمر يستفاد من جهته ولا دلالة على الإطلاق، قال: وإن اختلف في ذلك المضارب ورب المال فالقول قول المضارب، لأن الأصل في المضاربة العموم، ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة، فقامت دلالة الإطلاق بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر، حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق فيه بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة، ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا أو نسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم،
قال: ومن أمر رجلا ببيع عبده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسائل المذكورة م: (في الكفالة) ش: اسم الكتاب ألفه المصنف م: (بأطول من هذا) ش: أي من الذي بيناه هنا.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قال لآخر أمرتك ببيع عبد بنقد فبعته بنسيئة وقال المأمور أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا، فالقول قول الآمر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت السعلة قائمة فالقول للموكل وإن كانت هالكة فالقول للوكيل، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: القول للوكيل م: (لأن الأمر يستفاد من جهته) ش: أي من جهة الآمر م: (ولا دلالة على الإطلاق) ش: إذ الأمر بالبيع قد يكون مقيدا وقد يكون مطلقا، ولا دليل على أحد الوجهين، والأمر يستفاد من جهته فكان القول قوله كما لو أنكر أصل الوكالة.
م: (قال: وإن اختلف في ذلك) ش: أي في النقد وعدمه م: (المضارب ورب المال) ش: بأن قال رب المال: أمرتك بالنقد وقال المضارب: بل دفعت مضاربة ولم يعين شيئا م: (فالقول قول المضارب لأن الأصل في المضاربة العموم) ش: والإطلاق م: (ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة) ش: ويثبت الإذن عاما م: (فقامت دلالة الإطلاق) ش: وليس كالوكيل لأن الوكالة عقد خاص م: (بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر) ش: أي وادعى المضارب المضاربة في نوع آخر من البز م: (حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة) ش: وفي الوكالة المحضة القول للآمر كما مر.
م: (ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا أو نسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم) ش: أي الوجه من الجانبين تقدم في مسألة الموكل بالبيع، والوجه هو: أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعمل بالإطلاق، وهما بالمتعارف.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن أمر رجلا ببيع عبده

(9/279)


فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه فلا ضمان عليه لآن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها، والكفالة توثق به والارتهان وثيقة لجانب الاستيفاء فيملكهما بخلاف الوكيل بقبض الدين لأنه يفعل نيابة وقد انابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن، والوكيل بالبيع يقبض أصالة ولهذا لا يملك الموكل حجره عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده، أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه) ش: أي على الكفيل م: (فلا ضمان عليه) ش: أي على الكفيل؛ قيل: المراد من الكفالة هنا الحوالة لأن التوى لا يتحقق في الكفالة.
وقال التمرتاشي: الوكيل بالبيع لما احتال بالثمن لم يجز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الحوالة تتضمن إبراء الأصيل، والوكيل لا يملك ذلك عنده، قيل: بل على حقيقتها، والتوى يتحقق في الكفالة بأن مات الكفيل، والمكفول عنه مفلسا، وفي " جامع" النهاجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التوى على الكفيل بأن يموت مفلسا، وفي الكفالة التوى على الكفيل؛ بأن رفع الأمر إلى القاضي يرى براءة الأصيل بنفس الكفالة، كما هو مذهب الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها) ش: أي من الحقوق م: (والكفالة توثق به) ش: أي بالثمن م: (والارتهان وثيقة الجانب الاستيفاء) ش: ولو استوفى الثمن وهلك عنده لم يضمن م: (فيملكهما) ش: أي فيملك الوكيل الكفالة والرهن م: (بخلاف الوكيل بقبض الدين) ش: أي أخذ رهنا، أو كفيلا فإنه لا يجوز م: (لأنه يفعل نيابة) ش: حتى إذا نهاه عن القبض يصح نهيه م: (وقد أنابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن، والوكيل بالبيع يقبض أصالة) ش: لا نيابة م: (ولهذا) ش: أي فلأجل كون الوكيل بالبيع يقبض أصالة م: (لا يملك الموكل حجره) ش: أي عجز الوكيل م: (عنه) ش: أي عن قبض الثمن عندنا، وقالت الأئمة الثلاثة: يملك؛ والله أعلم.

(9/280)


فصل وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك؛ لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما، والبدل وإن كان مقدرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان وكالة الاثنين]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان وكالة الاثنين، ووجه تأخيره عن وكالة الواحد ظاهر طبعا ووضعا قيل لم يكن لذكر الفصل كثير حاجة، وقيل: بأنه ذكر هنا أشياء أخر غير الوكالة بالبيع وهو الوكالة بالخلع والطلاق، والتزويج والكتابة والإعتاق، والإجارة م: (وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك) ش: قال الطحاوي في " مختصره "، وإذا وكل الرجل رجلين ببيع عبد أو بابتياعه أو بتزويج امرأة أو بخلع امرأته منه على مال، أو بعتق عبده على مال، أو بمكاتبة ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز إلا أن يجيزه الآخر فيجوز، وإن وكلهما بعتق عبده بغير مال أو بطلاق امرأته بغير ماله فعل ذلك أحدهما دون الآخر جاز.
وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": الوكيلان بالتزويج والخلع والكتابة على مال إذا فعله أحدهما لا يجوز حتى يجيز الموكل أو الوكيل الآخر. وفي " المبسوط ": هذا الذي ذكره فيما إذا وكلهما بكلام واحد، فأما إذا وكلهما بكلامين فيجوز لكل منهما أن يتصرف بدون الآخر، لأنه إذا وكلهما بكلامين فقد رضي برأي أحدهما، بخلاف الوصيين إذا أوصى كل واحد منهما بكلام واحد حيث لم ينفرد أحدهما بالتصرف في أصح القولين.
في " شرح الطحاوي ": أما الوصيان فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إلا في أشياء معروفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لكل واحد منهما ولاية التصرف على حدة.
قلت: الأشياء المعروفة سبعة، شراء الكفن، وقضاء الدين من المعين، وتنفيذ الوصية في عين، ورد الوديعة، وشراء الطعام، والكسوة للصغير، والخصومة، وقبول الهدية. م: (لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما) ش: حتى لو باع أحدهما والآخر حاضر لا يجوز إلا أن يجيز الآخر جاز، ولو كان الآخر غائبا عنه فأجاز لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الذخيرة " وفي " المبسوط "، ولو كان أحدهما صبيا أو عبدا محجورا لم يجز للآخر أن ينفرد بالتصرف، ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يجز للآخر أن يتصرف لأنه ما رضي برأي أحدهما م: (والبدل وإن كان مقدرا) ش: هذا جواب عما يقال إذا قدر الموكل البدل فلا يحتاج إلى

(9/281)


ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري، قال إلا أن يوكلهما بالخصومة لأن الاجتماع فيها متعذر للإفضاء إلى الشعب في مجلس القضاء والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رأيهما، فيجوز أن يتصرف أحدهما؛ وتقرير الجواب أن البدل وهو الثمن وإن كان قدره الموكل، م: (ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة) ش: بأن يزداد الثمن عند اجتماع الرأي لذكاء أحدهما ومعرفته التامة م: (واختيار المشتري) ش: أي وفي اختيار المشتري يشتري ما وكلا به لأن من المشتريين من يماطل في أداء الثمن فيختار الآخر من لا يماطل.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الأصل " ولو كان الموكل يسمي لها ثمنا فباع أحدهما به لم يجز وإن باعا جميعا بذلك الثمن فهو جائز وأن يسمي لهما ثمنا فباعا جميعا بثمن نسيئة، فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول: هو جائز، وإن باعا بدرهم ثمنا يساوي ألفا، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إذا أخطأ من الثمن ما لا يتغابن الناس في مثله لم يجز.
قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكلهما أن يشتريا له شيئا فزاد على ثمنه مال يتغابن الناس في مثله فإنه لا يلزمه، وقال: البيع والشراء في ذلك مختلف في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: هما سواء، لا يجوز على الآمر إلا ما يتغابن الناس في مثله م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يوكلهما بالخصومة) ش: هذا استثناء من قوله " ليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر "، يعني لو وكلهما بالخصومة جاز انفراد أحدهما بالتصرف.
وقال زفر: لا يصح الانفراد فيها أيضا، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -، لأنه يحتاج فيهما إلى الرأي، ورأي الاثنين لا يكون كرأي واحد.
وقال المصنف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الاجتماع فيها) ش: أي في الخصومة م: (متعذر للإفضاء إلى الشغب) ش: بفتح الشين المعجمة وسكون الغين المعجمة تهييج الشر م: (في مجلس القضاء) ش: لأن فيه مهابة مجلس القضاء م: (والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة) ش: هذا إشارة إلى دفع قول من قال، ليس لأحدهما أن يخاصم دون صاحبه، لأن الخصومة تحتاج فيها إلى الرأي والموكل رضي برأيهما، ووجه ذلك أن المقصود وهو اجتماع الرأيين يحصل في تقويم الخصومة سابقا عليها فيكتفى بذلك ولا يشترط حضرة صاحبه في خصومته عند الجمهور وإطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يدل على هذا، وقيل: يشترط.
وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي ": الوكيلان بالخصومة

(9/282)


قال أو بطلاق زوجته بغير عوض، أو بعتق عبده بغير عوض، أو برد وديعة عنده، أو قضاء دين عليه، لأن هذه الأشياء لا يحتاج فيها إلى الرأي بل هو تعبير محض، وعبارة المثنى والواحد سواء، وهذا بخلاف ما إذا قال لهما: طلقاها إن شئتما، أو قال: أمرها بأيديكما؛ لأنه تفويض إلى رأيهما، ألا ترى أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأحدهما أن يخاصم إلا أنه إذا انتهى إلى قبض المال لا يجوز قبض أحدهما حتى يجتمعا، لأن الخصومة مما لا يتأتى فيها اثنان، والقبض مما يتأتى فيه الاجتماع.

[يوكلهما بطلاق زوجته بغير مال]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو بطلاق زوجته بغير عوض) ش: هذا عطف على المستثنى وهو قوله بالخصومة، أي ويوكلهما بطلاق زوجته بغير مال، فلأحدهما أن يطلق خلافا للشافعي وأحمد - رحمهما الله.
وقد ذكرنا عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه وكلهما بطلاق امرأته على مال ففعل ذلك أحدهما لا يجوز م: (أو بعتق عبده بغير عوض) ش: أي أو يوكلهما بأن يعتقا عبده بغير مال فلأحدهما أن يعتقه م: (أو برد وديعة عنده) ش: أي يوكلهما برد وديعة إلى صاحبهما فلأحدهما أن يردها، قيد بردها لأنهما إذا كانا قد قبضاها لا ينفرد أحدهما، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - الرد كالقبض.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما في " الأصل ": لو وكلهما بقبض وديعة وقبضها أحدهما بغير إذن صاحبه يضمن، لأنه شرط اجتماعهما على القبض ولم يوجد، فإن قيل: ينبغي أن يضمن النصف، قلنا: مأمور بقبض النصف إذا قبض مع صاحبه وبدونه لا م: (أو قضاء دين عليه) ش: أي وكلهما بقضاء دين عليه فلأحدهما أن يقضيه.
وقال فخر الدين قاضي خان في " شرح الجامع الصغير ": لا ينفرد أحد الوكيلين إلا في أربعة، إذا وكلهما بالطلاق، والثاني إذا وكلهما بالعتاق، والثالث: إذا وكلهما برد وديعة أو عارية، أو غصب، أو دين عليه لرجل، والرابع: إذا وكلهما بالخصومة م: (لأن هذه الأشياء) ش: وهي الطلاق بلا عوض، والعتاق بلا عوض، ورد الوديعة، وقضاء الدين م: (لا يحتاج فيها) ش: أي في هذه الأشياء م: (إلى الرأي بل هو) ش: أي بل الوكالة في هذه الأشياء، وفي بعض النسخ: بل هو، أي التوكيل م: (تعبير محض) ش: يعني تعبير كلام الموكل م: (وعبارة المثنى) ش: أي الاثنان م: (والواحد) ش: أي وعبارة الواحد م: (سواء) ش: لا اختلاف فيه.
م: (وهذا) ش: أي جواز انفراد أحدهما م: (بخلاف ما إذا قال لهما) ش: أي للوكيلين م: (طلقاها إن شئتما، أو قال أمرها) ش: أي أو امرأته م: (بأيديكما) ش: فلا يجوز انفراد أحدهما في هذا م: (لأنه تفويض إلى رأيهما) ش: وأوضح ذلك بقولهما م: (ألا ترى أنه) ش: أي قوله طلقاها

(9/283)


تمليك مقتصر على المجلس، ولأنه علق الطلاق بفعلهما فاعتبره بدخولهما.
قال: وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به، وهذا لأنه رضي برأيه والناس متفاوتون في الآراء. قال إلا أن يأذن له الموكل لوجود الرضا أو يقول له: اعمل برأيك لإطلاق التفويض إلى رأيه، وإذا جاز في هذا الوجه يكون الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أو أمرها بأيديكما م: (تمليك مقتصر على المجلس) ش: وإذا كان تمليكا لا يجوز لأحدهما التصرف بغير إذن صاحبه، قيل: ينبغي أن يقدر أحدهما على إيقاع نصف تطليقة، وأجيب بأن فيه إبطال حق الآخر لأن بإيقاع النصف يقع تطليقة واحدة.
فإن قيل: الإبطال ضمني فلا يعتبر، أجيب بأنه لا حاجة إلى ذلك الإبطال مع قدرتهما على الاجتماع، م: (ولأنه) ش: أي ولأن الآمر بقوله: طلقاها إن شئتما م: (علق الطلاق بفعلهما) ش: أي بفعل المأمورين وهو التطليق م: (فاعتبره بدخولهما) ش: أي بالطلاق المعلق بدخولهما الدار، فإن بدخول أحدهما لا يقع الطلاق فكذا هاهنا بيانه، لو قال: إن دخلتما الدار فهي طالق لا تطلق ما لم يوجد الدخول منهما جميعا.
وكذا في قوله طلقاها إن شئتما، لا يقع الطلاق ما لم يوجد فعل التطليق منهما جميعا، وقد ضبط الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله، فاعتبره على صورة الأمر من الاعتبار، وكذا ضبط شيخنا العلاء، ثم كتب بيده على الحاشية، أي اعتبر التطليق بتطليقهما بالتعليق بدخولهما.

[يوكل فيما وكل به]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به، وهذا) ش: أي عدم جواز توكيل الوكيل م: (لأنه رضي برأيه والناس متفاوتون في الآراء) ش: فلا يكون راضيا بغيره م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أن يأذن له الموكل لوجود الرضا) ش: المسألة على ثلاثة أوجه.
أحدهما: أن يوكله ولم يأذن له، ولم ينهه عن التوكل، فليس له أن يوكل غيره عندنا وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: إن كان الوكيل ممن يلي ذلك بنفسه عادة فليس له أن يوكل غيره، وإن كان يعجز عنه، أو ممن لم يباشر ذلك الفعل بنفسه لوجاهته له أن يوكل، وبه قال أحمد في رواية.
الوجه الثاني: أن يأذن له في التوكيل يوكل غيره بلا خلاف، الوجه الثالث: أن ينهاه عن توكيل غيره لا يوكل بلا خلاف م: (أو يقول له) ش: أي للوكيل م: (اعمل برأيك) ش: فله التوكيل عندنا وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أصحاب الشافعي: ليس له التوكيل في أحد الوجهين م: (لإطلاق التفويض إلى رأيه) ش: وذلك يدل على تساويه مع غيره.
م: (وإذا جاز في هذا الوجه) ش: يعني في قوله " اعمل برأيك " م: (يكون الثاني) ش: يعين

(9/284)


وكيلا عن الموكل حتى لا يملك الأول عزله، ولا ينعزل بموته، وينعزلان بموت الأول، وقد مر نظيره في أدب القاضي.
قال: فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز، لأن المقصود حضور رأي الأول وقد حضر وتكلموا في حقوقه؛ وإن عقد في حال غيبته لم يجز، لأنه فات رأيه، إلا أن يبلغه فيجيزه، وكذا لو باع غير الوكيل فبلغه فأجازه، لأنه حضر رأيه، ولو قدر الأول الثمن الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكيل الوكيل م: (وكيلا عن الموكل حتى لا يملك الأول) ش: أي الوكيل الأول م: (عزله) ش: أي عزل الوكيل الذي وكله م: (ولا ينعزل بموته) ش: أي ولا ينعزل الوكيل الثاني بموت الوكيل الأول وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال في الأصح: ينعزل بعزله وبموته وله بموت الأول قولان.
م: (وينعزلان) ش: أي الوكيل الأول والوكيل الثاني م: (بموت الأول) ش: أي الموكل الأول م: (وقد مر نظيره في " أدب القاضي ") ش: وهو ما ذكره في أول فصل قبل باب التحكم بقوله " وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء، إلا أن يفوض إليه ذلك " إلى أن قال: - جاز كما في " الوكالة ".

[عقد الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن وكل) ش: أي الوكيل م: (بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز) ش: أي بحضرة الوكيل الأول جاز التوكل م: (لأن المقصود حضور رأي الأول وقد حضر) ش: فيجوز استحسانا، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - كما في غيبته.
وقال ابن أبي ليلى: يجوز مع الوكيل الثاني بحضور الأول بغير حضرته.
م: (وتكلموا) ش: أي تكلم المشايخ م: (في حقوقه) ش: أي في حقوق عقد الثاني بحضرة الأول يعني إذا عقد الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول جاز، لكن في حقوق العقد كلام، قال بعضهم يرجع إلى الأول، لأن الموكل رضي بلزوم العهدة على الأول دون الثاني، كذا في " الفتاوى الصغرى "، عن " فتاوى البقالي "، وقال بعضهم: يرجع إلى الثاني لأن العقد وهو السبب وجد من الثاني، وإليه ذهب أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جبل العيون ".
م: (وإن عقد في حال غيبته) ش: أي في حال غيبة الوكيل الأول م: (لم يجز لأنه فات رأيه إلا أن يبلغه فيجيزه) ش: جاز م: (وكذا لو باع غير الوكيل) يعني إذا باع الأجنبي م: (فبلغه) ش: أي فبلغ الوكيل م: (فأجازه) ش: بعد بلوغ الخبر جاز؛ م: (لأنه حضر رأيه) ش: بإجازته.
م: (ولو قدر الأول) ش: أي الوكيل الأول م: (الثمن الثاني) ش: أي للوكيل الثاني الذي وكله بغير موكله بأن قال له: بعه بكذا، فباعه الثاني بالثمن الأول الذي قدره الوكيل الأول، وهو

(9/285)


فعقد بغيبته يجوز، لأن الرأي فيه يحتاج إليه لتقدير الثمن ظاهرا، وقد حصل. وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن لأنه لما فوض إليهما مع تقدير الثمن ظهر أنه غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري على ما بيناه أما إذا لم يقدر الثمن وفوض إلى الأول كان غرضه رأيه في معظم الأمر، وهو التقدير في الثمن
قال: وإذا زوج المكاتب أو العبد أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة أو باع أو اشترى لها لم يجز، معناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معنى قوله: م: (فعقد بغيبته) ش: أي بغيبة الأول م: (يجوز) ش: في رواية كتاب الرهن، اختارها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي رواية كتاب الوكالة: لا يجوز لأن تقدير الثمن يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة، فربما يزيد الأول على هذا الثمن لو كان هو المباشر للبيع لذكائه وهدايته، وجه رواية كتاب الرهن: أن المقصود حصل بحضور رأيه م: (لأن الرأي فيه يحتاج إليه) ش: أي في العقد م: (لتقدير الثمن ظاهرا وقد حصل) ش: أي تقدير الثمن، وإنما قال: ظاهرا احترازا عن المسألة التي يذكرها الآن عقيب المسألة التي ذكرها وهو قوله: م: (وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن) ش: فإنه لا يجوز بيع أحدهما بذلك المقدار.
م: (لأنه لما فوض إليهما مع تقدير الثمن ظهر أنه غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري) ش: أي الذي لا يماطل في تسليم الثمن م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله في المسألة المتقدمة والبدل، وإن كان مقدرا، ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة، م: (أما إذا لم يقدر الثمن وفوض إلى الأول) ش: أي فوض الموكل الأول إلى الوكيل الأول م: (كان غرضه) ش: أي غرض الموكل الأول م: (رأيه) ش: أي رأي الوكيل الأول م: (في معظم الأمر، وهو التقدير في الثمن) ش: وهذا لأن المقصود من البياعات الاسترباح، وذلك إنما يكون بالبيع بتقدير ثمن كان يحصله في تحصيل زيادة الربح وقد حصل ذلك بتقدير الوكيل الأول ثمن المبيع ورأيه إنما يطلب لهذا.

[زوج العبد أو المكاتب أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا زوج العبد أو المكاتب أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة) ش: فإن قلت: كيف تكون المسلمة تحت الذمي؟.
قلت: يجوز أن يكون طلقها ثم أسلمت، وماتت وبقيت البنت م: (أو باع) ش: أي واحد منهم م: (أو اشترى لها) ش: أي الصغيرة المذكورة م: (لم يجز) يعني تصرفهم في مالها بالبيع والشراء لا يجوز، ولكن قوله أو باع أو اشترى لها لما كان يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يشتري لها شيئا بمال نفسه، والآخر: أن يشتري لها بمالها، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجز في " الجامع الصغير "

(9/286)


التصرف في مالها؛ لأن الرق والكفر يقطعان الولاية، ألا ترى أن المرقوق لا يملك إنكاح نفسه فكيف يملك إنكاح غيره، وكذا الكافر لا ولاية له على المسلم حتى لا تقبل شهادته عليه، ولأن هذه ولاية نظرية فلا بد من التفويض إلى القادر المشفق ليتحقق معنى النظر، والرق يزيل القدرة، والكفر يقطع الشفقة على المسلم فلا تفوض إليهما. وقالا المرتد إذا قتل على ردته والحربي كذلك لأن الحربي أبعد من الذمي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (التصرف في مالها) ش: وهو معظم شراؤه لها بمالها وهو المراد هنا من الوجه الثاني، يعني لأن كل واحد منهم إذا اشترى لها من مال نفسه يجوز لا محالة.
واعلم أن في تركيب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نوع مناقشة، لأن قوله " أولا " لم يجز يشمل التزويج والبيع والشراء، ثم قوله، معناه التصرف في مالها، توهم أن عدم الجواز في التصرف في مالها فقط، وعدم الجواز في الفصلين جميعا، ولهذا قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الذمي أو المكاتب، أو العبد يزوج واحد منهم ابنته، وهي صغيرة حرة مسلمة، قال يجوز، وكذلك إذا باع لها أو اشترى لم يجز، هكذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه.
م: (لأن الرق) ش: في العبد والمكاتب م: (والكفر) ش: في الذمي م: (يقطعان الولاية) ش: أما العبد فلأنه لا ولاية له على نفسه فعلى غيره بالطريق الأولى، وأما المكاتب فإنه عبد ما بقي عليه درهم، وأما الذمي فلقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن المرقوق لا يملك إنكاح نفسه فكيف يملك إنكاح غيره، وكذا الكافر لا ولاية له على المسلم حتى لا تقبل شهادته عليه، ولأن هذه الولاية ولاية نظرية) ش: نظرا للصغار والصغار لعجزهم، م: (فلا بد من التفويض) ش: أي تفويض أمرهم م: (إلى القادر المشفق ليتحقق معنى النظر) ش: بالقدرة والشفقة، وفي بعض النسخ إلى العاقد المشفق مكان القادر.
م: (والرق يزيل القدرة) ش: قال الله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] (النحل: الآية 75) م: (والكفر يقطع الشفقة على المسلم فلا تفوض إليهما) ش: أي إلى العبد والكافر م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وفي بعض النسخ صرح قال: وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (المرتد إذا قتل على ردته، والحربي كذلك) ش: أي تصرفهما على المسلم لا يجوز، وإنما خص قولهما مع أن هذا حكم مجمع عليه لأن الشبهة إنما ترد على قولهما، لأن تصرفات المرتد بالبيع والشراء نافذة وإن قتل ردته عندهما بناء على الملك، ولكن تصرفاته على ولده موقوفة بالإجماع م: (لأن الحربي أبعد من الذمي) ش: لأن الذمي من أهل دارنا

(9/287)


فأولى بسلب الولاية، وأما المرتد فتصرفه في ماله إن كان نافذا عندهما لكنه موقوف على ولده ومال ولده بالإجماع؛ لأنها ولاية نظرية وذلك باتفاق الملة وهي مترددة ثم تستقر جهة الانقطاع إذا قتل على الردة فيبطل وبالإسلام يجعل كأنه لم يزل كان مسلما فيصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فأولى) ش: أي الحربي أولى م: (بسبب الولاية) ش: لأنها إذا لم تثبت للذمي فأولى أن لا تثبت للحربي، ولهذا لا تجوز شهادة الحربي على الذمي.
م: (وأما المرتد فتصرفه في ماله إن كان نافدا عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لكنه موقوف على ولده ومال ولده بالإجماع لأنها ولاية نظرية وذلك) ش: أي الولاية النظرية بتأويل المذكور، أو بأن استعمال مشترك م: (باتفاق الملة وهي) ش: أي الملة م: (مترددة) ش: لكونها معلومة معدومة في الحال لكنها مرجوة الوجود لأنه محمول عليه فيجب التوقف م: (ثم تستقر جهة الانقطاع) ش: أي انقطاع الولاية م: (إذا قتل على الردة فيبطل) ش: أي تصرف المرتد م: (وبالإسلام يجعل كأنه لم يزل مسلما فيصح) ش: أي تصرفه، والله أعلم.

(9/288)


باب الوكالة بالخصومة والقبض قال: الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول: إنه رضي بخصومته والقبض غير الخصومة ولم يرض به. ولنا: أن من ملك شيئا ملك إتمامه وإتمام الخصومة وانتهاؤها بالقبض، والفتوى اليوم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظهور الخيانة في الوكلاء وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال، ونظيره الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه وضعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]
[الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض]
م: (باب الوكالة بالخصومة والقبض) ش: أي هذا باب في بيان الوكالة بالخصومة والقبض ولما كانت
الخصومة مهجورة شرعا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] (الأنفال: الآية 46) استحق بابها التأخير بما ليس بمهجور م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عندنا) ش: أطلق القدوري كلامه ليتناول الوكيل بالخصومة في العين والدين، وهو وكيل بالقبض فيهما عند علماؤنا الثلاثة.
وقال في " إشارات الأسرار ": الوكيل بالخصومة بملك قبض الدين عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " الواقعات ": الوكيل بالتقاضي أو بالخصومة ليس له أن يقبض الدين في زماننا، لأن الخيانة ظهرت فيما بين الناس، وهو اختيار مشايخ بلخ خصوصا في الوكلاء على باب القاضي، به أخذ الفقيه أبو الليث م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول - لا يكون وكيلا بالقبض، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الأظهر، ومالك وأحمد - رحمهما الله -، وفي وجه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يملك كقولنا م: (هو) ش: أي زفر م: (يقول: إنه) ش: أي لأن الموكل م: (رضي بخصومته والقبض غير الخصومة) ش: لأن الخصومة لإظهار الحق، ويختار فيها ألج الناس للقبض أمن الناس ممن يصلح للخصومة لا يرضى بأمانته عادة، وهو معنى قوله: م: (ولم يرض به) ش: أي القبض.
م: (ولنا: أن من ملك شيئا ملك إتمامه وتمام الخصومة وانتهاؤها بالقبض) ش: لأن الخصومة قائمة ما لم يقبض م: (والفتوى اليوم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظهور الخيانة في الوكلاء، وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال) ش: وبه أفتى الصدر الشهيد، م: (ونظيره) ش: أي نظير هذا التوكيل: م: (الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه) ش: أي لأن القاضي في معنى القبض م: (وضعا) ش: أي من حيث الوضع في اللغة يقال تقاضيته ديني وبديني، واقتضيته واستقضيته طلبت قضاءه واقتضيت منه حقي أي أخذته، ذكره في " الأساس ".

(9/289)


إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع فالفتوى على أن لا يملك. قال: فإن كانا وكيلين بالخصومة لا يقبضان إلا معا لأنه رضي بأمانتهما لا بأمانة أحدهما واجتماعهما ممكن بخلاف الخصومة على ما مر.
قال والوكيل بقبض الدين يكون وكيلا بالخصومة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في معناه وضعا أي لأن التقاضي في معنى القبض فيه نظر، لأنه قال في المغرب تقاضيته ديني إلى آخر ما ذكرناه.
قلت: لم أدر وجه النظر فيه لأنه لم يقل " التقاضي هو القبض " بل قال في معنى القبض، م: (إلا أن العرف بخلافه) ش: أي بخلاف الوضع فإن الناس لا يفهمون المعنى الموضوع من التقاضي بل يفهمون منه المطالبة م: (وهو قاض) ش: أي العرف حاكم وراجح م: (على الوضع) ش: لأن وضع الألفاظ لحاجة الناس وهم لا يفهمون المعنى الموضوع بل يفهمون المجاز فصار المجاز بمنزلة الحقيقة العرفية، فإن قلت: الحقيقة مستعملة والمجاز متعارف وهي أولى منه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قلت: إن ذلك وجه لأصل الرواية، والكلام فيه وإنما الكلام في أن الفتوى على أصل الرواية، أو على العرف لظهور الخيانة في الوكلاء.
قالوا: على العرف فلا يملك القبض، وإليه أشار بقوله: م: (فالفتوى على أن لا يملك) ش: يعني أن الوكيل يتقاضى الدين بملك القبض بالاتفاق، ولكن فتوى المشايخ على أن لا يملك لفساد الزمان. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (فإن كانا) ش: أي الرجلان م: (وكيلين بالخصومة لا يقبضان إلا معا) ش: أي لا يقبضان الدين إلا مجتمعين.
م: (لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (رضي بأمانتهما لا بأمانة أحدهما واجتماعهما ممكن) ش: أي اجتماع الوكيلين على القبض ممكن فإنهما يصيران قابضين بالتخلية م: (بخلاف الخصومة) ش: فإن اجتماعهما عليها غير ممكن م: (على ما مر) ش: في أول الفصل المتقدم عند قوله -: وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكل به دون الآخر إلا أن يوكلهما بالخصومة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما مر أنه يقضي إلى الشغب في مجلس القضاء وهو مذهب الهامية، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس للوكيل بالخصومة أن يقبض الدين وقد مر.

م: (قال: والوكيل يقبض الدين يكون وكيلا بالخصومة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: م: (حتى لو أقيمت عليه) ش: أي على الوكيل م: (البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(9/290)


وقالا لا يكون خصما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن القبض غير الخصومة وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات، فلم يكن الرضا بالقبض رضا بها، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه وكله بالتملك؛ لأن الديون تقضى بأمثالها إذ قبض الدين نفسه لا يتصور، إلا أنه جعل استيفاء لعين حقه من وجه، فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة والرجوع في الهبة والوكيل بالشراء والقسمة والرد بالعيب، وهذه أشبه بأخذ الشفعة حتى يكون خصما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا يكون خصما) ش: أي الوكيل يقبض الدين م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر الرواية، م: (لأن القبض غير الخصومة) ش: فلا يكون وكيلا بهما م: (وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات، فلم يكن الرضا بالقبض رضا بها) ش: أي بالخصومة.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه وكله بالتملك) ش: أي أن الوكيل يقبض دين وكيله بالتمليك والتملك لأنه توكيل تملك، والمقبوض يقابله في الذمة قصاصا م: (لأن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها إذ قبض الدين نفسه) ش: بالجر، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بدل من الدين قلت: هو تأكيد.
م: (لا يتصور) ش: لأنه وصف ثابت في الذمة م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله " لأن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها "، أي غير أنه م: (جعل استيفاء لعين حقه من وجه) ش: بدليل أن رب الدين يجبر على القبض، فلو كان تمليكا محضا معنى استيفاء عين الحق لم يجبر على القبض، وكذا إذا ظفر بجنس حقه حل له التناول م: (فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة) ش: أي فأشبه الوكيل يقبض الدين الوكيل بأخذ الشفعة، يعني أنه خصم فكذا هذا.
م: (والرجوع في الهبة) ش: بالجر عطفا على قوله: " بأخذ الشفعة "، يعني: إذا وكل وكيلا بالرجوع في الهبة كان خصما حتى إذا أراد الرجوع فأقام الموهوب له البينة أن الواهب أخذ المعوض تقبل بينته، م: (والوكيل بالشراء) ش: بالجر أيضا، يعني: لو أقام أحد الشريكين بينة على الوكيل أن الموكل أخذ نصيبه تقبل بينته لأنه خصم، م: (والقسمة) ش: بالجر أيضا، يعني أحد الشريكين، إذا وكل رجلا بأنه يقاسمه شريكه فأراد الموكل المقاسمة وأقام الشريك الآخر البينة أن الموكل أخذ نصيبه تقبل بينته، لأن الوكيل خصم، لأن القسمة معنى التمليك.
م: (والرد بالعيب) ش: بالجر أيضا، يعني أن المشتري رضي بذلك قبلت بينته م: (وهذه) ش: أي مسألة التوكيل م: (أشبه بأخذ الشفعة) ش: وفي بعض النسخ: وهذا، أي التوكيل بقبض الدين، أشبه بأخذ الشفعة من المسائل الثلاث الأخر م: (حتى يكون) ش: أي الوكيل م: (خصمًا

(9/291)


قبل القبض كما يكون خصما قبل الأخذ هنالك، والوكيل بالشراء لا يكون خصما قبل مباشرة الشراء، وهذا لأن المبادلة تقتضي حقوقا وهو أصيل فيها فيكون خصما فيها. قال: والوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة بالاتفاق لأنه أمين محض والقبض ليس بمبادلة فأشبه الرسول، حتى إن من وكل وكيلا بقبض عين له فأقام الذي هو في يديه البينة على أن الموكل باعه إياه وقف الأمر حتى يحضر الغائب، وهذا استحسان، والقياس أن يدفع الوكيل لأن البينة قامت لا على خصم فلم تعتبر. وجه الاستحسان أنه خصم في قصر يده لقيامه مقام الموكل في القبض فتقصر يده وإن لم يثبت البيع حتى لو حضر الغائب تعاد البينة على البيع، فصار كما إذا أقام البينة على أن الموكل عزله عن ذلك فإنها تقبل في يده كذا هذا قال وكذلك العتاق والطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قبل القبض كما يكون خصما قبل الأخذ هنالك) ش: أي في أخذ الشفعة م: (والوكيل بالشراء لا يكون خصما قبل مباشرة الشراء، وهذا) ش: إشارة إلى مطلع نكتة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله " أنه وكله بالتملك " يعني أنه لما وكل الوكيل بالقبض بالتملك كان فيه معنى المبادلة وهذا م: (لأن المبادلة تقتضي حقوقا) ش: من التسليم والتسلم والرد بالعيب م: (وهو) ش: أي الوكيل م: (أصيل فيها) ش: أي في الحقوق م: (فيكون خصما فيها) ش: أي في الحقوق، م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة بالاتفاق) ش: بالإجماع م: (لأنه أمين محض والقبض ليس بمبادلة) ش: لكونه يقبض عين الموكل من كل وجه م: (فأشبه الرسول، حتى إن من وكل وكيلا بقبض عبد له فأقام الذي هو في يديه البينة أن الموكل باعه إياه) ش: أي العبد م: (وقف الأمر حتى يحضر الغائب) ش: أي الأمر.
م: (وهذا استحسان، والقياس أن يدفع) ش: أي العبد م: (إلى الوكيل لأن البينة قامت لا على خصم) ش: لأن الوكيل يقبض الوديعة ليس بخصم م: (فلم تعتبر) ش: أي بينة ذي اليد في قطع يد الوكيل بالقبض م: (وجه الاستحسان أنه) ش: أي أن الوكيل يقبض الوديعة م: (خصم في قصر يده) ش: أي يد نفسه، أي قصر يد الوكيل م: (لقيامه مقام الموكل في القبض فتقصر يده وإن لم يثبت البيع) ش: أي بالوكيل.
م: (حتى لو حضر الغائب تعاد البينة على البيع فصار) ش: هذا م: (كما إذا أقام) ش: أي ذو اليد م: (البينة على أن الموكل عزله عن ذلك) ش: أي عن القبض م: (فإنها) ش: أي فإن البينة م: (تقبل في قصر يده) ش: أي في يد الوكيل م: (كذا هذا) ش: أي فكذا حكم المسألة المذكورة، م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذلك العتاق والطلاق) ش: أي وكالمذكور حكم العتاق والطلاق، والمصنف يذكر الآن صورتهما.

(9/292)


وغير ذلك ومعناه إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق والعبد والأمة على العتاق على الوكيل بنقلهم تقبل في قصر يده حتى يحضر الغائب استحسانا دون العتق والطلاق.
قال: إذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره عليه، ولا يجوز عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - استحسانا إلا أنه يخرج عن الوكالة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إقراره عليه وإن أقر في غير مجلس القضاء. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز في الوجهين، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا وهو القياس لأنه مأمور بالخصومة وهي منازعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وغير ذلك) ش: كما إذا ادعى صاحب اليد الارتهان من الموكل وأقام بينة على ذلك يقبل في حق قصر يده لا في ثبوت الارتهان في حق الموكل، م: (ومعناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العتاق والطلاق م: (إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق) ش: على أن زوجها طلقها م: (والعبد) ش: أي إذا أقام العبد م: (والأمة) ش: أي إذا أقامت البينة م: (على العتاق على الوكيل بنقلهم) ش: أي بنقل المرأة والعبد والأمة م: (تقبل) ش: أي البينة م: (في قصر يده حتى يحضر الغائب استحسانا) ش: فإذا حضر الغائب تعاد عليه البينة العتاق والطلاق، لأن هذه البينة اشتملت على معنيين إثبات العتق وإبطال حق الوكيل، فتقبل بينته على الحاضر دون الغائب، ويؤخذ من العبد كفيل نظرا للغائب م: (دون العتق والطلاق) ش: أي لا يقبل في حق العتق والطلاق، لأن الوكيل ليس بخصم فيها، ولكنه خصم في قصر يده، وليس من ضرورة قصر يده القضاء والطلاق على الغائب فيقبل في قصد دون غيره.

[أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره عليه) ش: أطلق الإقرار والموكل ليتناول اسم الموكل للمدعي والمدعى عليه؛ لأن جواز الإقرار على الموكل لا يتفاوت بين أن يكون موكله مدعيا أو مدعى عليه، سوى أن معنى الإقرار يختلف بحسب اختلاف الموكل فبإقرار وكيل المدعي هو أن يقر بقبض الموكل المال وإقرار وكيل المدعى عليه هو أن يقر بوجوب المال على موكله م: (ولا يجوز عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - استحسانا إلا أنه يخرج عن الوكالة) ش: فلا يدفع إليه المال لزعمه بانتفاء حقه في الأخذ.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إقراره عليه وإن أقر في غير مجلس القاضي، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - لا يجوز في الوجهين) ش: أي في مجلس القاضي وغيره، وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو م: (القياس لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (مأمور بالخصومة وهي) ش: أي الخصومة م: (منازعة) ش: لأنها اسم لكلام

(9/293)


والإقرار يضاده لأنه مسالمة والأمر بالشيء لا يتناول ضده، ولهذا لا يملك الصلح والإبراء ويصح إذا استثنى الإقرار، وكذا لو وكله بالجواب مطلقا يتقيد الجواب هو خصومة لجريان العادة بذلك، ولهذا يختار فيه الأهدى فالأهدى. وجه الاستحسان أن التوكيل صحيح قطعا وصحته بتناوله ما يملكه قطعا وذلك مطلق الجواب دون أحدهما عينا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاجرة.
م: (والإقرار يضاده) ش: أي يضاد ما أمر به من الخصومة، م: (لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (مسالمة) ش: لأنه يجري على سبيل المسالمة والموافقة فكان ضد ما أمر به، م: (والأمر بالشيء لا يتناول ضده ولهذا) ش: أي ولأجل عدم تناول الأمر بالشيء ضده م: (لا يملك) ش: أي الوكيل بالخصومة م: (الصلح والإبراء) ش: بوجود المضادة، لأن الصلح حط البعض والوكيل مأمور باستيفاء الكل، والإبراء إسقاط وهو مأمور بالاستيفاء.
م: (ويصح) ش: هذا جواب سؤال يرد على قولهم، لأن الوكيل بالخصومة إذا لم يتناول الإقرار كيف يصح استثناؤه - فقال ويصح أي التوكيل م: (إذا استثنى الإقرار) ش: بأن قال: وكلتك بالخصومة بشرط أن لا تقر عليه فأقر الوكيل لم يصح إقراره لأن لفظ التوكيل بالخصومة لم يتناول الإقرار، فلو تناوله بطل الاستثناء وصح الإقرار، لأن الخصومة شيء واحد والاستثناء من شق واحد لا يجوز؛ لأنه يلزم استثناء الكل من الكل.
م: (وكذا لو وكله بالجواب مطلقا يتقيد الجواب هو خصومة لجريان العادة بذلك) ش: قال في " النهاية ": هي مسألة مبتدأة خلافية لم يردها على وجه الاستشهاد، يعني لو وكله بالجواب مطلقا أيضا فهو أيضا على هذا الخلاف وكذا في " المختلفات البرهانية "، فعندهم يتقيد بجواب هو خصومة، إذ العادة جرت في التوكيل بذلك.
م: (ولهذا) ش: أي والأصل هذا م: (يختار فيه) ش: أي في الخصومة، أي في التوكيل بها م: (الأهدى فالأهدى) ش: أي من كان أكثر هداية في طرق الخصومة، وفي الإقرار لا يحتاج إلى زيادة الهداية.
م: (وجه الاستحسان أن التوكيل) ش: المذكور م: (صحيح قطعا) ش: أي ثابت من كل وجه بلا شبهة بالإجماع م: (وصحته يتناوله ما يملكه قطعا) ش: أي ما يملك التوكيل من مطلق الجواب من حيث القطع؛ لأن التوكيل في غير المملوك تصرف في غير ملكه وهو غير صحيح، م: (وذلك مطلق الجواب) ش: أي الذي يملك مطلق الجواب، ومطلق الجواب يتناول الإنكار والإقرار جميعا فكما أن إنكار الوكيل يصح من حيث إنه جواب فكذا يصح الإقرار من حيث إنه جواب م: (دون أحدهما عينا) ش: يعني لا يملك أحدهما وهو الإقرار والإنكار معينا، لأنه ربما يكون

(9/294)


وطريق المجاز موجود على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فيصرف إليه تحريا للصحة قطعا، ولو استثنى الإقرار فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح لأنه لا يملكه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح لأن للتنصيص زيادة دلالة على ملكه إياه وعند الإطلاق يحمل على الأول، وعنه أنه فصل بين الطالب والمطلوب ولم يصححه في الثاني لكونه مجبورا عليه ويخير الطالب فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب بأحدهما معينًا حرامًا لأنه لو كان خصمه محقا لا يملك الإنكار شرعًا، ولو كان مبطلا يكون حقه في الإنكار لا غير، فلا يملك المعين منهما قطعا، فلا يجوز التوكيل به قطعا فيصح من وجه دون وجه فحملنا على المجاز وهو الجواب مطلقا تحريا لصحته قطعا.
م: (وطريق المجاز موجود) ش: أي بين الخصومة ومطلق الجواب لأن الخصومة سبب الجواب، وإطلاق السبب وإرادة المسبب طريق من طرق المجاز م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى ذكره عند قوله " هما يقولان إن التوكيل يتناول جوابا يسمى رخصة " م: (فيصرف إليه) ش: أي إلى مطلق الجواب م: (تحريا للصحة قطعا) ش: أي للتحري لصحة كلامه من حيث القطع لأن كلام العاقل يصان عن الإلغاء.
م: (ولو استثنى الإقرار فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصح) ش: هذا جواب عن مستند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه لا نسلم صحة الاستثناء، بل لا يصح على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه لا يملكه) ش: أي لأن الوكيل لا يملك الاستثناء؛ لأن ملكه مستلزم بقاء الإنكار عينا، وقد لا يحل له ذلك كما مر.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يصح) أي أن استثناء الإقرار يصح م: (لأن للتنصيص) ش: أي لأنه لما نص على الإنكار باستثناء الإقرار بضمير م: (زيادة دلالة على ملكه إياه) ش: أي على ملك الموكل إياه فيملك الوكيل به، م: (وعند الإطلاق) ش: أي عند إطلاق التوكيل بالخصومة في غير استثناء الإقرار م: (يحمل على الأول) ش: أي على ما هو الأولى وهو مطلق الجواب.
م: (وعنه) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه فصل بين الطالب والمطلوب) ش: بأن قال بصحة من حمل وكيل المدعي وعدمها من وكيل المدعى عليه، م: (ولم يصححه في الثاني) ش: أي لم يصحح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - استثناء الإقرار في المطلوب م: (لكونه مجبورا عليه) ش:، أي لكون المطلوب مجبورا على ترك الإنكار م: (ويخير الطالب فيه) ش: أي يخير بين الإقرار والإنكار، فيكون الاستثناء مقيدا.
وفي " التتمة " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يصح الاستثناء من الطالب؛ لأنه مجبور ولا يصح من المطلوب لأنه مجبور عليه، يعني المدعي لما كان مخيرا بين الإقرار والإنكار أفاد الاستثناء

(9/295)


فبعد ذلك يقول أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن الوكيل قائم مقام الموكل وإقراره لا يختص بمجلس القضاء فكذا إقرار نائبه، وهما يقولان: إن التوكيل يتناول جوابا يسمى خصومة حقيقة أو مجازا، والإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا إما لأنه خرج في مقابلة الخصومة أو لأنه سبب له لأن الظاهر إتيانه بالمستحق عند طلب المستحق، وهو الجواب في مجلس القضاء فيختص به، لكن إذا أقيمت البينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فائدته في حقه، أما من المطلوب لا يصح استثناء الإقرار لأنه لا يفيد ذلك، لأن المدعي لما صحح دعواه، والمطلوب مضطر ومجبور على الإقرار لعرض اليمين عليه فيكون مجبورا عليه.
م: (فبعد ذلك يقول أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا مشروع في بيان المحاجة مع أبي يوسف بعد فراغ المحاجة مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إن الوكيل قائم مقام الموكل وإقراره لا يختص بمجلس القضاء فكذا إقرار نائبه) ش: لا يختص بمجلس القاضي؛ لأنه موجب بنفسه، وإنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا إلا بانضمام القضاء.
م: (وهما) ش: أي أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (يقولان: إن التوكيل يتناول جوابا يسمى خصومة حقيقة) ش: كالإنكار م: (أو مجازا) ش: كالإقرار بمجلس القضاء، تقريره أن توكيله يصرف إلى مطلق الجواب ومطلق الجواب مجازا عام يتناول بعمومه الحقيقة وهي الخصومة والمجاز وهو مطلق الإقرار، والإقرار لا يكون خصومة مجازا إلا في مجلس القضاء فما كان منه في غيره فليس بخصومة لا حقيقة وهو ظاهر ولا مجاز، إذ الإقرار خصومة مجازا من حيث إنه جواب ولا جواب في غير مجلس القضاء، فالإقرار خصومة مجازا في غيره.
م: (والإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا إما لأنه خرج في مقابلة الخصومة) ش: فكان مجازه التضاد وهو مجاز لغوي؛ لأنه لا يصح أن يكون مجازا شرعيا م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الخصومة على تأويل التخاصم، وفي بعض النسخ أو لأنها م: (سبب له) ش: أي الإقرار والمجوز السببية، وهو مجوز شرعي لأن الجواب تارة يكون بلا وتارة يكون بنعم، فكانت الخصومة سببا للإقرار بالواسطة وإطلاق اسم السبب على المسبب مجازا.
م: (لأن الظاهر إتيانه بالمستحق عند طلب المستحق) ش: فتكون الخصومة سببا له حيث أفضى إليه ظاهرا م: (وهو) ش: أي المستحق م: (الجواب في مجلس القضاء فيختص به) ش: أي يختص جواب الخصومة بمجلس القضاء، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو قال: لأن الواجب عليه إتيانه بالمستحق بدل لأن الظاهر كان أوفى تأدية للمقصود م: (لكن إذا أقيمت البينة) ش: هذا استدراك من قوله " فيختص به ": وفيه إشارة إلى دفع ما يقال إذا كان الإقرار في غير مجلس القاضي ليس بجواب، كان الجواب: أن لا يكون معتبرا ولا يخرج به عن الوكالة، ولكن إذا

(9/296)


على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة حتى لا يؤمر بدفع المال إليه لأنه صار مناقضا، وصار كالأب أو الوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح ولا يدفع المال إليهما،
قال: ومن كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم لم يكن وكيلا في ذلك أبدا، لأن الوكيل من يعمل لغيره، ولو صححناها صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته فانعدم الركن، ولأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينا ولو صححناها لا يقبل لكونه مبرئا لنفسه فينعدم بانعدام لازمه وهو نظير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أقيمت عليه البينة م: (على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة حتى لا يؤمر بدفع المال إليه لأنه صار مناقضا) ش: في كلامه، فلو بقي وكيلا لبقي وكيلا بجواب مقيد وهو الإقرار وما وكله بجواب مقيد وإنما وكله بالجواب مطلقا، قاله في " الكافي ".
م: (وصار) ش: أي الوكيل المقر في غير مجلس القضاء م: (كالأب والوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح ولا يدفع المال إليهما) ش: أي إلى الأب الوصي، بيانه الأب والوصي إذا ادعى شيئا للصغير فأنكر المدعى عليه، فصدقه الأب، والوصي ثم جاء يدعي ذلك المال لا يدفع المال إليهما، لأنهما خرجا عن الولاية والوصاية في حق هذا المال بإقرارهما على الصبي فكذلك هنا لما خرج الوكيل من الوكالة بالإقرار في غير مجلس القضاء لا يدفع المال إليه.

[كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم لم يكن وكيلا في ذلك أبدا) ش: أي قبل براءة الكفيل وبعدها، م: (لأن الوكيل من يعمل لغيره، ولو صححناها) ش: أي الوكالة م: (صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته) ش: لأن قبضه يقوم مقام قبض الموكل، وبقبضه تبرأ ذمة الكفيل فكذا بقبض وكيله م: (فانعدم الركن) ش: أي ركن الوكالة وهو العمل للغير.
قالوا في " شروح الجامع الصغير ": نظير هذا ما ذكر في المأذون: أن المولى إذا أعتق عبده المأذون المديون ضمن قيمته، والعبد يطالب بجميع الدين كان المولى كفيلا عنه، فإن وكل الطالب المولى بقبض الدين من العبد كان باطلا، لأن المولى بقبض الدين من العبد كان عاملا لنفسه فلا يصح وكيلا عن غيره م: (ولأن قبول قوله) ش: دليل آخر، أي قبول قول الوكيل م: (ملازم للوكالة) ش: يعني الوكالة تستلزم قبول قوله: م: (لكونه أمينا ولو صححناها) ش: أي الوكالة م: (لا يقبل) ش: لما يلزم من انتقاء اللازم وهو قبول قوله م: (لكونه مبرئا لنفسه فينعدم) ش: أي التوكيل م: (بانعدام لازمه) ش: أي لازمه التوكيل، وهو قبول قول الوكيل لأن اللزوم ينتفي بانتفاء اللازم.
م: (وهو نظير) ش: أي نظير بطلان الوكالة فيما نحن فيه بطلانها في عبد مديون، وفي

(9/297)


عبد مأذون مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله الطالب بقبض المال عن العبد كان باطلا لما بيناه.
قال: ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه لأنه إقرار على نفسه؛ لأن ما يقبضه خالص ماله فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانيا لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة والقول في ذلك قوله مع يمينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعض النسخ: وهو نظير م: (عبد مأذون مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته) ش: أي قيمة العبد سواء كان موسرا أو معسرا م: (للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله الطالب) ش: أي طلب مال المولى الطالب م: (بقبض المال عن العبد كان باطلا) ش: أي كان التوكيل باطلا م: (لما بيناه) ش: وهو أنه يصير عاملا لنفسه لأنه مبرئ نفسه.
وفي " شرح الطحاوي ": المولى إذا أعتق عبده المديون جاز عتقه، لأن ملكه باق فيه والغرماء بالخيار إن شاءوا اتبعوا العبد بالدين وإن شاءوا اتبعوا المولى بالأقل من قيمته، ومن الدين سواء كان عالما بالدين أو لم يكن، بخلاف الجناية فإن العبد إذا جنى فأعتقه المولى إن كان عالما بالجناية صار مختارا للعذر، وإن كان غير عالم لم يلزمه شيء إلا قدر القيمة لا غير، وفي باب الدين: يلزمه القيمة وإن كان عالما، بخلاف الغاصب وغاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما انقطع حقه عن الآخر.

[ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه) ش: وفي بعض النسخ سلم المال إليه، أي الدين، وبه قال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: لم يؤمر بالتسليم بالتصديق لا في الدين ولا في الوديعة، إلا أن يقيم الوكيل ببينته على وكالته فحينئذ يؤمر بالتسليم في الدين والوديعة وعندنا في الوديعة لم يؤمر بالتسليم بالتصديق.
م: (لأنه إقرار على نفسه) ش: بحق وهو استحقاق القبض، وليس فيه إبطال حق للغائب بل هو إقرار حق على نفسه، م: (لأن ما يقبضه خالص ماله) ش: أي خالص مال المديون، فيجوز إقراره عليه لأن الديون تقضى بأمثالها، فما أداه المديون مثل مال رب المال لا عينه، فكان تصديقه إقرارا على نفسه، ومن أقر على نفسه بشيء أمر بتسليمه إلى المقر له م: (فإن حضر الغائب فصدقه) ش: فيها م: (وإلا دفع إليه) ش: أي وإن لم يصدقه م: (الغريم الدين ثانيا، لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة فالقول في ذلك قوله) ش: أي القول في إنكار الوكالة قول رب الدين م: (مع يمينه) ش: وبه قال الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: له الرجوع على القابض، وبقولنا قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأصح.

(9/298)


فيفسد الأداء ويرجع به على الوكيل إن كان باقيا في يده لأن غرضه من الدفع براءة ذمته ولم تحصل فله أن ينقص قبضه، وإن كان ضاع في يده لم يرجع عليه لأنه بتصديقه اعترف أنه محق في القبض وهو مظلوم في هذا الأخذ والمظلوم لا يظلم غيره. قال: إلا أن يكون ضمنه عند الدفع لأن المأخوذ ثانيا مضمون عليه في زعمهما، وهذه كفالة أضيفت إلى حالة القبض فتصح بمنزلة الكفالة بما ذاب له على فلان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيفسد الأداء ويرجع به على الوكيل إن كان باقيا في يده لأن غرضه) ش: أي غرض المديون م: (من الدفع براءة ذمته ولم تحصل) ش: أي براءة الذمة م: (فله أن ينقض قبضه) ش: أي فللمديون أن ينقض قبض الوكيل م: (وإن كان ضاع في يده) ش: أي وإن كان ضاع المال في يد الوكيل م: (لم يرجع عليه) ش: أي لم يرجع المديون على الوكيل، م: (لأنه) ش: أي لأن المديون م: (بتصديقه) ش: أي بتصديق الوكيل م: (اعترف أنه) ش: أي الوكيل م: (محق في القبض وهو) ش: أي المديون م: (مظلوم في هذا الأخذ) ش: أي أخذ رب الدين ثانيا.
م: (والمظلوم) ش: أي المديون م: (لا يظلم غيره) ش: فلا يأخذ من الوكيل بعد الهلاك لأن الوكيل في زعمه محق في قبض الدين عنه وبعدها هلك المدفوع الأخذ منه ظلم، وفي " الذخيرة " و " المبسوط " المسألة على أوجه: إما أن يصدق الغريم القديم وكالة أولا فإن صدقه ولم يدفع المال أجبر على الأداء خلافا لابن أبي ليلى والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأنكر وكالته وأراد الوكيل استحلافه بعد وكالة استحلف، فإن حلف برأ، وإن نكل قضي عليه بالمال للوكيل.
وذكر الخصاف: لا يحلف المطلوب على الوكالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يحلف على العلم، ولو أقر الغريم بالوكالة وأنكر الدين فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحلف المطلوب، وعندهما: لا يستحلف.
م: (قال) ش: أي محمد والمصنف - رحمهما الله -: م: (إلا أن يكون ضمنه) ش: يجوز فيه التخفيف والتشديد م: (عند الدفع) ش: هذا استثناء من قوله -: وإن كان ضاع من يده لم يرجع عليه إلا أن يضمن المطلوب الوكيل عند دفع المال إليه بأن يقول أصدقك في الوكالة ولكن لا آمن أن يجحد الطالب إذا حضر فاضمن لي ما يقبضه الطالب مني ثانيا وهذا ضمان صحيح م: (لأن المأخوذ ثانيا مضمون عليه) ش: أي على رب الدين م: (في زعمهما) ش: أي في زعم الوكيل والغريم م: (وهذه كفالة أضيفت إلى حالة القبض) ش: أي قبض رب الدين ثانيا، فإذا كان الوكيل م: (فتصح) ش: أي الكفالة م: (بمنزلة الكفالة بما ذاب) ش: أي بما ثبت ووجب م: (له على فلان) ش: معناه بما يذوب لفلان على فلان، وهذا ماض أريد به المستقبل وقد مر في الكفالة.

(9/299)


ولو كان الغريم لم يصدقه على الوكالة ودفعه إليه على ادعائه فإن رجع صاحب المال على الغريم رجع الغريم على الوكيل؛ لأنه لم يصدقه بالوكالة وإنما دفعه إليه على رجاء الإجازة فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه وكذا إذا دفعه إليه على تكذيبه إياه في الوكالة. وهذا أظهر لما قلنا وفي الوجوه كلها ليس له أن يسترد المدفوع حتى يحضر الغائب؛ لأن المؤدى صار حقا للغائب إما ظاهرا أو محتملا، فصار كما إذا دفعه إلى فضولي على رجاء الإجازة لم يملك الاسترداد لاحتمال الإجازة ولأن من باشر التصرف لغرض ليس له أن ينقضه ما لم يقع اليأس عن غرضه ومن قال: إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه لأنه أقر له بمال الغير بخلاف الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان الغريم لم يصدقه على الوكالة) ش: ولم يكذبه أيضا بل سكت م: (ودفعه إليه على ادعائه) ش: أي على دعوى التوكيل م: (فإن رجع صاحب المال على الغريم رجع الغريم على الوكيل لأنه لم يصدقه على الوكالة، وإنما دفعه إليه على رجاء الإجازة، فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه، وكذا إذا دفعه إليه على تكذيبه إياه في الوكالة، وهذا أظهر) ش: أي جواز الرجوع في صورة التكذيب أظهر منه في الصورتين الأوليين، وهو التصديق مع التضمين والسكوت؛ لأنه إذا كذبه صار الوكيل في حقه بمنزلة الغاصب، وللمغصوب منه حق الرجوع على الغاصب م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: دفع إليه على رجاء الإجازة، فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه.
م: (وفي الوجوه كلها) ش: وهي الأربعة المذكورة، وهي الدفع مع التصديق، والتضمين، والدفع بلا تصديق ولا تكذيب، والدفع مع التكذيب، م: (ليس له) ش: أي للغريم م: (أن يسترد المدفوع حتى يحضر الغائب؛ لأن المؤدى صار حقا للغائب؛ إما ظاهرا) ش: أي في حالة التصادق، أو حالة ظهور العدالة في الوكيل لأن الوكيل إذا كان عدلا كان صادقا ظاهرا م: (أو محتملا) ش: أي في حالة كون الوكيل فاسقا أو مستورا لاحتمال الصدق.
م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا دفعه) ش: أي الدين الذي عليه م: (إلى فضولي) ش: أي لأنه تعلق في الوسط م: (رجاء الإجازة) ش: من المالك م: (لم يملك الاسترداد لاحتمال الإجازة ولأن من باشر التصرف لغرض ليس له أن ينقضه ما لم يقع اليأس عن غرضه) ش: لأن سعي الإنسان في نقض ما تم من جهته مردود.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن قال: إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه لأنه أقر له بمال الغير) ش: وهو لا يملك ذلك م: (بخلاف الدين) ش: أي بخلاف ما إذا صدق الوكيل بقبض الدين، حيث يؤمر بالتسليم إليه لأنه إقرار في خالص ماله على ما مر أن الديون تقضى بأمثالها، فكان إقراره إقرارا على نفسه بحق المطالبة والقبض.
ثم إذا أخذ الوكيل الوديعة في الغائب فصدقه في الوكالة برئا جميعا، وإن أنكر الوكالة

(9/300)


ومن ادعى أنه مات أبوه وترك الوديعة ميراثا له ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه لأنه لا يبقى ماله بعد موته فقد اتفقا على أنه مال الوارث، ولو ادعى أنه اشترى الوديعة من صاحبها فصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه ما دام حيا كان إقراره بملك الغير لأنه من أهله فلا يصدقان في دعوى البيع عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحلف على ذلك فله أن يضمن المودع، فإذا ضمنه فإن كانت العين قائمة في يد الوكيل رجع بها المودع على الوكيل فإن ضاعت في يده فهل للمودع أن يرجع عليه؟ فهو على وجوه: أحدها أن يدفعها إليه المودع مع التصديق بلا تضمين فلا رجوع فيه.
والثاني: أن يدفع بالتصديق، وشرط الضمان فله الرجوع، والثالث: أن يدفع مع التكذيب، فإذا ضمنه الغائب فله الرجوع على الوكيل، والرابع: أن يدفع بلا تصديق ولا تكذيب، فإذا ضمنه الغائب فله الرجوع أيضا.
م: (ومن ادعى) ش: ذكر هذا تعريضا على مسألة القدوري، أي فلو ادعى من قال: إني وكيل م: (أنه) ش: أي أن فلانا م: (مات أبوه وترك الوديعة ميراثا له) ش: أي لابن الميت م: (ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه) ش: أي إلى الذي قال: إنه مات أبوه م: (لأنه لا يبقى ماله بعد موته) ش: ماله بالنصب، وفي " النهاية ": هكذا معربا بإعراب شيخي على تأويل الحال، كما في كلمة فاه إلى في، أي مشافهة.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يبقى ماله بالنصب، ثم قال مثل ما قال صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أرى أنه ضعيف، لأن المال مقيد للعامل، فكلمته يجوز أن يكون مقيدا بالمشافهة، أي كلمته في حالة المشافهة، والظاهر في إعرابه الرفع على أنه فاعل لا يبقى، أي لأن المودع لا يبقى ماله بعد موته لانتقاله إلى الوارث.
والصواب الرفع على ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد فاته شيء آخر، وهو أن من شرط الحال أن يكون من المشتقات، والمال ليس منها إلا أنه يجوز بالتأويل. ولو قال صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن تبعه في أنه نصب على الحال أنه حال على تأويل متمولا أي لا يبقى الميت بعد موته متمولا لكان أوجه، م: (فقد اتفقا) ش: أي الذي ادعى الوكالة والمودع م: (على أنه) ش: أي أن الذي قال إنه وديعة م: (مال الوارث) ش: فلا بد من الدفع إليه م: (ولو ادعى أنه اشترى الوديعة من صاحبها وصدقه المودع) ش: فيما قاله م: (لم يؤمر بالدفع إليه لأنه) ش: أي لأن المودع بكسر الدال م: (ما دام حيا كان إقراره بملك الغير لأنه من أهله) ش: أي من أهل الملك م: (فلا يصدقان في دعوى البيع عليه) ش: أي على رب المال.

(9/301)


قال فإن وكل وكيلا بقبض ماله فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه يدفع المال إليه؛ لأن الوكالة قد ثبتت بالتصادق والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه فلا يؤخر الحق. قال: ويتبع رب المال فيستحلفه رعاية لجانبه، ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب،
قال: وإن وكله بعيب في جارية فادعى البائع رضا المشتري لم يرد عليه حتى يحلف المشتري بخلاف مسألة الدين، لأن التدارك ممكن هنالك باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عند نكوله، وهاهنا غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة، وإن ظهر الخطأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو مذهبه، ولا يستحلف المشتري عنده بعد ذلك لأنه لا يفيد، وأما عندهما قالوا: يجب أن يتحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (فإن وكل وكيلا بقبض ماله فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه يدفع إليه المال، لأن الوكالة قد ثبتت بالتصادق والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه) ش: أي دعوى الغريم م: (فلا يؤخر الحق) ش: إلى تحليف رب الدين م: (قال: ويتبع) ش: أي الغريم م: (رب المال فيستحلفه رعاية لجانبه) ش: أي لجانب الغريم، وهو المديون م: (ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب) ش: لأن النيابة لا تجري فيها الأيمان.

[وكله بعيب في جارية فادعى البائع رضا المشتري]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في الجامع الصغير " م: وإن وكله بعيب) ش: أي بسبب عيب م: (في جارية فادعى البائع رضا المشتري لم يرد عليه حتى يحلف المشتري بخلاف مسألة الدين) ش: التي مضت حيث يؤمر بدفع الدين بدون تحليف الوكيل م: (لأن التدارك ممكن هنالك) ش: أي في مسألة الدين م: (باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عند نكوله) ش: أي عند نكول رب الدين عن اليمين على أنه لم يستوف الدين.
م: (وهاهنا) ش: أي وفي المسألة الثانية م: (التدارك غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة وإن ظهر الخطأ) ش: لأن قضاء القاضي بالفسخ والعقد بل بالشاهد الباطل ينفذ ظاهرا وباطنا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو مذهبه) ش: والمراد بالنفاذ ظاهرا: أن يثبت فيما بيننا، ومن نفاذه باطنا أن يثبت فيما بينه وبين الله تعالى.
م: (ولا يستحلف المشتري بعد ذلك) ش: أي بعد نكول الموكل م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه) ش: أي لأن الاستحلاف م: (لا يفيد) ش: يعني متى نفذ قضاء القاضي ظاهرا وباطنا لا يكون للبائع أن يستحلف المشتري إذا حضر على الرضا؛ لأنه لا فائدة في استحلافه؛ لأن فائدته أن ينكل فيظهر أنه كان راضيا بالعيب وأن الحق الفسخ لم يكن ثابتا للمشتري وأن القاضي أخطأ في قضائه بعد الفسخ، ولكن عند ظهور الخطأ في القضاء وبالفسخ لا يبطل قضاؤه بالفسخ عنده.
م: (وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (قالوا يجب أن يتحد

(9/302)


الجواب على هذا في الفصلين، ولا يؤخر لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء، وقيل: الأصح عند أبي يوسف -رحمه الله -أن لا يؤخر في الفصلين لأنه يعتبر النظر حتى يستحلف المشتري لو كان حاضرا من غير دعوى البائع فينتظر للنظر، قال ومن دفع إلى رجل عشرة دراهم لينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة لأن الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء والحكم فيه ما ذكرناه وقد قررناه فهذا كذلك، وقيل: هذا استحسان، وفي القياس ليس له ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب على هذا في الفصلين) ش: يعني في فصل الدين وفصل الرد بالعيب م: (ولا يؤخره) ش: أي ولا يؤخر القضاء بالرد م: (لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء) ش: لأن قضاء القاضي في مثل ذلك نافذ ظاهرا لا باطنا، فإذا ظهر خطأ القاضي عند نكول المشتري ردت الجارية على المشتري فلا يؤخر إلى التحليف.
م: (وقيل: الأصح عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يؤخر) ش: أي الرد م: (في الفصلين) ش: أي فصل الدين وفصل العيب، م: (لأنه) ش: أي لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبر النظر) ش: للبائع م: (حتى يستحلف المشتري لو كان حاضرا من غير دعوى البائع) ش: قوله " يستحلف بالرفع " لأن حتى ابتدائية يعني يستحلف المشتري نظرا للبائع، لأن من مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يرد المبيع على البائع إذا كان المشتري حاضرا أو أراد الرد ما لم يستحلفه القاضي بالله ما رضيت بهذا البائع وإن لم يدع العيب، فإذا كان المشتري لا يرد عليه ما لم يستحلف صيانة لقضائه عن البطلان، ونظرا للبائع والمديون فصار عنه روايتان: في رواية مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية: يؤخر فيهما اعتبارا للنظر م: (فينتظر للنظر) ش: إذا كان المشتري غائبا.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن دفع إلى رجل عشرة دراهم لينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة) ش: أي العشرة التي أنفقها من ماله بمقابلة العشرة التي أخذها من الوكيل م: (لأن الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء والحكم فيه ما ذكرناه) ش: أي الحكم في الوكيل بالشراء أن يرجع على الموكل بما أداه، م: (وقد قررناه) ش: أي في باب الحوالة بالبيع والشراء عند قوله: " وإذا دفع الوكيل بالشراء من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل ".
م: (فهذا كذلك) ش: أي ما نحن فيه من التوكيل بالإنفاق كذلك، لأن الوكيل بالشراء ربما يحتاج إليه الأهل قد يضطره إلى شراء شيء يصلح لنفقتهم، ولم يكن مال الوكالة معه في تلك الحالة، لأن لا يمكن أن يستصحب دراهم الموكل في الأحوال كلها فيحتاج أن يؤدي ثمنه من مال نفسه، فكان في التوكيل بذلك يجوز الاستبدال م: (وقيل هذا استحسان وفي القياس ليس له ذلك

(9/303)


ويصير متبرعاً، وقيل: القياس والاستحسان في قضاء الدين لأنه ليس بشراء، فأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويصير متبرعا) ش: فيما أنفق من ماله ويرد الدراهم المأخوذة من الموكل عليه، وإن استهلكها ضمن، لأن الدراهم تتعين في الوكالات حتى لو هلك قبل الإنفاق بطلت الوكالة، فإذا أنفق من مال نفسه فقد أنفق بغير أمره فيكون متبرعا.
م: (وقيل القياس والاستحسان في قضاء الدين) ش: هو أن يدفع المديون إلى رجل ألفا ويوكله بقضاء دينه بها فيدفع الوكيل غير ذلك من مال نفسه قضاء عنه، فإنه في القياس متبرع حتى إذا أراد المأمور أن يحبس الألف دفعت إليه لا يكون له ذلك، وفي الاستحسان ذلك وليس بمتبرع على ما نذكره الآن، قوله م: (لأنه ليس بشراء) ش: هو دليل القياس لأنه لما لم يكن قضاء الدين شراء لم يكن الأمر راضيا بثبوت الدين في ذمته للوكيل، فلو لم تجعله متبرعا لألزمناه دينا لم يرض به فجعلناه متبرعا قياسا، م: (وأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه والله أعلم بالصواب) ش: إلى القياس والاستحسان لا يدخلان فيما ذكرنا في باب الشراء، فلا يكون متبرعا قياسا واستحسانا.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما مسألة الإنفاق رضا الآمر بثبوت الدين في ذمة الوكيل لأنه أمره بالإنفاق، والأمر بالإنفاق أمر بشراء الطعام، والشراء لا يتعلق بعين تلك الدراهم، بل يتعلق بمثلها في الذمة، ثم يثبت به حق الرجوع على الأمر فكان راضيا بثبوت الدين فلم يجعل متبرعا قياسا أيضا.

(9/304)


باب عزل الوكيل قال: وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة؛ لأن الوكالة حقه، فله أن يبطله إلا إذا تعلق به حق الغير بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب لما فيه من إبطال حق الغير وصار كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن. قال: فإن لم يبلغه العزل فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم؛ لأن في العزل إضرارا به من حيث إبطال ولايته أو من حيث رجوع الحقوق إليه فينقد من مال الموكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب عزل الوكيل]
[حكم عزل الوكيل]
م: (باب عزل الوكيل)
ش: أي هذا باب في بيان حكم عزل الوكيل وأخر باب العزل لأنه بعد الإثبات، م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة لأن الوكالة حقه، فله أن يبطله إلا إذا تعلق به حق الغير بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب) ش: أي بالقياس من جهة المدعي م: (لما فيه من إبطال حق الغير) ش:، وقبل بهذين القيدين لأنه لو وكل المدعى عليه لا يطلب المدعي لملك المدعى عليه عزله، وكذا إذا كان الوكيل من جانب الطالب بملك الطالب عزله سواء كان ذلك بطلب المدعى عليه أو لا.
وعدم صحة العزل إذا كان يطلب من جهة الطالب فيما إذا كان العزل عند غيبة الطالب وبحضوره يصح عزله، سواء رضي به الطالب أو لا، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ثبت بالخصومة ما تعلق به حق الغير لا يجوز عزله في الغيبة والحضور.
وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجوز عزل الوكيل بالخصومة تعلق به حق الغير أم لا، لأن الوكالة عقد جائز غير لازم، م: (وصار) ش: أي الوكيل من جهة الطالب إذا كان يطلب من جهة الطالب م: (كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن) ش: بأن وضع الرهن على يدي عدل وشرط في الرهن أن يكون العدل مسلطا على البيع، ثم أراد الراهن أن يعزل العدل عن البيع لا يصح وإن كان بحضرة المرتهن ما لم يرض به، بخلاف عزل الموكل وكيله بالخصومة فإنه يصح إذا كان لم يحضره الطالب، رضي به أو لا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن لم يبلغه العزل) ش: أي فإن لم يبلغ الوكيل عزل الموكل إياه م: (فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم) ش: أي الوكيل عزله، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال الشافعي في الأصح: ينعزل، وبه قال مالك في رواية، وأحمد في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن في العزل إضرار به) ش: أي بالوكيل م: (من حيث إبطال ولايته) ش: من غير علمه م: (أو من حيث) ش: أي أو يكون الإضرار به من حيث م: (رجوع الحقوق إليه) ش: أي إلى الوكيل وبين ذلك بقوله م: (فينقد من مال الموكل) ش: إذا كان وكيلا بالشراء.

(9/305)


ويسلم المبيع فيضمنه فيتضرر به ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره للوجه الأول، وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر فلا نعيده
قال: وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونا مطبقا، ولحاقه بدار الحرب مرتدا لأن التوكيل تصرف غير لازم، فيكون لدوامه حكم ابتدائه، فلا بد من قيام الآمر وقد بطل بهذه العوارض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويسلم المبيع) ش: إلى المشتري إذا كان وكيلا بالبيع، ثم إذا نفذ أو سلم م: (فيضمنه) ش: لأن فعله بعد العزل م: (فيتضرر به) ش:، فلا يجوز لأن الضرر مدفوع شرعا، م: (ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره) ش: أي وغير النكاح مثل البيع والشراء ونحو ذلك م: (للوجه الأول) ش: وهو إبطال الولاية يعني أن العزل لا يصح قبل علم الوكيل أصلا، والوكيل بالنكاح وغيره سواء نظرا إلى الوجه الذي في الإضرار بالوكيل من حيث إبطال ولايته.
وكذا عزل الوكيل بالطلاق لا يصح من غير علمه، ذكره في " مختصر الكافي " م: (وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر فلا نعيده) ش: ذكره في فصل القضاء بالموارث من " أدب القاضي " بقوله: ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والوكالة تثبت بخبر الواحد حرا كان أو عبدا، عادلا كان أو فاسقا، رجلا كان أو امرأة، صبيا كان أو بالغا، وكذلك العدل عندهما.
وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يثبت العزل إلا بخبر الواحد العدل، أو بخبر الاثنين إذا لم يكونا عدلين والوكيل، لو عزل نفسه بغير علم الموكل لا ينعزل ولا يخرج عن الوكالة، وعند الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: ينعزل، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان في عزله ضرر على الموكل لم ينعزل بدون علمه، وفي " الذخيرة ": بإنكار الموكل الوكالة لا ينعزل.

[مبطلات الوكالة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونا مطبقا ولحاقه بدار الحرب) ش: حال كونه م: (مرتدا) ش:، ولا خلاف في هذه الأشياء م: (لأن التوكيل تصرف غير لازم) ش: لأنه يمكنه أن يعزله م: (فيكون لدوام حكم ابتدائه) ش: لأن كل تصرف غير لازم لدوامه حكم ابتدائه، لأن المتصرف بسبيل من نقضه في كل لحظة فصار كأنه يتجدد عقد الوكالة في كل ساعة، وكان على جزء منه بمنزلة ابتداء العقد م: (فلا بد من قيام الآمر) ش: أي أمر الموكل بالتوكيل في كل ساعة.
م: (وقد بطل) ش: أي أمر التوكيل م: (بهذه العوارض) ش: وهي الموت والجنون، والارتداد لا يشكل بالبيع الخيار، فإنه غير لازم، ومع ذلك لا يبطل بالموت بل يتقرر لأن الأصل في البيع اللزوم وعدم اللزوم بسبب العوارض، وهو الخيار، فإذا مات تقرر الأصل وبطل العارض لعدم

(9/306)


وشرط أن يكون الجنون مطبقا لأن قليله بمنزلة الإغماء وحد المطبق شهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بما يسقط به الصوم، وعنه: أكثر من يوم وليلة، لأنه تسقط به الصلوات الخمس، فصار كالميت، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حول كامل لأنه يسقط جميع العبادات فقدر به احتياطا. قالوا: الحكم المذكور في اللحاق قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته فإن أسلم نفذت، وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة، فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه وقد مر في السير، وإن كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب لأن ردتها لا تؤثر في عقودها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقاء الخيار بموته، م: (وشرط) ش: أي القدوري: م: (أن يكون الجنون مطبقا) ش: بكسر الباء أي دائما، ويليه الحمى المطبقة، أي الدائمة، وقيل: مطبقا أي مستوعبا، من طبق الغيم السماء إذا استوعبها.
م: (لأن قليله بمنزلة الإغماء وحد المطبق شهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بما يسقط به الصوم) ش: أي صوم شهر رمضان، روى هذه الرواية أبو بكر الرازي عن أبي حنيفة - رحمهما الله - م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أكثر من يوم وليلة؛ لأنه تسقط به الصلوات الخمس فصار كالميت، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حول كامل) ش: أي الجنون المطبق يقدر بحول كامل، م: (لأنه يسقط به جميع العبادات فقدر به احتياطا) .
ش: وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " التقريب ": قال في " الأصل ": إذا ذهب عقل الموكل زمانا خرج الوكيل من الوكالة، ولو ذهب عقله ساعة والوكيل على وكالته، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا ينعزل حتى يجن أكثر السنة، وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم وليلة، ثم رجع فقال: شهر، ثم رجع فقال: سنة، وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حد الجنون المطبق عند أبي يوسف شهر م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (الحكم المذكور في اللحاق) ش: في " مختصر القدوري " م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده، فكذا وكالته) ش: موقوفة م: (فإن أسلم نفذت، وإن قتل أو ألحق بدار الحرب بطلت الوكالة، فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه، وقد مر في السير) ش: أي يصرف المرتد موقوفا أو نافذا في " السير " في باب أحكام المرتدين، عند قوله -: " وما باعه أو اشتراه أو وهبه أو تصرف فيه، من أمواله في حال ردته فهو موقوف".
م: (وإن كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب لأن ردتها لا تؤثر في عقودها) ش: لأن المرتدة لا تقتل بالحرب ولم يوجد؛ لأنه ليس لها بينة صالحة للحراب

(9/307)


على ما عرف. قال: وإذا وكل المكاتب ثم عجز أو المأذون له ثم حجر عليه، أو الشريكان فافترقا فهذه الوجوه تبطل الوكالة على الوكيل، علم أو لم يعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (على ما عرف) ش: في موضعه في كتب السير.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا وكل المكاتب ثم عجز أو المأذون له) ش: أي ووكل العبد المأذون له م: (ثم حجر عليه) ش: أي على العبد المأذون له م: (أو الشريكان فافترقا) ش: يعني أحد شريكي العنان، أو المفاوضة إذا وكلا وكيلا ثم افترقا م: (فهذه الوجوه) ش: أي عجز المكاتب أو الحجر على المأذون له وافتراق الشريكين م: (تبطل الوكالة على التوكيل علم أو لم يعلم) ش: أي علم الوكيل بذلك أو لم يعلم.
وقال أبو النصر - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في شرحه ": هذا الذي ذكره القدوري جميعه جائز على الأصل إلا في الشريكين، لأن ذلك خلاف الرواية، لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الأصل ": وإذا وكل أحد المتفاوضين وكلا بشيء ثم افترقا واقتسما أو شهدا أنه لا شركة بينهما، ثم إن الوكيل أمضى الذي كان وكل به وهو يعلم أو لا يعلم فإنه يجوز ذلك كله عليهما جميعا، وكذلك لو كانا وكلاه جميعا؛ لأن وكالة أحدهما جائزة على الآخر وليس تفرقهما ينقض الوكالة.
وكذلك قال الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي " للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس تفرقهما نقضا للوكالة لأن أثر النقض لا يظهر في توابع عقود بأثرها أحدهما قبل ذلك.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والعجب من صاحب " الهداية " أنه أبهم الأمر ولم يتعرض لكلام القدوري، والغالب على ظني أن القدوري أراد بذلك الوكالة الثابتة في ضمن عقد الشركة لا الوكالة الابتدائية القصدية، لأن المتضمن وهو عقد الشركة إذا بطل بطل ما في ضمنه لا محالة ولا يلزم أن يكون قوله مخالفا للرواية لا محالة.. انتهى.
ورد عليه الأكمل: بأن هذا على تقدير صحته يختص بمال الشركة لا غير، على أنه مخالف لعبارة الكاتب، انتهى.
وفي " المبسوط ": هذا يعني قوله: فهذه الوجوه تبطل الوكالة إذا كانت الوكالة بالبيع والشراء، أما لو كان التوكيل بقضاء الدين والتقاضي لا يبطل لعجز المكاتب وحجر المأذون، لأن في كل عمل وليه العبد لا تسقط المطالبة عنه بالحجر بل يبقى مطالبا بإيفائه، وبهذا ليس لولي العبد أن يتقاضى دينه إن كان عليه دين أو لا، لأنه إن كان عليه دين فكسبه حق عن مائة والمولى فيه كالأجانب، وإن لم يكن عليه دين فوجب المال بعقد العبد، ولا يكون هو في هذا دون الوكيل، وما وجد من الثمن بعقد الوكيل لا بملك الوكيل المطالبة به فهاهنا أولى.

(9/308)


لما ذكرنا أن بقاء الوكالة يعتمد قيام الآمر وقد بطل بالحجر والعجز والافتراق، ولا فرق بين العلم وعدمه لأن هذا عزل حكمي فلا يتوقف على العلم كالوكيل بالبيع إذا باعه الموكل. قال: وإذ مات الوكيل أو جن جنونا مطبقا بطلت الوكالة لأنه لا يصح أمره بعد جنونه وموته وإن لحق بدار الحرب مرتدا لم يجز له التصرف إلا أن يعود مسلما، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تعود الوكالة، لمحمد: أن الوكالة إطلاق؛ لأنه رفع المانع أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به، وإنما عجز بعارض اللحاق لتباين الدارين، فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إثبات ولاية التنفيذ، لأن ولاية أصل التصرف بأهليته وولاية التنفيذ بالملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لما ذكرنا أن بقاء الوكالة يعتمد قيام الآمر وقد بطل) ش: أي قيام الأمر م: (بالحجر) ش: في المأذون له م: (والعجز) ش: في المكاتب م: (والافتراق) ش: في الشريكين، م: (ولا فرق بين العلم) ش: أي علم الوكيل م: (وعدمه لأن هذا عزل حكمي) ش: أي عزل من طريق الحكم، م: (فلا يتوقف على العلم) ش: كالموت م: (كالوكيل بالبيع إذا باعه) ش: أي إذا باع المبيع الموكل حيث يصير الوكيل معزولا حكما لفوات محل تصرف الوكيل.
م: (قال: وإذا مات الوكيل أو جن) ش: أي الوكيل م: (جنونا مطبقا بطلت الوكالة لأنه لا يصح أمره بعد جنونه وموته) ش: ولو جن ساعة ثم أفاق فهو على وكالته وجعل هذا كالنوم، كذا في " التتمة "، م: (وإن لحق) ش: أي الوكيل م: (بدار الحرب) ش: حال كونه م: (مرتدا لم يجز له التصرف إلا أن يعود) ش: من دار الحرب إلى دار الإسلام حال كونه م: (مسلما) ش:، وقال شيخ الإسلام في " مبسوطه " هذا إذا حكم القاضي بلحاقه، وإليه أشار في " مبسوط شمس الأئمة " لأنه لما قضى بلحاقه بعد موته. أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة، أما قبل القضاء باللحاق لا يخرج عن الوكالة باتفاقهم.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش: أي جواز تصرف الوكيل عند عوده مسلما م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تعود الوكالة؛ ولمحمد: أن الوكالة إطلاق لأنه رفع المانع) ش: ومعناه أن الوكيل كان ممنوعا شرعا أن يتصرف في كل شيء لموكله فإذا وكله رفع المانع م: (أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به) ش: أي بالوكيل من الحرية والعقل والبلوغ.
والقصد في ذلك التصرف، والكل قائم، وصحة التوكيل لحق الموكل وحقه قائم أيضا بعد لحاقه، م: (وإنما عجز بعارض اللحاق لتباين الدارين، فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي التوكيل م: (إثبات ولاية التنفيذ؛ لأن ولاية أصل التصرف بأهليته وولاية التنفيذ بالملك) ش: أي ولاية التنفيذ ملصق بالملك؛ لأن التمليك بلا ملك غير متحقق،

(9/309)


وباللحاق لحق بالأموات، وبطلت الولاية، فلا تعود كملكه في أم الولد والمدبر، ولو عاد الموكل مسلما وقد لحق بدار الحرب مرتدا لا تعود الوكالة في الظاهر، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تعود كما قال في الوكيل، والفرق له على الظاهر أن مبنى الوكالة في حق الموكل على الملك وقد زال، وفي حق الوكيل على معنى قائم به ولم يزل باللحاق.
قال: ومن وكل آخر بشيء ثم تصرف بنفسه فيما وكل به بطلت الوكالة وهذا اللفظ ينتظم وجوها مثل أن يوكله بإعتاق عبده أو بكتابته، فأعتقه أو كاتبه الموكل بنفسه، أو يوكله بتزويج امرأة أو بشراء شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فكان الوكيل مالكا للتنفيذ بالوكالة.
م: (وباللحاق) ش: أي بدار الحرب م: (لحق بالأموات وبطلت الولاية، فلا تعود كملكه في أم الولد والمدبر) ش: يعني يعتق أم ولده ومدبره بالقضاء بلحاقه، وبعوده مسلما لا يعود ملكه، فيهما، ولا يرتفع العقد فكذا الوكالة التي بطلت لا تعود، م: (ولو عاد الموكل مسلما) ش: أي عاد بعد القضاء بلحاقه وبه صرح في " المبسوط " م: (وقد لحق) ش: أي والحال أنه قد لحق م: (بدار الحرب مرتدا لا تعود الوكالة في الظاهر) ش: أي في ظاهر الرواية.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها) ش: أي أن الوكالة م: (تعود كما قال في الوكيل) ش: أي كما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوكيل إذا عاد مسلما: تعود وكالته لأن الموكل إذا عاد مسلما عاد على ماله على قديم ملكه، وقد تعلقت الوكالة بقديم ملكه، فيعود الوكيل على وكالته كما لو وكل ببيع عبده ثم باعه الموكل بنفسه ورد عليه بعيب بقضاء القاضي عاد الوكيل على وكالته، م: (والفرق له على الظاهر) ش: أي الفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ظاهر الرواية م: (أن مبنى الوكالة في حق الموكل على الملك وقد زال) ش: فبطلت الوكالة على البيان م: (وفي حق الوكيل على معنى قائم به) ش: أي بالوكيل م: (ولم يزل) ش: بضم الزاي، أي المعنى القائم به لم يزل م: (باللحاق) ش: بدار الحرب، ولكنه عجز عن التصرف بعارض على شرف الزوال، فإذا زال العارض صار كأن لم يكن.

[تصرف بنفسه فيما وكل به الوكيل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن وكل رجلا بشيء) ش: وفي بعض النسخ: ومن وكل آخر بشيء م: (ثم تصرف بنفسه فيما وكل به) ش: أي الذي وكل به، بأن باعه أو وهبه لأحد أو تصدق به م: (بطلت الوكالة) ش: انتهى كلام القدوري، وقال المصنف: م: (وهذا اللفظ) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي هذا اللفظ الذي قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينتظم وجوها) ش: أي يشمل وجوها كثيرة من المسائل، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (مثل أن يوكله) ش: أي أو يوكل أحدا م: (بإعتاق عبده أو بكتابته) ش: أي: أو أن يكاتب عبده م: (فأعتقه) ش: أي الموكل أعتق عبده بنفسه م: (أو كاتبه الموكل بنفسه) ش: بطلت الوكالة م: (أو يوكله) ش: أي أو يوكل أحدا م: (بتزويج امرأة) ش: أي بأن يزوجه امرأة م: (أو بشراء شيء) ش: أي أو

(9/310)


ففعله بنفسه، أو يوكله بطلاق امرأته فطلقها الزوج ثلاثا أو واحدة، وانقضت عدتها، أو بالخلع فخالعها بنفسه لأنه لما تصرف بنفسه تعذر على الوكيل التصرف فبطلت الوكالة، حتى لو تزوجها بنفسه وأبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها منه؛ لأن الحاجة قد انقضت، بخلاف ما إذا تزوجها الوكيل وأبانها له أن يزوج الموكل لبقاء الحاجة، وكذا لو وكله ببيع عبده فباعه بنفسه، فلو رد عليه بعيب بقضاء قاض، فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس للوكيل أن يبيعه مرة أخرى لأن بيعه بنفسه منع له من التصرف فصار كالعزل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يبيعه مرة أخرى لأن الوكالة باقية؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوكله بشراء شيء م: (ففعله بنفسه) ش: أي فعله الموكل بنفسه بأن يزوجها بنفسه أو اشتراه بنفسه كان ذلك عزلا، حتى لو أباناها بعد الزواج لم يجز للوكيل أن يزوجها إياه، م: (أو يوكله) ش: أي يوكل أحدا م: (بطلاق امرأته فطلقها الزوج ثلاثا) ش: أي ثلاث طلقات م: (أو واحدة) ش: أي أو طلقها واحدة م: (وانقضت عدتها) ش: فليس للوكيل أن يطلقها بعد ذلك، لا في العدة ولا بعدها وإنما قيد بقوله " وانقضت عدتها " لأنه إذا طلقها بنفسه واحدة ولم تنقض عدتها، كان للوكيل أن يطلقها ما دامت في العدة.
م: (أو بالخلع) ش: أي أو يوكله بأن يخالع امرأته م: (فخالعها) ش: أي الزوج م: (بنفسه لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (لما تصرف بنفسه) ش: أي لما فعل الذي وكله فيه بنفسه م: (تعذر على الوكيل التصرف فبطلت الوكالة) ش: ثم بين نتيجة ذلك بقوله م: (حتى لو تزوجها بنفسه) ش: أي لو تزوج المرأة التي وكل الرجل بأن يزوجها إياه م: (وأبانها) ش: أي بعد التزوج بنفسه بالطلاق م: (لم يكن للوكيل أن يزوجها منه) ش: أي أن يزوج المرأة البائنة من الوكيل م: (لأن الحاجة قد انقضت) ش: أي لأن حاجته كانت في تزوجها وقد حصلت م: (بخلاف ما إذا تزوجها الوكيل) ش: أي المرأة التي وكل بتزويجها إياه وبعد أن تزوجها م: (وأبانها له) ش: أي للوكيل م: (أن يزوج الموكل) ش: الذي كان وكل لرجل بتزويجها إياه، حيث يجوز تزويجه إياها منه م: (لبقاء الحاجة) ش: أي حاجة الموكل فيها.
م: (وكذا لو وكله ببيع عبده فباع بنفسه) ش: أي فباعه الموكل بطلت الوكالة، م: (فلو رد عليه) ش: أي فلو رده العبد م: (بعيب) ش: ظهر فيه على الموكل م: (بقضاء قاض) ش: قيد به لأنه لو رده بالتراضي بغير قضاء فليس للوكيل أن يبيعه من أخذه بالإجماع، م: (فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ليس للوكيل أن يبيعه) ش: أي هذا العبد م: (مرة أخرى لأن بيعه بنفسه) ش:، أي لأن بيع الموكل بنفسه العبد م: (منع له) ش: أي الوكيل م: (من التصرف فصار كالعزل) ش: صريحا.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يبيعه مرة أخرى لأن الوكالة باقية لأنه) ش: أي لأن عقد

(9/311)


إطلاق والعجز قد زال، بخلاف ما إذا وكله بالهبة فوهب بنفسه ثم رجع لم يكن للوكيل أن يهب ثانيا لأنه مختار في الرجوع فكان دليل عدم الحاجة، أما الرد بقضاء بغير اختياره فلم يكن دليل زوال الحاجة فإذا عاد إليه قديم ملكه كان له أن يبيعه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوكالة أو لأن التوكل م: (إطلاق) ش: أي إطلاق للتصرف، ولم يوجد العزل صريحا وكان ممنوعا لعارض لعجزه عن ذلك م: (والعجز قد زال) ش: فلا يمنع الوكيل عن بيعه مرة أخرى م: (بخلاف ما إذا وكله) ش: وكل واحدا م: (بالهبة) ش: بأن يهب عبدا من فلان أو غيره من نحو ذلك م: (فوهب بنفسه) ش:، أي فوهب الموكل بنفسه م: (ثم رجع) ش: عن هبته م: (لم يكن للوكيل أن يهب ثانيا) ش: بعد ذلك م: (لأنه) ش: أي لأن الواهب م: (مختار في الرجوع فكان ذلك) ش: أي الرجوع من الواهب مختارا.
م: (دليل عدم الحاجة) ش: أي إلى الهبة إذا لو كان محتاجا لما رجع، فكان دليلا على نقض الوكالة، م: (أما الرد بقضاء) ش: أي أما رد الهبة بقضاء القاضي م: (بغير اختياره) ش: أي اختيار الواهب م: (فلم يكن دليل زوال الحاجة، فإذا أعاد إليه قديم ملكه كان له) ش: أي للوكيل م: (أن يبيعه والله أعلم) ش: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ": وإذا وكل الرجل رجلا ببيع عبد له، ثم إن الموكل باع العبد، أو دبره، أو كاتبه، أو وهبه، أو تصدق به، أو رهنه، وقبض منه أو أجره، أو كاتب أمته فوطئها فولدت أو لم تلد، فإن ذلك كله نقض للوكالة، ما خلا الوطئ إذا لم تلد، وما خلا الإجارة والرهن، وكذلك الخدمة ليس تنقض الوكالة.
وقال الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو وكله أن يزوجه امرأة بينهما فأذن لها الزوج فمات عنها أو طلقها وانقضت العدة، ثم زوجها إياه الوكيل جاز لأنه أمره بإنكاحها إياه، وهو متصور بواسطة الموت وانقضاء العدة، فانصرف التوكيل إليه، وصار كأنه نص على إضافة التوكيل إلى تلك الحالة والوكالات مما لا يقبل التعليق والإضافة إلى زمان في المستقبل، والله أعلم.

(9/312)